القاعدة الفقهية الثالثة : (المشقة تجلب التيسير)
التيسير صفة من صفات وميزة ميزات الشريعة الإسلامية.
وهذه القاعدة لها أدلة كثيرة من القران والسنة
قال
الله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ﴾ ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾
وقال عليه الصلاة والسلام كما في البخاري: " إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"
وجاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما بُعثتم ميسِّرين، ولم تبعثوا معسِّرين "
وفي البخاري : "ما خير النبي عليه الصلاة والسلام بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً".
وفي الصحيحين قالت عائشة رضي الله عنها واصفة نبينا صلى الله عليه :" إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيَدَعُ العمل وهو يحب أن يَعمَلَ به؛ خشيةَ أن يَعمل به الناسُ فيُفرَضَ عليهم "
وفي رواية " كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله، خشية أن يستن به الناس، فيفرض عليهم،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب ما خف على الناس من الفرائض " رواه الإمام أحمد
وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح
فقال اذبح ولا حرج
فجاء آخر فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي
قال ارم ولا حرج
فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج."
وفي البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء "
وروى البخاري عن الأزرق بن قيس قال : " كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء فجاء أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه على فرس فصلى وخلى فرسه فانطلقت الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها فأخذها !
ثم جاء فقضى صلاته وفينا رجل له رأي ( كان من الخوارج ) فأقبل يقول :انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس ، فأقبل فقال ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن منزلي متراخ فلو صليت وتركت فرسي لم آت أهلي إلى الليل وذكر أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم فرأى من تيسيره "
القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة:
٢- الضرورات تبيح المحظورات.
4 - ما أبيح للضرورة يقدَّرُ بقدرها.
6- الحاجة إذا عمت تنزل منزلة الضرورة
المشقة : التعب والعَناء
والمشقة نوعان : مشقة معتادة وهي التي تكون مع التكاليف
الشرعية وهذه المشقة أقل مما يتحمله المكلف
ومشقة غير معتادة : وهذه هي المقصودة في القاعدة والتي يكون بها العناء والحرج ويكون عندها التيسير على المكلف في نفسه وماله وجميع أحواله .
وقد تكون هناك مشقات غير معتادة هي مقصودة للشارع لايدخلها التيسير والتخفيف كرجم الزاني وقتل الباغي وقطع يد السارق وعقوبة قطاع الطرق.
وماورد من رخص السفر والمرض والإكراه والنسيان وعموم البلوى
ومايتعلق بالحائض والنفساء من صوم وصلاة وجمع وتاخير الصلاة للحاجة والاضطرار لأكل الميتة
وإذا لم تجد المرأة المريضة إلا طبيبًا يعالجها، واحتاج العلاج إلى مسها، أو كشف شيء من عورتها، فيجوز بسرط ان لا يتجاوز مسُّ ما زاد عن مقدار الحاجة ولا كشفه.
ومن احتاج إلى وضع جبيرة على مواضع الطهارة، فإنه لا يزيد فيها عن مقدار الحاجة
وسقوط وجوب صلاة الجماعة عن أصحاب الأعذار، كالمريض الذي يشق عليه حضور الصلاة في المسجد، ومن خشي فوات رفقة سفره.
وجواز خروج المرأة المعتدة من وفاة زوجها من بيتها إذا احتاجت إلى ذلك لأجل كسب رزقها، أو شراء حاجياتها إذا لم تجد من يشتري لها، أو للعلاج.
ومن عجز عن الركوع وقدر على القيام، وجب عليه أن يُصلي قائمًا، ويومئ بالركوع، ولم يجز له أن يصلي جالسًا لقدرته على القيام.
وغيرها مما فيه رفع الحرج ودفع المشقة والعمل بالميسور
فالرخص ورفع الحرج مقصد شرعي فلابد من مراعاتهما في الإجتهاد والفتوى وخاصة عند تزاحم الأحكام الشرعية والتي تكثر كلما ابتعد الناس عن منهاج النبوة وزمنها ،
فمتى ما حصل الحرج جاءت الرخص ورفع الحرج .
روى الإمام مسلم عن عبد الله بن شقيق قال : "خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم
وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة !!؟
قال فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة ؟!!
فقال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أمّ لك
ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفي رواية (أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - جمع في المدينة من غير خوفٍ ولا مطر، قالوا لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يلحقها حرج".
يقول سفيان الثوري رحمه الله
(العلم عندنا رخصة من ثقة وأما التشدد فيحسنه كل أحد )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم : ( ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع الذي كمل ظهوره في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما شرعه الله من مخالفة الكافرين ومفارقتهم في الشعار والهدى وسبب ذلك أن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار
فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة لهم
فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك ,
ومثل ذلك اليوم لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لماعليه في ذلك من الضرر
بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة,
فأما في دارالإسلام والهجرةالتي أعز الله فيها دينه وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية ففيها شرعت المخالفة )
وقال رحمه الله( كما لو جاء جيش كفار ولا يمكن دفع شرهم عن المسلمين إلا بلبس ثيابهم
فدفعهم بلبس ثيابهم خيرمن ترك الكفار يجولون في خلال الديار خوفا من التشبه بهم في الثياب) كتاب الدرء.
وقد ذكر ابن كثير في حصار عكا في المعركة التي جرت بين الصليبيين والجيش الإسلامي بقيادة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله .
((وكان (صلاح الدين)(لما أراد رفع الحصار عن الجيش الإسلامي في عكا قد أمر من في السفن من التجار أن يلبسوا زي الفرنج حتى أنهم حلقوا لحاهم وشدوا الزنانير واستصحبوا في السفينة معهم شيئا من الخنازير وقدموا بها على مراكب الفرنج فاعتقدوا أنهم منهم وهي سائرة كأنها السهم إذا خرج من كبد القوس ...حتى ولجوا الميناء، فأفرغوا ما كان معهم من الميرة، والحرب خدعة .. ))البداية والنهاية.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين