الخميس، 16 يناير 2025

"فهم الإسلام في ظلال الأصول العشرين" للإمام الشهيد حسن البنا - الأصل الثامن.

 الأصل الثامن

ما يجوز الخلاف فيه وما لا يجوز

"والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سبباً للتفرق في الدين ولا يؤدى إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره ،ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب "

هذا الأصل يعالج :

1-الخلاف الفقهي في الفروع .

2- أنواع الخلاف .

3- المختلف فيه لا إنكار فيه .

4-نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه .

هذه الدعوة التي من الله بها علينا تحتاج منا إلى الفهم الدقيق ، والإيمان العميق، والحب الوثيق ، والعمل المتواصل، والوعي الكامل؛ وذلك لأن الفهم الدقيق يؤلف القلوب ويوحد الصفوف ويعالج النفوس فنتعاون مع من يوافقنا ونعذر من يخالفنا والقاعدة الذهبية تقول :"المختلف فيه لا إنكار فيه " وهو الخلاف المعتبر-فالفهم يحدد معالم الطريق بل هو الضمانة الحقيقية لشرعية علاقاتنا والملاذ الوحيد في تصفية خلافاتنا فإذا بإيماننا يزداد وعلاقاتنا تقوى وحبنا يعمق" (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).

لذلك فإننا نحب أن نؤكد على بعض الأمور التي تتصل بهذه القضية ومنها -لا شك- إحداث التنازع وإحداث التعصب في أمور نبه العلماء فيها على أن المختلف فيه لا إنكار فيه ابتداءً ومن أجل ذلك حذرنا الرسول r من التشرذم والتفرق والتقاطع والتدابر فعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال :قال رسول الله r :"ليأتين على أمتى ما أتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إذا كان منهم من أتى أمه علانية كان من أمتى من يصنع ذلك وإن بنى إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة وتختلف  أمتى على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال ما أنا عليه وأصحابي " والحديث عن الافتراق مشهور عن رسول الله r من حديث أبى هريرة وسعد ومعاوية وغيرهم.

فما هو الاختلاف المقصود هنا والذى نهى عنه الرسول r ؟ والخلاف المعتبر شرعاً ؟

إن رسول الله r أخبر بافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون هم الذين خاضوا كخوض الذين من قبلهم وهو اختلاف إما في الدين فقط، وإما في الدين والدنيا ثم يؤول إلى الدين وقد يكون في الدنيا فقط.

وهذا الاختلاف الذي دلت عليه هذه الأحاديث هو ما نهى عنه المولى I في قوله (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وقوله (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) وقوله (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) والاختلاف المنهي عنه هو الخلاف الذي يفرق الأمة كالاختلاف الذي حدث بين الفرق الإسلامية التي اختلفت في أمور تتصل بالعقائد لا يجوز الخلاف فيها فتمزق الصف وتشتت الجمع وهذه الفرق الإسلامية غير المذاهب الإسلامية كما قلنا من قبل وكما سنبين بمشئية الله تعالى.

ولكى نوضح المسألة – بتوفيق الله – لابد أن نبين ما ذكره القرآن في قضية الاختلاف.

أنواع الاختلاف التي ذكرها القرآن:

إحداهما : أنه يذم الطائفتين المختلفتين جميعاً كقوله تعالى (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) فجعل أهل الرحمة مستثنيين من الاختلاف وقوله I (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) وقوله تعالى (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ) وقوله تعالى (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) وترى وصف القرآن لاختلاف النصارى في قوله (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) ووصف اختلاف اليهود أيضًا بقوله (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ) وقوله (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)

وهذا الاختلاف المذموم من الطرفين سببه :

1- فساد النية لما في النفوس من البغي والحسد والعلو في الأرض والفساد ولذلك يجب أن يذم قول غيره أو فعله

أو غلبته ليتميز عليه أو نصرة مذهب معين أو حصول الرياسة وهذا لا شك من الظلم.

2- جهل المختلفين بحقيقة الأمر الذي يتنازعون فيه، أو الجهل بالدليل الذي يرشد به أحدهما الآخر ، أو جهل أحدهما بما عند الآخر من الحق في الحكم أو في الدليل وإن كان عالماً بما مع نفسه من الحق حكماً ودليلاً.

والجهل والظلم هما  أصل كل شر (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) 

ثانيهما – وأما الاختلاف من النوع الثانى المذكور في كتاب الله فهو ما حُمِد فيه إحدى الطائفتين وهم المؤمنون، وذم الأخرى كما قال تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253] وكقوله (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ،يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ،وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ،كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ،إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ) ففى الصحيح أنها أُنزلت كما ذكر أبو ذر في المقتتلين يوم بدر : على وحمزة وعبيدة بن الحارث من الصحابة والذين بارزوهم من الكفار : عتبة وشيبة والوليد بن عتبة والحقيقة أن أكثر الاختلاف الذي يؤول إليه الأهواء بين الأمة من القسم الأول وقد يصل إلى سفك الدماء والبغضاء واستباحة الأموال ذلك لأن إحدى الطائفتين لا تعترف للأخرى بما معها من الحق ولا تنصفها، بل تزيد على ما مع نفسها من الحق زيادات من الباطل والأخرى كذلك وكلٌ يبتغى الانتصار على الآخر.

ولذلك فإن الرسول r بيّن أن عامة المختلفين هالكون من الجانبين إلا فرقة واحدة هم أهل السنة والجماعة من كانوا على مثل ما كان عليه النبى r وأصحابه.

والنزاع دائماً منتهاه الفشل يقول تعالى : (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) لأنه ليس قائمًا على الوصول إلى الحقيقة والصواب بقدر ما هو انتصاراً للنفس وللذات وتعصبًا للرأي، ولذلك فهو دائماً مؤداه الفشل لأن  النية فسدت وولغ الشيطان بين هذه وتلك.

وهناك فرق كبير جدًا بين التنازع وبين الخلاف الفقهي، فالخلاف الفقهي خلاف معتبر يقول به العلماء يستندون في خلافهم إلى أدلة شرعية لكن النزاع يتحكم فيه الهوى والظن، ولكي نفرق بين ما يجوز الخلاف فيه وما لا يجوز يجدر بنا أن نتعرف على أحكام القرآن فقد جاءت أحكام القرآن على نوعين:

أولاً- ما أبانه الله لخلقه نصاً وجاء بصيغة قاطعة لا مجال للاجتهاد فيها وقد جاءت هذه الأحكام تفصيلية سمواً بها عن الجدل ببنائها على أسباب لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة كآيات وجوب الصلاة والزكاة والصيام والمواريث التي حددت أنصبة الوارثين وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن كحرمة الزنا والقذف والخمر والربا وأكل أموال الناس بالباطل والقتل بغير حق وأكل الميتة ولحم الخنزير وما إلى ذلك من العقائد والعبادات وأمهات الأخلاق والرذائل مما اشتهر عند المسلمين وأخذ حكم المعلوم بالضرورة.

ثانياً- ما جاء حكمه في القرآن مجملاً وبينه الرسول r بسننه القولية والعملية وهى الأحكام التي تشير إلى مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية وتدع للمجتهدين في مجال الفهم والاستنباط على ضوء هذه القواعد وتلك المقاصد وهذا المنهج من ضرورة خلود الشريعة ودوامها.

وجدير بالذكر أن هذه الأحكام المجملة منها ما فصله الرسول r كمواقيت الصلاة وعدد الركعات وسائر أحكامها وبيان مقادير الزكاة وأوقاتها والأموال التي تزكى وبيان أحكام الصوم وتفاصيل الأنكحة والبيوع والحج ومناسكه ...إلخ، وهذا يدخل في قول الله تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) .

وهذا الذي بينه الرسول r منه ما هو متفق عليه مجمع على حكمه وتواتره فلا مجال للاجتهاد فيه وبعضه لا يتعين المراد منها فهى ظنية الدلالة فكانت مجالاً للبحث والاجتهاد لأنه ليس من المعقول أن تعرض شريعة جاءت على أساس من الخلود والبقاء والعموم لتفصيل أحكام الجزئيات التي تقع في حاضرها ومستقبلها فإنها مع كثرتها الناشئة من كثرة التعامل وألوانه متجددة بتجدد الزمن وصور الحياة فلا مناص إذاً من هذا الإجمال والاكتفاء بالقواعد العامة والمقاصد التي ينشدها للعالم وبإزاء هذا حثت على الاجتهاد واستنباط الأحكام الجزئية التي تعرض حوادثها من قواعدها الكلية ومقاصدها العامة وبذلك ظهرت بحق أنها صالحة لتنظيم جميع الشئون الاجتماعية والفردية إلى يوم الدين"

والفرق بين الذي لا مجال للاجتهاد فيه والذى مجاله البحث والاجتهاد أن الأول بمنزلة العقائد واجب الإتباع عيناً على كل إنسان فمن أنكره يكون خارجا ًعن الملة –بالقواعد الشرعية – بخلاف الثانى فإن من أنكر فيها فهماً معيناً تحتمله الآية كما تحتمل غيره لا يكون كذلك وكل مجتهد يتبع فيه ما ترجح عنده.

ثالثاً- وهو ما سنه الرسول r مما ليس فيه حكم بالقرآن حيث فرض الله في كتابه طاعة رسوله والانتهاء إلى حكمه (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فمن قبل هذه السنة امتثل أمر الله ففي السنة أشياء لا تحصى كثرة لم ينص عليها القرآن كتحريم الرسول r للحُمُر الأهلية وتحريم كل ذى ناب من السباع ، وألا يقتل مسلماً بكافر ، وتحريم الذهب والحرير  على الرجال ... إلخ فلا مناص من الاعتراف بأحكام في الشريعة لم تثبت إلا في السنة وحدها وصدق r إذ يقول :"ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجلاً شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وأن ما حرم رسول الله كما حرم الله "

ومن ألوان الضلال أن يخرج أناس يسمون أنفسهم بالقرآنيين يريدون إتباع القرآن فقط ، فمن أين أتوا بأن صلاة الصبح ركعتان والظهر أربع ...إلخ ؟ بل ومن أين أتوا بأنصبة الزكاة ومناسك الحج؟ وهذا لون من ألوان الضلال، والرسول r يحذرنا من هذا الأمر؛ لأنه r (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) فإذاً لم يختلف العلماء والفقهاء في الأصول والمسائل الإيمانية أو ما يمس الاعتقاد، كذلك في وجوب العمل بما أنزل الله ووجوب العمل بالحديث وأمهات الأخلاق وأمهات الرذائل التي نسميها النصوص القطعية ، إنما اختلفوا في النصوص الظنية، يقول الدكتور القرضاوى في فقه الأولويات:"لو شاء الله أن يجمع الناس على فهم واحد ورأى واحد لأنزل كتابه كله آيات محكمات وجعل النصوص كلها قاطعات".

ومن هذا يتضح معنى قول العلماء في "تفصيل ما لا يتغير وإجمال ما يتغير"

وعلى هذا يجب أن نعلم :

أولاً- أن الفقهاء لم يختلفوا في النصوص القطعية في ثبوتها وفى دلالتها من الكتاب والسنة المتواترة سواء كانت الأحكام الدالة عليها معلومة من الدين بالضرورة أو كانت مما خفى على بعض الناس كأنصبة المواريث مثلاً أو كانت من المقدرات الشرعية التي لا مجال للرأى فيها وثبتت بالسنة المتواترة كعدد الركعات في كل صلاة ومواقيت الصلاة وما شاكلها.

هذا بالإضافة إلى الإجماع الصريح المنقول إلينا بالتواتر والذي لا يجوز الاجتهاد معه بل ويكفر جاحد الحكم الثابت لهذا الإجماع القطعى إذا كان معلوماً بالضرورة في أحد أقوال ثلاثة للعلماء.

ثانياً-اختلفوا فيما كان ظنياً في ثبوته ظنياً في دلالته على الحكم وما كان من الأدلة ظنياً في ثبوته قطعياً في دلالته فهذا يقبل الاجتهاد أيضاً وما كان من الأدلة قطعياً في ثبوته ظنيا ًفى دلالته على الحكم وهذا يتمثل في آيات كثيرة من الكتاب العزيز تحتمل التأويل .

وهنا قد يعن سؤال لماذا لا تكون كل الأدلة قطعية؟ حتى لا تختلف الأنظار فيها فتتفرق الكلمة ، ويختلف الصف ولا تكون كلمة المسلمين واحدة ويقع الخلاف المفضي إلى النزاع وتفريق الكلمة؟

الحقيقة أن المسائل الأساسية في الدين سواء أكانت اعتقادية أو عملية والتى يكون الخلاف فيها مفضياً إلى التشتت والنزاع وتفريق الكلمة تأتى أدلتها قطعية –لا تحتمل التأويل- والاختلاف فيها اختلاف في الدين والله يقول (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) وهذه دائرة لا يعذر فيها أحد باختلافه فيها بل يجب التعاون فيها كواجب مفروض على محاربة المخالف بالطرق الشرعية.

أما ما وراء ذلك من أحكام فليس الاختلاف فيها ضرراً أو مفسدة بل هو توسعة على الأمة في مجال الاختيار وفسحة أمامهم في طريق العمل يأخذون من هذه الأحكام ما يحقق مصالحهم ويتفق مع ما تتطلبه حياتهم ويرفع عنهم الحرج والضيق.

"بل كان هذا الاختلاف نفسه مصدر ثروة تشريعية عظيمة وتراث فقهى رائع يستوعب حاجات الناس في ظلال شريعة الإسلام الخالدة"

وهنا يظهر بوضوح الفرق بين الفرق الإسلامية والمذاهب الإسلامية.

الفرق بين الفرقة والمذهب : الفرقة هم أصحاب الاختلاف العقائدى والسياسى كالمعتزلة والشيعة والمرجئة والقدرية والجبرية وغيرهم فالاختلاف عندهم اختلاف في العقائد فالشيعة وهم فرق كثيرة اختلافهم كبير فيما يتصل بالعقائد والخوارج كَفَّروا بالكبيرة والمعتزلة قالوا بالمنزلة بين المنزلتين والمرجئة قالوا لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة والجبرية نفوا صفات الخالق حتى لا يشبه المخلوق والقدرية قالوا لا قدر والأمر أُنُف.

فهل يتساوى هؤلاء مع المذاهب التي لا تتنازع في الأصول ولا تختلف فيها فالنتائج في الأولى كبيرة والفروق شاسعة بينما الاختلاف في المذاهب وبين الأئمة في الفروع ونتائجها محدودة وأظهر هذا الاختلاف مرونة في هذا الدين إذ لو جاءت الشريعة كلها قطعية لجمدت وما اتسعت بعالميتها مشارق الأرض ومغاربها تشمل الزمان والمكان والأشخاص فأقوال الفقهاء بالنسبة للشريعة كمثل أغصان الشجرة تتشعب وتتفرع والأصل الذي انبعثت منه واحد والذي تتغذى منه واحد يغذى جميع الفروع والأوراق والأغصان المتفرعة ولذلك قال العلماء:

1-إن الأدلة لو جاءت قطعية كلها لكان في هذا حجر على العقول البشرية وفي هذا جمود الأفكار.

2-إلزام الناس كلهم في مشارق الأرض ومغاربها : بحكم موحد فيه حرج شديد وتضييق كبير فكان اختلاف الرأي في غير المسائل الأساسية توسعة على العباد وهذا ملحظ الإمام مالك t عندما رفض أن يكون موطأه دستوراً للأمة الإسلامية حين عرض عليه المنصور أن يعلق الموطأ في الكعبة ويحمل الناس عليه حسماً لمادة الخلاف فرد الإمام مالك قائلاً : لا تفعل فإن الصحابة تفرقوا في الآفاق وردوا أحاديث أهل الحجاز التي اعتمدتها وأخذ الناس بذلك فاتركهم على ما هم عليه".

3-أن قطعية النصوص تجعلنا نقف عاجزين أمام المسائل المتجددة في كل عصر والتى يطلب الناس معرفة حكمها ولا يكون ذلك على الوجه الأكمل إلا إذا نظر المجتهدون في الظنى من النصوص واستنبطوا منها أحكاماً لما يجد من الحوادث وبذلك تتعامل الشريعة مع مصالح الناس في كل مصر وعصر .

ولو جاءت النصوص قطعية لقال قائل هلا جاءت مرنة حتى لا نكون أمام النصوص آلات لا إرادة لها ولا اختبار ولا إعمال عقل (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

أقوال العلماء عن الخلاف  :واسمع ما قاله علماء السلف في قضية الخلاف الفقهى:

يقول عمر بن عبد العزيز : ما يسرنى أن أصحاب رسول الله r لم يختلفوا لأنهم إذ اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة.

ويقول الإمام أحمد : الخلاف سعة .

ويقول القاسم بن محمد بن أبى بكر : لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله r في العمل لا يعمل الواحد منهم إلا لأنه يرى في ذلك سعة .

ويقول يحيى بن سعيد : أهل العلم أهل التوسعة، وما برح المفتون يختلفون فيحل هذا ويحرم هذا فلا يعيب هذا على هذا .

ويقول الإمام الشاطبى: إن اختلافهم كان رحمة بالأمة .

ويقول الإمام النووى: إن المختلف فيه لا إنكار فيه ،ولكن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق .

وعلق المحقق المقدسى على كلام الإمام النووى قائلاً : هو التحقيق الذي عليه جماهير العلماء من جميع المذاهب .

ويقول ابن تيمية : إن ما فيه خلاف إن كان الحكم المخالف يخالف سنة أو إجماعاً وجب الإنكار عليه وكذلك يجب الإنكار على العامل بهذا الحكم وإن كانت المسألة ليس فيها سنة ولا إجماع ولا اجتهاد فيه مساغ فإنه لا يُنكر على المخالف لرأى المنكر ومذهبه سواء كان المخالف مجتهداً أو مقلداً.

ولذلك قالوا : من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم رائحة الفقه

يقول الإمام الخطابى : الاختلاف في الدين ثلاثة:

1-فى إثبات الصانع ووحدانيته وإنكاره كفر .

2-فى صفاته ومشيئته وإنكارهما بدعة.

3-فى أحكام الفروع المحتملة وجوهاً فهذا جعله الله رحمة وكرامة .

ويقول أبو حنيفة : أعلم الناس هو أعلمهم باختلاف الناس لأن من ينظر للأمر من كل وجوهه يكون أجدر على الحكم فيه بالصواب والخطأ .

لا إنكار على المخالف في الفروع: لو فقه المسلمون هذه القاعدة "المختلف فيه لا إنكار فيه" لانتهت كثير من المعارك في غير ميدان.

يقول الإمام الغزالى :كل ما هو محل اجتهاد لا حسبة فيه

ولذلك رأينا الإمام أبو حنيفة يقول : هذا أحسن ما وصلنا إليه فمن رأى خيراً منه فليتبعه وحين سأله رجل أهذا الذي انتهيت إليه هو الحق الذي لا شك فيه قال الإمام : لا أدرى لعله الباطل الذي لا شك فيه.

وكان تلميذه أبو يوسف يكتب كل ما يقوله الإمام من فتاوى فقال له: ويحك يا يعقوب أتكتب كل ما أقوله إنى قد أرى رأياً اليوم فأخالفه غداً وقد أراه غداً فأخالفه بعد غد

قد أصاب الإمام البنا حين قال : يجب أن نعلم أن الخلاف الفقهى في الفرعيات أمر ضرورى لابد منه إذ أن أصول الإسلام آيات وأحاديث وأعمال تختلف في فهمها وتصورها العقول والأفهام لذا كان الخلاف واقعاً بين الصحابة وأنفسهم وما زال كذلك وسيظل إلى يوم القيامة.

فهل اختلف الصحابة حقاً؟ نعم اختلفوا

أسباب اختلاف الصحابة : الذي لا خلاف فيه بين العلماء أن الصحابة رضوان الله عليهم قد أجمعوا على أن يستقوا الأحكام الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله r وأن يحكموا بالرأى والاجتهاد في كل واقعة وقعت لهم ولم يجدوا لها نصاً فيهما وأحياناً كانوا يجمعون على ما وصلوا إليه من حكم وتكون المسألة من مسائل الإجماع الذي لا يجوز الخلاف فيه وأحياناً أخرى يبقى كل فريق عند رأيه وتبقى المسألة مختلفاً فيها قابلة للبحث والنظر والمناقشة والمشاورة.

والمسائل الخلافية بين الصحابة لا تعد ولا تحصى ابتداءًا من قصة بنى قريظة وأمر الرسول r لصحابته أن يصلوا العصر في بنى قريظة وخلافهم في ذلك إلى أمور أخرى كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:

خلافهم في التلبية والتكبير فعن ابن عمر رضى الله عنهما قال : غدونا مع رسول الله r إلىعرفات منّا المكبر ومنّا الملبى.

فالشائع بين الحجيج أنه لا تكبير في عرفات، ولكن الجميع يلبى قال العلامة السندى في حاشيته على النسائى الظاهر أنهم كانوا يجمعون بين التلبية والتكبير فمرة يلبى هؤلاء ويكبر آخرون ومرة العكس والظاهر أنهم ما فعلوا ذلك إلا لأنهم وجدوا النبى r فعل مثله.

ولقد ذكر الحافظ بن حجر ما هو صريح في ذلك قال عند أحمد وابن أبى شيبة والطحاوى من طريق مجاهد عن معمر عن عبد الله قال خرجت مع رسول الله r فما ترك التلبية حتى يرمى جمرة العقبة إلا أن يخالطها بتكبير، فالأقرب للعامل أن يأتى بالذكرين جميعاً لكن يكثر التلبية ، ويأتى بالتكبير في أثنائها والله أعلم.

قول السندى رحمه الله مرة يلبى ويكبر آخرون وبالعكس وليس بلازم على هذا النظام بل يجوز أن كل واحد منهم كان يجمع التلبية والتكبير بغير هذا النظام والله أعلم.

ومثل خلافهم في رؤية رسول الله r ربه في الدنيا، تقول السيدة عائشة :"من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله تعالى الفرية" ،وابن عباس ثبت  عنه هذا الحديث واختلف الصحابة في هذه القضية بين مثبت ومخالف.

قضية عذاب الميت ببكاء أهله أيضًا فيها خلاف بين العلماء والسيدة عائشة أنكرت أن يكون الأموات يسمعون أقوال أو سلام أهليهم عندما ندخل المقابر ونقف على قبر من نزور نقول السلام عليكم أهل الديار ،ماذا يحدث ؟ الرسول r ورد عنه أنه قال :"إن الله يرد عليه روحه ليرد السلام على أهله"، والسيدة عائشة أنكرت أن الأموات يسمعون بينما ورد أن الرسول r قال لمن سأله أيسمعوننا يا رسول ؟ قال :ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وبالرغم من هذا فإن السيدة عائشة أولتها أى أنهم ليعلمون ما قلت لهم في الدنيا.

وكما يقول ابن تيمية : لو كان كل ما اختلف في شيء مسلمان تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة.

ولذلك لابد للفقيه أن يتوقف إذا وجد عقل السائل لا يدرك ما يقوله، كما أن عليه أن يؤخر البيان لحين الحاجة إليه فهذا سيدنا على رضوان الله عليه وأرضاه يقول : حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله.

ويقول ابن مسعود ما من رجل يحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم ، وكذلك فإن ابن عباس رضي الله عنهما قال لمن سأله عن معنى قول الله (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) قال له : ما يؤمنك أنى لو أخبرتك بتفسيرها لكفرت.

وأيضًا يقول لمن سأله عن (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)  فقال هو يوم أخبر الله به الله أعلم

وحين خرج رجلان من الصحابة في سفر وحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيداً طيباً ثم وجدا الماء في الوقت فاختلفوا، نعيد الوضوء ونصلى أم أننا أتينا بالفريضة ولا يجوز إعادة الصلاة ؟ فاجتهدوا فمنهم من قال إذا وجد الماء فلابد أن نعيد صلاتنا لأن الوقت مازال موجوداً وفيه سعة ومنهم من قال لا لقد أدينا الفريضة بالتيمم، فأقر رسول الله r الاثنين على ذلك .

وهذا عمار t يقول : أجنبت فلم أصب الماء فتمعكت بالصعيد وصليت فذكرت ذلك للرسول r فقال إنما يكفيك هكذا ،وأشار إليه وعلمه كيفية التيمم التي يجب عليه أن يفعلها.

وفيما يسمى ضالة الإبل، سأل رجل الرسول r عنها يقول له ماذا نفعل في ضالة الإبل التي لا نعرف صاحبها؟ فغضب رسول r وقال للسائل : "ما لك وما لها ،معها سقاؤها وحذائها " ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها- مالكها وصاحبها- وظل الحال على ذلك في عهد الرسول r وجاء من بعده أبو بكر الصديق رضوان الله عليه وأرضاه حتى ذهب الأمر لسيدنا عثمان t فقد أمر أن تُعَرَّف ثم تباع فإذا جاء صاحبها أُعطى له ثمنها، وبالرغم من هذا النص إلا أن هذا اجتهاد للمصلحة ولرفع الحرج لأن الفتوحات في عهد عثمان t بدأت تزيد وبدأ يدخل في الإسلام من ليس منه وبدأت الانحرافات تظهر في داخل المجتمع، فلو تركنا ضالة الإبل فاحتمال وجود من يأخذها ويسافر بها إلى بلد آخر ويبيعها فلكي يحفظ لمالكها حقه قال نبيعها ونحتفظ بثمنها. ولما جاء سيدنا على t أقام لها مربضًا (المعلف) خاصًا بالضوال، تعلف وتسمن وتأكل وتشرب ويحافظ عليها من مال بيت المال ، فإذا جاء صاحبها وأقام البينة على ملكيته لها أخذها وضمها إلى إبله.

ولو انتقلنا إلى العبادات لوجدنا الخلاف في فروع المسائل بين الصحابة لا عد له ولا حصر بل إن هناك ما سماه العلماء بالخلاف المعضل وإليك مثال منه فلقد جرت العادة أننا ننبه الناس في صلاة الجنازة ونقول صلاة الجنازة أربع تكبيرات الأولى نقرأ الفاتحة والثانية الصلاة على الرسول r والثالثة الدعاء للميت ثم الدعاء لأموات المسلمين،و هذا رأي الجمهور فإذا بالإمام أبو حنيفة يخالف الجمهور ولا يجوّز قراءة القرآن في صلاة الجنازة ويقول كل التكبيرات الأربع يتخللها الدعاء فحسب وكذلك قصة الطلاق الثلاث، أمضاه عمر بن الخطاب على خلاف ما كان عليه الأمر قبله فعن طاووس عن ابن عباس أنه قال : كان الطلاق على عهد رسول الله r وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا أمراً كان لهم فيه أناة لو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.

أيضًا اختلفوا في صلاة التراويح، جاء قيام رمضان وصلى رسول الله r بصحابته جماعة ثم ترك ذلك مخافة أن توجب عليهم، فصلاها الناس فرادى في زمان رسول الله r وأبى بكر وصدراً من خلافة عمر فخرج  عمر ليلة فرأى الناس أوزاعاً في المسجد فقال لو اجتمعتم على إمام فأمر أبى بن كعب فصلى بهم ثم خرج ليلة أخرى فرآهم مجتمعين على أبى بن كعب فصلى بهم.

اختلافهم في صلاة الكسوف والخسوف : ذكر الإمام مسلم في رواية ابن عباس أنها الركعتان في كل ركعة  ثلاث ركعات، ومن رواية ابن عباس وعلى فكل ركعة أربع ركعات، وقال الشافعى إنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وأما السجود فسجدتان كغيرهما وقال الكوفيون هما ركعتان كسائر النوافل عملاً بظاهر الحديث الذي رووه.

بل في راوية أبى بن كعب ركعتين في كل ركعة خمس ركعات وقد قال بكل نوع من هذه الهيئات بعض الصحابة

قال الشوكانى إن صح تعدد الواقعة أن الأحاديث المشتملة على الزيادة الخارجة من مخرج صحيح يتعين الأخذ بها لعدم منافاتها للمزيد وإن كانت الواقعة ليست إلا مرة واحدة فالمصير إلى الترجيح أمر لابد منه، وأحاديث الركوعين أرجح.

قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في الهدى وذهب جماعة من أهل الحديث إلى تصحيح الروايات في عدد الركعات وحملوها على أن النبى r فعلها مراراً وأن الجميع جائز، أضف إلى ذلك اختلافهم في حكم النائم هل ينقض وضوؤه أم لا؟وهم في هذا على ثمانية مذاهب كما ذكر الإمام النووى وكذلك اختلافهم في أحكام الصيام وما يجوز فيه الزكاة ومسائل كثيرة لا نستطيع أن نحصيها في فروع العقيدة والعبادة والشريعة.

وبالرغم من أن مصادر تشريعهم كانت واحدة إلا أنهم اختلفوا في جزئيات تتعلق بهذه المصادر و تبيان ذلك.

أولاً- بالنسة للقرآن الكريم كانت أسباب خلافهم في هذا المصدر ترجع إلى :

1-ما كان يسبب تعارض النصوص واجتهادهم في دفع هذا التعارض .

مثال: خلافهم في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها وقد قال عمر بن الخطاب وابن مسعود رضى الله عنهما أن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بوضع الحمل وقال ابن عباس رضى الله عنهما تعتد بأبعد الأجلين.

والمسألة كما رآها الصحابة فيها نصان قوله تعالى (وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) .

ولهذا اختلفوا فهماً بالرغم من أن الرسول r حكم في قضية سبيعة الأسلمية مبيناً لرفع هذا التعارض فقد قتل زوجها وبعد ليال وضعت حملها فأحلها النبى r للأزواج .

ولقد حكم ابن عباس بما حكم به لأنه لم يصل إليه حديث سبيعة ولهذا أرسل غلامه كربياً إلى أم سلمة –بعد وقوع نقاش في هذه القضية – فأخبرته بما وقع لسبيعة الأسلمية.

فالخلاف قد يرجع من جهة أخرى إلى السنة فالبعض لم يسمع الحديث والبعض سمعه واختلفا.

2-ما كان بسبب فهمهم للفظ المجمل مثل تردد اللفظ بين معنيين كخلافهم في عدة المطلقة الحائض فقد أفتى ابن مسعود ووافقه عمر بأنها لا تخرج من عدتها إلا إذا اغتسلت من الحيضة الثالثة ومنشأ الخلاف اختلافهم في فهم لفظ (القرء) الوارد في قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ) فهل القرء الوارد في الآية هو الحيض أم هو الطهر ولما كان (القرء) من الألفاظ المشتركة لذا كان الأمرين صواباً.

3-ما كان بسبب وقوف بعضهم عند ظاهر النص والبعض الآخر نظر إلى المعنى المقصود من تشريع الحكم فقد أفتى ابن عباس فيمن ماتت عن زوج وأبوين بأن للزوج النصف وللأم الثلث وللأب الباقى تعصيباً تمسكاً بظاهر قوله (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ) وقال زيد بن ثابت وبقية أعلام الصحابة : لها الثلث ما بقى بعد فرض الزوج نظراً للمعنى المقصود من تشريع الحكم لأن الأم والأب ذكر وأنثى ورثا بجهة واحدة فللذكر مثل حظ الأنثيين شأنهما في ذلك شأن الأولاد وغيرهم.

4-ما كان بسبب وقوف البعض عند ظاهر النص ولم ير له مخصصاً بينما يرى البعض الآخر أنه مخصص كموقف ابن عباس من قوله تعالى في شأن البنات (فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) فيرى أن البنات لا يأخذن الثلثين إلا إذا كان عددهن فوق اثنتين عملاً بظاهر الآية وغيره يرى أن البنتين فصاعداً يأخذن الثلثين أما البنتان فبالقياس على الأختين حيث يقول الله فيهما (فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ) وأما ما فوق الاثنين فبالنص.

5-ما كان بسبب موقفهم في بيان الإجمال في التراكيب فقد أفتى عبد الله بن مسعود إذا آلى –الإيلاء- الرجل من زوجته ومضت أربعة أشهر دون أن يفيء – يرجع -  فقد طلقت منه طلقة بائنة وزوجها خاطب من الخطاب وأفتى غيره بأنها لا تطلق بمضى المدة بل يؤمر الزوج بعدها بالفيء أو التطليق.

ومنشأ الخلاف هو فهمهم لقوله تعالى (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فكان الحكم حسب فهم كل منهم وكلاهما على صواب.

 

 

ثانياً- بالنسبة للسنة النبوية يرجع الاختلاف فيها إلى أسباب كثيرة منها:

1-ما كان بسبب عدم سماعهم للحديث لعدم تفرغ بعضهم للسماع فهم مشغولون بمعايشهم وأحوالهم وجهادهم وأعمالهم ولهذا نرى البعض يسمع الحديث والبعض لا يسمعه كما حدث في حديث سبيعة الأسلمية السابق ذكره.

2- ما كان بسبب ردهم للحديث لعدم الثقة في الراوى فقد توقف أبو بكر t في خبر المغيرة في ميراث الجدة وطلب الاستظهار بقول راو آخر فلما ثبت عنده قضاء رسول الله r فيها قضى به.

3- ما كان بسبب عدم علمهم بالنسخ فيعمل البعض بالحديث وهو لا يعلم بنسخه.

4-ما كان بسبب معارضة الحديث لما هو أقوى منه.

5-ما كان بسبب تغير أحوال الناس فقد قال ابن عباس t كان الطلاق على عهد رسول الله r وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.

أي لما تغيرت أحوال الناس لأنهم كانوا يستعملون الطلاق على الوجه الذي شرعه الله ويفهمون الحكمة من جعله ثلاثاً فلما استعملوا ما جعل الله لهم فيه الأناة عجل لهم عمر بحكمه بإيقاع الطلاق الثلاث في مجلس واحد فهو عمل بالمصلحة.

6-ما كان بسبب اختلافهم في فهم السنة بعد ثبوتها ومن ذلك اختلافهم في الرّمل في الطواف هل هو سنة أو كان سياسة حركته لإرهاب المشركين وإذهاب ما في نفوسهم من ظن أن حمى يثرب أثرت في المسلمين والذى يؤيد أنه سنة أن رسول الله r فعله في حجة الوداع فكان سببه ما ذكرناه ثم أصبح سنة متبعة.

ثالثاً-ما كان بالاجتهاد في الرأى :

وها هو ذا ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" يقول:

أنواع الاختلاف قسمان : اختلاف تنوع – واختلاف تضاد.

اختلاف التنوع: وهو على وجوه منه ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقاً مشروعاً كما في القراءات التي اختلفت فيها الصحابة حتى زجرهم رسول الله r عن الاختلاف بقوله r "كلاكما محسن" فعن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رجلاً يقرأ آية سمعت النبى r يقرأ خلافها فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبى r فذكرت ذلك فعرفت في وجهه الكراهة وقال "كلاكما محسن ، ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا" فالرسول r هنا ينهى عن الخلاف الذي فيه جحود ونكران ولأن كلا المختلفين على صواب وحق.

ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح والتشهدات وصلاة الخوف وتكبيرات العيد وتكبيرات الجنازة إلى غير ذلك مما شرع جميعه.

وإن كان يقال إن بعض أنواعه أفضل فنجد الاختلاف في مثل هذه الأمور بسبب الجهل أو الهوى لأحد هذه الأنواع والإعراض عن الآخر والنهى عنه وهذا ما نهى عنه رسول الله r.

ومنه ما يكون المعنيان غيرين لكن لا يتنافيان فهذا قول صحيح وذاك قول صحيح وإن لم يكن معنى أحدهما هو معنى الآخر وهذا كثير في المنازعات جداً.

ومنه ما يكون طريقين مشروعين ولكن قد سلك رجل أو قوم هذه الطريقة ، وآخرون قد سلكوا الأخرى وكلاهما حسن في الدين ثم الجهل أو الظلم يحمل على ذم أحدهما أو تفضيله بلا قصد صالح أو بلا علم أو بلا فقه.

اختلاف التضاد : وأما اختلاف التضاد فهو القولان المتنافيان إما في الأصول وإما في الفروع عند الجمهور الذين يقولون "المصيب الواحد" وإلا فمن قال "كل مجتهد مصيب" فعنده : هو من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد.

فهذا الخطب فيه أشد لأن القولين يتنافيان لكن نجد كثيراً من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعة فيه حق ما أو معه دليل يقتضى حقاً ما فيرد الحق في هذا الأصل كله حتى يبقى هذا مبطلاً في البعض كما كان الأول مبطلاً في الأصل كما رأيته لكثير من أهل السنة في مسائل القدر والصفات والصحابة وغيرهم وأما أهل البدع فالأمر فيهم ظاهر.

ولك أن تتصور أن الخلاف في فروع المسائل قد يصل إلى ثمانية آراء يقول الإمام النووى في شرح مسلم اختلف العلماء في مسألة النوم الذي ينقض الوضوء إلى مذاهب عدة ثم عددها إلى ثمانية مذاهب فضلاً عن صلاة الضحى والقنوت وغير ذلك من أمور الفروع.

بل إن قضية كقضية تارك الصلاة فيها ثلاثة آراء فمنهم من قال : يكفر إذا تركها جحوداً ونكراناً ومن تركها وهو معذور لقرب عهده بالإسلام أو لأنه نشأ في بادية فإنه لا يكفر ويُعلم أحكامها فإن أنكر بعد ذلك كفر وأقيم عليه الحد، ومن تركها كسلاً حتى يخرج الوقت فقيل يكفر وقيل لا يكفر ولكل دليله ولك أن تعلم أن الجمهور يقول بعدم كفره.

ومن الفقه أن تعلم أن من الاختلاف ما هو قريب كاختلاف العلماء في أمر هل هو سنة أو واجب ؟ كالاختلاف في ترتيب أعضاء الوضوء فمن العلماء من يقول إنه واجب ،  ومنهم من يقول إنه سنة، والكل متفق على أنه مشروع أصلاً وكان الاختلاف في كون الشيء أو الفعل حراماً أو مكروهاً مع الاتفاق أصلاً على عدم مشروعيته، كخطبة الجمعة من خطيب غير متوضأ فهو حرام عند جماعة ومكروه عند آخرين .

ومنه ما هو اختلاف تنوع – كما ذكر ابن تيمية – وهذا وإن كان أحدهما أرجح من الآخر فمن فعل المرجوح فقد فعل جائزاً.

فهذا النوع من الاختلاف دال على الإباحة والتوسع على العباد وكل الأقوال جائزة وإن كان البعض يفضل قولاً على آخر.

ومن الاختلاف أنواع متباعدة كالاختلاف في أمر هل هو سنة أومكروه؟ وكالاختلاف في أمر هل هو واجب أو محرم؟ فمن النوع الأول رفع اليدين عند كل تكبيرة من تكبيرات صلاة العيد، مستحب عند البعض ، ومكروه عند البعض،  ومن أمثلته أيضًا الصلاة على النبى r في التشهد مستحب عند البعض مكروه عند الآخرين.

ومن النوع الثانى وهو ما كان الاختلاف فيه في أمر هل هو واجب أم حرام؟ وهذا ما عبر عنه بعض العلماء بأنه أخطر أنواع الخلاف ومن أمثلته قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الأولى واجب عند الشافعية والحنابلة تبطل الصلاة بتركها وأما عند الأحناف حرام ويأثم المصلى إذا قرأها ومن أمثلته أيضًا رفع اليدين عند الركوع والرفع منه فهو واجب عند البعض محرم عند البعض الآخر ، قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر الخلاف في ذلك ومستمسك كل قول ومقابل هذا قول بعض الحنفية إنه يبطل الصلاة ونسب بعض محققيهم كما حكاه ابن دقيق إلى تركه درءاً لهذه المفسدة .

وإليك ما روى عن عبد الوارث بن سعيد أنه قال: قدمت مكة فألفيت فيها أبا حنيفة وابن أبى ليلى وابن شبرمة فأتيت أبا حنيفة فقلت : ما تقول في رجل باع بيعاً وشرط شرطاً ؟ فقال البيع باطل والشرط باطل، وقال ابن أبى ليلى : البيع جائز والشرط باطل وقال ابن شبرمة : البيع جائز والشرط جائز ، فقلت : يا سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق لا يتفقون على مسألة ثم ذكر الحديث الذي احتج به كل من الفقهاء الثلاثة ليعضد كلٌ رأيه.

والواجب علينا أن نقبل الخلاف ونسعه ما دام معتبراً بل ونرحب به لأنه من أبواب الوصول إلى الحق والجدير بالذكر أنه كما اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في فروع المسائل اختلف كذلك التابعون والأعلام واختلف من بعدهم الفقهاء المتقدمون فما زادت الثروة الفقهية من هذا الخلاف المعتبر إلا حضارة شهد لها الجميع.

حكم القاتل المكره:

أي الذي أكرهه آخر على القتل وهو الذي يقتل إنسان بغير حق خضوعاً وإذعاناً لمن أكرهه (مسألة في الفقه)، يقولون : هل في هذا القتل قصاص أم لا ؟ وممن يكون القصاص ؟

أربعة أقوال ذهب إليها الفقهاء :

من قال القصاص على القاتل المكرَه؛ لأنه لم يكن له أن يسمع للآخر ولو أدى إلى قتله هو نفسه ،لأنه هو الذي باشر القتل ولم يكن له أن ينقذ نفسه بقتل غيره.

الرأي الثاني: القصاص على المكرِه لأن القاتل مُكرَه، وقد كان بمثابة الآلة.

الرأي الثالث: لا قصاص على أي منهما لأن شروط القتل لم تتوفر في الاثنين؛ لأن جناية كل منهما لم تكتمل ولم تستوفى العناصر المطلوبة للقتل العدواني.

الرأى الأخير : القتل عليهما معاً .

ثروة في الفقه واتساع ومرونة وتجدد وعطاء في هذا الجانب مع ثبات الأمور القطعية التي تمثل هوية الأمة الإسلامية لو فقه الشباب المسلم هذا الأمر لتعاونوا فيما اتفقوا عليه ولعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه ولجمعوا بذلك بين  الأصالة والمعاصرة.

ونختم بأمر نحب أن ننبه إليه لكي يستبين لك ما يفعل أعداء الإسلام ، وتأمل فيما قاله ريتشارد ميتشل ، وقد كان رئيس هيئة الخدمة السرية في المخابرات الأمريكية فضمن ما وصى به قومه لغزوا المسلمين كما قال:"تعميق الخلافات المذهبية والفرعية وتضخيمها في أذهانهم".

كي نرى أن بعض إخواننا الشباب المسلم غير مدرك للمؤامرة وتجدهم يكتبوا الكتب يهاجموا فيها العلماء.

وهذا وليام جيفارد يقول:"متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا أن نرى العربى يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه".

إنه بمجرد توقف الفكر وانحسرت الآراء وانعدم النظر في الأحكام وعم التقليد وحرم الاجتهاد حتى نكصت الحضارة الإسلامية على عقبيها وعقمت الثقافة الإسلامية من كل مجتهد فيها وأصبح المسلمون على ما نراهم اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم يثيرون قضايا جميعها يدخل في دائرة المختلف فيه : ابتداءاً من اللحية مروراً بالحجاب والنقاب والقنوت والموسيقى والتمثيل والشرب وقوفاً وقعوداً والتبول وقوفا ًوقعوداً وتكبيرات العيدين ودخول مجلس الشعب ودخول المقبرة حافى القدمين ولولا أن المجال لا يتسع لعددت هذه القضايا التي تدخل جميعها في دائرة الاجتهاد أي أنها ليست قطعية بما فيها حكم اللحية والحجاب والنقاب فالمهم أن يعلم المسلمون بوجه عام الشباب بوجه خاص أن هناك منطقة لا اجتهاد فيها هي منطقة القطعيات -  وقد بيناها بتوفيق الله وهذه المنطقة هي التي تجسد الوحدة الفكرية والسلوكية للأمة فلا يجوز أن تدخل دائرة الاجتهاد بل يتعاون الجميع على وجوب تنفيذها وأما غيرها من المناطق الشرعية فهى محل اجتهاد وخلاف بين العلماء بما فيها الموضوعات التي أشرنا إليها فلا يصح أن تكون سبباً للفرقة والتخاصم والتدابر ونخلق ميدانًا للقتال فيما بيننا ونترك أعداء الإسلام يشجعون هذه الخلافات بل ويغذونها حتى تكون الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين وذلك لأن أكثر الجهل إنما يقع في نفى ما عليه الآخرين وجحوده وتكذيبه لا في إثبات ما هو عليه وأحاط به، لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه عن غيره.

نريد الوعي مع فهم الإسلام لندرك ما قاله رشيد رضا وجاء الإمام البنا يؤكده في هذه المقولة الذهبية : نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه

ورضوان الله على الإمام البنا حين قال "إن الخلاف أيها الإخوان قد يتناول فروع الأعمال والعبادات ولا يرقى بحال إلى مرتبة العقيدة وصحيحها وهذا الخلاف لا يحرج صدراً ولا يؤذى أحداً وأمره دائر بين خطأ وصواب فإذا عرفنا أن المخطئ والمصيب مأجوران هان الخطب واستطعنا في ظل الإخاء والحب أن نصل إلى الحقيقة واستطاع الحكم الشرعي أن يرفع الخلاف..."

ثم يقول ومن الخلاف أيها الإخوة ما يتصل بالعقيدة وصحيحها ومصدره عدم تحديد العبارات وعدم تعرف المقاصد والجمود على عبارات ومصطلحات لم يتعبدنا الله تبارك وتعالى بالجمود عليها وأعتقد أيها الإخوان لو حددت العبارات وتعرف كل فريق على مقاصد الآخر ولم يتقيد بعبارات ومصطلحات خاصة ما دام المعنى المقصود سليماً وأعتقد أننا لو فعلنا ذلك وحاولنا التقريب بين وجهات النظر لاستطعنا الجمع بين الآراء المتنافرة والفكر المتخالف ولوصلنا إلى نتيجة محمودة أقلها أن نخرج من حيز كفر وإيمان إلى حيز خطأ وصواب.

فهل أخطأ البنا حين قال نتعاون فيما اتفقنا عليه – من الأصول والعقائد والأمور القطعية التي لا تحتمل تأويلاً ولا اجتهاداً – ويعذر بعضنا بعضاً – في الأمور الخلافية الظنية الاجتهادية – أحسب أنه كان موفقاً بتوفيق الله حين قال : "والخلاف الفقهى في الفروع لا يكون سبباً للتفرق في الدين ولا يؤدى إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره ،ولا مانع من التحقيق العلمى النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى  الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب " فجزاه الله عنا خير الجزاء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق