الثلاثاء، 16 مايو 2017

مفهـوم التوســل وما هو المتفق عليه والمختلف فيه من التوسل ؟!


مفهـوم التوســل




يخطئ كثير من الناس في فهم حقيقة التوسل ، ولذا فإننا سنبين مفهوم     التوسل الصحيح في نظرنا وقبل ذلك لابد أن نبين هذه الحقائق :
أولاً :
أن التوسل هو أحد طرق الدعاء وباب من أبواب التوجه إلى الله سبحانه   وتعالى ، فالمقصود الأصلي الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى ، والمتوسَّل به إنما هو واسطة ووسيلة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ومن اعتقد غير ذلك فقد أشرك .
ثانيـاً :
أن المتوسل ما توسل بهذه الواسطة إلا لمحبته لها واعتقاده أن الله سبحانه     وتعالى يحبها ، ولو ظهر خلاف ذلك لكان أبعد الناس عنها وأشد الناس كراهة لها .
ثالـثاً :
أن المتوسل لو اعتقد أن من توسل به إلى الله ينفع ويضر بنفسه مثل الله         أو دونه فقد أشرك .
رابعـاً :
أن التوسل ليس أمراً لازماً أو ضرورياً وليست الإجابة متوقفة عليه بل الأصل دعاء الله تعالى مطلقاً ، كما قال تعالى : }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ{ . وكما قال تعالى : }  قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى{.

]  ]  ]

المتفق عليه من التوسل

لم يختلف أحد من المسلمين في مشروعية التوسل إلى الله سبحانه وتعالى  بالأعمال الصالحــة ، فمـن صـام أو صلى أو قرأ القرآن أو تصدق فإنـه يتوسـل     بصيامه وصلاته وقراءته وصدقته بل هو أرجى في القبول وأعظم في نيل المطلوب    لا يختلف في ذلك اثنان ، والدليل على هذا حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم    الغار فتوسل أحدهم إلى الله ببره لوالديه ، وتوسل الثاني بابتعاده عن الفاحشة      بعد تمكنه من أسبابها ، وتوسل الثالث بأمانته وحفظه لمال غيره وأدائه له كاملاً ، وفرج الله عنهم ما هم فيه ، وهذا النوع من التوسل قد فصله وبين أدلته وحقق مسائله الشيخ ابن تيمية رحمه الله في كتبه وخصوصاً في رسالته ( قاعدة جليلة       في التوسل والوسيلة ) .
محل الخلاف :
ومحل الخلاف في مسألة التوسل هو التوسل بغير عمل المتوسل ،         كالتوسل بالذوات والأشخاص بأن يقول : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد      أو أتوسل إليك بأبي بكر الصديق أو بعمر بن الخطاب أو بعثمان أو بعلي     رضي الله عنهم ، فهذا هو الممنوع عند بعضهم .
ونحن نرى أن الخلاف شكلي وليس بجوهري ، لأن التوسل بالذات يرجع في الحقيقة إلى توسل الإنسان بعمله وهو المتفق على جوازه ، ولو نظر المانع المتعنت    في المسألة بعين البصيرة لانجلى له الأمر وانحل الإشكال وزالت الفتنة التي وقع  بسببها من وقع فحكم على المسلمين بالشرك والضلال .
وسأبين كيف أن المتوسل بغيره هو في الحقيقة متوسل بعمله المنسوب إليه  والذي هو من كسبه .
فأقول : إعلم أن من توسل بشخص ما فهو لأنه يحبه إذ يعتقـد صلاحه وولايتـه وفضلـه تحسينـاً للظـن بـه ، أو لأنـه يعتقد أن هذا الشخص محب لله سبحانه وتعالى يجاهد في سبيله ، أو لأنه يعتقد أن الله تعالى يحبه كما قال تعالى :  } يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ { ، أو لاعتقاد هذه الأمور كلها في الشخص المتوسل به .
وإذا تدبرت الأمر وجدت أن هذه المحبة وذلك الاعتقاد من عمل المتوسل    لأنه اعتقاده الذي انعقد عليه قلبه فهو منسوب إليه ومسئول عنـه ومثاب عليـه،

وكأنه يقول : يا رب إني أحب فلاناً وأعتقد أنه يحبك وهو مخلص لك ويجاهد في سبيلك ، وأعتقد أنك تحبه وأنت راض عنه فأتوسل إليك بمحبتي له وباعتقادي     فيه أن تفعل كذا وكذا ، ولكن أكثر المتوسلين يتسامحون في التصريح بهذا الأمر مكتفين بعلم من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء يعلم خائنة الأعين   وما تخفي  الصدور .
فمن قال : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك . هو ومن قال : اللهم إني        أتوسل إليك بمحبتي لنبيك  سواء ، لأن الأول ما أقدم على هذا إلا لمحبته وإيمانه بنبيه ، ولولا المحبة له والإيمان به ما توسل به ، وهكذا يقال في حق غيره من     أولياء الأمة .
وبهذا ظهر أن الخلاف في الحقيقة شكلي ولا يقتضي هذا التفرق والعداء  بالحكم بالكفر على المتوسلين وإخراجهم عن دائرة الإسلام }سُبْحَانَكَ هَذَا      بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{ .
]  ]  ]
أدلة ما عليه المسلمون من التوسل
قال الله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ { . والوسيلة : كل ما جعله الله سبباً في الزلفى عنده ووصلة إلى قضاء الحوائج منه والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه .
ولفظ الوسيلة عام في الآية كما ترى فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة     من الأنبياء والصالحين في الحياة وبعد الممات وبالإتيان بالأعمال الصالحة على الوجه المأمور به وللتوسل بها بعد وقوعها .
وفيما ستسمع من الأحاديث والآثار ما يجلي لك هذا العموم واضحاً ،      فألق السمع وأنت شهيد لترى أنه قد ثبت التوسل به  قبل وجوده وبعد     وجوده في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة .

]  ]  ]

التوسل بالنبي  قبل وجوده
توسل آدم به :
وقد جاء في الحديث أن آدم توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، قال             الحاكم في المستدرك : حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بم منصور العدل حدثنا أبو     الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم     الفهري حدثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن         جده عن عمر  رضي الله عنه   قال :
((قال رسول الله  : لما اقترف آدم الخطيئة قال : يارب ! أسألك      بحق محمد لما غفرت لي ، فقال الله: ياآدم ! وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يارب ! لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك  لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ، فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إليَّ ، أدعني بحقه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك)) .
أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه [ج2 ص615]([1]، ورواه           الحافظ السيوطي في الخصائص النبوية وصححه (2) ، ورواه البيهقي في دلائل النبوة وهو لا يروي الموضوعات ، كما صرح بذلك في مقدمة كتابه (3) ، وصححه أيضاً القسطلاني والزرقاني في المواهب اللدنية [ج1 ص62](4) ، والسبكي في           شفاء السقام ، قال الحافظ الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفهم (مجمع الزوائد ج8 ص253) .
وجاء من طريق آخر عن ابن عباس بلفظ : فلولا محمد ما خلقت آدم         ولا الجنة ولا النار . رواه الحاكم في المستدرك ( ج2 ص615 ) وقال : صحيح الإسناد ، وصححه شيخ الإسلام البلقيني في فتاويه ، ورواه أيضاً الشيخ ابن الجوزي في الوفا في أول كتابه ونقله ابن كثير في البداية ( ج1 ص180 ) .
وقد خالف في ذلك بعض العلماء فتكلم في درجة الحديث ورده وحكم   بوضعه كالذهبي وغيره ، وبعضهم حكم بضعفه ، وبعضهم حكم بنكارتـه      وبهذا يظهـر أنـه لم تتفق كلمتهـم علـى حكـم واحـد ، وعليـه فالمسألـة يدور البحـث فيهـا بيـن الإثبـات والنفـي والرد والقبول والتوقف بناء على اختلافهم في درجة الحديث(5)[2]              وهذا من ناحية السند وثبوت الحديث ، أما من ناحية المعنى فلنترك المجال لشيخ الإسلام ابن تيمية ليحدثنا عنه .
شواهد لحديث توسل آدم
روى ابن تيمية حديثين في هذا الموضوع وأوردهما مستشهداً بهما ، فقال :  روى أبو الفرج ابن الجوزي بسنده إلى ميسرة قال : قلت : يا رسول الله ! متى  كنتَ نبياً ؟ قال :
((لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ، وخلق العرش كتب على ساق العرش محمد رسول الله خاتم الأنبياء ، وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقباب والخيام ، وآدم بين الروح والجسد ، فلما أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله إنه سيد ولدك ، فلما غرهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه)) .
وروى أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة ومن طريق الشيخ أبي الفرج حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن رشيد حدثنا أحمد بن سعيد الفهري        حدثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن     عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله  :
((لما أصاب آدم الخطيئة رفع رأسه فقال : يارب ! بحق محمد إلا غفرت   لي ، فأوحى إليه : وما محمد ومن محمد ؟ فقال : يا رب ! إنك لما أتممت   خلقي رفعت رأسي إلى عرشك فإذا عليه مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك إذ قرنت اسمه مع اسمك ، فقال : نعم ،  قد غفرت لك ، وهو آخر الأنبياء من ذريتك ، ولولاه ما خلقتك)) ..
فهذا الحديث يؤيد الذي قبله ، وهما كالتفسير للأحاديث الصحيحة                     [ اهـ من الفتاوى ج2 ص150 ] .
قلت : فهذا يدل على أن الحديث عند ابن تيمية صالح للاستشهاد      والاعتبار لأن الموضوع أو الباطل لا يستشهد به عند المحدثين ، وأنت ترى أن  الشيخ استشهد به هنا على التفسير(6).
تصحيح ابن تيمية لمعنى هذه الخصوصية

تكلم الشيخ ابن تيمية عن هذه المسألة كلاماً جيداً نفيساً يدل على عقل وبصيرة واتزان كبير ، فهو وإن كان قد نفى وجود حديث عن النبي  في هذا  المعنى [ وهذا حسب علمه في ذلك الوقت ] إلا أنه رجع فأيد المعنى وفسره    تفسيراً معقولاً وأثبت فيه صحة القول وهو بهذا يرد رداً واضحاً على من زعم أن ذلك شرك أو كفر وعلى من زعم أن المعنى فاسد وباطل وعلى من زعم أن فيه  قدحاً في مقام التوحيد والتنزيه ، وما هو إلا الهوى والعمى وسوء الفهم وضيق   العقل فالله ينور بصائرنا ويرشدنا إلى الحق والصواب وهو الهادي إلى سواء السبيل .
قال الشيخ الإمام ابن تيمية في الفتاوى (ج11 ص96) :
ومحمد سيد ولد آدم وأفضل الخلق وأكرمهم عليه ومن هنا قال من قال :     إن الله خلق من أجله العالم أو أنه لولاه لما خلق عرشاً ولا كرسياً ولا سماء ولا    أرضاً ولا شمساً ولا قمراً ، لكن ليس هذا حديثاً عن النبي  لا صحيحاً ولا    ضعيفاً ، ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث عن النبي  بل ولا يعرف عن الصحابة بل هو كلام لا يدرى قائله ، ويمكن أن يفسر بوجه صحيح كقوله تعالى    } سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  { ، وقوله تعالى : } وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا { ، وأمثال ذلك من الآيات التي يبين فيها أنه خلق المخلوقات لبني آدم ، ومعلوم أن لله فيها حكماً عظيمة غير ذلك وأعظم من ذلك ، ولكن يبين لبني      آدم ما فيها من المنفعة وما أسبغ عليهم من النعمة
فإذا قيل : فعل كذا لكذا لم يقتض أن لا يكون فيه حكمة أخرى ، وكذلك قول القائل : لولا كذا ما خلق كذا لا يقتضي ألا يكون فيه حكم أخرى عظيمة ،  بل يقتضي إذا كان أفضل صالحي بني آدم محمد ، وكانت خلقته غاية مطلوبة وحكمة بالغة مقصودة [ أعظم ] من غيره صار تمام الخلق ونهاية الكمال حصل بمحمد صلى الله عليه وسلم . ( اهـ من الفتاوى ) .

تحليل مهم لرأي ابن تيمية غاب عن عقول أتباعه

فانظر هداك الله إلى كلام الشيخ ابن تيمية وبعد نظره ، وسعة فهمه في     تفسير هذه الخصوصية التي انتشرت واشتهرت ، وجاء فيها حديث توسل آدم   الذي رواه الحاكم ، والذي صححه من صححه ، وحسنه من حسنه ، وقبله من  قبله ممن تقدم ذكرهم من أئمة الحديث .
وها هو الشيخ ابن تيمية هنا يقول : إن هذا الكلام له وجه صحيح فأين     هذا القول من قول من أقعد الدنيا وأقامها ، وأخرج القائلين بذلك عن دائرة  الإسلام ، ووصفهم بالضلال والشرك ، أو بالبدعة والتخريف ، ثم يدعي زوراً  وبهتاناً أنه سلفي تيمي ، وهو بعيد كل البعد عن ابن تيمية ، وعن السلفية ،     وليس هذا الصنيع منه في هذه المسألة فقط ، بل الملاحظ أنه مع ابن تيمية في       كل مسألة إلا فيما فيه تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو تأييد كرامته وعظمته ومكانته ، فإنه يتوقف فيها ويفكر وينظر ، وهنا فقط تظهر عنده حماية   مقام التوحيد أو حمية التوحيد ، سبحانك هذا بهتان عظيم .




الشاهد الثالث لحديث توسل آدم :
الشاهد الثالث لحديث توسل آدم هو ما أخرجه ابن المنذر في تفسيره          عن محمد بن علي بن حسين بن علي عليهم السلام قال : لما أصاب آدم الخطيئة  عظم كربه واشتد ندمه فجاءه جبريل عليه السلام فقال : ((يا آدم ! هل أدلك   على باب توبتك الذي يتوب الله عليك منه ؟ قال : بلى يا جبريل ، قال : قم في مقامك الذي تناجي فيه ربك فمجده وامدح ، فليس شيء أحب إلى الله من     المدح ، قال : فأقول ماذا يا جبريل ؟ قال : فقل : لا إله إلا الله وحده                لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير كله     وهو على كل شيء قدير ، ثم تبوء بخطيئتك فتقول : سبحانك اللهم وبحمدك        لا إله إلا أنت رب إني ظلمت نفسي وعملت السوء فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب  إلا أنت ، اللهم إني أسألك بجاه محمد عبدك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي)). قال : ففعل آدم ، فقال الله : يا آدم ! من علّمك هذا ؟ فقال : يا رب ! إنك       لما نفخت فيَّ الروح فقمت بشراً سوياً أسمع وأبصر وأعقل وأنظر رأيت على ساق عرشك مكتوباً بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا وحده لا شريك له محمد     رسول الله ، فلما لم أر على أثر اسمك اسم ملك مقرب ، ولا نبي مرسل غير اسمه علمت أنه أكرم خلقك عليك ، قال : صدقت ، وقد تبت عليك وغفرت لك . (كذا في الدر المنثور للسيوطي ج1 ص146) .
ومحمد بن علي بن الحسين هو أبو جعفر الباقر من ثقات التابعين وساداتهم  خرّج له الستة ، روى عن جابر وأبي سعيد وابن عمر وغيرهم .
الشاهد الرابع لحديث توسل آدم :
الشاهد الرابع ما رواه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة قال :            حدثنا هارون بن يوسف التاجر قال : حدثنا أبو مروان العثماني قال : حدثني       أبو عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال : من الكلمات  التي تاب الله بها على آدم قال : اللهم إني أسألك بحق محمد عليك ، قال الله      تعالى : وما يدريك ما محمد ؟ قال : يارب ! رفعت رأسي فرأيت مكتوباً على  عرشك لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه أكرم خلقك .
فانضمام هذا الأثر إلى حديث عبد الرحمن بن زيد يفيده قوة كما لا يخفى .
الجنة حرام على الأنبياء حتى يدخلها محمد 
ومن أمثال هذا التفضل الإلهي على حضرة النبي  ما جاء في الحديث         من كون الجنة حراماً على الأنبياء حتى يدخلها نبينا  ، عن عمر بن الخطاب         رضي الله عنه  عن رسول الله  قال :
((الجنة حرمت على الأنبياء وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي)) ..             ( رواه الطبراني في الأوسط ، وقال الهيثمي : إسناده حسن ) .. [مجمع              الزوائد ج10 ص69].
ارتباط الكون باسمه صلى الله عليه وسلم
ومن أمثال هذا التفضل الإلهي ما جاء في الآثار من انتشار اسمه محمد في       الملأ الأعلى ، قال كعب الأحبار : إن الله أنزل على آدم عصياً بعدد الأنبياء والمرسلين ، ثم أقبل على ابنه شيث فقال : ابني أنت خليفتي من بعدي فخذها   بعمارة التقوى والعروة الوثقى ، وكلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد فإني رأيت اسمه مكتوباً على ساق العرش وأنا بين الروح والطين ، ثم إني طفت   السماوات فلم أر في السماوات موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه ، وإن    ربي أسكنني الجنة فلم أر في الجنة قصراً ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوباً عليه ،    ولقد رأيت اسم محمد مكتوباً على نحور الحور العين وعلى ورق قصب آجام الجنة وعلى ورق شجرة طوبى ، وعلى ورق سدرة المنتهى ، وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة ، فأكثروا ذكره فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها . اهـ (المواهب اللدنية ج1 ص186) .
قال الزرقاني في شرحه : رواه ابن عساكر .
قلت : وقد ذكر نحو هذا الخبر الشيخ ابن تيمية ، فقال : وقد روى أن        الله كتب اسمه على العرش وعلى ما في الجنة من الأبواب والقباب والأوراق ، وروى في ذلك عدة آثار توافق هذه الأحاديث الثابتة التي تبين التنويه باسمه وإعلاء ذكره   حينئذ .
وفي رواية لابن الجوزي عن ميسرة قال : قلت : يا رسول الله ! متى كنت نبياً ؟
قال :
((لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ، وخلق العرش كتب على ساق العرش محمد رسول الله خاتم الأنبياء ، وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقباب والخيام ، وآدم بين الروح والجسد ، فلما أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله إنه سيد ولدك ، فلما غرهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه)) .        
اهـ (الفتاوى ج2 ص150 ) .
فوائد مهمة من حديث توسل آدم :
وفي الحديث التوسل برسول الله  قبل أن يتشرف العالم بوجوده فيه         وأن المدار في صحة التوسل على أن يكون للمتوسل به القدر الرفيع عند ربه عز وجل وأنه لا يشترط كونه حياً في دار الدنيا .
ومنه يعلم أن القول بأن التوسل لا يصح بأحد إلا وقت حياته في دار       الدنيا قول من اتبع هواه بغير هدى من الله .
حاصل البحث في درجة الحديث :
والحاصل أن هذا الحديث صححه بشواهده(7)[3]ونقله جماعة من فحول     العلماء وأئمة الحديث وحفاظه الذين لهم مقامهم المعروف ومكانتهم العالية وهم الأمناء على السنة النبوية فمنهم الحاكم والسيوطي والسبكي والبلقيني .
ونقله البيهقي في كتابه الذي شرط فيه أن لا يخرج الموضوعات ، والذي قال فيه الذهبي : عليك به فإنه كله هدى ونور . [كذا في شرح المواهب وغيره] .
وذكره ابن كثير في البداية واستشهد به ابن تيمية في الفتاوى ، وكون    العلماء اختلفوا فيه فرده بعضهم وقبله البعض ليس بغريب لأن كثيراً من الأحاديث النبوية جرى فيها الخلاف بأكثر من هذا وانتقدها النقاد بأعظم من هذا .
وبسبب ذلك ظهرت هذه المؤلفات العظيمة ، وفيها الاستدلالات والتعقبات والمراجعات والمؤاخذات ، ولم يصل ذلك إلى الرمي بالشرك والكفر والضلال والخروج عن دائرة الإيمان لأجل الاختلافات في درجة حديث من الأحاديث ،   وهذا الحديث من جملة تلك الأحاديث(8) .
توسل اليهود به 

قال تعالى : } وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ { .
قال القرطبي قوله تعالى : ولما جاءهم  يعني اليهود  كتاب  يعني       القرآن  من عند الله مصدق  نعت لكتاب ويجوز في غير القرآن نصبه على    الحال وكذلك هو في مصحف أبي بالنصب فيما روى  لما معهم  يعني التوراة والإنجيل يخبرهم بما فيها  وكانوا من قبل يستفتحون  أي يستنصرون ،  والاستفتاح : الاستنصار استفتحت استنصرت ، وفي الحديث كان النبي     يستفتح بصعاليك المهاجرين أي يستنصر بدعائهم وصلاتهم . ومنه :
فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ، والنصر فتح شيء مغلق فهو    يرجع إلى قولهم : فتحت الباب .
وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن النبي  قال :
((إنما نصر الله هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)) ..
وروى النسائي أيضاً عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله  يقول :
((أبغوني الضعيف فإنكم إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم)) ..
قال ابن عباس : كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود  فدعت يهود بهذا الدعاء ، وقالوا : إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن  تخرجه لنا في آخر الزمان أن تنصرنا عليهم ، قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا  الدعاء فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي  كفروا ، فأنزل الله تعالى : } وَكَانُواْ    مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ { أي بك يا محمد إلى قوله : } فَلَعْنَةُ اللَّه  عَلَى الْكَافِرِينَ { . تفسير القرطبي (ج2 ص26 و27)(9) .

]  ]  ]
التوسل بالنبي  في حياته وبعد وفاته
عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله  وجاءه       رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال : يا رسول الله ! ليس لي قائد وقد     شق عليَّ ، فقال رسول الله  :
((ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قال اللهم إني أسألك وأتوجه  إليك بنبيك محمد  نبي الرحمة يامحمد إني أتوجه بك إلى ربك فيجلي لي عن بصري ، اللهم شفعه فيَّ وشفعني في نفسي ، قال عثمان : فوالله ما تفرقنا     ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر)) ..
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقال الذهبي عن الحديث : أنه صحيح (ج1 ص519) .
وقال الترمذي في أبواب الدعوات آخر السنن : هذا حديث حسن صحيح غريب  لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي .
قلت : والصواب أن أبا جعفر هو الخطمي المدني كما جاء مصرحاً به في  روايات الطبراني والحاكم والبيهقي ، وزاد الطبراني في المعجم الصغير أن اسمه عمير ابن يزيد وأنه ثقة ، قال العلامة المحدث الغماري في رسالته ((اتحاف الأذكياء)) : وليس من المعقول أن يجمع الحفاظ على تصحيح حديث في سنده مجهول      خصوصاً الذهبي والمنذري والحافظ .
قال المنذري : ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه .     (كذا في الترغيب كتاب النوافل باب الترغيب في صلاة الحاجة (ج1 ص438) .
وليس هذا خاصاً بحياته  بل قد استعمل بعض الصحابة هذه الصيغة         من التوسل بعد وفاته  فقد روى الطبراني هذا الحديث وذكر في أوله قصة      وهي أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له ، وكان عثمان رضي الله عنه لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقى الرجل عثمان        بن حنيف فشكا ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم    ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل :
اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد  نبي الرحمة ، يامحمد !  إني أتوجه بك إلى ربك فيقضي حاجتي . وتذكر حاجتك ..
فانطلق الرجل فصنع ما قال له ، ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى       أخذ بيده فأدخله على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة وقال : ما حاجتك ؟   فذكر حاجته فقضاها له ، ثم قال : ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة      ثم قال : ما كانت لك حاجة فائتنا ، ثم إن الرجل لما خرج من عنده لقى عثمان     بن حنيف وقال له : جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ        حتى كلمته فيَّ ، فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول    الله  وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي  :
أو تصبر ؟ فقال : يارسول الله ! ليس لي قائد ، وقد شق عليَّ ، فقال له النبي :
((إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات ، فقال عثمان ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه  لم يكن به ضر قط)) ..
قال المنذري : رواه الطبراني ، وقال بعد ذكره : والحديث صحيح .         (كذا في الترغيب ، [ج1 ص440 وكذا في مجمع الزوائد ج2 ص279] .
وقال الشيخ ابن تيمية : قال الطبراني روى هذا الحديث شعبة عن أبي       جعفر واسمه عمر بن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر عن شعبة ، قال          أبو عبد الله المقدسي : والحديث صحيح .
قلت : قال الشيخ ابن تيمية : ذكر تفرده بمبلغ علمه ولم تبلغه رواية روح    ابن عبادة عن شعبة ، وذلك إسناد صحيح يبين أنه لم ينفرد به عثمان بن عمر   (اهـ . التوسل والوسيلة ص 101) .
وبهذا ظهر أن هذه القصة صححها الحافظ الطبراني والحافظ أبو عبد الله المقدسي ، ونقل ذلك التصحيح الحافظ المنذري والحافظ نور الدين الهيثمي والشيخ ابن تيمية(10)[4] .
وحاصـل القصـة أن عثمـان بن حنيـف الراوي للحديث المشاهد للقصة
علم من شكا إليه إبطاء الخليفة عن قضاء حاجته هذا الدعاء الذي فيه التوسل   بالنبي  والنداء له مستغيثاً به بعد وفاته  ، ولما ظن الرجل أن حاجته         قضيت بسبب كلام عثمان مع الخليفة ، بادر ابن حنيف بنفي ذلك الظن وحدثه بالحديث الذي سمعه وشهده ليثبت له أن حاجته إنما قضيت بتوسله به         وندائه له واستغاثته به ، وأكد ذلك له بالحلف أنه ما كلم الخليفة في شأنه .
استعمال آخر وتأييد ابن تيميّة له
روى ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء قال : حدثنا أبو هاشم سمعت      كثير بن محمد بن كثير بن رفاعة يقول : جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد         ابن أبجر فجس بطنه فقال : بك داء لا يبرأ ، قال : ما هو ؟ قال : الدُّبَيْلَة ،       وهي خرّاج ودمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالباً ، قال : فتحول    الرجل فقال : الله الله ، الله ربي لا أشرك به شيئاً ، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك   محمد نبيّ الرحمة  ، يامحمد إني أتوجه بك إلى ربك وربّي يرحمني ممّا بي .           قال : فجس بطنه فقال : قد برئت ، ما بك علة .
قال الشيخ ابن تيمية : قلت : فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السّلف.      اهـ [رواه الشيخ ابن تيمية في قاعدة جليلة ص94] .
ومعلوم أن ابن تيمية أورد هذا الخبر ليبين به مقصوده ويوجهه كما يريد ، ولكن الذي يهمنا هنا هو أنه أثبت استعمال السلف لذلك وحصول الشفاء به ، وهذا القدر من المسألة هو الذي يهمنا ، أما تعليقه عليه فهذا رأيه هو ، ونحن        لا يهمنا إلا ثبوت النص فقط لنستدل به على ما نريد ، وهو له أن يستدل به     كما يريد .


[ محاولات يائســة ]
وقد طنطن ودندن بعضهم حول حديث توسل آدم وعثمان بن حنيف      وغيره ، وبذل جهده في ردّها بكل ما أوتي من قوة ، وحاول وحاور وجادل وقام وقعد وأرغى وأزبد في هذا الموضوع ، وكل ذلك لا فائدة منه لأنه مهما حاول ردّ الأحاديث الواردة في هذا الباب فقد قال ساداته من العلماء الكبار كلمتهم وهم أوفر منه عقلاً وأوسع علماً وأطول باعاً وأعمق فهماً وأكثر نوراً وتقوى وإخلاصاً ، مثل الإمام أحمد بن حنبل ، وهو يقول بالتوسل كما نقله عنه ابن تيمية والعز        ابن عبد السلام ، وابن تيمية نفسه في قول له بالتوسل بالنبي  خاصة ، ثم        نهاية المطاف عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أنكر على من نسب القول    إليه بتكفير المتوسلين ، بل وصرح في فتاواه بأن التوسل من الفروع ، لا من   الأصول وكل ذلك سيأتي مفصلاً إن شاء الله في هذا الكتاب .
هذا وقد صنف الشيخ العلامة المحدث عبد الله الغماري رسالة خاصة في   الكلام عن هذا الحديث سماها ((مصباح الزجاجة في صلاة الحاجة)) ، أجاد فيها وأفاد وأتى بما يشفي ويكفي ويغني ، جزاه الله خير الجزاء .
التوسل به  في عرصات يوم القيامة
أما التوسل بع في عرصات يوم القيامة فلا حاجة للإطالة فيه فإن أحاديث الشفاعة بلغت مبلغ التواتر وكل ذلك فيه النصوص الصريحة التي تفيد بأن أهل الموقف إذا طال عليهم الوقوف واشتد الكرب استغاثوا في تفريج كربتهم بالأنبياء فيستغيثون بآدم ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى فيحيلهم على سيد المرسلين حتى إذا استغاثوا به  ، سارع إلى إغاثتهم وأسعف طلبتهم ، وقال : أنا لها أنا      لها ، ثم يخر ساجداً ولا يزال كذلك حتى ينادي أن ارفع رأسك واشفع تشفع .
فهذا إجماع من الأنبياء والمرسلين وسائر المؤمنين وتقرير من رب العالمين بأن الاستغاثة عند الشدائد بأكابر المقربين من أعظم مفاتيح الفرج ومن موجبات     رضى رب العالمين .
مشروعية التوسل على طريقة الشيخ ابن تيمية
يقول الشيخ ابن تيمية في كتابه [ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ]        عند الكلام على قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ { ، فابتغاء الوسيلة إلى الله سبحانه وتعالى إنما يكون لمن توسل إلى الله بالإيمان بمحمد واتباعه ، وهذا التوسل بالإيمان به وبطاعته فرض على كل أحد في كل حال باطناً وظاهراً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته في مشهده ومغيبه لا يسقط التوسل بالإيمان به وبطاعته عن أحد من الخلق في حال من الأحوال بعد    قيام الحجة عليه ولا يعذر من الأعذار ولا طريق إلى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه إلا بالتوسل به وبطاعته وهو صلى الله عليه وسلم شفيع الخلائق ، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون فهو أعظم الشفعاء قدراً وأعلاهم جاهاً عند الله ، وقال تعالى عن موسى : } وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً { ،  وقال عن المسيح : } وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ { ، ومحمد  أعظم جاهاً من  الأنبياء والمرسلين ، ولكن شفاعته ودعاؤه إنما ينتفع به من شفع له الرسول ودعا له فمن دعا له الرسول وشفع له توسل إلى الله بشفاعته ودعائه كما كان أصحابه يتوسلون إلى الله بدعائه وشفاعته وكما يتوسل الناس يوم القيامة إلى الله تعالى   بدعائه وشفاعته صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً .
وفي الفتاوى الكبرى : سئل شيخ الإسلام رحمه الله هل يجوز التوسل        بالنبي  أم لا ؟ فأجاب : الحمد لله ، أما التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته    والصلاة والسلام عليه وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك مما هو من أفعاله وأفعال العباد المأمور بها في حقه فهو مشروع باتفاق المسلمين .
[ الفتاوى الكبرى ج1 ص140 ] .
قلت : فيستفاد من كلام الشيخ ابن تيمية أمران :
الأول :
أن المسلم المطيـع المـحب لرسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتبع لـه         

المصدق بشفاعته يشرع له أن يتوسل بطاعته ومحبته وتصديقه ذلك .
وإننا إذا توسلنا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فالله يشهد أننا إنما نتوسل بالإيمان به وبمحبته وبفضله وشرفه فهذا هو المقصود الأصلي من التوسل ولا يتصور أن يتوسل أحد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لغير هذا المعنى ، ولا يمكن أن   يكون سوى ذلك من جميع المسلمين المتوسلين ، غير أن المتوسل قد يصرح به      وقد لا يصرح اعتماداً على المقصود الأصلي من التوسل الذي هو الإيمان بالنبي ومحبته صلى الله عليه وآله وسلم لا غير .
الثاني :
مما يستفاد من كلام الشيخ ابن تيمية أن من دعا له الرسول  صح له         أن يتوسل إلى الله بدعائه  له ، وقد جاء أنه  قد دعا لأمته كما ثبت           ذلك في أحاديث كثيرة .
منها : عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما رأيت من النبي  طيب      النفس ، قلت : يارسول الله ! أدع الله لي ، فقال :
((اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك ، فقال لها رسول الله   أيسرك دعائي ، فقالت : وما لي لا يسرني دعاؤك ، فقال    :      إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة)) .
رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة ،        ( كذا في مجمع الزوائد ) ، لذا فإنه يصح لكل مسلم أن يتوسل إلى الله سبحانه  وتعالى بذلك فيقول : اللهم إن نبيك محمداً  قد دعا لأمته وأنا من أفراد هذه   الأمة فأتوسل إليك بهذا الدعاء أن تغفر لي وأن ترحمني إلى آخر ما يريد ، فإذا      قال ذلك لم يخرج عن الأمر المتفق عليه بين كافة علماء المسلمين ، فإن قال :     اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد  فقد فاته التصريح بما ينويه وبيان ما        ينعقد عليه قلبه وهو مقصود كل مسلم ومراده لا يخرج عن هذا الحد لأن المتوسل بالنبي  لا يقصد بذلك إلا تلك المعاني المتعلقة بذاته  من محبة وقربة             وجاه ورتبة وفضل ودعـاء وشفاعـة ، خصوصـاً وأنـه صلى الله عليـه وسلـم فـي بـرزخـه
يسمع الصلاة والسلام ويرد على ذلك بما يليق ويناسب من سلام واستغفار لما قد جاء في الحديث عن النبي  :
((حياتي خير لكم ومماتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، تعرض أعمالكم عليَّ فإن وجدتُّ خيراً حمدت الله ، وإن وجدت شراً استغفرت الله لكم)).
رواه الحافظ إسماعيل القاضي في جزء الصلاة على النبي  ، وذكره الهيثمي   في مجمع الزوائد وصححه بقوله : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح كما سيأتي.
وهذا صريح بأنه صلى الله عليه وسلم يستغفر للأمة في برزخه والاستغفار   دعاء والأمة تنتفع بذلك
وجاء في الحديث أن النبي  قال :
((ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد السلام)) ..
رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال النووي : إسناده صحيح . فهذا صريح بأن النبي  يرد السلام على المسلم ، والسلام هو الأمان             فهو دعاء بالأمان للمسلم وهو ينتفع بذلك .
مشروعية التوسل بالنبي  خاصة عند الإمام
أحمد بن حنبل وابن تيمية

على أن الشيخ ابن تيمية في بعض المواضع من كتبه أثبت جواز التوسل     بالنبي  دون تفريق أو تفصيل بين حياته وموته وحضوره وغيابه ، ونقل عن    الإمام أحمد والعز بن عبد السلام جواز ذلك في الفتاوى الكبرى .
قال الشيخ : وكذلك مما يشرع التوسل به صلى الله عليه وسلم في الدعاء     
كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه :
((أن النبي  علم شخصاً أن يقول : اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد  نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك فيجلي حاجتي ليقضيها فشفعه فيَّ)) ..
فهذا التوسل به حسن . اهـ ( الفتاوى ج3 ص276 ) .
وقال أيضاً : والتوسل إلى الله بغير نبينا  سواء سمي استغاثة أو لم يسم         لا نعلم أحداً من السلف فعله ولا روى فيه آثاراً ولا نعلم فيه إلا ما أفتى به الشيخ من المنع ، وأما التوسل بالنبي  ففيه حديث في السنن ، رواه النسائي       والترمذي وغيرهما : أن أعرابياً أتى النبي  فقال : يارسول الله ! إني أصبت في بصري فادع الله لي ، فقال له النبي  :
((توضأ وصل ركعتين ، ثم قل : اللهم أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد يامحمد إني أتشفع بك في رد بصري اللهم شفع نبيك فيَّ ، وقال : فإن كانت لك حاجة فمثل ذلك . فرد الله بصره)) ..
فلأجل هذا الحديث استثنى الشيخ التوسل به . اهـ
                                       ( الفتاوى ج1 ص105 )
وقال الشيخ ابن تيمية أيضاً في موضع آخر :
ولذلك قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي صاحبه : أنه يتوسل       بالنبي  في دعائه ، ولكن غير أحمد قال : إن هذا إقسام على الله به ، ولا       يقسم على الله بمخلوق ، وأحمد في إحدى الروايتين قد جوَّز القسم به ، فلذلك   جوَّز التوسل به .
                                             ( ج1 ص140 من الفتاوى )


]  ]  ]

جواز التوسل عند الإمام الشوكاني

قال الإمام المحدث السلفي الشيخ محمد بن علي الشوكاني في رسالته        (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ) : أما التوسل إلى الله سبحانه وتعالى     بأحد من خلقه في مطلب يطلب العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين            ابن عبد السلام : إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي  إن صح         الحديث فيه . ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجة وغيرهم أن أعمى أتى النبي  فذكر الحديث ، قال :       وللناس في معنى هذا قولان : أحدهما أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب    لما قال : كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا     هو في صحيح البخاري وغيره ، فقد ذكر عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبي  في حياته في الاستسقاء ثم توسل بعمه العباس بعد موته وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى والنبي        كان في مثل هذا شافعاً وداعياً لهم .
والقول الثاني : أن التوسل به  يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته    ومغيبه ، ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به  في حياته ، وثبت التوسل بغيره       بعد موته بإجماع الصحابة إجماعاً سكوتياً لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضي     الله عنه في توسله بالعباس رضي الله عنه ، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي  كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين :
الأول : ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
والثاني : أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة إذ لا يكون فاضلاً إلا بأعماله ، فإذا قال القائل : اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي  حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم        الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة ،  فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركاً كما زعمه المتشددون                  في هذا الباب كابن عبد السلام ، ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم    ولا سكت النبي  عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم ، وبهذا تعلم أن ما     يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى : } مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى { ، ونحو قوله تعالى : } فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً { ، ونحو قوله تعالى : } لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ {. ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه ، فإن قولهم :   ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، مصرح بأنهم عبدوهم لذلك ، والمتوسل    بالعالم مثلاً لم يعبده بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم فتوسل به لذلك ، وكذلك قوله : } فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً { فإنه نهى عن أن يدعى مع الله غيره   كأن يقول بالله وبفلان ، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله فإنما وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عمله بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم   الصخرة بصالح أعمالهم ، وكذلك قوله :   } وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ { الآية .
فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم ، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله ولم يدع غيره دونه ولا دعاء غيره معه ، فإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن    محل النزاع خروجاً زائداً على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى : }وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ         لِلَّهِ { . فإن هذه الآية الشريفة ليست فيها دلالة إلا أنه تعالى هو المنفرد بالأمر في  يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء ، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين ،    ومن اعتقد هذا لعبد من العباد سواء كان نبياً أو غير نبي فهو في ضلال مبين ، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله : } لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ { ، } قُل  لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً { فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول     الله  من أمر الله شيء وأنه لا يملك لنفسـه نفعـاً ولا ضـراً فكيـف يملـك لغيـره ، وليـس فيهمـا منـع التوسل به وبغيره من الأنبيـاء أو الأوليـاء أو العلمـاء ، وقـد جعـل الله لرسول الله  المقـام المحمـود مقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه ، وقال له : سل تعطه واشفع تشفع ، وقيل ذلك في كتابه    العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى ، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله  لما نزل قوله تعالى : } وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ { :              يا فلان بن فلان لا أملك لك من الله شيئاً ، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك        من الله شيئاً ، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه  لا يستطيع نفع من أراد       الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه ، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلاً عن غيرهم شيئاً من الله ، وهذا معلوم لكل مسلم ، وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى      الله فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي وإنما أراد الطالب أن يقدم بين   يدي طلبه ما يكون سبباً للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم     الدين . انتهى كلام الشوكاني .

]  ]  ]
الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول بجواز التوسل
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن قولهم في الاستسقاء :                     [ ( لا بأس بالتوسل بالصالحين ) وقول أحمد : ( يتوسل بالنبي  خاصة )           مع قولهم : إنه لا يستغاث بمخلوق ] ؟
فقال: فالفرق ظاهر جداً ، وليس الكلام مما نحن فيه ، فكون بعض        يرخص بالتوسل بالصالحين ، وبعضهم يخصه بالنبي  ، وأكثر العلماء ينهى        عن ذلك ويكرهه ، فهذه المسألة من مسائل الفقه ، وإن كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه ، فلا ننكر على من فعله ، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد ، ولكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ويقصد القبر يتضرع  عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإعطاء الرغبـات ، فأيـن هـذا ممـن يدعـو الله مخلصـاً لـه الديـن لا يدعـو مـع الله أحـداً ولكـن يقـول في دعائـه : أسألـك بنبيـك أو بالمرسلين أو بعبـادك الصالحين،
أو يقصـد قبراً معروفـاً أو غيـره يدعـو عنـده ، لكـن لا يدعـو إلا الله مخلصاً له الدين فأين هذا مما نحن فيه .
( انتهى من فتاوى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في مجموعة المؤلفات القسم الثالث ص68 التي نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في     أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) .
وهذا يدل على جواز التوسل عنده غاية ما يرى أنه مكروه في رأيه عند الجمهور ، والمكروه ليس بحرام فضلاً عن أن يكون بدعة أو شركاً .
الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتبرأ عمّن يكفر المتوسلين
وقد جاء عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته الموجهة لأهل القصيم الاستنكار الشديد على من نسب إليه تكفير المتوسل بالصالحين ، وقال : إن   سليمان بن سحيم افترى عليَّ أموراً لم أقلها ، ولم يأت أكثرها على بالي ، فمنها :  أني أكفر من توسل بالصالحين ، وأني أكفر البوصيري لقوله : يا أكرم الخلق ،     وأني أحرق دلائل الخيرات .
وجوابي عن هذه المسائل : أني أقول سبحانك هذا بهتان عظيم .
وجاء أيضاً تأييد قوله هذا في رسالة أخرى له بعثها إلى أهل المجمعة يقول     فيها : إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها ، منها ما هو من البهتان الظاهر ، وهو  قوله : أني أكفر من توسل بالصالحين ، وأني أكفر البوصيري إلى آخر ما قال ،       ثم قال : وجوابي فيها أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم .
[أنظر الرسالة الأولى والحادية عشرة من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب القسم الخامس 12 وص64] .

]  ]  ]



التوسـل بآثـاره 

ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بآثاره  وهذا التبرك       ليس له إلا معنى واحد ألا وهو التوسل بآثاره إلى الله تعالى لأن التوسل يقع على وجوه كثيرة لا على وجه واحد .
أفتراهم يتوسلون بآثاره ولا يتوسلون به ؟
هل يصح أن يتوسل بالفرع ولا يصح بالأصل ؟ .
هل يصح أن يتوسل بالأثر الذي ما شرف ولا عظم وكرم إلا بسبب      صاحبه محمد  ، ثم يقول قائل : إنه لا يصح أن يتوسل به ؟ سبحانك هذا       بهتان عظيم ! .
والنصوص الواردة في هذا الباب كثيرة جداً نقتصر على أشهرها ، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحرص كل الحرص على أن يدفن بقرب رسول الله       لما حضرته الوفاة فيبعث ولده عبد الله ليستأذن السيدة عائشة في ذلك وإذا    بالسيدة عائشة تعلن أنها كانت تريد هذا المكان لنفسها ، فتقول كنت أريده    لنفسي ولأوثرنه على نفسي فيذهب عبد الله ويبشر أباه بهذه البشارة العظيمة وإذا بعمر يقول : الحمد لله ما كان شيء أهم إليَّ نم ذلك . وانظر تفصيل القصة في البخاري فما معنى هذا الحرص من عمر ومن عائشة ؟ .
ولماذا كان الدفن بقرب رسول الله أهم شيء وأحب شيء إلى عمر ؟        ليس لذلك تفسير إلا التوسل بالنبي  بعد وفاته بالتبرك بالقرب منه .
وهذه أم سليم تقطع فم القربة التي شرب منها رسول الله  يقول أنس      فهو عندنا .
وهؤلاء الصحابة يتسابقون لأخذ شعرة واحدة من شعر رأسه لما حلقه .
وهذه أسماء بنت ابي بكر تحتفظ بجبة رسول الله  وتقول : فنحن         نغسلها للمرضى نستشفي بها .
وهذا خاتم رسول الله  يحتفظ به بعده أبو بكر وعمر وعثمان ثم يسقط      منه في البئر .
وكل هذه الأحاديث ثابتة وصحيحة كما ذكرناه في مبحث التبرك والذي   نريد أن نقوله هو أننا نتساءل لماذا هذه المحافظة منهم رضي الله تعالى عنهم على   آثار النبي صلى الله عليه وسلم .
[ فم القربة ، الشعر ، العرق ، الجبة ، الخاتم ، المصلى ] فما مقصودهم       من ذلك أهي الذكرى مجرد الذكرى أم هي المحافظة على الآثار التاريخية لوضعها في المتحف ، فإن كانت الأولى فلماذا يعتنون بها عند الدعاء والتوجه إلى الله إذا   أصابهم البلاء أو المرض ، وإذا كانت الثانية فأين هذا المتحف ومن أين جاءتهم     هذه الفكرة المبتدعة ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
لم يبق إلا التبرك بآثاره  للتوسل بها إلى الله في الدعاء لأن الله هو          المعطي وهو المسؤول والكل عبيده وتحت أمره لا يملكون شيئاً لأنفسهم فضلاً عن غيرهم إلا بإذن الله سبحانه وتعالى .

]  ]  ]







التوسل بآثار الأنبياء
قال تعالى : } وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ     مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ { الآية من سورة البقرة .
قال الحافظ ابن كثير في التاريخ : قال ابن جرير عن هذا التابوت : وكانوا    إذا قاتلوا أحداً من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان كما تقدم ذكره ، فكانوا ينصرون ببركته وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك  آل موسى وآل هارون ، فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم اهـ .
قال ابن كثير : وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه ، وكان فيه طست من  ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء اهـ (البداية ج2 ص8) .
وقال ابن كثير في التفسير : كان فيه عصا موسى وعصا هارون ولوحان       من التوراة وثياب هارون ومنهم من قال : العصا والنعلان اهـ .
[تفسير ابن كثير ج1 ص313] .
وقال القرطبي : والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم     عليه السلام فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام فكان في بني    إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة وسلبوا التابوت منهم . اهـ . (تفسير القرطبي ج3 ص247) .
وهذا في الحقيقة ليس إلا توسلاً بآثار أولئك الأنبياء إذ لا معنى لتقديمهم  التابوت بين أيديهم في حروبهم إلا ذلك والله سبحانه وتعالى راض عن ذلك بدليل  أنه رده إليهم وجعله علامة وآية على صحة ملك طالوت ولم ينكر عليهم ذلك  الفعل .

]  ]  ]

توسل النبي  بحقه وحق الأنبياء والصالحين
جاء في مناقب فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب إنها لما ماتت حفر     رسول الله  لحدها بيده وأخرج ترابه بيده فلما فرغ دخل رسول الله      فاضطجع فيه فقال :
((الله الذي يحي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين . وكبر عليها أربعاً وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم)) .. رواه الطبراني في الكبير والأوسط . وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم ، وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح .
[ كذا بمجمع الزوائد ج9 ص257 ] .
واختلف بعضهم في [روح بن صلاح] أحد رواته ، ولكن ابن حبان ذكره     في الثقات ، وقال الحاكم : ثقة مأمون ، وكلا الحافظين صحح الحديث ، وهكذا الهيثمي في [مجمع الزوائد] ورجاله رجال الصحيح(11)[1].
ورواه كذلك ابن عبد البر عن ابن عباس ، وابن أبي شيبة عن جابر ،    وأخرجه الديلمي وأبو نعيم ، فطرقه يشد بعضه بعضاً بقوة وتحقيق(12) .
قال الشيخ الحافظ الغماري في إتحاف الأذكياء ص20 : وروح هذا          ضعفه خفيف عند من ضعفه كما يستفاد من عباراتهم ، ولذا عبر الحافظ الهيثمي    بما يفيد خفة الضعف كما لا يخفى على من مارس كتب الفن . فالحديث لا يقل    عن رتبة الحسن بل هو على شرط ابن حبان صحيح .
ونلاحظ هنا أيضاً أن الأنبياء الذين توسل النبي  بحقهم على الله في          هذا الحديث وغيره قد ماتوا فثبت جواز التوسل إلى الله [بالحق] وبأهل الحق     أحياء وموتى .

توسل النبي  بحق السائلين
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله  :                من خرج من بيته إلى الصلاة ، فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك      وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة ، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، فأسألك أن تعيذني من النار ، وأن تغفر لي ذنوبي ،      إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، أقبل الله بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك .
قال المنذري في الترغيب والترهيب ج3 ص119 : رواه ابن ماجه بإسناد        فيه مقال ، وحسنه شيخنا الحافظ أبو الحسن .
وقال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار ج1 ص272 : هذا حديث          حسن ، أخرجه أحمد وابن خزيمة في كتاب التوحيد ، وأبو نعيم وابن السني .
وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ج1 ص323 عن الحديث : بأنه حسن.
وقال الحافظ البوصيري في زوائد ابن ماجه المسمى ((بمصباح الزجاجة))      ج1 ص98 : رواه ابن خزيمة في صحيحه .
وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي في المتجر الرابع ص471 : إسناده       حسن إن شاء الله .
وذكر العلامة المحقق المحدث السيد علي بن يحي العلوي في رسالته اللطيفة  هداية المتخبطين : أن الحافظ عبد الغني المقدسي حسّن الحديث ، وقبله ابن أبي حاتم، وبهذا يتبين لك أن هذا الحديث صححه وحسنه ثمانية من كبار حفاظ الحديث  وأئمته ، وهم : ابن خزيمة والمنذري وشيخه أبو الحسن والعراقي والبوصيري     وابن حجر وشرف الدين الدمياطي وعبد الغني المقدسي وابن أبي حاتم ، وهؤلاء منهم
فهل يبقى بعد قول هؤلاء كلام المتكلم ، وهل يصح من عاقل أن يترك حكم هؤلاء الفحول من الرجال الحفاظ المتقنين إلى قول المتطفلين على موائد الحديث.    } أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ { . } فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ { .

التوسل بقبر النبي  بإرشاد السيدة عائشة
قال الإمام الحافظ الدارمي في كتابه السنن [باب ما أكرم الله تعالى نبيه          بعد موته] : حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن مالك   النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال : قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة، فقالت : أنظروا قبر النبي  فاجعلوا منه كوا إلى السماء       حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ، قال : ففعلوا ، فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل (تفتقت من الشحم فسمى عام الفتق ، ومعنى كوا أي   نافذة). اهـ سنن الدارمي ج1 ص43 .
فهذا توسل بقبره  لا من حيث كونه قبراً ، بل من حيث كونه ضم       جسد أشرف المخلوقين وحبيب رب العالمين ، فتشرف بهذه المجاورة العظيمة واستحق بذلك المنقبة الكريمة .
تخريج الحديث :
أما أبو النعمان فهو محمد بن الفضل الملقب بعارم شيخ البخاري ، قال    الحافظ في التقريب عنه : - ثقة ثبت  تغير في آخر عمره .
قلت : وهذا لا يضره ولا يقدح في روايته لأن البخاري روى له في صحيحه أكثر من مائة حديث وبعد اختلاطه لم تحمل عنه رواية ، قاله الدارقطني ،           ولا ينبّئك مثل خبير .
وقد ردّ الذهبي على ابن حبان قوله: (بأنه وقع له أحاديث منكرة) فقال:            ولم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً فأين ما زعم؟(كذا في ميزان    الاعتدال ج4 ص8).
وأما سعيد بن زيد فهو صدوق له أوهام ، وكذلك حال عمرو بن مالك النكرى كما قال الحافظ ابن حجر عنهما في التقريب .
وقد قرر العلماء بأن هذه الصيغة وهي  صدوق يهم  من صيغ التوثيق       لا من صيغ التضعيف (كذا في تدريب الراوي) .
وأما أبو الجوزاء فهو أوس بن عبد الله الربعي وهو ثقة من رجال الصحيحين فهذا سند لا بأس به ، بل هو جيّد عندي ، فقد قبل العلماء واستشهدوا بكثير     من أمثاله وبمن هم أقل حالاً من رجاله .
السيدة عائشة وموقفها من قبر النبي  :
أما قول بعضهم : بأن هذا الأثر موقوف على عائشة وهي صحابية ،       وعمل الصحابة ليس بحجة ، فالجواب هو أنه وإن كان رأياً لعائشة إلا أنها رضي    الله عنها معروفة بغزارة العلم ، وفعلت ذلك في المدينة بين علماء الصحابة .   ويكفينا من هذه القصة أنها دليل على أن عائشة أم المؤمنين تعلم أن رسول الله        لا زال بعد وفاته رحيماً وشافعاً لأمته وأن من زاره واستشفع به شفع له ،      كما فعلت أم المؤمنين ، وليس هو من قبيل الشرك أو من وسائل الشرك كما يلغط به هؤلاء المكفرون المضللون ، فإن عائشة ومن شهدها لم يكونوا ممن يجهلون الشرك ولا ما يمت إليه .
فالقصة تدمغ هؤلاء وتثبت أن النبي  يهتم بأمته في قبره حتى بعد وفاته ، وقد    ثبت أن أم المؤمنين عائشة قالت : كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله        وأضع ثيابي ، وأقول إنما هو زوجي وأبي ، فلما دفن عمر معهما فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة حياء من عمر . (رواه أحمد) .
قال الحافظ الهيثمي : رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ج8 ص26)     ورواه الحاكم في المستدرك ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يعترضه الذهبي بشيء (ج4 ص7) .
ولم تعمل عائشة هذا باطلاً بل هي تعلم أن النبي  وصاحبيه يعلمان من هو        عند قبورهم .
وقد قال النبي  لمعاذ لما أرسله لليمن : فلعلك تمر بقبري ومسجدي . (رواه      أحمد والطبراني ورجالهما ثقات إلا يزيد لم يسمع من معاذ ((كذا في مجمع الزوائد       ج10 ص55)) ) فتوفي رسول الله  وجاء معاذ إلى قبر النبي  باكياً .            وشاهده عمر بن الخطاب على هذا الحال وجرت بينهما هذه المحادثة كما رواها زيد     ابن أسلم عن أبيه قال : خرج عمر إلى المسجد فوجد معاذ بن جبل عند قبر             النبي  يبكي ، قال : ما يبكيك ؟ قال : حديث سمعته عن رسول الله     :            ((اليسير من الرياء شرك)) . قال الحاكم : صحيح ولا يعرف له علة ، ووافقه الذهبي   فقال : صحيح ولا علة له . (كذا في المستدرك ج1 ص4) .
وقال المنذري في الترغيب والترهيب : رواه ابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال : صحيح لا علة له ، وأقره أعني المنذري (ج1 ص32) .
التوسل بقبر النبي  في خلافة عمر رضي الله عنه
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر الفارسي قالا : حدثنا أبو عمر بن مطر حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك قال : أصاب الناس قحط في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي  فقال : يا رسول الله استسق الله لأمتك    فإنهم قد هلكوا ، فأتاه رسول الله  في المنام فقال :
((ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبرهم أنهم مسقون ، وقل له : عليك بالكيس الكيس)) ..
فأتى الرجل فأخبر عمر ، فقال : يارب ! ما آلو إلا ما عجزت عنه .        وهذا إسناد صحيح .
[كذا قال الحافظ ابن كثير في البداية (ج1 ص91) في حوادث عام ثمانية    عشر] .
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري  وكان خازن عمر  قال : ((أصاب الناس قحط في زمن عمر رضي الله عنه فجاء رجل إلى قبر النبي  فقال : يارسول الله ! استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا   فأتى الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر ، الحديث .
وقد روى سيف في الفتوح : أن الذي رأى في المنام المذكور هو بلال          ابن الحارث المزني أحد الصحابة . قال ابن حجر : إسناده صحيح اهـ .
(صحيح البخاري كتاب الاستسقاء) ، [ فتح الباري ص415 ج2 ](14) [2].
ولم يقل أحد من الأئمة الذين رووا الحديث ولا من بعدهم ممن مر بتصانيفهم من الأئمة أنه كفر وضلال ولا طعن أحد في متن الحديث به ، وقد أورد هذا  الحديث ابن حجر العسقلاني وصحح سنده كما تقدم ، وهو من هو في علمه وفضله ووزنه بين حفاظ الحديث مما لا يحتاج إلى بيان وتفصيل .
توسل المسلمين به يوم اليمامة
ذكر الحافظ ابن كثير إن شعار المسلمين في موقعة اليمامة كان :                     [ محمـــداه ] ..
قال ما نصه :
وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار لجبال مسيلمة وجعل يترقب أن   يصل إليه فيقتله ثم رجع ثم وقف بين الصفين ودعا البراز وقال : أنا ابن الوليد   العود أنا ابن عامر وزيد ، ثم نادى بشعار المسلمين ، وكان شعارهم يومئذ          [يا محمداه](15) [3]..
[ البداية والنهاية ج6 ص324]
التوسل به في المرض والشدائد
عن الهيثم بن خنس قال : كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما     فخدرت رجله فقال له رجل : أذكر أحب الناس إليك ، فقال : يا محمد ، فكأنما نشط من عقال .
وعن مجاهد قال : خدرت رِجْل رَجُل عند ابن عباس رضي الله عنهما ،      فقال له ابن عباس : أذكر أحب الناس إليك ، فقال : محمد  ، فذهب خدره.          [ذكره الشيخ ابن تيمية في الكلم الطيب في الفصل السابع والأربعين ص165].
فهذا توسل في صورة النداء .
التوسـل بغير النبي 
عن عتبة بن غزوان عن نبي الله  قال :
((إذا أضل أحدكم شيئاً أو أراد عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل :  يا عباد الله أعينوني ، فإن لله عباداً لا نراهم . وقد جرب ذلك)) ..
رواه الطبراني ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم إلا أن يزيد بن علي          لم يدرك عتبة .
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق  الشجر ، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوني يا عباد الله)) ..
رواه الطبراني ورجاله ثقات .
وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : قال رسول الله  :
((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله احبسوا. يا عباد الله احبسوا ، فإن لله حاضراً في الأرض سيحبسه)) ..
رواه أبو يعلى والطبراني وزاد سيحبسه عليكم ، وفيه معروف بن حسان    وهو ضعيف . اهـ . من مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين علي      ابن أبي بكر الهيثمي (ج10 ص132) .
فهذا توسل في صورة النداء أيضاً .
وجاء في الحديث أن النبي  كان يقول بعد ركعتي الفجر :
((اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ومحمد النبي  أعوذ بك        من النار)) .
قال النووي في الأذكار : رواه ابن السني ، وقال الحافظ بعد تخريجه : هو حديث حسن . (شرح الأذكار لابن علان ج2 ص139) .
وتخصيص هؤلاء بالذكر في معنى التوسل بهم ، فكأنه يقول :
اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بجبريل إلخ ..
وقد أشار ابن علان إلى هذا في الشرح ، فقال : التوسل إلى الله بربوبية      هذه الأرواح العظيمة . وقد صرح ابن علان في شرح الأذكار ج2 ص29    بمشروعية التوسل فقال معلقاً على حديث ((اللهم إني أسألك بحق السائلين)) : فيه التوسل بحق أرباب الخير على سبيل العموم من السائلين ومثلهم بالأولى الأنبياء والمرسلون .
معنى توسل عمر بالعباس
أخرج البخاري في صحيحه عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه          كانوا إذا قحطوا  استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : [ اللهم إنا كنا  نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ] .
وأخرج الزبير بن بكار في الأنساب من طريق غيره هذه القصة بأبسط من هذا
وتلخيصها : عن عبد الله بن عمر قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة  [بفتح الراء وتخفيف الميم] سميت بذلك لكثرة تطاير الرماد لاحتباس المطر بالعباس ابن عبد المطلب ، فخطب الناس فقال : ياأيها الناس إن رسول الله  كان        يرى للعباس ما يرى الولد للوالد  فاقتدوا أيها الناس برسول الله  في عمه   العباس ، واتخذوه وسيلة إلى الله : أدع يا عباس فكان من دعائه رضي الله عنه : اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة  وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث واحفظ اللهم نبيك في عمه ، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس وأقبل الناس على العباس يتمسحون به ، ويقولون له : هنيئاً لك       يا ساقي الحرمين ، وقال عمر  رضي الله عنه  ذلك : هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه  وفي ذلك أنشد عباس بن عتبة ابن أخيه أبياتاً منها :
بعمي سقى الله الحجاز وأهله   ::   عشية يستسقى بشيبته عمر
وقال ابن عبد البر : وفي بعض الروايات فارخت السماء عزاليها فجاءت  بأمثال الجبال حتى استوت الحفر بالآكام وأخصبت الأرض وعاش الناس ، فقال  عمر رضي الله عنه : هذا والله الوسيلة إلى الله عز وجل ، والمكان منه .
وقال حسان بن ثابت :
سأل الإمام وقد تتابع جدبنا      فسقى الغمام بغرة العباس
عم النبي وصنو والده الذي      ورث النبي بذاك دون الناس
أحيا الإله به البلاد فأصبحت      مخضرة الأجناب بعد الياس
وقال الفضل بن عباس بن عتبة :
بعمي سقى الله الحجاز وأهله      عشية يستسقى بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغباً      فماكر حتى جاء بالديمة المطر
وفي رواية: وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين. كذا في الاستيعاب لابن عبد البر في ترجمة العباس .
وكان الحق لعمر في أن يؤم الناس مستسقياً لهم لكنه تأخر عن حقه وقدم  العباس للاستسقاء تعظيماً لرسول الله  وتفخيماً لأهله وتقديماً لعمه صلى الله    عليه وآله وسلم على نفسه مبالغة في التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله    وسلم ما استطاع ، وحث الناس على اتخاذ الناس لعباس وسيلة إلى الله جل شأنه وكذلك اتخذه هو وسيلة بتقديمه ليدعو ليقيمه بذلك مقام رسول الله  حين      كان حياً فاستسقى لهم بالمصلى ليكون أبلغ في تعظيمه والإشادة بفضل أهل بيته.
وبين عمر ذلك في دعائه حيث قال : [اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا   فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا] .. يعني كنا نتوسل إليك بخروجه   بالناس إلى المصلى ودعائه لهم وصلاته بهم ، وإذ قد تعذر ذلك علينا بوفاته عليه الصلاة والسلام فإني أقدم من هو من أهل بيته ليكون الدعاء أرجى للقبول وأرجى للإجابة .
ولما دعا العباس توسل برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :
وقد تقرب القوم بي لمكاني من نبيك أي لقرابتي منه فاحفظ اللهم نبيك في عمه ،  يعني اقبل دعائي لأجل نبيك .
فالقضيـة في الاستسقـاء ولا صلـة لها بالتوسل الذي نحن بصدد الكلام عنه والذي وقع فيه الخلاف وهذا أمر يعرفه كل ذي عينين لأن القصة تدل على هذا بوضوح فقد أصابهم القحط واحتاجوا إلى إقامة الاستغاثة بصلاة الاستسقاء وهذا يحتاج إلى إمام يصلي بهم ويدعو لهـم ويقيـم هـذه الشـعـيـرة الإسـلاميـة الـتي كــان يقيمهـا   النبي  لما كان في دار التكليف كغيرها من شعائر الدين من إمامة وجمعة       وخطبة فهي وظائف تكليفية لا يقوم بها أهل البرزخ لانقطاع التكليف عنهم واشتغالهم بما هو أعظم من ذلك .
ومن فهم من كلام أمير المؤمنين أنه إنما توسل بالعباس  ولم يتوسل        برسول الله  لأن العباس حي والنبي ميت  فقد مات فهمه وغلب عليه وهمه ونادى على نفسه بحالة ظاهرة  أو عصبية لرأيه قاهرة ، فإنما عمر لم يتوسل   بالعباس إلا لقرابته من رسول الله  تلمح ذلك في قوله وإنا نتوسل إليك بعم     نبينا فاسقنا  وهو بذلك قد توسل برسول الله  على أبلغ الوجوه .
وقد بعد عن الصواب كل البعد من رمى المسلمين بالشرك بسبب ذلك مع  قوله بجواز التوسل بالحي ، فإن التوسل لو كان شركاً ما جاز بالحي ولا الميت     ألا ترى أن اعتقاد الربوبية واستحقاق العبادة لغير الله من نبي أو ملك أو ولي هو شرك وكفر لا يجوز هنا في حياته الدنيا ولا الآخرة .
فهل سمعت من يقول : إن اعتقاد الربوبية لغير الله جائز إذا كان حياً أما      بعد وفاته فشرك .
وقد عرفت أن اتخاذ المعظم وسيلة إلى الله تعالى لا يكون عبادة للوسيلة        إلا إذا اعتقد انه رب كما كان ذلك شأن عباد الأوثان مع أوثانهم فإذا لم يعتقد   ذلك فيه وكان مأموراً منه عز وجل باتخاذه وسيلة كان ذلك الاتخاذ عبادة للآمر سبحانه .

]  ]  ]


قصة العتبى في التوسل
قال الإمام الحافظ عماد الدين ابن كثير :
ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل (( الحكاية المشهورة )) عن العتبى قال : كنت جالساً عند قبر النبي  فجاء أعرابي فقال  السلام عليك يارسول الله سمعت الله يقول : }وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً { وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشد يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه   ::   فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه   ::   فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي  في النوم فقال : [إلحق  الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له] .
فهذه القصة رواها الإمام النووي في كتابه المعروف بالإيضاح في الباب  السادس ص498 ، ورواها أيضاً الحافظ عماد الدين ابن كثير في تفسيره       الشهير عند قوله تعالى : } وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ { .. الآية .
ورواها أيضاً الشيخ أبو محمد ابن قدامة في كتابه المغني (ج3 ص556)،     ونقلها أيضاً الشيخ أبو الفرج ابن قدامة في كتابه الشرح الكبير (ج3 ص495)، ونقلها أيضاً الشيخ منصور بن يونس البهوتي في كتابه المعروف بكشاف القناع من أشهر كتب المذهب الحنبلي (ج5 ص30)(16)[4].
وذكر الإمام القرطبي عمدة المفسرين قصة تشبهها في تفسيره المعروف بالجامع قال: روى أبو صادق عن علي قال : قدم علينا أعرابي بعد ما دفنَّا رسول الله  بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر رسول الله  وحثا على رأسه من ترابه فقال :   قلت يارسول الله فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله فوعينا عنك وكان فيما أنزل الله عليك } وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ { .. الآية ، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر : إنه قد غفر لك .[تفسير القرطبي ج5 ص265] .
هذه قصة العتبى وهؤلاء هم الذين نقلوها وسواء أكانت صحيحة أم       ضعيفة من ناحية السند الذي يعتمد عليه المحدثون في الحكم على أي خبر فإننا نتساءل ونقول هل نقل هؤلاء الكفر والضلال ؟ .. أو نقلوا ما يدعو إلى الوثنية وعبادة القبور ؟ .
إذا كان الأمر كذلك فأي ثقة فيهم أو في كتبهم ؟؟ سبحانك هذا بهتان    عظيم .
أبيات العتبي على شباك النبي 

تقدم ذكر البيتين الذين أنشدهما الأعرابي عند زيارته للنبي  ، ورواها     العتبى وهي :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه      فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه      فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وهذه الأبيات مكتوبة بفضل الله على المواجهة النبوية الشريفة في العامود   الذي بين شباك الحجرة النبوية يراها القاصي والداني منذ مئات السنين حتى في    عهد المرحوم الملك عبد العزيز ، فالملك سعود فالملك فيصل فالملك خالد رحمهم    الله تعالى ، فالملك فهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ، وستبقى بإذن الله       بناء على توجيهات خادم الحرمين بالمحافظة على كل ما في المسجد النبوي الشريف وعدم إزالة أي أثر قديم .

]  ]  ]




الخلاصة :
والخلاصة أنه مما لا شك فيه أن النبي  له عند الله قدر علِيّ               ومرتبة رفيعة ، وجاه عظيم ، فأي مانع شرعي أو عقلي يمنع التوسل به فضلاً عن الأدلة التي تثبته في الدنيا والآخرة  ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالى ولا     داعين إلا إياه فنحن ندعوه بما أحب أياً كان ، تارة نسأله بأعمالنا الصالحة لأنه   يحبها وتارة نسأله بمن يحبه من خلقه كما في حديث آدم السابق ، وكما في حديث فاطمة بنت أسد الذي ذكرناه ، وكما في حديث عثمان بن حنيف المتقدم ، وتارة نسأله بأسمائه الحسنى كما في قوله - - [أسألك بأنك أنت الله] أو بصفته          أو فعله كما في قوله في الحديث الآخر : [أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك] ، وليس مقصوراً على تلك الدائرة الضيقة التي يظنها المتعنتون .
وسر ذلك أن كل ما أحبه الله صح التوسل به ، وكذا كل من أحبه من       نبي أو وليّ ، وهو واضح لدى كل ذي فطرة سليمة ولا يمنع منه عقل ولا نقل بل تضافر العقل والنقل على جوازه والمسؤول في ذلك كله الله وحده لا شريك له ،   لا النبي ولا الولي ولا الحي ولا الميت ، } قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ  لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً { .
وإذا جاز السؤال بالأعمال فبالنبي  أولى لأنه أفضل المخلوقات       والأعمال منها والله أعظم حبَّاً له -  - من الأعمال وغيرها  وليت شعري      ما المانع من ذلك ، واللفظ لا يفيد شيئاً أكثر من أن للنبي قدراً عند الله ،    والمتوسل لا يريد غير هذا المعنى ، ومن ينكر قدره عند الله فهو كافر كما قلنا .
وبعد : فمسألة التوسل تدل على عظمة المسؤول به ومحبته ، فالسؤال       بالنبي إنما هو لعظمته عند الله أو لمحبته إياه وذلك مما لاشك فيه على أن التوسل بالأعمال متفق عليه ، فلماذا لا نقول : إن من يتوسل بالأنبياء أو الصالحين هو متوسل بأعمالهم التي يحبها الله ، وقد ورد حديث أصحاب الغار فيكون من محل الاتفاق ؟ .
ولا شك أن المتوسل بالصالحين إنما يتوسل بهم من حيث أنهم صالحون      فيرجع الأمر إلى الأعمال الصالحة المتفق على جواز التوسل بها ، كما قلنا في صدر هذا البحث .

]  ]  ]

شبهــة مردودة

فهذه الأحاديث والآثار كلها تثبت التوسل وتؤيده ، فإن قيل : إن ذلك   خاص بحياته  .
فالجواب : أن هذا التخصيص لا دليل عليه خصوصاً وأن الروح باقية       وهي التي يكون بها الإحساس والإدراك والشعور .
ومذهب أهل السنة والجماعة أن الميت يسمع ويحس ويشعر وأنه ينتفع     بالخير ويفرح ويتأذى بالشر ويحزن ، وهذا بالنسبة لكل إنسان ، ولذا نادى     أهل القليب من كفار قريش يوم بدر فقال: يا عتبة يا شيبة يا ربيعة ، فقيل له:   كيف تناديهم وقد جيفوا ؟ فقال : ما أنتم بأسمع منهم لكنهم لا يستطيعون الجواب .
فإذا كان هذا عاماً لكل إنسان فكيف بأفضل البشر وأكرمهم وأجلهم ،       لا شك أنه أكمل إحساساً وأتم إدراكاً وأقوى شعوراً على أنه قد جاء التصريح      في الأحاديث الكثيرة بأنه يسمع الكلام ويرد السلام وتعرض عليه أعمال الأمة   وأنه يستغفر لسيئاتهم ويحمد الله على حسناتهم .
وقيمة الإنسان في الحقيقة إنما هي بمقدار شعوره وإحساسه وإدراكه             لا بحياته ، ولذلك نرى كثيراً من الأحياء قد حرمهم الله تعالى الإحساس      والشعور الإنساني مع بلادة الطبع وقلة الذوق ولكنهم لا ينتفع بهم بل هم في صفوف الأموات والعياذ بالله .
]  ]  ]


(11  12) أنظر الملحق آخر الكتاب رقم 11/12 .

]  ]  ]




([1]-2-3-4) أنظر هذه الأرقام في الملحق بآخر الكتاب .
(5-6) انظر في الملحق بآخر الكتاب تعليقاً مهماً على هذه المسألة .
(7 8) انظر الملحق آخر الكتاب رقم 7/8 .
[4] أنظر الملحق في آخر الكتاب رقم 10 .


هناك تعليق واحد: