السبت، 13 ديسمبر 2025

شرح وتوضيح ...((تنبيهات مهمة حول حقوق التركة))

 شرح وتوضيح ...

((تنبيهات مهمة حول حقوق التركة))

إذا مات ابن آدم أصبح جميعُ ما كان يملكه عند وفاته من أموال تركةً ، سواء أكان هذا المال :
[منقولاً كالنقد والأثاث وغيرهما ، أم غير منقول كالأراضي والعقارات، أو كان دية ، أو كان وديعة قد أودعها عند أحد] .
ويتعلق بهذه التركة حقوق أربعة ، وهي مرتبة على النحو الآتي :
١- تجهيز الميت :
أي غسله وتكفينه ودفنه بما يليق بأمثاله من غير إسراف ولا تقتير ، وبما يليق بحاله عسراً ويسراً .
٢- قضاء الديون :
وهي على قسمين :
أ: ديون الله تعالى : كالنذر أو الكفارة أو حج الفريضة... إلخ .
ب : ديون العباد : وهي الديون المعروفة بين الناس، والناشئة عن قرض أو دين معاملة .
ومنها : (مهر الزوجة المؤجل) فإنه من جملة الديون التي يجب قضاؤها ، وقد يغفل عن ذلك كثير من الناس ما لم يتم التنازل عنه .
٣- تنفيذ الوصايا :
إذا أوصى الميت بشيء وجب تنفيذ وصيته ، لكن في حدود ثلث المال الباقي ، ولا يجوز أن يتجاوز في تنفيذ الوصية حدود هذا الثلث إلا إذا أجاز ذلك الورثة البالغون العاقلون، وتكون إجازتهم تبرعاً منهم بحق ثبت لهم .
٤- الميراث :
بعد الحقوق الثلاثة الماضية بضوابطها يكون المال المتبقي ميراثاً ، يوزع بين الورثة بمقدار حصصهم الشرعية .
وهنا لا بد من التنبيه على خمسة أمور :
الأول : إن حق الورثة بالتركة لا يستقر إلا بعد أن تُخرَج الحقوق السابقة .
فإن أخذ أحد الورثة من التركة قبل ذلك شيئاً ولو قليلاً (كعصا كان يتوكأ عليها الميت) إنما يأخذه ظلماً وعدواناً ؛ لأنه آخذ لحق ليس له .
الثاني : جميع ما يتركه الميت هو تركة ، ما قلَّ منه أو كثر، وسواء منه الثمين والحقير .
فلا يجوز أن يأخذ أحد الورثة شيئاً من التركة دون علم الآخرين ورضاهم ، وأما إن كان في الورثة أطفال صغار فلا يجوز له ذلك بحال .
الثالث : إن من الأموال التي يُظن أنها ميراث ما هو حق للزوجة : [كالأثاث الذي أحضره الزوج لها وكان من جهازها، أو اتفقوا على أن يكون المهر أو جزء منه أثاثاً ، أو ما أهداه أهل الزوجة للزوجة] فهذا ليس من الميراث ، بل هو ملك للزوجة أباحت هي استعماله لزوجها ولأولادها .
الرابع : إن الودائع التي يضعها الميت عند أحد أبنائه لا يجوز له التصرف بها ؛ لأنها ميراث وحق لجميع الورثة .
الخامس (وهو الأهم) : لا يجوز الإنفاق على مراسيم العزاء من أموال التركة ؛ لأن أموال الميت قد أصبحت من حق الورثة بعد إخراج الحقوق الأخرى ، فلا يتصرف فيها إلا بإذنهم ورضاهم، وإذا كان للميت ورثة قاصرون حرم الإنفاق من أموالهم ، ولا عبرة بإذنهم ؛ لأنهم لا يملكون الإذن أصلاًً .
فليتقِ الله عز وجل من يسرف في مراسيم الجنازة أو العزاء من أموال الميت ؛ لأن هذه المراسيم ليست من تجهيز الميت في شيء ، فالتجهيز كما سبق بيانه هو تغسيل الميت وتكفينه ودفنه فقط ، بل إن غالب هذه المراسيم يُبالغ فيها ويدخلها في بعض الأحيان الكثير من الرياء والسمعة .
والصحيح : أن يتبرع بها أحد الورثة الذين هم من أهل التبرع من ماله الخاص ، فلا بأس فيها حينئذ إن كانت في حدود المشروع ... والله تعالى أعلم ...
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
(منقول من موقع الإفتاء العام للمملكة الأردنية الهاشمية مع تصرف كثير وإضافات) .
د. فتحي مولان عبد الواحد
الاثنين : ١٨/ جمادى الأولى/ ١٤٤٤ الموافق ١٢/ ١٢/ ٢٠٢٢

*حكم جمع العصر مع صلاة الجمعة*

 *حكم جمع العصر مع صلاة الجمعة*

السؤال: شيخنا هل يجوز للمسافر أو المعذور الذي صلى الجمعة مع الامام المقيم ان يجمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة جمع تقديم ؟ بارك الله فيكم
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن رحمة الله تعالى بعبادة أن شرع لهم قصر وجمع الصلاة في السفر تخفيفاً منه وفضلاً، وحسب القاعدة الفقهية - الْمَشَقَّة تجلب التَّيْسِير - وذلك لأن المسافر تعتريه من الظروف والأحوال والمشقة ما يصعب معه أداء كل صلاة كاملة وفي وقتها.
ولهذا فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء في السّفَر ، بينما ذهب الحنفية الى عدم جواز الجمع بين فرضين في وقت، فلا يجوز عندهم إلا الجمع الصوري بتأخير الظهر إلى آخر وقتها، ثم أداء صلاة العصر في أول وقتها، ما عدا الجمع بعرفة بين الظهر والعصر جمع تقديم مع الامام، وفي مزدلفة بين المغرب والعشاء ليلة النحر بعد الغروب . ونقل قول عن الامام مالك أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير.
🔆والراجح هو ما ذهب اليه جمهور اهل العلم الى جواز الجمع بين الصلاتين في السفر ، لحديث معاذ -رضي الله عنه- في صحيح الامام مسلم وموطأ الامام مالك : ((خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ، ثُمَّ دَخَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا)) .
قال الامام ابن قدامة المقدسي في المغني : (وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الردّ على من قال: "لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدّ به السير" ، لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي الصلاتين جميعا ثم ينصرف إلى خبائه).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (ظاهر حديث معاذ أنه كان نازلا في خيمة في السفر ، وأنه أخّر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ، فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنـزل ، وأما السائر فلا يقال دخل وخرج بل نزل وركب بما ثبت من الأحاديث التي جاء فيها التصريح بالجمع ، وأنه رخصة.... وبين الجمع والقصر تلازم ، فإن من جاز له القصر جاز له الجمع ، ولا عكس) .
💥واما جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة ؛ فقد اختلف القائلون بجواز جمع الصلاتين للمسافر على قولين:
القول الاول: يجوز جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة تقديما، وهو مذهب الشافعية، لأنه من رخص الله تعالى، والله يحب أن تؤتى رخصه ، ولان معنى الجمع بين الصلاتين هو وضع إحداهما في وقت الأخرى، وهذا حاصل بالجمعة، ووقت الجمعة لم يتغير وإنما قدمنا العصر، ولا فرق بين عصر السبت والخميس وبين عصر الجمعة في جواز نقل صلاة العصر إلى وقت الصلاة التي قبلها لاتحاد الوقت بين صلاتي الظهر والجمعة ، وكذلك لوجود علة الجمع ، والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما. والله تعالى خفف عن المسافر فلم يوجب عليه صلاة الجمعة، وجعل السفر أحد الأعذار المسقطة لوجوبها عليه، ومع ذلك تصح منه إذا حضرها، تيسيراً من الله ورحمة، فكيف يشدد عليه بمنعه من جمع صلاة العصر معها.
وقال الامام زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري في أسنى المطالب في شرح روض الطالب: (ويجوز جمع الجمعة، والعصر تقديما كما نقله الزركشي واعتمده كجمعهما بالمطر بل أولى ويمتنع تأخيرا ).
وقال الامام ابو بكر تقي الدين الحصني الشافعي في كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار : (وكما يجوز الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر يجوز الْجمع بَين الْجُمُعَة وَالْعصر ثمَّ إِذا جمع بالتقديم فَيشْتَرط فِي ذَلِك مَا شَرط فِي جمع السّفر).
وقال الامام شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي في غاية البيان شرح زبد ابن رسلان:(ويجوز جمع الجمعة والعصر بالسفر تقديما ).
وقد ذهبوا ايضا الى جواز الجمع بين العصر وصلاة الجمعة بعذر المطر، قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج : (يجمع العصر مع الجمعة في المطر وإن لم يكن موجودا -أي المطر- حال الخطبة؛ لأنها ليست من الصلاة).
القول الثاني: عدم جواز جمع الجمعة مع العصر مطلقا ، وهو مذهب الحنابلة ، وذلك لعدم ورود الدليل على ذلك، والأصل في العبادات المنع إلا بدليل، وكذلك لا قياس في العبادات، فلا تقاس الجمعة على الظهر.
كما ان الجمعة صلاة مستقلة، وتفترق أحكامها عن الظهر بفروق كثيرة تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى.
قال الامام منصور البهوتي في شرح منتهى الارادات : (ولا تجمع جمعة إلى عصر ولا غيرها حيث أبيح الجمع ، لعدم وروده).
ولم اجد نصا صريحا للمالكية في المنع او الجواز، لكنهم يمنعون من جمع الظهر والعصر أصلاً في المطر، وطرد مذهبهم أن يمنعوا من الجمع بين الجمعة والعصر. والسبب في أن الفقهاء يوردون بحث هذه المسألة تحت (باب صلاة الجمعة) ولا يوردونها عند الكلام حول صلاة المسافر أو في مسائل الجمع بين الصلاتين؛
هو ان المسافر لا تلزمه الجمعة، ولا يكاد يدركها في سفره، و أكثر ما يمكن أن ترد عليه صورة جمع الجمعة والعصر هو في حال الحضر؛ سواء كان لعذر المطر أو الوحل أو الرياح أو لعذر أخر.
💥الخلاصة:
فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء في السّفَر، واختلفوا في جواز جمع العصر مع الجمعة على قولين كلاهما قوي ومتجه ، والقول الاول اقرب للتيسير ورفع الحرج في السفر وهو من مقاصد الشريعة.
*فالمفتى به*:
هو جواز جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة تقديما في السفر والمطر، لأنه من رخص الله تعالى، والله يحب أن تؤتى رخصه ، ولان معنى الجمع بين الصلاتين هو وضع إحداهما في وقت الأخرى، وهذا حاصل بالجمعة، واما قول المانعين بان الجمعة صلاة مستقلة ولا تقاس على الظهر ، فيمكن ان يرد عليه ان القياس في باب الرخص معمول به عند الأصوليين ، فقد ذكر الامام الزركشي في البحر المحيط امثلة كثيرة في الباب الخامس - في ما يجري فيه القياس- ، فقال: ( أمثلة للقياس في الرخص وقد استعمل أصحابنا القياس في الرخص...) ، كما ان الجمعة والظهر يتفقان في مسائل كثيرة، منها الأعذار التي تبيح التخلف عنهما، وجوازها في الرحال في المطر الشديد، وتزيد الجمعة في حق المسافر أنها لا تجب عليه. والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين عبدالله الصالح