ما الأدلة التي اعتمد عليها الشيخ محمد الغزالي في تحليله الغناء والموسيقى؟ أرجو الإسهاب.. وبيان حكم الأحاديث الواردة في الفتوى .. وشكرا
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فقد اعتمد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في إباحته للغناء والموسيقى على أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأنه لم يرد حديث صحيح في تحريم الغناء على الإطلاق، وأكد ذلك بأن الغناء ما هو إلا كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح، وقال عن الموسيقى: والموسيقى كالغناء، وقد رأيت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم مدح صوت أبي موسى الأشعري - وكان حلواً- وقد سمعه يتغنى بالقرآن فقال له: لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود. ولو كان المزمار آلة رديئة ما قال له ذلك. وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدف والمزمار دون تحرج، ولا أدري من أين حرم البعض الموسيقى ونفر في سماعها؟. اهـ وقد تبع الشيخ رحمه الله ابن حزم الظاهري رحمه الله، في الزعم بأنه لم يصح حديث في تحريم المعازف، وقد نقل الشيخ كلامه على بعض الأحاديث، ومن أشهرها حديث: يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض. قال الغزالي رحمه الله: قال ابن حزم وهو يناقش السند: معاوية بن صالح ضعيف، وليس فيه أن الوعيد المذكور إنما هو على المعازف كما أنه ليس على اتخاذ القينات. والظاهر أنه على استحلالهم الخمر، والديانة لا تؤخذ بالظن. وهناك حديث لا ندري له طريقًا، وهو: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوتين ملعونين: صوت نائحة وصوت مغنية. وسنده لا شيء. قال الشيخ الغزالي رحمه الله: ولعل أهم ما ورد في هذا الباب ما رواه البخاري معلقًا عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليكوننّ من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. ومعلقات البخاري يؤخذ بها، لأنها في الغالب متصلة الأسانيد، لكن ابن حزم يقول: إن السند هنا منقطع، ولم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد راوي الحديث. نقول: ولعل البخاري يقصد أجزاء الصورة كلها، أعني جملة الحفل الذي يضم الخمر والغناء والفسوق، وهذا محرم بإجماع المسلمين. اهـ فهذا حاصل ما اعتمد عليه الشيخ في هذه المسألة، على ما وجدناه في كتابه "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث"، وحاصله: التمسك بأصل الإباحة وتضعيف ما ورد في التحريم. والجواب عن ذلك من وجوه: الوجه الأول: أن قوله إن الأصل في الأشياء الإباحة صحيح، لكن قد ورد ما يوجب الخروج عن هذا الأصل يبينه: الوجه الثاني: أنه قد صح في تحريم المعازف ما رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف. قال ابن الصلاح رحمه الله في مقدمته في علم الحديث: ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف الحديث، من جهة أن البخاري أورده قائلاً: قال هشام بن عمار، وساقه بإسناده. فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف بالاتصال بشرط الصحيح. اهـ وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وأما كونه سمعه من هشام بلا واسطة وبواسطة فلا أثر له؛ لأنه لا يجزم إلا بما يصح للقبول، ولا سيما حيث يسوقه مساق الاحتجاج. ويبين الحافظ أن الحديث جاء موصولاً إلى هشام بن عمار عند الإسماعيلي في مستخرجه، والطبراني في مسند الشاميين. ويبين الشيخ الألباني رحمه الله، أن الحديث جاء موصولاً كذلك في صحيح ابن حبان ، ومعجم الطبراني الكبير، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتابه رحمه الله "تحريم آلات الطرب" فقد كفى وشفى. وفي حكم معلقات البخاري والرد على ابن حزم يقول الحافظ العراقي في ألفيته في الحديث: وإن يكن أول الإسناد حذفْ=====مع صيغة الجزم فتعليقًا عرفْ ولو إلى آخره أما الذي=====لشيخه عزا بقال فكَذي عنعنة كخبر المعازفِ=====لا تصغ لابن حزم المخالفِ والحاصل أن هذا الحديث صحيح لا مطعن في إسناده، وما قاله الشيخ من أن البخاري لعلمه قصد أجزاء الصورة كلها، أي جملة الحفل الذي يضم الخمر والغناء والفسوق، فهذا غريب جدًّا، فإن البخاري لا يقال هنا قصد أو لم يقصد؛ لأنه إنما يروي الحديث بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالكلام كله هو للرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو صريح في أن الحِرَ (الزنا) والحرير والخمر والمعازف، كل منها محرم تحريمًا مستقلاً، وأن من الأمة من يستحل هذه المحرمات أو بعضها. الوجه الثالث: أنه قد روى الحاكم والبيهقي والترمذي مختصرًا، وحسنه، عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لم أنه عن البكاء ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان. والحديث حسنه الألباني رحمه الله، كما في السلسلة الصحيحة برقم: 2157. وهذا الحديث كما ترى خرجه جماعة من الأئمة، ومع هذا يقول ابن حزم : لا ندري له طرقًا. ولهذا قال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله عن ابن حزم : وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه، وعلى أحوال الرواة.