الخميس، 9 مايو 2024

الرد على كذب الوهابية السلفية بأن أبيات البرده للإمام البوصيري أنها أبيات شركيه .!

 شرح بعض أبيات البرده للإمام البوصيري رحمه الله.


التى يزعم الوهابية أنها أبيات شركيه.
#فمن_الأبيات_التي_اتهمت بالغلو، وهي من ذلك براء،
#قول صاحب البردة: محمد سيد الكونين والثقليـ ... ـن والفريقين من عرب ومن عجم والمعنى المقصود من هذا البيت هو بيان مكانة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه سيد أهل الدنيا والآخرة، وسيد الإنس والجن، وسيد العرب والعجم، وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: «أنا سيد الناس يوم القيامة». متفق عليه.
#ومنها قوله: يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم والمقصود بالحادث العمم هنا هو يوم القيامة، حين يتجه الناس إلى الأنبياء لطلب الشفاعة، كما ورد في حديث الشفاعة المتفق على صحته: «فيأتون آدم ونوحا وإبراهيم وموسى عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، فيعتذرون وكلهم يحيل على غيره، حتى يأتوا سيدنا عيسى عليه السلام فيقول: ائتوا محمدا -صلى الله عليه وآله وسلم- عبدا قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: فيأتوني، فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، قل تسمع، سل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة فأقول: ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود».متفق عليه.
#ومنها قوله: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم حيث اعترض على هذا البيت بأنه جعل الدنيا والآخرة من جود النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وجعل اللوح والقلم بعض علومه -صلى الله عليه وآله وسلم- فماذا بقي لله عز وجل من الجود والعلم وهذا الاعتراض ناشئ عن الجهل بالله تعالى؛ فإن جود الله تعالى لا ينحصر؛ لأنه لا نهاية لكرمه وجوده سبحانه ولا حد لهما، ولا ينكر كون الدنيا والآخرة من جوده صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه الدال على الخير فيهما، لا على أنه خالق الجود، فإن هذا لا يقول به مسلم، وإنما على أن الله أجراه على يديه، فهو مقسمه والله معطيه، كما جاء في الصحيحين عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- من حديث معاوية -رضي الله عنه-: «إنما أنا قاسم والله يعطي»، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «ما أعطيكم ولا أمنعكم؛ إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت». فصح على هذا المعنى أنهما من جوده عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا المعنى يقول الإمام الشافعي -رضي الله عنه- في "الرسالة" ص: 16، 17: "فلم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت نلنا بها حظا في دين ودنيا أو دفع بها عنا مكروه فيهما وفي واحد منهما، إلا ومحمد -صلى الله عليه- سببها، القائد إلى خيرها، والهادي إلى رشدها، الذائد عن الهلكة وموارد السوء في خلاف الرشد، المنبه للأسباب التي تورد الهلكة، القائم بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها، فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم إنه حميد مجيد". اهـ.
قال شيخ الإسلام إبراهيم الباجوري الشافعي عند هذا البيت من شرحه على البردة ص132: "وفي كلامه تقدير مضاف، أي: خيري الدنيا هدايته -صلى الله عليه وآله وسلم- للناس، ومن خير الآخرة شفاعته -صلى الله عليه وآله وسلم- فيهم". اهـ.
كما أن علم الله تعالى أزلي أبدي، وهو صفة من صفات ذاته، لا حد له ولا نهاية، وتعالى أن يحيط به مخلوق: لوحا كان أو قلما، فمن المحال إحاطة المخلوق بالخالق سبحانه أو بصفة من صفاته.
#كما أن علمه تعالى غير متوقف على وجود اللوح أو القلم، فقد علمهما قبل أن يوجدهما، والذي ورد في الحديث أن الله تعالى أمر القلم أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، أي أن معلوماته مع كثرتها متناهية محصورة، فلو كانت "من" في كلام الناظم رحمه الله تعالى هنا للتبعيض وكان مراده أن اللوح والقلم بعض علومه -صلى الله عليه وآله وسلم- التي علمها إياه الله تعالى، فليس في هذا مساواة للمخلوق بالخالق أو وصف النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بما يختص به الله تعالى، ويمكن أن يستدل لهذا القول بالأحاديث التي أخبر فيها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بما هو كائن إلى يوم القيامة: فمنها ما رواه البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: «قام فينا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه».
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 6/ 291، ط: دار المعرفة: "ودل ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدئت إلى أن تفنى إلى أن تبعث؛ فشمل ذلك الإخبار عن المبدأ والمعاش والمعاد". اهـ.
ومنها ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- «أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا؛ حتى الجنة والنار».
ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: «لقد خطبنا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره؛ علمه من علمه وجهله من جهله».
ومنها ما رواه أحمد بسند صحيح من حديث سمرة -رضي الله عنه- قال: «كسفت الشمس فصلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ثم قال: إني والله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم».
ومنها حديث رؤية النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- رب العزة جل وعلا في المنام، والذي جاء فيه قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «فرأيته وضع كفه بين كتفي، حتى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء وعرفت». رواه الإمام أحمد والترمذي وابن خزيمة والحاكم وصححه الإمام أحمد والبخاري والترمذي وابن خزيمة والحاكم من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، ورواه الترمذي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا بلفظ: «فعلمت ما بين المشرق والمغرب»، ولفظ الدارقطني في كتاب "الرؤية" من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: «فعلمت ما بين السماء والأرض»، ورواه الدارقطني في "الرؤية" أيضا والطبراني في "الدعاء" من حديث عبد الرحمن بن عائش الحضرمي -رضي الله عنه- مرفوعا بلفظ: «فعلمت ما في السماء والأرض».
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" -ص: 40 ط: مكتبة دار الأقصى-: "وفيه دلالة على شرف النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وتفضيله بتعليمه ما في السماوات والأرض وتجلي ذلك له مما تختصم فيه الملائكة في السماء وغير ذلك، كما أري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض.
وقد ورد في غير حديث مرفوعا وموقوفا أنه أعطي علم كل شيء خلا مفاتيح الغيب الخمس التي اختص الله عز وجل بعلمها". اهـ.
وفي شرح هذه البيت من البردة يقول الإمام العلامة الجلال المحلي في شرحه على البردة مخطوط ق: 23 أ، ب: "ومن علومك علم اللوح والقلم يقال: إن الله تعالى أطلعه على ما كتب القلم في اللوح المحفوظ، وعلى علوم الأولين والآخرين، وهذا من جاهه عند الله تبارك وتعالى". اهـ.
ويقول شيخ الشافعية في زمنه العلامة ابن حجر الهيتمي في "العمدة في شرح البردة" -ص669، ط: دار الفقيه بالإمارات-: "ووجه كون علم اللوح والقلم من بعض علومه -صلى الله عليه وآله وسلم- أن الله تعالى أطلعه ليلة الإسراء على جميع ما في اللوح المحفوظ وزاده علوما أخر؛ كالأسرار المتعلقة بذاته سبحانه وتعالى وصفاته". اهـ.
ولو نازع منازع في ذلك فغاية ما هنالك نقل هذه المسألة من حيز القطعية إلى الظنية، فلا يكفر المخالف فيها، وليس للمنازع أن ينقل المسألة من حيز الخلاف في ثبوت هذا المعنى في الكتاب والسنة أو عدم ثبوته إلى كونه شركا أو كفرا أو غلوا، على أنه يمكن أن تكون من هنا للجنس؛ أي: وعلم اللوح والقلم من جنس علومك، أي: أنهما علوم لدنية لا كسبية، ومصدرهما واحد وهو الحضرة الربانية، وحينئذ فلا ورود للاعتراض أصلا.
ومنها قوله: وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدنيا من العدم وهذا المعنى قد ورد فيه جملة أحاديث، منها: ما رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب، أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم؛ إنه لأحب الخلق إلي، ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وحسنه الإمام التقي السبكي في "شفاء السقام".
وروى الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب" عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «أتاني جبريل فقال: قال الله: يا محمد، لولاك ما خلقت الجنة، ولولاك ما خلقت النار».
ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" من حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بلفظ: «ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنزلتك عندي، ولولاك يا محمد ما خلقت الدنيا».
وروى الحاكم في المستدرك وأبو الشيخ في طبقات الأصفهانيين عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- موقوفا عليه: «أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى، آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به؛ فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة ولا النار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن». قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وهذه الأحاديث والآثار وإن كان فيها أو في بعضها ضعف إلا أن معناها صحيح، فمعنى القول بأنه لولا سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ما خلق الله الخلق هو أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[٥٦]﴾ [الذاريات: 56].
فتحقيق العبادة هي حكمة الخلق، والعبادة لا تتحقق إلا بالعابدين، فالعبادة عرض قائم بالعابد نفسه، وأفضل العابدين هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عنوان العبادة، وعنوان التوحيد، كما أن الآية تتكلم عن الجن والإنس ولا تتكلم عن الخلق أجمعين.
أما باقي ما في السماوات والأرض فهو مخلوق لخدمة الإنسان، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[١٣]﴾ [الجاثية: 13].
وسيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- هو عنوان الإنسانية، بل هو الإنسان الكامل.
وقد نص على صحة هذه المقولة كثير من العلماء؛ كالعلامة ملا علي القاري والعجلوني وغيرهما من الأئمة، وممن ذكر أنها مقبولة إذا فسرت بهذه المعاني الصحيحة في الكتاب والسنة الشيخ ابن تيمية الحنبلي رحمه الله؛ حيث يقول في "مجموع الفتاوى" 11/ 96 98: "وقد ظهر فضل نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- على الملائكة ليلة المعراج لما صار بمستوى يسمع فيه صريف الأقلام، وعلا على مقامات الملائكة.
ومحمد سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه؛ ومن هنا قال من قال: إن الله خلق من أجله العالم، أو: إنه لولا هو لما خلق الله عرشا ولا كرسيا ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا. ويمكن أن يفسر بوجه صحيح.
فإذا كان الإنسان هو خاتم المخلوقات وآخرها، وهو الجامع لما فيها، وفاضله هو فاضل المخلوقات مطلقا، ومحمد إنسان هذا العين، وقطب هذه الرحى، وأقسام هذا الجمع كان كأنها غاية الغايات في المخلوقات، فما ينكر أن يقال: إنه لأجله خلقت جميعها، وإنه لولاه لما خلقت، فإذا فسر هذا الكلام ونحوه بما يدل عليه الكتاب والسنة قبل ذلك". اهـ.

هل صحيح هذا القول { أميتوا الباطل بتجاهُلِه } .

 {أميتوا الباطل بتجاهُلِه}

{عملتُم دعاية مجانية للباطل}!
هذه كلمات تُقال عن باطلٍ خفي غير منتشر لا أثر له.
أما كلُ باطل ظاهرٍ وظاهرةٍ آثارُه وخطره
وقد التبس على كثيرٍ من الناس واغتروا به
فلا يقال فيه إلا :
أميتوه بكشفه
ويجب على المُستطيع بيانُه وكشفه وبيان الحق
وكشفُ اللبس.
ومن الكلمات الجامعة هنا قول ابن تيمية رحمه الله:(( ‏فإن بيان العلم والدين عند الاشتباه والالتباس على الناس أفضل ما عُبد الله -عز وجل- به، {هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا}))
قلتُ:
وكلُّ باطلٍ وشبهة كان عليها مشركو قريش فقد بيّنها القرآن وأبطلها وبيّن الحق وفصَّل الآيات ليستبين سبيلُ المجرمين.
وكما أن الله أحقَّ الحق بكلماته فقد أبطل الباطل بكلماته.
وكثيرٌ من الباطل انتشر واستفحل أمرُه وكثر أتباعه:
-بغفلة الغافلين عنه
-واستهانة من استهان به
-وظنهم أنه سيموتُ بالسكوت عنه .
وكلُّ باطل يُتأخر في الانتباه له والسعي في إبطاله يحتاج جهدا أكبر فيما بعد
ولا يتم حقٌ إلا بالفرقان بينه وبين الباطل
#ويبقى الأصل: بيانُ الإسلام والشريعة ومحكمات الدين
ومعه جنبا إلى جنب: ملاحظة الدعوات المُضلة والاهتمام بها عن كثب ( من المتخصصين في بابها)
تتكامل جهود الدعاة وطلبة العلم في ذلك.

حكم زيارة القبور وقراءة سورة يٰس ؟

 هذا الشيخ التركي مع صعوبة تَكَلُّمِهِ بالعربية إلاّٰ أنَّهُ يُزيل الوَهْم عن قلوب هؤلاء المتطرفين والمتشددين ، الوهم الذي عاشوا فيه طول حياتهم ، والوهم الذي جعلوهُ دين الله تعالى بحيث أنَّ مَنْ خالفهم فهو ضالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدِعٌ وفي نار جهنم .

عُموماً زيارة القبور جائزٌ ومشروعٌ لأنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: ( كُنْتُ نهيتكم عن زيارة القبور ، ألاٰ فَزُوروها فإنها تُذَكِّرُ الآخرة )
رواه مسلم رقم ( ٩٧٧ ) ، والترمذي رقم ( ١٠٥٤ ) ، وأبو داود رقم ( ٣٢٣٥ ) .
وقراءة سورة يٰس على المحتضر اي الذي حضره الموت سنة ثابتة ، وقراءة سورة يس على الذي مات وخرج روحه سنة ثابتة بعد الغسل بدليل هذا الحديث:
عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ( إقرءوا يٰس على موتاكم )
رواه ابو داود رقم ( ١٤٤٨ ) ، وابن ماجه رقم ( ٣١٢١ ) ، والبخاري في التاريخ الكبير ( ٨ / ٥٧ ) ، وابن أبي شيبة في المسند ( ٣ / ٢٣٧ ) ، والبيهقي في السنن ( ٣ / ٣٨٣ ) ، والحاكم في المستدرك على الصحيحين ( ١ / ٤٦٥ ) ، وأبو عبيدة في فضائل القران ( ص ١٣٦ ) ، والسيوطي في شَرْح الصدور في أحوال الموتىٰ والقبور ( ص ٤٤ ) ، وغيرُهم .
والميت ينتفع بقراءة القرآن عليه سواء قُبِرَ أم لم يُقْبَر .
قال الإمام النووي: وقال الشافعي والأصحاب: يُسْتَحَبُّ أنْ يقرءوا عنده - أي عند القبر - شيئاً من القرآن ، قالوا: فَإِنْ ختموا القرآنَ كُلَّهُ كانَ حَسَناً ، وروينا في سُنَنِ البيهقي بإسنادٍ حَسَن: ( أنَّ ابنَ عمر استحبَّ أنْ يُقْرَأَ علىٰ القبر بعد الدفن أوَّلُ سورة البقرة وخاتِمَتُها ) .
أنظر: سُنَن البيهقي ( ٤ / ٦ ) ، والأذكار ( ص ٢٧٨ ) ، ورياض الصالحين ( ص ٣٤١ ) والمجموع شرح المَُهذَّب ( ٦ / ٢٦٩ ) ، ودليل الفالحين لطُرق رياض الصالحين ( ٣ /٥٣٠ ) .
وَذَكَرَ الإمام القُرطُبي في كتابه: التَّذْكِرَة بأحوال المَوتَىٰ وأُمور الآخرة ، باباً سَمَّاهُ: باب ما جاء في قراءة القرآن عند القبر حالَةَ الدفن وبعده وأنَّهُ يَصِلُ إلىٰ الميِّت ثَوابُ ما يُقْرَأُ وَيُدْعَىٰ وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ وَيُتَصَدَّقُ عليهِ .
أنظر: التذكرة ( ص ٧٦ ) .
وعن عبدالرحمن بن اللّجاج عن أبيه: ( أَنَّهُ أَوْصَىٰ إِذا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عند رأسِهِ بفاتحة البقرة وخاتمتها ، وقال: سمعتُ إبنَ عمر يوصي بذلك ) .
رواه الهيثمي في مجمع الزوائد رقم ( ٤٢٤٣ ) كتاب الجنائز ، باب ما يقول عند إدخال الميت القبر ، والطبراني في المُعجَم الكبير رقم ( ١٣٦١٣ ) وقال رجالُهُ موثوقون .
وعن إبن عباس رضي الله عنهما قال: ( مَرَّ النٍَبِيُّ ﷺ على قبرين ، فقال إنَّهما لَيُعَذَّبان ، وما يُعَذَّبان في كبير ، أَمَّا أحَدُهُمُا فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ، قال: فَدَعا بِعَسيب رَطْبٍ فَشَقَّهُ بإثْنَين ، ثُمَّ غَرَسَ علىٰ هذا واحداً ، وعلىٰ هذا واحداً ، ثُمَّ قال: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عنهما ما لم يَيْبَسا ) .
رواه البخاري بهذه الأرقام ( ٢١٦ ) ، و ( ٢١٨ ) ، و ( ١٣٦١ ) ، و ( ١٣٧٨ ) ، و ( ٦٠٥٢ ) ، و ( ٦٠٥٥ ) ، ومسلم رقم ( ٢٩٢ ) ، وأبو داود رقم ( ٢٠ ) ، والترمذي رقم ( ٧٠ ) ، والنسائي رقم ( ٣١ ) ، وابن ماجه رقم ( ٣٤٧ ) .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: وأمَّا وَضْعُهُ ﷺ الجَرِيْدَتَيْن علىٰ القبر .... لِكَونِهِما يُسَبِّحان ماداما رَطْبَيْن ، وليس لليابس تسبيح ، وهذا مذهب الكثيرين أو الأكثرين من المفسرين في قوله تعالىٰ: ( وإِنْ من شيء إِلاّٰ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) سورة الإسراء آية: ٤٤.
قالوا معناه: وإنْ مِنْ شَيْءٍ حَيْ ، ثُمَّ قالوا: حياةُ كل شيءٍ بِحَسْبِهِ ، فَحَياةُ الخَشَب مالم يَيْبَس ، إلىٰ أنْ قال: وَاسْتَحَّبَ العُلَماءُ قراءةَ القرآن عند القبر لهذا الحديث ، لأَنَّهُ إذا كانَ يُرْجَىٰ التَخفيف بتسبيح الجريد فَبِتِلاوة القرآن أولىٰ .
أنظر: شرح الإمام النووي على صحيح مسلم ( ٣ / ٢٢٥ ) .
هذا الحوار عند قبر سيدنا حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه الذي أُستُشْهِدَ في معركة أُحُد .
( ١ / ١١ / ١٤٤٥ ) الهجري .
( ٩ / ٥ / ٢٠٢٤ ) الميلادي .


قيد التشغيل الن

الثلاثاء، 7 مايو 2024

السلفية الجامية.. أين تقف من مقاومة الاحتلال والحرب على غزة؟

 

السلفية الجامية.. أين تقف من مقاومة الاحتلال والحرب على غزة؟

مواقف السلفيين تختلف حول قضايا الأمة عموما والقضية الفلسطينية خصوصا..
مواقف السلفيين تختلف حول قضايا الأمة عموما والقضية الفلسطينية خصوصا..
في كلمة حديثة للدكتور عبد العزيز بن ريس الريس، أحد كبار رموز السلفية الجامية في المملكة العربية السعودية، نُشرت في 29 نيسان/ إبريل، تحت عنوان "أحداث غزة بين الائتلاف والاختلاف"، شدد فيها على أن "السلفيين كانوا على كلمة سواء في عدم مشروعية الجهاد في حالة الضعف، لكن طائفة منهم تغيرت اليوم" بحسب قوله.

وحذر أتباع السلفية التي باتت تعرف بالجامية والمدخلية من التفرق والاختلاف، موجها كلامه لهم بالقول "واجمعوا أهل التوحيد والسنة والسلفيين حتى لا تنزلق أقدامهم، والله إنه يخشى مع كل فتنة أن تخرج طائفة من شبابنا ويذهبوا إلى مستنقعات الإخوان المسلمين والسروريين وغير ذلك، وقد حصل هذا".

وأضاف: "لما وقعت هذه الفتنة في حالة غزة..، زل كثير من السلفيين في ذلك" متسائلا "أين هي التأصيلات المتفق عليها.. ولنرجع إلى ما كنا عليه قبل ذلك من أن الجهاد في حالة الضعف ليس مشروعا، وقد كان السلفيون سائرين على هذا ومتفقين، واليوم تغيرت طائفة منهم، فاتقوا الله وتذكروا ما كنتم عليه..".



اللافت في كلام الريس نسبة القول بعدم مشروعية الجهاد في حالة الضعف، حتى لو كان ضد العدو الصائل المحتل المغتصب كما في حالة فلسطين، إلى عامة الاتجاهات السلفية، بلا تفريق بينها، وكأنه حكم متفق عليه ومحل إجماع بينهم كما كرر ذلك في أكثر من موضع من كلمته المشار إليها.

الكاتب والباحث السياسي المصري، المتخصص في الحركات الإسلامية، الدكتور محمد جلال القصاص أرجع ذلك إلى كون عبد العزيز الريس "يرى أن السلفية هم الجامية فقط، الذين يرون عدم مشروعية المقاومة حال الضعف، ويتحدث إليهم وحدهم وكأنهم هم جماعة المسلمين، وهذه مشكلة عند المتحزبين عموما، فهم يرون أنفسهم الممثلين للظاهرة التي ينتمون إليها ويتجهون بعداوتهم لمن قاربهم في ذات الظاهرة الاجتماعية (التدين هنا)".

وأضاف: "فالمتحدث هنا يطالب أهله بالثبات على المبدأ (عدم القتال وقت الضعف)، وأن لا يختلفوا حتى لا يتقوى بخلافهم عدوهم (والعدو هنا هم من جاوره من الإخوان المسلمين والسروريين).. لكننا إذا ما حاولنا أخذ صورة شاملة للسلفيين فإننا سنجد أن السلفية تمتد من أقصى اليمين (الجهاديون التكفيريون كداعش وأخواتها)، إلى أقصى اليسار (من يتفق منهم مع المستبدين، ولا يرون قتال الكافرين بدعوى الضعف)، مرورا بالسلفية الدعوية والسلفية التي تنشط في العمل الاجتماعي (الخيري)".

وواصل القصاص حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ففي كل مشهد يوجد سلفيون، والجزء الأكبر سائل متحرك بدافع ديني محافظ لا بفتاوى (الرموز)، ولا ينضبط بأطر حزبية، وعامتهم مع غزة وأهلها ويجاهر بهذا ليل نهار، ولا يشذ إلا القليل من الجامية، ولعل في كلمة الريس هذه دليل على أن الداخل الجامي منقسم على نفسه، وبعضه يؤيد أهل غزة، ويستحضر فتاوى (الألباني) في تأييد الجهاد الأفغاني ـ وقد كان في حالة ضعف أيضا ـ ".


                                  د. محمد جلال القصاص كاتب وباحث سياسي مصري

وتابع "إذا استثنينا الجامية من السلفيين فإن عامتهم منخرطون في المواجهة، فالفكر السلفي مواجه في الميدان الثقافي يرفض العلمانية الوضعية، ويواجه الاستشراق والتنصير، ويقدم أطروحات نقدية، ومن الأمثلة على ذلك ما قدمه الدكتور سفر الحوالي في نقد العلمانية والحضارة الغربية، ومحاولة ترجمة كتاب الجواب الصحيح؛ والفكر السلفي مواجه كذلك في المجال الأخلاقي، إذ نراه يتصدى لمظاهر الانحراف الأخلاقي في المجتمع، ويقدم وعظا يؤسس لقيم أخلاقية مصدرها الكتاب والسنة".

وأردف "وهو كذلك مواجه في المجال السياسي، فبين الثوريين يوجد سلفيون أيضا كحازم صلاح أبو إسماعيل؛ ومواجه في العمل المسلح، فلا تكاد ترصد ميدانا تدافع فيه الأمة عن وجودها إلا وفيه سلفيون.. ولا بد أن نعي جيدا أن الجامية لها خصوصية، فما يقال عنهم لا يصح تعميمه على باقي السلفيين".

وأكمل القصاص فكرته بالقول "والجامية لهم أطر خاصة بهم، فحينا ينطلقون من الحقد على الأقران، وحينا يكون الخلل من الأحادية في الرأي (الفتوى، وفهم النص الشرعي وتحقيق المناط)؛ وحينا يكون الخلل في السياق الذي يصرون على التواجد فيه وهو السياق السلطوي.." وفق رأيه.

من جانبه لفت الباحث الجزائري في الفكر الإسلامي، صهيب بوزيدي إلى أن "مواقف السلفيين تختلف حول قضايا الأمة عموما والقضية الفلسطينية خصوصا، فالجامية بكل فروعها، وعلى رأسها التيار المدخلي يرون الجهاد ممنوعا في زماننا إلا إن كان مع أمريكا ضد صدام حسين، أو مع فرنسا والفاغنر الروسي ضد ليبيا، أو مع السعودية بدعم من أمريكا ضد اليمن".

وتابع "أما الجهاد ضد الإسرائيليين فيصفون أهله بالخوارج والإرهابيين، وقد أفتى المداخلة بتصنيف حماس حركة إرهابية وخارجية ـ كأن سبب وصفهم لهم بالخوارج خروجها على إسرائيل ـ، بينما يدعم أشهر الشيوخ السلفيين المقاومة الفلسطينية ضد الصهاينة كالشيخ الحويني الذي صرح بأن ما تفعله حماس جهاد، وقال "ولا ينكر عليهم إلا المداخلة المبتدعة".


                                            صهيب بوزيدي باحث جزائري في الفكر الإسلامي

وأردف "وكثير من الشيوخ السلفيين في السعودية مسجونون، ومواقفهم من قضايا الأمة معروفة، فكل من الشيخ خالد الراشد، وسلمان العودة، وسفر الحوالي وغيرهم يرون الجهاد ضد الصهاينة من أولويات هذا العصر، لكن المداخلة كذبوا كذبة ثم صدقوها، فأقصوا كثيرا من السلفيين من الساحة ووصفوهم بالسرورية، ثم صدقوا أنهم الممثل الوحيد للسلفية في هذا العصر"ز

وردا على سؤال "عربي21" بشأن رأي السلفية الجامية في عدم مشروعية الجهاد في حالة الضعف، قال بوزيدي "بالنسبة لحالة الضعف قد لا يُفرض الجهاد ويُرخص في تفاديه لكنه لا يحرم، فمن المؤمنين من قد يأخذ بالعزيمة، ومنهم من قد يأخذ بالرخصة، ويجب أن تكون كلمتهم على قلب رجل واحد"ز

وأضاف: "ولو نظرنا إلى تاريخ الجزائر لوجدنا تصريحات القومية والحركي (عملاء فرنسا) آنذاك مطابقة لتصريحات المداخلة اليوم، كلهم كانوا يحتجون بقوة العدو على عدم جواز قتالهم، وها قد نالت الجزائر حريتها، وصار وصف (الڨومية) عارا على أهله، ولم يبق سوى الفخر بتاريخ المجاهدين والشهداء، ولو سمع المجاهدون آنذاك لأقوالهم لما تحررت الجزائر إلى اليوم".

وفي ذات الإطار وصف الأكاديمي المغربي، مدير مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، الدكتور إدريس مقبول "التيارات السلفية التي يعترض بعض رموزها اليوم على المقاومة في مسألة شرعية حقها في الدفاع عن فلسطين بداعي ما تسميه الضعف أمام عدوها الصهيوني بأنها تعيش "انفصاما مزدوجا تجاه التراث الذي تستند إليه في تقرير هذا الموقف".

وأردف: "كما تعيش حالة من التناقض المزمن في قبولها بتسلط أعداء الأمة عليها مع ما يترتب عليه من ضياع لحقيقة الأمة المادية والمعنوية حال وقوعها تحت سلطان غيرها، فلا يُتصور بحال قيام لكينونة الأمة ولا لوظيفتها الكونية باعتبارها أمة الشهادة؛ وشاهدة بالقسط وأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا لم تكن مستقلة حرة ذات سيادة على نفسها، وعلى أرضها تدفع عن نفسها من باب أخذها بالسنن لقوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)".

وعن آثار ومآلات مواقف السلفية الجامية من مقاومة الاحتلال رأى مقبول في حواره مع "عربي21" أن "بعض تيارات السلفية بموقفها التخذيلي والانهزامي والتضليلي قد تحولت إلى أداة فساد من حيث حولت الدين نفسه إلى ألعوبة، وتحولت هي نفسها إلى أداة في يد الاحتلال وأنظمة الفساد من حيث تدري أو لا تدري، يزيد بها توهين المقاومة ومن يساندها حين جعلت من دفاع الإنسان عن أرضه وعرضه إهلاكا لها، وتعريضا لها للإتلاف"ز


د. إدريس مقبول، أكاديمي مغربي ومدير مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية

واستبعد أن "يتم التطبيع مع الاستعمار الصهيوني، وأن يكون واقعا في حياتنا إلا بتزييف الدين في العقول وتحويله إلى مجرد فلكور، وتحويل العلماء إلى راقصين ومشعوذين يعبثون بنصوصه، يمثلون مع المتخلفين في كل عصر دورهم في تثبيط العزائم، وتفريغ الدين من محتواه التحريري والثوري ضد الظلم، في مقابل تقديم صورة عن الدين متساكنة مع الظلم، ومتساكنة مع الاحتلال مبررة لاختلال نظام العالم بفقد شرط القدرة أو العجز، وهذا النمط من الفقه هو عين العجز"ز

وقال "في الأدبيات الفقهية الموروثة هناك إجماع على أن دفع الصائل، أو ما يسمى بجهاد الدفع أو الدفاع عن الوطن بلغة العصر؛ وهو عين ما تقوم به المقاومة الفلسطينية لا خلاف حوله، ولا شرط فيه وبخاصة إذا تعلقت المفاسد فيه بالأعراض وبالأرض وبالأنفس، وإن وقع الخلاف في المال، ومن المعلوم للجميع أن العدو الصهيوني قد جاوز كل الحدود في الإفساد والاغتصاب وانتهاك أعراض الحرائر في كل تراب فلسطين، وفي سجونه كما تؤكد التقارير الحقوقية الأممية".

وتساءل في ختام كلامه "فكيف يتصور إنقاذ آلاف الأسرى عامة، والأسيرات خاصة ممن يعذبون، وتمتهن كرامتهم وإنسانيتهم في سجون العدو من غير آلية الضغط والتبادل التي دأبت عليها المقاومة، وضربت فيها أروع الأمثلة على حنكتها وتفوقها؟ ولهذا فإن ما يجري اليوم في غزة بمنزلة إعلان أخلاقي لواجب دفع الصائل والمعتدي الذي استهدف الأرض والعرض بدون وجه حق".

الأشاعرة هم حُرّاسُ عقيدة أهل السنّة والجماعة .

 إذا سُئلتَ عن السادة الأشاعرة فقل:


هم حُرّاسُ عقيدة أهل السنّة والجماعة، الذين بنوا عقائدهم على الكتاب والسنّة، وأيدوها بالحُجج العقلية، فجعلوا تلك العقيدة صخرة صلبة أمام هجمات الملحدين وغيرهم، نفوا عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين.
ومعظمُ مفسّري القرآن الكريم وشرّاح السنّة النبوية المطهرة وأئمة الفقه وفحول أصول الفقه وعلماء اللغة هم من السادة الأشاعرة، فهم ألوف الألوف من أهل العلم الكبار في هذه الأمة.
فإن قيل لك:
لكن بعض الأئمة قد قال في السادة الأشاعرة كذا وكذا.
فقل:
قضى الله تعالى أن يختلف أهل العلم فيما بينهم، وربّما اشتدّوا في هذا الاختلاف، وربّما بغى بعضهم على بعض، وقد حدث ما هو أشدّ من ذلك بين الصحابة رضي الله عنهم حتى اقتتلوا بالسيوف، ومع ذلك فلا نقول إلا:
"رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"
فلا نذمُّ أحدًا من أهل العلم، ولا نخرج أئمة أهل السنّة والجماعة من حيّز أهل السنّة والجماعة، والذين يستدعون تلك الخلافات ليذموا السادة الأشاعرة في زماننا هذا ليسوا إلا دعاة فتنة وتفرقة بين المسلمين، وقطّاع طريق بين الأمة وتراثها الذي كتب معظمه الأئمة الأشاعرة.
فاحفظ هذا وكن منه على ذُكرٍ ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون.

( الأشاعرة )


السؤال/ يوجد ممن يدّعي العلم بالقران والسنة من يكفر طائفة من المسلمين وهي ((الأشاعرة)) فما هو حكم من كفّرهم وما دور هذه الطائفة ((الأشاعرة)) في خدمة الإسلام؟
الجواب/
الأشاعرة هم أتباع أبي الحسن الأشعري الذي كان له الفضل الأسبق في تنقية عقائد أهل السنة والجماعة من الشوائب التي اعترتها من عقائد المعتزلة، وكان معظم أفذاذ الأمة وفطاحل علمائها من الأشعريين الذين لم يبلغ من يطعن بهم كعبهم علما وورعا وتقوى،منهم إمام الحرمين والغزالي وابن حجر العسقلاني وفخر الدين الرازي،ولم يكن لهم ذنب إلا أنهم حرصوا على دفع شُبَه المجسّمة عن الذات الإلهية التي أثبت له تعالى الجسم من خلال الآيات والأحاديث المتشابهة التي جاءت تحمل بظاهرها أنّ لله يدا وعينا وذراعا وإصبعا ونحو ذلك فقاموا بدحض شبهتهم باللجوء إلى المجاز؛ لأن المُشَبِّه لا يؤمن بنظرية التفويض فلا ترد إلا بنوع من التأويل،وعلى الرغم من ذلك فإنهم كانوا يرون أن التفويض وعدم الخوض في معرفة المراد منها هو الأسلم للعقيدة.
وكانت شُبهة من يكفرهم أنه اتهمهم بأنهم ينفون بعض صفات الله تعالى حيث ظنوا أنّ اليد والرجل والعين هي صفات له تعالى كالقدرة والإرادة والعلم، فكما أنّ له قدرة ليست كقدرتنا وعلما ليس كعلمنا فله يد ليست كيدنا وعين ليست كعيننا.
ولا يخفى أن لفظ اليد والعين والإصبع هي من أسماء الذوات وليست من أسماء الصفات، فإذا أطلقنا اليد تبادر إلى الذهن اليد الجسدية؛ ولكن إذا أطلقنا القدرة لا يتبادر إلى الذهن قدرة جسدية. فالقياس مع الفارق.
فإلقاء الملامة على الأشاعرة في التأويل أمام المشبِّهة اعتداء عليهم وظلم لهم وإنكار لفضلهم على العقيدة فضلا عن تكفيرهم، فإنّ من يكفرهم سيكون مشمولا بقوله (صلى الله عليه وسلم) ((إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما،فإن كان كما قال والا رجعت عليه)) متفق عليه. وبقوله ((من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار – أي رجع – عليه)) متفق عليه.
وما مثل من يُكفّرهم أو يُكفّر الإمام الأشعري إلا كمثل فراش في مستشفى رأى طبيبا متخصصا ويحمل أعلى شهادة في الطب ويحمل أعلى الألقاب العلمية،وقد قرأ الفراش أو تعلم كيف يضمد الجرح وبعد تعلمه كيف يضمد الجرح يأخذ بالتطاول على الطبيب وينسب إليه الخطأ والجهل ويطعن به ويشكك الناس به وفي معلوماته.
أ.د عبد الملك عبد الرحمن السعدي

إثبات التوحيد في الربوبية للمشركين والخلق هو خطأ كبير وافتئات على العلم، ومخالف للمستقر الذي درج عليه المسلمون

 الوهابية يقسمون التوحيد إلى: ألوهية، وربوبية، وأسماء وصفات، ويرتبون على ذلك الحكم بالشرك والتبديع للأمة المحمدية، ويزعم ابن تيمية من خلال هذا التقسيم البدعي أن الصوفية عندهم طعن في توحيد الألوهية لأنهم يتوسلون ويتبركون بالأنبياء والصالحين، وأن الأشاعرة لم يوحدوا توحيد الأسماء والصفات لأنهم يفوضون ويؤولون، فرتب على تقسيمه البدعي هذا: اتهام المسلمين وتبديعهم، وصار أتباعه من بعده يسيرون نفس سيره فخاضوا في الأمة المحمدية وعلمائها.


حتى إنه ليقرر مرارًا أن المشركين كانوا يوحدون توحيد الربوبية، وأن القرآن الكريم أثبت لهم ذلك في نصوص كثيرة نحو قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9].
ونظائر هذه الآيات كثيرة جدًّا، وهذه قد فهم منها ابن تيمية إثبات توحيد الربوبية للمشركين، وبناءً على تقسيمه هذا قال في (مجموع الفتاوى 14/380): “أَمَّا تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ: فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَكَانُوا يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ وَيُحِبُّونَهُمْ كَمَا يُحِبُّونَهُ”.
وقال في (مجموع الفتاوى 1/23): “فأما توحيد الربوبية الذي أقر به الخلق، وقرره أهل الكلام؛ فلا يكفي وحده”.
حتى صرح كثير من أتباعه أن مشركي زماننا أشد جهلًا وإشراكًا من مشركي أهل الجاهلية، وهذه عبارات موجودة بكثرة في كتب القوم.
وهذا التقسيم الذي قسَّمه ابن تيمية، وهذا الفهم الذي فهمه من إثبات التوحيد في الربوبية للمشركين والخلق وتبعه عليه الوهابية كافةـ هو خطأ كبير وافتئات على العلم، ومخالف للمستقر الذي درج عليه المسلمون، وذلك من وجوه:
1 ـ لا تدل إجابة المشركين عندما سُئلوا مَنْ خلق السماوات والأرض؟ فقالوا: الله، لا تدل تلك الإجابة على توحيدهم، لأن أهل السنة كافة يقولون: الإيمان معناه التصديق القلبي، وأن التلفظ باللسان ليس وحده دليلًا على الإيمان بإجماع السلف، وقد أقر المنافقون بالتوحيد ظاهرًا لكن لم يُقبل منهم ذلك لأن قلوبهم لم تنعقد على ما ظهر منهم، قال تعالى: {إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ} [المنافقون: 1].
فقول المشركين: الله هو الخالق والرازق ونحو ذلك، لا يدل على الاعتقاد الصحيح؛ بل يدل على المعرفة، كما لو سألت أبا جهل وأمثاله عن نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فأجابوا: نعم، نعلم صدق نبوته، وأهل الكتاب من قبل كانوا يعرفون ويقرون بها لا من جهة الإيمان بنبوته، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} [البقرة:146].
حتى قال الإمام القاسم بن سلام المتوفى 224هـ في كتابه (الإيمان 30): “فَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ مَعْرِفَتَهُمْ بِهِ إِذْ تَرَكُوا الشَّهَادَةَ لَهُ بألسنتهم إيمانًا”.
فليس معنى إجابتهم بأن محمدًا رسول الله أنهم مؤمنون، وليس معنى قول المشركين الله هو الخالق والرازق أنهم مؤمنون بالربوبية، بل هم يعرفون أنه الخالق كما يوقنون بنبوة محمد، وهم لا يكذبونه ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون، وكذا لو سألت المشركين: من خالقكم وخالق السماوات والأرض؟ قالوا: الله، لكن هل آمنوا واعتقدوا ذلك بقلوبهم مصدقين بذلك؟ الجواب: لا وألف لا.
2 ـ لم يفرق القرآن الكريم في إطلاقاته بين الربوبية والألوهية، بل جعلهما شيئًا واحدًا لا ينفصل أحدهما عن الآخر من حيث الإيمان، فقد جاء في القرآن كثيرًا اقتران الاثنين على موصوف واحد، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ}، وقال تعالى: {وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ}، وقال تعالى: {لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}.
فمن خلال هذه الآيات يتبين أن الحق سبحانه وتعالى خاطبهم بأن يؤمنوا بالألوهية والربوبية معًا؛ لأن شركهما واقع في المعنيين، ولذا قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري المتوفى 310هـ في (جامع البيان 15/19): “فاعبدوا ربكم الذي هذه صفته، وأخلصوا له العبادة، وأفردوا له الألوهية والربوبية، بالذلة منكم له، دون أوثانكم وسائر ما تشركون معه في العبادة”.
3 ـ أثبت الله تعالى عدم إيمانهم بالربوبية، ولا ندري كيف يثبت ابن تيمية وأتباعه لهم الإيمان بتوحيد الربوبية، وقد خاطبهم الله تعالى في كتابه في مواضع كثيرة يدعوهم إلى الإيمان بها، قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍإِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية: 17: 23].
فهذه الآيات ونظائرها عشرات في القرآن الكريم تلفت أنظارنا أن الله تعالى خاطب المشركين بعظيم قدرته وخلقه ليكون سببًا للإيمان به والتوحيد له، ولو كانوا يؤمنون بأنه خالق ورازق لما خاطبهم بذلك.
ألم يقرأ ابن تيمية واتباعه قول الله تعالى عن قول فرعون لقومه: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24].
فهل فرعون كان يقر لله بالربوبية وفي الوقت ذاته يدعيها لنفسه؟!
ألم يسمعوا مرة قول الله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.
فكيف يقرون بالربوبية مع أن فرعون يدعيها لنفسه، والنمروذ يقول لسيدنا إبراهيم: {قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258].
فأين توحيد الربوبية عند المشركين؟!
ألم يقرأوا قول الله تعالى عن أهل الكتاب: {وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64].
ألم يقرأوا قوله تعالى عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: 31].
ونظائر هذا في القرآن الكريم كثير يُظهر أن المشركين واليهود والنصارى كانوا يشركون في الربوبية والألوهية معًا، وأنه لا يصح القول بأنهم موحدون لأن التوحيد لا يتجزأ ولا يقبل القسمة.
4 ـ لو كان المشركون يوحدون توحيد الربوبية كما يزعم القوم لأجابوا على سؤال الملَكين في القبر؟ فالسؤال في القبر كما جاء في سائر الروايات الصحيحة: “من ربك؟” وليس في رواية واحدة: “من إلهك”؟ فهل المشركون يوحدون حتى يقولوا في القبر: ربنا الله، أم أن الإيمان شيء واحد هو الإيمان بالله جل جلاله من حيث إفراده بالعبودية وحده، ومن حيث إنه الخالق المدبر…الخ.
فعلى حد زعم ابن تيمية والوهابية أن المشركين يقولون في القبر: ربنا الله، وهو غير صحيح؛ لأن التوحيد كلٌ لا يتجزأ، ومن هنا لا يصح القول بأنهم موحدون في الربوبية إطلاقًا.
ثم إليك ما قرره الإمام الآجري المتوفى 360هـ في كتابه (الشريعة 2/684) وكأنه يرد على مذهب ابن تيمية والوهابية قبلهم بقرون: “وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ قَدْ عَرَفُوا بِعُقُولِهِمْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَلَا يُنَجِّيهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبِرِّ وَالْبَحْرِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمُ الشَّدَائِدُ لَا يَدْعُونَ إِلَّا اللَّهَ، فَعَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْإِيمَانَ الْمَعْرِفَةُ، كُلُّ هَؤُلَاءِ مِثْلُ مَنْ قَالَ: الْإِيمَانُ: الْمَعْرِفَةُ، عَلَى قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْوَحْشِيَّةِ لَعْنَةُ اللَّهِ، بَلْ نَقُولُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَوْلًا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةِ، وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُسْتَوْحَشُ مِنْ ذِكْرِهِمْ …: إِنَّ الْإِيمَانَ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ تَصْدِيقًا يَقِينًا، وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، لَا يُجْزِئُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ”.
وهذا النص وحده كافٍ في الرد على هذه البدعة المذمومة التي قالها ابن تيمية ورددها أتباعه من بعده، وجعلوها مطية ليطلقوا من خلالها ألسنتهم في علماء الأمة المحمدية واتهام المسلمين بالشرك والبدعة.
والله تعالى أعلى وأعلم وأجل وأكرم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

شبهة مرور الإمام أبو الحسن الأشعري بثلاث مراحل في عقيدته



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
شبهة مرور إمام أهل السنة والجماعة أبي الحسن الأشعري
في ثلاث مراحل
يرى البعض أن الإمام أبا الحسن الأشعري رحمه الله تعالى قد مرّ في حياته بثلاث مراحل ،
الأولى : مرحلة الاعتزال التي دامت إلى ما يقرب من سن الأربعين .
والثانية : مرحلة اتباعه لعبد الله بن سعيد بن كلاّب .
والثالثة : مرحلة رجوعه إلى عقيدة السلف وأهل السنة .
ويبنون على هذه الدعوى أن الأشاعرة اتبعوا الإمام الأشعري في مرحلته الثانية فقط وهي التي كان فيها متبعاً لعبدالله بن سعيد ! إذ عندهم أن عبدالله بن سعيد بن كلاّب ليس من أهل السنة ، وأن الأشاعرة متبعون له لا للإمام أبي الحسن لأن الإمام رجع عن عقيدة ابن كلاّب في مرحلته الثالثة ، وألّف على عقيدة السلف كتابه الإبانة وبعض كتبه الأخرى .
هذا تقرير هذه الدعوى ، وقبل الشروع في إثبات بطلانها تاريخياً وعلمياً نفصل ما ورد فيها من قضايا ، ثم نشرع في تفنيدها ، لقد تضمنت هذه الدعوى ثلاث قضايا :
الأولى : الإمام الأشعري مر بثلاث مراحل في حياته ، الاعتزال ثم اتباعه لابن كلاّب ثم أخيراً رجوعه إلى منهج السنة والجماعة، وهذه هي القضية الرئيسية وهي تتضمن القضيتين التاليتين .
الثانية : عبد الله بن سعيد بن كلاّب ليس على منهج أهل السنة والجماعة .
الثالثة : كتاب الإبانة يمثل المرحلة الأخيرة من حياة الإمام الأشعري ( 1 ) ، وهي مرحلة العودة إلى طريق السلف الصالح .
* * *
وللرد على القضية الأولى وهي مرور الإمام بثلاث مراحل أو ثلاث حالات في حياته نقول :
إن الإمام الأشعري رحمه الله تعالى عَلَمٌ من أعلام المسلمين يشار إليه بالبنان ، وتعقد على كلماته الخناصر ، فهو ليس بنكرة من الناس ، ولا برجل مجهول يخفى على الناس أمره لا سيما في قضية مثل هذه التي نحن بصددها ، فإن كان الأمر كما جاء في الدعوى ، وأنه مر بثلاث مراحل في حياته فلا بد أن يكون المؤرخون قد ذكروا هذا وبينوه ، ولكان ـ حتماً ـ قد اشتهر عنه وانتشر كما ذاع وانتشر أمر رجوعه عن الاعتزال إذ لم يَبْقَ أحد ممن ترجم له إلا وذكر قصة صعوده المنبر وتبرِّيه من الاعتزال ، فهل ذكر أحد من المؤرخين شيئاً عن رجوع الإمام عن منهج عبدالله بن سعيد بن كلاّب ؟
عند الرجوع إلى كتب التاريخ لا نجد أي إشارة إلى هذا لا من قريب ولا من بعيد ، بل نجد المؤرخين كلهم مطبقين على أن الإمام أبا الحسن بعد هجره للاعتزال والمعتزلة رجع إلى مذهب السلف الصالح ، وصنف على طريقتهم كتبه اللاحقة الإبانة وغيرها من الكتب التي صنفها في نصرة مذهب أهل الحق .
قال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى (تبيين كذب المفتري ص/127 ):
( انتقل الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه من مذاهب المعتزلة إلى نصرة مذاهب أهل السنة والجماعة بالحجج العقلية ، وصنَّف في ذلك الكتب . . ) اهـ .
وقال عنه ابن خلكان ( وفيات الأعيان 3/284 ):
(هو صاحب الأصول والقائم بنصرة مذهب السنة . . . وكان أبو الحسن أولاً معتزلياً ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة ) اهـ .
وفي سير أعلام النبلاء ( 15/89) قال عنه الذهبي :
( وبلغنا أن أبا الحسن تاب وصعد منبر البصرة ، وقال : إني كنت أقول بخلق القرآن . . . وإني تائب معتقد الردّ على المعتزلة ) اهـ .
وعند العلامة ابن خلدون رحمه الله ( المقدمة ص/853):
( إلى أن ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعري وناظر بعض مشيختهم ـ أي المعتزلة ـ في مسائل الصلاح والأصلح ، فرفض طريقتهم وكان على رأي عبدالله بن سعيد بن كلاّب وأبي العباس القلانسي والحارث المحاسبي من أتباع السلف وعلى طريقة السنة ) اهـ .
فأثبت أن الإمام بعد رجوعه عن الاعتزال كان على رأي عبدالله بن كلاّب والقلانسي والمحاسبي وهؤلاء كلهم على طريقة السلف والسنة .
وهكذا كل كتب التاريخ التي ترجمت للإمام أبي الحسن ، مثل تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، وطبقات الشافعية للسبكي وشذرات الذهب لابن العماد والكامل لابن الأثير وتبيين كذب المفتري لابن عساكروترتيب المدارك للقاضي عياض وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة وطبقات الشافعية للأسنوي والديباج المذهب لابن فرحون ومرآة الجنان لليافعي وغيرها ، كلها مطبقة على أن الإمام أبا الحسن بعد توبته من الاعتزال رجع إلى مذهب السلف والسنة .
أضف إلى ذلك ، أن رجوع الإمام المزعوم هذا لو ثبت عنه لكان أولى الناس بمعرفته ونقله هم أصحابه وتلامذته ، لأن أولى الناس بمعرفة الرجل هم خاصته وأصحابه وأتباعه الملازمون له ، فهؤلاء هم أقرب الناس إليه وأعرفهم بأحواله وأقواله وآرائه ، لا سيما في قضية مهمة مثل هذه القضية التي تتوفر الدواعي على نقلها ، وتتحفز الأسماع على تلقفها، خاصة من إمام كبير مثل الإمام أبي الحسن ، وعند الرجوع إلى أقوال أصحابه وأصحاب أصحابه أيضاً لا نجد أي إشارة تفيد ذلك، بل نجدهم متفقين على أن الإمام كان بعد هجره للاعتزال على منهج السلف والسنة الذي كان عليه المحاسبي وابن كلاب والقلانسي والكرابيسي وغيرهم ، فهذه مؤلفات ناصر مذهب الأشعري القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله تعالى كالإنصاف والتمهيد وغيرها ، ومؤلفات ابن فورك ومؤلفات أبي بكر القفال الشاشي وأبي إسحق الشيرازي وأبي بكر البيهقي وغيرهم من أصحاب الإمام وأصحاب أصحابه ليس فيها أي ذكر أو إشارة لهذا الأمر الذي هو من الأهمية بمكان ، فهل يعقل أن يرجع الإمام عن مذهبه ويهجره ثم لا يكون لهذه الحادثة المهمة أي ذكر عند أحد من أصحابه وتلاميذه وهو من هو جلالة وقدراً ؟! أم تُراه قد رجع عن ذلك سرّاً وهو الذي حين قرر هجر مذهب المعتزلة اعتلى منبر المعتزلة نفسه ليعلن ذلك على الملأ ؟!
كلا، ليس الأمر كما جاء في هذه الدعوى ، بل الحق الذي لا مرية فيه هو أن الإمام لم يمرّ في حياته إلا بمرحلتين ، الاعتزال ثم الرجوع إلى طريق السلف ، وليس لمن يقول بخلاف هذا الأمر من متمسك .
ومن يقول بهذه الدعوى يعتمد في قوله هذا على أسلوب الإمام في تأليف كتاب الإبانة وبعض الرسائل الأخرى ، فقد اتبع الإمام فيها طريق التفويض الذي هو طريق جمهور السلف ، فبنوا على هذا الأسلوب مخالفة الإمام الأشعري لآراء ابن كُلاّب الذي يتهمونه بأنه لم يكن على طريق السلف .
تُرى هل ما في الإبانة التي هي على طريق جمهور السلف ، وهي من أواخـر كتب الإمام أو هـي آخرها (2) ، ما يناقض ما كان عليه عبدالله بن سعيد بن كلاّب ؟ أو بتعبير آخر ، هل كان ابن كلاّب على خلاف طريق السلف الذي ألَّف الإمام الأشعري الإبانة عليه ؟
وهذا يجرُّنا إلى القضية الثانية .
الرد على القضية الثانية :
هل كان عبدالله بن سعيد بن كلاّب منحرفاً عن طريق السنة والسلف ؟
نسلم أولاً أن الإمام الأشعري بعد تركه للاعتزال كان على طريق عبدالله بن سعيد بن كلاب ، وهذا أمر يوافقنا عليه أصحاب الدعوى ، ولكنهم يخالفوننا في أن طريق ابن كلاب وطريق السلف هما في حقيقة الأمر طريق واحد ، لأن ابن كلاب كان من أئمة أهل السنة والجماعة السائرين على طريق السلف الصالح .
قال التاج السبكي في الطبقات ( الطبقات 2 /300 ):
(وابن كلاّب على كل حال من أهل السنة . . . . ورأيت الإمام ضياء الدين الخطيب والد الإمام فخر الدين الرازي قد ذكر عبدالله بن سعيد في آخر كتابه “غاية المرام في علم الكلام ” فقال : ومن متكلمي أهل السنة في أيام المأمون عبدالله بن سعيد التميمي الذي دمّر المعتزلة في مجلس المأمون وفضحهم ببيانه ) اهـ.
ونقل الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى عن الإمام ابن القابسي رحمه الله تعالى وهو من كبار أئمة المالكية في المغرب قوله ( تبيين كذب المفتري ص/123 ، 405 ):
( قرأت بخطِّ على بن بقاء الورّاق المحدث المصري رسالة كتب بها أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني الفقيه المالكي ، وكان مقدَّم أصحاب مالك رحمه الله بالمغرب في زمانه ، إلى علي بن أحمد بن إسماعيل البغدادي المعتزلي جواباً عن رسالة كتب بها إلى المالكيين من أهل القيروان يظهر نصيحتهم بما يدخلهم به في أقاويل أهل الاعتزال ، فذكر الرسالة بطولها في جزءٍ وهي معروفة ، فمن جملة جواب ابن أبي زيد له أن قال : ونسبتَ ابن كلاّب إلى البدعة ، ثم لم تحكِ عنه قولاً يعرف أنه بدعة فيوسم بهذا الاسم ، وما علمنا من نسب إلى ابن كلاّب البدعة ، والذي بلغنا أنه يتقلّد السنة ويتولّى الردَّ على الجهمية وغيرهم من أهل البدع يعني عبدالله بن سعيد بن كلاّب ) اهـ .
وهذه شهادة عظيمة من الإمام ابن أبي زيد رحمه الله لابن كلاب أنه يتقلَّد السنة ويردُّ على المبتدعة ، وأنه لم يعلم من نسب إليه البدعة .
وعلّق العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في هامش الصفحة معرِّفاً بابن كلاب قال ( المصدر السابق ) : ( . . كان إمام متكلمة السنة في عهد أحمد ، وممن يرافق الحارث بن أسد ، ويشنع عليه بعض الضعفاء في أصول الدين .. ) ثم بيّن المسائل التي يشنع عليه بسببها وأن كلامه فيها ليس ببعيد عن الشرع والعقل .
وقال ابن قاضي شهبة (طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1 / 78):
(كان من كبار المتكلمين ومن أهل السنة ، وبطريقته وطريقة الحارث المحاسبي اقتدى أبو الحسن الأشعري ) اهـ.
وقال عنه جمال الدين الأسنوي ( طبقات الشافعية للأسنوي 2 /178 ):
(كان من كبار المتكلمين ومن أهل السنة . . . ذكره العبادي في طبقة أبي بكر الصيرفي ، قال : إنه من أصحابنا المتكلمين ) اهـ.
وقال الإمام الحافظ الذهبي (سير أعلام النبلاء (11/175):
( والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة ، بل هو في مناظريهم ) اهـ.
علّق الشيخ شعيب الأرنؤوط على هذا الكلام قائلاً : ( كان إمام أهل السنة في عصره ، وإليه مرجعها ، وقد وصفه إمام الحرمين في كتابه ” الإرشاد ” بأنه من أصحابنا ) اهـ.
ولقد مر معنا قول العلامة ابن خلدون ) المقدمة ص / 853 🙂
( إلى أن ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعري . . . . وكان على رأي عبدالله بن سعيد بن كلاّب وأبي العباس القلانسي والحارث المحاسبي من أتباع السلف وعلى طريقة السنة ( اهـ.
فوصفه بأنه من أتباع السلف ، وأن الإمام الأشعري كان على رأيه ورأي القلانسي والمحاسبي وهؤلاء من أتباع السلف وعلى طريق السنة .
وقال العلامة كمال الدين البياضي رحمه الله تعالى ( إشارات المرام من عبارات الإمام ص/23):
لأن الماتريدي مفصّل لمذهب الإمام ـ يعني أبا حنيفة ـ وأصحابِه المظهرين قبل الأشعري لمذهب أهل السنة ، فلم يخلُ زمان من القائمين بنصرة الدين وإظهاره . . وقد سبقه ـ يعني الأشعري ـ أيضاً في ذلك ـ يعني في نصرة مذهب أهل السنة ـ الإمام أبو محمد عبدالله بن سعيد القطان . .) اهـ .
أي أن الإمام ابن كلاب كان قبل الإمام أبي الحسن في نصرة الدين وإظهار السنة .
وقال الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان 3 /291) في ترجمته ، بعد أن نقل قول ابن النديم : إنـه ـ يعني ابن كلاب ـ من الحشوية .
قال الحافظ : (يريد من يكون على طريق السلف في ترك التأويل للآيات والأحاديث المتعلقة بالصفات ، ويقال لهم المفوضة ) اهـ.
وقال الإمام الشهرستاني رحمه الله تعالى ( الملل والنحل ص81 ) :
(حتى انتهى الزمان إلى عبدالله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف ، إلا أنهم باشروا علم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية ، وصنَّف بعضهم ودرَّس بعضٌ ، حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح ، فتخاصما وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة ، فأيَّد مقالتهم بمناهج كلامية ، وصار ذلك مذهباً لأهل السنة والجماعة ، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية ) اهـ .
بل نزيد على ما مرَّ ونقول : ليس الإمام الأشعري وحده الذي كان على طريق الإمام ابن كلاب ، كلا ، بل كان على نفس المعتقد أئمة كبار مثل الإمام البخاري رحمه الله تعالى .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ( الفتح 1/293 ):
( البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم ، وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيـد وأمثالهـما ، وأما المسائـل الكلامية فأكثرها من الكرابيـسي وابن كُـلاَّب ونحـوهما ) اهـ .
هذه نصوص واضحة بينة في أن الإمام عبدالله بن سعيد بن كلاب كان على طريق السلف والسنة
فإذا كان الأمر كذلك كما بيّن هؤلاء الأئمة ، فما السبب في اتهامه بمخالفة طريق السلف ؟
يقول ابن عبدالبر في بيان سبب ذلك أثناء ترجمة الإمام الكرابيسي ( الانتقاء ص/ 165 ) :
( وكانت بينه ـ يعني الكرابيسي ـ وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة ، فلمّا خالفه في القرآن عادت تلك الصداقة عداوة ، فكان كلُّ واحد منهما يطعن على صاحبه ، وذلك أن أحمد كان يقول : من قال القرآن مخلوق فهو جهمي ، ومن قال القرآن كلام الله ولا يقول غير مخلوق ولا مخلوق فهو واقفي ، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع . وكان الكرابيسي وعبدالله بن كلاّب وأبو ثور وداود بن علي وطبقاتهم يقولون : إن القرآن الذي تكلم الله به صفة من صفاته لا يجوز عليه الخلق ، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له وذلك مخلوق وإنه حكاية عن كلام الله . . . وهجرت الحنبلية أصحاب أحمد بن حنبل حسيناً الكرابيسي وبدّعوه وطعنوا عليه وعلى كل من قال بقوله في ذلك ) اهـ .
هذا هو سبب الطعن والتشنيع على عبدالله بن كلاّب ووصْـفِه بأنه لم يكن على طريق السنة والسلف ، إلا أن هذا القول الذي بُـدّع بسببه لا يقتضي وصفه بالبدعة أو أنه على غير طريق السلف ، لا سيما أن مسألة اللفظ بالقرآن كان يقول بها ثلة من أكابر أمة الإسلام مثل الذين ذكرهم ابن عبدالبر ، وممن كان يقول بذلك أيضاً الإمام البخاري والإمام مسلم والحارث المحاسبي ومحمد بن نصر المـروزي وغيرهم ، وما الفتنة التي حدثت بين البخاري وشيخه الذهلي إلا بسبب هذه المسألة ، نعني مسألة اللفظ ، ولقد صنّف الإمام البخاري في هذه المسألـة كتابـه ” خلق أفعال العباد ” لإثبات رأيه فيها والردّ على مخالفيه .
أما الإمام مسلم فقد كان يظهر القول باللفظ ولا يكتمه . ( انظر سير أعلام النبلاء 12 /453 وما بعدها ، 12/572 ):
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في ترجمة الكرابيسي ( طبقات الفقهاء الشافعيين 1/133):
(وأن أحمد بن حنبل كان تكلم فيه بسبب مسألة اللفظ ، وكان هو أيضاً يتكلم في أحمد ، فتجنَّب الناس الأخذ عنه لهذا السبب . قلت : الذي رأيت عنه أنه قال كلام الله غير مخلوق من كل الجهات إلا أن لفظي بالقرآن مخلوق ، ومن لم يقلْ : إن لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر . وهذا هو المنقول عن البخاري وداود بن على الظاهري ، وكان الإمام أحمد يسدُّ في هذا البابَ لأجل حسم مادة القول بخلق القرآن ) اهـ .
وممن كان يقول باللفظ أيضاً الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى ، وهي من المسائل التي نقم عليه بسببها بعض متعصبة الحنابلة ، قال الحافظ ابن كثير رحمـه الله تعالى ( المصدر السابق 1/226 ):
( كان قد وقع بينه ـ الطبري ـ وبين الحنابلة أظنه بسبب مسألة اللفظ ، واتهم بالتشيع ، وطلبوا عقد مناظرة بينهم وبينه ، فجاء ابن جرير لذلك ولم يجئ منهم أحد ، وقد بالغ الحنابلة في هذه المسألة وتعصبوا لها كثيراً ، واعتقدوا أن القول بها يفضي إلى القول بخلق القرآن ، وليس كما زعموا ، فإن الحق لا يحتاط له بالباطل ، والله أعلم ) اهـ . (وانظر في محنة ابن جرير مع الحنابلة البداية والنهاية 11/145 ، الكامل لابن الأثير 7/8 ، السير 14/272 ـ 277 ، الوافي بالوفيات 2/284).
نعم ، فإن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وهو صفة من صفات ذاته العلية ، إلا أنه لا يصحَّ أن يحتاط لهذا الحق بالباطل الذي هو إنكار حدوث وخلق ما قام بالمخلوق ، ثم التشنيع على من يقول بذلك !
على أية حال فإن الحق في هذه القضية مع الكرابيسي وابن كلاّب والبخاري ومسلم وأبي ثور وداود والمحاسبي والطبري وغيرهم ممن كان على طريقهم ، أما الإمام أحمد رضي الله عنه ـ ومن قال بقوله ـ فكلامه محمول على سدّ باب الذريعة لكي لا يتوسل بالقول باللفظ إلى القول بخلق القـرآن .
قال الإمام الذهبي ( السير 12/82 ، وانظر أيضاً السير 11/510 ):
( ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرره في مسألة اللفظ وأنه مخلوق هو حق ، لكن أباه الإمام أحمد لئلا يُتذرع به إلى القول بخلق القرآن فسدّ الباب ) اهـ.
وقال أيضاً ( ميزان الاعتدال 1/544 ): ( وكان يقول ـ يعني الكرابيسي ـ القرآن كلام الله غير مخلوق ، ولفظي به مخلوق ، فإن عنى التلفظ فهذا جيد ، فإن أفعالنا مخلوقة ، وإن قصد الملفوظ بأنه مخلوق فهذا الذي أنكره أحمد والسلف وعدّوه تجهماً ) اهـ .
ولا ريب أن مراد الكرابيسي وابن كلاّب والبخاري ومسلم وأبي ثور وداود ومن كان على قولهم لاريب أن مرادهم هو الأول ، وعلى الجملة فإن القضية أهون من أن يُبـدَّع من أجلها .
قال الحافظ الذهبي ( السير 11/510) بعد أن نقل قول الحافظ أبي بكر الأعين : مشايخ خراسان ثلاثة قتيبة ، وعلى بن حجر ، ومحمد بن مهران الرازي ، ورجالها أربعة عبدالله بن عبدالرحمن السمرقندي ومحمد بن إسماعيل البخاري قبل أن يظهر منه ما ظهر . . . الخ
قال الذهبي معلّقاً عليه : ( والذي ظهر من محمد ـ يعني البخاري ـ أمرٌ خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن وتسمّى مسألة أفعال التالين ، فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله المنزل غير مخلوق وبهذا ندين الله ) اهـ .
ولا يلزم من هجر الإمام أحمد لهؤلاء الأئمة أن يكونوا على غير طريق السلف ، لا سيما أن الحق معهم فيما ذهبوا إليه كما قرَّرَه الإمام الذهبي ، كما أننا متيقنون بأنهم رحمهم الله تعالى لم يقولوا هذا القول دون أن تدعو لذلك حاجة ، كلا ، وحاشاهم أن يتكلموا بشيء سكت عنه الصحابة والتابعون ، لكنهم لمَّا رأوا الناس تقحموا هذا الباب ، وخاضوا في هذا الأمر ، وحملوه على غير وجهه ، اضطروا إلى الكلام فيه تبياناً للحق ، وكفّاً للناس عن ذلك .
قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى : ( في تعليقه على تبيين كذب المفتري هامش(2) من الصفحة (406):
( أما كلام أحمد في ابن كلاب وصاحبه فلكراهته الخوض في الكلام وتورُّعِه منه ، ولكن الحق أن الخوض فيه عند الحاجة متعيِّنٌ على خلاف ما يرتئيه أحمد ) اهـ .
على أن الأمر خفيف كما وصفه الحافظ الذهبي ، وأن هذه المسألة مما اختلفت فيها أقوال الأئمة ، وهم متفقون جميعاً على أن القرآن الذي هو صفة الرحمن وكلامه تعالى غيرمخلوق .
بهذا يتبين أن الإمام ابن كلاّب لم يكن وحده في هذا الأمر الذي ذهب إليه ، بل كان على رأيه كبار أئمة الدين ، وبهذا أيضاً يُعلم أنه لم يبتدع أو يخالف منهج السلف والسنة ، بل هو من أكابر أهل السنة والجماعة السائرين على خطى السلف الصالح كما مرّ من أقوال العلمـاء فيه .
فإذا كان الأمر كذلك ، فمن أين جاء القول بأن الإمام الأشعري قد ترك طريقته وآراءه ؟ وهذا السؤال يجرنا إلى الحديث عن القضية الثالثة .
الردّ على القضية الثالثة :
كتاب الإبانة هو متمسك ومعتمد من يقول بمرور الإمام الأشعري بثلاث مراحل في حياته ، والذي لا ريب فيه أن الإمام قد سلك في هذا الكتاب وفي غيره من الرسائل التي نسبت له أسلوباً مختلفاً في التأليف ، فهو في الغالب قد سلك مسلك جمهور السلف في المتشابهات ، نعني بذلك أنه قد أخذ بطريق التفويض ، ففهم البعض من ذلك أن الإمام قد رجع عن طريق ابن كلاب الذي كان عليه إلى طريق السلف !
ونحن قد أثبتنا في الحديث حول القضية الثانية أن ابن كلاب لم يكن مخالفاً للسلف بل هو منهم وعلى طريقهم ، وهذا كافٍ في الردِّ لمن تأمل وأنصف .
لكننا نزيد على ذلك ونقول :
إن كتاب الإبانة الذي هو معتمد أصحاب هذه الدعوى ، وهو الدليل عندهم على رجوع الإمام عن طريق ابن كلاب ، نقول : إن هذا الكتاب بذاته ينقض دعوى رجوع الإمام عن هذا الطريق ، لأنه مؤلَّف على طريقة ابن كلاّب وعلى منهجه .
قال الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان 3/291 ) ـ وقد مرّ قريباً ـ تعليقاً على وصف ابن النديم لابن كلاّب بأنه من الحشوية ، قال الحافظ : ( يريد من يكون على طريق السلف في ترك التأويل للآيات والأحاديث المتعلقة بالصفات ويقال لهم المفوضة ، وعلى طريقته ـ يعني ابن كلاّب ـ مشى الأشعري في كتاب الإبانة ) اهـ .
وهذا يزيد اليقين بأن الإمام ابن كلاب كان على طريق السلف الصالح ومن أئمتهم ، لأن الإبانة التي ألَّفها الإمام الأشعري في آخر حياته ـ تبعاً لمن يزعم ذلك ـ على منهج السلف هي مؤلَّفة على طريقة الإمام ابن كلاب ، وهذا يقتضي قطعاً أن طريق السلف وطريق ابن كلاب هما في حقيقة الأمر طريق واحد وهو ما كان عليه الإمام الأشعري بعد رجوعه عن الاعتزال ، أي أن الإمام لم يمرَّ بثلاث مراحل في حياته ، بل هما مرحلتان فقط ، مرحلة الاعتزال ثم أعقبتها مرحلة العودة إلى طريق السلف التي كان عليها ابن كلاب والمحاسبي والقلانسي والكرابيسي والبخاري ومسلم وأبو ثور والطبري وغيرهم ، وهي المرحلة التي ألَّف الإمام فيها كتاب الإبانة .
ويُروى أن الإمام الأشعري عندما ألَّف الإبانة رفضها بعض حنابلة (3) بغداد تعصّبـاً ولـم يقبلـوها منـه ( انظر سير أعلام النبلاء 15/90 ، طبقات الحنابلة 2/18 ، الوافـي بالوفيات 12/146 ) ولعـل هـذا يؤيد ما مرَّ من أن الإبانة مؤلَّفة على طريقة ابن كلاب الذي هجره بعض الحنابلة فيمن هجروه من الأئمة لأجل مسألة اللفظ وأخذهم بعلم الكلام للرد على المخالفين من المعتزلة وغيرهم .
وهذا الذي ذكرناه عن كتاب الإبانة ، إنما أردنا به الإبانة التي صنّفها الإمام ، وليست الإبانة المتداولة والمطبوعة اليوم ، وذلك لما حدث على هذا الكتاب من التحريف والنقص والزيادة .
قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في مقدمة كتاب ” تبيين كذب المفتري ” :
( والنسخة المطبوعة في الهند من الإبانة نسخة مصحفة محرفة تلاعبت بها الأيدي الأثيمة ، فيجب إعادة طبعها من أصل موثوق ) اهـ .
وقال أيضاً : (( مقدمته على كتاب إشارات المرام من عبارات الإمام للعلامة البياضي )):
( ومن العزيز جدّاً الظفر بأصلٍ صحيح من مؤلفاته على كثرتها البالغة ، وطبْعُ كتاب الإبانة لم يكن من أصل وثيق ، وفي المقالات المنشورة باسمه وقفة ) اهـ .
وهذا أيضاً ما ذهب إليه الدكتورعبد الرحمن بدوي مؤيداً للعلامة الكوثري ( مذاهب الإسلاميين 1/516 ) قال :
(وقد لاحظ الشيخ الكوثري بحق أن النسخة المطبوعة في الهند . . تلاعبت بها الأيدي الأثيمة. . ) اهـ . كما لاحظ ذلك غيرهم من الدارسين ( انظر مذاهب الإسلاميين 1/517 وما بعدها).
وللشيخ وهبي غاوجي حفظه الله رسالة في هذا الموضوع بعنوان ” نظرة علمية في نسبة كتاب الإبانة جميعه إلى الإمام أبي الحسن ” أتى فيها بأدلة موضوعية تدل على أن قسماً كبيراً مما في الإبانة المتداولة اليوم بين الناس لا يصح نسبته للإمام الأشعري .
وقد طبع كتاب الإبانة طبعة قوبلت على أربع نسخ خطية بتحقيق الدكتورة فوقية حسين ، وهي طبعة وإن كانت أحسن حالاً من المطبوعة قبلُ إلا أنها لم تخلُ من التحريف والنقص والزيادة أيضاً ، وهذا لعله يصحح ما ذهب إليه العلامة الكوثري رحمه الله تعالى حين قال ( ومن العزيز جدّاً الظفر بأصلٍ صحيح من مؤلفاته على كثرتها البالغة ) .
وقد نقل الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في كتاب تبيين كذب المفتري فصلين من الإبانة ، وعند مقارنة الإبانة المطبوعة المتداولة مع طبعة الدكتورة فوقية مع الفصلين المنقولين عند ابن عساكر يتبين بوضوح قدر ذلك التحريف الذي جرى على هذا الكتاب .
وهذه بعض الأمثلة على ذلك :
* جاء في الإبانة المطبوعة ص/16 ما نصُّه ( وأنكروا أن يكون له عينـان مـع قولـه تجري بأعيننا . . ) اهـ هكذا بالتثنية !
* وعند ابن عساكر ص/ 157 ( وأنكروا أن يكون له عين . . . ) بإفراد لفظ العين .
* وجاء في المطبوعة ص/18 ( وأن له عينين بلا كيف . . )
* وفي طبعة الدكتورة فوقية ص/22 ( وأن له سبحانه عينين بلا كيف ) هكذا ، كلاهما بالتثنية!
* وعند ابن عساكر ص/ 158 ( وأن له عيناً بلا كيف . . ( بإفراد لفظ العين .
والإفراد هو الموافق للكتاب والسنة وأقوال السلف ، وهذا نصٌّ واضح في التلاعب بنسخ الكتاب ، ولفظ العينين لم يردْ في القرآن ولا في السنة ، ومن ثنَّى فقد قاس الله تعالى على المحسوس المشاهد من الخلق تعالى الله وتقدس عن ذلك .
قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي في هامش ص/313 ( لم ترد صيغة التثنية في الكتاب ولا في السنة ، وما يروى عن أبي الحسن الأشعري من ذلك فمدسوس في كتبه بالنظر إلى نقل الكافة عنه ) ثم قال : ( قال ابن حزم : لا يجوز لأحد أن يصف الله عز وجل بأن له عينين لأن النص لم يـأت بـذلك ) اهـ وقال ابن عقيل معلقاً على حديث الدجال (دفع شبه التشبيه ص/263 ) :
( يحسب بعض الجهلة أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما نفى العور عن الله عز وجل أثبت
من دليل الخطاب أنه ذو عينين ، وهذا بعيد من الفهم ، إنما نفى العور من حيث نفي النقائص . . ) اهـ .
وقال ابن الجوزي في الرد على من أثبت لله تعالى عينين ( دفع شبه التشبيه ص/114 ):
( قلت : وهذا ابتداع لا دليل لهم عليه ، وإنما أثبتوا عينين من دليل الخطاب في قوله عليه الصلاة والسلام : ” وإن الله ليس بأعور ” وإنما أراد نفي النقص عنه تعالى ) اهـ .
ومن أمثلة التحريف فيه أيضاً القدح بالإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه :
فقد جاء في الإبانة المطبوعة ص/ 57 ( وذكر هارون بن إسحاق الهمداني عن أبي نعيم عن سليمان بن عيسى القاري عن سفيان الثوري ، قال : قال لي حماد بن أبي سليمان : بلِّغ أبا حنيفة المشرك أنِّي منه بريء . قال سليمان : ثم قال سفيان : لأنه كان يقول القرآن مخلوق .
وذكر سفيان بن وكيع قال عمر بن حماد بن أبي حنيفة قال أخبرني أبي قال : الكلام الذي استتاب فيه ابن أبي ليلى أبا حنيفة هو قوله : القرآن مخلوق . قال : فتاب منه وطاف به في الخلق . قال أبي : فقلت له كيف صرت إلى هذا ؟ قال : خفت أن يقوم عليّ ، فأعطيته التقيّـة .
وذكر هارون بن إسحاق قال سمعت إسماعيل بن أبي الحكم يذكر عن عمر بن عبيد الطنافسي أن حمّاداً ـ يعني ابن أبي سليمان ـ بعث إلى أبي حنيفة : إني بريء مما تقول ، إلا أن تتوب . وكان عنده ابن أبي عقبة ، قال ، فقال : أخبرني جارك أن أبا حنيفة دعاه إلى ما استتيب منه بعد ما استتيب .
وذكر عن أبي يوسف قال : ناظرت أبا حنيفة شهرين حتى رجع عن خلق القرآن ) اهـ .
ترى هل نحن بحاجة إلى إثبات كذب مثل هذه الأخبار وأنها مدسوسة في كتاب الإمام الأشعري ، أم أنه يكفي عزوها إلى الإبانة المطبوعة لكي يُعلم تحريفها وتلاعـب الأيـدي فيها ؟!
وفي طبعة الدكتورة فوقية ص/90 ، 91 جاء بعد الخبر الأول بعد قول سفيان : لأنه يقول القرآن مخلوق . ما نصُّه : ( وحاشى الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه من هذا القول بل هو زور وباطل فإن أبا حنيفة من أفضل أهل السنة ) اهـ .
وجاء فيها بعد قول ابن أبي عقبة : أخبرني جارك أن أبا حنيفة دعاه لما استتيب منه بعد ما استتيب . ما نصُّه : ( وهذا كذب محض على أبي حنيفة رضي الله عنه ) اهـ .
قال العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على كتاب الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة ، في هامش ص/ 49 ، ما نصُّه: ( ومن غريب التحريف ما دُسَّ في بعض نسخ الإبانة للأشعري كما دُسَّ فيها أشياء أخر من أن حمّاد بن أبي سليمان قال ” بلِّغ أبا حنيفة المشرك أني بريء من دينه ” وكان يقول بخلق القرآن . فإن لفظ حمّاد ” بلّغ أبا فلان ” لا أبا حنيفة ! كما في أول خلق الأفعال للبخاري ، وجعل من لا يخاف الله لفظ ” أبا حنيـفة ” فـي موضـع ” أبا فلان ” والله أعلم من هو أبو فلان هذا ، وما هي المسألة . . ) اهـ .
وقال الشيخ وهبي غاوجي حفظه الله: ( نظرة علمية في نسبة كتاب الإبانة جميعه . . . ص/20):
(ولا بأس أن نقول : لو كان الإمام الأشعري رحمه الله تعالى نسب حقاً إلى الإمام ـ يعني أبا حنيفة ـ القول بخلق القرآن لما كان للإمام الأشعري تلك المكانة العالية عند الحنفية أتباع الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى . فلا تلتفت أيها القارئ إلى تلك النقول المبتورة مبتدأً والباطلة سنداً ، وأحسن الظن بالإمام الأشعري كما تحسن الظن بإمام الأئمة الفقهاء وسائر الأئمة رضوان الله تعالى عليهم . وتذكر أنه أُدخِل الكثيرُ من الأباطيل على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رُكّبت لها أسانيد باطلة ، لكلمات باطلة كذلك . ولا تنس أنه حُشِر في كتب كثير من العلماء كلماتٌ وعبارات وحذف منها كلمـات وعبارات حتى في حيـاة أصحابها ) اهـ .
ومن هذه الأمثلة أيضاً ما جاء في الطبعة المتداولة عند ذكر الاستواء ص/69 : ( إن قال قائل : ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له نقول : إن الله عز وجل مستوٍ على عرشه كما قال: { الرحمن على العرش استوى } ).
وفي طبعة الدكتورة فوقية ص/105 ( . . نقول إن الله عز وجل استوى على عرشه استواءً يليق به من غير حلول ولا استقرار . . ) .
فالعبارة الأخيرة محذوفة من الطبعة المتداولة !!
وفي ص/73 من الإبانة المتداولة ( فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستوٍ على عرشـه ، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض ، فدل على أن الله تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه) اهـ
وفي طبعة الدكتورة فوقية ص/113 ( فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه استواءً منزهاً عن الحلول والاتحاد) اهـ .
إلى غير ذلك من عشرات الأمثلة الدالَّة دلالة قاطعة على تحريف الكتاب ، والقاضية بعدم جواز اعتبار معظمه ممثلاً لعقيدة الإمام الأشعري إلا في ما وافقت فيه قول الكافة من أهل العلم والنقل عنه .
فإذا ثبت ـ كما مرَّ معنا ـ تاريخيّاً أن الإمام بعد رجوعه عن الاعتزال كان على منهج السلف وأهل السنة ، وإذا ثبت أيضاً أن الإمام ابن كلاب كان من أئمة السلف وعلى نهـج السنة ، وإذا ثبت أيضاً أن كتاب الإبانة الذي بنيت عليه هذه الدعوى من أساسها هو في حقيقة الأمر مؤلف على طريقة ابن كلاب التي هي ذاتها طريقة السلف ، إذا ثبت ذلك ثبت بناءً عليه أن الإمام لم يمرَّ بثلاث مراحل في حياته ، وإنما هما مرحلتان مرحلة الاعتزال في بداية حياته ثم مرحلة عودته ورجوعه إلى طريق السلف .
ولا نعلم لمن يقول بهذه الدعوى دليلاً على ما ذهب إليه إلا الاعتماد على أسلوب الإبانة وبعض الرسائل الأخرى والطريقة التي كتبت عليها ، لأن الإمام قد سلك في الإبانة طريق التفويض ، وهي طريقة جمهور السلف ، وهي في حقيقتها لا تنافي بينها وبين طريق التأويل بشرطه ، والأشاعرة يعتقدون كل ما في الإبانة ـ نعني الإبانة الصحيحة التي كتبها الإمام وليست الإبانة المحرفة ـ ويعقدون عليه خناصرهم ، إذ كلٌّ من التفويض والتأويل حق لا اعتراض عليه ، وكلا الطريقين مأثور عن الصحابة والسلف كما سيأتي بيانه ، وكلا الطريقين متفقان على التنزيه بعد إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه ، وكلاهما متفقان على استبعاد الظاهر وما يعهده الخلق من عالمهم .
قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى ( التبيين ص/388 ):
(بل هم ـ يعني الأشاعرة ـ يعتقدون ما فيها ـ أي الإبانة ـ أسدّ اعتقاد ، ويعتمدون عليها أشدّ اعتماد ، فإنهم بحمد الله ليسوا معتزلة ولا نفاة لصفات الله معطلة ، لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات ، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات ، وبما وصفه به نبيّه صلى الله عليه وسلم في صحيح الروايات ، وينزهونه عن سمات النقص والآفات ) اهـ . وهذا الذي قاله الحافظ ابن عساكر منطبق على كتاب الإبانة الذي ألفه الإمام ، أما ما يوجد اليوم في أيدي الناس منها فلا ثقة به ولا يصح أن يمثل ـ في الغالب ـ اعتقاد الإمام أو الأشاعرة كما أثبتنا ذلك ، إلا فيما وافق قول الكافة .
وقال أيضاً رحمه الله تعالى ( تبيين كذب المفتري ص/389):
( ولم يزل كتاب الإبانة مُستصوباً عند أهل الديانة ، وسمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشار البوشنجي المعروف بالخسروجـردي الفقيه الزاهد يحكي عن بعض شيوخه أن الإمام أبا عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني النيسابوري ما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا وبيده كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري ، ويظهر الإعجاب به ، ويقول : ماذا الذي يُنكر على من هذا الكتاب شرح مذهبه . فهذا قول الإمام أبي عثمان وهو من أعيان أهل الأثر بخراسان . ) اهـ .
فانظر إلى قدر كتاب الإبانة وصاحبه عند أعلام الأمة ، فهذا شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني رحمه الله تعالى وهو من هو جلالة وعلماً وزهداً (4) يثني هذا الثناء العاطر على الإمام أبي الحسن وكتابه الإبانة ، ومنه تعلم أن شيخ الإسلام أبا عثمان الصابوني أيضاً كان على طريق الإمام الأشعري ، كيف لا وقد تولّى تربيته وتهذيبه الإمام أبو الطيب سهل بن أبي سهل الصعلوكي ، وهو ـ أبو الطيب ـ من طبقة أصحاب أصحاب الإمام الأشعري ، أي من الطبقة الثانية ، وكان يحضر مجالس أبي عثمان أئمةُ الوقت كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني والأستاذ الإمام أبي بكر بن فورك وسائر الأئمة ، وهؤلاء من أعلام أمة الإسلام من السادة الأشاعرة ، وثناؤهم عليه وثناؤه عليهم يدلّ على أنهم على طريق واحد رحمهم الله تعالى ورضي عنهم . ( انظر ترجمة شيخ الإسلام الصابوني في تاريخ مدينة دمشق 9/3 ، سير أعلام النبلاء 18/40 ، الطبقات الكبرى للتاج السبكي 4/271 ).
بعد كل ما مرَّ ، وبعد كل هذه الأدلة ، هل يصح وفقاً للمنهج العلمي للبحث أن تهمل جميع هذه البراهين التاريخية والعقلية والعلمية ، ثم يؤخذ بكلام استنباطي لا يرقى إلى مستوى الظن ، وليس له ما يؤيده من النقل والعقل ؟!
ولو بالغنا واعتبرنا ما اعتمدت عليه هذه الدعوى دليلاً لما أمكن الأخذ به علمياً لأن الدليــل
متى ما تطرق إليه الاحتمال كساه ثوب الإجمال وسقط به الاستدلال ، كما هو مقرر في علم
الأصول ، هذا إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال مجرد تطرق ، فكيف يكون الحال إذا قارب هذا الاحتمال حدَّ اليقين كما مرَّ من أدلـة تحريف الإبانة ؟!
بيد أننا سنبالغ في الافتراض ونقول : هَبْ ـ جدلاً ـ أن كتاب الإبانة المتداول غير محرَّفٍ ، وأنه ثابت النسبة إلى الإمام الأشعري ، وأنه قد رجع فعلاً عن ما كان يعتقده من التـنـزيـه
فهل يلزم الأمة أن تتابعه في هذا الأمر ؟!
إن من يعتقد ذلك يسيء الظن بعقول أكثر من عشرة قرون من العلماء والأئمة ، وينسبهم إلى التقليد الأعمى في العقائد ، ويغيب عنه أن الأمة نُسِبت إلى الإمام الأشعري من حيث كونه وقف حاملاً لواء السنة على طريق السلف في وجه أصحاب البدع والأهواء ، لا لأنهم قلّدوه في ما ذهب إليه ، فمتى ما رجع عن اعتقاده رجعوا ! كلا .
فهم في الحقيقة منتسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح ، وما الإمام الأشعري رحمه الله وغيره من أئمة أهل السنة إلا أدلاّء على الطريق .
ومن يروج لمثل هذه الدعاوى يريد أن يقول بلسان حال هذه الدعوى وأمثالها أن هذا الذي رجع عنه هؤلاء الأكابر لو كان حقاًّ ما رجعوا عنه ! فالحق عنده يعرف بمن قال به وتبناه وليس بما اعتضد به من أدلة وبراهين ! وهل أُتِيَ من أتِيَ إلا من قبل هذا الأمر الذي هو تعظيم الكبراء إلى الحدِّ الذي أعمى أعينهم عن الأخطاء ، فاتبعوهم مقلدين لهم في أخطائهم معتقدين أنها هي الحق الذي لا يأتيه الباطل ولا يتطرق إليه .
ولله درُّ الإمام ابن الجوزي ما أصدق عبارته فقد أصاب رحمه الله تعالى المحزّ وطبّق المفصل حيث قال ( صيد الخاطر ص/187) :
( قد قال أحمد بن حنبل رحمة الله عليه : من ضِيْق علم الرجل أن يقلد في دينه الرجال . فلا ينبغي أن تسمع من مُعَظَّمٍ في النفوس شيئاً في الأصول فتقلده فيه ، ولو سمعت عن أحدهم ما لا يوافق الأصول الصحيحة ، فقل : هذا من الراوي ، لأنه قد ثبت عن ذلك الإمام أنه لا يقول بشيء
من رأيه . فلو قدَّرنا صحته عنه فإنه لا يُقَلَّد في الأصول ، ولا أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما . فهذا أصلٌ يجب البناء عليه ، فلا يهولنَّك ذكرُ معظَّمٍ في النفوس ) اهـ .
لقد أطنبنا في مناقشة هذه القضية ، وما كنا لنفعل ذلك لولا أن تمسك بها البعض واعتبرها أمراً مسلَّماً ثم ذهب يبني عليها ويؤسس ، فاقتضى الأمر التفصيل ، وإلا فإن القضية أهون من ذلك بكثير ، إذ كان يكفينا مؤنة النقاش القول المأثور ( البينة على من ادعى ) ولا بينة ثمَّ ولا قرينة .
ومهما عظُمَ قدرُ القائل بهذه الدعوى فإنه لن يغير من شأن الحقيقة شيئاً ، لأن أي دعوى إنما هي تبعٌ للبراهين والأدلة التي تثبتها فتكون حقيقة أو تنفيها فتكون خطأً ووهماً يجب الرجوع عنه ، وكلٌّ يؤخذ منه ويردُّ عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، والحق أحق وأثمن ما يطلبه المسلم وإذ علمت هذا ـ وفقنا الله تعالى وإياك ـ فَدعْ عنك من قال إذ الحق لا يعرف بالرجال ، ولكن اعرف الحق تعرف أهله ، وعليك بما قيل إن كان حقاً ، وإلاّ فالرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل .
بقلم/فوزي العنجري
الهوامش:
(1) نحن نقول هذا من باب التسليم الجدلي ، وإلا فإن الذي رجحه المحققون من الباحثين أن كتاب اللمع ألَّفه الإمام الأشعري بعد الإبانة . انظر مقدمة كتاب اللمع للأستاذ حمودة غرابة .
(2) انظر الهامش ص/9 .
(3) قيدنا هذا الرفض بأنه من بعض الحنابلة ، لأنه لم تزل طائفة كبيرة من الحنابلة يوالون الإمام الأشعري ويحبونه وينتسبون إليه ، قال الحافظ ابن عساكـر في ” التبيين ” ص/389 أثناء ردّه على الأهوازي الذي استشهد بالقصة من أجل إثبات رفض الحنابلة للإمام الأشعري ولكتابه الإبانة ، ما نصّه : ( فلو كان الأمر كما قال لنقلوه عن أشياخهم وأظهروه ، ولم أزل أسمع ممن يوثق به أنه ـ الإمام ـ كان صديقاً للتميميين سلف أبي محمد رزق الله بن عبدالوهاب ابن عبدالعزيز بن الحارث ، وكانوا له مكرمين ، وقد ظهر أثر بركة تلك الصحبة على أعقابهم ، حتى نسب إلى مذهبه أبو الخطاب الكلوذاني من أصحابهم ، وهذا تلميذ أبي الخطاب أحمد الحربي يخبر بصحة ما ذكرته وينبي ، وكذلك كان ينهم وبين صاحبه أبي عبدالله بن مجاهد وصاحب صاحبه أبي بكر بن الطيب ـ الباقلاني ـ من المواصلة والمؤاكلة ما يدلّ على الاختلاق من الأهوازي . . ) اهـ . وانظر أيضاً ص/ 163 من نفسالكتاب .
(4) قال عنه التاج السبكي : الملقب بشيخ الإسلام ، لقبه أهل السنة في بلاد خراسان ، فلا يعنون عند إطلاقهم هذه اللفظة غيرَه .
waxay ku andacoodaaan NAhaabiyo oo dadka caamada ah u sheegaaan AL IMAAM ABUL XASSAN AL ASHCARI WAXA UU SOOO MAREY 3 MAR XALO CAR WAKAASE HAKEENEEN HAL KITAAB OO QOREY ARINTAAS OO KAMID AH KUTUBTA TAARIIIKHDA