الخميس، 20 أكتوبر 2022

المولد (عيدٌ) ...ولا غضاضة... اقرأ الأدلة ..

 المولد (عيدٌ) ...ولا غضاضة...

مامعنى العيد ؟!
شاعت فتوى الشيخ العلامة الحافظ محمد الحسن بن الددو في صور الاحتفال بـ(المولد الشريف)، وأولى الصور:
- (من اتخذه عيدا كعيدي الفطر والأضحى فقد ابتدع)..
وواضح تقييد هذا بـ(كاف التشبيه)، أي: عيد (كـ) العيد (الشرعي) فيه عبادات وأحكام مخصوصة كالأضحى والفطر، وإلا فإن العيد لا يأتي فقط بمعنى (العيد الشرعي)، بل يأتي بمدلوله اللغوي والعرفي والاجتماعي، ويقال: عيد، ولا غضاضة، قال ابن منظور: (العيد: كل يوم فيه جمع، واشتقاقه من: عاد، يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه..)، وقال القرطبي: (..وقال الخليل: العيد كل يوم يجمع كأنهم عادوا إليه ، وقال ابن الأنباري: سمي عيدا للعود في المرح والفرح.......)، وهنا تظهر (صورة ثانية) لم يذكرها الشيخ وهي أوْلى، وهي من اعتاده (عيدا اجتماعيا) أو (عرفيا) أو (تقليديا)، فهذا أيضا لا حرج عليه، لأنه لا تعلق له بالتشريع ولا له أحكام مخصوصة، ولا يمكن أن يمنع الشرع من دلالة لغوية أو عرفية، ويمكن للناس أن يتخذوا أي تاريخ أو مناسبة (عيدا) بالاعتبار اللغوي وبالاعتبار الاجتماعي، وعليه يصح القول بأن المولد (عيد) بهذا الاعتبار، لا مجرد ذكرى، والذكرى قد تكون فردية، يتذكر المرء شيئا ما وحده في مناسبة ما، أما العيد - لغةً - فيحتاج اجتماعا وعادة، وهذا كله متوفر في المولد.
ثم إن الصورة الأولى التي ذكرها الشيخ لا وجود لها في الواقع، وإنما توجد الصورة الثانية، فعلى اتساع رقعة العالم الإسلامي وتاريخه لم توجد عبادات مخصوصة وأحكام مخصوصة ليوم المولد، إنما هي اجتهادات احتفالية وترويحية تتساوق مع الأعراف والتقاليد، وأغلبها مشاهد احتفالية تختلف من مكان إلى مكان، ولم يقع في التاريخ أن تم تخصيص عبادات أو أحكام بالمولد، وهذا ما أعتقده، (المولد عيد اجتماعي) ولكنه اصطبغ بصبغة دينية لأنه جعل مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - منشأ أو سببا له، وذلك على عادة المجتمعات الإسلامية في الاستناد إلى تاريخها وعاطفتها الدينية، وحتى الأفراح و(الأعراس) كانت تستغل الذاكرة التاريخية الدينية، وكانت تمر بالمدائح وما أشبه ذلك، بل كل مناسبات أسلافنا كانت تتخذ الأهازيج الدينية والمدائح مناخا عاما لها، تماما كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينشد مع الصحابة في حفر الخندق وبناء المسجد، وكان إنشادهم مما فيه ذكر ..
وأخيرا أنبه إلى بطلان الزعم باقتصار الأعياد في الإسلام على (الفطر) و(الأضحى)، فقد صحّ في سنن ابن ماجه وغيره قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الجمعة: (إن هذا يوم عيد، جعله الله للمسلمين، فمن جاء الجمعة فليغتسل)، وصح في السنن (أبو داوود الترمذي، النسائي)، وفي مسند أحمد الحديث: (يوم عرفة ويوم النحر، ىوأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب..)، فالأعياد أكثر، الجمعة، عرفة، أيام التشريق، الفطر، الأضحى، وماذا في أيام التشريق من عبادات وأحكام مخصوصة، وإنما هي للأكل والشرب كما جاء في نهاية الحديث..وهي تتفق مع المعنى اللغوي (يوم فيه جمع).
وعن معنى الجمع لم ترد كلمة العيد في القرآن إلا مرة واحدة من دعاء المسيح - عليه السلام -: {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا..}، فهي للحواريين يجتمعون عليها، ولو كان العيد الشرعي يعني مجرد العبادة المخصوصة والأحكام المخصوصة ما اختلف المفسرون في لفظة (عيد) هنا، حتى إن منهم من قال عن معنى عيد المائدة: (نأكل منها جميعا)، [انظر الطبري]، ثم يأتيك أحمق يحرم (طعام المولد)، ويلاحظ أن المولد (عيد ليلي) فيقال: (ليلة المولد)، واليوم تب لتلك الليلة، وهذا يجعل الاحتفال بليلة القدر عيدا عرفيا ولغويا لحصول الاجتماع فيه، ويقاس على المعنى العرفي واللغوي كل الأعياد الوطنية ذا حصل فيها جمع، فإنها (أعياد) لا مجرد ذكريات ...وهكذا كل المناسبات، المهم أن تكون لها قوة ذاتية تجذب الناس إلى الاجتماع عليها..ولا ريب أن جاذبية المولد من صاحب المناسبة صلى الله عليه وآله وسلم وو أقوى جاذبية، فلهذا حين اعتاد الناس الاجتماع عليه لم تسطتع قوة ولا فتوى أن تمنع ذلك ...
هكذا، بالاعتبار اللغوي والعرفي يكون (المولد) عيدا، فمن زعم أن فيه عبادة مخصوصة أو أحكاما مخصوصة فهذا من يبتدع حقا.
والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق