الجمعة، 16 نوفمبر 2018

قارئ اليوم قائد الغد....

 
ينما كان رسولنا عليه الصلاة والسلام في الغار إذ بجبريل عليه السلام يدخل عليه ومعه " اقرأ " ما أجمل البداية " اقرأ " , إنها رسالة الله لعباده .
لم يأت جبريل بالصلاة ولا الصيام ولا الأخلاق ولا الأحكام في زيارته الأولى لسيد البشر، لقد جاء بـ " اقرأ " لأنها بداية العلم وبداية الدعوة وبداية الفقه وبداية الحياة .
إن عشق العلم ميزة جليلة، والرغبة في التعلم منهج جليل، وما أجمل ما قيل: العلم عبادة العمر .
لقد اتفق الناس أنه مهما كانت وسائل الإعلام في نمو وتطور إلا أن القراءة تبقى لها قيمتها وأثرها على النفس والمجتمع المثقف.
إن من أجمل العادات التي لابد أن نتربى ونُربي الآخرين عليها هي " القراءة ".
وجزماً فالبدايات شاقة في كل عملٍ جاد ولكن من جدَّ وجد وليس من سهر كمن رقد.
بين يديك أخي.. أختي.. قواعد وفوائد ولطائف حول القراءة, لعلها تساهم في أن تدخلك عالم الكتب والمكتبات .
قالوا في الكتاب :
الكتاب هو: الصديق الذي لايملك، يُضحكك مرة ويُبكيك مرة ، يُزودك بالعلوم ، يُطلعك على أخبار القوم ، يُطيعك بالليل كطاعته بالنهار ، المؤنس في الوحشة ، الصاحب في الغربة ، غذاء الشباب ، عزاء الشيخوخة ..
في السفر خير رفيق .
الكتاب أخٌ غير خوّان فتفَّرد به عن الإخوان .
فوائد القراءة :
- فيها غذاء القلب والروح ، وخاصةً من يدمن تلاوة القرآن ، أو القراءة في كتب الوعظ والرقائق, فسوف يشعر بلاريب بطمأنينة الروح وزكاة النفس .
- التفقه في الدين, فهي وسيلة مهمة لرفع الجهل عن نفسك في تعلم الأحكام الشرعية وما يدور في فلكها .
- تحقيق الدعوة على بصيرة, ولذا فالداعية القارئ يمتلك من المعلومات والأسس ما تنفعه بلا ريب في مساره الدعوي, ولذا قال البخاري " باب العلم قبل القول والعمل ".
- التعرف على أحوال الأمم الماضية, فالقراءة في تاريخ الأمم تفتح الآفاق وتسير بخيالك نحو الأقوام السابقة وكأنك تعيش حضارتها وأسباب تفوقها وخسارتها .
- الكشف عن مخططات الأعداء؛ لأن الأعداء لهم عدة مناهج وطرائق في النيل من الإسلام وأهله, ونحن حينما نقرأ نتعرف على بعض تلك الخطط ونعلم مفاتيحهم في الوصول إلينا لنحذر منها .
- معرفة أبواب الخير والشر, وهذا واضح لكل متأمل , فالقراءة تنير دروب السالكين وتعرفهم على منارات الهدى, وتخبرهم بمسالك الشرور لينتبهوا منها .
- الترويح عن النفس هدف مهم من أهداف القراءة؛ لأن النفس تمل كما يمل البدن, والمطالعة المتنوعة تروح عن النفس وتزيل الملل وتجلب السعادة وتجدد الحياة .
- الدفاع عن الدين والرد على المخالفين؛ لأن العلم سلاح عظيم نقاوم به الأعداء والقراءة من أعظم وسائل تحصيل العلم.
ولو نظرنا في تاريخنا ورأينا باب المناظرات والردود مع المخالفين لرأينا كيف كان دور العلم في كشف البدع ودحضها، وتأمل مثلاً سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية وردوده على الفلاسفة والرافضة وأرباب البدع لترى أثر العلم وقوة الحجة التي كانت لديه وكيف كان سلاحه العلمي مؤثراً على مخالفيه.
- الارتقاء بالنفس وتطويرها وتنمية مهاراتها, وهذا ظاهر؛ لأن القراءة في كتب تنمية الذات والمهارات وتطوير النفس تمنح المرء معلومات جديدة في كيفية الارتقاء بالنفس نحو النجاح والتفوق في ميادين الحياة .
- حفظ الوقت من الضياع؛ لأن القراءة تشغل وقتك عن توافه الأمور وتمنحك الفوائد والدرر التي تنفعك في دينك ودنياك .
عشاق القراءة :
إن التشاغل بالدفاتر والمحابر والكتابة والدراسة أصل التعبد والتزهد والرئاسة والسياسة
- الجاحظ كان يستأجر دكاكين الوراقين ليقرأ ما فيها .
- أنت القتيل بكل من أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
- عشاق العلم يصبرون على القراءة والاطلاع وكما قيل : لاينال العلم براحة الجسد ولولا ما عانى يوسف لما قيل له " يوسف أيها الصديق ".
تأمل في سير القوم وعلاقتهم بالكتاب قراءةً وتأليفاً :
- جلس البخاري يكتب الصحيح ١٦ سنة ومسلم كتب صحيحه في ١٥ سنة ، وابن حجر انتهى من فتح الباري في ٢٥ سنة فماذا صنعت يا مسكين؟!.
- يقوم البخاري في بعض الليالي من نومه عشرين مرة ليكتب فائدة سنحت له وهو بين أطباق النوم , فكم نام ياعشاق النوم ؟.
- قرأ ابن حجر في إحدى أسفاره نحو من ١٠٠ مجلد .
- كتب ابن القيم في أسفاره ستة مؤلفات ومنها الكتاب الشهير " زاد المعاد ".
- أحد المشايخ المعاصرين اعتكف في إجازته في مكتبته وطالع نحو من ٨٠ مجلد .
- الألباني رحمه الله كان يبقى على السلم نحو ساعتين وهو يبحث ويطالع ويقرأ .
هذه سير بعض القوم , وأنت في واد آخر .
من أراد اللحاق بهم فلينفض الغبار وليبدأ السير في الليل والنهار، هيا.. قم ونافس من سبقك , خذ كتابك , وابدأ حياتك .
لطائف :
- الجاحظ كان سبب وفاته سقوط مجلدات العلم عليه .
- السيوطي يقال له " ابن الكتب " لأن أمه ولدت به في المكتبة .
- الإمام مسلم مات لما كان يراجع حديثاً في ليلة سهر فيها مع التمر فأصبح ميتاً رحمه الله .
أسباب النفور من للقراءة :
- عدم معرفة قيمتها .
- ضعف التربية عليها؛ سواء في البيت أو في المدرسة .
- الانشغال بالجوال والإنترنت .
- ضعف الهمة وقلة الصبر .
- الانشغال بالملهيات كمتابعة الرياضة والمسلسلات، والانشغال بالتجارة والعقارات .
- عدم التركيز أثناء القراءة .
- ضعف الفهم للمقروء .
- علو أسلوب الكاتب وصعوبته على القارئ .
- غلاء أسعار الكتب .
كيف نتحمس للقراءة ؟.
- معرفة فضلها وأهميتها .
- مجالسة أصحاب القراءة , ونحن نجزم أن الصديق ساحبٌ للمعالي والهمم .
- دور الإعلام في تنمية محبة القراءة لعموم الناس, عبر تخصيص برامج في القنوات , ووضع المسابقات وعناية خطباء الجمع بموضوع القراءة .
- قراءة سير السلف والمعاصرين في حبهم للقراءة .
- زيارة معارض الكتاب لها دور في تقوية العلاقة بالكتاب وتجديد الصلة به .
- في البيت لا بد من تفعيل محبة الكتاب عبر وضع مكتبة صغيرة في مكان مناسب في البيت وشراء القصص المناسبة لأفراد الأسرة، ولا يصح تركهم أمام أجهزة التقنية بحجة الفكاك منهم .
- دور المدارس في تفعيل حب القراءة, وهذا ينطبق على المعلم ومهارته في تحقيق هذا الهدف في محبة الطلاب للقراءة, وللوزارة دور أيضاً في دعم المدارس بالمال والأفكار والبرامج في تنمية تلك المهارات وغيرها .
- دور حلقات التحفيظ في تربية الطلاب على القراءة من خلال عدة وسائل لتحقيق هذا الهدف, ومن هنا نرجو من مدرسي الحلقات العناية بجانب القراءة ووضع البرامج والمسابقات التي تجعل الطلاب يعشقون القراءة، مع مراعاة المراحل العمرية لهم ومناسبة البرامج لمستوياتهم الثقافية .
حتى تستمتع بالقراءة :
- استشر قبل أن تقتني الكتاب الذي تريد شراءه .
- تحديد ميزانية للكتب حتى لايؤثر شراءك للكتب على الميزانية المالية لديك .
- اختيار الكتاب المناسب لك وخاصة إذا كنت في البدايات , واحذر من القفز للكتب الكبيرة قبل إتقان ما قبلها .
- اختيار المكان المناسب مؤثر على محبتك للقراءة, ويدخل في ذلك وضوح الضوء، وجمال التكييف ، وحسن الرائحة .
- اختيار الوقت المناسب لك أنت؛ لأن بعض الناس قد يصلح لهم وقت دون وقت , وأنت أعلم بنفسك من غيرك .
- التنافس مع الآخرين في القراءة يزيد من حماسك للقراءة .
- اكتب مايعجبك وهذبه ورتبه ثم ارفعه للمواقع عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لينتفع الناس بما كتبت.
- استخدم أسلوب التلخيص لبعض الكتب .
- اقرأ ما تحب ويخدم ميولك وتخصصك .
- تنويع المقروء يجعلك تحب القراءة ولاتمل منها، فاقرأ في كتب السلف وطالع بعض الكتب المعاصرة والمترجمة أيضاً مما يفيدك.
- معرفة منهج المؤلف ومصطلحاته تعينك كثيراً على محبة القراءة وسهولتها عليك .
- اقرأ المقدمة والفهارس والخاتمة لتعرف أسرار الكتاب والكاتب .
- ناقش الكاتب بتعليق جميل, وذلك بأن تضيف عليه فوائد أو تنتقد مافيه بأدب وعلم وتُعلق على ما ترى أنه يحتاج إلى تعليق ليكون كتابك مليء بالفوائد منك ومن صاحب الكتاب .
من أقوالهم في القراءة:
-الكتاب الذي لايتعب فيه صاحبه لاتجد في قراءته متعة .
- الذي يكتب يقرأ مرتين .
- لانزهة ألذ من النظر في عقول الرجال .
أخطاء تقع في القراءة :
- القراءة بدون وجود هدف وغياب التخطيط , وهذا ظاهر عند كثيرين , فهم يقرءون وليس لهم هدف أو مشروع من تلك القراءة, مما يجعل القراءة لامتعة فيها غالباً .
- التقليد في القراءة, وهذا يظهر عند بعض الناس حينما يقرءون الكتاب الذي يسمعون الثناء عليه بدون الاقتناع بما فيه, ولهؤلاء أقول : قد أنتفع بثناء صديق على كتاب , ولكن لا يعني هذا أن أكون مثله فيما يقرأ وفيما يدع, بل لتكن لك شخصيتك وتميزك في اختيار مايناسبك أنت ويخدم همومك وتخصصك .
- الإسراع وعدم الفهم, وهذا نشاهده على بعضهم حينما يكون هدفه الانتهاء من الكتاب بدون العناية بالفهم لمحتواه, ومثل هؤلاء لايستفيدون بل قد يكونوا ممن هدروا أوقاتهم .
- القراءة الناقدة فقط, وهذا نراه عند ذلك الشخص الذي يجري النقد في دمه ويتنفسه مع كل شهيق وزفير, ولا شك أن هذا نقص في التقوى وجهل بالنفس وحظوظها, ونحن نقول: اقرأ بقصد الاستفادة, واترك مجال النقد جانباً, فإن وجدت ما يستدعي النقد فاكتب بكل أدب وحكمة وعدل وإنصاف .
- التسليم لكل ما يقوله المؤلف, وهذا خطأ أيضاً لأن العصمة منتفية عن كل كاتب, والخطأ وارد والزلل من طبع البشر, فخذ حذرك من بعض ما يكتب وانتبه لما بين السطور, وخاصة عند بعض المؤلفين الذين لا تعرف مناهجهم .
- القراءة في الكتب المخالفة للشريعة والمبتدعة وأهل الفجور كالمجلات الهابطة والروايات الساقطة, وهذا من الجهل الكبير أن تسمح لعينك أن تجول بين حروف المخالفين وأصحاب الأهواء والشبهات, والقلب ضعيف والشبهات خطافة, فارحم قلبك وعقلك وكن ذا تقوى قبل أن تقرأ .
- الجهل بمراعاة وقت الأسرة والعمل والدراسة مما يجعل القراءة سبباً للتقصير في الحقوق الأخرى, والذكي من يجعل وقت القراءة في الأوقات التي لا تتعارض مع الواجبات الأسرية أو الوظيفية ونحوها .
أخطار تهدد الكتاب :
- إبقاء الكتاب مفتوحاً .
- تقليب الصفحات بقوة .
- وضع الكتب فوق بعض والصواب بجانب بعض .
- وضع الكتب بشكل مائل .
- وضع الكتب الكبيرة فوق الصغيرة .
- تعريض الكتب للأطعمة والمشروبات .
- وضع الكتاب على الأرض .
- وضع الكتب في الكراتين فترة من الزمن .
- الاتكاء على الكتب .
- جعل الكتاب على شكل البوق .
- إعارة الكتاب لمن لا يُقدِّر قيمة الكتاب .
اللهم اجعلنا من عشاق العلم والتعليم يارب العالمين .

ماهو الوقت المناسب للدعوة ؟!

فن اختيار الوقت في الموعظة
يُشكِّل اختيارُ الوقت ومناسبته للحال عاملاً مهمًّا في نجاح الواعِظ في دروسه مِن نواحٍ عدَّة، منها:
1- اختيار الوقت المناسِب للوعْظ والإرشاد، فليس كلُّ وقت يصلح لوعْظ الناس وإرشادهم.
2- ومِن ناحية الموضوع ومناسبته للحال، فليس كلُّ ما يُعلم يُقال، ولا كلُّ ما يُقال يناسِب الحال.
3- ومِن ناحية استعداد المدعُوِّين نفسيًّا لسماع ما يُلقَى عليهم مِن دروسٍ ومواعظَ، لا بدَّ مِن مراعاة ذلك، مِن خلال التفرُّس في وجوه مَن يَحضُرون الدرس.
ولهذا سنبيِّن - أولاً - منهجَ الرسول الداعي الأوَّل - صلَّى الله عليه وسلَّم - في استغلاله لعامِل الوقْت في الدعْوة إلى الله في مناسبات عِدَّة، تتعلَّق بمعاش العِباد، وأمور حياتهم ومعادهم، وما كان الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتَّبعه مِن أساليبَ في إيصال الحقِّ إلى الناس، ثم نبيِّن ما على الداعي إلى الحقِّ من أساليبَ ناجحة، تُمكِّنه من أن يؤثِّر فيمن يدعوهم ويعلِّمهم، ومِن الله التوفيق والسداد.
منهج الرسول في اختياره للوقت في الدعوة:
ويكمن ذلك المنهج السديد في نِقاط عدَّة، منها:
1- عدم إطالة الموعِظة؛ خشيةَ الملل والسآمة:
وهو ممَّا كان يحرِص عليه الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال ابنُ مسعود - رضي الله عنه -: "إَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانَ يَتخَوَّلُنا بالموْعِظَةِ في الأيَّامِ؛ كراهِيَةَ السَّآمةِ عليْنا"[1]، ولم يكن مِن هديه إعطاءُ دروسٍ في جميع الأيام؛ ذلك لأنَّ دعوته تأخذ أشكالاً مختلفة، تارةً بالقول، وأخْرى بالسلوك والقُدوة الحسنة.
2- استغلال الحَدَث والموقِف في التعليم والتربية:
فقد جاء في الحديثِ عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنه قال: "خرجْنا مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهَيْنا إلى القبر، فجلَس رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجلسْنا حوله، كأنَّ على رؤوسنا الطيرَ، وفي يدِه عُودٌ ينكت به في الأرض، فرفَع رأسه فقال: ((استعيذوا بالله مِن عذاب القبر..))[2]، والموعظة عندَ القبر كان يفعلُها - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحيانًا.
وجاء في حديث قدوم تجَّار البحرين، حيث رأى مِن حرْصهم، فاستغلَّ الموقف في توجيه نصيحةٍ تربوية انطوتْ على تحذيرٍ من فِتنة الدنيا، وتبشير للأمَّة بالرخاء المادي، فقال: ((فأبشِروا وأمِّلوا ما يَسرُّكم، فواللهِ لا الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسَطَ عليكم الدنيا، كما بُسطِت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلككم كما أَهْلكتهم))[3].
3- إطالة الموعظة أحيانًا لطارئٍ أو حادثٍ مهم:
وممَّا يدلُّ على ذلك موعظتُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أمور جِسام ستَقع في الأمَّة، حتى طالتْ موعظتُه فوقَ العادة، ففي صحيح مسلم عن عمرِو بن أخطبَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: "صلَّى بنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الفجرَ، ثم صعِد المنبر فخطَبَنا حتى صلاة الظهر، ثم نزَل فصلَّى بنا الظهر، ثم صعِد المنبر فخطَبَنا حتى صلاةِ العصر، ثم نزَل فصلَّى العصر، ثم صعِد المنبر فخطبَنا حتى المغرب، فما ترَك شيئًا مما يكون إلاَّ أخْبر به أصحابَه، حفِظَه مَن حفِظه، ونسِيَه مَن نسيه، يقول: فأعْلَمُنا أحفَظُنا"[4].
4- تحيُّن الموعظة عندَ إقبال السامِع وفراغِه ونشاطه، وتَرْكها عند انشغالهم، فهو أدْعَى إلى القَبول:
ومِن ذلك: أمرُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدعوين بالانصراف إلى أهلِهم؛ لما رأى من تشوُّقهم إليهم؛ فعن أبي سليمان مالكِ بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: "أتَيْنا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونحن شبَبَةٌ متقاربون، فأقمْنا عندَه عشرين ليلة، وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رحيمًا رفيقًا، فظنَّ أنَّا قد اشتقْنا أهلنا؛ فسَألْنا عمَّن تركْنا من أهلنا، فأخبرْناه، فقال: ((ارْجعوا إلى أهلكم، فأقيموا فيهم، وعلِّموهم وبرُّوهم، وَصَلُّوا كذا في حين كذا، وصلُّوا كذا في حين كذا؛ فإذا حضرتِ الصلاة فليؤذِّن فيكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم))"[5]
5- مناسبة المقال لمقتضَى الحال:
فقد كانت مواعِظُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - واختياره الأمثل لمقتضَى الحال، مما له أبلغُ الأثر في المدعوِّين في حالة الفَرَح أو الحزن وغيرها مِن الأحوال في عامَّة مواعظِه وإرْشاده - صلَّى الله عليه وسلَّم.
6- توجيه الأنظار للتدبُّر والتفكُّر:
كان الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغلُّ عامِل الوقت والزمن؛ لأجْل صرْف العقول للتدبُّر في خلْق الله، وعجائب قدرته، مثْل وقت كسوف الشمس، وخسوف القمر وهبوب الرِّياح، فقد قال عندما وقَع الكسوف: ((إنَّ الشمس والقمر آيتان مِن آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يُخوِّف بها عباده))[6].
7- أوقات إقبال القلْب على ربِّه أدْعى لقَبول النُّصح والإرشاد، خاصَّة بعد صلاة الفجْر، وفي الحديث عن أبي نَجيح العِرْباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - موعظةً بليغة، وجلتْ منها القلوب، وذرفَتْ منها العيون، فقلنا: يا رسولَ الله، كأنَّها موعظة مودِّع، فأوصِنا، قال: ((أُوصيكم بتقوى الله، والسَّمْع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبشي، وإنَّه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمور، فإنَّ كل بدعة ضلالة))[7]، وكان ذلك بعدَ صلاة الفجْر، وهو وقتٌ تكون فيه النفوس بعيدةً عن الشواغِل والملهيات.
8- الترغيب في العمل الصالِح في أوقات ومناسَبات معروفة؛ مثل: صيام يوم عاشوراء ورمضان، وشوَّال وذي الحجَّة، وصلاة الاستسقاء، وما يناسِب تلك الحال مِن موعظة وإرشاد.
9- الحثّ على التوبة في وقْت الاحتضار:
وهي لحظةُ انتقال الإنسان إلى عالَم جديد، يتقرَّر فيه مصيرُه؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان غلامٌ يهوديٌّ يخدُم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمَرِض، فأتاه يعوده، فقعَد عند رأسه، فقال له: ((أسْلِم))، فنَظَر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنْقذَه مِن النار))[8].
لقد حقَّقت دعوة الرسول الكريم انقلابًا عجيبًا في كيان الإنسان، بفضْل ما كان يمتلكه من وسائلَ فعَّالة ناجحة في الدعْوة إلى الله، فقد تحوَّل ذلك الإنسانُ مِن محبٍّ عاشِق للدنيا يموت ويحَيا مِن أجلها، لا يُفكِّر أبعد مِن شهوته وبطنه، إلى إنسانٍ يفكِّر ويجول نظره في الكون الفسيح، إلى ما وراء ذلك مِن الشوق إلى نعيمِ الآخِرة ولذَّتها، يحمل هَمَّ الدعوة والجهاد في سبيل الله، وإخراج مَن حوْله مِن البشر مِن ظُلم العباد إلى عدْل الإسلام ومساواته، ومِن عبادة الحجَرِ والبشر إلى عبادة الديَّان الذي لا يموت.
وما في قصص الصحابة الأوائل مما عجَز التاريخُ عن تفسيره، إلا بفِعْل الإيمان والتربية الحقَّة التي تلقَّوْها من المربِّي الأول، والمعلِّم الكريم محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ما ينبغي على الداعي مراعاته:
ينبغي على الداعي أن يُراعيَ عامِلَ الوقت؛ حتى يكونَ ناجحًا في مواعظه، وإلا ملَّتْه النفوسُ، وسَئِمت مِن سماعه، ومن ذلك:
أولاً: ليس كلُّ وقت يصلُح لوعْظ الناس وإرشادهم، فليس مِن الحِكمة - مثلاً - موعظةُ الناس بعْد صلاة الظهر، وهو وقتُ انشغال الناس بأعمالهم وأمور معاشِهم، أو وقت انصرافِ الناس إلى نومِهم وراحتهم في اللَّيْل، وهو مِن أخطاء بعض الوعَّاظ، يُريد أن يُلْقي مواعظَه دون إعطاء أهميَّة لحالِ مَن يدعوهم، وكأنَّه لا يخاطِب بشَرًا، لهم مشاعِرُ وأحاسيس.
ثانيًا: مناسبة الموعظة للحال، والبعض منهم يُلقي دروسًا في الصبر على البلاء، والفِتن الواقعة في الأمَّة، وتحمُّل المصائب والنكبات في يومِ فرَح الناس وأعراسهم، حتى يُحوِّل الفرح إلى عزاء ومصيبة، ومِن الحكمة استغلالُ تلك المناسبة في موعِظة عن الشُّكر، وبيان هَدْي الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الأعراس والمناسبات.
ثالثًا: على الداعي أن يتفرَّسَ في وجوه الحاضرين، ومدَى استعدادهم لتلقِّي ما يُقال لهم، فالموعظةُ الغرضُ منها هو أن يستفيدَ الحاضرون، والبعضُ من الوعَّاظ يرى تملْمُلَ الناس من درْسه وترْكهم لمجلسه، ومع ذلك تراه يستمرُّ في درسه ووعْظه، ويطيل الكلام ويُكرِّر الموعظة، وكأنه يطلب إعادةَ الثقة به، وهذا له نتائجُ عكسية تمامًا، وقد كان مِن هديه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه يُحدِّث بالحديث لو عدَّه العادُّ لأحصاه؛ لذا فمِن الحكمة قطعُ الموعظة إن لم يكن فيها مرغِّب أو مشوق آخر.
رابعًا: عدم توفُّر الوقت الملائم لإلْقاء الموعظة، وليس مِن الضروري إلْقاء الموعظة وكأنَّها حِمْل على كاهله يريد التخلُّص منه، بل الموعظة دُررٌ وفوائدُ أثمنُ مِن المال، لا بدَّ من تحيُّنِ فرصة مناسبة؛ ليُنتفعَ منها، وتقعَ موقعها في النفوس، فتدعوهم للعمل الصالح، وترْك ما أَلِفوه من المنكرات، ويحصُل ذلك عندما يتهيَّأ الداعي إلى إلْقاء موعظته، فيحدُث أمرٌ مفاجئ؛ لذا عليه أن يدَّخِر الموعظة لوقتٍ مناسب آخر.
خامسًا: خيرُ الكلام ما قلَّ ودلَّ: إنَّ إطالة المواعِظ لتتعدَّى أحيانًا ساعة وأكثر، هي مشكلةُ بعض الوعَّاظ، وليعلمْ هؤلاء أنَّ طاقة ذهْن الإنسان محدودةٌ لا يمكن في العادة أن تتابعَ الكلام بتركيز وانتباه لأكثرَ مِن رُبع ساعة، وبعدَها يُصاب الذِّهن بالشرود والتعب؛ ولهذا مِن الأفْضل على الواعظ أن يتَّخذ بعضَ التدابير، مثل: تدوين رؤوس الدرس والخطوط العامَّة منه في ورقة صغيرة؛ لئلاَّ يتحرَّج فيخلط في الكلام، أو يستطرد في أمْر لا علاقة له بصُلب الموضوع، كما يُشاهَد على بعض القنوات الفضائية مِن مواعظَ تتجاوز مدتها الزمنية السَّاعة والساعتين.
ومِن الأخطاء أيضًا في هذا الجانب أنَّ بعض الوعَّاظ يضع له مواعظَ مُقسَّمة على الأيام والشهور، وكأنَّها قوالِب لوضع المستمعين والمدعوين فيها، وهو خطأٌ منهجي في الدعوة، والمنهجُ السليم أن تكون الموعظةُ مما يتلاءَم مع حال المدعوين، فينظر الداعي أيَّ مرَض أو آفة اجتماعية تغلُب على قومِه أو مجتمعه، فيتحدَّث فيها، ويُحذِّر منها، وقد قيل في تعريف الحِكمة هي: فِعْل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.[9]
إلقاء الدرس قبْلَ وبعْد صلاة الجمعة:
سُئِل عن ذلك فضيلةُ العلاَّمة الألْباني، فأجاب - رحمه الله تعالى -: "الذي نعتقِده ونَدين الله به أنَّ هذه العادة التي سَرَت في بعض البلاد العربية، وهي: أن ينتصبَ أحدُ المدرِّسين أو الخُطباء ليلقيَ درسًا، أو كلمةً، أو موعظةً، قبل أذان الجمعة بنِصْف ساعة أو ساعة من الزَّمان، هذا لم يكن مِن عمل السلف الصالح - رضي الله عنهم - هذا مِن جهة.
ومِن جهة أخرى، فمن المعلوم لدَى علماء المسلمين قاطبةً أنَّ هناك أحاديثَ صحيحةً تأمُر المسلمين بالتبكير للحضور إلى المسْجد الجامع يومَ الجمعة، كمثل قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن راح في الساعة الأولى فكأنَّما قرَّب بَدنةً، ومَن راح في الساعة الثانية فكأنَّما قَرَّب بقَرةً...، وهكذا حتى ذكَر الكبش والدجاجة والبيضة))، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ حَضَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المسلمين على التبكير في الرواح يومَ الجمعة إلى المسجد الجامع ليس هو لسماعِ الدَّرْس وإلْقائه، وإنَّما هو للتفرُّغِ في هذا اليوم لعبادة الله - عزَّ وجلَّ - ولذِكْـره، وتلاوة كتابه، وبخاصَّة منه سورة الكـهف، والجلوس للصـلاة على النبـيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحقيقًا لقوله في الحديث الصحيح، والمروي في السُّنن وغيرها ألاَ وهو قوله - عليه السلام -: ((أكْثِروا عليَّ مِن الصلاة يومَ الجمعة؛ فإنَّ صلاتَكم تبلُغني))، قالوا: كيف ذلك وقد أَرِمْت؟! قال: ((إنَّ الله حَرَّم على الأرض أن تأكلَ أجساد الأنبياء.....)).
أما بعْدَ الصلاة، فقد قال - رحمه الله تعالى -: "إنْ كان أحدٌ يريد أن يُدرِّس فبعْدَ الصلاة؛ حيث يتفرَّغ الناس لسماع مَن شاء منهم، ومَن شاء القضاء، أمَّا أن ينتصبَ المدرس قبلَ صلاة الجمعة فيَفْرِض نفسه على الناس فرضًا، وفيهم المصلِّي والتالي والذاكر، فهذا هو الإيذاءُ للمؤمنين، فلا يجوز"[10].
أمثلة على ما مَرَّ:
الأمثلة في هذا الباب كثيرة، وعلى الداعي أنْ يتعود تدبر سيرة المصطفى والأحوال والظروف التي مر بها[11]، وهديه في موعظة الناس وإرشادهم؛ ليكون على بصيرة من دعوته.
ثم الاستفادة من تجارب الآخرين؛ ليضيف إلى رصيده في الدعوة إلى الله، وهذه أمثلة عامة تناسب أحوال عامة:
1- في بداية شهر رمضان يناسب إلقاء موعظة عن أحكام الشهر الفضيل، وما يَجوز وما ينبغي تجنبه، وفي شهر ذي الحجة ما يتعلق بأحكام الحج وأركانه، والترغيب فيه، وفي ليلة العيد - الأضحى والفطر - ما ينبغي فعله للمسلم من سنن وأعمال صالحة من صِلَةِ رحم وغير ذلك، مع تقديم الدروس مقرونة بالترغيب والترهيب، وفي ليلة الجمعة ما ينبغي على المسلم عمله للحصول على أجر وثواب الجمعة.
2- يناسب في أيام الأفراح والأعراس التحدُّث عن الترغيب في الزواج، وبيان فضائله، وشكر نعمة الله على نعمة العِفَّة والإحصان، وفضل إدخال السُّرور على قلب المسلم، والصلح بين الإخوان.
3- في يوم العزاء وفَقْد الأحبة الحث على الصبر، وتحمُّل المصائب، وثواب الصابرين، وما يترتب عليه من أجر وأهمية الإيمان بالقدر والقضاء، وأن الموت يَجري على كل نفس، وبيان عظم الجزاء للصابرين، والحذر من الجزع والتسخط، وأنَّه لا يأتي بنتيجة، بل يستوجب غضب الله ومقته، وبيان أهمية مواساة المسلم في المصيبة.
4- في وقت حدوث نزاع أو قتال أهمية الصلح بين المسلمين، وأنَّه أفضل درجة من الصيام والقيام، وأن الساعي إليه من أفضل عباد الله، وأن المسلمين إخوة متحابون، وأن الساعي للفتنة من شر عباد الله، وخاصَّة الفتنة بين الزوجين والأحبة، والتفريق بينهما، وأنه من أقرب الناس للشيطان.
5- في وقت احتلال بلاد الإسلام، وانتهاك دياره وحرماته، وسلب خيراته - الحث على الجهاد - النفس والعدو - وأنَّه عز المسلمين وسبب لنصرهم، وأنَّ التخاذُل يوجب تسلط الأعداء، والواجب على كل مسلم إعانة المجاهدين، ولو بالكلمة، وأن من لم يحدث بالغزو مات ميتة جاهلية، ويتم ذلك وَفْقَ مشورة أهل العلم والرأي الصائب؛ كي تؤتي ثمارها.
6- في وقت انشغال الناس بالدنيا وملذاتها، وغفلتهم عن معاني الآخرة وأهوالها، والاستعداد لها - التذكير بأحوال الموتى، وما يلاقيه كل من المؤمن والكافر من نعيم أو عذاب في القبر، وربطه بمعاني التوحيد والعقيدة الإسلامية، وما بعد الموت من نعيم مقيم أو عذاب أليم، والحساب على الصغيرة والكبيرة وَفْقَ ميزانٍ دقيق لا يظلم فيه أحد من عباد الله، والاستشهاد الجيد بالآيات، والأحاديث، والتنوع ما بين حديث وآية وشعر، وقول مأثور، وحكمة جليلة.
7- في وقت وقوع الزلازل والكوارث، ووقوع القتل والفتن، وتكالب الأعداء - الحث على الاعتصام بحبل الله والتوبة، والخروج من المظالم، والتضرع إلى الله، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ما يقع هو بسبب ذنوب بني آدم وفسادهم، والواجب على كل مسلم التوبة والرُّجوع وعدم التسويف، بل المبادرة والإقلاع عن المعاصي.
8- في وقت الحاجة والفقر، وانتشار العوز في بلاد الإسلام - الحث على الإنفاق في سبيل الله، وأنَّ المال هو وديعة بيد المسلم، وأنَّ الواجب تقديمُ الدعم المادي لإخوة الإسلام في أيِّ مكان مهما اختلفت أشكالُهم وألوانهم، وكذا في وقت نشر الأفكار الهدَّامة ودعمها من قبل المؤسسات الغربية، وغيرها، الواجب تذكير الأمة بأهمية التصدي للباطل، إما بالكلمة أو بالمال؛ لئلا يستشري الباطل، وتضل الأمة عن الطريق القويم، وأنَّ من لم يقم بواجبه فلا يَلومَنَّ إلا نفسه.
9- في وقت خروج الفئات الباغية على شرع الله، ومنازعة أولي الأمر، وقيامهم بأعمال تضر بالمجتمع المسلم من قتل للأبرياء، وسَفْكٍ للدماء - الواجب التحذير منهم ومن أفعالهم، وبيان ما يعتقدونه من أفكار باطلة، وأنه الواجب طاعة أولي الأمر؛ لئلا ينفلت وتكون فوضى في بلاد الإسلام؛ مما يوجب العبث، وتسلُّط الكفرة على ديار المسلمين، ومثله التصدي لأفكار من ينتسب إلى الإسلام في الظاهر وهو يُخالفه في الاعتقاد كالرافضة، فالواجب بيان عقائدهم وضلالهم، وأنَّهم يستعملون التقيَّة في نشر الباطل، فالواجب الاعتصام بين المسلمين، والتصدي لترويج باطلهم وإفكهم.
10- في وقت يرى فيه الداعية أنَّ المسلمين قد هجروا كتاب ربهم، وتدبر آياته، والعمل به - لا بُدَّ من بيان فضل تلاوته، وأنَّه حبل الله المتين، ونجاة المسلم في الدنيا والآخرة، وأنَّه يشفع لقارئه، وأنَّ هجرانه يعني ظلام القلوب والبيوت، والبُعد عن رحمة الله، وبيان فضائله من الآيات والأحاديث، وهذا مِمَّا ينبغي التذكير به في كل مناسبة.
جامع ينبغي التذكير به دومًا:
ينبغي ربط كل موعظة وإرشاد بالأصل العظيم، وهو طاعة الله وطاعة رسوله، وأن نجاة المسلمين وسعادتهم في كل زمان ومكان تكمُن في تحقيق هذين الأمرين، وأي موعظة تخلو من التذكير بهذا الأصل القويم سيكون تأثيرها مؤقتًا، وتصل الموعظة إلى القلوب هامدة ميتة؛ ولهذا ينبغي التذكير بالهدف والغاية التي خلق من أجلها الخلق، ألاَ وهي عبادة الله وحدَه لا شريك له والعمل على مرضاته، وطاعة رسوله الكريم، والتطلع إلى ما عند الملك الكريم من الجزاء العاجل في الدنيا من الاطمئنان، والسعادة الحَقَّة وفي الأجل من الفوز بنعيم الجنة، وما أعَدَّ الله لأهلها من الكرامة والنعيم المقيم، وقد أخبر الله أنَّ أهلَ طاعة الله وطاعة الرسول هُم من أهل الرحمة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71]، وفي الدار الآخرة أخبر بما أعده للمؤمنين والمؤمنات من الخيرات، والنعيم المقيم في جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، فقال - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ [التوبة: 72].
وصَلَّى الله على محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------
[1] "صحيح البخاري"، (يتخول): يتعاهد، (السآمة): الملل والضجر.
[2] أخرجه أبو داود وغيره مطوَّلاً ومختصرًا من حديث البراء - رضي الله عنه.
وللأخ بلقسام عبدالدائم بحثٌ حول الموعظة عند القبر، وقد خلص إلى ما أشرْنا إليه، تجده على موقِع أهل الحديث.
[3] حديث صحيح أخرجه الشيخان.
[4] رواه مسلم ح (2892).
[5] أخرجه البخاري (5661).
[6] متفق عليه.
[7] العرباض بن سارية في سنن الترمذي - رقم (2676)، وهو حسن صحيح.
[8] الحديث رواه البخاري في صحيحه، وفي رواية للبيهقي: ((الحمد لله الذي أنقذه بي من النار)).
[9] مدارج السالكين (2/479).
[10] من كتاب "الأنباء بأخطاء الخطباء" (ص: 60 - 78) بقلم سعود بن ملوح سلطان العنزي، قدَّم له الشيخ سُلَيم بن عيد الهلالي.
[11] كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد"، لابن القيم، وكتاب "الرحيق المختوم" بحث في السيرة النبوية من أفضل الكتب التي تفيد الواعظ، وتجعله مهتديًا مقتديًا بسنة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.
كتبه: مرشد الحيالي