الثلاثاء، 5 مارس 2019

سؤال : شيخنا هل يجب على المصلي أن يسمع نفسه في الصلاة السرية؟ وهل يكتفي بتحريك اللسان والشفتين دون إصدار أي صوت ولو خافت؟ جزاكم الله خيرا.

💥اسماع المصلي نفسه في الصلاة
سؤال : شيخنا هل يجب على المصلي أن يسمع نفسه في الصلاة السرية؟ وهل يكتفي بتحريك اللسان والشفتين دون إصدار أي صوت ولو خافت؟ جزاكم الله خيرا. 
✍️الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى- في اشتراط أن يُسمع المصلي نفسَه إذ لم يكن هناك عارض، أو يكفي تحريك اللسان والشفتين وإخراج الحروف من مخارجها دون صوت على قولين: 
👈الأول: يجب أن يتلفظ المصلي مع التحريك بحيث يسمعُ صوتَ نفسهِ ، ولا يجزئه أن يحرك لسانه من غير صوت ، وهكذا في كل ذِكر قولي ، فلا يُعتد به إذا كان بدون صوت، وهو قول جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة والحنفية في أصح القولين ، بدليل قوله تعالى :{ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا } (الاسراء :110)، قال ابن مسعود (رضي الله عنه): (لم يخافت بها من أسمع أذنيه). ولان المصلي لا يكون متكلماً إلا بصوت، والصوتُ مَا يمكن سَمَاعُهُ، فإن مجرد حركة اللِّسَانِ لَا تُسَمَّى قِرَاءَةً بدون الصوت .
قال الإمام الكاساني الحنفي - رحمه الله تعالى - في بدائع الصنائع:( قال هشام : قلت لمحمد فما تقول إذا حلف لا يقرأ لفلان كتابا فنظر في كتابه حتى أتى آخره وفهمه ولم ينطق به ؟ قال : سأل هارون أبا يوسف عن ذلك وقد كان ابتلي بشيء منه فقال: لا يحنث ، ولا أرى أنا ذلك، وقد روى خلف بن أيوب وداود بن رشيد وابن رستم أيضا عن محمد أنه يحنث ، فأبو يوسف اعتبر الحقيقة لأنه لم يقرأه حقيقة ،إذ القراءة لا تكون إلا بتحريك اللسان بالحروف).
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي– رحمه الله تعالى- في المغني : (يجب على المصلي أن يسمعه نفسه - يعني التكبير- إماماً كان أو غيره، إلا أن يكون به عارض من طرش، أو ما يمنعه السماع، فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمِعَه، ولأنه ذكر محله اللسان، ولا يكون كلاما بدون الصوت، والصوت ما يتأتى سماعه، وأقرب السامعين إليه نفسه، فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول، ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكرناه).
وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى- في المجموع : (وأدنى الإسرار أن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط وغيره، وهذا عام في القراءة والتكبير والتسبيح في الركوع وغيره، والتشهد والسلام والدعاء - سواء واجبها ونفلها - لا يحسب شيء منها حتى يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض).
👈القول الثاني: يجزئ أن يحرك لسانه وشفتيه ويخرج الحروف دون صوت، وهو مذهب المالكية ، والحنفية في قولهم الآخر ، وقول عند الحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو ترجيح الشيخ محمد الصالح بن عثيمين ،وبدليل حديث أبي هريرة: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: (( قال الله تعالى: أنا مع عبدي حيثما ذكرني وتحركت بي شفتاه)) أخرجه البخاري في صحيحه تعليقاً، وابن ماجه في سننه. وفيه دليلٌ على أن الذكر يحصل بتحريك الشفتين، ولم يثبت دليلٌ على اشتراط إسماع الذاكر لنفسه.
قال الإمام الكاساني -رحمه الله تعالى – في بدائع الصنائع : ( القراءة لا تكون إلا بتحريك اللسان بالحروف، ألا ترى أن المصلي القادر على القراءة إذا لم يحرك لسانه بالحروف لا تجوز صلاته).
وفي مختصر خليل بشرحه للدردير المالكي: (وخامسها: فاتحة أي قراءتها بحركة لسان على إمام وفذ أي منفرد، لا على مأموم، هذا إذا أسمع نفسه، بل وإن لم يسمع نفسه، فإنه يكفي في أداء الواجب .( وفي مواهب الجليل شرح مختصر خليل: (قال ابن ناجي في شرح الرسالة: اعلم أن أدنى السر أن يحرك لسانه بالقراءة، وأعلاه أن يسمع نفسه فقط، وأدنى الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه، وأعلاه لا حد له ) .
قال المرداوي الحنبلي –رحمه الله تعالى – في الإنصاف : ( قوله: وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه: يعني أنه يجب على المصلي أن يجهر بالقراءة في صلاة السر وفي التكبير وما في معناه بقدر ما يسمع نفسه، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، وقطع به أكثرهم، واختار الشيخ تقي الدين ابن تيمية الاكتفاء بالإتيان بالحروف، وإن لم يسمعها، وذكره وجها في المذهب، قلت: والنفس تميل إليه).
وقال الشيخ العلامة محمد صالح العثيمين - رحمه الله تعالى- مرجحا هذا القول في الشرح الممتع: (وقوله: ويقول إذا قلنا: إن القول يكون باللسان، فهل يُشترط إسماع نفسه لهذا القول؟ في هذا خِلافٌ بين العلماء، فمنهم مَن قال: لا بُدَّ أن يكون له صوتٌ يُسمعَ به نفسَه، وهو المذهب، وإن لم يسمعه مَنْ بجنبه، بل لا بُدَّ أنْ يُسمع نفسَه، فإنْ نَطَقَ بدون أن يُسمعَ نفسَه فلا عِبْرَة بهذا النُّطقِ، ولكن هذا القول ضعيف، والصَّحيحُ: أنه لا يُشترط أن يُسمِعَ نفسَه، لأن الإسماعَ أمرٌ زائدٌ على القول والنُّطقِ، وما كان زائداً على ما جاءت به السُّنَّةُ فعلى المُدَّعي الدليلُ، وعلى هذا: فلو تأكَّدَ الإنسان من خروج الحروف مِن مخارجها، ولم يُسمعْ نفسَه، سواء كان ذلك لضعف سمعه، أم لأصوات حولَه، أم لغير ذلك، فالرَّاجحُ أنَّ جميعَ أقواله معتبرة، وأنه لا يُشترط أكثر مما دلَّت النُّصوصُ على اشتراطِه وهو القول).
👍المفتى به : هو القول الثاني يجزي المصلي أن يحرك لسانه وشفتيه ويخرج الحروف دون صوت ، وأنه كافٍ لإبراء الذمة ، ولم يثبت دليلٌ على اشتراط إسماع المصلي والذاكر لنفسه.
ولكن الأحوط وخروجا من الخلاف ، أن يسمع المصلي نفسه أذكار الصلاة بشرط عدم إيذاء الآخرين والتشويش عليهم، لحديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُون بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَكَشَفَ السُّتُورَ، وَقَالَ: ((إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ)) رواه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه الشيخ الألباني.والله تعالى أعلم
د. ضياء الدين الصالح

💥حكم الاستحلاف بالله أو التهديد في ارسال الرسائل النصية

السؤال: شيخنا: ما حكم الاستحلاف بالله أو التهديد في ارسال الرسائل النصية في وسائل التواصل الاجتماعي؟ ، حيث يطلب فيها المرسل إرسالها إلى عدد معين من الأشخاص، جزاكم الله خيرا.
✍️الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعـد:
فان إرسال الرسائل التي تحث على ذكر الله تعالى والدعاء ، واحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- من عمل اليوم والليلة وغيرها، ومن المواعظ والحِكم والقصص والمرويات الهادفة أمر مشروع ومحمود، وهو من باب التعاون على البر والتقوى سواء كانت عبر الهاتف النقال أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي ، بشرط التحقق من صحة هذه المرويات ، وأن يقتصر فيه على ما ورد عن الشارع الحكيم ،لان الاصل في العبادات أن تكون توقيفية لا كيفية وذوقية، وأن لا يلزم الناس بما لم يلزمهم به الشارع الحكيم ، فلا يرتب الاجر ولا الاثم شرعا الا بالدليل ، فمن ادعى اجرا او إثما فانه مطالب بالدليل ، والا يكون قد نصّب نفسه مشّرعا مع الله تعالى والعياذ بالله تعالى.
واما قولهم :أستحْلِفُك بالله أن ترسلها ،أو أمانة في عُنُقك ، أو قولهم :اذا لم ترسلها سيحدث لك مكروه ونحو ذلك ، كلّ هذا مُحرّم ولا يَجوز شرعا ، لِما فيه مِن إلْزَام الناس بما ليس بِلازِم لهم ، فلا يجوز إكراه الناس واجبارهم والتضيق عليهم بمثل هذه الطرق ، فالإسلام دين يسر ورحمة وسعة، وقد قرر العلماء- جزاهم الله خيرا- أن مجرّد قراءة الإنسان الحلفَ أو اليمين لا ينعقد يمينه ؛ لأن اليمين التي تنعقد هي ما عُقِد عليها القلب ، وقالها اللسان ، لقوله تعالى : { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ } .[المائدة:89].
👈وقد كره العلماء الزام الناس بقول أسألك بالله عز وجل، الا في موطن الحاجة ورفع الظلم ونحوه ، لِما فيه من حرج ومشقة، إذ قد لا يتسنى له فعل ما طُلب منه، قال الشيخ العلامة ابن عثيمين- رحمه الله تعالى-: (لا ينبغي للإنسان أن يلجئ أخاه ويحرجه في قوله: أسألك بالله، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من سألكم بالله فأجيبوه))، فإذا قلت للشخص: أسألك بالله أحرجته، لأنه يبقى متردداً هل يجيبك أو لا يجيبك؟ وقد يكون في إجابته لك ضرر عليه، فلا ينبغي للإنسان أن يسأل أخاه هذا السؤال، ولذلك أنا أنصح جميع إخواني المسلمين ألا يقولوا لإخوانهم: أسألك بالله).
وعليه فلا يجب على من وصلته مثل هذه الرسائل إرسالها، وإن اراد ذلك فلا يرسلها الا بعد التأكد من صحة محتواها، فقد انتشرت في الآونة الاخيرة في وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الأحاديث الموضوعة والاثار المكذوبة او الشديدة الضعف ، فمن وصلته رسالة منها فيجب عليه أن يبين للمرسل الحكم والصواب، لان هذا من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن باب النصيحة للمسلمين، فقد قال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم : ((الدين النصيحة...)).
👈وأن لا يخاف من التهديد الذي تحويه ، وليوقن بانه لا يضره ، فقد قال عليه الصلاة والسلام في وصيته لابن عباس – رضي الله عنهما- في الحديث الذي رواه الترمذي وقال حسن صحيح: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)). والله تعالى أعلم
د. ضياء الدين الصالح