1/ فتوى اللجنة الدائمة 

فتوى اللجنة الدائمة على جواز صيام يوم عرفة وإن وافق يوم السبت : 
الفتوى رقم (11747) 
س: اختلف الناس هنا في صوم يوم عرفة لهذا العام، حيث صادف يوم السبت فمنهم من قال إن هذا يوم عرفة نصومه لأنه يوم عرفة وليس لكونه يوم السبت المنهي عن صيامه، ومنهم من لم يصمه لكونه يوم السبت المنهي عن تعظيمه مخالفة لليهود، وأنا لم أصم هذا اليوم وأنا في حيرة من أمري، وأصبحت لا أعرف الحكم الشرعي لهذا اليوم، وفتشت عنه في الكتب الشرعية والدينية فلم أصل إلى حكم واضح قطعي حول هذا اليوم، أرجو من سماحتكم أن ترشدني إلى الحكم الشرعي وأن ترسله لي خطياً ولكم من الله الثواب على هذا وعلى ما تقدموه للمسلمين من العلم النافع لهم في الدنيا والآخرة. 


ج: يجوز صيام يوم عرفة مستقلاً سواء وافق يوم السبت أو غيره من أيام الأسبوع لأنه لا فرق بينها؛ لأن صوم يوم عرفة سنة مستقلة وحديث النهي عن يوم السبت ضعيف لاضطرابه ومخالفته للأحاديث الصحيحة. 
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . 
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 
عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس 
عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز

2/ تلخيص لم ذكره الشيخ محمد عمر بازمول – حفظه الله – في كتابه " الترجيح لمسائل الصوم والزكاة " لمسألة صيام يوم السبت تطوعا . 

عن الصماء بنت بسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمصه )) أخرجه البخاري
و الحديث يدل بظاهره على تحريم صيام يوم السبت في التطوع مطلقا
و الحديث استثنى من النهي صوم يوم السبت فيما افترض الله بقوله صلى الله عليه وسلم " الا فيما افترض الله " و بقيت الصور الاخرى تحت النهي فلا يجوز صيام يوم السبت لا مفردا و لا مقترنا في غير ما افترض الله .
لكن هذه الدلالة جاء ما يعارضها فقد ثبت مشروعية صيام يوم السبت في غير ما افترض الله تعالى من ذلك .
1- ما جاء في فضل يوم عرفة و يوم عاشوراء .
عن ابي قتادة قال :" سئل ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : يكفر السنة الماضية و الباقية ، قال : و سئل عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : (( يكفر السنة الماضية )) اخرجه مسلم
فهذا الحديث يدل على فضيلة صيام يوم عاشوراء و يوم الوقفة و لا يخلو من أن يكون قد جاء في سنة من السنوات يوم الوقفة او يوم عاشوراء يوم السبت ، و لم ينقل ان الرسول صلى الله عليه وسلم ترك صيامها لانهما جاءا في يوم السبت . كما لا اعلم ذلك من السلف الصالح – رضوان الله عليهم -

2- ما جاء في صيام الايام البيض
عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : (( صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر و أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة و اربع عشرة و خمس عشر ))حسنه الالباني في سنن النسائي .
قلت : و صيام الايام البيض لا يخلو ان يقع في شهر متضمنا ليوم السبت و لم ينقل ان الرسول صلى الله عليه وسلم ترك صيامها او ترك صيام يوم منها ، بل المنقول عنه عليه الصلاة والسلام : (( انه كان لا يفطر أيام البيض في الحضر و لا السفر )) اخرجه النسائي

3- ما جاء في صيام يوم الجمعة
عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة و هي صائمة فقال : (( أصمت أمس ؟ قالت : لا . قال : تريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا . قال : أفطري )) اخرجه البخاري
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصوم احدكم يوم الجمعة الا يوما قبله او بعده )) اخرجه الشيخان
و الحديثان يدلان على أنه يكره إفراد يوم الجمعة بصيام لأنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن جويرية لم تصم يوم الخميس و لا تريد صيام يوم السبت أمرها بالفطر ، وحديث أبي هريرة نص في تحريم إفراد صيام يوم الجمعة ، و جواز صيامه إذ قرن معه صوم يوم قبله او يوم بعده .
و الحديث يدل على جواز صوم يوم السبت مقترنا بيوم الجمعة .
4- ما جاء في صيام يوم السبت و الاحد
عن كريب قال أرسلني بن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياما قالت يوم السبت والأحد فأنكروا علي وظنوا أني لم أحفظ فردوني فقالت مثل ذلك
5- فأخبرتهم فقاموا بأجمعهم فقالوا إنا أرسلنا إليك في كذا وكذا فزعم هذا أنك قلت كذا وكذا قالت صدق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت والاحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم ))
قلت والحديث يدل على جواز صيام يوم السبت إذا صام المسلم يوم الاحد بعده .
و الجمع بين هذه الاحاديث و بين حديث الصماء أن يقال : حديث الصماء دل على جواز صوم يوم السبت مقترنا بيوم قبله او يوم بعده أو صومه دون تخصيص ؛ فيبقى تحت النهي صورة الإفراد على وجه التخصيص ، فلا يجوز صوم يوم السبت على هذه الصورة

3/الشيخ عبد العزيز بن باز

السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كما تعلمون – حفظكم الله – وافق هذا العام يوم التاسع من محرم 1415هـ يوم السبت، وكان يوم العاشر يوم الأحد حسب تقويم أم القرى، وعملاً بالحديث : "لئن عشت إلى قابل لأصومنَّ التاسع والعاشر" الحديث أو كما قال – صلى الله عليه وسلم -، صمت يومي السبت والأحد.
ولكن أحد الإخوة اعترض على صيام يوم السبت، وقال: إن صيامه تطوعاً منهي عنه؛ لما ورد في الحديث وذكر معناه ولم يذكر نصه.
ولرغبتي في استجلاء الموضوع، وعملاً بقوله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" أرجو من سماحتكم إيضاح هذا الإشكال مع ذكر الحديث ومدى صحته، وما نصيحتكم حول هذا الموضوع؟ والله يحفظكم.

الجواب :وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحديث المذكور معروف وموجود في بلوغ المرام في كتاب الصيام، وهو حديث ضعيف شاذ ومخالف للأحاديث الصحيحة، ومنها قوله – صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" ومعلوم أن اليوم الذي بعده هو يوم السبت، والحديث المذكور في الصحيحين. وكان – صلى الله عليه وسلم – يصوم يوم السبت ويوم الأحد ويقول: "إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم". والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على جواز صوم يوم السبت تطوعاً. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز – رحمه الله تعالى – (15/412-413)].


4/الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله-

خطبة العلامة محمد بن صالح العثيمين
الجمعة بعنوان : الأسباب التي يجوز بها صيام يوم السبت.
الحمد لله الحمد لله أحمده وأشكره أتوب إليه واستغفره واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وعلي اله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان لي يوم الدين... أما بعد :
فان غد السبت هو اليوم العاشر من شهر محرم وصومه سنة سنها النبي صلي اله عليه وعلي اله وسلم وصوم السبت لا باس به إذا وافق أياما إذا وافق أياما يسن صومها مثل أن يصادف يوم عرفة أو يصادف يوم عاشورا ولا باس به أيضا أي لا باس بصيام يوم السبت إذا وافق عادةً للإنسان مثل أن يكون من عادته أن يصوم يوما ويدع يوما فيوافق يوم السبت يوم صومه فلا حرج عليه في ذلك وكذلك لا حرج في صوم يوم السبت إذا صام قبله يوم الجمعة لان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قال: ( لاحد أمهات المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة اصمتي أمس قالت لا قال: أتصومين غدا قالت لا قال: فافطري) ودل قوله أتصومين غدا علي أنها علي أن صوم يوم السبت لا باس به إذا صام الإنسان قبله يوم الجمعة وكذلك إذا صادف يوم فريضة كيوم رمضان أو أيام نذر نذرها فانه لا حرج علي الإنسان أن يصومه فهذه أربعة أمور إذا صادف يوم السبت واحدا منها فانه لا باس بصومه أما إذا تعمد أن يصوم يوم السبت بدون هذه الأسباب الأربعة فانه قد جاء فيه حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم (انه قال لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وان لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغه) ولكن هذا الحديث قال عنه الإمام مالك رحمه الله فيما ذكره أبو داود قال انه حديث كذب وإذا كان كذبا فانه لا يعمل به وقال بعض العلماء انه حديث شاذ والشاذ لا يعمل به أيضا ووجه شذوذه انه مخالف لما صح عن النبي صلي الله عليه وسلم في جواز صومه حيث قال لام المؤمنين: (أتصومين غدا ) وقال بعض العلماء انه منسوخ والإمام احمد رحمه الله أشار إلى تضعيفه حين قال إن يحيى بن سعيد الحافظ المشهور كان يتقيه وكان إيابا أن يحدثني به وهذا يدل وهذا إشارة من الإمام احمد رحمه الله إلى ضعف هذا الحديث أي ضعف النهي عن صوم يوم السبت ولكن من جمع الأدلة وضم بعضها إلى بعض تبين له انه لا ينبغي للإنسان أن يفرد يوم السبت بصوم وإذا صام قبله يوم الجمعة فلا باس به وإذا كان يصومه لا لأنه يوم السبت فانه لا باس به أيضا وإنما المحظور إن تفرده بالصوم لكونه يوم السبت أردت إيضاح ذلك لما في بيانه من الخير الكثير واسأل الله تعالي أن يرزقنا وإياكم علما نافعا وعملا صالحا وهنا أيضا قاعدته احب قاعدة احب أن أنبهكم عليها لأنه كثر السؤال عن اليوم العاشر هل هو يوم الجمعة أو يوم السبت ولكني أعطيكم قاعدةً قعدها النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم وهو انه إذا لم يرى الهلال ليلة الثلاثين من الشهر الماضي فانه يتمم ثلاثين وحين إذن لا يبقي أشكال فإذا كانت فإذا كان يوم فإذا كانت ليلة الثلاثين من ذي الحجة لم يرى فيها الهلال فأتموا شهر ذي الحجة ثم ابنوا عليه والحين إذن لا يقع أشكال ولا يقع بلبلة نعم لو ثبت انه رؤيا هلال محرم ليلة الثلاثين من ذي الحجة فحين إذن يكون الشهر ناقصا ولكن ما دامت ما دام المسؤولون لم يعلنوا انه ثبت في ليلة الثلاثين فان الأصل أن تكملوا ذا الحجة ثلاثين يوما انتبهوا لهذا حتى لا يحصل منكم إشكالات وتذبذبات والأمر ولله الحمد واضح من السنة المطهرة.
وقال الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح نخبة الفكر :

يجوز صيام يوم السبت منفرداً بدليل حديث وما رواه البخاري من حديث أمّ المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال لها : أصمت أمس ؟ قال : لا ! قال : أتصومين غداً ؟ قالت : لا ! قال : فأفطري .
والحديث المعارض شاذاً لمخالفته . [ بتصرف يسير ].

وجاء في كتاب ( الشرح الممتع على زاد المستقنع ) للإمام بن عثيمين –رحمه الله- ما يلي :
الجمعة يكره إفرادها ، والدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (( لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله ، أو يوما بعده )) ، وقال : (( لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام )) ، وقال لإحدى أمهات المؤمنين وقد وجدها صائمة يوم الجمعة (( أصمت أمس ؟ )) ، قالت : لا ، قال : (( أتصومين غداً ؟ )) ، قالت : لا ، قال : فافطري .
فإن صامها مع غيرها فلا يكره ، أو صام الخميس والجمعة فلا بأس أو الجمعة والسبت فلا بأس . اه [ ( 3/ 101 ) ]
وجاء أيضاً ما نصّه :
وقوله ( والسبت ) : أي يكره إفراده وأما جمعه مع الجمعة فلا بأس ... وهذه المسألة قد يلغز بها ويقال : يومان إن أفرد أحدهما كره ، وإن اجتمعا فلا كراهة ؟ ، مع أن الذي يتبادر أن المكروه إذا ضُمَّ إلى مكروه زادت الكراهة ! ، لكن هذا إذا ضم المكروه إلى مكروه زالت الكراهة ، لأن الكراهة هي الإفراد فإذا صام الجميع فلا كراهة.اهـ [ ( 3 / 102 ) ]
وراجع أيضاً : 1- ( منار السبيل في شرح الدليل ، المجلد الأول - ص268/269 ) . 2- ( فتح الرب الودود في للفتاوى والردود ، للشيخ النجمي ، كتاب الصيام - المجلد الأول - ص320/321 ) . 3- ( تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ، ل ( عبد الله آل بسام ) المجلد الأول ، ص 439/440 ، الحديث رقم 95-96 ) . 4- ( فقه العبادات ، للإمام بن عثيمين ، فتاوى الصيام ، صوم يوم السبت - ص266/227 ) .
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .

5/ الشيخ عبيد الله الجابري 

حفظكم الله ما حكم إفراد صيام يوم السبت ؟
هذه القضية فيها ثلاث طوائف من الحديث .
أحاديث تنهى عن صوم يوم السبت وصوم يوم الأحد , وأحاديث فيها الإذن بصوم السبت منها ما هو على سبيل العموم ومنها على سبيل الخصوص والتقييد , وأحاديث أخرى تشدد في النهي عن صوم يوم السبت حتى أن بعض أهل العلم قال من أجل ذلك أن الإذن بصوم يوم السبت منسوخ .
والذي يظهر لي أن النهي عن صوم يوم السبت منصبٌّ على من تقصّد السبت ليصومهُ , يقصد أن ُيفرد صيام السبت بالصيام , وهذا إن شاء الله جمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض في الباب .
وأحاديث و أحاديث الإذن بصوم يوم السبت على سبيل الخصوص والتقييد منها حديث أبى هريرة رضي الله عنه :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصام يوماً قبله أو يوم بعده , فالذي قبله يوم الخميس والذي بعده يوم السبت , وكذلك الإذن بصيام يوم السبت داخل في العموم , عموم الأمر بصيام يوم عرفة – أعني يوم نَدب – وكذلك عاشوراء وست من شوال والثلاث الأيام البيض التي هي ليلة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر إلا أيام التشريق فإنها لا ُتصام , إلا لمن كان عليه دم متعة أو قران ولم يجد الهدي فإنه يصوم أيام التشريق , أما المقيم فلا يصوم من أيام التشريق شيئاً , وهذا تنبيه منّا إلى بعض الناس , فإنهم من حرصهم على الخير ومداومتهم عليه يداومون على صيام الثلاث البيض فيصومون الثالث عشر لأنه أول الأيام البيض .
والخلاصة أن صيام يوم السبت له حالتان :
إحداهما أن يقصد المسلم إفراد السبت بالصيام – يتعمد ذلك – وهذا هو الذي ينصب عليه النهي .
والحالة الثانية أن يصومه مع يوم الجمعة مثلاً أو ضمن أيام فاضلة أو يوافق يوماً مشروعاً صيامه , كيوم عاشوراء ويوم عرفة. فالصواب أنه لا شيء فيه , وأنه مَسنون وأنه لم ُينسخ وهذا هو الجمع بين الأدلة إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق .
سادسا :
6/جمال بن فريحان الحارثي

الحمد لله رب العالمي والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا بحث مختصر فيما الناس فيه اليوم متسائلون، فمستقل ومستكثر. وكما قال النووي:"السنَّة مقدم على ما رآه ...".(تحفة الأحوذي: 3/44.
عنوان البحث:
) النهى عن إفراد يوم السبت بصيامٍ تطوعا (
الحديث الأول:
قال r صيام يوم السبت لا لك ولا عليك ).
تخريجه: صحيح: أخرجه: أحمد: ( 6/368 ). انظر "الصحيحة": ( 1/ الأول /445)
مناسبة الحديث
عن عبيد الأعرج قال : حدثتني جدتي ـ وهي: الصماء ـ :
"أنها دخلت على رسول الله r وهو يتغدَّى , وذلك يوم السبت , فقال: " تعالي فكلي ". فقالت : إني صائمة . فقال لها: " صمتِ أمس ؟". فقالت : لا. فقال : "فكُلي؛ فإن صيام السبت ....." الحديث .
قال شيخ  الألباني ـ رحمه الله ـ في "الصحيحة " : ( 1 / الأول /446 –447):
وقد وجدت ما يشهد لحديث الترجمة، وهو ما أخرجه النسائي في "الكبرى" (باب النهي عن الصوم يوم السبت ) من طريق معاوية بن يحيى أبو مطيع قال: حدثنا أرطأة قال: سمعت أبا عمر قال : سمعت ثوبان مولى النبي r عن صيام يوم السبت ؟ فقال : سلوا عبد الله بن بسر . فسئل ؟ فقال: ( فذكره موقوفا ).
قلت ـ القائل الألباني ـ: وإسناده جيد ورجاله ثقات، وليس فيهم من ينظر فيه غير معاوية هذا، وهو صدوق له أوهام , كما في التقريب فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبه الحسن وهو وإن كان موقوفا؛ فهو في حكم المرفوع لان الأصل في كل صوم أنه مشروع ما لم يُنْهَ عنه، فلا يُعْقَل لصحابي جليل كعبد الله بن بسر أن ينفي شرعية صيام يوم السبت إلاّ بتوقيف من النبي r وقد صحَّ عنه انه قال :
( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ...) الحديث.
وهو مخرج في "الإرواء" (960) تخريجاً علمياً دقيقاً يتبيَّن منه كل باحث عن الحق؛ انه حديث صحيح، ولذلك صححه الأئمة كما قال النووي؛ فلا تغترَّ بما قيل: إنَّه كذب أو شاذٌ أو مضطربٌ, إذ كل ذلك صدر من قائله دون أن يتتبع طرقه، وفيها ثلاثة طرق صحيحه؛ كما تراه مفصَّلاً هناك .
وهذه طريق جديدة من رواية أبى عامر – واسمه عبدالله بن غابر الألهاني – فهي تؤكد ثبوت ذلك يقيناً عن عبد الله بن بسر t, وان كانت موقوفة؛ فهي في حكم المرفوع كما تقدم .
والحديث ظاهره النهي عن صوم السبت مطلقا إلا في الفرض، وقد ذهب إليه قومٌ من أهل العلم كما حكاه الطحاوي , وهو صريح في النهي عن صومه مفرداً، ولا أرى فرقا بين صومه – ولو صادف يوم عرفة أو غيره من الأيام المفضلة – وبين صوم يوم من أيام العيد إذا صادف يوم الاثنين أو الخميس؛ لعموم النهي وهذا قول الجمهور فيما يتعلَّق بالعيد؛ كما في "المحلى" (7 /27 )، وبسط القول في هذه المسألة لا مجال له الآن، فإلى مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى .
قلت ـ القائل كاتب هذه السطور ـ: ولعل المناسبة الأخرى التي أشار إليها شيخنا ـ يرحمه الله ـ لبسط القول في هذه المسألة؛ هو ما سطره ـ رحمه الله ـ في "الصحيحة" (2/733-734 )، فقال: قوله r:
( لا تصوموا يوم السبت إلاّ فيما افترض عليكم )، وهو حديث صحيح يقينا ومخرج في "الإرواء" ( رقم 960 )، فأشكل هذا على كثير من الناس قديما وحديثا, وقد لقيت مقاومة شديدة من بعض الخاصة، فضلاً عن العامة، وتخريجه عندي حديث الجمعة فلا يجوز أن نضيف إليه قيداً آخر غير قيد "الفريضة" كقول بعضهم: "إلا لمن كانت له عادة من صيام , أو مفرداً" فانه يشبه الاستدراك على الشارع الحكيم , ولا يخفى قبحه .
وقد جرت بيني وبين مثير من المشايخ، والدكاترة، والطلبة، مناقشات عديدة حول هذا القول, فكنت أذكرهم بالقاعدة السابقة وبالمثال السابق , وهو صوم يو م الاثنين أو الخميس إذا وافق يوم عيد، فيقولون يوم العيد منهي عن صيامه، فأبين لهم أن موقفكم هذا هو تجاوب منكم مع القاعدة، فلماذا لا تتجاوبون معها في هذا الحديث الناهي عن صوم يوم السبت ؟! فلا يُحيرون جواباً؛ إلا قليلاً منهم فقد انصفوا جزاهم الله خيراً، وكنت أحياناً أطمئنهم وأبشرهم بأنه ليس معنى ترك صيام يوم السبت في يوم عرفة أو عاشوراء مثلاً أنه من باب الزهد في فضائل الأعمال، بل هو من تمام الإيمان والتجاوب مع قوله عليه الصلاة والسلام .
( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ) وهو مخرج في "الضعيفة" بسند صحيح تحت الحديث (رقم 5).
هذا؛ وقد كان بعض المناقشين عارض حديث السبت بحديث الجمعة، فتأملت في ذلك، فبدا لي أن لا تعارض والحمد لله، وذلك بأن نقول: من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت، وهذا فرض عليه لينجو من إثم مخالفته الإفراد ليوم الجمعة، فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السبت: ( إلا فيما افترض عليكم ).
ولكن هذا إنما هو لمن صام الجمعة وهو غافل عن النهي عن إفراده، ولم يكن صام الخميس معه كما ذكرنا، أما من كان على علم بالنهي؛ فليس له أن يصوم؛ لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه, فلا يدخل ـ والحالة هذه ـ تحت العموم المذكور, ومنه يعرف الجواب عما إذا اتفق يوم الجمعة مع يوم فضيل، فلا يجوز إفراده كما تقدم، كما لو وافق ذلك يوم السبت؛ لأنه ليس ذلك فرضاً عليه .
وأما حديث : ( كان عليه الصلاة والسلام يكثر صيام يوم السبت ).
فقد تبين أنه لا يصح من قبل إسناده, وقد توليت بيان ذلك في "الضعيفة" برقم (1099) من المجلد الثالث فليراجعه من شاء الوقوف على الحقيقة.
الحديث الثاني:
حديث عبد الله بن بسر المازني، وأخته الصماء ـ واسمها: بهية، أو بُهيمة، ويقال: بُهسة المازنية صميتة الليثية بن بسر، ويقال: هجيمة، أو جهيمة ـ رضي الله عنهم.
قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم, [فإن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء عنبةٍ أو عود شجرةٍ فليمضغه]، [ فليفطر عليه] ).
تخريجه:
صحيح: أخرجه: أحمد: (4/189،6/368-369) , وعبد بن حميد: (1/182), والدار مي: (2/32), وأبو داود: ( 2421)، و احمد بن عمر الشيباني في ( الآحاد و المثاني ): (6/184-185) ابن ماجه 1726), والترمذي: (744)، والنسائي في "الكبرى": ( أرقام /2759-2772), وابن خزيمة: ( 2163) ، وابن حبان ( 3615)، و الحاكم : ( 1/435)، والطبراني في "الكبير": ( 24/328-330)، ومسند الشاميين له أيضاً: ( 1/245 ,3/89)، وتمام في "الفوائد" : (1/26و البيهقي: ( 4/302)، والديلمي: ( 5/51) (رقم 742 ط . الباز, و ( 5/197)، و (رقم 7592 ) ط. الريان، و المقدسي في "المختارة": ( 9/ 58, 64, 104). (تنبيه): قد رتبت المراجع حسب تاريخ الولادة ما أمكن.
قال الترمذي: "حديث حسن، ومعنى كراهته في هذا: أن يخص الرجل يوم السبت بصيام, لأن اليهود تعظم يوم السبت".
وقال الحاكم: "صحيح على شرط البخاري "، وأقره الذهبي، وقال الألباني: وهو كما قال. ـ يعني: الحاكم ـ "الإرواء": ( 4/118 ).
نقل ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير":(1/337) عن النسائي قوله في هذا الحديث: "مضطرب. وقول أبى داود: منسوخ. وقول مالك: كذب.
ثم قال: قال النووي: لا يقبل هذا منه فقد صححه الأئمة".
وقال الألباني في "الإرواء": ( 4/124):
"من تتبع تحقيقنا هذا – يجد- أن للحديث عن عبدالله بن بسر ثلاثة طرق صحيحة , لا يشك من وقف عليها على هذا التحرير الذي أوردنا، أن الحديث ثابت صحيح عن رسول الله r.
نقل الزرعي في "حاشية ابن القيم: ( 7/48، 50 )؛ تحت حديث:
( لا تصوموا يوم السبت .......).
فقال: " قال الحافظ شمس الدين القيم رحمه الله: حديث عبد الله بن بسر هذا رواه جماعة عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، ورواه النسائي عن عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه أيضاً عن الصماء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذه ثلاثة أوجه، وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديماً وحديثاً.
واحتج الأثرم بما ذُكر في النصوص المتواترة على صوم يوم السبت؛ يعني أن يقال: يمكن حمل النصوص الدّالة على صومه؛ على ما إذا صامه مع غيره، وحديث النهي: على صومه وحده. وعلى هذا تتفق النصوص ، ... ... ...
قالت طائفة وهم أكثر أصحاب أحمد؛ محكم، واخذوا به في كراهية إفراده بالصوم واخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه.
قالوا: وجواب احمد يدل على هذا التفصيل، فانه سئل في رواية الأثرم عنه، فأجاب بالحديث.
وقاعدة مذهبه أنه إذا سئل عن حكم فأجاب فيه بنص؛ يدل على أن جوابه بالنص دليل على أنه قائل به، لأنه ذكره في معرض الجواب فهو متضمن للجواب والاستدلال معاً.
قالوا: أما ما ذكره عن يحيى بن سعيد، فإنما هو بيان لما وقع من الشبهة في الحديث.
قالوا: وإسناده صحيح، ورواته غير مجروحين ولا متهمين، وذلك يوجب العمل به، وسائر الأحاديث ليس فيها ما يعارضه؛ لأنها تدلُّ على صومه مضافاً، فيحمل النهي على صومه مفرداً كما ثبت في يوم الجمعة" انتهى.
قال القاري في المرقاة 4/559):
" (لا تصوموا يوم السبت): أي وحده. قال الطيبي: قالوا: النهي عن الإفراد كما في الجمعة، والمقصود مخالفة اليهود فيهما، والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور"
قال السيوطي في "شرح سنن ابن ماجه": ( 1/124):
" (لا تصوموا يوم السبت ..)؛ المراد بالنهي: إفراد السبت بالصوم؛ لا الصوم مطلقا....".
قلت ـ القائل؛ كاتب هذه السطور ـ:
قد جاءت الأحاديث الصحيحة في صيام يوم السبت مضافاً مع غيره، فمن ذلك:
1- قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصوموا يوم الجمعة إلاّ قبله يوم أو بعده يوم ).
أخرجه: أحمد (2/ 495) وابن ماجه (1723) والترمذي (743) وابن خزيمة (215 و البيهقي في "الشعب" : (3866)، وغيرهم.
قال الترمذي: "حديث حسن صحيح ".
والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (981).
وهو في البخاري"1884" بلفظ: ( لا يصومنَّ أحدُكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بهده ).وفي مسلم برقم" 1144 "؛ بلفظ: ( لا يصُم ...)، جميعهم عن أبي هريرةt.
2- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول: ( إنهما يوما عيد للمشركين فانا أحب أن أخالفهم )".
أخرجه: النسائي في "الكبرى" (2776) وابن خزيمة ( 2167) والطبراني في "الكبير" ( 23/402) وفي الأوسط ( 3857) والحاكم ( 1/436 ) و البيهقي (4/303)
قال الحاكم : "إسناد صحيح". وصححه ابن خزيمة في صحيحه.
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله r يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ... ".
أخرجه: الترمذي: ( 746)، وقال: "هذا حديث حسن"، وأخرجه أيضاً في الشمائل (309)، وهو في المختصر للألباني ( برقم 260..)