حكم المسح على الجوربين السؤال: شيخنا ما حكم المسح على الجورب الذي يلبسه الناس اليوم ؟ أفتونا بارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فالجورب: هو ما يلبسه الإنسان في قدميه، سواء كان مصنوعًا من الصوف أو القطن أو الكتان أو القماش أو النايلون أو نحو ذلك. والمسح عليه شُرّع للتخفيف والتيسير، ولا يشترط لجواز المسح وجود مشقة. وقد ذهب جمهور العلماء – رحمهم الله تعالى- إلى جواز المسح على الجوربين،
قال الإمام ابن المنذر-رحمه الله تعالى- في الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف [1/462]: (روي إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وأبي مسعود البدري، وأنس بن مالك، وابن عمر، والبراء بن عازب، وبلال، وأبي أمامة، وسهل بن سعد - رضي الله عنهم -.. وبه قال :عطاء بن أبي رباح، والحسن، وسعيد بن المسيب، وبه قال النخعي، وسعيد بن جبير، والأعمش، وسفيان الثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وزفر، وأحمد، وإسحاق، وقال أحمد: "قد فعله سبعة أو ثمانية من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم-، وقال إسحاق: مضت السنة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من التابعين في المسح على الجوربين، لا اختلاف بينهم في ذلك).
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي –رحمه الله تعالى- في المغني [1/215]: (الصحابة -رضي الله عنهم- مسحوا على الجوارب ، ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً ).
ولحديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رضي الله عنه- : )) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ )) رواه أبو داود ، وابن ماجه، والترمذي وقال : (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) ، والإمام أحمد في المسند. وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
وقد اختلف العلماء في شروط الجوربين اللذين يجوز المسح عليهما على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا يجوز المسح عليهما إلا أن يكون عليهما نعل جلد يمكن تتابع المشي عليهما، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة - ثم رجع عنه-، وقول الإمام الشافعي ، والقول الثاني للإمام مالك .
القول الثاني : يجوز المسح عليهما بشرط: أن يكونا صفيقين(ثخينين) ساترين محل الفرض من الغسل، ولا يشترط أن يكونا منعلين بجلد، ويمكن تتابع المشي عليهما، وهو القول الصحيح عند الشافعية ومذهب الإمام أحمد بن حنبل والصاحبين أبي يوسف ومحمد وأكثر الحنفية، ومذهب الحسن وابن المسيب ، وهو ترجيح الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.
لان الخف لا يكون إلا صفيقاً –ثخينا-، لأن العمدة في الجواز : القياس على الخفين ، والجورب الشفاف الرقيق ليس مثل الخف ، فلا يقاس عليه، ولحديث المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه-، والجوارب التي كان يمسح عليها الصحابة -رضي الله تعالى عنهم - كانت ثخينة .
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في المجموع [1/499]:( والصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين: أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان وإلا فلا ،وهكذا نقله الفوراني في الإبانة عن الأصحاب أجمعين فقال قال: أصحابنا إن أمكن متابعة المشي على الجوربين جاز المسح عليهما).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- في فتاويه : (من شرط المسح على الجوارب : أن يكون صفيقا ساتراً ، فإن كان شفافاً لم يجز المسح عليه ؛ لأن القدم والحال ما ذكر في حكم المكشوفة).
القول الثالث : يجوز المسح على الجَوربين مطلقًا ولو كانا رقيقين مادام يسميان جوربين: وهو ظاهر مذهب ابن حزم الظاهري، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجَّحه الشيخ محمد صالح ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-.
قال الامام النووي في المجموع [1/500]: (وحكى أصحابنا عن عمر وعلي -رضي الله عنهما- جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقا، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد واسحق وداود، وعن أبي حنيفة المنع مطلقا وعنه أنه رجع إلى الإباحة).
المفتى به: هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من أصحاب القول الثاني، وهو جواز المسح على الجوربين الثخينين الساترين لمحل الفرض من غسل القدمين وفوق الكعبين، إذا لبسهما على طهارة، تخفيفا وتيسيرا، ولا يشترط لجواز المسح عليهما وجود مشقة، وسواء كان الجورب مصنوعًا من الصوف أو القطن أو الكتان أو القماش أو النايلون أو نحو ذلك.
ولا يشترط إمكان تتابع المشي عليهما لان معظم الجوارب في عصرنا يجوز المسح عليها ، لقوتها وجودة صناعتها، وليس من الضروري إمكان متابعة المشي عليها، فإن الناس اليوم لا يمشون على الجوارب عادة، لأنهم يلبسونها مع الأحذية.
فأما إذا كانا رقيقين جداً بحيث يكون وجودهما كعدمها فليس للمسلم أن يمسح عليهما، وعليه أن يحتاط لعبادته فيراعي عندئذ الشروط المعتبرة التي ذكرها العلماء، .والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين عبدالله الصالح