ردّ على السلفية المعاصرة في نسبة كتاب
الإبانة في أصول الديانة للإمام أبي الحسن الأشعري .
شكك بعضهم في نسبة الكتاب لأبي الحسن الأشعري وهذا محض افتراء، فقد ثبت الكتاب يقينا للإمام أبي الحسن الأشعري ونص فيه أنه رجع إلى مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وإليك ما ذكروه مختصرا في صحة نسبة الكتاب
1 - قال الحافظ مؤرخ الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي المتوفى سنة 571ه في كتابه (التبيين): قال أبو بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحاق الأزدي القيرواني المعروف بابن عزرة: إن أبا الحسن الأشعري كان معتزلياً وأنه أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنة، وكان لهم إماماً ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوماً، فبعد ذلك خرج إلى الجامع بالبصرة فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة، وقال: معاشر الناس إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي حق على باطل ولا باطل على حق، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده، كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب إلى الناس، فمنها كتاب اللمع وغيره من تواليفه الآتي ذكر بعضها قريباً إن شاء الله (وذكر منها بعد ذلك الإبانة): فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها وانتحلوه واعتقدوا تقدمه واتخذوه إماما حتى نسب مذهبهم إليه.
2 - وممن عزا الإبانة إلى أبي الحسن الأشعري، الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي المتوفي سنة 458 قال في كتابه (الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد) في باب القول في القرآن صفحة 31، ذكر الشافعي رحمه الله ما دل على أن ما نتلوه من القرآن بألسنتنا ونسمعه بآذاننا، ونكتبه في مصالحنا يسمى كلام الله عز وجل، وأن الله عز وجل كلم به عباده بأن أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبمعناه ذكره أيضاً علي بن إسماعيل في كتاب الإبانة. وقال في صفحة 32 من الكتاب المذكور آنفاً: قال أبو الحسن علي بن إسماعيل في كتابه، يعني الإبانة: "فإن قال قائل: تقولون أن كلام الله عز وجل في اللوح المحفوظ، قيل له نقول ذلك، لأن الله قال {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} فالقرآن في اللوح المحفوظ وهو في صدور الذين أوتوا العلم، وهو متلو بالألسنة قال تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} والقرآن مكتوب في مصاحفنا في الحقيقة محفوظ في صدورنا في الحقيقة متلو بألسنتنا في الحقيقة مسموع لنا في الحقيقة كما قال تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} ثم قال في صفحة 26 بعد سرد الأدلة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق: وقد احتج علي بن إسماعيل الأشعري رحمه الله بهذه الفصول" اه.
3 - وممن ذكر الإبانة وعزاها لأبي الحسن الأشعري الحافظ الذهبي، قال في كتابه (العلو للعلي الغفار) صفحة 278: قال الأشعري في كتاب (الإبانة في أصول الديانة) له في باب الاستواء. ثم قال: وكتاب الإبانة من أشهر تصانيف أبي الحسن الأشعري شهره الحافظ ابن عساكر واعتمد عليه ونسخه بخطه الإمام محيي الدين النووي.
4 - ومنهم الحافظ أبي العباس أحمد بن ثابت الطرقي. ذكر الذهبي عنه أنه قال: قرأت في كتاب أبي الحسن الأشعري الموسوم بالإبانة أدلة على إثبات الاستواء. (العلو ص 278)
5 - وممن نسبها إلى أبي الحسن الأشعري ابن فرحون المالكي قال في كتابه الديباج صفحة 193: إلى ص194 ولأبي الحسن الأشعري كتب منها كتاب اللمع الكبير، وكتاب اللمع الصغير، وكتاب الإبانة في أصول الديانة. اه.
6 - وممن عزاها لأبي الحسن الأشعري أبو الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089ه. قال في (شذرات الذهب في أعيان من ذهب) الجزء الثاني ص 303 " قال أبو الحسن الأشعري في كتابه (الإبانة في أصول الديانة) وهو آخر كتاب صنفه. وعليه يعتمد أصحابه في الذب عنه عند من يطعن عليه", ثم ذكر فصلاً كاملاً من الإبانة.
7 - ومنهم إمام القراء أبو الحسن بن علي بن إبراهيم الفارسي ذكر الإمام أبا الحسن الأشعري رحمة الله عليه، فقال: وله كتاب في السنة سمّاه كتاب الإبانة صنفه ببغداد لما دخلها، وذكر ابن درباس أنه وجد كتاب الإبانة في كتب أبي الفتح نصر المقدسي رحمه الله ببيت المقدس وقال: رأيت في بعض تآليفه في الأصول فصولاً منها بخطه. (الأشعري لحماد الأنصاري)
8 - ومنهم الفقيه أبو المعالي مجلي صاحب كتاب الذخائر في الفقه، قال ابن درباس أنبأني غير واحد عن الحافظ أبي محمد المبارك ابن علي البغدادي ونقلته أنا من خطه في آخر كتاب الإبانة قال نقلت هذا الكتاب جميعه من نسخة كانت مع الشيخ الفقيه المجلي الشافعي أخرجها في مجلدة فنقلتها وعارضت بها وكان رحمه الله يعتمد عليها وعلى ما ذكره فيها ويقول لله من صنفه ويناظر على ذلك من ينكره وذكر ذلك لي وشافهني به قال: هذا مذهبي وإليه أذهب نقلت هذا في سنة 540ه بمكة وهذا آخر ما نقلت من خط ابن الطباخ. وذكر فيمن عزاها إلى أبي الحسن أبا محمد بن علي البغدادي نزيل مكة قال ابن درباس شاهدت نسخة من كتاب الإبانة بخطه من أوله إلى آخره، وهي بيد شيخنا الإمام رئيس العلماء الفقيه الحافظ العلامة أبي الحسن بن المفضل المقدسي ونسخت منها نسخة، وقابلتها عليها بعد أن كنت كتبت نسخة أخرى مما وجدته في كتاب الإمام نصر المقدسي ببيت المقدس ولقد عرضها بعض أصحابنا على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراء إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس فأنكرها وجحدها وقال ما سمعنا بها قط ولا هي من تصنيفه واجتهد آخراً في أعمال رويته ليزيل الشبهة بفطنته فقال بعد تحريك لحيته لعله ألفها لما كان حشوياً، قال ابن درباس فما دريت من أين أمريه أعجب أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في تصانيفه من العلماء أو من جهله بحال شيخه الذي يفتري عليه بانتمائه إليه، واشتهاره قبل توبته من الاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها، فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة فكيف يكونون بحال السلف الماضين وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والمحدثين وهم لا يلون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم وهم والله بذلك أجهل وأجهل كيف لا وقد قنع بعض من ينتمي منهم إلى أبي الحسن الأشعري بمجرد دعواه وهو في الحقيقة مخالف لمقالة أبي الحسن التي رجع إليها واعتمد في تدينه عليها قد ذهب صاحب التأليف إلى المقالة الأولى، وكان خلاف ذلك أحرى به وأولى لتستمر القاعدة وتصير الكلمة واحدة اه كلام ابن درباس رحمه الله. (الأشعري لحماد الأنصاري)
9 - وممن ونسبها إلى الأشعري الإمام ابن تيمية. قال في الفتوى الحموية الكبرى صفحة 70: قال أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه الإبانة في أصول الديانة وقد ذكر أصحابه أنه آخر كتاب صنفه وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه فقال: فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة وذكر ما في أو كتاب الإبانة بحروفه.....)
عبد الحكيم عبد الرازق
=========
ردّ الإمام أبي الحسن الأشعري على المعتزلة
في مسألة أن الله لا يرى في الآخرة
قال الإمام أبو الحسن الأشعري في كتاب الإبانة:
قال الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة) (22 /75) يعني مشرقة، (إلى ربها ناظرة) (23 /75) يعني رائية، وليس يخلو النظر من وجوه نحن ذاكروها:
إما أن يكون الله سبحانه عنى نظر الاعتبار، كقوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) (17 /88) .
أو يكون عنى نظر الانتظار، كقوله تعالى: (ما ينظرون إلا صيحة واحدة) من الآية (49 /36)
أو يكون عنى نظر التعطف، كقوله تعالى : (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) من الآية (77 /3) .
أو يكون عنى نظر الرؤية.
فلا يجوز أن يكون الله عز وجل عنى نظر التفكير والاعتبار؛ لأن الآخرة ليست بدار اعتبار.
ولا يجوز أن يكون عنى نظر الانتظار؛ لأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه، كما إذا ذكر أهل اللسان نظر القلب فقالوا: " انظر في هذا الأمر بقلبك "، لم يكن معناه نظر العينين، وكذلك إذا ذكر النظر مع الوجه لم يكن معناه نظر الانتظار؛ الذي يكون للقلب، وأيضا فإن نظر الانتظار لا يكون في الجنة؛ لأن الانتظار معه تنغيص وتكدير، وأهل الجنة في ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من العيش السليم والنعيم المقيم.
وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكونوا منتظرين؛ لأنهم كلما خطر ببالهم شيء أتوا به مع خطوره ببالهم، وإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز أن يكون الله عز وجل أراد نظر التعطف؛ لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم.
وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر، وهو أن معنى قوله: (إلى ربها ناظرة) أنها رائية ترى ربها عز وجل.
ومما يبطل قول المعتزلة: أن الله عز وجل أراد بقوله: (إلى ربها ناظرة) نظر الانتظار، أنه قال: (إلى ربها ناظرة) ونظر الانتظار لا يكون مقرونا بقوله: (إلى) ؛ لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار " إلى "، ألا ترى أن الله تعالى لما قال: (ما ينظرون إلا صيحة واحدة) من الآية (49 /36) لم يقل " إلى "؛ إذ كان معناه الانتظار.
وقال عز وجل مخبرا عن بلقيس:(فناظرة بم يرجع المرسلون) من الآية (35 /27) ، فلما أرادت الانتظار لم تقل " إلى ".
وقال امرؤ القيس:
فإنكما إن تنظراني ساعة من الدهر تنفعني لدى أم جندب
فلما أراد الانتظار لم يقل " إلى "، فلما قال سبحانه: (إلى ربها ناظرة) (23 /75) علمنا أنه لم يرد الانتظار، وإنما أراد نظر الرؤية.
ولما قرن الله عز وجل النظر بذكر الوجه؛ أراد نظر العينين اللتين في الوجه، كما قال: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها) (144 /2) ، فذكر الوجه، وإنما أراد تقلب عينيه نحو السماء ينظر نزول الملك عليه، يصرف الله تعالى له عن قبلة بيت المقدس إلى القبلة.
فإن قيل: لم قلتم: إن قوله تعالى: (إلى ربها ناظرة) إنما أراد إلى ثواب ربها ناظرة؟
قيل له: ثواب الله غيره، والله سبحانه وتعالى قال: (إلى ربها ناظرة) (23 /75) ولم يقل: إلى غيره ناظرة.
والقرآن العزيز على ظاهره، وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة، وإلا فهو على ظاهره.
ألا ترى أن الله عز وجل لما قال: صلوا لي واعبدوني، لم يجز أن يقول قائل: إنه أراد غيره، ويزيل الكلام عن ظاهره؛ فلذلك لما قال: (إلى ربها ناظرة) لم يجز لنا أن نزيل القرآن عن ظاهره بغير حجة.
ثم يقال للمعتزلة: إن جاز لكم أن تزعموا أن قول الله تعالى: (إلى ربها ناظرة) إنما أراد به أنها إلى غيره ناظرة، فلم لا جاز لغيركم أن يقول: إن قول الله سبحانه وتعالى : (لا تدركه الأبصار) (103 /6) أراد بها لا تدرك غيره، ولم يرد أنها لا تدركه؟ وهذا مما لا يقدرون على الفرق فيه.
ودليل آخر: ومما يدل على أن الله تعالى يرى بالأبصار قول موسى صلى الله عليه وسلم: (رب أرني أنظر إليك) من الآية (143 /7) ولا يجوز أن يكون موسى صلوات الله عليه وسلامه - وقد ألبسه الله جلباب النبيين، وعصمه بما عصم به المرسلين - قد سأل ربه ما يستحيل عليه، فإذا لم يجز ذلك على موسى صلى الله عليه وسلم علمنا أنه لم يسأل ربه مستحيلا، وأن الرؤية جائزة على ربنا تعالى.
ولو كانت الرؤية مستحيلة على ربنا تعالى كما زعمت المعتزلة، ولم يعلم ذلك موسى صلى الله عليه وسلم وعلموه هم لكانوا على قولهم أعلم بالله من موسى صلى الله عليه وسلم، وهذا مما لا يدعيه مسلم.......)
وقال أبو الحسن الأشعري في رسالة لأهل الثغر:
وأجمعوا على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة بأعين وجوههم على ما أخبر به تعالى في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.
وقد بين معنى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ودفع كل إشكال فيه بقوله للمؤمنين: "ترون ربكم عياناً".
وقوله: "ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته".
فبين أن رؤيته تعالى بأعين الوجوه.
ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل مثل القمر من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الرؤية بالرؤية، ولم يشبه الله تعالى بالقمر وليس يجب إذا رأيناه تعالى أن يكون شبيهاً لشيء مما نراه، كما لا يجب إذا علمناه أنه يشبه شيئاً نعلمه، ولو كان يجب إذا رأيناه عز وجل أن يكون مثل المرئيين منا لوجب إذا كان الله رائياً لنا وعالماً بنا أن يكون مثل الرائين العالمين منا ) انتهى كلامه رحمه الله
ردّ الإمام أبي حسن الأشعري على المعتزلة
صفة اليد لله تعالى
قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله في( رسالة إلى أهل الثغر ):
وأجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى، وأن له تعالى (يدين مبسوطتين) وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوارحاً، وأن يديه تعالى غير نعمته.
وقد دل على ذلك تشريفه لآدم عليه السلام حيث خلقه بيده، وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} )
وقال في كتابه (الابانة في أصول الديانة):
مسألة:
قد سئلنا أتقولون إن لله يدين؟
قيل: نقول ذلك بلا كيف، وقد دل عليه قوله تعالى: (يد الله فوق أيديهم) من الآية (10 /48) ، وقوله تعالى: (لما خلقت بيدي) من الآية (75 /38) .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته) ،فثبتت اليد بلا كيف.
وجاء في الخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله تعالى خلق آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس شجرة طوبى بيده) ، أي بيد قدرته سبحانه.
وقال تعالى: (بل يداه مبسوطتان) من الآية (64 /5) .
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلتا يديه يمين) .
وقال تعالى: (لأخذنا منه باليمين) من الآية (45 /69) .
وليس يجوز في لسان العرب، ولا في عادة أهل الخطاب، أن يقول القائل: عملت كذا بيدي، ويعني به النعمة، وإذا كان الله عز وجل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها، ومعقولا في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلت بيدي ويعني النعمة؛ بطل أن يكون معنى قوله تعالى: (بيدي) النعمة.
وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل: لي عليه يدي، بمعنى لي عليه نعمتي، ومن دافعنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة؛ إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة، فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها، وأن لا يثبت اليد نعمة من قبلها؛ لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى: (بيدي) نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين، وإن روجع إلىاللغة فليس في اللغة أن يقول القائل: بيدي يعني نعمتي، وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه، ولن يجد له سبيلا...)
وقال في (كتاب مقالات الإسلاميين) :
.....وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]
وكما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]
وأن له عينين بلا كيف كما قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن: 27].
وأن أسماء الله لا يقال أنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن الله - سبحانه! - علماً كما قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] وكما قال: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11].
وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة.
وأثبتوا لله القوة كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15].)) ص 226
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق