الخميس، 9 أبريل 2020

رسالة في المصافحة بين الرجل و المرأة

رسالة في المصافحة بين الرجل و المرأة

مصافحة الرجل للمرأة من الأمور التي تشغل الناس فيها كثيراً، وهي محل خلاف في الفقه الإسلامي. إذ لم يرد أي حديث صحيح في تحريم المصافحة.

أدلة من يرى التحريم:

قال البعض بالتحريم مستندين إلى حديث أخرجه الطبراني عن معقل بن يسار أن رسول الله r قال: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له». و هذا الحديث ضعيف. أخرجه الطبراني (20|211) من طريق شداد بن سعيد (فيه ضعف)، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن معقل مرفوعاً فذكره. وأخرجه ابن أبي شيبة (4|15 #17310) من طريق بشير بن عقبة (ثقة)، عن أبي العلاء، عن معقل موقوفاً عليه من قوله بلفظ: «لأن يعمد أحدكم إلى مخيط فيغرز به في رأسي، أحب إلي من أن تغسل رأسي امرأة ليست مني ذات محرم». وبشير بن عقبة ثقة أخرج له الشيخان، فهو أثبت، وأحفظ من شداد بن سعيد. وفي هذا قرينة ظاهرة أن شداداً قد أخطأ في الحديث من جهتين في رفعه، وفي لفظه، وأن المحفوظ عن أبي العلاء هو ما حدث به بشير عن معقل موقوفاً عليه باللفظ المذكور.

و حتى لو صح سند الحديث فلا يعني هذا المصافحة لأن اللمس بين الرجل و المرأة في لغة العرب غالباً من يطلق على الجماع، وإلا دلّ على الملامسة مع شهوة. و مسَّ الرجل امرأَتهُ أي: جامعها، كما في قوله تعالى {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} و قوله { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وقوله{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن}ـ  و أمثال هذا في القرآن و الحديث و أشعار العرب كثيرة جداً.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (21|223) راداً على من فسر المس بمجرد مس البشرة البشرة ولو بلا شهوة: «فأما تعليق النقض بمجرد اللمس، فهذا خلاف الأصول، وخلاف إجماع الصحابة وخلاف الآثار، وليس مع قائله نص ولا قياس... وذكر أدلة ثم قال: فمن زعم أن قوله {أو لامستم النساء} يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة، فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم. فإنه إذا ذُكِرَ المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة عُلِمَ أنه مسّ الشهوة، كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة، علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم».

و البعض احتج بما رواه الشيخان عن أمنا عائشة قالت: «ما مست يد رسول الله (r) يد امرأة قط إلا امرأة يملكها» رواه البخاري (7214)، ومسلم (1866). وفي الموطأ (ص 982) عن أميمة بنت رقيقة مرفوعاً: «إني لا أصافح النساء». ويُجال على هذا الحديث أنه ليس فيه دلالة على التحريم. إذ أن امتناع رسول الله r عن أمر دون أن ينهى عنه لا يدل على التحريم. و قد امتنع عن أكل الثوم و البصل و الضب و أجازه لأصحابه. و إن دل الحديث على شيء فعلى كراهية المصافحة بين الرجل و المرأة الأجنبية إن أمنت الفتنة (كمصافحة الشاب للمرأة العجوز).

وادعى البعض الإجماع على التحريم، ولا يصح هذا الإجماع. وفي حين يسوق معظم المصنفين المتأخرين الإجماع على حرمة مصافحة النساء، نجد كتب الإجماع خالية من هذه المسألة. وكيف يَدّعون الإجماع وقد ثبت عن فقيه العراق إبراهيم النخعي أنه صافح امرأة أجنبية كبيرة. جاء في حلية الأولياء (4|228): حدثنا ابراهيم بن عبدالله، قال حدثنا محمد بن اسحق، قال حدثنا قتيبة بن سعيد، قال حدثنا جرير، عن منصور، عن ابراهيم، قال : «لقيتني امرأة، فأردت أن أصافحها، فجعلت على يدي ثوبا، فكشفت قناعها، فإذا امرأة من الحي قد اكتهلت، فصافحتها وليس على يدي شيء».
بل جاء في الموسوعة الكويتية: «وأما المصافحة التي تقع بين الرجل والمرأة من غير المحارم فقد اختلف قول الفقهاء في حكمها وفرقوا بين مصافحة العجائز ومصافحة غيرهم: فمصافحة الرجل للمرأة العجوز التي لا تشتهي ولا تُشتهى، وكذلك مصافحة المرأة للرجل العجوز الذي لا يَشتهي ولا يُشتهى، ومصافحة الرجل العجوز للمرأة العجوز، جائز عند الحنفية والحنابلة ما دامت الشهوة مأمونة من كلا الطرفين».

واحتجوا بما جاء في صحيح مسلم (#2657) من حديث مرفوع فيه «...واليد زناها البطش...». شرح النووي (16|206) هذا بقوله: «بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده او يقبلها». فصارت الحجة في قول النووي لا في الحديث النبوي. وقول النووي غلط لأنه ليس من لغة العرب إطلاق البطش على اللمس باليد أو التقبيل، لأن اللمس فيه نعومة ورقة، بعكس البطش. ومعنى البطش في تلك الأحاديث هو الأخذ الشديد. وما وجدت في حديث ولا في شيء من معاجم اللغة ما يدل على أن المراد هو اللمس.

بل وجدت في القاموس المحيط: «"بَطَشَ": به "يَبْطِشٌ ويَبْطُشُ" أخَذَهُ بالعُنْفِ والسَّطْوَةِ "كأبطَشَهُ" أو "البَطْشٌ" الأخْذُ الشديدُ في كلِّ شيءٍ والبأسُ "والبَطيش" الشديدُ البَطْشِ». وف ي لسان العرب: «البَطْش التناول بشدة عند الصَّوْلة والأَخذُ الشديدُ في كل شيء بطشٌ بَطَشَ يَبْطُش و يَبْطِش بَطْشاً وفي الحديث: فإِذا موسى باطِشٌ بجانب العرش أَي متعلق به بقوَّة. و البَطْشُ الأَخذ القويّ الشديد. وفي التنزيل: وإِذا بَطَشْتُم بَطَشْتُم جبَّارين. قال الكلبي: معناه تَقْتُلون عند الغضب. وقال غيره: تَقْتُلون بالسوط، وقال الزجاج: جاء في التفسير أَن بَطْشَهُم كان بالسَّوط والسَّيْف، وإِنما أَنكر اللَّه تعالى ذلك لأَنه كان ظُلماً، فأَما في الحق فالبَطْش بالسيف والسوط جائز. و البَطْشة السَّطْوة والأَخذُ بالعُنْف; و باطَشَه مُباطَشَةً و باطَشَ كبَطَش; قال: حُوتاً إِذا ما زادُنا جئنا به * وقَمْلَةً إِن نحنُ باطَشْنا به. قال ابن سيده: ليْسَتْ به مِنْ قوله باطَشْنا به كَبِه من سَطَوْنا بِه إِذا أَردت بِسَطَوْنا معنى قوله تعالى: يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ وإِنما هي مثلُ بِه من قولك استَعْنَّا به وتَعاونَّا به، فافهم . وبَطَشَ به يُبْطش بَطْشاً : سَطا عليه في سُرْعة. وفي التنزيل العزيز : فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا».

ثم الحديث جاء فيه: «والأذنان زناهما الاستماع»: وليس كل استماع للنساء محرم، إلا ما ثبتت حرمته بالدليل الخارجي. وجاء فيه: «واللسان زناه الكلام»: وليس كل كلام مع النساء محرّم، إلا ما ثبتت حرمته بالدليل الخارجي. فصار لا بدّ من المجيء بدليل خارجي يدل على أن مصافحة الأجنبية هي من البطش باليد المحرم. ثم على التسليم بأن البطش هنا هو اللمس، فالسياق قد جاء في اللمس الذي بشهوة يفضي إلى الزنا، ونحن نسلم بأن المصافحة لشهوة لا تجوز.

فالمصافحة إنما تجوز عند عدم الشهوة، وأمن الفتنة. فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين، أو وجدت الشهوة والتلذذ من أحدهما، حرمت المصافحة بلا شك. بل لو فقد هذان الشرطان عدم الشهوة وأمن الفتنة بين الرجل ومحارمه مثل خالته، أو أخته من الرضاع، أو بنت امرأته، أو زوجة أبيه، أو غير ذلك، لكانت المصافحة حينئذ حراماً. بل لو فقد الشرطان بين الرجل وبين صبي أمرد، حرمت مصافحته أيضًا. وربما كان في بعض البيئات، ولدى بعض الناس، أشد خطراً من الأنثى. ولذلك ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة، ولا يحسـن التوسع في ذلك، سداً للذريعة، واقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط. وأفضل للمسلم المتدين، والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة، ولكن إذا صوفح صافح.

 

أدلة من يرى الجواز:

1-روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله r فتنطلق به حيث شاءت». هذا غاية في الصحة، وفي رواية أحمد وابن ماجه «فما ينزع يده من يدها»، جوّدها الألباني في صحيح ابن ماجه (#4177)، وفي سندها علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف.

2-جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله r كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت رضي الله عنه فدخل عليها رسول الله r فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول الله r ثم استيقظ وهو يضحك...الحديث.
وأم حرام ليست من محارمه 
r. وقد بالغ الحافظ الدمياطي في الرد على من ادعى أنها من محارم النبي r، وبيّن بطلان ذلك بالأدلة القاطعة (انظر في ذلك فتح الباري 13|230). وأما دعوى خصوصية النبي r فقد ردها القاضي عياض بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وأن الأصل عدم الخصوصية وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل.
3-
ثبت أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه جعل امرأة من الأشعريين تفلي رأسه وهو مُحْرِم في الحج. وهذا صحيحٌ أخرجه البخاري.

 أما في حال الفتنة فإن المصافحة لا تجوز من منطلق سد الذرائع. لقد رخص النبي r بالقبلة للشيخ الكبير وهو صائم في رمضان ولم يرخص ذلك لشاب أتاه وسأله نفس السؤال. و الله أعلم بالصواب. قال الكاساني الحنفي: «فإن كانا شيخين كبيرين، فلا بأس بالمصافحة، لخروج المصافحة منهما من أن تكون مورثة للشهوة، لانعدام الشهوة». وقال الرحيباني الحنبلي: «وحَرُم مصافحة امرأة أجنبية شابة، أي: حسناء؛ لأنها شر من النظر إليها، أما العجوز غير الحسناء، فللرجل مصافحتها، لعدم المحظور».

حرب تكسير العظام.. «مداخلة السودان» يخوضون صراع «الأكثر تشددًا»

حرب تكسير العظام.. «مداخلة السودان» يخوضون صراع «الأكثر تشددًا»المرجع

اعتاد دعاة السلفية المدخلية، خوض حروب كلامية متتالية مع العديد من التيارات والجماعات الإسلاموية بدءًا من جماعة الإخوان، ومرورًا بأنصار السنة المحمدية، وانتهاء بالتيارات السلفية، التي يسميها المداخلة بـ«الحزبية»، كالسروريون والقطبيون والحدادية، وذلك من أجل تحقيق ما يطلقون عليه «منهج أهل السنة والجماعة».

ولم يتوقف التأثير السلبي لهذه الحروب، عند حد خلق حالة من العداء بين التيار المدخلي وباقي التيارات الإسلاموية فقط؛ بل أدت إلى انقسام المداخلة أنفسهم؛ حيث انشق كثير منهم عن «ربيع بن هادي»، الذي ينسب إليه هذا التيار.

أبو بكر آداب
أبو بكر آداب

وتُعد السلفية المدخلية بالسودان، من أبرز الدلائل على هذه الانشقاقات التي طالت التيار المدخلي؛ حيث نشأت هذه الطائفة بعد انشقاق دعاتها عن جماعة أنصار السنّة المحمدية، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إثر دخولهم في صراع طويل مع الجماعة، التي اتهموها بأنها مخترقة من الحزبيين والسروريين والقطبيين.

 

ويعتنق «مداخلة السودان»، نفس معتقدات التيار المدخلي الذي يتزعمه ربيع بن هادي؛ حيث يحرمون الانتماء إلى الجماعات الإسلاموية، ويحاربون الطرق الصوفية، ويتهمونها بالوقوع في الشرك والغلو في محبة الأولياء والصالحين، إضافة إلى تحريمهم الخروج على ولي الأمر، وهي القناعات التي اكسبتهم عداء خاصًا مع جماعة الإخوان.

 

ومؤخرًا سرى الانشقاق في صفوف «مداخلة السودان»، إثر معارك منبرية نشبت بين «نزار هاشم» من جهة، و«مزمل فقيري» و«أبوبكر آداب» من جهة أخرى (وهؤلاء الثلاثة هم القادة الكبار للتيار)، ووصلت هذه المعارك إلى حد الطعن في كبار رموز التيار السلفي المدخلي في العالم، أمثال: ربيع بن هادي المدخلي، ومحمد بن هادي المدخلي.

«المرجع» يكشف خريطة غزو «التيار المدخلي» للعالم

 نزار بن هاشم السوداني
نزار بن هاشم السوداني

رأس الفتنة

يُعد نزار بن هاشم السوداني، رأس الفتنة السلفية المدخلية، والسبب في انقسام «مداخلة السودان»، وهو خريج الجامعة اﻹسلامية بالمدينة المنورة، وتعلم فيها على يد ربيع بن هادي المدخلي، وحصل على تزكيته العلمية، إلى جانب تزكيات أخرى من: حمَّاد الأنصاري ، وحسن بن عبد الوهَّاب البنا، ومحمد بن عبد الوهَّاب العقيل، ومحمد بن هادي المدخلي.

 

بدأ «هاشم»، دعوته المدخلية عقب عودته إلى السودان، من خلال جمعية الكتاب والسنة في السودان (المنشقة عن جمعية أنصار السنة)، وترأس هذه الجمعية فيما بعد، ما ساعده على استقدام بعض دعاة التيار المدخلي لإلقاء الدروس في مساجد الجمعية، وهذا الأمر جعله يصطدم بعدد من كبار دعاة الجمعية الذين رأوه ينحو بها إلى منحنى مختلفًا عن مسارها العام الذي انتهجته منذ نشأتها؛ فما كان منه إلا أن انقلب عليهم وصار يجرح فيهم ويهاجم منهجهم.

 

وكان هذا الهجوم هو بداية الصراع الذي دخله «هاشم» مع رفقاء دربه القدامى من دعاة جمعية الكتاب والسنة في السودان، الذي تطور فيما بعد ليطال أحد رموز التيار المدخلي الكبار في اليمن وهو «مقبل بن هادي الوادعي»، ثم تعدى ذلك ليطعن في محمد بن هادي المدخلي، في كتابه الذي حمل عنوان: «وقفاتٌ مع الشيخ محمد بن هادي المدخلي»، والذي تسبب في نشوب فتنة «الصعافقة» (فتنة ضربت التيار السلفي المدخلي في مختلف أنحاء العالم، وتسببت في انشقاقه إلى تيارين، وكان أول من أطلق هذه التسمية عليهم، هو: محمد بن هادي المدخلي، واصفًا بها نزار هاشم السوداني؛ في درسه الشهير الذي جاء تحت عنوان: «آن لمحمد بن هادي أن يخرج عن صمته»، و«الصعافقة»، جمع «صعفوق» وهو العبد الأسود).

      

للمزيد..«الصعافقة».. الفتنة التي ضربت «المدخلية» في مقتل

مزمل فقيري
مزمل فقيري

مدخلي يسب النبي

أما مزمل عوض فقيري، فهو داعية مدخلي سوداني، تخرج في كلية التجارة بجامعة النيلين، وبدأ نشاطه الدعوي من خلال  انتمائه إلى جماعة أنصار السنة المحمدية، إلا أنه اختلف مع دعاتها فيما بعد، بسبب عدة أمور بعضها دعوي، وبعضها غير ذلك، ثم انضم إلى جمعيَّة الكتاب والسنة بالسودان، رغم وصف دعاة التيار السلفي المدخلي لهم بـ«الحزبية»، بسبب احتضانهم لبعض الدعاة من التيارات المخالفة للمنهج السلفي المدخلي، مثل الداعية القطبي «عدنان عرعور»، إضافة إلى «مختار بدري»، و«محمد حسين يعقوب»، و«علي الحلبي»، وعدد من السروريين.

 

ورغم توافق «فقيري»، في الرؤى مع دعاة جمعيَّة الكتاب والسنة بالسودان؛ إلا أنه كان له موقفٌ مضادٌ من الصوفية، تسبب في إلقاء القبض عليه عدة مرات خاصة بعد بلاغات قدمت ضده من الاتحاد العام للشباب الصوفي ومشايخ الطرق، بتهمة الإساءة إلى الشيخ محمد المنتصر الإزيرق، والطريقة العركية الصوفية، إضافة إلى إدانته بالإساءة لعدد من شيوخ الصوفية أمثال: الأمين عمر الأمين، الملقب بـ«شيخ الجلكسي المحايتو ببسي وحيرانو جكسي».

 

وتعد أشهر القضايا التي تمت محاكمة «فقيري» فيها، اتّهامه بسب الصحابة، والطعن في  النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإساءته لبعض الصحابيات، وزوجات الرسول، وذلك في 29 أغسطس 2018؛ حيث أكد رئيس المحكمة عباس علي بابكر، «أن ما صدر من مزمل فقيري، يعتبر ردة مغلظة، وساقط قول، واستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم»، وعليه أيدت المحكمة حكم الاستئناف المؤيد لحكم جنايات محكمة الكلاكلة، التي قضت بإدانة «فقيري» بناء على المادتين 77 المتعلقة بـ«قانون الإزعاج»، و69 المتعلقة بـ«الإخلال بالسلامة العامة»، وخضوعه للاستتابة القانونية أمام الجهات القضائية المختصة، وهي «مجمع الفقه الإسلامي»، وفي حال إعلان توبته فإنّ العقوبة الموقعة عليه ستتراوح بالسجن ما بين 4 إلى 5 سنوات، وفي حال إصراره على أقواله فستطبّق عليه عقوبة الإعدام.

الصراع على المدخلية

وبالعودة إلى الصراع المحتدم بين قادة التيار المدخلي في السودان؛ فإن «مزمل فقيري»، ينتقد «نزار هاشم»، بسبب تحريم الأخير لعقد حلقات العلم في الأسواق، وهو التحريم الذي يبرره «هاشم» بأنه يتماشى مع منهج السلف في أن التعليم بالمساجد وليس الأسواق.

 

كما عاب «فقيري» على «نزار هاشم»، تساهل مع عوام الصوفية، وشدته على الحزبيين، في مقابل تساهل واحتواء الأول لهم، وهو ما تسبب في انقلاب «هاشم» عليه وتبديعه، قائلا: «وقع في بدع لجهله»، خاصة بعد تورط «فقيري» في سب النبي والصحابة.

 

وأكد «فقيري»، أن «هاشم» لا يعرفه إلا القليل من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه منشغل بجمع تزكيات علماء التيار المدخلي ودعاته، وهو ما برره «هاشم» بقوله: «إن المشهد الديني أصابته فوضى نتيجة لتصدر أنصاف المتعلمين للدعوة، وهو ما دفعه لاشتراط تزكية الداعية من عالم معروف بالتزامه بمنهج التيار، حتى لا يتصدر للمشهد من يؤخذ عليه أكثر مما يؤخذ منه».


وانقسم شيوخ التيار المدخلي في الداخل والخارج على هذه الفتنة، وبات بعضهم مؤيدًا لـ«مزمل فقيري»، ومن أبرز هؤلاء: محمد بن هادي المدخلي، وعبد الرحمن محيي الدين، وآخرون مؤيدون لـ«نزار هاشم»، وعلى رأسهم «ربيع بن هادي المدخلي».


المداخلة في ليبيا…دواعش حفتر !

«من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكّام عن المسؤولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا، وأوجبوا الصّبر عليهم إذا ظلموا، وعدّوا كلّ معارضة لهم بغياً يبيح دماء المعارضين؟».


وكأن عبد الرحمن الكواكبي صاحب العبارة السابقة، لا يزال بيننا حيًا ويصف بتلك الكلمات طائفة من المنتسبين إلى العلم والدعوة، منحت الحاكم الذي يُفترض أنه خادم للأمة، كل هذه القدسية، تسوق الناس إلى التسبيح بحمد الحكام وإن جاروا، وعدم المجاهرة بالإنكار عليهم مهما أتوا من ظلم، ومناجزة كل من عارضهم بقول أو فعل أو فكرة، وعن المداخلة وأشباههم من الجامية أتحدث.
يُعرف الصحافي والمؤلف الأسكتلندي أندرو ماكغريغور هذه الطائفة فيقول: «يدعو التيار المدخلي إلى عدم مساءلة الحكومات، حتى تلك التي تلجأ للعنف المتطرف وغير المبرر ضد رعاياها، طالما أنها لا ترتكب أعمال كفرٍ واضحة».
وحديثي في هذه السطور عن المداخلة والجامية في ليبيا على وجه الخصوص، نظرًا لأن هذا الاتجاه في الداخل الليبي ليس فقط كيانًا علميًا دعويًا، وإنما جزءٌ أساس في الصراع المسلح، حيث يتخندق مع الجنرال المنشق خليفة حفتر الذي يُمثل امتدادًا للدولة العميقة، باعتباره ولي الأمر، ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، والتي تمثل قوى الثورة. وأضطرُّ أن أضع بين يدي القارئ خلفية معلوماتية مختصرة حول هذا الاتجاه حتى تتضح الصورة، فالمداخلة والجامية فرقة ظهرت في السعودية مطلع التسعينيات نسبة إلى الشيخ ربيع المدخلي، والشيخ محمد أمان الجامي، على خلفية رفض علماء ودعاة الصحوة الاستعانة بالقوات الأجنبية إبان حرب الخليج الثانية، وقامت مبادئ هذا التيار على النصرة المطلقة للحاكم مهما بلغ ظلمه، ويستندون إلى النصوص الآمرة بطاعة ولي الأمر، بدون استحضار النصوص الأخرى التي تحث على قول الحق أمام السلطان الجائر، وإضافة إلى ذلك فإنهم يعتبرون الاحتجاجات السلمية خروجًا على الحاكم، حتى إن لم يحمل المحتجون السلاح، أو يستخدموا في ذلك القوة، بل يُجرمون الإنكار على الحاكم أمام الناس، رغم أن ما جرى عليه العمل بالقرون المفضلة، الإنكار العلني على الحاكم إذا اقتضى الأمر. كما يقوم منهج هذا التيار على العداء لكل جماعة أو حزب سواهم، ويبدعون ويفسقون أصحابها، ويتتبعون كتب ومحاضرات العلماء والدعاة لجمع السقطات والزلات والتشهير بهم والتطاول عليهم.

يشترط في الحاكم من الناحية الشرعية صيانة الدين وسياسة الدنيا بالدين

وكانت الجامية والمداخلة من أبرز الطوائف التي وقفت في وجه ثورات الربيع العربي ضد الأنظمة الجائرة واعتبرتها خروجا على الحكام الشرعيين، مع أنه يشترط في الحاكم من الناحية الشرعية صيانة الدين وسياسة الدنيا بالدين، كما ذكر الإمام الماوردي وغيره، وهؤلاء لم يحققوا تلك الشروط. نعود إلى المداخلة في ليبيا، فهؤلاء تستقر مرجعياتهم الدينية في السعودية، وكما كان تنظيم «داعش» صناعة استخباراتية، فالمداخلة والجامية كذلك لهم تنسيقاتهم مع الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، إذ كانوا يرفعون التقارير السرية الراصدة لأنشطة التيار الإسلامي إلى تلك الأجهزة، يحذرون فيها من خطورة تلك الجماعات، مع توصيات بالتصدي والمواجهة، وهذا الدور كان يلعبه المداخلة في ليبيا إبان حكم القذافي، الذي ضيق الخناق على الإسلاميين، وحظر أنشطتهم فاضطروا لممارستها في الخفاء، غير أنه رأى ضرورة مواجهة التيار الإسلامي بفكر مضاد، فاستفاد من المداخلة في تعبئة الجماهير ضد الجماعات الإسلامية حتى السلفية منها.
وبالفعل أعطى القذافي للمداخلة مساحة خضراء واسعة للتحرك، وعمل على دعمهم ورعايتهم، وأوكل ذلك الملف إلى نجله الساعدي القذافي، وظل هذا التيار مهيمنا على الحياة الدعوية في ليبيا حتى قيام الثورة، يروج لنظام القذافي وسياساته وشرعنة قراراته من ناحية، ومن ناحية أخرى يصب هجومه على الإسلاميين المعارضين لحكم القذافي على ضعف شوكتهم وتخفِّيهم بأنشطتهم الدعوية.
ومع اندلاع ثورة 17 فبراير وانضمام الإسلاميين الرافضين لحكم القذافي إلى معسكر الثورة، استخدم النظام المداخلة من جديد لقمع الثورة، تحت مظلة تحريم الخروج على ولي الأمر الشرعي، وخرج الساعدي ورموز المداخلة على الفضائيات لترويج ذلك، إضافة إلى تحذيرهم الناس في المساجد من الخروج في المظاهرات. وبعد نجاح الثورة ومساحة الحريات المُستحدثة، اعتمد المداخلة على كثرة أعدادهم وانتشارهم في بسط السيطرة على المساجد عنوة، وقاموا بالتواصل مع مشايخهم في السعودية بشأن تمدد نفوذ التيار الإسلامي المشارك في الثورة، وأفتى لهم ربيع بن هادي المدخلي بعدم انتخاب الإخوان المسلمين، لأنهم أضر على الإسلام من العلمانيين، وأشد على السلفية من اليهود والنصارى، بحسب قوله، فقام المداخلة بتعبئة الجماهير للتصويت ضد الإسلاميين الثوريين في الاستحقاقات الانتخابية. ولما قام خليفة حفتر بما سماه عملية الكرامة، وأعلن تولي إدارة البلاد، وتجميد المؤتمر الوطني الليبي الذي انتخبه الشعب، وهو ما يعد عملا انقلابيا، سارع المداخلة لتأييده، وأصدر ربيع بن هادي المدخلي فتاواه بالقتال إلى جانب حفتر ضد الإخوان، علمًا بأن الإخوان كانوا جزءًا من قوى الثورة لا جميعها، وقام المداخلة بتكوين الكتائب المسلحة برعاية حفتر، وبدء القتال ضد من سموهم الخوارج.
وحمل المداخلة السلاح ودخلوا في حرب دينية، وقاتلوا معارضي حفتر وقاموا بتصفيتهم واعتقالهم، واتسعت رقعتهم وقويت شوكتهم، حتى صاروا قوة ضاربة في جيش المنشق، ونفّذوا عمليات خطف واعتقال واغتيال وإحراق في صفوف المعارضين، حتى المدنيين بحجة أنهم خوارج، وصارت ميليشيات المداخلة عنصرا رئيسيا فاعلا في قوات حفتر.
ومما يُظهر تناقض المداخلة في ليبيا، أنهم يرون في حفتر وليا شرعيا مع أنه قد انشق على حكومة ما بعد الثورة، فمن أين اكتسب حفتر شرعيته لدى هؤلاء المداخلة إذن؟
وبناء على قولهم في مبايعة الحاكم المتغلِّب، فقد وقعوا في تناقض آخر، نظرا لأن حفتر لم يتغلّب بعد، ولم يؤل إليه زمام الأمور، والحرب بينه وبين حكومة الوفاق المعترف بها دوليا سجال، فكيف دخل هؤلاء في خندق حفتر باعتباره حاكما مُتغلبا؟ الجواب تجده في فتاوى زعيمهم المدخلي، التي طفحت بمعاداة تيار الإسلام السياسي، فأصبح مجرد وجود ذلك التيار على الساحة مبررا شرعيا لقتاله.

الغريب في الأمر، أن العالم الغربي والعربي، يواجه الجماعات الإسلامية المسلحة، فكيف يُسمح لميليشيات المداخلة بالتسليح والقتال في الصراع الدائر؟ إذا أردنا الإجابة لابد وأن ننظر إلى الجهات العربية الراعية لتلك الميليشيات، باعتبارها نائبا عن الثورات المضادة في مواجهة ثورات الربيع العربي، أما أمريكا فصمْتها يدور في فلك المصالح مع الحلفاء في المنطقة.
ومع قرار القيادة التركية بالتدخل عسكريا لصالح حكومة الوفاق، اعتبر المداخلة هذا تدخلا أجنبيا يجب الجهاد ضده، مع أنهم لم يعتبروا التدخل الروسي الإماراتي المصري تدخلا خارجيا.
مَداخلة حفتر لا يختلفون عن «داعش»، فهما وجهان لعملة واحدة، يعملون بالوكالة لصالح الأنظمة، ويقتلون أهل الإسلام، ويلوون أعناق النصوص لتبرير باطلهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.