*حكم جمع العصر مع صلاة الجمعة*
السؤال: شيخنا هل يجوز للمسافر أو المعذور الذي صلى الجمعة مع الامام المقيم ان يجمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة جمع تقديم ؟ بارك الله فيكم
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن رحمة الله تعالى بعبادة أن شرع لهم قصر وجمع الصلاة في السفر تخفيفاً منه وفضلاً، وحسب القاعدة الفقهية - الْمَشَقَّة تجلب التَّيْسِير - وذلك لأن المسافر تعتريه من الظروف والأحوال والمشقة ما يصعب معه أداء كل صلاة كاملة وفي وقتها.
ولهذا فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء في السّفَر ، بينما ذهب الحنفية الى عدم جواز الجمع بين فرضين في وقت، فلا يجوز عندهم إلا الجمع الصوري بتأخير الظهر إلى آخر وقتها، ثم أداء صلاة العصر في أول وقتها، ما عدا الجمع بعرفة بين الظهر والعصر جمع تقديم مع الامام، وفي مزدلفة بين المغرب والعشاء ليلة النحر بعد الغروب . ونقل قول عن الامام مالك أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير.
قال الامام ابن قدامة المقدسي في المغني : (وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الردّ على من قال: "لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدّ به السير" ، لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي الصلاتين جميعا ثم ينصرف إلى خبائه).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (ظاهر حديث معاذ أنه كان نازلا في خيمة في السفر ، وأنه أخّر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ، فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنـزل ، وأما السائر فلا يقال دخل وخرج بل نزل وركب بما ثبت من الأحاديث التي جاء فيها التصريح بالجمع ، وأنه رخصة.... وبين الجمع والقصر تلازم ، فإن من جاز له القصر جاز له الجمع ، ولا عكس) .
القول الاول: يجوز جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة تقديما، وهو مذهب الشافعية، لأنه من رخص الله تعالى، والله يحب أن تؤتى رخصه ، ولان معنى الجمع بين الصلاتين هو وضع إحداهما في وقت الأخرى، وهذا حاصل بالجمعة، ووقت الجمعة لم يتغير وإنما قدمنا العصر، ولا فرق بين عصر السبت والخميس وبين عصر الجمعة في جواز نقل صلاة العصر إلى وقت الصلاة التي قبلها لاتحاد الوقت بين صلاتي الظهر والجمعة ، وكذلك لوجود علة الجمع ، والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما. والله تعالى خفف عن المسافر فلم يوجب عليه صلاة الجمعة، وجعل السفر أحد الأعذار المسقطة لوجوبها عليه، ومع ذلك تصح منه إذا حضرها، تيسيراً من الله ورحمة، فكيف يشدد عليه بمنعه من جمع صلاة العصر معها.
وقال الامام زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري في أسنى المطالب في شرح روض الطالب: (ويجوز جمع الجمعة، والعصر تقديما كما نقله الزركشي واعتمده كجمعهما بالمطر بل أولى ويمتنع تأخيرا ).
وقال الامام ابو بكر تقي الدين الحصني الشافعي في كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار : (وكما يجوز الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر يجوز الْجمع بَين الْجُمُعَة وَالْعصر ثمَّ إِذا جمع بالتقديم فَيشْتَرط فِي ذَلِك مَا شَرط فِي جمع السّفر).
وقال الامام شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي في غاية البيان شرح زبد ابن رسلان:(ويجوز جمع الجمعة والعصر بالسفر تقديما ).
وقد ذهبوا ايضا الى جواز الجمع بين العصر وصلاة الجمعة بعذر المطر، قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج : (يجمع العصر مع الجمعة في المطر وإن لم يكن موجودا -أي المطر- حال الخطبة؛ لأنها ليست من الصلاة).
القول الثاني: عدم جواز جمع الجمعة مع العصر مطلقا ، وهو مذهب الحنابلة ، وذلك لعدم ورود الدليل على ذلك، والأصل في العبادات المنع إلا بدليل، وكذلك لا قياس في العبادات، فلا تقاس الجمعة على الظهر.
كما ان الجمعة صلاة مستقلة، وتفترق أحكامها عن الظهر بفروق كثيرة تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى.
قال الامام منصور البهوتي في شرح منتهى الارادات : (ولا تجمع جمعة إلى عصر ولا غيرها حيث أبيح الجمع ، لعدم وروده).
ولم اجد نصا صريحا للمالكية في المنع او الجواز، لكنهم يمنعون من جمع الظهر والعصر أصلاً في المطر، وطرد مذهبهم أن يمنعوا من الجمع بين الجمعة والعصر. والسبب في أن الفقهاء يوردون بحث هذه المسألة تحت (باب صلاة الجمعة) ولا يوردونها عند الكلام حول صلاة المسافر أو في مسائل الجمع بين الصلاتين؛
هو ان المسافر لا تلزمه الجمعة، ولا يكاد يدركها في سفره، و أكثر ما يمكن أن ترد عليه صورة جمع الجمعة والعصر هو في حال الحضر؛ سواء كان لعذر المطر أو الوحل أو الرياح أو لعذر أخر.
فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء في السّفَر، واختلفوا في جواز جمع العصر مع الجمعة على قولين كلاهما قوي ومتجه ، والقول الاول اقرب للتيسير ورفع الحرج في السفر وهو من مقاصد الشريعة.
*فالمفتى به*:
هو جواز جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة تقديما في السفر والمطر، لأنه من رخص الله تعالى، والله يحب أن تؤتى رخصه ، ولان معنى الجمع بين الصلاتين هو وضع إحداهما في وقت الأخرى، وهذا حاصل بالجمعة، واما قول المانعين بان الجمعة صلاة مستقلة ولا تقاس على الظهر ، فيمكن ان يرد عليه ان القياس في باب الرخص معمول به عند الأصوليين ، فقد ذكر الامام الزركشي في البحر المحيط امثلة كثيرة في الباب الخامس - في ما يجري فيه القياس- ، فقال: ( أمثلة للقياس في الرخص وقد استعمل أصحابنا القياس في الرخص...) ، كما ان الجمعة والظهر يتفقان في مسائل كثيرة، منها الأعذار التي تبيح التخلف عنهما، وجوازها في الرحال في المطر الشديد، وتزيد الجمعة في حق المسافر أنها لا تجب عليه. والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين عبدالله الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق