1 _#أنا: قال الله ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يُرزقون)).
هو: قال الله (يُرزَقُون) ولم يقل (يَرزُقون).
2 _# أنا: بالفعل قال الله (يُرزَقون) ولم يقل (يَرزُقون) كما لم يقل أيضا (لا يَرزُقون)، ولكن هل مناط استدلالي عليك بالآية هو بيان حياتهم في البرزخ أم أني استدللت بلفظ "يُرزقون" وظننتي أحسبه "يَرزقون" فجئت لتصحح لي المعلومة ؟ يعني بكل جدية هل تظن مناط الاستدلال بالآية قول الله (بل أحياء) أم يرزقون ؟
هو: لكنه قال (أحياء عند ربهم) ولم يقل ( أحياء عندكم).
3 _# أنا: مجددا، هل قلتُ لك إن الله قال (أحياء عندكم) وجئت تصحح لي خطأ في تلاوة الآية ؟ أظنك سمعتني أقرؤها كالتالي (بل أحياء عند ربهم) فما الذي تريد الاستدراك عليه ؟
هو: أعني أن قوله (عند ربهم) معناه أنهم ليسوا أحياء عندنا.
4 _ #أنا: هل أنت حيّ عند ربك ؟
هو: نعم.
5 _# أنا: هل أنت حي عندنا ؟
هو: نعم.
6 _# أنا: لكنك قلت إنك حي عند ربك وقلت إن الحي عند ربه ليس حيا عندنا، فهل فهمت بطلان هذا اللزوم ؟
هو: ولكنهم ماتوا في الدنيا ولم نعد نراهم.
7 _# أنا: هل كل من لا تراه لا يراك ؟
هو: لا، فالله يرانا ولا نراه، ولذلك تحديدا أرى من يستغيث بالأموات مشركا فإنه يجعلهم في مقام الله يروننا ولا نراهم فهذه استغاثة غيبية فهي شرك.
8 _# أنا: هل ترى الملائكة والجن ؟
هو: لا أراهم.
9 _# أنا: هل يرونك ؟
هو: نعم يرونني.
10 _# أنا: هل معنى ذلك أنك جعلتهم في مقام الإله إذ يرونك ولا تراهم ؟ فلو أنك كلمت جنيا فهل تكون قد عبدته ؟
هو: لا، مجرد الكلام مع الجن ليس عبادة، ولكن لا يجوز الاستعانة بهم.
11 _# أنا: هل عندك دليل يحرم الاستعانة بالجن ؟ لو أن رجلا رقى مريضا فقال: إذا كان هناك أي جن مسلم يسمعني فليعنا بإذن الله على قتال هذا الجن الكافر المعتدي على المريض، هل يكون طلبه هذا عبادة لذلك الجن ؟
هو: حرم علماؤنا الاستعانة بالجن.
12 _ أولا _ ابن تيمية رحمه الله رأس علمائكم ولم يحرم الاستعانة بالجن في مثل هذا بل جعل حكم الاستعانة بالجن كالاستعانة بالإنس إن كان في مستحب فهو مستحب وإن كان في جائزٍ فهو جائز وإن كان في ظلمٍ فهو ظلم وحرام وإن كان في كفرٍ فهو كفر.
ثانيا: حتى علماؤك الذين حرموا الاستعانة بالجن لم يجعلوا ذلك كفرا وشركا إنما أنزلوه منزلة النهي لا الكفر، إلا قليلا منهم وحكمهم حجة عليهم لا لهم.
ثالثا: الأصل أن يكون الاستدلال بمصادر التشريع وعلماؤك ليسوا من مصادر التشريع فهل يوجد دليل واحد فقط من الكتاب والسنة على تحريم الاستعانة بالجن في مثل هذا فضلا على تكفير من يفعل ذلك ؟.
هو: طيب دعنا من موضوع الجن ولنرجع للأموات، فالجن في نهاية المطاف أحياء وليسوا أمواتا.
13_ #أنا: مجددا لازلت تخطئ في عدم معرفة مناط الاستدلال، إنما ردي على إلزامك لي بأن من يستغيث بغائب ويعتقد أنه يرانا ويسمعنا ولا نراه ولا نسمعه فهذه استغاثة غيبية يلزم منها أنه يعبده، وأنا أعطيتك مثالا بالجن حيث الاستغاثة بهم غيبية ونحن نعتقد أنهم يروننا ولا نراهم ويسمعوننا ولا نسمعهم فهل هذا يعني أننا جعلناهم مثل الله ؟.
هو: لكن لماذا لا يسأل العبد ربه مباشرة ؟ ما له وللأموات.
14 _# أنا: وما له وللأحياء ؟ ليس نقاشنا في الطريقة الأفضل للسؤال ولكننا نتكلم عن موضوع محدد: هل مجرد السؤال يعد عبادة ؟
هو: لنرجع للآية التي ذكرتها، قال الله يُرزقون ولم يقل يَرزقون.
15 _ أنا: قال الله ((وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه)) رغم أن الله نفسه قال ((نحن نرزقكم وإياهم)) فنحن نُرزَقُ في الأصل ولكن بعدما رُزِقنا صار عندنا رِزقٌ يمكننا أن نرزُقَ به، فرزق الله تام مطلق وهو المصدر الأول للرزق، أما رزقنا فناقص ومصدره الأول من عند الله، كذلك الله هو الذي علّم القرآن فهل نقول إن كل من طلب من شيخه تعليمه القرآن فقد أشرك لأن الله قال ((الرحمن علّم القرآن)) فنقول له كيف تُعلّمُ والله هو الذي يُعلِّم ؟
فكذلك الذين يُرزقون عند ربهم أليس قد صار لهم من بعد رزق الله لهم رزقٌ يمكنهم أن يرزقوا به إن أذن الله لهم ؟
هو: هل تقصد أن ميتا يأتي لحي من البرزخ فيحضر معه كومة ذهب أو أموال من عالم البرزخ فيعطيه إياها مثلا ؟
16 _# أنا: لا، ليس هذا المقصود رغم أن الله لو شاء وأذن به لما كان ممتنعا، ولكن المقصود هو إمكانية تدخل ذلك الميت الذي يعيش في عالم موازٍ لنا وله قدرات معينة في عالمنا، كأن يزورك في المنام فيعطيك فكرةً تنجح بها في مشروعك أو يعينك بدعائه الله لك، وإن كنتَ تتفق معي جواز طلب الدعاء من الحي في الدنيا فما المانع من أن يدعو لك الحي في البرزخ ؟ أو ربما هؤلاء الأموات لهم قدرة على التواصل مع عالم الجن فقد يوصي عددا من الجن الصالح أن يتدخل معك وقدراتهم خارقة أو يتدخل هو بقدرات خارقة معينة، تلك في وسعه وقد يهبها الله له ويأذن الله له.
هو: لكن الله قال ((وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)) ولم يقل ادعُ فلانا أو علانا.
17 _# أنا: لم أحدثك عن الدعاء وإنما حدثتك عن الطلب وليس كل طلب دعاءً، فأنت إذا طلبت من الحي أن يدعو لك هل تسمي ذلك دعاءً للحي نفسه
هو: لكن أليس يقول (يا فلان أغثني) أليست الياء للدعاء ؟
18 _# أنا: هنا وقعت في المشترك اللفظي، فالدعاء له معنى النداء وهذا ليس عبادة وله معنى الرجاء التام المطلق المقدس وهذا عبادة، فمجرد دعاء النداء ليس عبادة ودليل ذلك قول الله ((وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم)) فهل دعاء النبي للكفار هنا عبادة لهم ؟ وقال الله ((وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((من دعاكم فأجيبوه)) وقوله ((إذا دعاك أخوك فاستجب)) فهل المقصود دعاء العبادة أو الدعاء للطعام ؟ فهذا دعاء بمعنى النداء فأرجو ألا تخلطه بدعاء العبادة.
هو: مع ذلك فلماذا لا يتوجه الإنسان لربه بالدعاء مباشرة لماذا يذهب للميت ويطلب منه الدعاء له ؟
19 _ يمكنك قول هذا فيمن يطلب الدعاء من الحي أيضا، عندما تذهب لشيخك الفوزان وتقول له (ادع الله لنا يا شيخ) لماذا تطلب منه الدعاء لك بدل أن تدعو الله بنفسك ؟
هو: لكني أدعو الله وأستزيد بدعاء الصالحين ومن أحسب أن مكانتهم لله قد تكون أقرب من مكانتي، أو أكثر من فرص استجابة الدعاء فإن لم يستجب لي لأجل فإنه يستجيب لي من شخص يكون مجاب الدعاء.
20 _# أنا: هي هذه الفكرة ذاتها، كذلك من يطلب من الأحياء في البرزخ الدعاء له أيضا يدعو الله مباشرة بنفسه ويطلب الدعاء حتى من الناس الأحياء في الدنيا ولكنه يُكثر من الفرص ويرى أن أهل البرزخ اجتازوا اختبارهم ودخلوا النعيم وهذا الظن بهم، فإن كان الله يسمع دعاء من لا يزال في الدنيا لأنه يحبه فمن باب أولى أن يسمع دعاء من فاز باختبار الدنيا ودخل مرحلة النعيم، وذلك لأن الله يريد أن يفرحه ويتم نعيمه باستجابة دعائه لمن يحبه.
هو: وما يدريك أن ذاك الميت يحبك ؟ ما يدريك أنه يسمعك أصلا ؟ وما يدريك أنه من أهل الجنة ؟ وكيف سيميز صوتك من بين أصوات ملايين الناس الذين يسألونه نفس سؤالك ؟
21 _# أنا: في هذه معك حق.
هو: أرأيت ؟
22 _ #أنا: أتعلم أني شخصيا لم أطلب من أي ميتٍ الدعاء لي ولا استغثت بأي ميت ولا زرت أي ضريح ؟
هو: الآن صرت تتبرأ منهم.
23 _# أنا: هل تبرأت منهم ؟
هو: وما الذي تفعله ؟ الآن أُلجِمت بالحجة.
24 _ #أنا: تأدب وإلا أنهيت الحوار معك.
هو: تريد الهروب بعدما حُشِرت ههه.
25 _# أنا: خلاص أنا منسحب من الحوار، لعدم التزامك بالأدب.
هو: سأقطع عليك سبل الانسحاب، اعتبرني لم أقل لك أي شيء يزعجك ولكن كيف ترد ؟
26 _ أرد على ماذا ؟
هو: ألم تقل بنفسك "في هذه معك حق" ؟
27 _# أنا: عندما تطلب من الفوزان الدعاء لك كيف تعلم أن الفوزان يحبك ؟ وما يدريك أن ورقتك التي تكتب فيها سؤالك ستصله أصلا ويأتيك الدور لتسأله وهناك ملايين الناس يتمنون الوصول إليه ولا يقدرون ؟ وما يدريك أن الفوزان نفسه ضمن الجنة لنفسه حتى يفيدك دعاؤه وما يدريك أن دعاءه مستجاب ؟
هو: لا شيء من هذا مضمون ولكن بما أن الأمر جائز فلا بأس بالمحاولة.
28 _# أنا: فهل بذلك للمحاولة مع احتمال فشل حصول المطلوب يعد شركا منك ؟
هو: لا
29 _ كذلك قولك (ما الذي يضمن لك أنه سيسمع وأن الله يستجيب له وأنه يحبك ...إلى آخره) ليس دليلا على أن هذا الفعل شرك وإنما موضوعه (هل الطريقة مضمونة أم محتملة ؟) ونقاشي معك في أساسه: هل هذا شركٌ أم ليس شركا، صح ؟
هو: صحيح، ولكن بقي لي سؤال واحد، ماذا عن قول الله ((إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين)) أليس دليلا على أن الميت لا يسمع الحي ؟
30:# أنا: أولا لو صح استدلالك فإنه لا يدل على شرك من نادى الميت، وإنما يدل على عدم جدوى ذاك النداء، وليس كل شيء تفعله مما لا يكون مجديا يكون شركا
هو: ولكن ألا يكفر من حيث تكذيبه للقرآن ؟ حيث إن الله يقطع أن الموتى لا يسمعون وهو يحاول أن يُسمعهم فكأنما لم يصدق الله لما أخبره أنهم لا يسمعون.
31 _# أنا: لماذا تقاطع ؟ لم أنهِ كلامي بعد، ثم لو صح كلامك هذا لكان الأولى أن تكفروهم من باب تكذيب الله ولكنكم تصفونهم بالمشركين وعباد القبور، فإلى الآن بينت لك أنهم لا يعبدون القبور.
هو: المهم أنهم كفار، لا يهم من أي جهة كفروا.
32 _ هذا هو الفرق بيني وبينك: أنت ترى الهدف الأساسي تكفير المسلمين ثم تبحث عن الحجج والذرائع لتكفرهم، أما أنا فأبحث معك المسائل العلمية نفسها لنرى معنى العبادة، ومعنى الدعاء، ومعنى الطلب، ومعنى الاستغاثة، ومعنى حياة البرزخ، ومعنى الشرك، ومعنى طلب الدعاء من شخص آخر، أنا أريد بحث المسائل مجردة بينما هدفك إقصاء خصومك، وذلك لأنك متحزب لفرقة معينة ترى الفرق الأخرى كفِرق كرة القدم تحاول التسجيل في مرماهم بأي طريقة فلا يهمك بأي طريقة تكفره المهم أن يكفر في نهاية المطاف، أما أنا فأرى أن المسلمين كلهم يجب أن يكونوا جماعة واحدة والاختلاف بينهم في فهم الشرائع هو فرصة للتباحث والتعلم ومعرفة الحق وليس فرصة للإقصاء والتناحر داخليا فيما بينهم.
هو: إن كان ذلك هدفك فإنه يشمل حتى الكفار أليس كثير منهم يظنون أنهم على الحق فلماذا لم توسع الدائرة لتقول (هدفي أن ندعو البشرية على كلمة واحدة ونصل مع بعضنا للحق).
33 _ #أنا: قد ابتعدتَ بنا عن الموضوع ولكني أقول لك: نعم حتى الكفار ندعوهم للنقاش ومعرفة للحق ولكن المسلمين أقرب إلينا منهم إذ اتخذوا أكبر وأهم الخطوات بإسلامهم وبقيت التفاصيل، ولا يعني ذلك أننا نقصي سائر البشر بل الله يقول ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)).
هو: هل أفهم منك إقرارك بوقوع من يستغيث بالميت في الكفر من جهة التكذيب لا من جهة الشرك ولكنك تعذره بالجهل ؟
34 _ أنا: لم أقل ذلك، بل لا يجتمع أن تصف المسلم بالمكذب للقرآن في نفس الوقت الذي تعذره بالجهل، فإن المكذب هو من علم أن الله قال هذا الكلام وقصد هذا المعنى ثم كذّبه وزعم أن الله يكذب أو أن النبي صلى الله عليه وسلم يكذب في نقله عن الله.
وإنما أقول إنهم لم يكفروا أصلا وما كذّبوا الله ولا وقعوا في الكفر ولا تصرفهم من الجهل ليُعذروا به.
هو: فكيف ترد على الآية ؟
35 _ أنا: وهل أنا كافر لأرد على كلام الله ؟ بل قل (فكيف جوابك عن مطابقة استدلالي بالآية لمناط الاستدلال الذي أردته)، فإني أراك استدللت بالآية على أنها دليل في أن الميت لا يسمع الحي، بينما الآية نزلت في المشركين فوصفهم الله بالأموات والأصماء مجازا لأنهم لا ينتفعون بالكلام، وحتى نفي السمع في الآية نفسه كان مجازا فالمشركون يسمعون رسول الله ولكن كلامه يدخل من أذن فيخرج من الأخرى، وقد وردت آيات كثيرة في نفس السياق ((صم بكم عمي فهم لا يعقلون)) وقال الله ((ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها)) فهل معنى الآية أن الله يدخل لجهنم المجانين والعميان والطرشان ؟ أم المقصود معنوي مجازي ؟ فهؤلاء جميعا يسمعون، وكذلك قول الله ((بل أكثرهم لا يعقلون)) هل معناه أنهم مجانين ؟ إنما المعنى ((فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)).
هو: ولماذا لم تحمل الآية على أنها في الأموات، لماذا جعلتها تعبيرا مجازيا ؟
36 _ أنا: بحسب السياق، وكذلك ورد نفس الأسلوب في سياقات أخرى فقد قال الله ((قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما يُنذرون)) والآية نفسها التي نناقشها لو أكملناها لفهمنا المعنى فقد قال الله ((فتوكل على الله إنك على الحق المبين * إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولّوا مدبرين * وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تُسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون)).
فهل المعنى أن العمي هنا هم العميان حسيا ؟ فكيف وكثير من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين والحفاظ والمسلمين علماء وطلابا وعواما قديما وحديثا عميان فهل هم الضالون ؟ أم أنه تشبيه يراد به معنى آخر أم استعارة ؟ أم تعبير مجازي ؟ خذها بالمعنى الذي تريد لكنك لن تستطيع فهمها بالمعنى الأول الذي جئتني به، وقوله تعالى ((إن تُسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون)) يدل على معنى الذين وصفهم بالأموات والصم في أول الآية.
هو: لماذا لا نجمع بين هذا وذاك ؟ فيكون قد ضرب مثالا بالأموات والصم لأنهم فعلا لا يسمعون.
37 _ أنا: متفق معك على ذلك، ولكن بهذا المعنى الأخير يصبح الواقع هو الشاهد على عدم سماع الموتى للكلام في العموم والآية اتخذت هذا الأسلوب للتشبيه وليست الآية هي التي دلت على عدم سماع الموتى الكلام.
هو: حتى ولو كان كذلك، فالآية وافقت الواقع وأيدته.
38 _ أنا: جميل، إذا فالأموات بالمفهوم القرآني هم الذين لا يسمعون الكلام وهؤلاء استثنى منهم الله عز وجل فئة فقال ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)) رغم أنهم أموات في الدنيا لقول الله ((إنك ميت وإنهم ميتون)) فهل وقع نفي السماع على المتصف بالموت المطلق أم على المتصف بمطلق الموت ؟
هو: ما هو مطلق الموت وما هو الموت المطلق ؟
39 _ أنا: أما المتصف بالموت المطلق فهو الميت الذي ليس له حياة يعيشها بعد موته، وأما مطلق الموت فكل ما فيه موت وقد يكون موتا نسبيا، كالنائم فهو ميت نسبيا وكذلك الميت في الدنيا بل حتى الذي يعيش في البرزخ يموت من حياة البرزخ عند النفخ في الصور ثم يُبعث للحياة الآخرة.
فيكون المقصود من عدم إسماع الميت هو جسده الذي مات وتلاشى، فتلك الأذنان ما عادتا تسمعان، وإلا فالأصم نفسه بعد موته يصبح من أهل السمع في حياة البرزخ والله نفسه نفى عنهم الموت المطلق وإنما أثبت لهم مطلق الموت.
هو: دوختني، هذه فلسفة.
40 _ أنا: حسنا، قال الله ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)) ومنه فالآية (إنك لا تسمع الموتى) لا تنطبق على هؤلاء لأن الله نفى أن يكونوا أمواتا.
هو: لكنهم أموات.
41 _ هل تخالف الآية ؟
هو: الله قال (إنك ميت وإنهم ميتون)، والواقع أنهم أموات.
42 _ أنا: أحسنت، وذاك المطلوب فالله ضرب مثالا بمن واقعهم الموت أي الموت الدنيوي فأجسادهم هي الميتة دنيويا أما أرواحهم فليست ميتة، والسمع في الأصل يكون في الأذن والسيالة العصبية المؤدية للدماغ وكل هذا لا يعمل لدى الميت واقعيا فهو الذي ضرب به مثالا، ثم نفى أن يكون هذا حال الأموات في سبيل الله فوصفهم بالأحياء ونفى عنهم الموت، فهل نفى عنهم الموت الدنيوي ؟ لا، وإنما نفى عنهم الموت المطلق، أي أن أجسادهم ميتة وأرواحهم حية.
والمستغيث ينادي الروح ولا ينادي الجسد.
هو: صحيح معك حق.
43 _ أنا: ثم إن هناك أحاديثا كثيرة دلت على سماع الميت للحي، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين فقال: ((إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم)) بعد دفنه، ويسمع الميت ملك الموت (من ربك) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام)) وكذلك في الصحيحين عن أنس، عن أبي طلحة، قال: ((لما كان يوم بدر، وظهر عليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر ببضعة وعشرين، وفي رواية: أربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فألقوا في طوى من أطواء بدر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة: أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ فإني وجدت ما وعد ربي حقًّا. فقال عمر: رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها، فقال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)).
هو: لكن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنكرت ذلك -كما في الصحيحين-، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم ليسمعون الآن ما أقول، وقد وهم -يعني ابن عمر- إنما قال: إنهم ليعلمون الآن ما كنت أقول لهم إنه حق، ثم قرأت قوله: ((إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)).
لاحظ أنها استدلت بنفس الآية التي استدللت بها فهل نترك قول أم المؤمنين عائشة ونأخذ بقول صهيب المولود بعد 14 قرنا من الزمان ؟
44 _ أنا: ماذا تقصد بقولك (فهل نترك قول عائشة ونأخذ بقول صهيب المولود بعد 14 قرنا) ؟ هل تعتقد أني الوحيد القائل بهذا القول على سطح هذا الكوكب ؟ قال ابن رجب الحنبلي في كتابه أهوال القبور ((وذهب طوائف من أهل العلم -وهم الأكثرون- وهو اختيار الطبري، وغيره، وكذلك ذكره ابن قتيبة، وغيره من العلماء. وهؤلاء يحتجون بحديث القليب، كما سبق، وليس هو بِوَهْمٍ ممن رواه، فإن ابن عمر، وأبا طلحة، وغيرهما ممن شهد القصة حكياه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة لم تشهد ذلك. وأما أن ذلك خاص بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، فليس كذلك، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم. وأما قوله: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل:80]، وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]، فإن السماع يطلق ويراد به إدراك الكلام وفهمه، ويراد به أيضًا الانتفاع به، والاستجابة له، والمراد بهذه الآيات نفي الثاني دون الأول)) انتهى كلام ابن رجب رحمه الله.
هو: ولكنك لم تغلبني إذ على الأقل عندي قول عائشة.
45 _ أنا: عائشة رضي الله عنها لم تصف من يعتقد إمكانية سماع الموتى للكلام بأنهم كفار مكذبون لله، هذا قولك أنت، أما هي فذكرت رأيها دون تكفير الآخرين، ورأيها مرجوح ومخالف لغالبية العلماء من عدة أوجه:
الوجه الأولى: أن عددا كبيرا من الصحابة المشاركين في غزوة بدر شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك وهي رضي الله عنها لم تكن حاضرة معهم لتعلم ما قال وما لم يقل، وإنما ردّت الرواية بفهمها للآية ومعلوم أن الآية ليست قطعية في الدلالة على ما فهمَته وإلا لجاز لها رد ما عارض القرآن، ولكن لها معنى آخر يدفع التعارض ولذلك بدأت بتفصيل معنى الآية قبل الوصول للكلام في هذه النقطة.
الوجه الثاني: أنا هذا الحديث ليس الشاهد الوحيد الذي ذُكر في سماع الموتى للأحياء.
الوجه الثالث: الصحابة الذين رووا الحديث أكبر عددا من صحابية أنكرته، خاصة وأنهم رووه سماعا وهي أنكرته استنتاجا، فهم نقلوا وهي قدمت رأيا.
هو: ألن تعطي ولو احتمال 1% أن يكون ما قالته عائشة هو الصواب
46 _ أنا: حتى ولو كان رأيها صوابا فيُحمل على إنكارها سماع الكفار الميتين للكلام وذلك لأن الآية نفت في جهة أخرى عن أهل الجنة أن يكونوا أمواتا من الأساس وباللفظ الصريح فلا تعارض من أن تنفي سماع أبي جهل الكلام إذ هو ميت ولم تنطبق عليه آية (بل أحياء عند ربهم) ولا نفي الموت عنه خلافا للمؤمنين، ولو سلمنا جدلا أن القول الصواب في المسألة كلها هو عدم سماع الأموات للكلام أصلا صالحهم وطالحهم أفليس وجود هذه الآيات والأحاديث وأقزال الغالبية الساحقة من العلماء وما رواه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم عواملا تدفع وترد وصفك لمن يرى سماع الحي للميت بالمكذب لله ؟ فإن زعمت ذلك فيلزمك تكفير عبد الله بن عمر وطلحة أحد المبشرين بالجنة وغيرهم من أهل بدر الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ((لعل الله اطلع على قلوب أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم)) لذلك عائشة رضي الله عنها نفسها قالت (لعله وهم) ولم تقل (لعله كذب) فضلا على أن تقول (إنه كافر مكذب الله مفتر على رسول الله) فلاحظ الفرق بينك وبين من تستدل بقولها رضي الله عنها فضلا عن الفرق بين كلامك والصواب المترجح في المسألة لذاتها فإنك لم توافق حتى عائشة فضلا عن موافقة الحق، وعائشة رضي الله عنها خالفت عددا من الصحابة وكانت غائبة وكانوا شهودا وهي فردٌ وهم جماعة، وهي امرأة وشهادة الرجل بشهادة امرأتين فكيف بشهادة جيش من الرجال مقابل رأي امرأة وإن كانت أم المؤمنين فهم أيضا أهل بدر وخيرة الصحابة وفيهم المبشرون بالجنة والحق أحق أن يُتّبع، ومع ذلك فكل هؤلاء ليس فيهم واحد يكفّر من يعتقد سماع الموتى له، لذلك فقد خرجتَ عن آرائهم جميعا وجئت برأي يخصك.
هو: حججك قوية ولكن في النفس من المسألة شيء لعلي أبحث فيها جيدا وأعود معك في حوار آخر.
أنا: ابحث معك عن جواب الأسئلة التالية:
1 _ ما تعريفك للعبادة.
2 _ ما الفرق بين الاستغاثة والطلب والدعاء.
3 _ ما الفرق بين دعاء النداء ودعاء العبادة.
4 _ ما تعريفك للعبادة.
5 _ ما الفرق بين عبادة الحي وعبادة الميت من دون الله ؟
6 _ إن وصفت فعلا ما بأنه عبادة فهل جاز لك أن تفصل فيه وتقول يجوز صرفه للحي القادر ولا يجوز للميت ؟ هل العبادة يجوز صرفها لفئة دون فئة من دون الله ؟
7 _ هل توجد عبادة بغير نية العبادة ؟
8 _ إن كان السجود الذي هو أكبر مظاهر العبادة لا يحتسب عبادة بغير نية، فكيف بالاستغاثة التي هي دون السجود بمراحل، فإن كان السجود ينقسم إلى سجود التكريم وسجود العبادة والأول ليس شركا والثاني شرك فكيف بما كان دونه ؟
#أخيرا: أعلمت أن الموضوع أعقد بكثير من أن تستقي ذخيرتك العلمية فيه من بضع متون وشروحاتهم ثم تطلق لسانك تكفيرا للناس ؟.
#قال: ألا تخشى أن تكون مخطئا في كل ما تقوله ؟
#قلت: إن كنتُ مخطئا فلأن أخطئ بالعفو والتبرئة خير من أن أخطئ بالعقوبة والاتهام والتكفير، وجاء دوري في السؤال: أفلا تخشى أن تكون مخطئا والنبي صلى الله عليه وسلم قال (ما قال أحدهم لأخيه يا كافر إلا وقد باء بها أحدهما) فإن كان في قلبك شيء من ذلك فلست مضطرا لممارسته ولا أحد دعاك لتستغيث بالأموات ولا بالأحياء ولكن يكفي أن تتورع بلسانك عن تكفير المسلمين وأنت لم تحل الكثير من الألغاز خلال هذا الحوار، على الأقل أمسك عليك لسانك وأعد بحث المسألة فإنك لن تخسر شيئا إن سلكت طريق البحث والعلم، لكنك قد تخسر كثيرا لو سلكت طريق التكفير بغير بينة.
كتبه #صهيب_بوزيدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق