السبت، 29 يونيو 2019

الرد على أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف..!

أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف - بقلم: الشيخ يوسف القرضاوي(*)

أشاع كثير من المنصِّرين - أو المبشِّرين – والمستشرقين المتعصِّبين: أن الإسلام لم ينتشر في العالم إلا بحدِّ السيف، وإخضاع الناس لعقيدته بالقوة العسكرية، ولولا هذا ما انفتحت له القلوب، ولا اقتنعت به العقول، ولكنها أُكرهت عليه إكراها تحت بريق السيوف، فخيَّرهم بين الإسلام والقتل، فإما أن يُسلِم وإما أن يطير عنقه!
وهذه فِرْية تكذِّبها تعاليم الإسلام القطعية، وتكذِّبها وقائعه التاريخيه، ويكذِّبها المنصفون من المؤرخين المستشرقين أنفسهم.


• فرية تكذِّبها تعاليم الإسلام:
فأما تعاليم الإسلام، فهي تنفي الإكراه في الدين نفيا مطلقا عاما، بقوله تعالى في القرآن المدني: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256].
وهو يؤكد ما جاء في القرآن المكي من قوله تعالى بصيغة الاستفهام الإنكاري: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]، وقوله تعالى على لسان نوح: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28].
وقد فصَّلنا القول في ذلك فيما سبق من فصول.
ومن المتَّفق عليه بين المسلمين: أنه لا يقبل إسلام إنسان، ولا يدخله في زُمرة أهله، ما لم يكن إيمانه عن إرادة حرَّة، وعن اقتناع كامل، وعن اختيار تامٍّ لا تشوبه أدنى شائبة من إكراه. ولهذا رفض القرآن إيمان فرعون عندما أدركه الغرق، حيث لم يعُد له خيار، ورفض إيمان الأمم التي نزل بها عذاب الله، فأعلنت الإيمان، فقال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر:85].
وأما دعوى تخيير الناس بين الإسلام والسيف، فهي كذبة أخرى: فالثابت بالنصوص الشرعية، والوقائع التاريخية: أن المسلمين كانوا يخيِّرون مَن يقاتلونهم - إذا كتب عليهم القتال - بين أمور ثلاثة: الإسلام أو دفع الجزية أو القتال. والجزية: مبلغ زهيد يطلب من الرجال القادرين على القتال، ولا يؤخذ من امرأة ولا صبي، ولا زمِن ولا أعمى، ولا فقير، ولا راهب في صومعته، وتتفاوت بتفاوت قدرات الناس، فكلٌّ على قدر طاقته، وطلب مثل هذا المبلغ - في مقابلة حمايته وكفالته والدفاع عنه - ليس شيئا باهظا يُكره صاحبه على ترك دينه والدخول في الإسلام.
• فرية تكذِّبها وقائع التاريخ:
وأما وقائع التاريخ، فهي تقول: إن المسلمين حينما فتحوا البلاد، لم يتدخَّلوا قط في شؤون دينها، ولم يرغموا أحدا قط على تغيير عقيدته، ولم يثبت التاريخ واقعة واحدة أكره فيها فرد غير مسلم، أو أسرة غير مسلمة، أو بلدة غير مسلمة، أو شعب غير مسلم، على الدخول في الإسلام[1].
كما أثبت التاريخ أن كثيرا من البلاد الإسلامية التي نعرفها اليوم: لم يدخلها جيش مسلم، ولكنها دخلت في الإسلام بتأثير التجار وغيرهم من الناس الذين لم يكونوا علماء ولا دعاة محترفين، وإنما أحبهم الناس لما رأوا فيهم من صدق الإيمان، وحسن الخلق، وحب الخير للناس، فكانوا أسوة حسنة، فأحب الناس دينهم بحبهم، ودخلوا فيه أفرادا وجماعات. هكذا دخل الإسلام في ماليزيا وإندونيسيا والفلبين وغيرها: بوساطة تجار حضرموت وأمثالهم ممَّن جاؤوا من جنوب اليمن، ضاربين في الأرض، مبتغين من فضل الله.
وهناك بلاد كثيرة في إفريقيا انتشر فيها الإسلام عن طريق الطرق الصوفية، وعن طريق الاحتكاك بالمسلمين، والتأثر بسلوكياتهم وآدابهم وأفكارهم.
وحتى البلاد التي دخلتها الجيوش: كان وجودها محصورا في العواصم والثغور، لا في كل المدن والقرى.
لم تدخل الجيوش الإسلامية التي فتحت الهند الكبرى، إلا في دائرة محدودة، ولكن انتشار الإسلام في القارة الهندية، كان أبعد وأوسع بكثير مما دخلته الجيوش، وامتدَّت دعوته شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا، حتى كان من تأثيرها: وجود دولتين إسلاميتين كبيرتين هما: باكستان وبنجلاديش، ووجود أكبر تجمُّع إسلامي للمسلمين في الهند بعد إندونيسيا، برغم شكوى كثير من العلماء والناقدين من تقصير المسلمين خلال حكمهم الطويل للهند، من توصيل الدعوة للهندوس، ولا سيما دعوة طائفة (المنبوذين) للإسلام دين الأخوة والعدالة والمساواة.
• السيف لا يفتح قلبا:
ولقد اتَّخذ المبشِّرون والمستشرقون من الفتوح الإسلامية: دليلا على أن الإسلام إنما انتشر بهذه القوة والسرعة، نتيجة لأنه قهر الناس بالسيف، فدخل الناس تحت بريقه مذعنين طائعين.
ونقول لأصحاب دعوى انتشار الإسلام بالسيف: إن السيف يمكنه أن يفتح أرضا، ويحتلَّ بلدا، ولكن لا يمكنه أن يفتح قلبا. ففتح القلوب وإزالة أقفالها: يحتاج إلى عمل آخر، من إقناع العقل، واستمالة العواطف، والتأثير النفسي في الإنسان.
بل أستطيع أن أقول: أن السيف المسلط على رقبة الإنسان، كثيرا ما يكون عقبة تحول بينه وبين قَبول دعوة صاحب السيف. فالإنسان مجبول على النفور ممَّن يقهره ويذلُّه.
ومَن ينظر بعمق في تاريخ الإسلام ودعوته وانتشاره: يجد أن البلاد التي فتحها المسلمون، لم ينتشر فيها الإسلام إلا بعد مدَّة من الزمن، حين زالت الحواجز بين الناس والدعوة، واستمعوا إلى المسلمين في جو هادئ مسالم، بعيدا عن صليل السيوف، وقعقعة الرماح، ورأوا من أخلاق المسلمين في تعاملهم مع ربهم، وتعاملهم مع أنفسهم، وتعاملهم مع غيرهم: ما يحببهم إلى الناس، ويقرِّبهم من دينهم، الذي ربَّاهم على هذه المكارم والفضائل.
وانظر إلى بلد كمصر، وقد فُتحت في عهد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، ولكن ظلَّ الناس على دينهم النصراني عشرات السنين، لا يدخل فيه إلا الواحد بعد الواحد. حتى إن الرجل القبطي الذي أنصفه عمر، واقتصَّ لابنه من ابن والي مصر: عمرو بن العاص، وقال لعمرو كلمته التاريخية: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمَّهاتهم أحرارا [2]؟! هذا الرجل لم يدخل في الإسلام، رغم أنه شاهد من عدالته ما يبهر الأبصار.
ثم بعد عقود من الزمن، بدأ المصريون يدخلون في دين الله أفواجا، وكثُر الداخلون فيه، حتى إن ولاة بني أمية، كانوا يفرضون الجزية على مَن أسلم؛ لأن مَن أسلم لا تجب عليه زكاة إلا بعد حَول، وقد سقطت عنه الجزية بإسلامه، وهذا يؤثِّر على الميزانية. فكان من سياسة الولاة في عهد بني أمية: أن يستمر وجوب الجزية على مَن دخل في الإسلام!
فلما وُلِّي عمر بن عبد العزيز الخلافة: أرسل إليه واليه على مصر، يستشيره في استمرار إيجاب الجزية على مَن أسلم. فبعث إليه برسالة شديدة اللهجة، يقول له: قبَّح الله رأيك! إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم داعيا، ولم يبعثه جابيا [3]!
وهكذا اتَّضحت صورة الخلافة الإسلامية، والدولة الإسلامية: أنها دولة هداية لا دولة جباية.
وقد فنَّد الكاتب الكبير الأستاذ عباس العقاد هذه التهمة الباطلة في أكثر من كتاب له، ومما قاله:
(شاع عن الإسلام أنه دين السيف، وهو قول يصحُّ في هذا الدين إذا أراد قائله: أنه دين يفرض الجهاد، ومنه الجهاد بالسلاح، ولكنه غلط بيِّن إذا أريد به أن الإسلام قد انتشر بحد السيف، أو أنه يضع القتال في موضع الإقناع.
وقد فطن لسخف هذا الادعاء كاتب غربي كبير، هو (توماس كارْلَيل) صاحب كتاب (الأبطال وعبادة البطولة) فإنه اتخد محمدا صلى الله عليه وسلم مثلا لبطولة النبوة، وقال ما معناه:
(إن اتهامه بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم. إذ ليس مما يجوز في الفَهم أن يَشهَر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا لدعوته! فإذا آمن به مَن يقدرون على حرب خصومه، فقد آمنوا به طائعين مصدِّقين، وتعرَّضوا للحرب من أعدائهم قبل أن يقدروا عليها).
قال العقاد: والواقع الثابت في أخبار الدعوة الإسلامية: أن المسلمين كانوا هم ضحايا القسر والتعذيب، - قبل أن يقدروا على دفع الأذى - من مشركي قريش في مكة المكرمة، فهجروا ديارهم، وتغرَّبوا مع أهليهم، حتى بلغوا إلى الحبشة في هجرتهم، فهل يأمنون على أنفسهم في مدينة عربية قبل التجائهم إلى (يثرب) وإقامتهم في جوار أخوال النبي عليه السلام، مع ما بين المدينتين (يعني: مكة ويثرب) من التنافس الذي فتح للمسلمين بينهما ثُغرة للأمان؟ ولم يكن أهل يثرب ليرحِّبوا بمقدمهم لولا ما بين القبيلتين الكبيرتين فيها (قبيلتي الأوس والخزرج) من نزاع على الإمارة فتح بينهما كذلك ثغرة أخرى يأوي إليها المسلمون بعد أن ضاق بهم جوار الكعبة، وهو الجوار الذي لم يضق من قبل بكلِّ لائذيه في عهد الجاهلية.
ولم يعمد المسلمون قط إلى القوة إلا لمحاربة القوة التي تصدُّهم عن الاقتناع، فإذا رصدت لهم الدولة القوية جنودها حاربوها؛ لأن القوة لا تحارَب بالحُجَّة والبينة، وإذا كفُّوا عنهم لم يتعرَّضوا لها بسوء).
وقد بيَّن الأستاذ العقاد أن المسلمين سالموا الحبشة ولم يحاربوها، وإنما حاربوا الفرس، وحاربوا الروم؛ لأنهم هم الذين بدؤوا بالعدوان على المسلمين.
قال: (ولم يفاتح النبي صلى الله عليه وسلم أحدا بالعداء في بلاد الدولتين. وإنما كتب إلى الملوك والأمراء يبلِّغهم دعوته بالحسنى، ولم تقع الحرب بعد هذا البلاغ بين المسلمين وجنود الفرس والروم، إلا بعد تحريضهم القبائل العربية في العراق والشام على غزو الحجاز، وإعدادهم العدَّة لقتال المسلمين. وقد علم المسلمون بإصرارهم على اغتنام الفرصة العاجلة لمباغتتهم بالحرب من أطراف الجزيرة، ولولا اشتغال كسرى وهرقل بالفتن الداخلية في بلادهما لبوغت المسلمون بتلك الحرب قبل أن يتأهَّبوا لمدافعتها والتحصُّن دونها) [4] اهـ.
• فرية يكذِّبها المستشرقون المنصفون:
وأما المستشرقون المنصفون من المؤرِّخين الغربيين، فحسبنا منهم: عَلَم واحد، شهد له الجميع بالأصالة في علمه، والاستقصاء في بحثه، ومعاناته في الحصول على وثائقه من شتَّى المصادر، ومختلف الأقطار، ومختلف اللغات، ألا وهو البحَّاثة القدير (توماس أرنولد) كما يتجلَّى ذلك في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) الذي أثبت فيه بما لا يَدَع مجالا للشكِّ: أن الإسلام لم ينتشر في العالم بحدِّ السيف، بل انتشر بالدعوة والحجَّة والإقناع، وأخلاق المسلمين، ولم يثبت في التاريخ قط: أن شعبا من الشعوب، أو قبيلة من القبائل، أو حتى أسرة من الأسر: أُجبروا على التخلِّي عن دينهم، أو الدخول في الإسلام.
على أن هذا المؤلف برغم إنصافه للإسلام في نفي نشره بالسيف، وتدليله على ذلك بالوثائق، وبرغم وصفه للإسلام والمسلمين بالتسامح مع مخالفيهم: يؤخذ عليه ما ذكره عن سرعة انتشار الإسلام، وأنه لا يرجع إلى قوَّة العقيدة بقدر ما يرجع إلى حالة البلاد المفتوحة، وأن دوافع المسلمين لم تكن دينية في أغلبها ... إلى آخره[5].
والكتاب جدير أن يُقرَأ، لأن صاحبه تعب فيه حقيقة من الناحية العلمية، كما أنه يتحلَّى بالإنصاف، الذي ينقص الكثيرين من الغربيين ممَّن يبحثون في أمر يخصُّ الإسلام.
كما اعترف بذلك بحقٍّ المؤرخ الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب) [6]، وكذلك المستشرق البريطاني المعروف (مونتجمري وات) في كتابه (الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر)[7].
---------
هوامش :
[1] انظر: الدعوة إلى الإسلام ، لتوماس أرنولد ، ترجمة حسن إبراهيم حسن وزميله ، وقد دلل على ذلك كُتاب الوثائق والوقائع ، من تواريخ الأمم ومن مختلف اللغات ، كما سنذكره عن قريب .
[2] ذكره في كنز العمال وعزاه إلى ابن عبد الحكم (12/873).
[3] رواه ابن سعد في الطبقات (5/384)، وانظر: البداية والنهاية (9/188)، وأحكام القرآن للجصاص (4/297)
[4] انظر: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه صـ219، 220.
[5] انظر: الدعوة إلى الإسلام الباب الثالث صـ63 وما بعدها.
[6] ذكر لوبون صراحة: أن الباحث الغربي حين يبحث في القضايا الإسلامية، يتقمَّص شخصية غير شخصيته العادية المستقلة، التي يدرس بها سائر القضايا، فهو هنا متحيز متحامل، وإن لم يشعر. يقول: (حينما تلتقي المبتسرات الموروثة والثقافة في العالم الفاضل، ولا يدري على أيِّهما يعتمد في وزن الأمور، يتجلَّى فيه ما يجتمع في شخص واحد من الذاتية القديمة التي هي وليدة الماضي والذاتية العصرية التي هي وليدة المشاهدة الشخصية، فيصدر عنه من الآراء المتناقضة ما يستوقف النظر، ومن ذلك التناقض: المثال البارز الذي يجده القارئ في الخطبة التي ألقاها الكاتب اللبق والعالم الفاضل مسيو رينان في السوربون عن الإسلام، والتي أراد مسيو رينان أن يثبت فيها عجز العرب، ولكن ترَّهاته كانت تنقض بما كان يجيء في الصفحة التي تليها ... ثم يظهر الكاتب الفاضل مسيو رينان أسيفا، أحيانا على سوء رأيه في العرب، ويصل إلى النتيجة غير المنتظرة الآتية التي تنمُّ كذلك، على ما بين ذاتيَّة الإنسان القديمة وذاتيته العصرية من التنازع، ويأسف على أنه ليس من أتباع النبي فيقول: إنني لم أدخل مسجدا من غير أن أهتزَّ خاشعا، أي من غير أن أشعر بشيء من الحسرة أنني لستُ مسلما) انظر: حضارة العرب لجوستاف لوبون صـ579 ترجمة عادل زعيتر الطبعة الثالثة دار إحياء التراث العربي 1956م.
[7] يقول مونتجمري وات متحدِّثا عن بداية بحثه في أمور الإسلام: (وانطوى هذا العمل على مفارقة أو تناقض في تعاملي مع دين آخر (غير المسيحية)، فقد بدا هذا أمرا في حاجة إلى حلٍّ لما يسبِّبه من توتُّر في أعماق الشخص، لكن الحلَّ بالنسبة لي لم يزد عن الإقدام نحو الجديد بشكل أعمق، وبروح أرقى، وبنظرة حيادية لا تنحاز لأيٍّ من الدينين (بدون تعصُّب) رغم أنني على أرض الواقع مسيحي أواصل ممارسة ما تفرضه عليَّ المسيحية). انظر: الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر لمونتجمري وات صـ22، 23 ترجمة عبد الرحمن عبد الله الشيخ طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م.
----------
(*) من كتابه: فقه الجهاد، نشر مكتبة وهبة، القاهرة، ط4، 2014م

كلمة حرة إلى ملتقى متابعي الشيخ يوسف القرضاوي

كتاب: فقه الجهاد "دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة"- تأليف الشيخ يوسف القرضاوي

المذهبية بثوب جديد - جاهل وغبي واثق من نفسة يدعوا الى اللامذهبية وعدم اتباعالائمة الاعلام .. ويدعوا اتباعة ان يتبعوا ويقلدوه بأسم الكتاب والسنة !! وشتان بين الثرى والثريا !!

التمذهب ( اقفال للعقول ) !
==============
لا ادري كيف يفهم ( أدعياء السلفية )  التمذهب انه تعطيل للعقل وان المذاهب سبب في انحطاط الامة وتراجعها لانه جعلت الناس نسخا مكررة او قوالب جامدة !! ويدعوا لاتباعة ان يتبعوا بأسم الكتاب والسنة !! وشتان بين الثرى والثريا !!
هذا الكلام لا يقوله الا جاهل مطموس البصيرة أو غبي واثق من نفسه  لا يفهم في الدين شيئا !
وهذه البدعة جاء بها اهل الاستشراق الحاقدين على الدين !
التمذهب في حقيقته هو اتباع للامام المجتهد في اصوله وفروعه التي دونها هو بنفسه او تلامذته من الطبقة الاولى ..
فمن هو هذا الامام ؟
هذا الامام المجتهد هو رجل عالم فقيه اعمل عقله في نصوص الشرع (الكتاب والسنة ) واستنبط الاحكام منها واتبعه عليه تلامذته وعامة الناس من بعده .
يا سادة .. 

 ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )  


اتبّاع المذاهب انما هو اتبّاع للائمة في الاستنباط والاستدلال من نصوص الشرع الحنيف ..
ما هي نصوص الشرع ؟؟
هي النصوص الواردة في الكتاب (القرآن الكريم ) والسنة النبوية .
ولا ادري ما علاقة التمذهب بتعطيل العقول ؟؟
من منعك في اعمال عقلك في كل علوم الدنيا المختلفة والتفكر في آيات الله ؟
من منع عقلك من الابداع في الادب والشعر والنثر والرواية والقصة ؟
من قيّد عقلك عن النظر في الفلك والطب والهندسة وعلم الاحياء ؟
من كبل ذهنك عن البحث في علوم الارض والنبات والجبال ؟
من امسك بفكرك ان يجول في علوم الدنيا كلها فجئت تدعي ان التمذهب تعطيل للعقل ؟
اصبح التمذهب في ذهن الناس = تعطيل العقل !
وهذا كلام باطل لا صحة له بل هذه بدعة اسشتراقية سار عليها بعض المتأثرين بالمستشرقين الحادقين على الاسلام واليوم تجد رواجا كبيرا ..
التمذهب هو تأصيل لفهم للنص الشرعي (قرآن + سنة ) على نهج الائمة المتبوعين فقط ولا يمنعك التمذهب من اعمال عقلك في كل علوم الدنيا ابدا !
وحتى اعمال عقلك في نصوص الشرع لا مانع منه ولكن عليك ان تدخل من الباب لا تجيئ كاللص من النافذة ..
فهذه علوم الشرع تقدم واطلب العلم على اصوله وان شاء الله نراك مجتهدا في يوم من الايام ..
اما ان تدخل من النافذة وتريد ان يستقبلك اهل العلم فهذه معادلة مقلوبة وقسمة ضيزى والسلام



الانتساب إلى مذهب من المذاهب الفقهية (الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي) جائز باتفاق العلماء، ومن كان في ريب من ذلك فعليه أن يفتح كتب التاريخ والتراجم والطبقات ليدرك حقيقة ذلك.
والمذاهب الفقهية كانت وما زالت أفضل طريق لتوحيد المسلمين، فعندما تجد بلداً يبلغ عدد سكانه قريباً من 300 مليون كأندونيسيا، وجميعهم على قول واحد لا اختلاف بينهم ولا تنازع، إلا بعد أن دخلت إليهم اللامذهبية تحت غطاء السلفية 
وعندما تجد الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا والسودان وغيرها الكثير وجميعهم على قول واحد (على مذهب مالك) .. لا اختلاف بينهم إلا بعد أن دخلت إليهم اللامذهبية
تعلم حينها:
أن المذاهب نعمة عظيمة، وهي سبب لاجتماع المسلمين، واللامذهبية هي سبب التفرق والتمزق.
وأختم هنا بكلمة قالها الشيخ سعيد حوى رحمه الله في كتابه "جولات في الفقهين الكبير والأكبر" (ص:122) قال: ((ما وصلت إليه الأمة من اعتماد المذاهب الأربعة هو أضيق صور التشتت، وبدون ذلك يكون عندنا ملايين المذاهب)).
وهذا ما يشهد به الواقع، فالحركة الوهابية أو السلفية التي زهدت في المذاهب، فأوجدت الخصومات في المساجد على مسائل فرعية كالقنوت في الفجر ونحوها، بل وأصبحت هذه المدرسة اللامذهبية فرقا متخاصمة مع نفسها ومع الآخرين، وانقسموا فيما بينهم إلى طرائق قددا.




حمل من كتاب القيم - اللامذهبية أخطر بدعة





ـــــــــــــ













 اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية

هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة؟ وهل صحيح ان المذاهب الأربعة ليست الا بدعة طارئة على الدين، وأنها ليست من الدين في شيء؟ م أنها لبّ الإسلام وجوهره، وأنها هي التي بصّرت المسلمين في كل زمن بأحكام دينهم، ويسّرت لهم سبيل التمسك بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم صلى الله عليه وسلم ...؟ هذه التساؤلات وغيرها يحاول العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الإجابة عليها في كتابه هذا بمنهج علمي مدعم بالدليل والحجة.

اللامذهبية أخطر بدعةٍ تُهدِّدُ الشَّريعةَ الإسلاميَّة مقدمة الكتاب محمد توفيق رمضان البوطي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.. فقد وزع شباب في دمشق كتيباً بعنوان [هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة؟] منسوب إلى المدعو: (محمد سلطان الخجندي المدرس بالمسجد الحرام)، ولا أعلم مدى صحة النسبة إليه، ولا مدى صحة الوصف؛ وذلك في عام 1970 تقريباً. وأحدثَ هذا الكتيب مشكلة بين الشباب، لما تضمنه من نيل من أتباع المذاهب الأربعة، يصل إلى حد التكفير؛ إذ وصفهم بالحمق والضلال، وبأنهم من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وممن قال فيهم الله تعالى:?? ? ? ? ? ? ??!!.

 وأذكر أن سيدي الوالد رحمه الله خطب خطبة الجمعة آنذاك وخصصها في الرد على دعوة اللامذهبية، وبيّن ارتباطها بجهات أجنبية، وربط بينها وبين بعض ما قام به الاستعمار البريطاني في مصر، يوم دعا اللورد كرومر إلى نبذ المذاهب الأربعة وكتب الفقه الإسلامي، ووصف التمسك بها بالجمود والتخلف... ثم كتب هذه الرسالة التي كانت في طبعتها الأولى مختصرة، ولا تتضمن الحوار الذي جرى بين الألباني ووالدي رحمه الله في بيتنا. وكانت أصداء هذه الرسالة قوية، ومؤثرة. كما كانت لها أصداء سلبية عند الوهابية المتعصبين، وكذلك عند الإخوان المسلمين الذين لم تكن هناك ملاحقة لنشاطاتهم، بل كانت لهم علاقات ودّية مع بقية الأطياف الإسلامية، بغية التأثير على أتباعهم. وكانت حجة الإخوان في انتقاد هذه الرسالة أن الوقت غير مناسب لها، وأن من شأن هذه الرسالة إثارة الفرقة بين المسلمين!، وكأن رسالة الخجندي والنشاط اللامذهبي واتهام مخالفي الوهابية بالتوسل واتباع المذاهب الأربعة بالكفر والابتداع؛ يجمع الكلمة ويوحد الصف.. وكأن وصفهم لمن لم يبايع قادتهم بأنه يموت ميتة جاهلية من شأنه توحيد الكلمة!. أما بقية الشباب المتدين فقد كانت هذه الرسالة تنبيهاً لهم من غفلة، وإيقاظاً لهم من سبات، وإعادة لهم إلى نهج الصواب. 

وبعبارة أخرى: كانت رسالة (اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية) قاصمة الظهر بالنسبة لنشاط الوهابيين والمتحالفين مع ذلك النشاط، والمتعاطفين معه. وقد طلب الألباني - رحمه الله - اللقاء مع والدي رحمه الله. وجرى اللقاء، وحضره جدي ملا رمضان، وخالي الشيخ أحمد أكبازلي، وقد سجلتُ ذلك الحوار دون أن يشعر الألباني، ولكنا أعلمناه في نهاية الجلسة بأن الحوار مسجل بكامله. وكنت أتمنى لو أن ذلك الشريط كان موجوداً، ولكن يداً ما سرقته..! مع العلم بأن والدي لم يسمح لنا بنشره؛ وذلك لأن الغاية قد تحققت، وهي تجلية وجه الحق في مسألة التمذهب بالمذاهب الفقهية المعتمدة. وأنه قد لخص الحوار في الطبعة الثانية لرسالة اللامذهبية؛ فلا داعي لنشره صوتياً. ورأى أن في ذلك نوع تشفٍ وشماتة، لا تليق بنا. بعد ذلك بدأ الهجوم على والدي بكتاب صدر بدمشق في الرد على كتاب اللامذهبية، للأستاذ محمد عيد عباسي سماه [بدعة التعصب المذهبي]، فيه بعض المغالطات التي ردّ عليها والدي أيضاً. ثم بدأ الهجوم البذيء بسلسلة رسائل صدرت لهم من الأردن، بعد انتقال الألباني إلى الأردن. ورفض الوالد رحمه الله أن يلتفت إليها أو أن يرد عليها؛ وقال حينئذ: إن كتابي (اللامذهبية) قد ألفته ردّاً على رسالة مضللة، وحرصاً على سلامة دين الناس، 

ولم أنشره انتصاراً لنفسي. أما النزول إلى سجال ضد تلك الرسائل التي تضمنت الشتائم والإساءات؛ فهو دفاع عن نفسي، ولست بصدد الدفاع عن نفسي. وقد نال كتاب (اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية) شهرة واسعة، وترجم لكثير من اللغات، لأن خطر اللامذهبية انتشر في كثير من بلاد العالم الإسلامي. وقد ترجم إلى التركية والروسية والتتاريةوالملاوية وغيرها، وطبع طبعات كثيرة بشتى اللغات، حتى وجد والدي رحمه الله أنه حقق الهدف الذي كان يرمي إليه. واليوم نجد مدى خطر الدعوة الوهابية التي تسمي نفسها [السلفية]، إذ غدت ينبوع التطرف والعنف في العالم الإسلامي، وأداة يستخدمها أعداء الإسلام لتشويه الإسلام، ونجد أن الأمة غدت أحوج إلى الحذر من هذه الدعوة التكفيرية التبديعية، التي جعلت من تكفير مخالفيها مسوغاً لسفك دمائهم، ونشر الفتنة هنا وهناك. حتى مضى والدي نفسه رحمه الله شهيداً على كرسي درسه ومنبر دعوته بأيدي هؤلاء المجرمين. رحمه الله وطيب ثراه، وجزاه عن الأمة خير الجزاء. وقد وجدنا أن نشاط الدعوة التكفيرية اليوم يقتضي إعادة نشر هذا الكتاب؛ لبيان وجه الحق في هذا الموضوع.

 وليكون بياناً يؤكد على التحذير من الفوضى التي تهدف إليه هذه الدعوة، والتحذير من التكفير؛ الذي يستند إليه خوارج العصر لسفك دماء أبناء الأمة، وتخريب بلاد المسلمين. جمع الله كلمة الأمة على الهدى والرشاد، وأعاد إلى بلادنا وسائر البلاد الأمن والطمأنينة والسلام. خلاصة ما جاء في الكراس، فهي ترمي من خلال جميع أبحاثها وفصولها ونصوصها المنقولة المختلفة إلى تأكيد تحريم تمسك المسلم - أيّاً كان - بأي مذهب من المذاهب الأربعة، وأن التزامَ واحد منها ضلالٌ وكفرٌ، وأنه اتخاذ للناس أرباباً من دون الله، وأن عليه أن يأخذ من الكتاب والسنّة مباشرة، فإن لم يستطع فعليه أن يظل متنقلاً بين المذاهب المختلفة يسأل هذا مرة.. ويتبع هذا آناً، ويتبع الثاني آناً آخر. ويتخذ كاتب الكراس من أقوال الأئمة الواردة في النهي عن التعصب للمذاهب ضد الدليل (إذا وضح للناظر واستقصاه) دليلاً على دعواه. وكاتب الرسالة يخلط في هذا بين أمور متفق عليها وأمور لم يقل بها مسلم. ويتخذ من أدلة الأولى برهاناً على المزاعم الأخرى، وقد كان عليه - وهو يبحث في موضوع علمي قائم على الأدلة والنظر - أن يحرر محل البحث والخلاف أولاً، ويحصر دليله ومدعاه في نطاق محلّ الخلاف، ثم يسير في دعواه كما يشاء، وهذا ما لم يفعله. وإذاً فلا بد لنا قبل الخوض في مناقشة الكاتب من أن نتدارك ما فاته هو، فنحرر محل النزاع، ونفرز النقاط التي هي محلّ وفاق بيننا وبين جميع المسلمين، لكي نبعدها عن ساحة النظر والبحث، ولا نضيع بها وقتاً، ولا نتركها تشوش علينا النظر في محل البحث هنالك أمور لا خلاف فيها لا بد من إبعادها عن دائرة البحث في أصل الدعوى التي ألَّف صاحب الكرّاس كراسه من أجلها.

 فأولها: أن المقلِّد لأحد المذاهب، ليس ثمة ما يلزمه شرعاً بالاستمرار في تقليده، وليس ثمة ما يمنعه من التحول عنه إلى غيره، فقد أجمع المسلمون أن للمقلِّد أن يقلِّد مَن شاء من المجتهدين إذا توصل إلى حقيقة مذاهبهم وآرائهم؛ فله مثلاً أن يقلِّد كل يوم إماماً من الأئمة الأربعة، ولئن ظهر في بعض العصور المتأخرة مَن استهجن تحوُّل المقلِّد من مذهب إلى آخر، فهو التعصب المقيت الذي أجمع المسلمون على بطلانه. ومعلوم لكل باحث أن هذا الذي لا خلاف فيه هو غير دعوى أن على المقلِّد أن لا يلتزم مذهباً بعينه، وأن عليه أن يلوّن ويغير؛ أي إن عدم وجوب الالتزام لا يستلزم حرمة الالتزام. ثانيها: أن المقلِّد إذا ما تمرّس في فهم مسألة من المسائل، وتبصّر بأدلتها من الكتاب والسنة وأصول الاجتهاد، وجب عليه أن يتحرر في الأخذ بها من مذهب إمامه، وحرم عليه التقليد فيها ما أمكنه أن يجتهد فيها معتمداً على طاقته العلمية المتوفرة لديه، أجمع على ذلك العلماء وأئمة المذاهب أنفسهم، وبدهي أنه يحرم عليه إذاً ترجيح رأي إمامه على ما هداه إليه اجتهاده في تلك المسألة التي توفر على دراستها والتعمق في فهم أدلتها وأصولها . ولئن ظهر أيضاً في بعض العصور المتأخرة من جنح إلى هذا التعصب، وخرج بذلك عن إجماع المسلمين؛ فإنه مظهر آخر من مظاهر التعصب والتحزب البغيض الذي يجب التنبيه إليه والتحذير منه. ومعلوم لكل باحث أيضاً أن هذا الذي لا خلاف فيه لا يستلزم بحال دعوة المقلِّد الجاهل بأدلة الأحكام إلى نبذ التقليد والاعتماد مباشرة على نصوص الكتاب والسنة. ثالثها: أن جميع الأئمة الأربعة على حق، بمعنى أن اجتهاد كل منهم جعله معذوراً عند الله - عز وجل - 

إن هو لم يستيقن حقيقة الحكم الذي أراده الله عز وجل لعباده في تلك المسائل الاجتهادية فليس عليه إلا أن يسير فيه حسب ما هداه إليه اجتهاده. ومن هنا كان اتباع المقلِّد لمن شاء منهم اتباعاً لحقّ وتمسكاً بهدى، وهو إذ يختار اتباع واحد منهم لا ينبغي أن يتصور أن الآخرين على خطأ؛ ولذلك أجمع العلماء على صحة اقتداء الحنفي بالشافعي أو المالكي، والعكس . خلاصة ما جاء في الكراس، فهي ترمي من خلال جميع أبحاثها وفصولها ونصوصها المنقولة المختلفة إلى تأكيد تحريم تمسك المسلم - أيّاً كان - بأي مذهب من المذاهب الأربعة، وأن التزامَ واحد منها ضلالٌ وكفرٌ، وأنه اتخاذ للناس أرباباً من دون الله، وأن عليه أن يأخذ من الكتاب والسنّة مباشرة، فإن لم يستطع فعليه أن يظل متنقلاً بين المذاهب المختلفة يسأل هذا مرة.. ويتبع هذا آناً، ويتبع الثاني آناً آخر. ويتخذ كاتب الكراس من أقوال الأئمة الواردة في النهي عن التعصب للمذاهب ضد الدليل (إذا وضح للناظر واستقصاه) دليلاً على دعواه. وكاتب الرسالة يخلط في هذا بين أمور متفق عليها وأمور لم يقل بها مسلم. ويتخذ من أدلة الأولى برهاناً على المزاعم الأخرى، وقد كان عليه - وهو يبحث في موضوع علمي قائم على الأدلة والنظر - أن يحرر محل البحث والخلاف أولاً، ويحصر دليله ومدعاه في نطاق محلّ الخلاف، ثم يسير في دعواه كما يشاء، وهذا ما لم يفعله. وإذاً فلا بد لنا قبل الخوض في مناقشة الكاتب من أن نتدارك ما فاته هو، فنحرر محل النزاع، ونفرز النقاط التي هي محلّ وفاق بيننا وبين جميع المسلمين، لكي نبعدها عن ساحة النظر والبحث، ولا نضيع بها وقتاً، ولا نتركها تشوش علينا النظر في محل البحث هنالك أمور لا خلاف فيها لا بد من إبعادها عن دائرة البحث في أصل الدعوى التي ألَّف صاحب الكرّاس كراسه من أجلها. فأولها: أن المقلِّد لأحد المذاهب، 

ليس ثمة ما يلزمه شرعاً بالاستمرار في تقليده، وليس ثمة ما يمنعه من التحول عنه إلى غيره، فقد أجمع المسلمون أن للمقلِّد أن يقلِّد مَن شاء من المجتهدين إذا توصل إلى حقيقة مذاهبهم وآرائهم؛ فله مثلاً أن يقلِّد كل يوم إماماً من الأئمة الأربعة، ولئن ظهر في بعض العصور المتأخرة مَن استهجن تحوُّل المقلِّد من مذهب إلى آخر، فهو التعصب المقيت الذي أجمع المسلمون على بطلانه. ومعلوم لكل باحث أن هذا الذي لا خلاف فيه هو غير دعوى أن على المقلِّد أن لا يلتزم مذهباً بعينه، وأن عليه أن يلوّن ويغير؛ أي إن عدم وجوب الالتزام لا يستلزم حرمة الالتزام. ثانيها: أن المقلِّد إذا ما تمرّس في فهم مسألة من المسائل، وتبصّر بأدلتها من الكتاب والسنة وأصول الاجتهاد، وجب عليه أن يتحرر في الأخذ بها من مذهب إمامه، وحرم عليه التقليد فيها ما أمكنه أن يجتهد فيها معتمداً على طاقته العلمية المتوفرة لديه، أجمع على ذلك العلماء وأئمة المذاهب أنفسهم، وبدهي أنه يحرم عليه إذاً ترجيح رأي إمامه على ما هداه إليه اجتهاده في تلك المسألة التي توفر على دراستها والتعمق في فهم أدلتها وأصولها . ولئن ظهر أيضاً في بعض العصور المتأخرة من جنح إلى هذا التعصب،

 وخرج بذلك عن إجماع المسلمين؛ فإنه مظهر آخر من مظاهر التعصب والتحزب البغيض الذي يجب التنبيه إليه والتحذير منه. ومعلوم لكل باحث أيضاً أن هذا الذي لا خلاف فيه لا يستلزم بحال دعوة المقلِّد الجاهل بأدلة الأحكام إلى نبذ التقليد والاعتماد مباشرة على نصوص الكتاب والسنة. ثالثها: أن جميع الأئمة الأربعة على حق، بمعنى أن اجتهاد كل منهم جعله معذوراً عند الله - عز وجل - إن هو لم يستيقن حقيقة الحكم الذي أراده الله عز وجل لعباده في تلك المسائل الاجتهادية فليس عليه إلا أن يسير فيه حسب ما هداه إليه اجتهاده. ومن هنا كان اتباع المقلِّد لمن شاء منهم اتباعاً لحقّ وتمسكاً بهدى، وهو إذ يختار اتباع واحد منهم لا ينبغي أن يتصور أن الآخرين على خطأ؛ ولذلك أجمع العلماء على صحة اقتداء الحنفي بالشافعي أو المالكي، والعكس .

قال علي رضي الله عنه :
( الناس ثلاثة عالم رباني ‘ ومتعلم على سبيل نجاة ‘ وهمج رعاع غوغاء أتباع كل ناعق ‘ يميلون مع كل ريح ‘ لم يستضيئوا بنور العلم ‘ ولم يلجؤا إلى ركن وثيق )
أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه .


    السلف الصالح والنبرك ..

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصل وسلّم على سيدنا
    محمد و على آله و صحبه و حزبه.
    -محمد بن المنكدر في سير أعلام النبلاء (5/359):
    قال مصعب بن عبد الله حدثني إسماعيل بن يعقوب التيمي قال كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه فكان يصيبه صمات فكان يقوم كما هو حتى يضع خده على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فعوتب في ذلك فقال إنه يصيبني خطر فإذا وجدت ذلك استعنت بقبر النبي صلى الله عليه وسلم.
    2-وذكر أيضا في ترجمة ابن عبيد الله (21/251-253): قال أبو الربيع بن سالم الحافظ: كان وقت وفاة أبي محمد بن عبيد الله قحط مضر، فلما وضع على شفير القبر توسلوا به إلى الله في إغاثتهم فسقوا في تلك الليلة مطرا وابلا، وما اختلف الناس إلى قبره مدة الأسبوع إلا في الوحل والطين. انتهى
    3-الطبراني (ت:360) وابن المقرئ(ت:381) كما في سير أعلام النبلاء (16/400): وروى عن أبي بكر بن أبي علي قال كان ابن المقرئ يقول كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ بالمدينة فضاق بنا الوقت فواصلنا ذلك اليوم فلما كان وقت العشاء حضرت القبر وقلت يا رسول الله الجوع فقال لي الطبراني اجلس فإما أن يكون الرزق أو الموت فقمت أنا وأبو الشيخ فحضر الباب علوي ففتحنا له فإذا معه غلامان بقفتين فيهما شيء كثير وقال شكوتموني إلى النبي صلى الله عليه وسلم رأيته في النوم فأمرني بحمل شيء إليكم.
    4-يقول الذهبي في السير (18/101) في ترجمة الذهلي:"وكان ورعا تقيا محتشما يتبرك بقبره".
    في سير أعلام النبلاء ج13 ص 203-221
    (( قال القاضي الخليل بن أحمد السجزي: سمعت أحمد بن محمد بن الليث قاضي بلدنا يقول: جاء سهل بن عبدالله التستري إلى ابي داود السجتاني فقيل يا أباداود: هذا سهل بن عبدالله جاءك زائرا فرحب به واجلسه فقال سهل :يا ابا داود لي غليك حاجة: قال وما هي؟ قال حتى تقول قضيتهامع الإمكان قال نعم .قال ( سهل) أخرج إلي لسانك الذي تحدث به أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله. فأخرج ( أي ابوداود) إليه لسانه فقبله.
    جاء في سير أعلام النبلاء ج10 177-358
    ( قال عبد الله بن احمد: رأيت أبي يأخد شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبلها . وأحسب أني رأيته يضعهاعلى عينه ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به)
    قال الذهبي( قلت أين المتنطع المنكر على أحمد وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويمس الحجرة النبوية فقال ( أحمد) لا ارى لذلك بأسا. .
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُقْرِئُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السَّرِيِّ ابْن بَنُّوْنَ التَّفْليسِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
    مَوْلِدُهُ:فِي رَجَب، سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ.
    وَسَمِعَ مِنْ:عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ بن بامُويَه، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَحَمْزَة المُهَلَّبِيّ، وَأَبِي صَادِق الصَّيْدَلاَنِيّ، وَعِدَّة مِنْ أَصْحَابِ الأَصَمّ، وَأَملَى مُدَّة.
    حَدَّثَ عَنْهُ:عَبدُ الغَافِر بن إِسْمَاعِيْلَ-وَأَثْنَى عَلَيْهِ-وَإِسْمَاعِيْلُ بن المُؤَذِّن، وَوجيه الشَّحَّامِي.
    وَسُئِلَ عَنْهُ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، فَقَالَ:شَيْخ صَالِح يُتَبَرَّك بِدُعَائِهِ، سَمِعَ الكَثِيْر مِنَ المُهَلَّبِيّ.
    قُلْتُ:تُوُفِّيَ فِي سَلخ شَوَّال، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.(19/12)
    قَاضِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، الإِمَامُ الأَوْحَدُ، صَدْرُ الدِّيْنِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عِيْسَى بنِ دِرباسِ بنِ فِيْرِ بنِ جَهْمِ بنِ عَبْدُوْسٍ المَارَانِيُّ، الكُرْدِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
    مَوْلِدُهُ: بِأَعْمَالِ المَوْصِلِ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ تَقَرِيْباً.
    وَبَنُو مَارَانَ: إِقَامتُهُم بِالمرُوجِ، تَحْت المَوْصِلِ.
    رَحَلَ فِي طَلَبِ الفِقْهِ، وَاشْتَغَلَ بِحَلَبَ عَلَى: أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ المُرَادِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ.
    وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيِّ، وَالحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
    وَبِمِصْرَ مِنْ: عَلِيٍّ ابْنِ بِنْتِ أَبِي سَعْدٍ، وَخَرَّجَ لَهُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً.
    رَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ، وَقَالَ: كَانَ مَشْهُوْراً بِالصَّلاَحِ وَالغَزْوِ، وَطَلَب العِلْمَ، يُتَبَرَّكُ بآثَارِهِ لِلمَرْضَى. قُلْتُ: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ وَفضلاَئِهِم، وَفِي أَقَارِبِهِ وَذُرِّيَّتِهِ جَمَاعَةٌ فَضلاَءُ، وَروَاةٌ.
    تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ: فِي خَامِسِ شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. (21/476)
    وَأَخُوْهُ: القَاضِي ضِيَاءُ الدِّيْنِ عُثْمَانُ بنُ عِيْسَى، مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، نَابَ فِي الحُكْمِ بِالقَاهِرَةِ، وَتَفَقَّهَ بِإِرْبِلَ عَلَى: الخَضِرِ بنِ عَقِيْلٍ، وَبِدِمَشْقَ عَلَى: ابْنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَبَرَعَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَشرحَ (المُهَذَّبَ) شَرْحاً شَافِياً فِي عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَات إِلَى آخرِهِ، وَشَرَحَ كِتَابَ (اللُّمَعِ)، وَأَفتَى، وَدرَّسَ.
    تُوُفِّيَ فِي: ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ وَالِدُ المُحَدِّثِ الرَّحَّالِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُثْمَانَ بنِ دِرْباسٍ. (21/477)
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    وَاسْمُهُ: أَصْحَمَةُ، مَلِكُ الحَبَشَةِ، مَعْدُوْدٌ فِي الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -.
    وَكَانَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلاَمُهُ، وَلَمْ يُهَاجِرْ، وَلاَ لَهُ رُؤْيَةٌ، فَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ وَجْهٍ، صَاحِبٌ مِنْ وَجْهٍ.
    وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى عَلَيْهِ بِالنَّاسِ صَلاَةَ الغَائِبِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى غَائِبٍ سِوَاهُ..............
    ........ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ، كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لاَ يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُوْرٌ(1/440)
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    وَقَدْ عَمِلَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَةَ العَبَّاسِ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَرَقَةً.
    وَقَدْ عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
    وَمَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ، وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ.
    وَعلَى قَبْرِهِ اليَوْمَ قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ بِنَاءِ خُلَفَاءِ آلِ العَبَّاسِ.). (2/97)
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    ابْنِ ثَعْلَبَةَ بنِ حَرَامِ بنِ كَعْبِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلِمَةَ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، السَّلِمِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ.
    مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ مَوْتاً.
    رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    وَكَانَ مُفْتِي المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ.
    عَاشَ بَعْدَ ابْنِ عُمَرَ أَعْوَاماً، وَتَفَرَّدَ.
    شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ مَعَ وَالِدِهِ، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنَ النُّقَبَاءِ البَدْرِيِّيْنَ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَحْيَاهُ الله -تَعَالَى- وَكَلَّمَهُ كِفَاحاً، وَقَدِ انْكَشَفَ عَنْهُ قَبْرُهُ إِذْ أَجْرَى مُعَاوِيَةُ عَيْناً عِنْدَ قُبُوْرِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَبَادَرَ جَابِرٌ إِلَى أَبِيْهِ بَعْدَ دَهْرٍ، فَوَجَدَهُ طَرِيّاً لَمْ يَبْلُ.
    وَكَانَ جَابِرٌ قَدْ أَطَاعَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَعَدَ لأَجْلِ أَخَوَاتِهِ، ثُمَّ شَهِدَ الخَنْدَقَ وَبَيْعَةَ الشَّجَرَةِ، وَشَاخَ، وَذَهَبَ بَصَرُهُ، وَقَارَبَ التِّسْعِيْنَ.
    رَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
    اسْتَغْفَرَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ البَعِيْرِ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً.
    وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّهُ شَهِدَ بَدْراً. (3/191)
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    تَغوَّطَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ البَيْتِ خَبَلٌ، وَجُنُوْنٌ، وَبَرَصٌ، وَفَقْرٌ، وَجُذَامٌ.
    قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: لَمَّا أُجرِيَ المَاءُ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، انْمَحَى أَثَرُ القَبْرِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَتَتَبَّعَهُ، حَتَّى وَقعَ عَلَى أَثَرِ القَبْرِ، فَبَكَى، وَقَالَ:
    أَرَادُوا لِيُخْفُوا قَبْرَهُ عَنْ عَدُوِّهِ * فَطِيْبُ تُرَابِ القَبْرِ دَلَّ عَلَى القَبْرِ (3/318)
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    وَيُقَالُ: الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ العَابِدِيْنَ.
    حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ.
    رَوَى عَنْهُ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُ.
    وَلِيَ بَعْضَ الحُرُوْبِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ بِبِلاَدِ فَارِسٍ.
    قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عَامِلاً لِعُمَرَ، وَكَانَ ثِقَةً، لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ.
    ...............
    وَعَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
    مَاتَ هَرِمُ بنُ حَيَّانَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَلَمَّا نَفَضُوا أَيْدِيَهُم عَنْ قَبْرِهِ، جَاءتْ سَحَابَةٌ حَتَّى قَامَتْ عَلَى القَبْرِ، فَلَمْ تَكُنْ أَطْوَلَ مِنْهُ، وَلاَ أَقْصَرَ مِنْهُ، وَرَشَّتْهُ حَتَّى رَوَّتْهُ، ثُمَّ انْصَرَفَتْ.رَوَاهَا: اثْنَانِ، عَنْ هِشَامٍ.
    ضَمْرَةُ: عَنِ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
    أُمْطِرَ قَبْرُ هَرِمٍ مِنْ يَوْمِهِ، وَأَنْبَتَ العُشْبُ
    __________________
    ليتك تفيق من سكرة الحس...وتصحب رفيقا لحضرة القدس
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ المِصْرِيُّ الفَقِيْهُ: عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ المَعَافِرِيِّ، عَنْ، عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَارَةَ بنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
    حَضَرْتُ جَنَازَةَ الأَحْنَفِ بِالكُوْفَةِ، فَكُنْتُ فِيْمَنْ نَزَلَ قَبْرَهُ، فَلَمَّا سَوَّيْتُهُ، رَأَيْتُهُ قَدْ فُسِحَ لَهُ مَدَّ بَصَرِي، فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَصْحَابِي، فَلَمْ يَرَوْا مَا رَأَيْتُ. (4/96)
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَرَشِيُّ، العَامِرِيُّ، البَصْرِيُّ، أَخُو يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ.
    حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَعَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ، وَغَيْرِهِم.
    وَعَنْ: أَبِي مُسْلِمٍ الجَذْمِيِّ، وَحَكِيْمِ بنِ قَيْسِ بنِ عَاصِمٍ المِنْقَرِيِّ.
    وَأَرْسَلَ عَنْ: أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ.
    ...
    وَلَمْ يَنْجُ مِنْهَا بِالكُوْفَةِ إِلاَّ خَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ.
    قَالَ مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ:
    أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ، فَكَذَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَأَمِتْهُ.
    فَخَرَّ مَيْتاً مَكَانَهُ.قَالَ: فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى زِيَادٍ، فَقَالَ: قَتَلْتَ الرَّجُلَ.
    قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهَا دَعْوَةٌ وَافَقَتْ أَجَلاً.
    قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
    كَانَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَصَاحِبٌ لَهُ سَرَيَا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَإِذَا طَرَفُ سَوْطِ أَحَدِهِمَا عِنْدَهُ ضَوْءٌ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ حَدَّثْنَا النَّاسَ بِهَذَا، كَذَّبُوْنَا.
    فَقَالَ مُطَرِّفٌ: المُكَذِّبُ أَكْذَبُ - يَقُوْلُ: المُكَذِّبُ بِنِعْمَةِ اللهِ أَكْذَبُ -.
    وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ بنُ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ مَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنْ غَيْلاَنَ بنِ جَرِيْرٍ، قَالَ:
    أَقْبَلَ مُطَرِّفٌ مَعَ ابْنِ أَخٍ لَهُ مِنَ البَادِيَةِ - وَكَانَ يَبْدُو - فَبَيْنَا هُوَ يَسِيْرُ، سَمِعَ فِي طَرَفِ سَوْطِهِ كَالتَّسْبِيْحِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَخِيْهِ: لَوْ حَدَّثْنَا النَّاسَ بِهَذَا، كَذَّبُوْنَا.
    فَقَالَ: المُكَذِّبُ أَكْذَبُ النَّاسِ.وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، قَالَ:
    كَانَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ يَبْدُو، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، أَدْلَجَ عَلَى فَرَسِهِ، فَرُبَّمَا نَوَّرَ لَهُ سَوْطُهُ، فَأَدْلَجَ لَيْلَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ القُبُوْرِ، هَوَّمَ عَلَى فَرَسِهِ.
    قَالَ: فَرَأَيْتُ أَهْلَ القُبُوْرِ، صَاحِبَ كُلِّ قَبْرٍ جَالِساً عَلَى قَبْرِهِ، فَلَمَّا رَأَوْنِي، قَالُوا: هَذَا مُطَرِّفٌ يَأْتِي الجُمُعَةَ. قُلْتُ: أَتُعَلِّمُوْنَ عِنْدَكُم يَوْمَ الجُمُعَةِ؟
    قَالُوا: نَعَمْ، نَعْلم مَا تَقُوْلُ الطَّيْرُ فِيْهِ.
    قُلْتُ: وَمَا تَقُوْلُ الطَّيْرُ؟
    قَالُوا: تَقُوْلُ: سَلاَمٌ سَلاَمٌ مِنْ يَوْمٍ صَالِحٍ.
    إِسْنَادُهَا صَحِيْحٌ.
    عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَمْرٍو الفَزَارِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَرَجُلٍ آخَرَ:
    أَنَّهُمَا دَخَلاَ عَلَى مُطَرِّفٍ وَهُوَ مُغْمَىً عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَطَعَتْ مَعَهُ ثَلاَثَةُ أَنْوَارٍ: نُوْرٌ مِنْ رَأْسِهِ، وَنُوْرٌ مِنْ وَسَطِهِ، وَنُوْرٌ مِنْ رِجْلَيْهِ، فَهَالَنَا ذَلِكَ، فَأَفَاقَ، فَقُلْنَا: كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
    قَالَ: صَالِحٌ.
    فَقِيْلَ: لَقَدْ رَأَيْنَا شَيْئاً هَالَنَا.
    قَالَ: وَمَا هُوَ؟
    قُلْنَا: أَنْوَارٌ سَطَعَتْ مِنْكَ.
    قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُم ذَلِكَ؟
    قَالُوا: نَعَمْ.
    قَالَ: تِلْكَ تَنْزِيْلُ السَّجْدَةِ، وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُوْنَ آيَةً، سَطَعَ أَوَّلُهَا مِنْ رَأْسِي، وَوَسَطُهَا مِنْ وَسَطِي، وَآخِرُهَا مِنْ قَدَمَيَّ، وَقَدْ صُوِّرَتْ تَشْفَعُ لِي، فَهَذِهِ ثَوَابِيَّةٌ تَحْرُسُنِي. (4/194
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    السَّيِّدِ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ، ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، المَدَنِيُّ، الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ.
    حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ.
    وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ وَالفُتْيَا مَعَ صِدْقِهِ وَجَلاَلَتِهِ.
    حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَسُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، وَفُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ يَسَارٍ وَالِدُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُم.
    ابْنُ عَجْلاَنَ: عَنْ سُهَيْلٍ، وَسَعِيْدٍ مَوْلَى المُهْرِيِّ، عَنْ حَسَنِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ:
    أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً وَقَفَ عَلَى البَيْتِ الَّذِي فِيْهِ قَبْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو لَهُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَتَّخِذُوا بَيْتِيَ عِيْداً، وَلاَ تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُم قُبُوْراً، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ مَا كُنْتُم، فَإِنَّ صَلاَتَكُم تَبْلُغُنِي). (4/484)
    هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَا اسْتَدَلَّ حَسَنٌ فِي فَتْوَاهُ بِطَائِلٍ مِنَ الدَّلاَلَةِ، فَمَنْ وَقَفَ عِنْدَ الحُجْرَةِ المُقَدَّسَةِ ذَلِيْلاً، مُسْلِماً، مُصَلِيّاً عَلَى نَبِيِّهِ، فَيَا طُوْبَى لَهُ، فَقَدْ أَحْسَنَ الزِّيَارَةَ، وَأَجْمَلَ فِي التَّذَلُّلِ وَالحُبِّ، وَقَدْ أَتَى بِعِبَادَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فِي أَرْضِهِ، أَوْ فِي صَلاَتِهِ، إِذِ الزَّائِرُ لَهُ أَجْرُ الزِّيَارَةِ، وَأَجْرُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَالمُصَلِّي عَلَيْهِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ لَهُ أَجْرُ الصَّلاَةِ فَقَطْ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْراً، وَلَكِنْ مَنْ زَارَهُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - وَأَسَاءَ أَدَبَ الزِّيَارَةِ، أَوْ سَجَدَ لِلْقَبْرِ، أَوْ فَعَلَ مَا لاَ يُشْرَعُ، فَهَذَا فَعَلَ حَسَناً وَسَيِّئاً، فَيُعَلَّمُ بِرفْقٍ، وَاللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ.
    فَوَاللهِ مَا يَحْصَلُ الانْزِعَاجُ لِمُسْلِمٍ، وَالصِّيَاحُ وَتَقْبِيْلُ الجُدْرَانِ، وَكَثْرَةِ البُكَاءِ، إِلاَّ وَهُوَ مُحِبٌّ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ، فَحُبُّهُ المِعْيَارُ وَالفَارِقُ بَيْنَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، فَزِيَارَةُ قَبْرِهِ مِنْ أَفَضْلِ القُرَبِ، وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ، لَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُوْنٍ فِيْهِ لِعُمُوْمِ قَوْلِهِ - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ -: (لاَ تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ).
    فَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَلْزِمٌ لِشَدِّ الرَّحْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ، وَذَلِكَ مَشْرُوْعٌ بِلاَ نِزَاعٍ، إِذْ لاَ وُصُوْلَ إِلَى حُجْرَتِهِ إِلاَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَلْيَبْدَأْ بِتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، ثُمَّ بِتَحِيَّةِ صَاحِبِ المَسْجِدِ - رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ذَلِكَ آمِيْنَ -. (4/485)
    __________________
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ البُنَانِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ.
    وَبُنَانَةُ: هُم بَنُو سَعْدِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ.
    وَيُقَالُ: هُم بَنُو سَعْدِ بنِ ضُبَيْعَةَ بنِ نِزَارٍ.
    وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ.
    وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ - وَذَلِكَ فِي (مُسْلِمٍ)- وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ - وَذَلِكَ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ)-. (5/221)
    وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ - وَذَلِكَ فِي (البُخَارِيِّ)- وَأَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيِّ رَبِيْبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَلِكَ فِي (التِّرْمِذِيِّ) وَ(النَّسَائِيِّ)، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ،
    .............
    وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ وَالعَمَلِ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
    عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ:
    كَانَ ثَابِتٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَداً الصَّلاَةَ فِي قَبْرِهِ، فَأَعْطِنِي الصَّلاَةَ فِي قَبْرِي.
    يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ اسْتُجِيْبَتْ لَهُ، وَإِنَّهُ رُئِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ .
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ شِهَابِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، الإِمَامُ، العَلَمُ، حَافِظُ زَمَانِه، أَبُو بَكْرٍ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَدَنِيُّ، نَزِيلُ الشَّامِ.
    رَوَى عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ شَيْئاً قَلِيْلاً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مِنْهُمَا، وَأَنْ يَكُوْنَ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ وَغَيْرَهُ،
    .....
    الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ:
    قِيْلَ لِلزُّهْرِيِّ: لَوْ أَنَّكَ سَكَنْتَ المَدِيْنَةَ، وَرُحتَ إِلَى مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَبْرِه، تَعَلَّمَ النَّاسُ مِنْكَ.
    قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ حَتَّى أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَأَرغَبَ فِي الآخِرَةِ.(5/338)
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ كُرْزُ بنُ وَبَرَةَ الحَارِثِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ جُرْجَانَ، وَكَبِيْرُهَا، فَإِنَّهُ دَخَلَهَا غَازِياً فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، مَعَ يَزِيْدَ بنِ المُهَلَّبِ، فَاتَّخَذَ كُرْزٌ بِهَا مَسْجِداً بِقُربِ قَبْرِهِ. . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ أَبُو عُثْمَانَ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:
    قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: سَأَلَ كُرْزٌ رَبَّهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الاسْمَ الأَعْظَمَ، عَلَى أَلاَ يَسْأَلَ بِهِ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَأُعْطِيَ، فَسَأَلَ أَنْ يُقَوَّى حَتَّى يَخْتِمَ القُرْآنَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
    .
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنِي جَرِيْرُ بنُ زِيَادِ بنِ كُرْزٍ الحَارِثِيُّ، عَنْ شُجَاعِ بنِ صَبِيْحٍ مَوْلَى كُرْزِ بنِ وَبَرَةَ، قَالَ:
    أَخْبَرَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ المُكْتِبُ، قَالَ: صَحِبتُ كُرْزاً إِلَى مَكَّةَ، فَاحْتبسَ يَوْماً وَقْتَ الرَّحِيْلِ، فَانبثُّوا فِي طَلبِهِ، فَأَصبتُهُ فِي وَهْدَةٍ يُصَلِّي فِي سَاعَةٍ حَارَّةٍ، وَإِذَا سَحَابَةٌ تُظِلُّهُ، فَقَالَ لِي: اكْتُم هَذَا، وَاسْتَحْلَفَنِي.
    -.
    .
    وَعَنْ عَمْرِو بنِ حُمَيْدٍ الدِّيْنَوَرِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ جُرْجَانَ، عَنْ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنِّي أَتَيْتُ عَلَى قُبُوْرِ أَهْلِ جُرْجَانَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوْسٌ عَلَى قُبُوْرِهم، عَلَيْهِم ثِيَابٌ بِيْضٌ، فَقُلْتُ: يَا أَهْلَ القُبُوْرِ! مَا لَكُم؟
    قَالُوا: إِنَّا كُسِينَا ثِيَاباً جُدداً؛ لِقُدُوْمِ كُرْزِ بنِ وَبَرَةَ عَلَيْنَا
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، للإمام الذَّهبي
    الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّبَّانِيُّ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، السَّلِيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، الزَّاهِدُ.
    رَوَى عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
    حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.
    وَحَدَّثَ عَنْهُ مَنْ أَقرَانِهِ: الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ.
    قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أُقَدِّمُهُ عَلَيْهِ فِي الوَرَعِ وَالرِّقَّةِ.
    قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَخَوْفَ للهِ مِنْهُ، كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مائَةِ رَكْعَةٍ.
    وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: هُوَ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ.
    وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ ثِقَةٌ وَزِيَادَةٌ.
    قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَفَرَ قَبْرَهُ، وَخَتَمَ فِيْهِ القُرْآنَ، وَكَانَ وِرْدُهُ ثُلُثَ القُرْآنِ
    __________________
    ليتك تفيق من سكرة الحس...وتصحب رفيقا لحضرة القدس
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    الزَّاهِدُ، شَيْخُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، ثَوْبَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ.
    وَقِيْلَ: فَيْضُ بنُ أَحْمَدَ.
    وَقِيْلَ: فَيْضُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النُّوْبِيُّ، الإِخْمِيْمِيُّ.
    يُكْنَى: أَبَا الفَيْضِ.
    وَيُقَالُ: أَبَا الفَيَّاضِ.
    وُلِدَ: فِي أَوَاخِرِ أَيَّامِ المَنْصُوْرِ. (11/533)
    وَرَوَى عَنْ: مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَسَلْمٍ الخَوَّاصِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَطَائِفَةٍ.
    .
    تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
    .
    وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ: كَانَ أَهْلُ نَاحِيَتِه يُسَمُّوْنَهُ الزِّنْدِيْقَ، فَلَمَّا مَاتَ، أَظلَّتْ الطَّيْرُ جِنَازَتَه، فَاحْتَرَمُوا بَعْدُ قَبْرَهُ.
    عَنْ: أَيُّوْبَ مُؤَدِّبِ ذِي النُّوْنِ، قَالَ: جَاءَ أَصْحَابُ المَطَالِبِ ذَا النُّوْنِ، فَخَرَجَ مَعَهُم إِلَى قِفْطَ، وَهُوَ شَابٌّ، فَحَفَرُوا قَبْراً، فَوَجَدُوا لَوْحاً فِيْهِ: اسْمُ اللهِ الأَعْظَمُ، فَأَخَذَهُ ذُو النُّوْنِ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِم مَا وَجَدُوا. قَالَ يُوْسُفُ بنُ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ: حَضَرْتُ ذَا النُّوْنِ، فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا الفَيْضِ، مَا كَانَ سَبَبُ تَوْبَتِكَ؟
    قَالَ: نِمْتُ فِي الصَّحْرَاءِ، فَفَتَحْتُ عَيْنِي، فَإِذَا قُنْبَرَةٌ عَمْيَاءُ سَقَطَتْ مِنْ وَكْرٍ، فَانْشَقَّتِ الأَرْضُ، فَخَرَجَ مِنْهَا سُكُرُّجَتَانِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، فِي إِحْدَاهُمَا سِمْسِمٌ، وَفِي الأُخْرَى مَاءٌ، فَأَكَلَتْ، وَشَرِبَتْ، فَقُلْتُ: حَسْبِي.
    فَتُبْتُ، وَلَزِمْتُ البَابَ، إِلَى أَنْ قَبِلَنِي. (11/534)
    قَالَ السُّلَمِيُّ فِي (مِحَنِ الصُّوْفِيَّةِ): ذُو النُّوْنِ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِبَلْدَتهِ فِي تَرْتِيْبِ الأَحْوَالِ، وَمَقَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَهَجَرَهُ عُلَمَاءُ مِصْرَ، وَشَاعَ أَنَّهُ أَحْدَثَ عِلْماً لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيْهِ السَّلَفُ وَهَجَرُوْهُ حَتَّى رَمَوْهُ بِالزَّنْدَقَةِ.
    فَقَالَ أَخُوْهُ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ زِنْدِيْقٌ، فَقَالَ:
    وَمَا لِي سِوَى الإِطْرَاقِ وَالصَّمْتِ حِيْلَةٌ * وَوَضْعِيَ كَفِّي تَحْتَ خَدِّي وَتَذْكَارِي
    قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَرْخِيِّ: كُنْت مَعَ ذِي النُّوْنِ فِي زَوْرَقٍ، فَمَرَّ بِنَا زَوْرَقٌ آخَرُ، فَقِيْلَ لِذِي النُّوْنِ: إِنَّ هَؤُلاَءِ يَمُرُّوْنَ إِلَى السُّلْطَانِ يَشْهَدُوْنَ عَلَيْكَ بِالكُفْرِ.
    فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانُوا كَاذِبِيْنَ، فَغَرِّقْهُم.
    فَانْقَلَبَ الزَّوْرَقُ، وَغَرِقُوا، فَقُلْتُ لَهُ: فَمَا بَالُ المَلاَّحِ؟
    قَالَ: لِمَ حَمَلَهُم وَهُوَ يَعلَمُ قَصْدَهُم؟ وَلأَنْ يَقِفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ غَرْقَى، خَيْرٌ لَهُم مِنْ أَنْ يَقِفُوا شُهُوْدَ زُوْرٍ.
    ثُمَّ انْتَفَضَ، وَتَغَيَّر، وَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لاَ أَدْعُو عَلَى أَحَدٍ بَعْدَهَا. ثُمَّ دَعَاهُ أَمِيْرُ مِصْرَ، وَسَأَلَهُ عَنِ اعْتِقَادِهِ، فَتَكَلَّمَ، فَرَضِيَ أَمْرَهُ، وَطَلَبَهُ المُتَوَكِّلُ، فَلَمَّا سَمِعَ كَلاَمَه، وَلِعَ بِهِ، وَأَحَبَّهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُوْنَ، فَحَيَّ هَلاَ بِذِي النُّوْنِ. (11/535) قَالَ عَلِيُّ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُ ذَا النُّوْنِ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
    وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ الحُسَيْنِ: سَمِعْتُ ذَا النُّوْنِ يَقُوْلُ:
    مَهْمَا تَصَوَّرَ فِي وَهْمِكَ، فَاللهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الاسْتِغْفَارُ جَامِعٌ لِمَعَانٍ، أَوَّلُهُمَا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى، الثَّانِي: العَزْمُ عَلَى التَّرْكِ، وَالثَّالِثُ: أَدَاءُ مَا ضَيَّعْتَ مِنْ فَرْضٍ للهِ، الرَّابِعُ: رَدُّ المَظَالِمِ فِي الأَمْوَالِ وَالأَعْرَاضِ وَالمُصَالَحَةُ عَلَيْهَا، الخَامِسُ: إِذَابَةُ كُلِّ لَحْمٍ وَدَمٍ نَبَتَ عَلَى الحَرَامِ، السَّادِسُ: إِذَاقَةُ أَلَمِ الطَّاعَةِ كَمَا وَجَدْتَ حَلاَوَةَ المَعْصِيَةِ.
    وَعَنْ عَمْرِو بنِ السَّرْحِ، قُلْتُ لِذِي النُّوْنِ: كَيْفَ خَلصتَ مِنَ المُتَوَكِّلِ، وَقَدْ أَمَرَ بِقَتْلِكَ؟
    قَالَ: لَمَّا أَوْصَلَنِي الغُلاَمُ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: يَا مَنْ لَيْسَ فِي البِحَارِ قَطَرَاتٌ، وَلاَ فِي دَيْلَجِ الرِّيَاحِ ديْلَجَاتٌ، وَلاَ فِي الأَرْض خَبِيئَاتٌ، وَلاَ فِي القُلُوْبِ خَطَرَاتٌ، إِلاَّ وَهِيَ عَلَيْكَ دَلِيلاَتٌ، وَلَكَ شَاهِدَاتٌ، وَبِرُبُوبِيَّتِكَ مُعتَرِفَاتٌ، وَفِي قُدرَتِكَ مُتَحَيِّرَاتٌ، فَبِالقُدْرَةِ الَّتِي تُجِيْرُ بِهَا مَنْ فِي الأَرَضِيْنَ وَالسَّمَاوَاتِ إِلاَّ صَلَّيْتَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَخَذتَ قَلْبَه عَنِّي.
    فَقَامَ المُتَوَكِّلُ يَخْطُو حَتَّى اعْتَنَقَنِي، ثُمَّ قَالَ: أَتْعَبْنَاكَ يَا أَبَا الفَيْضِ.
    وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ الحُسَيْنِ: حَضَرتُ مَعَ ذِي النُّوْنِ مَجْلِسَ المُتَوَكِّلِ، وَكَانَ مُوْلَعاً بِهِ، يُفَضِّلُه عَلَى الزُّهَّادِ، فَقَالَ: صِفْ لِي أَوْلِيَاءَ اللهِ.
    قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُمْ قَوْمٌ أَلبَسَهُمُ اللهُ النُّوْرَ السَّاطِعَ مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَجَلَّلَهُم بِالبَهَاءِ مِنْ إِرَادَةِ كَرَامَتِهِ، وَوَضَعَ عَلَى مَفَارِقِهِم تِيْجَانَ مَسَرَّتِهِ...، فَذَكَرَ كَلاَماً طَوِيْلاً.
    وَقَدِ اسْتَوفَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَحْوَالَ ذِي النُّوْنِ فِي (تَارِيْخِهِ)، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي (الحِلْيَةِ). (11/536)
    وَمِنْ كَلاَمِهِ: العَارِفُ لاَ يَلتَزِمُ حَالَةً وَاحِدَةً، بَلْ يَلْتَزِمُ أَمرَ رَبِّهُ فِي الحَالاَتِ كُلِّهَِا.
    أَرَّخَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ عُفَيْرٍ وَفَاته - كَمَا مَرَّ -: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
    وَأَمَّا حَيَّانُ بنُ أَحْمَدَ السَّهْمِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ بِالجِيْزَةِ، وَعُدِّي بِهِ إِلَى مِصْرَ فِي مَرْكِبٍ خَوْفاً مِنْ زَحْمَةِ النَّاسِ عَلَى الجِسْرِ، لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
    وَقَالَ آخَرُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
    وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.
    وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    فَقِيْهُ المَغْرِبِ، مُحَمَّدٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ، ابْنُ فَقِيْهِ المَغْرِبِ عَبْدِ السَّلاَمِ سَحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ التَّنُوخِيُّ، القَيْرَوَانِيُّ، شَيْخُ المَالِكِيَّةِ.
    تَفَقَّهَ بِأَبِيهِ.
    وَرَوَى عَنْ: أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ، وَطَبَقَتِهِ.
    وَكَانَ مُحَدِّثاً بَصِيْراً بِالآثَارِ، وَاسِعَ العِلْمِ، مُتَحَرِّياً مُتْقِناً، عَلاَّمَةً، كَبِيْرَ القَدْرِ، وَكَانَ يُنَاظِرُ أَبَاهُ.
    وَقِيْلَ لِعِيْسَى بنِ مِسْكِيْنٍ: مَنْ خَيْرُ مَنْ رَأَيْتَ فِي الغِلْمَةِ؟
    قَالَ: ابْنُ سَحْنُوْنَ. (13/61)
    قُلْتُ: لَهُ مُصَنَّفٌ كَبِيْرٌ فِي فنُوْنٍ مِنَ العِلْمِ، وَلَهُ كِتَابُ: (السِّيَرِ)، عِشْرُوْنَ مُجَلَّداً، وَكِتَابُ: (التَّارِيْخِ)، وَمُصَنَّفٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَالعِرَاقِيِّيْنَ.
    وَقِيْلَ: لَمَّا مَاتَ ضُرِبَتِ الخِيَامُ حَوْلَ قَبْرِهِ، فَأَقَامُوا شَهْراً، وَأُقِيْمَتْ هُنَاكَ أَسْوَاقُ الطَّعَامِ، وَرَثَتْهُ الشُّعَرَاءُ، وَتَأَسَّفُوا عَلَيْهِ.
    تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ
    __________________
    ليتك تفيق من سكرة الحس...وتصحب رفيقا لحضرة القدس
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي:ذُكِرَ لِي أَنَّهُم حَزَرُوا الجَمْعَ يَوْمَ جَنَازَةِ الجُنَيْدِ الَّذِيْنَ صَلَّوْا عَلَيْهِ نَحْوَ سِتِّيْنَ أَلْفاً، وَمَا زَالُوا يَنْتَابُوْنَ قَبْرَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ نَحْوَ الشَّهْرِ، وَدُفِنَ عِنْدَ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ.
    -.(14/77)
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    الإِمَامُ الأَوْحَد، أَبُو جَعْفَرٍ الشَّيْبَانِيُّ الكُوْفِيُّ.
    سَمِعَ:أَبَا كُرَيْبٍ، وَالحَسَن بن عَلِيٍّ الحُلْوَانِيّ، وَطَبَقَتْهُمَا.
    وَعَنْهُ:الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ، المُقْرِئُ، وَالمَيَانَجِي، وَآخَرُوْنَ.
    وَكَانَ كَبِيرَ الشَّأْنِ، ثِقَة، نَافذَ الكَلِمَة، كَثِيْرَ النَّفع، انتَاب النَّاسُ قَبْرهُ نَحْو السَّنَّة، وَعَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
    تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    الإِمَامُ، العَلَمُ، المجتهدُ، عَالِمُ العَصر، أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ البَدِيْعَة، مِنْ أَهْلِ آمُل طَبَرِسْتَان.
    مَوْلِدُه:سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَطَلَبَ العِلْمَ بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ وَأَكْثَرَ التَّرحَال، وَلقِي نُبَلاَء الرِّجَال، وَكَانَ مِنْ أَفرَاد الدَّهْر عِلْماً، وَذكَاءً، وَكَثْرَةَ تَصَانِيْف.
    قلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مثلَه.(14/268)
    .......
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ:تُوُفِّيَ ابْنُ جَرِيْرٍ عَشِيَّة الأَحَدِ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ شَوَّال سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي دَارهِ بِرَحْبَةِ يَعْقُوْب-يَعْنِي:بِبَغْدَادَ-.
    قَالَ:وَلَمْ يُغَيِّر شَيْبَه، وَكَانَ السَّوَادُ فِيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ أَسمر إِلَى الأُدْمَةِ، أَعْيَنَ، نَحِيْفَ الجِسْمِ، طَوِيْلاً، فَصِيْحاً، وَشَيَّعَهُ مَنْ لاَ يُحْصِيْهُم إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، وَصُلِّيَ عَلَى قَبْره عِدَّة شهورٍ ليلاً وَنهَاراً إِلَى أَنْ قَالَ:وَرثَاهُ خلقٌ مِنَ الأَدباء وَأَهْل الدِّين، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَبِي سَعِيْدٍ بن الأَعْرَابِيّ:
    حَدَثٌ مُفْظِعٌ وَخَطْبٌ جَلِيْلٌ*دَقَّ عَنْ مِثْلِهِ اصْطِبَارُ الصَّبُورِ
    قَامَ نَاعِي العُلُومِ أَجْمَعِ لمَّا*قَامَ نَاعِي مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    ابْنِ صَالِحِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسِ بنِ هُذَيْلِ بنِ يَزِيْدَ بنِ العَبَّاسِ بنِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو الفَضْلِ بنُ الكُوْمَلاَذِيِّ التَّمِيْمِيُّ، الأَحنفِيُّ، الهَمَذَانِيُّ، السِّمْسَارُ.
    حَدَّثَ عَنْ:أَبِيهِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَوسٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المَرَّارِ بنِ حَمُّوَيْه، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ البَزَّازِ، وَأَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ عزون، وَقَاسِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُبَيْلٍ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ عَبْدِيْلَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَهْرَوَيْه القَزْوِيْنِيِّ، وَخَلْقٍ.
    وَجَمعَ وَصَنَّفَ.
    حَدَّثَ عَنْهُ:طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَاهِلَةَ، وَحمْدُ الزَّجَّاجُ، وَأَحْمَدُ بنُ زَنْجَوَيْه العُمَرِيُّ، وَطَاهرُ بنُ أَحْمَدَ الإِمَامُ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ أَبِي الفَوَارِسِ، وَأَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ زَنْبِيْلٍ النُّهَاوَنْدِيُّ، وَآخرُوْنَ.
    قَالَ الحَافِظُ شِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيُّ:كَانَ رُكناً مِنْ أَركَانِ الحَدِيْثِ.
    ثِقَةً، حَافِظاً، ديِّناً، وَرِعاً، صَدُوْقاً، لاَ يخَافُ فِي اللهِ لَومةَ لاَئِمٍ.
    وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ غزيرَةٌ.
    مَوْلدُهُ:سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَمَاتَ لثمَانٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَيُستجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرِهِ!! صَلَّى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ لاَلٍ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ:كُنَّا نترُكُ الذُّنُوبَ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَثُلثَيْ ذَلِكَ حيَاءً مِنْ هَذَا الشَّيْخِ-رَحِمَهُ اللهُ
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    العَلاَّمَةُ، البَلِيْغُ، الشَّاعِرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ القَاضِي مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ، ابْنُ وَكِيْعٍ الضَّبِّيُّ، البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ التِّنِّيْسِيُّ، مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ.
    وَلهُ(دِيْوَان)، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِالعَاطس، وَهُوَ القَائِلُ:
    لَقَدْ شَمِتُّ بِقَلْبِي*لاَ خَفَّفَ اللهُ عَنْهُ
    كَمْ لُمْتُه فِي هَوَاهُ*فَقَالَ:لاَ بُدَّ مِنْهُ
    تُوُفِّيَ:فِي جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بِتِنِّيس، وَبنُوا عَلَى قَبْرِه قُبَّةً.(17/65)
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَجِ بنِ لاَلٍ الهَمَذَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
    حَدَّثَ عَنْ:أَبِيهِ، وَالقَاسِمِ بن أَبِي صَالِحٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَلاَّب، وَعَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ الزَّعْفَرَانِيّ، وَإِسْمَاعِيْل الصَّفَّار، وَعَلِيِّ بن الفَضْلِ السُّتُوْرِي، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ الأَعْرَابِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بن حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيّ، وَحَفْصِ بن عُمَرَ الأَرْدَبيلِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ بنِ شَوْذَب، وَخَلْقٍ كَثِيْر.
    وَلَهُ رحلَةٌ وَحفظٌ وَمَعْرِفَةٌ.
    حَدَّثَ عَنْهُ:جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَبْهَرِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الصُّوْفِيّ، وَحُمَيْدُ بنُ المَأْمُوْنِ، وَأَبُو مَسْعُوْد أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَجَلِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ عَبَّاد، وَأَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ الحَسَنِ، وَآخَرُوْنَ.
    وَكَانَ إِمَاماً مُفَنّناً.
    قَالَ شِيْرَوَيْه:كَانَ ثِقَةً، أَوْحَدَ زمَانِهِ، مُفْتِي البَلَد، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي علومِ الحَدِيْثِ، غَيْر أَنَّهُ كَانَ مَشْهُوْراً بِالفِقْه.
    قَالَ:وَرَأَيْتُ لَهُ كِتَاب(السُّنَن)، وَ(مُعْجَم الصَّحَابَة)، مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَالدُّعَاءُ عِنْد قَبْرِهِ مُسْتَجَابٌ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.(17/77)
    __________________
    ليتك تفيق من سكرة الحس...وتصحب رفيقا لحضرة القدس
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْه، العَلاَّمَةُ، عَالِمُ المَغْرِب، أَبُو الحَسَن عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَلَف المَعَافِرِيُّ، القَرَوِيُّ، القَابسِيُّ، المَالِكِيُّ، صَاحِب(المُلَخَّصِ).
    حج، وَسَمِعَ مِن:حَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الكتَّانِي الحَافِظ، وَأَبِي زَيْدٍ المَرْوَزِيّ، وَابنِ مسرورٍ الدّبَّاغ بِإِفْرِيْقِيَةَ، درَّاس بن إِسْمَاعِيْلَ، وَطَائِفَة.
    وَكَانَ عَارِفاً بِالعِلل وَالرِّجَالِ، وَالفِقْهِ وَالأُصُوْلِ وَالكَلاَمِ، مُصَنِّفاً يَقِظاً دَيِّناً تَقِيّاً، وَكَانَ ضَرِيْراً، وَهُوَ مِنْ أَصحِّ العُلَمَاء كُتُباً، كتب لَهُ ثِقَاتُ أَصْحَابِهِ، وَضَبَطَ لَهُ بِمَكَّةَ(صَحِيْح)البُخَارِيِّ، وَحرّره وَأَتْقَنَهُ رفيقُه الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَصِيلِي.(17/160)
    .....وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ بِمدينَة القَيْرَوَان، وَبَات عِنْد قَبْره خلقٌ مِنَ النَّاس وضُربت الأَخبيَةُ، وَرثَتْه الشُّعَرَاءُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَع مائَة.
    )
    الإِمَامُ، الحَافِظُ، الجَوَّالُ، الصَّالِحُ، العَابِدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ الأَرْدَسْتَانِيُّ.
    سَمِعَ مِنْ:عَدَدٍ كَثِيْرٍ، وَحَدَّثَ عَنْ:أَبِي الشَّيْخِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ المُقْرِئ، وَيُوْسُف القَوَّاس، وَعُمَر بنِ شَاهِيْن، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الكِلاَبِيّ، وَالقَاسِمِ بن عَلْقَمَة الأَبْهَرِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن حَاجِب الكُشَانِي.
    وَحَدَّثَ عَنْهُ بـ(الصَّحِيْح)، وَلقِي بِعَكَّا أَبَا زُرْعَةَ المُقْرِئ، وَتلاَ عَلَى جَمَاعَة.
    رَوَى عَنْهُ:مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ القُوْمِسَانِي، وَابْنُ ممَان، وَظَفَرُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَغَيْرُهُم مِنَ الهَمَذَانيين.
    ورَوَى عَنْهُ:أَبُو نَصْرٍ الشِّيْرَازِيُّ المُقْرِئ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي كُتُبِهِ، وَوَصَفَهُ بِالحِفْظ.
    قَالَ شِيْرَوَيْه:كَانَ ثِقَةً يُحْسِنُ هَذَا الشَّأْن، سَمِعْتُ عِدَّةً يَقُوْلُوْنَ:مَا مِنْ رَجُلٍ لَهُ حَاجَةٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَة يَزُوْرُ قَبْره وَيدعُوهُ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ.
    قَالَ:وَجَرَّبْتُ أَنَا ذَلِكَ.وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ بـ(صَحِيْح البُخَارِيِّ)عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ طَاهِرٍ بِهَمَذَان.
    قُلْتُ:هُوَ مِمَّنْ فَاتَ ابْنَ عَسَاكِر ذكرُه فِي(تَارِيْخِهِ).
    وَكَانَ مَعَ عِلْمِهِ بِالأَثر قَيِّماً بكتَاب الله، رَفِيْعَ الذِّكر، أَخذ بِالبَصْرَةِ عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ العَبَّاسِ الأَسْفَاطيّ، وَأَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ النَّهْرَدَيْرِيّ.
    وَيُكْنَى أَيْضاً بِأَبِي جَعْفَرٍ.
    مَاتَ:سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.(17/429
    سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، - للإمام الذَّهبي
    هُوَ:الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الآدَابِ، أَبُو العَلاَءِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ بن مُطَهِّرِ بن زِيَادِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ ?