يوافق اليوم الثلاثاء 12 فبراير 2019 الجاري، ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها الأول، والذي اغتالته يد الملكية الغادرة تنفيذا لأوامر الإنجليز والصهاينة؛ في محاولة للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين ومشروعها الحضاري في استعادة أمجاد المسلمين دون انهزام أو استسلام، والحقيقة أن اغتيال البنا كان مشهدًا متكررا بحسب هدفه السالف، وهو ما يوضحه البنا، وحذر منه في رسالته “بين الأمس واليوم”.
يقول البنا في رسالته: “إن دعوة الإخوان ستواجه العديد من العقبات، وسيُنكر العلماء الرسميون جهادهم، ويستغرب أهل الدين فهمهم للدين، وسيحقد عليهم الرؤساء والزعماء وأصحاب الجاه والسلطان، وستقف الحكومات كلها في وجوههم، للحدّ من نشاطهم، وسيسعون لإثارة غبار الشبهات وظلم الاتهامات عليهم”.
ويضيف في رسالته التي كتبها قبل عشرات السنين: “ستُسجَنون وتُعتقلون وتُشرَّدون وتُصادر مصالحكم وتُعطَّل أعمالكم، وتُفتَّش بيوتكم ويطول بكم الامتحان”.
لبنات البنا
ورسم الإمام حسن البنا، الذي قتله فاروق في 12 فبراير 1949، مواصفات للفرد المسلم، فهو (متين الخلق، وقوي البدن، ومثقف الفكر، وقادرًا على الكسب، وسليم العقيدة، وصحيح العبادة، ومنظمًا في شئونه، وحريصًا على وقته، ونافعا لغيره، ومجاهدا لنفسه”.
ورأى أن إرشاد المجتمعات بنشر الخير والفضيلة فيها ومحاربة المنكرات، وكيف يتم تحريك المجتمع كي يبادر إلى فعل الخيرات وتغيير العرف العام، مضيفا أن البنا وضع هدفًا رئيسيًا بجوار الفرد والبيت والمجتمع، يقوم على تحرير الأوطان، وكان للإخوان المسلمين جهد وافر مع كل الشرفاء في محاربة الاحتلال الإنجليزي ومقاومة الكيان الصهيوني في فلسطين، ودعا حسن البنا- رحمه الله- إلى إصلاح الحكومة ووضع تصور لهذه الحكومة، وأنها يجب أن تكون خادمًا عند الأمة وأجيرا لها وتعمل لمصلحة الشعب، كجزء من شمولية الإسلام.
ووضع الإمام البنا تصورا واضحا لتطبيق الإسلام استقاه من كتاب الله وسنة ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن “الإسلام دين شامل ينتظم مظاهر الحياة جميعا، والجماعة عملت في شتى الميادين في مجال البر والخدمات والتوعية والإرشاد، وفي مجال السياسة كجزء من الإسلام الشامل”.
القصة الكاملة
وكان لاستشهاد الإمام حسن البنا العديد من المقدمات، أولها محاولة الانحراف بالجماعة عن أهدافها ومبادئها، وثانيها إصدار قرار بحل الجماعة، وأخيرا قتل الإمام الشهيد.
ويوضح مؤرخون أن قوى متباينة حاولت احتواء البنا وجماعته وإن اختلفت الدوافع، فكان دافع البعض الحقد والحسد والغيرة العمياء من زعامته وقوة جماعته، أما القوة الرئيسية التي كانت وراء الكثير من المحاولات فكان دافعها هو كراهية الإسلام وكراهية أتباعه، ولأن الجماعة أصبحت عقبة في وجه مخططاتهم وأطماعهم.
محاولات سابقة للاغتيال
في عام 1941 طلب الجنرال “كلايتون”، مدير عام المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط، من الإمام البنا، في لقاء بينهما، الدعاية للحرية والشورى التي ينادي بها الحلفاء “أمريكا وإنجلترا وفرنسا” من نفس المبادئ مع الإسلام، في مواجهة ما ينادي به هتلر، في مقابل إصدار جريدة للإخوان وإمدادها بأحدث أدوات الطباعة، مع مبلغ قدره نصف مليون جنيه كدفعة أولى يتبعها دفعات أخرى، ورفض الإمام البنا هذا العرض، بل وهاجم السياسة البريطانية وويلاتها التي جرتها على مصر والعرب من خراب ودمار، رغم أن الإخوان يرفضون دعوات دول المحور وسياستها.
وبعد فشل الاحتواء، دبر الانجليز حادثًا لاغتيال الإمام الشهيد عن طريق قيام سيارة من سيارات الجيش البريطاني بصدم الإمام الشهيد وقتله، بحيث يظهر الأمر وكأنه قضاء وقدر بحادث سيارة عادي، ولكن الإخوان علموا بهذه المؤامرة وأفشلوها.
واعترف وزير المعارف د . محمد حسين هيكل، أن نقل الإمام الشهيد إلى قنا جاء لإبعاده عن دوائر صنع القرار، في كتابه “مذكرات في السياسة المصرية”، وكان بناء علي طلب الإنجليز، وأنه أبعد في 1941، وقدم محمد عبد الرحمن نصير استجوابًا لوزير المعارف يقول فيه: إن نقل حسن البنا كان بناء على دوافع خارجية لا تمت بأدنى صلة إلى مصلحة التعليم. وهنا فقط أعيد الإمام الشهيد وجاءت وزارة “النحاس” على أسنة رماح الإنجليز في 4 فبراير 1942، وقرر النحاس غلق جميع شعب الإخوان عدا المركز العام، وذلك بناء على طلب الإنجليز، ولم تفتح إلا بعد مفاوضات تمت بين الإمام الشهيد والنحاس حول تنازل الإمام الشهيد عن الترشيح للبرلمان في مقابل فتح شعَب الإخوان وعدم التضييق على الإخوان، وكان منع الإمام البنا من الترشيح بناء على طلب الإنجليز.
محاولات الوفد
وفي عام 1946م قام بعض شباب الوفد في بورسعيد بالاحتكاك بجوالة الإخوان وقذفهم بالبيض والطماطم أثناء استعراضهم في شوارع بورسعيد، وذلك بإيعاز من أحد كبار رجال الوفد في بورسعيد، فتصدت لهم جوالة الإخوان.
وعندما دخل الإخوان المسجد لبدء احتفالهم، بدأ أنصار الوفد يتحرشون بالإخوان فأمر الإمام الشهيد الإخوان بالانصراف، فانصرفوا جميعًا ولم يبق معه في دار الإخوان إلا الشهيد محمد فرغلي والحاج عبد الله الصولي، فاستغل أنصار الوفد الفرصة وحاصروا دار الإخوان وظلوا يرمون الدار بالحجارة وكرات النار المشتعلة، وكان ذلك في وجود البوليس الذي تواطأ معهم واستمر الحال حتى قبيل الفجر، حتى قام الأستاذ علي رزة، هو وبعض إخوانه، بحيلة أخرجوا بها الإمام الشهيد ومن معه من بورسعيد.
محاولات مصر الفتاة
تقول موسوعة “إخوان ويكي”، إن محاولتي “مصر الفتاة” اغتيال البنا، لا يرجح أنها تمت بإيعاز من قوى أجنبية إنما كان دافعها الغيرة والحسد.
واحدة منها كانت في مدينة المحلة، وكان تقوم فكرتها علي حرق السرادق المقام فيه الحفل، وقام الإخوان بالإمساك بالمنفذين عندما شرعوا في التنفيذ.
أما المحاولة الأخرى فكانت تقوم فكرتها علي وضع قنبلة زمنية تحت المنصة التي يخطب عليها الإمام الشهيد، وكانت هذه المؤامرة بأمر من أحمد حسين نفسه، واستطاع الإخوان الإمساك بهؤلاء النفر ومعهم المتفجرات، وسلمهم الإمام البنا للأستاذ أحمد حسين بعد استدعائه ومعهم متفجراتهم، ومن يومها توقفت محاولات مصر للفتاة.
الحزب الشيوعي
وقرر الحزب الشيوعي في طنطا تنفيذ مؤامرة لاغتيال الإمام الشهيد عن طريق إلقاء قنبلة عليه وهو يخطب في الاستاد الرياضي طنطا.
وكان الذي تلقي الاتصال وكُلف بتنفيذ المؤامرة أحد أفراد النظام الخاص وهو الحاج “فرج النجار”، وكان قد انضم إلى الحزب الشيوعي بناء على تكليف من النظام الخاص، وأصبح مساعد سكرتير الحزب بطنطا الذي قام بإفشال هذه المؤامرة، وتم القبض على أعضاء الحزب الشيوعي.
حكومة النقراشي
وكان لحكومة النقراشي نصيب وافر من محاولات اغتيال الإمام الشهيد، الأولى أثناء قيام الإخوان بمظاهرة تخرج من الأزهر لتشد من أزر النقراشي، وهو يعرض قضية مصر على مجلس الأمن، وسمح لهم البوليس بهذه المظاهرة إلا أنه اتخذ هذه المظاهرة فرصة للاستفراد بالبنا واغتياله، ثم حاصروه بالقوة كلها راكبة الخيل وهو منفرد، وكانت حصافة البنا وسرعة بديهته السبيل لنجاته، ثم إدراك الإخوان له أخيرا، ثم حاولوا قنصه في نفس المظاهرة فأصابت رصاصة ساعده، قبل وصول المظاهرة من الأزهر إلى ميدان العتبة، ثم اقتيد عقب إصابته إلى قسم الموسكي، فاعتدى رجال الشرطة على أتباعه، ودارت معركة بينه وبين ضابط البوليس هدده بمسدس وسدد فوهته في صدره، فهجم عليه الشيخ البنا، وأمسك بالمسدس من يده، وأصيب زوج شقيقته عبد الكريم منصور بإصابات، نقل على إثرها إلى مستشفى قصر العيني وانتهي الحادث بالحفظ.
وعندما توجه حسن البنا إلى مطار القاهرة للحج في 23 من سبتمبر 1948م ومعه جواز سفر يتيح له السفر إلى جميع أنحاء العالم، وعلى الجواز أيضًا تأشيرة تسمح له بأن يستقل طائرة شركة “سعيدة” قام العقيد حسن فهمي، مفتش الجوازات، بسحب الجواز منه، وألغى جميع الدول المصرح له بالسفر إليها، واكتفى منها بالمملكة العربية السعودية، وقال إنه فعل ذلك بناء على تعليمات من عمر حسن، مدير القسم المخصوص، وسافر المرشد العام إلى المملكة العربية السعودية فأبرقت وزارة الداخلية إلى القنصل المصري في جدة بعدم السماح للبنا بالسفر إلى أية دولة عربية أخرى، وكان أمير الحج المصري حامد جودة، رئيس مجلس النواب الذي ينتمي إلى الحزب السعدي، قد صحب معه بعض الأشخاص الخطرين، ولكن الحكومة السعودية استشعرت ذلك، فأنزلت المرشد العام ضيفاً عليها، وأحاطت مقره بحراسة شديدة، وقدمت إليه سيارة خاصة بها جندي مسلح لمنع الاعتداء عليه، وعاد حسن البنا في 28 من نوفمبر 1948م.
قبل الاغتيال
وفي نقاط كان حادث اغتيال الذي تم في 12 فبراير 1949، من خلال حديث الأستاذ عبد الكريم منصور، الذي رافق الإمام الشهيد في الحادث، وقد اتخذت الحكومة عدة إجراءات لتسهيل عملية الاغتيال الإمام البنا، تتلخص في اعتقال الإخوان عدا الإمام الشهيد وإيداعهم السجون، وسحب المسدس المرخص الخاص بالإمام الشهيد، وسحب الجندي المكلف بالحراسة على منزل الإمام الشهيد، رغم أنه عرض عليهم التكفل براتبه، وكان جميع الزعماء توضع لهم حراسة خاصة، واعتقال أخيه اليوزباشي عبد الباسط الذي أحس بالمؤامرة على أخيه وجاء ليحرسه، وقطع خط التليفون حتى لا يتمكن من الاتصال بالخارج، واعتقال كل من ذهب لزيارة الإمام حسن البنا في هذه الفترة، وإذا دخل الزائر ولم يُر اعتقل أثناء خروجه، وإذا سلم عليه شخص في الطريق أثناء سيره اعتقل حتى ولو كان من غير الإخوان المسلمين، وسحب السيارة الخاصة بالإمام الشهيد وكانت ملك صهره عبد الحكيم عابدين، وعدم السماح له بمغادرة القاهرة أو السفر إلى أي مكان، وشَغْل الإمام الشهيد بمفاوضات الصلح بينه وبين الحكومة.
يوم الاغتيال
في يوم الاغتيال كلفني الإمام الشهيد حسن البنا قبل العصر بالذهاب إلى التليفونات الخارجية في السيدة للاتصال بالشيخ عبد الله النبراوي في بنها، لكي أبلغه رغبة الإمام في الإقامة عنده في عزبته “أبعادية النبراوي”، وكانت هذه العزبة محاطة برجال النبراوي وحراسه، فلما تكلمت رد علي أهله وقالوا: لا داعي لحضور الإمام لأن البوليس جاءنا وضربنا ودمر أثاث المنزل وممتلكاتنا، واعتقل الشيخ عبد الله، وعدت إلى الإمام لأخبره بنتيجة المكالمة، فقال إنه قد جاءه الأستاذ محمد الليثي، رئيس قسم الشباب بجمعية الشبان المسلمين، وأخبره بأن الحكومة تريد استئناف المفاوضات، وأن بعض الشخصيات الحكومية ستحضر في جمعية الشبان المسلمين لهذا الغرض، فأخبرت الإمام بأمر اعتقال الشيخ النبراوي، ورجوته عدم الذهاب إلى الشبان المسلمين، ولكنه رحمه الله صمم على الذهاب قائلا: إني وعدت ولا يجوز أن أخلف الميعاد.
ظهرت حقيقة الحادث بتفاصيله والذي تم في الساعة الثامنة والثلث من مساء يوم السبت 12 فبراير 1949م، الموافق 14 ربيع الآخر في 1368هـ. يقول الأستاذ عبد الكريم منصور: “ذهبنا إلى جمعية الشبان المسلمين وقد أخبر الأستاذ البنا بأن الحكومة تريد استئناف المفاوضات، وأن شخصيات حكومية ستحضر في جمعية الشبان لهذا الغرض، وجلسنا في الجمعية ولم تحضر الشخصية الحكومية حتى العشاء، فقام الإمام الشهيد وصلى بالموجودين صلاة العشاء، ثم جلسنا قليلاً بعدها ولم تحضر هذه الشخصية.
وهنا طلب الإمام من الأستاذ محمد الليثي أن يستوقف “تاكسي”، وخرجنا من الجمعية إلى شارع رمسيس الذي كان مظلمًا، وكانت الساعة تشير إلي الثامنة والثلث، ووقف التاكسي الذي لم يكن هناك غيره في الشارع كله، ودخل الإمام الشهيد في المقعد الخلفي ودخلت بعده وجلست إلى يمينه، ثم نهض وأبدل المقاعد فجلس على يميني وجلست على يساره، وفي هذه الأثناء كان يقف أمام السيارة شخصان فتقدم أحدهما وأراد فتح باب السيارة فأغلقته، وحاول الفتح.
وأنا أحاول الغلق مهددا لي بمسدسه، وأخيرا فتح الباب وأطلق على صدري الرصاص فتحولت إلى الجهة اليسرى، فجاءت الرصاصة في مرفقي الأيمن، وأمسكت بيده التي فيها المسدس وحاولت بيدي الأخرى أن أنتزع منه المسدس فلم أجد ذراعي إلا معلقًا، العضد هو الذي يتحرك فقط، وهنا أطلق المجرم رصاصة أخرى اخترقت المثانة وشلت حركة الرجل اليسرى، وهنا عجزت عن الحركة، فتركني وتوجه إلى الإمام الشهيد وحاول فتح الباب ولم يستطع فأطلق الرصاص عليه ثم فتح الباب وظل يطلق الرصاص على الإمام الشهيد وهو يتراجع، وهنا قفز الإمام من السيارة وجرى خلفه حوالي مائة متر، إلا أن السيارة كانت تنتظره عند نقابة المحامين فاستقلها وهرب، وعاد الإمام الشهيد وحملني وأجلسني في السيارة، حيث كانت رجلي اليسرى خارج السيارة لا أستطيع تحريكها.
ونادى الإمام الأستاذ محمد الليثي، وقال له رقم السيارة عندك “9979”، وجاء شخص آخر طويل القامة أسمر، وقال: هل أخذت رقم السيارة التي ارتكبت الحادث.. رقمها “1179” وانصرف.
دخل الإمام البنا إلى جمعية الشبان المسلمين، وطلب عربية إسعاف ولكنها تأخرت، وهنا كان الناس قد تجمعوا فطلبوا من سائق السيارة أن يوصلنا فرفض، ولكنهم أرغموه على ذلك فأوصلنا إلى الإسعاف.
وأمام الإسعاف حملني الإمام الشهيد مرة أخرى من السيارة وأدخلني إلى الإسعاف، وقبض حرس الإسعاف على السائق الذي حاول الهرب.
وجاء طبيب الإسعاف ليسعف الإمام البنا الذي قال له: “أسعف الأستاذ عبد الكريم أولاً لأنه حالته خطيرة، ورأى طبيب الإسعاف أن حالتي تستدعي نقلي إلى قصر العيني فنقلنا أنا والإمام الشهيد وأدخلونا إحدى الغرف، وجلسنا فترة حتى اتصلوا بالطبيب المناوب في منزله في روكسي بمصر الجديدة، واستدعوه من السينما المجاورة حيث كان يشاهد فيلمًا، وركب سيارته وجاء إلى قصر العيني.
في هذه الأثناء دخل علينا الأميرالاي محمد وصفي، مندوب الملك، وقال صارخًا: “إنتم لسه مامتوش يا مجرمين” وانصرف.. وهنا دخل الطبيب الذي أراد أن يسعف الإمام الشهيد أولاً ولكنه قال له “أسعف الأستاذ أولا.. وأمر الطبيب أحد الممرضين بخلع ملابس الشهيد ولكنه نهض من على السرير وخلعها بنفسه، ولما أرادوا أخذ اسمي وعنواني قال لهم الإمام الشهيد: “اتركوا الأستاذ عبد الكريم لأن حالته خطيرة” وأعطاهم الاسم والعنوان.
وهنا دخل الأميرالاي محمد وصفي، مندوب الملك، ثانية وقال للطبيب: أنا جاي من عند الحكمدار لأعرف حالة الشيخ حسن البنا، فقال له الدكتور: إن حالته ليست خطيرة، وبعد ذلك فصلوا بيني وبين الإمام ووضعوني في غرفة مع أحد المرضى، ووضعوا الإمام في غرفة وحده.
وعلمت فيما بعد أن الأميرالاي محمد وصفي أتي إلى المستشفى مندوبًا عن الملك، وكان مكلفًا بالإجهاز على حياة الإمام الشهيد.. إذ منع الطبيب من مواصلة العلاج، وتركت دماء الإمام تنزف حتى صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها تشكو ظلم الطواغيت.

+++++

قالوا عن...حسن البنا...فى ذكرى إستشهاده...
ا*لشيخ محمد مصطفى المراغي: إن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور على دينه، يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرف مواضع الداء في جسد الأمة الإسلامية، ويفقه أسرار الإسلام، وقد اتصل بالناس اتصالًا وثيقًا على اختلاف طبقاتهم، وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة.
*الشيخ حسنين مخلوف - مفتي مصر الأسبق: الأئمة في مختلف العهود كانوا أعلام دين وسياسة، والشيخ حسن البنا -أنزله الله منازل الأبرار- من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر، بل هو الزعيم الإسلامي الذي جاهد في الله حقَّا الجهاد، واتَّخذ لدعوة الحق منهاجًا صالحًا، وسبيلًا واضحًا، واستمده من القرآن والسنة النبوية، ومن روح التشريع الإسلامي، وقام بتنفيذه بحكمة وسداد، وصبر وعزم،حتى انتشرت الدعوة الإسلامية في آفاق مصر وغيرها من بلاد الإسلام، واستظلَّ برايتها خلقٌ كثير.
*الشيخ أحمد حسن الباقوري - وزير الأوقاف المصري الأسبق: لقد عاش الأستاذ حسن البنا لغاية آمن بها إيمانًا شغله عن كل ما يشغل الناس سواه، شغله عن أهله وعن ولده وعن نفسه، فلو أنه سُئل عن مقدار التضحية التي بذلها في سبيل إيمانه هذا، لاستطاع أن يقول: ضحيت بمالي، وبولدي وراحتي، ولم أقْصُر حياة الشظف والخشونة على نفسى، حتى جاوزتُها إلى كل من لهم صلة بي، ثم أخيرًا ضحيت بنفسي. ولو أنه سُئل عن الغاية التيتحراها من كل هذا العناء العالي؟ لاستطاع أن يقول بارًّا صادقًا: لم أرد عرض الحياةالدنيا، وإنما أردتُ الله وابتغيتُ ثوابه العظيم، ومثل ذلك حق على الله أن يرضيهحتى يرضى، وأن يفتح له أبواب جنته يتبوأ منها حيث يشاء، إن شاء الله.
*الشيخ علي الطنطاوي: عرفته هادئ الطبع رضي الخلق، صادق الإيمان طليق اللسان، آتاه الله قدرةً عجيبةً على الإقناع، وطاقةً نادرةً على توضيح الغامضات، وحل المعقَّدات، والتوفيق بين المختلفين، ولم يكن ثرثارًا؛ بل كان يحسن الإصغاء كما يحسن الكلام، وطبع الله له المحبَّة في قلوب الناس.
*الشيخ حسب الله -أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم: كانت غايته أن يُؤلِّف بين القلوب بالمحبة ويوجهها إلى الله، ويُعِدَّها للتضحية فيسبيل الحق، ويرى أن هذا كفيلٌ برفع أسباب النزاع؛ فإنَّ النفوس الطاهرة والقلوب الخالصة في منعةٍ من وساوس الشيطان وعوامل الفرقة والخذلان.
*محمد يوسف موسى - الأستاذ بكلية أصول الدين: لقد كان صديقنا المغفور له الأستاذ حسن البنا داعية دينيًّا واجتماعيًّا من الطراز الأول، قد جمع الله تعالى له كل ما يجب لنجاح الدعوة، ولعل من أهم ذلك ما لمسته فيه منبصره النافذ بمَن يصلحون للقيام معه بدعوته، ثم عمله على ضمهم إليه بكل قلوبهم وعقولهم ومواهبهم، عرفتُ ذلك منه بخاصة، حين رغب إلي وآخرين معي في أن نكون رفقاء له في رحلةٍ من القاهرة إلى الإسكندرية ثم رشيد بعد الحرب الماضية.
*عبد العظيم المطعني - الأستاذ بجامعة الأزهر: قد وهبالله الإمام الشهيد البيان الواضح والأسلوب الحكيم، إلى ما عمرت به شخصيته من أدبالنفس واستقامة السلوك، وفقهه بمقاصد الإسلام، وحفظه للقرآن الكريم، والوقوف علىأسراره ومعانيه، وروايته للحديث، وإلمامه بعبر التاريخ، وفهمه لسيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعرفته بمواطن الضعف في الأمة، وبهذا قد استكمل الإمام الشهيد كل مقومات الداعية المؤثر، والمصلح المطاع، كان يعرف إلام يدعو، وكيف يدعو،ومن يدعو، ومتى يدعو، بقلب شجاع وسلوك طيب، ولسان فصيح، وحجة ساطعة، فلا غرابةَ أن يلتف الشباب كله في عزمٍ وثباتٍ حول ذلك المصلح المخلص.
*الشيخ محمد الغزالي: "الرجل الفذ"..
*وهكذا دفن رحمة الله عليه...
يقول والد حسن البنا عن دفن ابنه:
« أبلغت نبأ موته في الساعة الواحدة، وقيل: إنهم لن يسلموا لي جثته إلا إذا وعدتهم بأن تدفن في الساعة التاسعة صباحًا بدون أي احتفال، وإلا فإنهم سيضطرون إلى حمل الجثة من مستشفى قصر العيني إلى القبر، واضُطررت إزاء هذه الأوامر إلى أن أعدهم بتنفيذ كل ما تطلبه الحكومة، رغبة مني أن تصل جثة ولدي إلى بيته، فألقي عليه نظرة أخيرة، وقبيل الفجر حملوا الجثة إلى البيت متسللين، فلم يشهدها أحد من الجيران ولم يعلم بوصولها سواي.
وظل حصار البوليس مضروبًا حول البيت وحده، بل حول الجثة نفسها، لا يسمحون لإنسان بالاقتراب منها مهما كانت صلته بالفقيد.
وقمت بنفسي بإعداد جثة ولدي للدفن، فإن أحدًا من الرجال المختصين بهذا لم يسمح له بالدخول، ثم أنزلت الجثة حيث وضعت في النعش، وبقيت مشكلة من يحملها إلى مقرها الأخير.
وطلبت إلى رجال البوليس أن يحضروا رجالًا يحملوا النعش فرفضوا، فقلت لهم: ليس في البيت رجال، فأجابوا: فليحمله النساء! وخرج نعش الفقيد محمولاً على أكتاف النساء.
ومشت الجنازة الفريدة في الطريق، فإذا بالشارع كله رصف برجال البوليس، وإذا بعيون الناس من النوافذ والأبواب تصرخ ببريق الحزن والألم والسخط على الظلم الذي احتل جانبي الطريق!
وعندما وصلنا إلى جامع «قيسون» للصلاة على جثمان الفقيد، كان المسجد خاليًا حتى من الخدم ، وفهمت بعد ذلك أن رجال البوليس قدموا إلى بيت الله وأمروا من فيه بالانصراف ريثما تتم الصلاة على جثمان ولدي.
ووقفت أمام النعش أصلي فانهمرت دموعي، ولم تكن دموعًا؛ بل كانت ابتهالات إلى السماء أن يدرك الله الناس برحمته.
ومضى النعش إلى مدافن الإمام، فوارينا التراب هذا الأمل الغالي، وعندما عدنا إلى البيت الباكي الحزين، ومضى النهار وجاء الليل لم يحضر أحد من المعزين؛ لأن الجنود منعوا الناس من الدخول، أما الذين استطاعوا الوصول إلينا للعزاء، فلم يستطيعوا العودة إلى بيوتهم، فقد قبض عليهم إلا شخصًا واحدًا هو مكرم عبيد باشا.