الخميس، 7 مارس 2024

مالمقصود الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ..؟!

 

مالمقصود الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ..؟!
فهم الصحابة والخلفاء للدين :
فلننظر كيف فهموا هذا الدين العظيم ؟ وكيف كان تعاملهم مع التطورات والأحداث والمستجدات في عصرهم ؟
وسنعرض بعض الأمثلة في ذلك :
جمع القرآن في خلافة أبي بكر الصدّيق  :
1 – ( عنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُمَرُ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ ، وَلاَ نَتَّهِمُكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ ) ( ) .
كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله  ؟ :
فهاهنا اجتمع ثلاثة من أكابر الصحابة ؛ إثنان منهم من الخلفاء الراشدين ؛ وهما أبو بكر الصدّيق ، وعمر بن الخطاب ، وثالثهم عالم من علماء الصحابة وأعلمهم بعلم الفرائض – الذي هو من أصعب العلوم – وهو زيد بن ثابت ، رضوان الله عليهم ، ثلاثتهم متفقون على أنهم يريدون أن يفعلوا شيئاً لم يفعله رسول الله  ، أي : يريدون أن يحدثوا بدعة ! !
بدعة لغوية :
هل هي بدعة لغوية لا بدعة شرعية ؟ نعم هي بدعة لغوية !
فما هو تعريف البدعة اللغوية ؟ هي : الإختراع على غير مثال سابق ! وابتداء طريقة لم يُسبق إليها !
التعالم على الصحابة ! :
هناك مَن يتعالم على أولئك الأعلام من الصحابة رضوان الله عليهم ، ويحسب نفسه أنه أعلم منهم وأفقه ! فيزعم أنهم لم يأتوا بشيءٍ جديد ! !
إذاً لماذا هذه الرهبة وهذا التردد من أبي بكر الصدّيق أولاً وهو أعلم الصحابة ، ثم من زيد بن ثابت ثانياً رضي الله عنهم ؟
هل كانوا بهذه السذاجة والفقر من العلم – حاشاهم – بحيث لم يعلموا ما يعلمه صغار طلبة العلم بل أصغر من طلبة العلم بكثير من الأميين وأشباههم ؛ في أنهم لا يأتون بشيء جديد ؟ !
حتى أقنع عمربن الخطاب أبا بكر الصدّيق بعد مراجعة كثيرة ، ثم أقنع الصدّيق زيداً بالمسألة ؟
هو والله خير ! :
فاقتنعوا جميعاً أن هذا أمرٌ لابد منه ؛ لقد استجد أمرٌ لم يكن موجوداً في حياة النبيّ  ، فإن لم يتداركوا الأمر فسوف تتضرر الأمة جميعاً ، ولاسيما هو لا يتعارض مع كتاب الله ولا مع سنة رسوله  بل هو الخير الذي حثَّهم عليه كتاب الله تعالى ، حيث يقول الله سبحانه : ( يا أيُّها الّذين آمَنُوا اركعُوا واسجُدوا واعبُدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلّكم تُفلحون ) الحج : 77 .
وهذا كان جواب عمر بن الخطاب لأبي بكر الصدّيق ثم جواب أبي بكر لزيد بن ثابت بعد انشراح صدورهم للأمر رضي الله عنهم : ( هو والله خير ) .
ليس هناك نص خاص في المسألة ! :
وبالملاحظة والتدقيق في نص الرواية ، وما دار من النقاش والحوار ، نلاحظ أنه لم يأتِ أحدٌ منهم بآية من كتاب الله خاصة بالموضوع ، ولا بحديث من أحاديث النبيّ  ، ولا قال عمر بن الخطاب لأبي بكر الصدّيق رضي الله عنهما : إنك خليفة رسول الله  ؛ من الخلفاء الراشدين المهديين الذي أمرنا النبيّ  بالتمسك بسنتهم ، ولا قال أبو بكر الصدّيق شيئاً من ذلك لزيد بن ثابت !
بل بفهمهم وفقههم العظيم الذي أخذوه عن القرآن والنبيّ  ، فعلوا هذا الخير العظيم ( هو والله خير ) !
ليس كل مستحدث هو بدعة ضلالة ! :
( وهذا يعني أنهم ما كانوا يرون أن كل مستحدث في الدين هو بدعة ضلالة ، وأنه إذا تحققت خيريته - من حيث التوافق مع الكتاب والسنة وتحقيق مقاصدهما - فإنه إذ ذاك يكون حسناً ) ( ) .
هكذا أنزلت :
2 - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَنِيهَا وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا فَقَالَ لِي أَرْسِلْهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ اقْرَأْ فَقَرَأَ قَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي اقْرَأْ فَقَرَأْتُ فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَؤُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ ) ( ) .
كلاكما محسن :
( عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ خِلاَفَهَا فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ ، وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا ) ( ) .
إن الله يأمرك أن تقرأ أمتُك على سبعة أحرف :
( عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ»، فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، ثُمَّ جَاءَهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ، فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، ثُمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا ) ( ) .
( قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا مَعْنَاهُ لَا يَتَجَاوَزُ أُمَّتُكَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ وَلَهُمُ الْخِيَارُ فِي السَّبْعَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ نَقْلُ السَّبْعَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِالتَّخَيُّرِ فِيهَا وَإِنَّهَا لَا تُتَجَاوَزُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ) ( ) .
الإقتصار على حرف واحد ومنع غيرها ! :
( عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ ، فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ ، مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ ، اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ ؛ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، وعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، وسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ ، وعَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ : إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وزَيْد بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ ، فَفَعَلُوا ، حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا ، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ ، أَوْ مُصْحَفٍ ، أَنْ يُحْرَق ) ( ) .
فالقرآن الكريم نزل على سبعة أحرف على رسول الله  كما قال هو  . أنزله جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى .
وقال  للمختلِفَين لكل منهما - عند قراءته خلافاً للآخر - : (( هكذا أنزلت )) ! وقال لغيرهما : (( كلاكما محسن )) .
ويقول جبريل عليه السلام للنبيّ  : إن الله يأمرك أن تقرأ أُمّتُك القرآن على سبعة أحرف .
وبقي الحال هكذا في زمن النبيّ  ، ثم زمن أبي بكر الصدّيق  ، ثم زمن عمر بن الخطاب  ، ثم فترة من خلافة عثمان بن عفان  .
ثم اتفقوا على الإقتصار على قراءة القرآن على حرف واحد ومنع غيرها لأسبابه المعتبرة .
إجماع جمهور الصحابة ! :
( أَخْرَجَ بن أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ لَا تَقُولُوا فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنَّا قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لقد بَلغنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ إِنَّ قِرَاءَتِي خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِكَ وَهَذَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا قُلْنَا فَمَا تَرَى قَالَ أرَى أَنْ نَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُونُ فُرْقَةٌ وَلَا اخْتِلَافٌ قُلْنَا فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ ) ( ) .
وقال الإمام بدر الدين العيني رحمه الله :
( وَمن طَرِيق مُصعب بن سعد قَالَ [ علي بن أبي طالب ] : أدْركْت النَّاس متوافرين حِين أحرق عُثْمَان الْمَصَاحِف، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِك أَو قَالَ: لم يُنكر ذَلِك مِنْهُم أحد ) ( ) .
وظاهر هذا الأمر ، أقول : ظاهر هذا الأمر هو خلاف سنة النبيّ  وهديه ، وخلاف أمر الله تعالى وتيسيره للأمة .
ومع ذلك لا يجرؤ أحد أن يقول : الذين فعلوا ذلك وهم الصحابة الكرام ، وفيهم خليفتين راشدين ( عثمان وعليّ ) رضوان الله عليهم ، لا يجرؤ أحد أن يصمهم بالبدعة ، ويقول إنهم مبتدعون بدعة ضلالة والتي صاحبها في النار !
علماً بأنه كان هناك أمر من الله تعالى ، وهدي ثابت للنبيّ  في الموضوع !
ولكن بما أن الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين هم أفقه وأعلم الناس ، حيث فقهوا روح الإسلام ومبادئه ومقاصده فَهُم بعملهم هذا خدموا دين الله تعالى الذي جاء به النبيّ  خدمة عظيمة .
ولم يكونوا – حاشاهم – سذج سطحيين لا يفقهون القول ولا يهتدون .
ولم يكونوا مخالفين لدين الله تعالى ، ولا لمنهج رسول الله  ، وما كانوا ليفكروا في ذلك مجرد تفكير ، وما كان يخطر ببالهم ذلك مجرد خاطرة .
ولذلك استحقوا وبجدارة مدح الله تعالى لهم ، ووصف النبيّ  لهم بأنهم خير القرون ، ووصى بالإهتداء بسنتهم : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ) ، والسنة هي الطريقة والمنهج ، بل وصّانا بأن نعض عليها بالنواجذ ! !
وما ذلك إلا لأنه كان  يعلم – من الله تعالى – بأنهم لا يحيدون عن سنته وهديه  ، ورضوان الله تعالى عليهم .
ضوال الإبل :
3 – ( عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ لَكَ ، أَوْ لأَخِيكَ ، أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ ضَالَّةُ الإِبِلِ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ )( ) .
وفي رواية مسلم في صحيحه :
( . . . وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا، دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» ) ( ) .
أمر النبيّ  وهديه في ضوال الإبل :
( فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لَكَ وَلَهَا ؟ ) ، ( مَا لَكَ وَلَهَا ؟ دَعْهَا ) .
هذا كان أمر النبيّ  وهديه وسنته في موضوع ضالة الإبل .
غضب  حتى احمر وجهه ! :
أخرج البخاري في صحيحه رحمه الله :
( . . . وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ ؟ فَغَضِبَ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ ، وَقَالَ : مَا لَكَ وَلَهَا ؟ ) ( ) .
قال الإمام ابن بطال رحمه الله :
( كذلك غضب حتى احمر وجهه حين سئل عن ضالة الإبل وقال: (ما لك ولها. . . ) ( ) .
لا يُتعرض لها ! :
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله :
( وَفِيهِ أَنَّ ضَالَّةَ الْإِبِلِ لَا يُتَعَرَّضُ لَهَا لِاسْتِقْلَالِهَا بِأَمْرِ نَفْسِهَا ) ( ) .
النهي عن أخذ ضالة الإبل ! :
قال الإمام بدر الدين العيني رحمه الله :
( قَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا كَانَ غَضَبه استقصاراً لعلم السَّائِل وَسُوء فهمه، إِذْ لم يراع الْمَعْنى الْمشَار إِلَيْهِ وَلم يتَنَبَّه لَهُ، فقاس الشَّيْء على غير نَظِيره، فَإِن اللّقطَة إِنَّمَا هِيَ اسْم للشَّيْء الَّذِي يسْقط من صَاحبه وَلَا يدْرِي أَيْن مَوْضِعه، وَلَيْسَ كَذَلِك الْإِبِل، فَإِنَّهَا مُخَالفَة للقطة إسما وَصفَة، فَإِنَّهَا غير عادمة أَسبَاب الْقُدْرَة على الْعود إِلَى رَبهَا لقُوَّة سَيرهَا، وَكَون الْحذاء والسقاء مَعهَا، لِأَنَّهَا ترد المَاء ربعا وخمساً، وتمتنع من الذئاب وَغَيرهَا من صغَار السبَاع، وَمن التردي وَغير ذَلِك، بِخِلَاف الْغنم فَإِنَّهَا بِالْعَكْسِ، فَجعل سَبِيل الْغنم سَبِيل اللّقطَة. قلت: فِي بعض ما ذكره نظر، وَهُوَ قَوْله: اللّقطَة اسْم للشَّيْء الَّذِي يسْقط من صَاحبه إِلَى قَوْله: وَصفَة. فَإِن الْغنم أَيْضا لَيْسَ كَذَلِك، فَيَنْبَغِي أَن يكون مثل الْإِبِل على هَذَا الْكَلَام، مَعَ أَنه لَيْسَ مثل الْإِبِل. وَقَوله أَيْضا: وتمتنع من الذئاب، فَإِن الجواميس تمْتَنع من كبار السبَاع فضلا عَن صغارها، وتغيب عَن صَاحبهَا أَيَّامًا عديدة ترعى وتشرب ثمَّ تعود، فَيَنْبَغِي أَن تكون مثل الْإِبِل مَعَ أَنه لَيْسَ كَذَلِك. قَوْله: (مَا لَك وَلها) فِيهِ نهي عَن أَخذهَا ) ( ) .
النهي عن التعرض لها ! :
وقال الإمام القسطلاني رحمه الله :
( قال ابن دقيق العيد: لما كانت مستغنية عن الحافظ والمتعهد وعن النفقة عليها بما ركب في طبعها من الجلادة على العطش والحفاء عبّر عن ذلك بالحذاء والسقاء مجازًا، وبالجملة فالمراد بهذا النهي عن التعرّض لها لأن الأخذ إنما هو للحفظ على صاحبها إما بحفظ العين أو بحفظ القيمة، وهذه لا تحتاج إلى حفظ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها من القوّة والمنعة وما يسر لها من الأكل والشرب ) ( ).
ضالة الإبل في زمن عثمان وعليّ رضي الله عنهما !
وبقي حكم ضالة الإبل هكذا في زمن النبيّ  ، وخلافة أبي بكر الصدّيق  ، وخلافة عمر بن الخطاب  ، إلى خلافة عثمان بن عفان  حيث أمر بأخذها ومعرفتها ثم تباع ، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها !
وجعل عليّ بن أبي طالب  في خلافته حمىً لها يأخذها ويحبسها حتى يأتي صاحبها فيأخذها !
هل هذا منهما مخالف لأمره وهديه وسنته  ؟
وقاصر النظر ربما ينظر إلى هذا العمل فيرى أنه مخالف لأمر وسنة النبيّ  ، وبالتالي فإن الصحابة رضي الله عنهم والخليفتان الراشدان خالفوا النبيّ  .
ولكن الذي يدقق النظر يرى أنه تحقيق للغاية التي كان النبيّ  ينشدها بغضبه ذلك ، ونهيه عن إمساكها وهي : وصولها إلى صاحبها !
والصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم كانوا فقهاء أئمة ؛ يفقهون الكلام ويفهمون مقاصده فعملوا بما يقتضيه تغيّر الحال والظروف ، وتغيير الوسائل للوصول إلى الغايات والمقاصد الثابتة .
إختلاف الأحكام باختلاف الأحوال !
قال الإمام أبو الوليد الباجي رحمه الله :
( وَهَذَا كَانَ حُكْمُ ضَوَالِّ الْإِبِلِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِا لَمَّا كَثُرَ فِي الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثُرَ تَعَدِّيهمْ عَلَيْهَا أَبَاحُوا أَخْذَهَا لِمَنْ الْتَقَطَهَا وَرَفَعَهَا إلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَوْا رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ أَبَاحَ لَهُ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَجَدَ بَعِيرًا فَلْيَأْتِ بِهِ الْإِمَامَ يَبِيعُهُ يَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي بَيْتِ الْمَال . . . وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُور ) ( )
ضوال الإبل في زمن عثمان  :
وقال الإمام ابن بطال رحمه الله :
( وقد باع عثمان ضوال الإبل، وحبس أثمانها على أربابها ورأى أن ذلك أقرب إلى جمعها عليهم لفساد الناس ) ( )
( عن مالك انه سمع بن شِهَابٍ يَقُولُ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِبِلًا مُؤَبَّلَةً تَنَاتَجُ لَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا ) ( ) .
وقال الإمام الزرقاني رحمه الله :
( (لَا يُمْسِكُهَا أَحَدٌ) لِلنَّهْيِ عَنِ الْتِقَاطِهَا (حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا) بَعْدَ الْتِقَاطِهَا خَوْفًا مِنَ الْخَوَنَةِ (ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا) لِأَنَّ هَذَا أَضْبَطُ لَه ) ( ).
صلاة التراويح :
4 – ( عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا ) ( ).
التراويح في زمن النبيّ  ، وخلافة أبي بكر ، وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما :
( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ ) ( ) .
نِعم البدعة هذه :
( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَه ) ( ) .
فها هو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب  يعترف بعظمة لسانه أن ما فعله هو والصحابة معه ( بدعة ) ! أي ما عمله لم يكن له مثال سابق ! وأنها بدعة حسنة بقوله : ( نِعم البدعة هذه ) ، وهو أول مَن قال بالبدعة الحسنة !
ثم نلاحظ من هذه الرواية أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – صاحب الفكرة – هو ، وعبد الرحمن بن عبدٍ القاري رضي الله عنهما لم يكونا من مصلي التراويح مع الناس !
إختلاف تراويح عمر  عن تراويح النبيّ  :
( وقد يُظن أن صلاة التراويح التي جمع عمر رضي الله عنه لها الناس هي امتداد للتي صلاها عليه الصلاة والسلام ، والواقع أنها تختلف عنها ، وذلك أن عمر دخل المسجد مرة بعد انقضاء صلاة العشاء ، فوجد الناس يصلون وهم أوزاع وأشتات متفرقون ، فرأى أن يجمعهم على قارئ واحد ، فجمعهم على أبيّ بن كعب ، وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فكانت في جوف الليل ، ثم إن عمر دخل المسجد مرة فرآهم يصلون مجتمعين ، ووجد ذلك خيراً من التفرق ، إلا أن انشغالهم بالصلاة في هذا الوقت عن القيام في الثلث الأخير ليس الأفضل ، ولذا فإنه قال : نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون .
أي لو حرص الناس على القيام بالسنة تماما لناموا في هذا الوقت وقاموا في الثلث الأخير ، ولكن لو غلب على الظن أن معظمهم لن يتحقق له ذلك فالأولى أن يشغلوا الوقت بعد صلاة العشاء بالقيام ، وأن يجتمعوا ولا يكونوا متفرقين ، ومن ههنا يقول عمر رضي الله عنه عن الاجتماع للقيام في هذا الوقت إنه بدعة ، ولكن نعم البدعة هذه .
بدعة لغوية لا شرعية !
ويقول بعض الناس إن البدعة هنا لغوية لا شرعية ، فأقول : سمها ما شئت ، فليس الخلاف في التسمية ، ولكن هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس شيئا من قيام رمضان بعد صلاة العشاء ؟!! فإن وجدت ذلك فهذا الذي فعله عمر سنة ، وإلا فقد استحدثه عمر لما يتحقق فيه من الخير ، وسماه بدعة ، وقال : نعم البدعة ) ( ) .
هناك مَن يرد على الصحابة عامة ، وعلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب خاصة رضي الله عنهم ، من حيث يدري أو لا يدري ! بقوله : ليس في الإسلام بدعة حسنة ! ! وبقوله : وقد تجد بعض المبتدعة ، وبعض من يسهل عليهم الأخذ بالبدع ، أو التهاون بشأنها يقولون : هذه بدع حسنة ! !
فعمر بن الخطاب  إذاً – حسب قول هذا المتعالم - يتهاون بشأن البدعة ! ولكن هو لا يتهاون بشأنها ! !
صلاة الضحى :
5 – ( عَنْ مُوَرِّقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لاَ إِخَالُه ) ( ) .
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يراها بدعة ! :
( عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ الضُّحَى فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صلَاتهم فَقَالَ بِدعَة ) ( ) .
نِعمت البدعة :
( رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهَا مُحْدَثَةٌ وَإِنَّهَا لَمِنْ أَحْسِنِ مَا أَحْدَثُوا . . .عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ الضُّحَى فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صلَاتهم فَقَالَ بِدعَة وروى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَج عَن الْأَعْرَج قَالَ سَأَلت بن عُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الضُّحَى فَقَالَ بِدْعَةٌ وَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ وَمَا أَحَدٌ يُسَبِّحُهَا وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا أحب إِلَيّ مِنْهَا وروى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ بن عمر قَالَ مَا صَلَّيْتُ الضُّحَى مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ أَيْ فَأُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا عَلَى نِيَّةِ صَلَاةِ الضُّحَى بَلْ عَلَى نِيَّةِ الطَّوَافِ ) ( ) .
عائشة رضي الله عنها وسبحة الضحى :
( عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ . . . وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا ) ( ) . هذا لفظ البخاري .
أما رواية مسلم فهي :
( ما رأيت رسول الله  يصلّي سُبحة الضحى قط وإني لأُسَبّحُها ) .
مربط الفَرَس !
بغض النظر عن أن صلاة الضحى سنة أم لا ؟ ، صلاها النبيّ  أم لا ؟ فهي ليست موضوعنا هنا ، بل موضوعنا هو أن عبد الله بن عمر – عالم من علماء الصحابة – يرى ويؤمن بأنها بدعة ، لم يصليها النبيّ  ، ولا أبو بكر ولا عمر ولا هو يصليها ، ومع هذا يقول عنها : نعمت البدعة ، ويقول : ما أحدث الناس شيئاً أحب إليّ منها !
وعائشة رضي الله عنها تقول : ما سبّح رسول الله  سُبحة الضحى قط وإني لأُسبحها !
لا آمر بها ولا أنهى عنها !
( عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ رَأَى أُنَاسًا يُصَلُّونَ صَلاةَ الضُّحَى، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلاةً مَا صَلاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا عَامَّةُ أَصْحَابِهِ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنْ سُبْحَةِ الضُّحَى، قَالَ: لَا آمُرُ بِهَا، وَلا أَنْهَى عَنْهَا، وَلَقَدْ أُصِيبَ عُثْمَانُ، وَمَا أَدْرِي أَحَدًا يُصَلِّيهَا، وَإِنَّهَا لَمِنْ أَحَبِّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ إِلَيَّ ) ( ) .
ويظهر أن الذين كانوا يصلونها أكثرهم من غير الصحابة :
قال الإمام ابن بطال رحمه الله :
( وقال مسروق: كنا نقرأ فى المسجد فنبقى بعد قيام ابن مسعود، ثم نقوم فنصلى الضحى، فبلغ ابن مسعود ذلك، فقال: لم تحملوا عباد الله ما لم يحملهم الله؟ إن كنتم لابد فاعلين ففى بيوتكم. وكان أبو مجلز يصلى الضحى فى منزله. وكان مذهب السلف الاستتار بها وترك إظهارها للعامة، لئلا يرونها واجبة. وفى قولها: (وإننى لأسبحها) دليل أنها صلاة مندوب إليها مرغب فيها، وقد روى عنها أنها، قالت: لو نشر لى أبواى من قبرهما ما تركتهما، فالتزامها لها لا يكون إلا عن علم عندها من النبى، (صلى الله عليه وسلم) ) ( ) .
قوله رحمه الله : ( فالتزامها لها لا يكون إلا عن علم عندها من النبي ّ  )
إن كان يقصد بأنها كانت فقيهة وعالمة وفاهمة لمنهج رسول الله  في عمل الخير إذا لم يعارض نصاً فقوله صحيح .
أما إن كان قصده أن في صلاة الضحى نصاً عندها عن رسول الله  فخطأ ، كيف وهي رضي الله عنها تقول بصريح العبارة : ما سبّح رسول الله  سبحة الضحى قط ! وما رأيت رسول الله  يصلي سبحة الضحى قط !
إلا إذا كانت من باب أن النبيّ  كان يدع أعمالاً يحبها مخافة أن تُفرض على الناس فهذا ما نريد نحن إثباته !
ومسروق وجماعته ، وأبو مجلز ليسوا من الصحابة .

علماء فقهاء
إن الصحابة رضوان الله عليهم ولاسيما كبارهم وعلماؤهم ، قد تفقهوا وتعلّموا الدين على يدي رسول الله  ، وبتوجيهات مباشرة من الله تعالى ورسوله وإرشاداته  قرابة ربع قرن ؛ عُمْر النبوّة – كما ذكرنا سابقا – فَهُم كانوا أفقه الناس وأعلمهم ، وهم أئمة وقدوة لمن بعدهم في فهمهم للدين عن رسول الله  .
ولقد بلّغهم النبيّ  الرسالة أتم تبليغ ، وأدّى الأمانة ونصح ، وكان  أعظم مربّي ومعلم ، فتخرج في مدرسته عمالقة علماء صالحون ، لم يشهد التاريخ مثلهم – حاشا الأنبياء عليهم السلام - .
فكانوا عظماء فقهاً وعملاً بعيداً عن الجمود والسذاجة والتحجر !
فلننظر كيف كان الوحي ينير لهم الطريق ويهديهم ، فيمضون على نور من ربّهم ، ثم انطلقوا في أرجاء المعمورة يخرجون الناس – بإذن الله وهديه – من الظلمات إلى النور !

أحاديث وآثار صحيحة تدل على جواز الشرب الماء قائماً .

 



أحاديث وآثار تدل على جواز الشرب الماء قائماً .
جاءت 14 حديثا مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم وآثار موقوفة على الصحابة رضي الله عنهم تدل على جواز الشرب قائماً !
الوارد في إباحة الشرب قائماً
أولاً: أحاديث الإباحة
الحديث الأول: حديث علي رضي الله عنه: عن النَّزَّال بن سَبْرة قال: أتى عليٌ رضي الله عنه على باب الرحبة فشرب قائماً فقال: إنَّ ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم، وإنِّي «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت» [1].
الحديث الثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: عن ابن عباس، قال: «شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائماً من زمزم» [2].
الحديث الثالث: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ينفتل عن يمينه وعن شماله، ورأيته يصلي حافياً ومنتعلاً، ورأيته يشرب قائماً وقاعداً » [3].
الحديث الرابع: حديث كبشة بنت ثابت رضي الله عنها: عن كبشة رضي الله عنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة قائماً فقمت إلى فيها فقطعته» [4].
الحديث الخامس: حديث ابن عمر رضي الله عنهما: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام» [5].
الحديث السادس: حديث أنس رضي الله عنه: عن أنس رضي الله عنه " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً، وهو قائم وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه فأعطى الأعرابي فضله، وقال: «الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ» [6].
الحديث السابع: حديث عائشة رضي الله عنها: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: « شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً وقاعداً، ومشى حافياً وناعلاً، وانصرف عن يمينه، وعن شماله» [7].
الحديث الثامن: عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى قربة معلقة فخنثها ثم شرب من فيها» [8].
الحديث التاسع: عن سعد بن أوقاص رضي الله عنه «أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائماً» [9].
الحديث العاشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بخطام العضباء بيدي وهو على ظهرها وقدماي على ذراعيها فدعا بشراب فشرب، ثم ناول فلاناً وفلاناً وهما عن يمينه... » [10].
الحديث الحادي عشر: في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إلى سقاء فتوضأ وشرب قائماً قلت: والله لأفعلنَّ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقمت وتوضأت وشربت قائماً " [11].
الحديث الثاني عشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم قائماً» [12].
الحديث الثالث عشر: عن أم سليم رضي الله عنها، «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وفي بيتها قربة معلقة»، قالت: «فشرب من القربة قائماً» [13].
الحديث الرابع عشر: عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرب وهو قائم» [14].
ثانياً: آثار الإباحة
الأثر الأول: أثر عمر رضي الله عنه: ثبت عن عمر رضي الله عنه الشرب قائماً [15].
الأثر الثاني: أثر سعد وعائشة رضي الله عنهما: عن ابن شهاب، «أنَّ عائشة أم المؤمنين، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأساً» [16].
الأثر الثالث: أثر ابن عمر رضي الله عنهما: كان ابن عمر رضي الله عنهما «يشرب قائماً» [17]
الأثر الرابع: أثر ابن الزبير رضي الله عنهما: عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه رضي الله عنه، «أنَّه كان يشرب قائماً» [18].
الأثر الخامس: أثر عثمان رضي الله عنه: عن مالك أنَّه بلغه أن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم كانوا «يشربون قياما» [19].
صح عن عمر رضي الله عنه وعن علي رضي الله عنه - تقدم في حديثه-.
الأثر السادس: أثر أبي هريرة رضي الله عنه: روي عن أبي المعارك، قال: سألت أبا هريرة رضي الله عنه عن شرب الرجل وهو قائم؟ قال: لا بأس به» وتقدم في حديثه.