هناك من يحتج بهذه الاية الكريمة خطأ .. بعدم نفع قراءة القرآن الكريم وإهداء ثوابها للميت تطوعا ..
( أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وا إبراهيم الذي وفى * ألاتزر وازرة وزر أخرى وان ليس للإنسان إلاما سعى )
وهذا باطل من وجوه عدة :
اخي المسلم ....
قد جاء في تفسير هذه الاية (وان ليس للا نسان الا ما سعى ) أي ا م لم ينبا بما في صحف موسى وإبراهيم أن ليس للإنسان الا سعيه !؟ فلا يثاب بعمل غيره . كما لا يواخذ بذنب غيره . اما في شريعتنا فقد ثبت بالكتاب والسنة والاجماع انتفاع انسان بعمل غيره . ونقل العلامة الجمل في حاشيته على الجلالين بثا نفيسا لشخ الاسلام ابن تيمية ننقل خلاصته لمزيد فائدته ، قال (( من اعتقد ان الإنسان لا ينتفع الا بعمله فقد خرف الاجماع . وذلك باطل من وجوه :
إحداها : أن الإنسان ينتفع بعمل . ودعاء النبي للاموات فعلا وتعليما ودعاء الصحابة والتابعين والمسلين عصرا بعد عصر اكثر من ان يذكر واشهر من ان ينكر وقد جاء ان الله يرفع درجة العبج في الجنة أنى لي هذا فيقال بدعاء ولدك لك .
ثانيهما : أن النبي (صلى الله عليه وسلم )يشفع لأهل الموقف في الحساب ثم لأهل الجنة فيدخولها . ِ
ثالثهما : يشفع لأهل الكبائر في الخروج من النار . وهذا انتفاع بسعي الغير .
رابعها : ان الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض ، وذلك منفعة بعمل الغير .
خامسها : ان الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ( أي من المؤمنين ) بمحض رحمته ، وهذا انتفاع بغير عملهم .
سادسها :أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم . وذلك انتفاع بحض عمل الغير .
سابعها :قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين ( وكان أبوهما صالحاً ) فانتفع بصلاح ابيهما وليس من سعيهما .
ثامنها : أن الميت ينتفع بصدقة عنه بنص السنة والإجماع وهو من عمل الغير . ( وفي صحيح مسلم ) عن أبي هريرة قال النبي (صلى الله عليه وسلم ) أن أبي مات وترك مالا ولم يوصي فهل يكفي أن أتصدق عنه ؟ قال نعم .
تاسعها: أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير . ( ففي صحيح البخاري عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) ان امراةمن جهينة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم ) أن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفاحج عنها ؟ قال : حجي عنها ، ارايت لو على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله فالله أحق بالقضاء .
عاشرها:ان الحج المنذور او الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة.
حادي عشر:الدين قد امتنع(صلى الله عليه وسلم ) من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة وقضى دين الأخر علي بن أبي طالب ، ((وهذا دليل على ان الإنسان ينتفع بعمل الغير وان لم يكن ولده )) .
ثاني عشرها : إن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال لمن صلى وحده : ( إلا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ) فقد حصل معه فضل الجماعة بفعل الغير .
ثالث عشرها: إن من عليه تبعات ومظالم إذا حلل منها سقط عنه ن وهذا ابتاع بعمل الغير .
رابع عشرها: إن الجار الصالح ينتفع في المحيا والممات ( كما جاء في الأثر ) . وهذا انتفاع بعمل الغير .
خا مس عشرها : ان جليس اهل الذكر يرحم بهم وهو لم يكن منهم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له ، فقد انتفع بعمل الغير .
سادس عشرها : الصلاة على الميت والدعاء له في الصلاة انتفاع للميت بصلاة الحي عليه ، وهو عمل غيره .
أخي المسلم ....
من تأمل وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى . فكيف يجوز أن نتأول الآية الكريمة على خلاف صريح الكتاب ولسنة وإجماع الأمة !! )) .
ويقول الحافظ ابن القيم :
وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعا بغير أجرة فهذا يصل اليه كما يصل ثواب الصوم والحج . فإن قيل فهذا لم يكن معروفا في السلف ولا يمكن نقله عن احد منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي (صلى الله عليه وسلم ) وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام ولو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم إليه ولكانوا يفعلونه. فالجواب إن مورد هذا السؤال إن كان معترفا بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار. قيل ما هذا الخاصية التي منعت وصل ثواب القران واقتضت وصول ثواب هذا الأعمال وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات، وان لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع. وأما السبب الذي لأجله لم يظر ذلك في السلف فهو إنهم لم يكن لهم أوقات على من يقرأ ويهدي إلى الموتى ولا كانوا يعرفون ذلك البتة ولا كانوا ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان احدهم يشهد من الناس على ان ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا هذه الصدقة والصوم . ثم يقال لهذا القائل لو كلفت ان تنقل عن واحد من السلف انه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت ، فإن القوم كانوا احرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا ليشهدوا على الله بإيصال ثوابها إلى أمواتهم .
فإن قبل فرسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أرشدهم على الصوم والصدقة والحج دون القراءة . قيل هو (صلى الله عليه وسلم ) لم يبدتهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميتة فغذن له ، وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له ، وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ، ولم يمنعهم مما دون ذلك .
وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر . وأما استدلالكم بقوله (صلى الله عليه وسلم )
إذا مات العبد انقطع عمله فاستدلال ساقط فعنه (صلى الله عليه وسلم ) لم يقل انقطع انتفاعه وإنما اخبر عن انقطاع عمله وأما عمل غيره فهو لعامله فمن وهبه له وصل عليه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو فالمنقطع شيء والواصل إليه شيء أخر وكذلك الحديث الأخر وهو قوله عن مما يلحق الميت من حسناته وعمله فلا ينفي أن يلحقه غير ذلك من عمل غيره وحسناته .
والقائل إن أحدا من السلف لم يفعل ذلك قلئل ما لا علم له به فغن هذه شهادة على نفي ما لم يعمله فما يدريه إن السلف كانوا يفعلون ذلك ولا يشهدون من حضرهم عليه ، بل يكفي إطلاع علام الغيوب على نياتهم ومقاصدهم لا سيما والتلفظ بنية الإهداء لا يشترط كما تقدم . وسر المسالة إن الثواب ملك العامل فإذا تبرع به وأهداه إلى أخيه المسلم أوصله الله إليه ن فما الذي خص من هذا ثواب قراءة القرآن وحجر على البد ان يوصله إلى أخيه ن وهذا عمل سائر الناس حتى المنكرين في سائر الإعصار والأمصار من غير نكير من العلماء . وبالجملة فأفضل ما يهدي إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار له والدعاء له والحج عنه .
ولا مانعة من قراءة القرآن للأموات وإهداء ثوابها إليهم فإن إهداء ثواب قراءة القرآن بصورة عامة مشروع ويصل الى الميت . ولا مانع من قراءة الفاتحة بخصوصها لأنها تقرأ في الصلاة على الميت ن ولإنها ام التاب والسبع المثاني ن واعتبرها النبي (صلى الله عليه وسلم ) رقية ، ولها فضائل عديدة أخرى على انه قد نقل الشيخ محمد عبدا لوهاب النجدي في كتابه أحكام عن الموت ضمن مجموعة مؤلفاته القسم الثاني (الفقه )
نقل حديثاً عن أبو هريرة مرفوعا (( من دخل المقابر ثم قرا فاتحة الكتاب وقل هو الله احد وألهاكم التكاثر ثم قال جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا له شفعاء ))
وعلى فرض عدم ورود اثر في ذلك فان قراءتها ليست بدعة لان البدعة هو كل عمل لم يرد به نص من كتاب او سنة او احماع او قياس او ام يدخل تحت قاعدة من قواعد الإسلام .
أقول ذلك حتى لا نخطيء فهم القرآن فقد أجمع أهل العلم على أن الصدقة والدعاء يصل إلى الميت نفعهما، ولم يشذ عن ذلك إلا المبتدعة الذين قالوا لا يصل إلى الميت شيء من الثواب إلا عمله أو المتسبب فيه. والأخبار في ذلك ثابتة مشهورة في الصحيحين وغيرهما وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن المبارك أنه قال: (ليس في الصدقة خلاف). واختلف أهل العلم فيما سوى ذلك من الأعمال التطوعية كالصيام عنه وصلاة التطوع وقراءة القرآن ونحو ذلك. وذهب أحمد وأبو حنيفة وغيرهما وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الميت ينتفع بذلك، وذهب مالك في المشهور عنه والشافعي إلى أن ذلك لا يصل للميت. واستدل الفريق الثاني بقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) [النجم:39] وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث…….." رواه مسلم. والآية والحديث أجاب عنهما أصحاب الفريق الأول بأجوبة أقربها إلى الصواب بالنسبة للآية أن ظاهرها لا يخالف ما ذهب إليه أصحاب الفريق الأول فإن الله تعالى قال: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وهذا حق، فإنه إنما يستحق سعيه، فهو الذي يملكه، كما أنه لا يملك من المكاسب إلا ما اكتسبه هو، وأما سعي غيره فهو حق وملك لذلك الغير لا له، ولهذا الغير أن يهدي سعيه لمن شاء. فإنه ليس كل ما ينتفع به الحي أو الميت من سعيه، بل قد يكون من سعيه فيستحقه لأنه من كسبه، وقد يكون من سعي غيره فينتفع به بإذن صاحبه، كالذي يوفيه الإنسان عن غيره فتبرأ ذمته. وأما جوابهم عن الحديث فقالوا: ذكر الولد ودعائه له خاصان، لأن الولد من كسبه كما قال تعالى: (ما أغنى عنه ما له وما كسب) [المسد: 2] فقد فسر الكسب هنا بالولد، ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" رواه أصحاب السنن. فلما كان الأب هو الساعي في وجود الولد كان عمل الولد من كسب أبيه، بخلاف الأخ والعم والأب ونحوهم فإنه ينتفع بدعائهم بل بدعاء الأجانب، لكن ليس ذلك من عمله. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "انقطع عمله إلا من ثلاث.." ولم يقل أنه لا ينتفع بعمل غيره، فإذا دعا له ولده كان هذا من عمله الذي لم ينقطع، وإن دعا له غيره لم يكن من عمل المرء ولكنه ينتفع به. فالصحيح إن شاء الله وصول ثواب القراءة للميت. وسلك بعض الشافعية ممن يقولون بعدم وصول القراءة للأموات مسلكاً حسناً. قالوا: إذا قرأ وقال بعد قراءته اللهم إن كنت قبلت قراءتي هذه فاجعل ثوابها لفلان صح ذلك . وعدّوا ذلك من باب الدعاء. 2 المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: "أو علم ينتفع به" ما تركه الميت من العلم النافع كتعليمه الناس القرآن ونحو ذلك، وأما طباعة الأشرطة والكتب ونحوهما فكل ذلك يدخل في باب الصدقة الجارية، ويصل ثوابها لمن أهدي إليه إن شاء الله. فالحاصل أن المحققين من أهل العلم يرون أن من عمل عملا فقد ملك ثوابه إن استوفى شروط القبول، فله أن يهبه لمن يشاء ما لم يقم بالموهوب له مانع يمنعه من الانتفاع بما وهب له، ولا يمنع من ذلك إلا الموت على الكفر والعياذ بالله. هذا والله نسأل أن يوفقك لبر أبيك وأن يثيبك على حرصك على ذلك. و الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى جواز إهداء ثواب القراءة للميت، وأن ذلك يصله وينتفع به إن شاء الله، وإنما الذي لم يجوزه هو الاجتماع عند القبور والقراءة عليها، وأن الأولى اجتناب لفظ الفاتحة على روح فلان ونحوها من الألفاظ المحتملة التي اشتهرت عن بعض أهل البدع. وهذا الذي قاله الشيخ هو مذهب الجماهير من أهل العلم والمحققين. وانظر فتوى الشيخ في كتابه مجموع فتاوى العقيدة المجلد الثاني ص305. والله أعلم.
وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
المرجحات الأربعة لدفع زكاة الفطر مالاً في عصرنا 1. الترجيح بالنص
المقصد هو أن يشعر الفقير بفرحة العيد مثل الغني، والفقير اليوم يحتاج أن يشتري لأولاده الملابس الجديدة وهدايا العيد، ولا يصح فيها اليوم غير المال، وقد رأينا عشرات المرات المساكين يبيعون الحبوب لنفس التجار الذين اشترى منهم الأغنياء
روى البخاري في صحيحه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للنساء يوم عيد الفطر: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» قال البخاري:" فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا". قال ابن حجر في الفتح: وعلى غير عادة البخاري في مخالفته للأحناف أن اتفق معهم في إخراج صدقة الفطر نقوداً، وفي جواز إخراج العوض في الزكاة وبوب البخاري باباً سماه "باب العرْض".
فديوهات لعلماء أجازوا إخراج اقيمة في زكاة الفطر
2. الترجيح بكثرة القائلين بجواز إخراج القيمة
يُوهم من يتحدث في المسألة أن أبا حنيفة فقط هو من قال بجواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، والحقيقة على خلاف ذلك. وهذه قائمة بالفقهاء الذين قالوا بالقيمة أحصاها فضيلة الشيخ الحبيب بن طاهر: *من الصحابة رضوان الله عليهم* عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عبّاس، ومعاذ بن جبل. قال أبو إسحاق السبيعي من الطبقة الوسطى من التابعين، قال: أدركتهم ـ يعني الصحابة ـ وهم يعطون في صدقة رمضان الدّراهم بقيمة الطّعام. (مصنف ابن أبي شيبة: 3/174، وعمدة القارئ: 9/8).
و*من أئمّة التابعين* عمر بن عبد العزيز، فعن قرّة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كلّ إنسان أو قيمته نصف درهم. والحسن البصري، قال: لا بأس أن تعطى الدّراهم في صدقة الفطر، و طاووس بن كيسان، وسفيان الثوري. (مصنف ابن أبي شيبة: 3/174، وموسوعة فقه سفيان الثوري: 473، وفتح الباري: 4/280).
و*من فقهاء المذاهب* أبو عمرو الأوزاعي، وأبو حنيفة النعمان وفقهاء مذهبه، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، والإمام البخاري، وشمس الدين الرملي من الشافعية، ومن المالكية: ابن حبيب وأصبغ وابن أبي حازم وابن وهب، وقال الشيخ الصاوي: "الأظهر الإجزاء لأنّه يسهل بالعين سدّ خلّته في ذلك اليوم". وقد أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قرارا بجواز دفع القيمة قرار 4/23، (يونيو) 2013م.
3. الترجيح بالقياس
قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: (خذ الحَبَّ من الحَبِّ، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر) وهو صريح في دفع الأعيان، لكن معاذاً رضي الله عنه فهم قصد الزكاة، ولم يتعامل مع النص على أنه تعبدي غير معلل فقال لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس {أنواع من الأقمشة} في الصدقة مكان الشعير والذرة؛ فإنه أهون عليكم وأنفع لمن بالمدينة، وقد أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولئن جاز في الزكاة وهى الأعلى جاز من باب أولى في زكاة الفطر وهي الأدني.
4. الترجيح بالمقاصد
شُرعت زكاة الفطر لمقصد منصوص عليه في الحديث الصحيح وهو: طهرة للصائم من الرفث واللغو، وطعمة للفقراء والمساكين، وفي الحديث الضعيف على الأرجح: اغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم. فالمقصد هو أن يشعر الفقير بفرحة العيد مثل الغني، والفقير اليوم يحتاج أن يشتري لأولاده الملابس الجديدة وهدايا العيد، ولا يصح فيها اليوم غير المال، وقد رأينا عشرات المرات المساكين يبيعون الحبوب لنفس التجار الذين اشترى منهم الأغنياء تلك الأصناف بثمن أقل، فهل شرعت زكاة الفطر لإغناء التجار على حساب الفقراء، وإضاعة وقت الفقير في عملية التبادل والمقايضة؟ وبوسع الفقير أن يشتري حبوبا بالمال دون خسارة، ولا يسعه أن يحصل على المال إن أخذ حبوبا إلا بالخسارة. إن القول بتعبدية الأصناف المذكورة في الحديث يوقعنا كمسلمين في حرج عدم مناسبة الإسلام لكل زمان ومكان. على أن الرافضين لدفع القيمة يلجؤون لتقصيد العبادة فلا يلتزمون بالأصناف الواردة في الحديث، ويقولون بإخراجها من غالب قوت البلد، وهو إقرار بالتعليل والتقصيد، وهو أساس ودليل دفع القيمة، غير أننا قلنا بالخروج عن الأصناف الواردة في الحديث إلى المال، وهم قالوا بالخروج عنها إلى غالب طعام أهل البلد.
هؤلاء العلماء من السلف الذين افتوا بجواز دفع القيمة في صدقة الفطر هل يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم ام يتبعون مَن ؟؟؟
1- أبو حنيفة
2- الإمام البخاري
3_عطاء بن أبي رباح
4_الحسن البصري
5_عمر بن عبد العزيز
6 _سفيان الثوري
7_ إسحاق بن راهويه
8_مذهب ابن تيمية ـ رحمهم الله ـ
.في كل عام
يختلف المختلفون حول إخراج القيمة في زكاة الفطر، فنرى بعض المتشددين يوجبون في زماننا
هذا إخراج الشعير أو التمر زكاة!!!! ويتهمون المخالفين بترك السنة ومحاربة السنة ..!!
وهم في نفس الوقت يخالفون السنة بخروجهم عن النص ( الشعير - والتمر ) ويفتون بجواز الرز او غيرها .. ولكن مما لا شكّ فيه أنّ الأفضل والأيسر للفقير
والمزكي إخراج القيمة نقودا، لأن العلة من فرض الزكاة هو إغناء الفقراء في هذا اليوم
فمتى تحقق الإغناء كان ذلك هو الأولى.
الرد على من يفتري ويقول : اخراج زكاة الفطر طعاما وحـي- وإخراجهــا مــالاً رأي !!!
زكاة الفطر ... باختصار
شرعت لتطهير الصائم وهي طعمة للمساكين
فالشارع الحكيم نظر الى جهة الصائم في إنفاقه وإلى جهة الفقير والمسكين في إنتفاعه
وهذا الأمر يتحقق باخراج زكاة الفطر نقدا كما يتحقق طعاما
بل هي عندهم لكنهم قد فهموا منها ان دفع النقود لايخالف النص
والعلماء الذين أجازوا النقد لم يخف عليهم نصوص الإطعام
وهؤلاء علماء أهل اجتهاد
ولذلك من قال من العلماء أن النقد يجوز اذا تتحقق فيه مصلحة للفقير أعظم من مصلحة الطعام كلامه قوي ووجيه
ومن أجاز النقد ليسوا أهل بدع وأهواء ياهؤلاء !!
فرويدا رويدا ....
بل هم من السلف وعلى اعتقاد السلف
من المحزن أن في كل سنة تثار مسألة زكاة الفطر ، وهل يجوز اعطاؤها نقدا ؟!
لا بأس أن نختلف في هذه المسألة ولا تختلف قلوبنا ..مسألة زكاة الفطر مسألة تعبدية بينك وبين ربك ..فمن أخرجها مالا فهناك من هو خير منه أخرجها مالا ..ومن أخرجها طعاما ، فهناك من هو خير منه أخرجها طعاما ..
فمن أجاز دفع القيمة فله أدلته من السنة المطهرة .. ومن منع اعطاء القيمة فله أدلته أيضا ..
وكلمة خطرة جدا لمن أراد أن يقوي حجته ، يقول :
فلا تتوقع أن العلماء السابقين لم يعرفوا اﻷدلة ولم يحفظوها ! يحفظونا كما نحفظ الفاتحة ، وإذا غاب الدليل عن أحدهم فلا يغيب عن كلهم ، فهم لم يعتمدوا على شيخ
كوكل ولا شيخ يوتيوب ..
فكلهم أراد الحق ..
(( هذا القول وحي ، والمخالف رأي )) ..
تحياتي لكم ..
بل كلهم اعتمد على الوحي ، فمن تعمد مخالفة الوحي وشرع
حكما شرعيا معتمدا على هواه بلا دليل يكفر ..
ينشر ويدافع بطريقة النسخ واللصق والنصوص الجاهزة ؟!
فهل يعقل أن شخصا لم يقرأ كتابا فقهيا في حياته ،
(( لو سكت من لا يعرف لقل الخلاف )) ..
شوفوا الفديو ....
ولنا في أدب اختلاف السلف الصالح قدوة ..
فقد اختلف أهل العلم في حكم إخراج زكاة الفطر نقدا على قولين :-
الأول :عدم الجواز وهو مذهب الجمهور المالكية والشافعية
والحنابلة ودليلهم أنه لم يرد نص بذلك والأصل الوقوف عند ما ورد وإخراج الحبوب
(1).
الثاني :جواز إخراجها نقدا إما على الإطلاق وهو مذهب
الأحناف(2) والبخاري(3) وقول عمر بن عبدالعزيز والحسن البصري وغيرهم(4) أو مع التقييد
بالحاجة وهو رواية عند الحنابلة اختارها ابن تيمية (5).
ولهم أدلة منها حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:
« فَرَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ
أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ : عَلَى الْعَبْدِ ، وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ ، وَالْأُنْثَى
، وَالصَّغِيرِ ، وَالْكَبِيرِ ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى
قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» متفق عليه(6).
وفي رواية « أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ».
أخرج هذه الرواية ابن عدي(7) والدارقطني(8) والبيهقي(9)
والحاكم(10) وابن زنجويه « في الأموال »(11) وابن حزم(12) جميعهم من طريق أبي معشر
عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- بنفس حديث ابن عمر السابق وفي آخره « أغنوهم في
هذا اليوم » أو « أغنوهم من طواف هذا اليوم » كما هو لفظ الحاكم والبيهقي.
والحديث مداره على أبي معشر نجيح بن عبدالرحمن السندي
وقد ضعفه غير واحد؛ فقال أحمد: حديثه عندي مضطرب الإسناد ولكن أكتب حديثه أعتبر به.
وقال يحيى بن معين: كان أميًّا ليس بشيء، وقال البخاري:
منكر الحديث.
وقال النسائي و أبو داود: ضعيف الحديث(13).
مذهب ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
أن إخراج القيمة في زكاة الفطر وغيرها يجوز للمصلحة الراجحة، قالها في مجموع
وبالغ ابن حزم فقال: أبو معشر هذا نجيح مطّرح الحديث
يحدّث بالموضوعات عن نافع وغيره »(14).
وللحديث شاهد وطريق آخر أخرجه ابن سعد في « الطبقات
»(15) فقال: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الجمحي، عن الزهري،
عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها-، قال: وأخبرنا عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر،
قال: وأخبرنا عبدالعزيز بن محمد ربيح بن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده،
قالوا: « فرض ... » الحديث وفيه وأمر بإخراجها قبل الغدو إلى الصلاة، وقال « أغنوهم
-يعني المساكين- عن طواف هذا اليوم ».
والواقدي متروك متهم بالوضع(16).فالحديث – بطريقيه
- والحالة هذه لايرتقي إلى درجة الحسن لغيره والعلم عند الله.
هذه الرواية فيها بيان حِكْمةٍ من حكم زكاة الفطر وهي
إغناء الفقراء والمحتاجين في يوم العيد فلا يسألون الناس، وهذا مظهر من مظاهر التكافل
الإجتماعي الذي حثَّ عليه ديننا الحنيف.
وقد استدل بها على جواز إخراج القيمة بدلاً عن الطعام
في زكاة الفطر ووجه الدلالة من الحديث -على فرض ثبوته- أن الإغناء يتحقق بالقيمة كما
يتحقق بالطعام وربما كانت القيمة أفضل(17).
واستدلوا ببعض الآثار منها ما أخرج ابن أبي شيبة –وعقد
عليه باب إخراج الدراهم في زكاة الفطر - قال:حدثنا أبو أسامة ،عن عوف، قال: سمعت كتاب
عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بالبصرة:(يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم ، عن كل إنسان
نصف درهم) يعني زكاة الفطر(18).
حدثنا وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبدالعزيز
في زكاة الفطر: (نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته:نصف درهم )لا بأس أن تعطي الدراهم في
صدقة الفطر(19).
وعن أبي إسحاق قال: أدركتهم وهم يؤدّون في صدقة رمضان
الدراهم بقيمة الطعام(20).
فهذا عمر بن عبدالعزيز في عصر التابعين يرسل إلى عامله،
وعلماء التابعين متوافرون، ولا يخفى عليهم فعل إمام المسلمين.
وهذا أبو أسحاق السبيعي –وهو من الطبقة الوسطى من التابعين
أدرك عليا وبعض الصحابة رضي الله عنهم - يثبت أن ذلك كان معمولا به في عصرهم فقوله
أدركتهم يعني به الصحابة.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا أن أخذ القيمة في زكاة المال
ثابتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة ومن ذلك قول البخاري في الصحيح:
باب العرْض في الزكاة وقال طاووس قال معاذ –رضي الله عنه- لأهل اليمن: ائتوني بعرْض
ثيابٍ خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهونُ عليكم وخيرٌ لأصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم(21).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « وأما خالدٌ فقد احتبس
أدراعه وأعتده في سبيل الله »(22).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « تصدقن ولو من حليكنّ
» (23) فلم يستثن صدقة الفطر من غيرها فجعلت المرأة تلقي خرصها و سخابها. ولم يخصّ
الذهب والفضة من العروض.
حدثنا محمد بن عبدالله قال: حدثني أبي قال: حدثني ثمامة
أن أنسًا -رضي الله عنه- حدّثه أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له التي أمر الله رسوله
صلى الله عليه وسلم: « ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل
منه ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده
ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء »(24) ا.هـ.
قلت: وهذه الأحاديث والآثار دالّةٌ على اعتبار القيمة
في إخراج الزكاة، فأثر معاذ ظاهر في الدلالة أما حديث خالد بن الوليد فقد أجاز النبي
صلى الله عليه وسلم له أن يحاسب نفسه بما حبسه فيما يجب عليه فدلّ على جواز إخراج القيمة،
وكذلك حديث زكاة بهيمة الأنعام هو صريح في جواز أخذ القيمة بدلاً من الواجب.
وإذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان
فجوازها في الزكاة المفروضة على الرقاب من باب أولى(25).
ومن الأدلة أيضًا تجويز الصحابة إخراج نصف صاع من القمح
لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير وقد صح عن معاوية –رضي الله
عنه- أنه فعل ذلك(26).
فهذه
الآثار دالة بمجموعها على جواز دفعها نقودًا.
وأيضًا فإنه من حيث النظر، والتعليل، والحكمة التي
تتفق مع مقاصد الشريعة فإن ازدياد الحاجة للمال وتقلص الحاجة للحبوب يتضح مع مرور الأيام.
وفي مقال(27) للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ذكر أن
النصوص الواردة فيما يخرج في زكاة الفطر هي دالة على اعتبار الطعام المعتاد كحال البلد،
ثم ذكر أن الرجل كان يفرح في السابق بهذه الحنطة وهذه الحبوب فيحملها إلى أهله حتى
يصنعون منها الخبز بعد طحنها وإصلاحها، وأن هذا الأمر لم يعد معمولاً به في الوقت الحاضر
بل إن الفقراء يبيعون ما يحصلون عليه من زكاة الفطر كالأرز وغيره حتى يحصلوا على النقود
إلى أن يقول: إنه -أي الفقير- يحتاج إلى كثير من الأشياء الضرورية التي ترهقه، ولا
يستطيع تلبيتها من دون عون من الله ثم بما يقدمه له إخوانه المسلمون من زكاتهم المفروضة،
إنه يفكر في سداد فاتورة الكهرباء التي لا يقوم بها أحد سواه، وكذلك سقيا الماء لأبنائه
وعائلته،
ولوازمهم المدرسية التي تكلفه الكثير الكثير من المال عدا الأشياء الضرورية
التي لا يستطيع التخلي عنها. هذا هو الواقع الذي يعيشه الفقير إن انفصال المقصد الشرعي
من هذه الفريضة والتجاهل للواقع انحراف عن مقاصد الشرع، وتنزيل للأحكام في غير موضعها،
فقد تغيّرت حاجة الفقراء في عصر الصحابة رضوان الله عليهم فلجأوا إلى ما يحقق مقاصد
الشريعة، ولم يكن ثمة اعتراض على ذلك وفي الوقت الحاضر تغيرت حاجة الفقراء، وأصبح ما
هو مشروع أصلاً -إلى جانب أنه لا يسد حاجة الفقير- هدفًا للتحايل والتلاعب إنّ النظر
الفقهي السليم هو الذي يؤاخي بين الأحكام الشرعية، وتأمل للواقع لتحقيق المقصد الشرعي.
قال الدكتور يوسف عبدالله(28): والذي
يلوح لي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة لسببين الأول:
ندرة النقود عند العرب في ذلك الحين، فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس.
والثاني: أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية
من عصر إلى عصر، بخلاف الصاع من الطعام فإنه يشبع حاجة بشرية محددة، كما أن الطعام
كان في ذلك العهد أيسر على المعطي، وأنفع للأخذ. اهـ. والله أعلم بالصواب.
وقد رجح هذا القول وأفاض في ذلك الشيخ مصطفى الزرقا(29)،
وفرق الشيخ أحمد الغماري بين البوادي والتي حالها مشابهُ لحال عصور الصحابة حيث لا
أسواق لبيع الطعام المطبوخ مع وجود الآلات التي تمكنهم من الانتفاع بما عندهم من الحبوب،
وبين الحواضر والتي المال فيها أحوج للفقير.
وهذا يتوافق مع أصل التشريع فإن الطعام كان إخراجه
أيسر في عهد الصحابة ومن الطعام الذي كان موجودًا ومتعارفًا عليه عندهم ولذلك فإن الفقهاء
-حتى القائلين بعدم إخراج زكاة الفطر نقدًا- لا يُلزمون بإخراجها من نفس الأصناف الواردة
في أحاديث زكاة الفطر وإنما يعبرون عن ذلك بقولهم قوت البلد، وهذا يدل على مراعاة المصلحة
والحاجة. فكان من أعظم المصالح وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه في
ذلك الوقت إلى الطعام المتيسر إخراجه لكل الناس آنذاك.
وأما الحال الآن فقد تغير فصارت النقود
ميسرة والحاجة لها أكثر كما سبق بيانه(30)، وعندي -والله أعلم- أن الراجح هو جواز إخراجها
نقدًا ولا يعني أن هذا هو الأفضل بل الأفضل إخراج ما يحتاجه من سيعطى الزكاة ولو أخرجها
نقدا مع وجود الحاجة لها حبا فقد أدى فرضه ولا يؤمر بالإعادة، كما أن العكس صحيح، وعندما
يوسّع الإنسان الدائرة وينظر إلى حال المسلمين في العالم وخاصة الدول الصناعية الأوروبية
مثلا والتي يتعامل الناس فيها بالنقود غالبًا فإخراجها نقدا أفضل والحالة هذه والله
أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
...
(( يجوز إخراج القيمة ( نقوداً أو غيرها ) في زكاة
الفطر ، قال به الإمام أبو حنيفة وأصحابه ، وقال به من التابعين سفيان الثوري ، والحسن
البصري ، والخليفة عمر ابن عبد العزيز ، وروي عن بعض الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان
، حيث قال : " إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر " ، وقال
الحسن البصري : " لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر " ، وكتب الخليفة
عمر بن عبد العزيز إلى عامله في البصرة : أن يأخذ من أهل الديون من أعطياتهم من كل
إنسان نصف درهم ، وذكر ابن المنذر في كتابه (الأوسط) : إن الصحابة أجازوا إخراج نصف
صاع من القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر ، أو الشعير .
ومما سبق يتبين أن الخلاف قديم وفي الأمر سعة ، فإخراج
أحد الأصناف المذكورة في الحديث يكون في حال ما إذا كان الفقير يسد حاجته الطعام في
ذلك اليوم يوم العيد ، وإخراج القيمة يجوز في حال ما إذا كانت النقود أنفع للفقير كما
هو الحال في معظم بلدان العالم اليوم ، ولعل حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم
– " أغنوهم في هذا اليوم" ، يؤيد هذا القول ؛ لأن حاجة الفقير الآن لا تقتصر
على الطعام فقط ، بل تتعداه إلى اللباس ونحوه .. ، ولعل العلة في تعيين الأصناف المذكورة
في الحديث ، هي: الحاجة إلى الطعام والشراب وندرة النقود في ذلك العصر ،حيث كانت أغلب
مبايعاتهم بالمقايضة، وإذا كان الأمر كذلك فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ،
فيجوز إخراج النقود في زكاة الفطر للحاجة القائمة والملموسة للفقير اليوم . والله أعلم
.))
------------
------------
(1) ينظر بداية المجتهد(1/64) مغني المحتاج (1/406) كشاف
القناع (1/471).
(2) المبسوط (2/158).
(3) بوب البخاري (باب العرض في الزكاة)وأورد فيه جملة من
الأحاديث والآثار- سيأتي ذكرها - قال ابن حجر في الفتح (3/398):قال ابن رشيد:وافق البخاري
في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل.
(4) مصنف أبي شيبة (4/37-38).
(5) الإنصاف (4/478) وعند ابن تيمية يجوز للمصلحة أيضا ينظر
مجموع الفتاوى(25/79). قلت: ولا داعي للتشكيك في نسبة هذا القول لابن تيمية، فقد جاء
في اختيارات ابن تيمية لبرهان الدين ابن القيم (138) ما نصه: وأنه يجوز إخراج القيمة
في زكاة المال وزكاة الفطر. ا.هـ، ومما يقوي ذلك أن ابن تيمية يرى جواز إخراج نصف الصاع
في القمح. الاختيارات الفقهية ص: (183) وهذا يدل على اعتبار القيمة عنده، وهو بهذا
يوافق الأحناف في هذه المسألة بالذات. بدائع الصنائع (2/72).
(6) أخرجه البخاري (1504) كتاب الزكاة باب صدقة الفطر على
العبد وغيره من المسلمين ، ومسلم (984) (13). كتاب الزكاة باب زكاة الفطر على المسلمين
من التمر والشعير.
(7) الكامل لابن عدي (7/55).
(8) سنن الدارقطني (2/152).
(9) سنن البيهقي (4/175).
(10) المستدرك (1/410).
(11) الأموال لحميد بن زنجويه (2397).
(12) المحلى (6/121).
(13) ترجمته في الضعفاء الكبير (4/308)، الكامل (7/52)، التاريخ
الكبير (8/114)، لسان الميزان (7/484).
(14) المحلى (6/121).
(15) الطبقات لابن سعد (1/284).
(16) ترجمته في الضعفاء (4/107)، الكامل (4/318)، المجروحين
(3/290).
(17) ينظر كتاب (فقه الزكاة) للدكتور يوسف القرضاوي
(2/949).
(18) أخرجه ابن أبي شيبة (6/507 رقم 10469) قال المحقق الشيخ
محمد عوامة: أبوأسامة هو حماد بن أبي أسامة وفي نسخة عن عون وفي أخرى عن ابن عون وكلاهما
بصريان يروي عنهما حماد بن أسامة.
قلت: حماد بن أسامة ثقة ثبت ربما دلس .التقريب(1487)وتدليسه
قليل وهو يبين من دلس عنه
عوف بن أبي جميلة الأعرابي العبدي ثقة التقريب(5215) فالأثر
صحيح.
(19) المرجع السابق.
(20) المرجع السابق.
(21) أخرجه يحيى بن آدم القرشي في « الخراج » ت: أحمد شاكر
رقم 525 ص(147)، قال ابن حجر في «الفتح» (3/398): هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاووس
لكن طاووس لم يسمع من معاذ فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاريُّ بالتعليق
الجاز فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد
فلا، إلا أنّ إيراده له في معرض الاحتجاج يقتضي قوته عنده وكأنه عضده عند الأحاديث
التي ذكرها في الباب.
قوله خميس: هو الثوب الذي طوله خمسة أذرع. النهاية
(2/75).
قوله لبيس: أي ملبوس فعيل بمعنى مفعول. الفتح (3/398).
(22) أخرجه البخاري رقم (1468) الزكاة، باب قوله تعالى:
(وفي الرقاب).
(23) أخرجه البخاري رقم (977) العيدين باب العلم الذي بالمصلّى.
(24) صحيح البخاري ص(281-282) بيت الأفكار.
(25) تحقيق الآمال ص(59).
(26) صحيح البخاري (1508)، وقد ورد ما يفيد ذلك عن النبي
صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث جمعها الغماري في « تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطربالمال
» حيث ساق اثني عشر حديثًا موصولاً وذكر بعض المراسيل والموقوفات ثم قال: فهذه الروايات
تثبت صحة ورود نصف الصاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق القطع والتواتر إذ يستحيل
-عادة- أن يتواطأ كل هؤلاء الرواة على الكذب أو اتفاق الخلفاء الراشدين ومن ذكر معهم
من الصحابة والتابعين الذين لم يفش فيهم داء التقليد على القول بما لا أصل له عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا ثبت ذلك، وبطل ادعاء البيهقي: ضعف أحاديث نصف الصاع
من البر ثبت المطلوب وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر القيمة في زكاة الفطر
» أ.هـ. تحقيق الآمال ص(83).
(27) المقال نشر في جريدة عكاظ في 17/9/1427هـ العدد
1940.
(28) فقه الزكاة (2/949).
(29) فتاوى مصطفى الزرقا ص(145).
(30) ينظر: تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص(62،
102).
===========
من أجاز دفع القيمة غير أبي حنيفة (
رحمه الله ) ::
كأن لسان حال أبي حنيفة يقول : (( لست
وحدي من أجاز دفع القيمة في زكاة الفطر )) .
من الذين أجازوا دفع القيمة في زكاة
الفطر :
1 _الإمام البخاري ( رحمه الله تعالى
) : وهو الظاهر من مذهبه في صحيحه، قال ابن رشيد: "وافق البخاري في هذه المسألة
الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل". (فتح الباري 5/57) .
2_مذهب عطاء بن أبي رباح ( رحمه الله
) .
3_الحسن البصري ( رحمه الله ) .
4_عمر بن عبد العزيز ( رحمه الله )
.
5 _سفيان الثوري ( رحمه الله ) .
6_ إسحاق بن راهويه ( رحمه الله ) .
7_مذهب ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن إخراج
القيمة في زكاة الفطر وغيرها يجوز للمصلحة الراجحة، قال في مجموع الفتاوى (25/79)
: "وأما إذا أعطاه القيمة ففيه نزاع: هل يجوز مطلقاً؟ أو لا يجوز مطلقاً؟ أو يجوز
في بعض الصور للحاجة، أو المصلحة الراجحة؟ على ثلاثة أقوال ـ في مذهب أحمد وغيره ـ
وهذا القول أعدل الأقوال" يعني القول الأخير.
وقال في موضع آخر (25/82): "وأما
إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا
يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد ـ رحمه الله ـ قد منع القيمة في مواضع، وجوزها في
مواضع، فمن أصحابه من أقر النص، ومنهم من جعلها على روايتين. والأظهر في هذا: أن إخراج
القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه... إلى أن قال رحمه الله: "وأما إخراج
القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به" أ هـ ,
8_تنبين مما سبق أن للإمام أحمد ( رحمه
الله ) قولاً آخرا بجواز دفع القيمة .
9- أبو إسحاق السبيعي - وهو أحد أئمة
التابعين- : قال :" أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام
". ( رواه ابن أبي شيبة 3/65 ) .
وقد أدرك أبو إسحاق السبيعي ( رحمه الله
) أكثر من ثلاثين صحابياً , ومن بينهم علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) .
من هذا تبين أن غير أبي حنيفة وأصحابه
أجاز دفع القيمة , فمنهم أجازها مطلقاً , ومنهم من جعل الحاجة والضرورة شرطاً لجواز
دفع القيمة .
هذا ما استطعت جمعه من الأقوال , وربما
فاتني بعضهم .
جزاكم الله خيرا .
د . قتيبة عدنان السماوي .
15/رمضان /1438 هجرية ..
10 / 6 / 2017 م ..
مراجعة ادلة المجيزين إخراج
زكاة الفطر بالمال
1- أن الواجب في الحقيقة إغناء الفقير
لقوله صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم) و الإغناء يحصل بالقيمة؛
لأنها أقرب إلى دفع الحاجة
2- أن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) ، والمال في الأصل ما يملك من الذهب أو الفضة، وبيان
الرسول للمنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا لحصر الواجب.
3- إذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزَّكَاة
المفروضة في الأعيان، فجوازها في الزَّكَاة المفروضة على الرّقاب زكاة الفطر أولى؛
لأن الشرع أوجب الزَّكَاة في عين الحب، والتمر والماشية، والنقدين، كما في حديث معاذ
الذي قاله له النبي صلى الله عليه وسلم فيه لما بعثه إلى اليمن: (خذ الحب من الحب،
والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر) ولماكان الحال كذلك اقتضت حكمة الشرع البالغة
أمر الناس في عهد النبوة بإخراج الطعام ليتمكن جميعهم من أداء ما فرض عليهم، ولا يحصل
لهم فيه عسر، ولا مشقة؛ وذلك لأن النقود كانت نادرة الوجود في تلك الأزمان ببلاد العرب
ولاسيما البوادي منها، وخصوصاً الفقراء، فلو أمر بإعطاء النقود في الزَّكَاة المفروضة
على الرؤوس لتعذر إخراجها على الفقراء بالكلية، ولتعسر على كثير من الأغنياء الذين
كان غناهم بالمواشي والرقيق، والطعام، أما الطعام فإنه متيسر للجميع، ولا يخلو منه
منزل إلا من بلغ به الفقر منتهاه، فكان من أعظم المصالح، وأبلغ الحكم العدول عن المال
النادر العسر إخراجه إلى الطعام المتيسر وجوده، وإخراجه لكل الناس.
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين القدر الواجب
من الأعيان المنصوص عليها، مع تساويها في كفاية الحاجة، وسد الخلة فأوجب من التمر والشعير
صاعاً، ومن البر نصف صاع ؛ وذلك لكونه أعلى
ثمناً لقلته بالمدينة في عصره، فدل على أنه اعتبر القيمة، ولم يعتبر الأعيان إذ لو
اعتبرها لسوى بينها في المقدار . 5- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء يوم
عيد الفطر: (تصدقن ولو من حليكن) . وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن صدقة الفرض من غيرها" .
6- أن الله تعالى يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) . وجه الدلالة: أن المال هو المحبوب، فإن كثيراً
من الناس يهون عليه إطعام الطعام، ويصعب عليه دفع ثمن ذلك للفقراء، بخلاف الحال في
عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان إخراج الطعام في حقهم أفضل لأنه أحب، وإخراج
المال في عصرنا أفضل؛ لأنه إلينا أحب.
7- أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم) وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قيد
الإغناء بيوم العيد ليعم السرور جميع المؤمنين، ويستوي فيه الغني والفقير، وهذا المعنى
لا يحصل اليوم بإخراج الحب الذي ليس هو طعام الفقراء والناس كافة، ولا في إمكانهم الانتفاع
به ذلك اليوم حتى لو أرادوا اقتياته على خلاف العادة.
8- أن مراعاة المصالح من أعظم أصول الشريعة،
وحيثما دارت تدور معها، فالشريعة كلها مبنية على المصالح ودرء المفاسد.
==============
علماء السلف ممن هم على رأي أبي حنيفة
في موضوع ( إخراج زكاة الفطر بالمال )
1) يحي بن معين قال الحافظ الذهبي في السير: "كان أبو زكريا حنفيًا في الفروع"
فقد ذكر الحافظ الذهبي أنهما كان
يفتيان برأي أبي حنيفة.
1) زفر بن الهديل المتوفى سنة 158هـ:
2) إبراهيم بن طهمان المتوفى سنة 163هـ [47]:
3) القاسم بن معن المسعودي المتوفى سنة 175هـ [53]:
4) يعقوب بن إبراهيم القاضي (أبو يوسف) المتوفى سنة 182هـ:
5) يحيى بن زكريا بن أبي زائدة المتوفى سنة 183هـ [62]:
6) محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة 189هـ:
7) حفص بن غياث القاضي المتوفى سنة 194هـ [69]:
8) أبو سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني المتوفى بعد سنة 200هـ [74]:
9) معلَّى بن منصور الرازي المتوفى سنة 211هـ [77]:
10) شدَّاد بن حكيم القاضي البلخي المتوفى سنة 212هـ [80]:
11) عبد الله بن داود الخريبي المتوفى سنة 213هـ [82]:
12) هاشم بن عبيد الله الرازي المتوفى سنة 221هـ [84]:
13) الليث بن مساور البلخي المتوفى سنة 226هـ [89]:
14) إبراهيم بن يوسف الباهلي البلخي الماكياني المتوفى سنة 239هـ [92]:
15) يحيى بن أكثم التميمي القاضي المتوفى سنة 243هـ [95]:
16) محمد بن أحمد بن حفص الزرقان المتوفى سنة 264هـ [100]:
17) الحكم بن معبد الخزاعي المتوفى سنة 295هـ [102]:
18) مقاتل بن فضل البلخي [105]:
19) أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي المتوفى سنة 321هـ [107]
وزكاة رمضان هي: صدقة الفطر...كما هو عادة بعض الفقهاء في التعبير عنها
وقد أثبتها عنه ( إجازته إخراج الفضة عن زكاة الفطر) أيضاً:
الحافظ المزي في تهذيب الكمال ( 31 / 561)
والحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 9 / 136)
والحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ( 11 / 287)
#زكاة_الفطر_نقوداً
يحيى بن معين
ولد سنة ثمان وخمسين ومائة. وكان قريناً للإمام أحمد بن حنبل. ولد في خلافة أبى
جعفر، أصله من الأنبار، ونشأ ببغداد، وهو أسن الجماعة الكبار، الذين هم:علي بن المديني،
وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر ابن أبي شيبه، وأبو خيثمة، فكانوا يتأدبون
معه، ويعترفون له. [2] وكان إماماً حافظاً من كبار أئمة زمانه ، وكان صديقاً مقرباً
لعدد من كبار الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل فقد لزم مجلس الإمام أحمد وصاحبه وتتلمذ
بين يديه حتى نهل من علمه ، كما كان زاهداً ورعّاً صادقاً ثقةّ متمكناً في علم الرجال
، فكان الكثير يطلبه ليكون من تلاميذه .
=============
زكاة الفطر بين جواز النافع ومنع الأنفع
عادل الكلباني
هناك عبارة صحيحة يمكنها أن تُفهم فهمًا خاطئًا أحيانًا، وتطبّق تطبيقًا خاطئًا أحيانًا أخرى، تلكم هي قولنا ( لو كان خيرًا لسبقونا إليه). وهي قاعدة لإظهار الاتباع, يُحجّر بها كثير من الناس ما قد يكون فيه متسعًا للأمة, ولكن ليس هذا هو ما أريد طرحه هنا, وإنما سنأخذ منها جزئية تتعلق بزماننا ومكاننا, وهي قطرة من بحر مما سلكنا فيه مسلك النظر إلى الحروف والألفاظ, دون النظر إلى ما تحويه الكلمة وتقتضيه من المعاني المقاصدية.
كنت قبل أعوام قد طرحت تساؤلات عن "صدقة الفطر" وقوبلت كالعادة, فأناس يعلمون بأحقية ما نقول, ولكنهم لا يقدرون على مقارعة رأي الآخر, وآخرون يستندون برأيهم على غلبة الحال, وكأن الحق يعرف بكثرة من يعمل به، ويبدو أن التمسك بحرفية النص، أو مخالفته حسب الظروف أصل متين في التوجه الفكري الفقهي لعامة من تصدر توجيه الناس في أمور دينهم, وهذا المسلك قد أرهق الكثيرين في نقده ومناقشته، وليس الوقت ملائمًأ لنقاشه, ولكني أحاول أن أسلط الضوء على "زكاة الفطر" مقتبسًا من طريقة الفاروق عمر رضي الله عنه في التجديد في الوسائل، ولن أطيل بذكر أمثلة من ذلك سوى ما اتفق عليه كل السلفيين من أن عمر قد مصر الأمصار وأنشأ الدواوين، وهذا بحد ذاته كاف للبدء منه ومن نحوه كثير,
ما بالنا لا نراعي التطور الحضاري والعمراني والسكاني، في زكاة الفطر التي بدا فيها العنت واضحًا على الفقراء والمساكين، في عينها، ووقتها، وطريقة تسليمها واستلامها..
كنقطة انطلاق للتغيير المفسر لمعاني ومقاصد الأحاديث والآثار في زكاة الفطر بما يجمع بين الرأيين؛ رأي إخراج النقود, ورأي التمسك بلفظ الطعام, ويحافظ على الربط بين الماضي والحاضر، فإنه من الممكن التيسير على الخلق في ذلك، والقضاء على الطرق العشوائية, والمناظر المعاكسة للتطور العمراني والسكاني العصري, في طريقة العرض والبيع والتوزيع، ومنع الكذب والتدليس، وأيضا سد طرق التحايل لجمع تبرعات غير مضمونة التصدير، فيمكننا دفعها نقودًا لجهةٍ توكل لها المهمة رسميًا, فتعطي لهذا حاجته من النقود, وتوصل لذاك حاجته من الطعام, وأيضًا نكون استفدنا من آراء الفقهاء والأئمة, الذين رفعوا الحرج عن أتباعهم بفهمهم, أنه ليس الطعام مقصودًا بذاته, وإنما المقصود الأعظم هو إغناء الفقير, وتقديم "الأنفع له على النافع".
وليس ذلك في النظر بعيدًا عن الصواب, فها هي الزكاة, ركن من أركان الإسلام, انتقل الناس فيها من "الأنفع إلى النافع" فقد كان الذهب يخرج زكاة للذهب والفضة تخرج زكاة للفضة, فلو نظرنا إلى الأنفع لأصناف الزكاة لاشك أنه بقاء الأصل, وإخراج الذهب والفضة عينًا, لكن فيه مشقة عامة, وأيضًا مجانبة لتطور الاقتصاد الذي اعتمد على العملات الورقية بديلا عن النقدين, فهل قال أحد من الفقهاء والأئمة, لا يجوز إخراج الأوراق بديلاً عن الذهب؟ الجواب لا, فما بالنا لا نراعي التطور الحضاري والعمراني والسكاني, في زكاة الفطر التي بدا فيها العنت واضحًا على الفقراء والمساكين, في عينها, ووقتها, وطريقة تسليمها واستلامها, فلا نحن نظرنا لتجويز العلماء في إخراجها أثناء الشهر, ولا نحن ألقينا بالاً لمن أجاز إخراجها نقودا, مراعاة لنفع الفقير, وحاجة المسكين, بل نظرنا إليها نظرة العبادة الشكلية وكأن الحكمة من فرضها خافية علينا خفاء ليلة القدر, وقد قال النبي صلى الله عليه وآله «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» فهاهي الحكمة واضحة وضوح الشمس, لكن أبينا إلا أن يطوفوا بما أعطيناهم من أرز وحب, فهذا ليبيعه بخسًا بنقود تغنيه, وذاك لشراء ما يكمل به نفع الطعام, و...و...و الخ
فأين الفقهاء من هذا؟ وأين الجهات المنظمة, التي تستطيع وضع آلية للاستلام والتسليم, بما ينفع المساكين, ويتوافق مع الزمان والمكان؟. هذا، والله من وراء القصد.
============
خلاصة الرأي الفقهي في مسألة إخراج زكاة الفطر بالقيمة نقدا
من خلالِ ما تقدم من نصوص السنة النبوية في تشريع زكاة الفطر، وبيان أحكامها وحكمتها، ومن الآراء الفقهية حول مسألة إخراجها بالقيمة نقدا، فإِن الرأي الفقهي الذي انتهت إليه من خلال هذه البحوث والدراسات وأقوال الفقهاء والعلماء وفي ضوء كل ذلك هـــو :
إخراج زكاة الفطر نقدًا .... أفضل و أيسر وفيه مصلحة للفقير والمزكي ...
الرأي القائل بجواز إخراج زكاة الفطر بقيمتها النقدية، يستند إلى حكمة مشروعيتها من إغناء الفقير والمسكين، واستنباطا من نصوص بعض الأحاديث الواردة في زكاة الأموال بصفة عامة، يدخل في باب الأخذ بمبدأ اليسر ورفع الحرج عن الناس في بعض الأمور والأحوال التي تقتضيه، باعتباره أصلا متأصلا في دين الإسلام وشريعته السمحة، بنص القرآن الكريم والسنة النبوية، وفيه يقول الله تعالى:»يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر«، ويقول سبحانه:»وما جعل عليكم في الدين من حرج«، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:»يسروا ولا تعسروا«.
وعليه، فيجوز على هذا الرأي إخراجها بالقيمة نقدا.
“يعني القول
الأخير” . فالقول بإخراج القيمة في زكاة الفطر هو الأنفع للفقير والأرجح في تحقيق
كفايته وقضاء مصالحه، إذ الفقير في زماننا هذا هو الذي يعرف عن حاجته اكثر من
المزكي مما يطالب به في ضروريات حياته، وأغلب الاحيان يضطر الفقير ان يبيعه ليحصل
على النقود بسعر اقل ويخسر
وخلاصة القول: إن الأمر فيه سعة،
وما ينبغي النكير على من قال بجواز أخذ القيمة في الزكاة، او بالعكس
والله أعلم وأحكم، وهو سبحانه من وراء القصد، والهادي إلى كل رشاد وأقوم سبيل.
والله تعالى أعلم⇭
لمن يبحث عن الدليل : جمع كبير من أئمة السلف يجوزون إعطاء النقود في زكاة الفطر ..
لمن يبحث عن الدليل :
جمع كبير من أئمة السلف يجوزون إعطاء النقود في زكاة الفطر ..
1 ـ عموم الناس في عهد أواسط الصحابة وكبار التابعين (الذين أدركهم أبو إسحاق السبيعي).
[كما في مصنف ابن أبي شيبة (2/398) والأموال لابن زنجويه (3/1268)]
2 ـ وعموم التابعين من أهل الديوان (الوظيفة) في عهد عمر بن العزيز
[كما في مصنف ابن أبي شيبة (2/389) وطبقات ابن سعد (5/298) والأموال لابن زنجويه (3/1267ـ1268)]
3 ـ وعموم التابعين من أهل الديوان (الوظيفة) في عهد يزيد بن أبي حبيب والزهري قبل سنة 125 هـ
[كما في الأموال لابن زنجويه (3/1267ـ1268)]
4 ـ والتابعي الكبير أبوميسرَة عمرو بن شرحبيل الهمداني المتوفى سنة 63 هـ
[رواه عنه ابن معين في تاريخه (3/345)]
5 ـ والخليفة التابعي العالم عمر بن عبد العزيز
[كما في مصنف ابن أبي شيبة (2/389) وطبقات ابن سعد (5/298) والأموال لابن زنجويه (3/1267ـ1268)]
6 ـ والتابعي الإمام الحسن البصري رحمه الله
[كما في مصنف ابن أبي شيبة (2/389)]
7 ـ ورواية عن التابعي الإمام عطاء بن أبي رباح رحمه الله
[حكاها غير واحد عنه ومال ابن رجب إلى أن هذا مذهبه]
8 ـ والإمام سفيان الثوري أحد أكبر أئمة السلف
[كما في الأموال لابن زنجويه (3/1268) والمغني لابن قدامة (3/87)]
9 ـ والإمام أبو يوسف الذي شهد له الإمام أحمد بالسنة
[كما في الاستذكار لابن عبد البر (3/270) وبدائع الصنائع (2/72)]
10 ـ والإمام أبو حنيفة رحمه الله
[كما نقله عنه عامة الفقهاء ومنهم ابن قدامة في المغني (3/87)]
11 ـ والإمام مالك بن أنس في رواية عنه
[نقلها ابن عبد البر في كتابه الكافي في فقه أهل المدينة (1/323)]
12 ـ وابن القاسم تلميذ الإمام مالك [كما في النوادر والزيادات (2/303)]
13 ـ وأشهب تلميذ الإمام مالك [كما نقله عنه ابن المواز]
14 ـ والإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه
[نقلها غير واحد ، ومنهم ابن مفلح في الفروع (4/267) والمرداوي في الإنصاف (3/182)]
15 ـ ومحمد بن الحسن الشيباني شيخ الشافعي [كما في الاستذكار لابن عبد البر (3/270) وغيره]
16 ـ والإمام يحيى بن معين حيث قال: لَا بَأْس أَن تعْطى فضة [كما في تاريخه رواية الدوري (3/476)]
17 ـ والإمام إسحاق بن راهويه إذا كانت الدراهم هي حاجة الفقير [كما عزاه غير واحد ، وفي المجموع شرح المهذب (6/112) بلفظ الضرورة]
18 ـ والإمام البخاري صاحب الصحيح وناصر السنة [كما حكاه عنه غير واحد من العلماء]
19 ـ والإمام الطحاوي صاحب العقيدة الطحاوية فقد كان يفضل القيمة [كما في المبسوط (3/107)]
20 ـ والإمام حميد بن مخلد بن زنجويه وهو من أقران البخاري [كما في كتابه الأموال (3/1269)]
21 ـ وجمع من أئمة المالكية الأوائل [كما نقل ابن عبد البر في الكافي (1/323)]
22 ـ وعامة فقهاء المذهب الحنفي [كما في المبسوط (3/107) وغيره]
23 ـ والفقيه أبوثور [ كما في عزاه غير واحد عنه وقيده في المجموع شرح المهذب بالضرورة]
وكل هؤلاء من السلف الصالح أهل القرون المفضلة.
24 ـ وشيخ الإسلام ابن تيمية [كما في الاختيارات له ص (138) جمع برهان الدين ابن القيم] إذا كانت أنفع للفقير.
25 ـ والعلامة أحمد شاكر رحمه الله [كما في حاشيته على المحلى لابن حزم (6/132)]
جواز إخراج زكاة الفطر قيمة والإجابة عن اعتراضات الجمهور في عدم إجزاء القيمة
1- الاعتراض الأول:
الأصل في العبادات التوقيف فيجب الوقوف عند حدود النص.
*** الجواب:
قولهم: " الأصل في العبادات التوقيف " إذا كانت العلة غير معقولة المعنى كعدد ركعات الصلاة مثلا، وفي زكاة الفطر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اغنوهم عن السؤال فى هذا اليوم ) إذن العلة منصوص عليها ومعقولة المعنى وهي الإغناء، وهى أقوى أنواع العلة.
ومن لم يجز النقد في زكاة الفطر لم يجمد على ظاهر النص: "كنّا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب، وذلك بصاع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم" فحمل العلماء الأصناف الواردة في الحديث على أنّها معلّلة بكونها أغلب قوت أهل البلد من غير نظر إلى قوت المخرِج، وهي كانت كذلك في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد تكون مستمرّة كلّها أو بعضها قوتا أغلبيا في بعض الأقوام.
ولأجل ذلك قال الجمهور القائلين بوجوب إخراج زكاة الفطر طعاما: بأنّ العرف إذا تغيّر في قوم وأصبحوا يقتاتون بغيرها في حالة الرجاء والشدّة، كالعدس، واللحم، واللّبن، والفول، والحمص، والجلبّان ونحو ذلك من القطاني، والأرز، والتّين، والسّويق، والأقط ـ أي اللبن الجاف ـ، فإنّ الواجب إخراج زكاة الفطر من أغلبها أو ممّا انفرد منها، بشرط أن لا يوجد شيء ممّا جاء في الحديثين مقتاتا، فإن لم تكن مقتاتة أُخرج من غيرها المقتات ولو مع وجودها إن كانت غير مقتاتة؛ إذ لا عبرة به. ولا يكلّف المرء إخراج ما ليس مقتاتا له؛ لأنّ فيه حرجا عليه.
وإذا كان النص معللا عند الجميع: فلا يصح أن يقال يجب الوقوف عند حدود النص، وإلا لما صح أن يخرج العدس، واللحم، واللّبن، والفول، والحمص، والجلبّان ونحو ذلك من القطاني، والأرز، والتّين، والسّويق، والأقط.
وإذا دار النص بين أن يكون معللا وغير معلل، فيحمل على التعليل لأنّ الأصل في الأحكام التعليل، وأحكام زكاة الفطر معلّلة، وليست تعبّدية. فإنّ وجوبها معلّل بكونه طهرة للصّائم من اللّغو والرفث؛ وتعيين الأصناف الواردة في السنّة معلّلة بكونها قوتا غالبا لأهل البلد؛ وتخصيصها بالفقراء معلّل بإغنائهم وسدّ احتياجاتهم يوم العيد.
2- الاعتراض الثاني:
لا نعلم أحدًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج النقود في زكاة الفطر، وهم أعلم الناس بسنته - صلى الله عليه وسلم - وأحرص الناس على العمل بها, ولو وقع منهم شيء من ذلك لنقل كما نقل غيره من أقوالهم وأفعالهم المتعلقة بالأمور الشرعية.
*** الجواب:
أنه صلى الله عليه وسلم لو ذكر نقودا محددة كدرهم أو عشر (بضم العين) دينار مثلا ، لأدى ذلك إلى اضطراب كبير ، لأن قيمة النقود تتغير من زمان إلى زمان ، انظر إلى قيمة الدينار الجزائري منذ سنوات وقيمته الآن ، فالفرق شاسع جدا بين القيمتين .
وجل التعامل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة كان بالمبادلة ، وكانت النقود قليلة ، وذلك لأن العرب لم تكن قد صكت نقودا ولا الدولة الإسلامية الوليدة ، إنما عرفت النقود الإسلامية فى الدولة الأموية ، وقد كانوا يجلبون الدنانير والدراهم من الفرس والروم ، فكان إخراج الطعام أرفق لندرة النقد.
ولما كانت العين ـ من الذهب والفضّة ـ نادرة بين أيدي النّاس في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والصحابة، وكانت تروج بين التجّار أكثر جرّاء رحلاتهم التجارية، وكان غالب المال عند من يملك الأنعام والنخيل وشيء من الزراعة. ولقلّة العين كانت المبادلات تقوم في كثير من الأحوال على مقايضة سلع بسلع. وأمّا سائر النّاس فهم يعملون بكدّ أيديهم عند مالكي التجارات والزراعات والماشية، فكانوا أُجراء على قوتهم وقوت عيالهم. وكان من لا يعمل بسبب من الأسباب لا قوت له، فهو يعيش على الصّدقات وأعمال البرّ ممّن يرغب في الثواب من الله تعالى، وعدد هؤلاء ليس بالقليل، فهم يمثّلون جزءا كبيرا من المجتمع.
يجب إخراجها من الأجناس التي بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجمل الأحاديث لأنها زكاة بدن وهي عبادة وقربة لله تعالى فتؤدى كما أمر، وما ذكر من إخراج القيمة فهو تعليل في مقابل النص فلا يكون مقبولاً إذ لا اجتهاد مع النص، واستدلالهم بأن إخراج القيمة أنفع للفقراء مبني على الرأي والعقل، وزكاة الفطر من العبادات التي يقتفى فيها أمر الشارع، وهذا محمود لولا وجود النص، أما مع وجوده فهو فاسد الاعتبار، إذ لا قياس مع النص.
*** الجواب:
( لا قياس مع النص ) هذا كلام صحيح ، أى ألا يكون فى الفرع نص ، فإن كان فى الفرع نص فلا يجوز القياس ، وهنا فى مسألتنا ليس هناك نص فى (القيمة) فلا يجوز هنا لأحد أن يقول لا قياس مع النص ، فإذا وجد نص فى الفرع لا يجوز القياس كمن يريد أن يعطى البنت نصيبا مساويا لنصيب الولد فى الميراث ، لأن البنت تشترك مع الولد فى أنها ابنه للميت ، فهذا قياس فاسد ، لأن الفرع فيه نص ، وهو قول الله تعالى : ( للذكر مثل حظ الأنثيين) فهذا القياس يبطل النص ، ويتعارض معه كليا ، فوجب إبطاله ، وهكذا كل قياسا يعارض النص فهو باطل .
أما ( القياس على النص ) فهو القياس الصحيح ، لأنه (لا قياس إلا على نص) فيذكر الفقيه النص وحكمه وعلته ، ثم ينظر فيجد العلة الموجوة فى النص موجودة فى شئ آخر ، ومن المعلوم أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، فيعدى الفقيه حكم الأصل إلى الفرع ، سواء كان هذا الحكم هو الوجوب أو التحريم أوغير ذلك ، وأضرب على ذلك مثالا حتى يتضح الأمر: نص القرآن الكريم على تحريم الخمر بقوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ....إلى قوله تعالى فهل أنتم منتهون ) فنظر الفقهاء إلى علة التحريم فوجدوها الإسكار ، ووجدوا هذه العلة موجودة فى النبيذ ، فقاسوا النبيذ على الخمر ، وأعطوه حكم التحريم ، ونفس الموضوع فى مسألتنا هذه، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج فى زكاة الفطر صاعا من تمر أوصاعا من بر أو.... فنظر الأحناف وغيرهم إلى العلة فوجدوها إغناء الفقراء فى هذا اليوم ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اغنوهم عن السؤال فى هذا اليوم ) إذن العلة منصوص عليها ، وهى أقوى أنواع العلة ، فنظروا إلى القيمة ، هل فيها نفس العلة ؟ وهى إغناء الفقراء ، فوجدوها مشتملة على نفس العلة بل وتزيد ، لأنك لو أعطيت الفقير القيمة نقدا لاستطاع أن يشتري القمح إن كان محتاجا إليه أو يشترى شيئا آخر هو أكثر إحتياجا إليه .
وليس فى الحديث نهى عن إخراج القيمة ، فإن كان لك يا أخى اعتراض فقل : إن ( النقد ) أى الأموال لا تقوم مقام الطعام ، ولا يجوز لك أن تقول هنا ( لا قياس مع النص ) إنما يحق لك ذلك لو كان النص هكذا : ( لا يجوز إخراج القيمة فى زكاة الفطر ) فهنا لو قال فقية يجوز إخراج القيمة لكان القياس مصادما للنص ومبطلا له فيكون قياسا باطلا ، أما أن يجيز رسول الله صلى الله عليه وسلم إخراج أنواع من الطعام فى زكاة الفطر ثم يأتى فقية فيقيس عليها شيئا آخرى فليس هذا قياسا مع النص بل هو قياسا على النص .
ولكن قد يقول قائل لماذا لم يذكر النبى صلى الله عليه وسلم القيمة ؟
نقول قد ذكرها وذلك بالقياس ، فالقياس حكم شرعى ، فلا يحق لأحد أن يقول المخدرات غير حرام ، لأنها غير مذكورة فى الكتاب ولا السنة ، بل مذكورة بالقياس على الخمر ، لأن الله تعالى تعبدنا بالقياس ، وهو من الأدلة الثابتة .
4- الاعتراض الرابع:
إخراج القيمة نقدا ـ أي عينا من الذهب أو الفضّة أو ما يقوم مقامهما ـ، مسألة راجعة إلى حكم إخراج القيمة في زكاة الماشية والحرث والعروض والعين. والقول في المذهب المالكي أنّه لا يجزئ إخراج العروض عن الماشية والحرث والعين.
*** الجواب:
فقد ثبت جواز إخراج القيم في الزكوات عن معاذ بن جبل، حيث قال لأهل اليمن: ائتوني بخميص أو لبيس آخذه منكم، فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة،
وعن عطاء، قال كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم.
ولذلك واختار شيخ الإسلام ابن تيمية القول بإخراج القيمة في الزكاة لمصلحة راجحة حيث قال: " وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهاهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمراً أو حنطة، إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك [ قلت: في غير زكاة الفطر] . ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كافٍ، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/82-83.
*** النتيجة:
استئناسا بحديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: " أغنوهم عن ذُلِّ السؤال في هذا اليوم" (أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي).
وتحقيق العلّة كما يكون بتمكين الفقير من الطعام، يكون أيضا بتمكينه من قيمته عينا، بل قد يكون العين لكثير من الفقراء أنسب لهم وأمكن في سدّ احتياجاتهم الطارئة زمن عيد الفطر، خاصّة في عصرنا الحاضر، بما يدخله من الفرح على عوائلهم وأبنائهم بتوفير الملابس الجديدة والحلويات والمشروبات المرغوب فيها ولعب الأطفال وعرائسهم، من حيث لو أعطي الفقراء الطعام من القمح أو مشتقّاته أو الحليب ونحو ذلك ممّا هو مقتات غالبا، ما كان ليسدّ خصاصتهم يوم العيد بها؛ لأنّ الطعام الضروري متوفّر للنّاس، بل وقد يكون مدّخرا لديهم بما يكفيهم الأيام العديدة. بل وغالبيتنا في هذا العصر لا يملك في بيته القوت الذي يخرجه بل قيمته، لأننا صرنا لا نتخذ عولة العام، بل نشتري طعامنا في كل يوم أو مرة في الأسبوع كالخضروات وبعضنا يشتري الزيت والسكر والقهوة ومثلها مرة في الشهر.
وليس من الحكمة أن تشتري السميد ثم تتصدق به، وكان يمكنك أن تعطي الفقير قيمته وهو يتصرف فيها كما شاء، لأن الأمر يختلف عن الرعيل الأوّل الذّين شرعت في عصرهم زكاة الفطر.
ولأن زكاة الفطر شرعت لتسوية الفقراء بأنفسنا أن ياكلوا من جنس ما ناكل يوم العيد لأن الصدقة تكون من فضل قوتنا يوم العيد، ونحن لا ناكل يوم العيد لا السميد ولا الطحين، ولكن طبخة مركبة منه ومن غيره فالسميد ليس طعاما بمعنى أكلة ولكنه مادة طعام، يعني يحتاج إلى التحويل و مواد أخرى.
وعلى هذا فإن المنفعة ، وتحقيق المساواة ، والمصلحة ، وطلب من يستحقها هي في إخراج القيمة النقدية وليس في القوت، لأن عرف الناس اليوم لا يأكلون الخبز وحده، .
وليس هذا بدعا من القول فإضافة إلى ما تم بيانه من مقاصد تلتقي وتعالج حقائق اجتماعية فهذا قول جلة من أئمة السلف والفقهاء، وإذا وجد الفقهاء في زمن أبي حنيفة الحاجة إلى إخراج زكاة الفطر بقيمتها النقدية فكيف بهذا الزمان المتأخر الذي أصبحنا فيه ننفق المال على المراحيض...ولا تفعل فعلا ، ولا تتحرك حركة إلا بثمن ..؟
قصة وعبرة:
قال إبراهيم بن موسى: رأيت فتحاً بن سعيد الموصلي في يوم عيد أضحى وقد شم ريح القتار، فدخل إلى زقاق فسمعته يقول: تقرب المتقربون بقربانهم وأنا أتقرب إليك بطول حزني يا محبوب، كم تتركني في أزقة الدنيا محبوساً؟ ثم غشي عليه وحمل فدفناه بعد ثلاث.