الأحد، 25 أبريل 2021

وقفات مع قول الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله

 

وقفات مع قول امام أحمد بن حنبل حمه الله ( قَوْمٌ يَرُدُّونَ السُّنَنَ: قَالَ فُلَانٌ، قَالَ فُلَانٌ ) ..
هناك مَن ينـقل كلاماً عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، من غير إعتراض عليه .
بل ينقل كلامــه موافقاً له ، وربما يفتخر ، ويفرح بهذا الكلام !
وأنا أتعجب من هذا الإمام المشهور ، رحمه الله ؛ إمام مذهب من المذاهب المتبوعة ، كيف قال هذا الكلام ؟ !




التعليق :

1 – الإمام أحمد ليس برسول الله ، ولا هو معصوم ، وكلامه ليس بحجة على أحد .

2 – كلامه هذا الذي قاله ، هو إجتهاد منه .

3 – كلامه هذا يعتبر زلة من زلّاته ، تُغرق في بحر حسناته ، إن شاء الله تعالى .
لأنه كيف جعل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، نِدّاً لرسول الله ، وعاصياً له ﷺ ؟ !

وكيف حكم على المسلمين أنهم تركوا اتباع النبيّ ﷺ ، واتبعوا عمر بن عبد العزيز ؟ !

وكيف وازن بين النبيّ ﷺ ، وبين عمر بن عبد العزيز ، وكأنهما نِدّان وصنوان ؟ !
4 – إنّ الناس لم يدَعوا قول النبيّ ﷺ ، لقول عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله .

بل تركوا إجتهاد وفهم الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، واجتهاد وفهم أمثاله ،
واتبعوا إجتهاد وفهم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ! واجتهاد وفهم أمثاله ، بل وأفضل منه .

فالمقارنة الصحيحة ، هي ليست بين النبيّ ﷺ ، وبين عمر بن عبد العزيز .
بل هي بين عمر بن عبد العزيز ، وبين أحمد بن حنبل !
بين علمهما وفهمهما !

5 – إنه قــد حكـم على الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، وكلُّ مَن قـــال مثل قوله ، وكل الذين اتبعوهم ، بأنهم عصوا الله تعالى ، وعصوا رسوله ﷺ ،
فلم يطيعوا الله ورسوله ، والله تعالى يقول : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) .
وكذلك جميعهم ردّوا سنة رسول الله ﷺ ! !

ولماذا كل هؤلاء عصوا الله تعالى ، وعصوا رسول الله ، وردّوا سنته ﷺ؟
الجواب : لأنهم قالوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً !

6 – هل فقط عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، قال بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً ؟

وانظر مرة أخرى ، لتتيقن مَن هم الذين خالفهم أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، في إجتهادهم وفهمهم في هذا الموضوع ؟

ولا بأس أن نذكر أسماءهم فقط :

1 – الحسن البصري . 2 – طاوس . 3 – سعيد بن المسيب . 4 – عروة بن الزبير . 5 – أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . 6 – سعيد بن جبير . 7 – الخليفة عمر بن عبد العزيز . 8 – مجاهد . 9 – سفيان الثوري . 10 – الأوزاعي . 11 – الليث بن سعد . 12 – أبو حنيفة . 13 – محمد بن الحسن الشيباني . 14 – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم . 15 – زفر .

هؤلاء كلهم قالوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً ، خلافاً لأحمد بن حنبل وأمثاله .
فهل هؤلاء عصوا الله تعالى ، وعصوا رسول الله ، وردّوا سنّته ﷺ ؟ !
وأنا أظن أن الإمام أحمد ، رحمه الله - لصلاحه - لا يقبل أن يرفعه الناس فوق مرتبته فيجعلوه تلميذاً من تلاميذ بعض أولئك الأئمة !

فالحسن البصري تابعي .
طاوس ، تابعي .
سعيد بن المسيب ، تابعي ، ولد سنة 24 هـ لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب ، زوج بنت أبي هريرة  ، أحد الفقهاء السبعة والمفتين ، في المدينة المنورة من التابعين .
عروة بن الزبير ، تابعي ، إبن حواريّ رسول الله ﷺ ، أحد الفقهاء السبعة .
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، تابعي ، إبن صحابيّ جليل ؛ توفي رسول الله ﷺ ، وهو راضٍ عنه ( عبد الرحمن بن عوف  )
سعيد بن جبير ، تابعي .
عمر بن عبد العزيز ، ولد سنة 63 هـ .
مجاهد ، تابعي .
سفيان الثوري ، ولد سنة 97 هـ .
أبو حنيفة ، ولد سنة 80 هـ ، رأى الصحابي الجليل أنس بن مالك ،  .
أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ، تلميذ أبي حنيفة .
محمد بن الحسن الشيباني ، تلميذ أبي حنيفة ، وتلميذ مالك بن أنس ، وشيخ الشافعي .
زفر ، تلميذ أبي حنيفة .
الأوزاعي ، ولد سنة 88 هـ .
الليث بن سعد ، ولد سنة 94 هـ .

هؤلاء لم يفهموا الكلام ، وعصوا الله ورسوله ، وردّوا سنة رسول الله ﷺ ؟ !

فكلام الإمام أحمد ، الذي قاله يؤدي إلى هذه النتائج الخاطئة ، ولهذا قلنا : كلامه هذا ، زلة من زلاته !

فأولئك الأئمة لم ينافسوا النبيّ ﷺ ، ولم يزاحموه .
بل تنافسوا في فهم أقوال النبيّ وأوامره ﷺ ، وخدمة شريعته ، على الذي يرضي الله تعالى ، ويرضي رسوله ﷺ .

فكيف يقال عنــهم أنـــهم عصوا الله تعالى ، وعصوا رسوله ، وردّوا سنته ﷺ ؟ !

علماً أنه قد روي عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، بجواز إخراج القيمة في الزكاة ما عدا زكاة الفطر .

 

قال الإمام إبن قدامة المقدسي ، رحمه الله :

 

[  وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سُئِلَ أَحْمَدُ، عَنْ رَجُلٍ بَاعَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ. قَالَ: عُشْرُهُ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ. قِيلَ لَهُ: فَيُخْرِجُ ثَمَرًا، أَوْ ثَمَنَهُ؟ قَالَ: إنْ شَاءَ أَخْرَجَ ثَمَرًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مِنْ الثَّمَنِ.

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ.

وَوَجْهُهُ قَوْلُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِخَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ.

 

وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، وَعَنْ طَاوُسٍ، قَالَ لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ الْيَمَنَ، قَالَ: ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ، بِالْمَدِينَةِ.

 

قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْخُذُ الْعُرُوضَ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ.

وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَعْدَ اتِّحَادِ قَدْرِ الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلَافِ صُوَرِ الْأَمْوَالِ  ] ([2]) .

 

وقال الشيخ الدكتور سلمان العودة :

 

[ القول الثاني: يجوز إخراج القيمة في صدقة الفطر

وبه قال أبو حنيفة ، وقد سُبق أبو حنيفة إلى هذا القول، فهو ثابت عن عمر بن عبد العزيز ،

 فقد رَوى ابن أبي شيبة عن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يُقرأ إلى عدي بالبصرة - وعدي هو الوالي -: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم. أي: عن صدقة الفطر .

وهذا لم يكن مجرد رأي شخصي لعمر بن عبد العزيز، وإنما جعله أمراً عامّاً ، وأمر واليه أن يأخذ من أهل ذلك البلد نصف درهم عن صدقة الفطر ولم يقع عليه اعتراض ،

والتابعون والأئمة حاضرون متوافرون ، وعمر هو من العلماء المجتهدين.

وجاء عن الحسن البصري أنه قال : « لا بأس أن تعطِى الدراهم في صدقة الفطر» .

وقال أبو إسحاق السبيعي : « أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام » .

 

وكأن البخاري مال إلى هذا في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة ، وأشار إلى ذلك .

 

وهذه المسألة من المسائل التي وافق فيها البخاري الحنفية، مع أن البخاري في الغالب يرد عليهم في صحيحه خصوصًا في التراجم، ولكنه في هذه المسألة وافقهم،

قالوا: وإنما قاده إلى ذلك الدليل .

 

وهو مذهب الثوري . وهؤلاء من سادة التابعين ؛

 

ومنهم مَن يُخبر عن الناس في وقته، وليس يخبر عن رأيه فحسب ، ولا يلزم أن يكون خبره عن الناس جميعاً، بل يكون عملاً مشهورًا معمولاً به.

 

فلذا ذهب جماعة من العلماء إلى جواز إخراج صدقة الفطر مالاً.


([1]) المغني ( 3 / 87 ) .

 

([2]) المغني ( 3 / 87 ) .

حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر؟

 حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر

 د. عبدالله بن منصور الغفيلي مستشار المركز عضو الهيئة الاستشارية. الدولة: المملكة العربية السعودية طلب العلم على كثير من المشايخ على رأسهم الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين وابن عقيل والبراك وعبد العزيز آلشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 



فإن من المسائل التي يكثر الحديث عنها لاسيما في هذه الأيام، حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر، وقد اختصرت بحثها على النحو التالي:

اتفق الفقهاء على مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأنواع المنصوصة (1) كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير) (2)، وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب)(3)


وأما إخراج قيمتها للفقير، سواء كان ذلك بغير سبب، أو بسبب؛ كحاجة الفقير للنقود، أو تعذر شراء المزكي لزكاة الفطر، أو لكون إخراجها نقدا هو الأيسر جمعاً وحفظاً ونقلاً وتوزيعاً لجهات الجمع كالجمعيات ونحوها (4)، فقد اختلف فيه الفقهاء على قولين:


القول الأول: عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، وهو مذهب الجمهور من المالكية (5) والشافعية (6) والحنابلة(7)


القول الثّاني: جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر مطلقا وهو مذهب الحنفية(8)


الأدلة(9):


أدلة القول الأول:


1.    قول ابن عمر رضي الله عنه: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر وصاعا من شعير..)(10)


وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الصدقة من تلك الأنواع، فمن عدل إلى القيمة فقد ترك المفروض(11)


ونوقش: بأن ذكر هذه الأنواع ليس للحصر، وإنما هو للتيسير ورفع الحرج، فإخراج تلك الأنواع المنصوصة أيسر من إخراج غيرها من الأموال فقد عين النبي صلى الله عليه وسلم الطعام في زكاة الفطر لندرته بالأسواق في تلك الأزمان، وشدة احتياج الفقراء إليه لا إلى المال، فإن غالب المتصدقين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يتصدقون إلا بالطعام(12)


ويجاب: بأننا إن سلمنا بأن ذكر تلك الأصناف ليس للحصر، فهي مقدمة على غيرها ما لم تظهر مصلحة إخراج القيمة، ولا يسلم القول بتسويتها بغيرها وأن ذكرها لكونها هي المتيسرة، لاسيما وأن قيمة زكاة الفطر يسيرة لا تشق على أكثر الناس، فلما لم تذكر القيمة مطلقا دل على تقديم إخراجها طعاما.


2.    عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، وكان طعامنا التمر والشعير والزبيب والأقط(13)


وجه الدلالة: أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يخرجونها من غير الطعام، وتتابعهم على ذلك دليل على أن المشروع إخراجها طعاماً(14)


3.    أن ابن عباس رضي الله عنه قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث و طعمة للمساكين(15)


وجه الدلالة: أن الطعمة تكون بما يطعم، ولا تكون بالدراهم التي تقضى بها الحاجات، مما يدل على أن إخراج زكاة الفطر طعاما مقصود للشارع(16)


4.    أن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين، فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين كما لو أخرجها في غير وقتها المعين(17)


5.    أن الزَّكَاة وجبت لدفع حاجة الفقير وشكرا لنعمة المال والحاجات متنوعة فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به(18)


6.    ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص، فلم يجزئه، كما لو أخرج الرديء مكان الجيد(19)


ونوقش: بأنه إنما عدل عنه لكون ذلك هو الأصلح للفقير و الأدفع لحاجته، مع عدم وجود الدليل المانع من ذلك(20)


7.    أن إخراج زكاة الفطر من الشعائر، فاستبدال المنصوص بالقيمة يؤدي إلى إخفائها وعدم ظهورها(21)


8.    أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها من أصناف متعددة مختلفة القيمة، فدل على إرادة الأعيان، ولو كانت القيمة معتبرة لفرضها من جنس واحد، أو ما يعادله قيمة من الأجناس الأخرى(22)


ونوقش: أ-بأن ذلك من قياس الحاضر على الغائب المجهول، فإنهم قاسوا عصرهم على عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وظنوا أن هذه الأشياء لما كانت مختلفة القيم في عصرهم، كانت كذلك في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر يحتاج إلى نقل صريح في إثباته، وإلا فالأزمنة تختلف في الأسعار، ومساواة الأشياء وتفاضلها.


ب-أن هذه دعوى غير مسلمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين هذه الأشياء ولم يسو بينها(23)


أدلة القول الثّاني(24):


1-              أن الواجب في الحقيقة إغناء الفقير لقوله صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم) والإغناء يحصل بالقيمة؛ لأنها أقرب إلى دفع الحاجة(25)


ويناقش: بأن الحديث ضعيف، وأن الإغناء كما يكون بالمال يكون بالطعام أيضاً.


2-              أن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) (26)، والمال في الأصل ما يملك من الذهب أو الفضة، وبيان الرسول للمنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا لحصر الواجب(27)


ويناقش: بعدم التسليم بهذا الأصل، فالمال يطلق على كل ما يتمول، ومن ذلك بهيمة الأنعام والحبوب، والأنواع المنصوصة في زكاة الفطر، فالأصل في زكاة كل نوع ما ورد فيه.


3- إذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزَّكَاة المفروضة في الأعيان، فجوازها في الزَّكَاة المفروضة على الرّقاب زكاة الفطر أولى؛ لأن الشرع أوجب الزَّكَاة في عين الحب، والتمر والماشية، والنقدين، كما في حديث معاذ الذي قاله له النبي صلى الله عليه وسلم فيه لما بعثه إلى اليمن: (خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر) (28)ولماكان الحال كذلك اقتضت حكمة الشرع البالغة أمر الناس في عهد النبوة بإخراج الطعام ليتمكن جميعهم من أداء ما فرض عليهم، ولا يحصل لهم فيه عسر، ولا مشقة؛ وذلك لأن النقود كانت نادرة الوجود في تلك الأزمان ببلاد العرب ولاسيما البوادي منها، وخصوصاً الفقراء، فلو أمر بإعطاء النقود في الزَّكَاة المفروضة على الرؤوس لتعذر إخراجها على الفقراء بالكلية، ولتعسر على كثير من الأغنياء الذين كان غناهم بالمواشي والرقيق، والطعام، أما الطعام فإنه متيسر للجميع، ولا يخلو منه منزل إلا من بلغ به الفقر منتهاه، فكان من أعظم المصالح، وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه إلى الطعام المتيسر وجوده، وإخراجه لكل الناس.


ويناقش: بعدم التسليم بإطلاق هذا التعليل، إذ التشريع لكل زمان ومكان، كما أن قيمة زكاة الفطر يسيرة، والدراهم والدنانير كانت شائعة في زمنهم، ولا تشق على كثير منهم، مع كون الزَّكَاة فيها معنى التعبد الذي يتحقق يقيناً بإخراج الطعام في زكاة الفطر.


4- أن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها، مع تساويها في كفاية الحاجة، وسد الخلة فأوجب من التمر والشعير صاعاً، ومن البر نصف صاع (29)؛ وذلك لكونه أعلى ثمناً لقلته بالمدينة في عصره، فدل على أنه اعتبر القيمة، ولم يعتبر الأعيان إذ لو اعتبرها لسوى بينها في المقدار (30).


ويناقش: بأنه على التسليم بصحة الأحاديث فاعتبار القيمة هنا لا يلغي اعتبار النوع، فهما جميعاً معتبران.


5- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء يوم عيد الفطر: (تصدقن ولو من حليكن) (31).


وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن صدقة الفرض من غيرها"(32).


ويناقش: بأنه لوكان المقصود زكاة الفطر لما أمرهن بها في الخطبة بعد الصلاة، وقد أمر المسلمين أن يؤدوها قبل الصلاة( ).


6- أن الله تعالى يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) (33).


وجه الدلالة: أن المال هو المحبوب، فإن كثيراً من الناس يهون عليه إطعام الطعام، ويصعب عليه دفع ثمن ذلك للفقراء، بخلاف الحال في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان إخراج الطعام في حقهم أفضل لأنه أحب، وإخراج المال في عصرنا أفضل؛ لأنه إلينا أحب.(34)


ويناقش: بأن هذا التفريق بين العصرين في ذلك لا دليل عليه، ثم إنه لو سلم فيحمل على صدقة التطوع، أما الفرض فيتبع فيه المشروع، ويكون هو الأفضل.


7- أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم)(35) وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قيد الإغناء بيوم العيد ليعم السرور جميع المؤمنين، ويستوي فيه الغني والفقير، وهذا المعنى لا يحصل اليوم بإخراج الحب الذي ليس هو طعام الفقراء والناس كافة، ولا في إمكانهم الانتفاع به ذلك اليوم حتى لو أرادوا اقتياته على خلاف العادة.(36)


ويناقش: بما تقدم من تضعيف الحديث.


8- أن مراعاة المصالح من أعظم أصول الشريعة، وحيثما دارت تدور معها، فالشريعة كلها مبنية على المصالح ودرء المفاسد. (37)


ويناقش: أن ذلك مسلم فيما إذا كانت المصلحة الظاهرة في إخراج القيمة، أما إذا كان ثم مصلحة معتبرة في إخراج الطعام فهو مقدم لكونه ورد النص به.


الترجيح: يترجح القول بمنع إخراج القيمة في زكاة الفطر، فإن عدم انتفاع الفقير بها لاستغنائه عن الطعام فإن القول بجواز إخراج القيمة عندئذ متجه، وفي مثل ذلك يقول شيخ الإسلام في إخراج القيمة في زكاة المال: "وأما إخراج القيمة في الزَّكَاة والكفارة ونحو ذلك-إلى قوله- والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين أو عشرين درهما، ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقا فقد يعدل المالك إلى أنواع ردئية، وقد يقع في التقويم ضرر؛ لأن الزَّكَاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل، فلا بأس به مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزيه ولا يلكف أن يشتري ثمرا أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك، ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كاف ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة، ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء كما نقل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يقول لأهل اليمن: (ائتوني بخميص أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار)(38)؛ وهذا قد قيل إنه قاله في الزَّكَاة، وقيل في الجزية"(39).


 


 


* عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء


( 1) ينظر: الإجماع لابن المنذر(56).


( 2) متفق عليه: رواه البخاري كتاب أبواب صدقة الفطر باب فرض صدقة الفطر برقم: (1432)، ورواه مسلم كتاب الزَّكَاة باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير برقم: (984).


(3 ) متفق عليه: رواه البخاري كتاب أبواب صدقة الفطر باب صدقة الفطر صاع من طعام برقم: (1435)، ورواه مسلم كتاب الزَّكَاة باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير برقم: (985).


(4 ) وهذا وجه كون المسألة من النّوازل.


(5) ينظر: المدونة1/392، الإشراف على نكت مسائل الخلاف1/417،


( 6) ينظر: المجموع6/112، مغني المحتاج2/119.


(7 ) ينظر: المغني 4/295، كشاف القناع 2/81.


(8 )ينظر: المبسوط3/107، فتح القدير2/192، ولا يصح نسبة ذلك للحنابلة، لأن رواية جواز إخراج القيمة إنما هي في غير زكاة الفطر كما نص عليه ابن قدامة في المغني 2 / 195، وقد حكى ابن قدامة القول به عن


عمر بن عبدالعزيز.


( 9) ينبغي الإشارة هنا إلى أن الفقهاء المتقدمين لم يفصلوا أدلة مسألة إخراج القيمة في زكاة الفطر، وإنما أوجزوا فيها؛ اكتفاء بما ورد من أدلة تعم حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر وغيرها مما نص فيه على المخرج خلا أموال التجارة، وقد فصل المعاصرون في مسألة إخراج القيمة في زكاة الفطر، وذلك هو وجه إيراد المسألة في النّوازل، مع تجدد الحاجة إليها؛ لذا فقد حاولت التركيز على الأدلة المختصة بالمسألة دون عموم الأدلة، دفعا للتشعب في المسألة، إلا ما كان أصلا في مسألة إخراج القيمة بعموم.


(10 ) تقدم تخريجه في ص(500).


( 11) ينظر: المغني4/295.


(12) ينظر: المبسوط 3/107.


( 13) رواه مسلم كتاب الزَّكَاة باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير برقم: (985). وما بعدها من الروايات.


( 14)مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين18/265.


( 15) رواه أبو داوود كتاب الزَّكَاة باب زكاة الفطر برقم: (1609) وابن ماجة كتاب الزَّكَاة باب صدقة= =الفطر برقم: (1827) ورواه الدارقطني في سننه في كتاب زكاة الفطر(2/138) وقال ليس فيهم مجروح، ورواه الحاكم في مستدركه كتاب الزَّكَاة برقم: (1488) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه قال الذهبي في تلخيصه: "على شرط البخاري"، إلا أن الزيلعي تعقب الحاكم في نصب الراية(كتاب الزَّكَاة باب صدقة الفطر، الحديث الرّابع، 2/300) فقال: "قال الشيخ: ولم يخرج البخاري ولا مسلم لأبي يزيد ولا لسيار شيئاً ولا يصح أن يكون على شرط البخاري إلا أن يكون أخرج لهما وكأنه أراد بكونه على شرط البخاري أنه من رواية عكرمة فإن البخاري احتج بروايته في مواضع من كتابه".


( 16)ينظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين18/278.


( 17)ينظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين18/285.


( 18)ينظر: المغني4/297


( 19) المرجع السابق.


( 20)ينظر: تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص (101).


(21)ينظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين18/278 .


( 22) المرجع السابق، وسيأتي من استدلالات القول الثّاني ما يكون جوابا لبعض أدلة القول الأول.


(23)ينظر: تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص(114).


(24)غالب هذه الأدلة قد انتظمها كتاب"تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال لأبي الفيض أحمد بن محمد الصديق الغماري فراجعه إن شئت المزيد.


(25) ينظر: بدائع الصنائع 2/73. والحديث رواه الدارقطني في كتاب زكاة الفطر برقم 67 جزء 2 ص152 بلفظ "أغنوهم في هذا اليوم"، وضعفه الزيلعي وغيره كما في نص الراية جزء 2 ص 522، ومدار الحديث على أبي معشر ، وضعفه ابن حجر في الفتح جزء 3ص375، كما ضعفه الألباني في إرواء الغليل برقم 844


(26) التوبة: 103.


( 27)تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص( 59).


( 28) رواه أبو داوود كتاب الزَّكَاة باب صدقة الزرع برقم: (1599) ورواه ابن ماجه كتاب الزَّكَاة باب ما تجب فيه الزَّكَاة من الأموال برقم: (1814) والحاكم في مستدركه (1/546) كتاب الزَّكَاة برقم: (1433) وقال: "هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل فإني لا أتقنه". قال ابن حجر في التلخيص كتاب الزَّكَاة باب زكاة المعشرات (844): " قلت: لم يصح لأنه ولد بعد موته أو في سنة موته أو بعد موته بسنة، وقال البزار: لا نعلم أن عطاء سمع من معاذ".


( 29) وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة، ساق الغماري في كتابه اثنا عشر حديثاً موصولاً منها، وأربعة مراسيل، وعشرة موقوفات، ومثلها من المقطوعات، ومن ذلك ما روى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً ينادي في فجاج مكة: (ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير: مدان من قمح، أو سواه صاع من طعام) قال الترمذي حسن غريب.وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة رمضان نصف صاع من بر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، على العبد والحر، والذكر والأنثى).ثم قال الغماري بعد سياق الأحاديث بطرقها الموصلة وغيرها: "فهذه الروايات تثبت صحة ورود نصف الصاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق القطع والتواتر إذ يستحيل-عادة- أن يتواطأ كل هؤلاء الرواة على الكذب أو اتفاق الخلفاء الراشدين ومن ذكر معهم من الصحابة والتابعين الذين لم يفش فيهم داء التقليد على القول بما لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا ثبت ذلك وبطل ادعاء البيهقي: ضعف أحاديث نصف الصاع من البر، ثبت المطلوب، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر القيمة في زكاة الفطر". تحقيق الآمال ص (83). قلت: ولا يسلم هذا الإطلاق الذي ذكره الغماري، حيث وافق البيهقي الزيلعي وغيره في تضعيف هذه الأحاديث.


( 30)المرجع السابق(63).


( 31) رواه البخاري كتاب الزَّكَاة، باب: الزَّكَاة على الزوج والأيتام في الحجر، برقم: (1397)، ورواه مسلم كتاب الزَّكَاة، باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، برقم: (1000).


(32)من استنباط البخاري في صحيحه في كتاب الزَّكَاة، باب العرض في الزَّكَاة.


(33) كما في صحيح البخاري كتاب أبواب صدقة الفطر باب فرض صدقة الفطر برقم: (1432) من حديث ابن عمر وفيه: (....وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة).


( 34)سورة آل عمران: 92


( 35) ينظر: تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص(97).


( 36) هذا الحديث ورد بلفظ: (أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم). وهو ضعيف، أما بلفظ: (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم)، فقد ذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء (7/55)، وضعفه لأجل أبي معشر، وأبو معشر هو: نجيح بن عبد الرحمن السندي، وقد ضعفه أيضاً ابن حجر في التقريب، برقم: (7100).


( 37)


( 38) ينظر: تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص(91).


( 40) ينظر: تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص(102)، وبعد عرض الأدلة والوجوه على جواز إخراج زكاة الفطر نقوداً توصل الشيخ أحمد بن محمد الصديق الغماري إلى تفصيل حالات المتلقين لزكاة الفطر، وبيان ما هو الأفضل لكل مجتمع قائلاً: "فمراعاة لهذه المقاصد نقول: إن الواجب على أهل البادية البعيدة من المدن إخراج الطعام المقتات عندهم لا التمر ولا المال؛ لأن حالهم مشابه لحال أهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم في كون طعامهم الحب، مع وجود الأرحاء في بيوتهم التي تمكنهم من الانتفاع به، بخلاف المال فإن الفقير لو أخذه في البادية لاضطر معه إلى السؤال حيث لا توجد أسواق، ولا دكاكين لبيع الطعام المهيأ المطبوخ، لا خبز، ولا غيره، كما كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك لو تغير الحال في المدن، وانقطعت هذه الآلات، وعادت المياه إلى مجاريها الأصلية فإن الحكم يكون كذلك، أما اليوم فالمال في الحواضر أنفع للفقراء، وإخراجه هو الأفضل والأولى". تحقيق الآمال ص(112).


( 41) ذكره البخاري تعليقاً في كتاب الزَّكَاة، باب العرض في الزَّكَاة، ورواه البيهقي في سننه كتاب الزَّكَاة باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات، برقم: (7165)، وطاووس لم يسمع من ابن عباس، قال ابن حجر في التلخيص(3/114)،" وهو منقطع، وقال الاسماعيلي، وهو مرسل لا حجة فيه".


(42) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/82، وقد جاء في اختيارات ابن تيمية لبرهان الدين ابن القيم(138): مانصه"وأنه يجوز إخراج القيمة في زكاة المال وزكاة الفطر إذا كان أنفع للمساكين(كلمة غير واضحة في المخطوط) يجوز إخراج القيمة مطلقا"، قال محقق الكتاب سامي جاد الله: وهذا مخالف لما هو معروف من كلام شيخ الإسلام في المسألة كما سيأتي، ثم ألحق الناسخ في الحاشية عبارة: "في زكاة المال وزكاة الفطر إذا كان أنفع للمساكين". ووضع عليه علامة "صح" التي تفيد أنه لحق، وهذا موافق لكلام شيخ الإسلام في زكاة المال، ولكن لا يعرف عنه مثل هذا القول في زكاة الفطر فليحرر. وهذه المسألة ذكرها ابن عبد الهادي في الاختيارات أيضا، فقال: "وذهب إلى أن إخراج القيمة في الزَّكَاة للحاجة أو المصلحة الراجحة" وذكرها البعلي فقال: "ويجوز إخراج القيمة في الزَّكَاة للعدول إلى الحاجة أو المصلحة" ثم ضرب لها بعض الأمثلة من زكاة المال. وانظر الفتاوى(25/79، 82).



وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

إخراج زكاة الفطر من النقود؟

إخراج زكاة الفطر من النقود


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 


لما كان يوم العيد يوم فرح وسرور وإظهار للنعمة في المأكل والمشرب واللباس وغير ذلك تظل فئة من الناس تعوزهم الحاجة عن مشاركة المسلمين في هذا اليوم العظيم، لذلك حرص الشرع المطهر على تعميم هذا المظهر بين أفراد المجتمع في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم"، فكانت تلك من الحكم البالغة في فرض زكاة الفطر، لذا عند التأمل في المعنى الذي يحصل به الإغناء نجد أن ذلك يتفاوت بين مجتمع وآخر، فإطعام قوم الأرز في بلد ما إغناء لهم عن السؤال في يوم العيد، وإطعام قوم اللحم إغناء لهم، وفي مجتمع آخر اكتفاء في الطعام وحاجة في اللباس، فكان من معنى الإغناء أن يعطوا ما يحصل به الإغناء لهم، ولما كان المحتاجون أدرى بحاجاتهم كان النقد هو الذي يحصل به هذا المعنى ولذا تنبه معاذ -رضي الله عنه- إلى مثل هذا المعنى في أخذ الزكاة من أهل اليمن حيث قال: ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة... "، كما تنبه له كثير من التابعين والأئمة المعتبرين، ومع هذا ظل كثير من الأئمة على ما ورد به النص، وظلت المسألة من موارد الاجتهاد فمن اطمأنت نفسه إلى أيهما فلا تثريب على الآخر، ونعرض هنا القول بجواز إخراجها من النقود بدلاً من الطعام عند تحقق المصلحة من ذلك.


 


جواز إخراج زكاة الفطر من النقود:


ذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه -رحمهم الله- تعالى إلى جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر بناء على جوازها في عموم الزكاة، وروي ذلك عن عمر ابن عبد العزيز والحسن البصري وعطاء وأبي إسحاق، واستدلوا على ذلك بما يلي:


(1)             عموم قوله -تعالى-: (خذ من أموالهم صدقة) فهذا تنصيص على أن المأخوذ مال، والقيمة مال، فأشبهت المنصوص عليه، وأما بيان النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما أجمله القرآن بمثل (في كل شاة شاة) فهو للتيسير على أرباب المواشي، لا لتقييد الواجب به، فإن أرباب المواشي تعز فيهم النقود، والأداء مما عندهم أيسر عليهم.


(2)             ما روى البيهقي بسنده، والبخاري معلقا عن طاووس قال: قال معاذ -رضي الله عنه- لأهل اليمن: ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة، وفي رواية: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير... )، وأهل اليمن كانوا مشهورين بصناعة الثياب ونسجها، فدفعها أيسر عليهم، على حين كان أهل المدينة في حاجة إليها، وقول معاذ الذي اشتهر فرواه طاووس فقيه اليمن وإمامها في عصر التابعين يدلنا على أنه لم يفهم (معاذ) من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (خذ الحب من الحب) أنه إلزام بأخذ العين، ولكن لأنه هو الذي يطالب به أرباب الأموال، والقيمة إنما تؤخذ باختيارهم، وإنما عين تلك الأجناس في الزكاة تسهيلاً على أرباب الأموال، لأن كل ذي مال إنما يسهل عليه الإخراج من نوع المال الذي عنده، كما جاء في بعض الآثار: أنه -عليه السلام- جعل الدية على أهل الحلل حللا".


(3)             ما روى أحمد والبيهقي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبصر ناقة مسنة في إبل الصدقة فغضب وقال: قاتل الله صاحب هذه الناقة (يعني الساعي الذي أخذها) فقال: يا رسول الله إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الصدقة، قال: فنعم إذن"، وهذا صالح للاحتجاج به من حيث السند والدلالة: فإن أخذ الناقة ببعيرين إنما يكون باعتبار القيمة.


(4)             أن المقصود من الزكاة إغناء الفقير وسد خلة المحتاج، وإقامة المصالح العامة للملة والأمة التي بها تعلو كلمة الله، وهذا يحصل بأداء القيمة كما يحصل بأداء الشاة وربما يكون تحقيق ذلك بأداء القيمة أظهر وأيسر، ومهما تتنوع الحاجات فالقيمة قادرة على دفعها.


(5)             أنه يجوز بالإجماع العدول عن العين إلى الجنس، بأن يخرج زكاة غنمه شاة من غير غنمه، وأن يخرج عشر أرضه حباً من غير زرعه فجاز العدول أيضاً من جنس إلى جنس.


(6)             روى سعيد بن منصور في سننه عن عطاء قال: كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم(1).


(7)             ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أغنوهم في هذا اليوم"، والإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام، وربما كانت القيمة أفضل، إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعها، والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات.


(8)             ويدل لذلك أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح، لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية: "إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من التمر".


(9)             ولأن هذا هو الأيسر بالنظر لعصرنا وخاصة في المناطق الصناعية التي لا يتعامل فيها إلا بالنقود، كما أنه في أكثر البلدان وفي غالب الأحيان هو الأنفع للفقراء.


وما استعرضناه من القول بجواز إخراج القيمة مقابل بقول كثير من العلماء وهو عدم إجزاء إخراج القيمة وقد توسط شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في المسألة حيث يقول: "الأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدر النبي -صلى الله عليه وسلم- الجبران بشاتين أو عشرين درهما، ولم يعدل إلى القيمة ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقاً، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمراً أو حنطة، إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه وقد نص أحمد على جواز ذلك. ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، ليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كاف، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة، فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أنها أنفع للفقراء، كما نقل عن معاذ بن جبل: أنه كان يقول لأهل اليمن: ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة، وهذا قد قيل إنه قاله في الزكاة، وقيل في الجزية اهـ(2).


والمدار في الأفضلية على مدى انتفاع الفقير بما يدفع له فإن كان انتفاعه بالطعام أكثر كان دفعه أفضل، وإن كان انتفاعه بالنقود أكثر كان دفعها أفضل.


والمتأمل يرى أن الحاجة والمصلحة في عصرنا تقتضي جواز أخذ القيمة ما لم يكن في ذلك ضرر بالفقراء أو أرباب المال، (3). والحمد لله رب العالمين.


 وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


(1)             رواه ابن أبي شيبة 3/ 181 باب ما قالوا في أخذ العروض في الصدقة، كتاب الزكاة وانظر فيما سبق المغني 4/296- بدائع الصنائع 2/117 فقه الزكاة للقرضاوي 2/745، 948


(2)             مجموع الفتاوى 25/82-83


(3)             فقه الزكاة القرضاوي 2/ 808-950

عدد ركعات صلاة التراويح ؟!

 

💥عدد ركعات صلاة التراويح
السؤال: شيخنا نحن مجموعة من طلبة العلم اختلفنا حول عدد ركعات صلاة التراويح ،نطلب من فضيلتكم بيان رأي العلماء في ذلك بشيء من التفصيل لحل النزاع؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فان تحديد عدد ركعات التراويح من المسائل الخلافية السائغة ، والتي لا ينبغي التنازع والانكار فيها، فلا انكار في مسائل الاجتهاد كما نصت القاعدة الفقهية، ولهذا اختلف العلماء في تحديد عدد ركعات التراويح على ثلاثة أقوال:
👈القول الأول: أن السّنة إحدى عشرة ركعة بالوتر والباقي مستحب. وهو قول جماعة من أهل العلم من السلف والخلف وهو قول عند الحنفية ، وقول الإمام مالك ، واختيار أبي بكر بن العربي من المالكية.
قال الكمال ابن همام –رحمه الله- في فتح القدير [1/468]: (إن الدليل يقتضي أن تكون السنة من العشرين ما فعله صلى الله عليه وسلم منها، ثم تركه خشية أن تكتب علينا ، والباقي مستحب، وقد ثبت أن ذلك كان إحدى عشرة ركعة بالوتر كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة، فإذن يكون المسنون على أصول مشايخنا ثمانية منها والمستحب اثنا عشر).
ونقل الامام السيوطي – رحمه الله- في المصابيح في صلاة التراويح عن الإمام مالك أنه قال [1/45]: (الذي جمع عليه الناس عمر بن الخطاب أحب إليّ، وهي إحدى عشرة ركعة، وهي صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل له: إحدى عشرة ركعة بالوتر؟ قال نعم، وثلاث عشرة قريب، قال: ولا أدري من أين أحدث هذا الركوع الكثير).
وقال الامام بدر الدين العيني الحنفي – رحمه الله- في عمدة القاري شرح صحيح البخاري [7/127]: (وقيل إحدى عشرة ركعة وهو اختيار مالك لنفسه، واختيار أبي بكر بن العربي).
واحتجوا بما يأتي: بحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت:(( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يزيد في رمضان ولا في غيره ،على إحدى عشرة ركعة؛ يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ،ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا)) متفق عليه .
وبحديث مالك عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد-رضي الله عنه- أنه قال : ( أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري؛ أن يقوما للناس إحدى عشرة ركعة ، قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر ) رواه مالك في الموطأ. وهذا إسناد صحيح جدا، فإن السائب بن يزيد صحابي صغير ، و محمد بن يوسف بن عبد الله بن يزيد ، وأمه ابنة السائب بن يزيد ،حدث عن السائب بن يزيد، وهو ثقة ثبت احتج به الشيخان.
وبحديث ابن أبي شيبة حدثني يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن يوسف أن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- أخبره:( إن عمر جمع الناس على أبيّ وتميم، فكانا يصليان إحدى عشرة ركعة) ، وإسناده صحيح، ويحيى بن سعيد القطان، الإمام الكبير، أمير المؤمنين في الحديث، أبو سعيد التميمي مولاهم البصري، الأحول، القطان، الحافظ، وثبت أن أحمد بن حنبل قال: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان وهو أثبت الناس.
وبحديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنه- قال : جاء أبي بن كعب -رضي الله عنه- إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :(( يا رسول الله إنه كان مني الليلة شيء - يعني في رمضان - قال : وما ذاك يا أبي ؟ قال : نسوة في داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك قال : فصليت بهن ثمان ركعات وأوترت . فكان شبه الرضا ولم يقل شيئا )) رواه ابن حبان في صحيحه .
وأيضا بحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال : صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر ، فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا ، فلم نزل فيه حتى أصبحنا ، ثم دخلنا ، فقلنا : يا رسول الله ، اجتمعنا في المسجد ورجونا أن تصلي ، فقال : ((إني خشيت - أو كرهت - أن تكتب عليكم )) ، صحيح ابن حبان، صحيح ابن خزيمة، مسند ابي يعلى، المعجم الصغير للطبراني.
👈القول الثاني: أنها عشرون ركعة ، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة ، وبه قال سفيان الثوري، وابن المبارك، واحتجوا بما ورد عن يزيد بن رومان أنه قال : ( ان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان؛ بثلاث وعشرين ركعة) رواه مالك في الموطا والبيهقي في سننه، لكن الحديث ضعيف منقطع، لان يزيد بن رومان لم يدرك عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- .
وبحديث السائب بن يزيد قال: (كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقرأون بالمئين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام). وإسناده صحيح كما قال النووي في المجموع . وفيه يزيد بن خصيفة وثقّه جماعة، وروى أبو داود أن أحمد قال: منكر الحديث.
قال الامام الترمذي [3/160]: (وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة ، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي، وقال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة ، وقال أحمد: روي في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء).
👈القول الثالث: التراويح ستة وثلاثون ركعة ، وهو مذهب المالكية، وتعلقوا بفعل أهل المدينة ، وإنما فعل هذا أهل المدينة لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة ، فإن أهل مكة يطوفون سبعا بين كل ترويحتين ، فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات.
قال الزرقاني في شرح الموطأ [1/420]: (وذكر ابن حبان أن التراويح كانت أولا إحدى عشرة ركعة، وكانوا يطيلون القراءة فثقل عليهم فخففوا القراءة وزادوا في عدد الركعات فكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءة متوسطة، ثم خففوا القراءة وجعلوا الركعات ستا وثلاثين غير الشفع والوتر، ومضى الأمر على ذلك).
👍المفتى به:
هو القول الأول ، بأن السُنة في عدد التراويح إحدى عشرة ركعة والباقي مستحب، لأنه الأقوى من حيث الدليل، وهو الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالسند الصحيح ، وبها أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، وأما الأقوال الباقية فلم يثبت واحد منها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح، ولا ثبت الأمر به عن أحد من الخلفاء الراشدين بسند صحيح خال عن الكلام ، لكن هذا لا يمنع العمل بما قال به أصحاب القول الثاني من أنها عشرون ركعة ،لأن عدد ركعات صلاة الليل والوتر منه، لم يثبت فيه تحديد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيل الوجوب ، والأمر في ذلك واسع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى [2/114]: ( له أن يصلي عشرين ركعة كما هو المشهور من مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصلي ستا وثلاثين كما هو مذهب مالك، وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشر ركعة وكل حسن، فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره ).
فلو أن المسلم قام الليل كله فلا حرج، ولو قام بعشرين ركعة أو أكثر فلا حرج، فالنبيّ-صلى الله عليه وسلم- لم يقيد صلاة الليل بعدد معين ،بل ثبت انه قال :(( صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة)) ، وثبت في الصحيحين قوله في صلاة الليل:((ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر فليقعد)) ،وإذ ثبت هذا فلا مبرر لما يفعله بعضهم تعصبا لرأيه ومضللا للباقين، الذين يأخذون بغير ما يراه ،فتحدث الفرقة والشقاق وهو منهي عنه.
👌وانصح الإخوة السائلين بترك النزاع والتمسك بوحدة الصف والكلمة وإشاعة روح المحبة والتسامح في قبول الرأي الأخر، وأن لا يضيعوا فرض المحبة ووحدة الصف بسنة التراويح، وليعلموا أن الخلاف في عدد ركعات التراويح ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد ولا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة، خصوصاً وأن السلف اختلفوا في ذلك.
ولكن العدد الأفضل ما كان النبي -صلى الله عليه وسلّم- يفعله، وهو إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، و يجب أن تكون هذه الركعات على الوجه المشروع، وينبغي أن يطيل فيها القراءة والركوع والسجود والقيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، خلاف ما يفعله بعض الناس اليوم، يصليها بسرعة تمنع المأمومين أن يفعلوا ما ينبغي أن يفعلوه من افعال واقوال الصلاة ، وما يفعله اليوم الكثير من أئمة المساجد في التراويح يصلون صلاة لا يعقلونها ، ولا يطمئنون في ركوعها ، ولا في سجودها، والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى واتعاظه بكلام الله تعالى إذا يتلى، وهذا لا يحصل في العجلة المكروهة. وصلاة إحدى عشرة ركعة مع طول القراءة والطمأنينة أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة، لأن لب الصلاة وروحها ؛هو إقبال القلب على الله عز وجل ورُبّ قليل خير من كثير، وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة، والسرعة المباحة هي التي لا يحصل فيها إسقاط شيء من الحروف، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة لم يجز ذلك وينهى عنه، وأما إذا قرأ قراءة بيّنة ينتفع بها المصلون خلفه فلا بأس.
👈الخلاصة: أن السُنة في عدد التراويح إحدى عشرة ركعة والباقي مستحب، لأنه الأقوى من حيث الدليل، وهو الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالسند الصحيح ، وبها أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، وأما الأقوال الباقية فلم يثبت واحد منها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح، ولا ثبت الأمر به عن أحد من الخلفاء الراشدين بسند صحيح خال عن الكلام ، لكن هذا لا يمنع العمل بما قال به أصحاب القول الثاني من أنها عشرون ركعة ،لأن عدد ركعات صلاة الليل والوتر منه، لم يثبت فيه تحديد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيل الوجوب ، والأمر في ذلك واسع. والله تعالى اعلم.
✍د.ضياء الدين عبدالله الصالحي