السبت، 6 يوليو 2019

معنى التوسل، وما هو التوسل المشروع المتفق عليه من الكتاب والسنة ؟

💥التوسل المشروع
شيخنا: ممكن توضح لنا معنى التوسل، وما هو التوسل المشروع المتفق عليه من الكتاب والسنة ؟ جزاكم الله خيرا
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعـد:
فان معنى التوسل شرعاً كما عرفه العلماء : هو التقرب إلى الله تعالى بطاعته وعبادته وإتباع أنبيائه ورسله وبكل عمل يحبه الله ويرضاه .
وقد أتفق العلماء على أن التوسل المشروع في الكتاب والسنة الشريفة الصحيحة، ثلاثة أنواع أمر الله عباده بها وحث عليها واختلفوا في غيرها وهي كالآتي:
الأول: التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا؛ كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير أن تعافيني، أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي، ومثله قول القائل: اللهم إني أسألك بحبك لمحمد (صلى الله عليه وسلم)، فإن الحب من صفاته تعالى.
ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل:  ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ] الأعراف الآية 180[. والمعنى: ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى.
ومن الأدلة قول النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في أحد أدعيته الثابتة عنه قبل السلام من صلاته: (( اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي.. )) صحيح رواه النسائي واحمد ، ومنها أنه -عليه الصلاة والسلام- سمع رجلاً يقول في تشهده: (اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم) ، فقال (صلى الله عليه وسلم) (( قد غفر له قد غفر له )) صحيح رواه ابو داود وأحمد.
الثاني: التوسل بالأعمال الصالحة التي قام به الداعي؛ أي توسل المؤمن إلى الله عز وجل بأعماله وطاعاته المقبولة عند الله تعالى وآية القبول : أن تكون خالصة لوجهه تعالى وأن تكون بما شرّع وأمر فإذا جمعت الأعمال هذين الشرطين فهي مقبولة عند الله تعالى بإذنه، ومثاله كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، وإتباعي لرسولك اغفر لي.. أو يقول: اللهم إني أسألك بحبي لمحمد (صلى الله عليه وسلم) وإيماني به أن تفرج عني.
ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ، فيه خوفه من الله سبحانه، وتقواه إياه، وإيثاره رضاه على كل شيء، وطاعته له جل شأنه، ثم يتوسل به إلى ربه في دعائه، ليكون أرجى لقبوله وإجابته، وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله تعالى وارتضاه، ويدل على مشروعيته قوله تعالى: الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار [آل عمران الآية16[، وقوله: ربنا آمنا بما أنزلت وتبعت الرسول فاكتبا مع الشاهدين ] آل عمران الآية53[ ، وقوله: إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ] أل عمران الآية 193[، وقوله: إنه كان فريق من عبادي يقولون: ربنا آمنا فاغفر لنا، وارحمنا، وأنت خير الراحمين ] المؤمنون الآية109[ ، وأمثال هذه الآيات الكريمات المباركات.
وكذلك يدل على مشروعية هذا النوع من التوسل ما تضمنته قصة أصحاب الغار الثلاثة الذي انسد عليهم باب الغار فتوسل كل واحد منهم بما عمل من الصالحات ، فاستُجيب لهم وانفرجت الصخرة وخرجوا ،كما يرويها عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ(صلى الله عليه وسلم) في الحديث المتفق عليه.
الثالث: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح؛ كأن يقع المسلم في ضيق شديد، أو تحل به مصيبة كبيرة، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى، أوالفضل والعلم بالكتاب والسنة، فيطلب منه أن يدعوا له ربه ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه همه، فهذا نوع آخر من التوسل المشروع، دلت عليه الشريعة المطهرة، وأرشدت إليه، وقد وردت أمثلة منه في الكتاب العزيز والسنة الشريفة كما وقعت نماذج منه من فعل الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم.
فمن ذلك قوله تعالى  قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ، قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يوسف 97،98] وهذه آية كريمة توضح أن توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن له جائز وشرعي وهؤلاء أبناء يعقوب (عليه السلام) الذين عصوا الله تعالى في معاملة أخيهم يوسف (عليه السلام) ثم كذبهم على أبيهم بادعائهم أن الذئب أكل أخاهم وليس الأمر كذلك وبعد انكشاف الأمر شعروا بالذنب فهرعوا إلى أبيهم يسألونه أن يستغفر الله لهم وهو النبي الكريم المستجاب الدعوة وقدموا دعاءه الله لهم بالمغفرة وسيلة مقبولة عند الله تعالى.
وأما من السنة فاحاديث توسل الصحابة بدعاء النبي (صلى الله عليه وسلم) بالاستسقاء كثيرة ومنها في الصحيحين فلتراجع .
ومن ذلك أيضاً ما رواه أنس بن مالك (رضي الله عنه) في صحيح البخاري أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا (صلى الله عليه وسلم) فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيُسقَون) .
قال العلماء: ومعنى قول سيدنا عمر(رضي الله عنه): إنا كنا نتوسل إليك بنبينا (صلى الله عليه وسلم) وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، أننا كنا نقصد نبينا (صلى الله عليه وسلم) ونطلب منه أن يدعو لنا، ونتقرب إلى الله بدعائه، والآن وقد انتقل (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى، ولم يعد من الممكن أن يدعو لنا، فإننا نتوجه إلى عم نبينا العباس، ونطلب منه أن يدعوَ لنا.
وليس معناه أنهم كانوا يقولون في دعائهم: (اللهم بجاه نبيك اسقنا)، ثم أصبحوا يقولون بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) : (اللهم بجاه العباس اسقنا)، لأن مثل هذا دعاء مبتدع ليس له أصل في الكتاب ولا في السّنة، ولم يفعله أحد من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، ولا يجوز لسيدنا عمر بن الخطاب العدول عن جاه الرسول الى جاه العباس إلا اذا قصد سيدنا عمر التوسل بدعاء الصالحين الاحياء، ولهذا توجه الى العباس بطلب الدعاء منه لمنزلته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، أي توسل بدعائه. 
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في فتح الباري [2/497]: (قد بين الزبير بن بكار في "الأنساب" صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: (اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث)، قال: فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس).
قال الامام الصنعاني –رحمه الله تعالى- في سبل السلام [1/453]: (وفيه فضيلة العباس، وتواضع عمر ومعرفته لحق أهل البيت رضي الله عنهم).
وروى ابن عساكر أيضاً بسند صحيح أن الضحاك بن قيس خرج يستسقي بالناس، فقال ليزيد بن الأسود أيضاً: قم يا بكاء! زاد في رواية: (فما دعا إلا ثلاثاً حتى أمطروا مطراً كادوا يغرقون منه).
وأما ما عدا هذه الأنواع من التوسلات المشروعة الثلاث ، فلم يصح فيها حديث صحيح صريح ، تقوم به الحجة ، اللهم إلا شبهاً واحتمالات تم الرد عليها من العلماء جزاهم الله خيرا ولا مجال لذكرها في هذه الفتوى المختصرة.
👈 الخلاصة:
فالتوسل الحقيقي المشروع:
هو الذي يكون عن طريق طاعة الله تعالى وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وذلك بفعل الطاعات واجتناب المحرمات، أو بهذه الانواع الثلاثة الشرعية التي ذكرنا واتفق عليها العلماء، فهذا هو الطريق الموصل إلى رحمة الله ومرضاته، واستجابة الدعاء، وأما التوسل إلى الله بذوات المخلوقين، والاقسام على الله بهم ، فلم يرد به دليلا صحيحا صريحا تقوم به الحجة . والله تعالى أعلم
د. ضياء الدين الصالح

الجهر بالفاحشة شجاعة أم استهتار!

الجهر بالفاحشة
شجاعة أم استهتار
 أوهم الشيطان بعض الناس خاصَّة من فئة الشباب أنَّ مقارفة الذنب الكبير سواء أكان زنا أو لواط أو تناول حشيش أو سكر أو الارتياد لأماكن الانحراف دليل شجاعة واعتداد بالنفس، والحق أنَّ الشجاعة الحقيقيَّة بعيدة عن أولئك المجاهرين؛ لأنَّ الشجاعة من مكارم الأخلاق، فيقال لمقاتل أعدائه أو أعداء وطنه أو أمَّته شجاع، لكن هذه الأفعال نفسها لو مارسها الإنسان ضد بلده أو أمَّته أو مواطنيه فإنَّه لا يستحق ذلك اللقب الجميل، بل يمكن أن يقال عنه شيء آخر يندرج تحت مفهوم الانحراف، فقد نسميه تهور أو اندفاع أو عجز عن السيطرة على النفس، ولكن لا نطلق عليه شجاعة، بعض الشباب قد يقول: إنَّني أحترم نفسي ولا أخاف الناس، وأمارس ما تهوى نفسي علانية، لا يهمني ما يقوله الناس عني، ولا تهمني مواقفهم مني. والاعتزاز بالإثم صفة من صفات المنافقين لا من صفات الشجعان المؤمنين، وتحدي الإنسان لمجتمعه أو لوالديه أو للقانون وللنظام العام لا يحمل من معالم الشجاعة شيء، بل هو تهور واندفاع، قد لا يدفع المتهور ثمنه على الفور لكنَّه سيدفعه عاجلًا أو آجلًا، فمن تجاوز السرعة المحددة قد يرى نفسه شجاعًا، فالسائق الذي يتجاوز السرعة المحددة قد يرى أنَّه قد أثبت شجاعته بتحدي شرطة المرور والإفلات من العقوبة، لكنَّه قد يدفع بعد ذلك حياته، وقد يصاب بعاهة دائمة ثمن لذلك التهور والاندفاع والرعونة التي سماها بتحد وشجاعة كما لقنه شيطانه؛ ولذلك فإنَّ من يجاهر بالفاحشة أيًا كان نوعها أو بتناول المسكرات والمخدرات لأنَّ شيطانه أوهمه بأنَّ تلك المجاهرة شجاعة فإنَّه من الخاطئين.
فعلينا ألا نسمح باختلاط المفاهيم وتغييرها، واستبدال المفاهيم المتعلقة بمكارم الأخلاق بمفاهيم الانحراف، فذلك أمر في غاية الخطورة على ثقافة الأمَّة والمجتمع وعلى عقليَّة البيئة ونفسيَّتها.

هل يجوز للحائض ، وللنفساء .. قراءة القرآن الكريم ،؟

السؤال : هل يجوز للحائض ، وللنفساء .. قراءة القرآن الكريم ،؟
الجواب : : الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد، فلم يثبت دليل صحيح صريح في منع قراءة القرآن الكريم لكل الحائض – ومثلها النفساء لأنَّ مُدَّتها أطول من مُدَّة الحائض. -
وهاك الأدلة على الجواز :
الأدلة : من القرآن الكريم
عموم الأمر بقراءة القرآن, كقوله تعالى –"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ" الكهف : 27 " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ" العنكبوت : 45 " إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ " النمل: (91+92) " عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ "المزمل: 20
لهذه النصوص العامة الآمرة بتلاوة القرآن الكريم ، يحل لكل من الحائض والنفساء تلاوة وردهما من القرآن الكريم ، وكل ما تيسر لهما منه ، ولا سيما أصحاب الهمم العالية من نسائنا وبناتنا ، والحفظة اللائي يخشين النسيان ، والحاجة ماسة لتعاهد القرآن الكريم ممن لهن وردٌ يومي لا يفتر لسانهن عن ذكر الله ، يرطبون ألسنتهم بهذا الذكر الخالد ، تعمر به قلوبهن ، وكذا المعلمات والطالبات فى دور ومعاهد العلم ، خلال تدريس مقررات التربية الإسلامية ، وما يكون منها مخصص للتلاوة ، وآخر للدراسة والتفسير والأبحاث الإثرائية التي تتضمن نصوصا قرآنية كثيرة ، لا حرج عليهن من تلاوتها حتى لا يفوتهن أجر التلاوة ، وأمانا من تعرض حفظهن لنسيان شيء من القرآن ، وعلى كل حال فالتلاوة والمراجعة والتدبر سواء أكان ذلك عن ظهر قلب أو نظر فى المصحف عند الحاجة هذا خير للمرأة في دينها ودنياها. ومقام التعليم والتعلم قرينة يقتضي اليسر في الفتوى.
للشواهد والأدلة التي نوردها في هذا المبحث إجابة لهذا السؤال إضافة إلي الآيات السابقة

Image result for ‫هل يجوز للحائض ، وللنفساء .. قراءة القرآن الكريم ،؟‬‎

ثانيا : من الحديث النبوي الشريف
1-فى الصحيحين لما حاضت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهم في مكة فى حجة الوداع قال لها – صلوات الله وسلامه عليه : "افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي" صحيح البخاري (1/ 68) 6 - كِتَابُ الحَيْض بَابٌ: تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ. في هذا الحديث : دلالة ظاهرة على جواز قراءة الحائض للقرآن لأن من شأن الحاج قراءة القرآن والنُّفساء من باب أَوْلى أنْ يُرخَّص لها، لأنَّ مُدَّتها أطول من مُدَّة الحائض.
2-فى الصحيحين قَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» صحيح البخاري 6 - كِتَابُ الحَيْض بَابٌ: تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ هذا الحديث وإن ذكره البخاري - تعليقاً – فقد أخرجه مسلم في الحيض باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها، وذكر الترمذي في ((علله)) أنَّهُ سأل البخاري عَنهُ، فقالَ: هوَ حديث صحيح. أفاده الحافظ ابن رجب في فتح الباري لابن رجب (2/ 45)
ومعنى : عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» يعني في جميع أزمانه من غير فرق بين حين الجنابة وغيره ، وهذا دليلٌ أنه لا يُمنع من على غير طهارةٍ من ذكر الله والذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره. وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف ، ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن الذكر يشمل فيما يشمل القرآن الكريم فمن أسمائه الكثيرة : الذكر " إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ " يوسف :(104) ص : 87" ، التكوير : 27، القلم : 52 ولكن : وما هو ..."وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ" الأنبياء : (50) حتى الكفار يقرون بأنه ذكر " وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ "الحجر:(6) " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" الحجر (9) " وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ" القلم: (51) """فهذا الحديث دليل إجازة للحائض والجنب تلاوة القرآن، فالذِّكْرُ قَدْ يَكُونُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ فَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ ذِكْرِ اللهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ أَحَدًا إِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ وهو قول حماد بن أبى سفيان، والحكم بن عتيبة، وأهل الظاهر ، روى ابن القاسم وغيره قولا عن مالك فى إباحة الحائض أن تقرأ ما شاءت من القرآن
3-ومن الأدلة : فى صحيح البخاري " لَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأساً". وكان يقرأ ورده وهو جنب، فقيل له فى ذلك، فقال: ما فى جوفى أكثر منه ،" عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَيَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: دَخَلْتَ عَلَيَّ وَقَدْ قَرَأْتُ سُبُعَ الْقُرْآنِ وَأَنَا جُنُبٌ "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (2/ 98)
، وهذا من أدلة الإجازة للجنب – وكذا الحائض والنفساء - بقراءة القرآن ، لاشتراكهما في غلظ الحدث وإيجاب الغسل إلا أن حدثَ الحيض يمنع ما يمنع منه حدث الجنابة وزيادة، وهي الوطء والصوم ، والحائض والنفساء أولى من الجنب بجواز القراءة خلال فترة الحيض والنفاس لطول أمرهما المستلزم لنسيان القرآن، فمدة الحيض عند بعض النسوة قد تمتد لأكثر من عشرة أيام. ناهيك عن مدة النفاس التي قد تربو على الأربعين ، وإن دفع البعض بأن خشية النسيان تندفع بتذكر القرآن بالقلب، وهو غير ممنوع به. إلا أن الأمر لا يسلم ، وقد لا يتيسر أن يكون أحد بجانبهما يفتح عليهما إذا ارتج عليهما ، أو غاب عنهما لفظ أو اختلط وتشابه عليهما نصان.
ثالثا : أقوال الصحابة
ومن الصحابة ممن أجاز قراءة الحائض والجنب للقرآن الكريم ، أعلم الأمة بالحلال والحرام (معاذ بن جبل ) عن عبد الرحمن بن غنم أنه سأل معاذ بن جبل أيقرأ الجنب القرآن؟ قال: نعم، إن شاء، قلت: والحائض والنفساء؟ قال: نعم، لا يدعن أحد ذكر الله، وتلاوة كتابه على حال، قلت: فإن الناس يكرهونه، قال: من كرهه فإنما كرهه تنزهًا، ومن نهى عنه فإنما يقول بغير علم، ما نهى رسول الله عن شىء من ذلك. شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 423)
رابعا : من التابعين
ومن التابعين الذين أجازوا تلاوة الجنب للقرآن ( سعيد بن المسيب) عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: أَيَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: «أَوَلَيْسَ الْقُرْآنُ فِي جَوْفِهِ؟» فضائل القرآن للقاسم بن سلام (ص: 195) الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (2/ 98).
خامسا : ضعف الأحاديث الواردة في منع الحائض والنفساء من التلاوة وعدم ثبوت شيئ منها بعد الدراسة لأسانيدها.
السؤال : هناك أحاديث تمنع من تلاوة الحائض للقرآن الكريم، فما حكمها ؟
الجواب : لا يصح منها شيئ بعد الدراسة لأسانيدها وطرقها ، فضلا عن تعارضها مع نصوص نبوية كثير صحيحة يستفاد منها الإباحة ، ومن هذه الأحاديث :
1-حديث («لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ») قال الحافظ فى " الفتح " 1 / 409: ضعيف من جميع طرقه (كتاب الحيض- باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف)
وقال الألباني في ضعيف الترمذي (18): منكر.. والخلاصة هذا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ.
2-وحديث كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه " لَا يحجزه - عَن الْقُرْآن شَيْء إِلَّا الْجَنَابَة» ولفظ " لا يقرأ القرآن الجنب ولا الحائض "
تحقيق الألباني: ضعيف، ابن ماجة (594) ، // ضعيف سنن ابن ماجة (129) ، ضعيف أبي داود (39/229) نحوه، المشكاة (460) ، الإرواء (192 و 485) ، ضعيف سنن النسائي برقم (9/265) لهذا يقول المحققون من العلماء : لا يوجد نصوص صحيحة صريحة تمنع الحائض من التلاوة ،
سادسا : فحول علماء الأمة والمحققون منهم يقولون بتلاوة الحائض والنفساء لوردها القرآني وعدم انقطاعها عن القرآن .
سادسا : من أقوال العلماء الذي ذهبوا إلى جواز تلاوة كل من الحائض والنفساء للقرآن الكريم .
السؤال : مّنْ مِنّ العلماء يقول بجواز تلاوة الحائض لوردها القرآني ؟
الجواب : الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد: هو مذهب مالك، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشوكاني ، ومن أقوال العلماء في ذلك
1- قال شيخ الإسلام ابن تيميةَ – رحمه الله - مَعْلُومٌ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحِضْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ يَنْهَاهُنَّ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. كَمَا لَمْ يَكُنْ يَنْهَاهُنَّ عَنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بَلْ أَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ فَيُكَبِّرُونَ بِتَكْبِيرِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَرَ الْحَائِضَ أَنْ تَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ: تُلَبِّي وَهِيَ حَائِضٌ وَكَذَلِكَ بمزدلفة وَمِنًى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَاعِرِ." مجموع الفتاوى (21/ 460)
2-قال ابن القيم – رحمه الله فى إعلام الموقعين : إن الشَّارِعَ قَسَّمَ الْعِبَادَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَائِضِ إلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٍ يُمْكِنُهَا التَّعَوُّض عَنْهُ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ فَلَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهَا فِي الْحَيْضِ، بَلْ أَسْقَطَهُ إمَّا مُطْلَقًا كَالصَّلَاةِ وَإِمَّا إلَى بَدَلِهِ زَمَنَ الطُّهْرِ كَالصَّوْمِ. وَقِسْمٍ لَا يُمْكِنُ التَّعَوُّضُ عَنْهُ وَلَا تَأْخِيرُهُ إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ فَشَرَعُهُ لَهَا مَعَ الْحَيْضِ أَيْضًا كَالْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَتَوَابِعُهُ، وَمِنْ هَذَا جَوَازُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَهَا وَهِيَ حَائِضٌ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهَا التَّعَوُّضُ عَنْهَا زَمَنَ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ قَدْ يَمْتَدُّ بِهَا غَالِبُهُ أَوْ أَكْثَرُهُ، فَلَوْ مُنِعَتْ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَفَاتَتْ عَلَيْهَا مَصْلَحَتُهَا، وَرُبَّمَا نَسِيَتْ مَا حَفِظَتْهُ زَمَنَ طُهْرِهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْنَعْ الْحَائِضَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 25)
3-قال الطبرى: واعتلوا من طريق النظر بأن تلاوة القرآن قد ندب إليها الناس كما ندبوا إلى ذكر الله والتسبيح والتهليل، قالوا: وقد قامت الدلالة بأن ذكر الله مطلق للجنب والحائض، قالوا: وقراءة القرآن فى معنى ذلك فى أنها مطلقة لهما، إذ لا حجة تفرق بين ذلك. شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 423) هذا وبالله التوفيق نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه .هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل .والله أعلم".
https://www.facebook.com/iumsonline/posts/1008372009195863:0