الثلاثاء، 4 مايو 2021

المداخلة.. قصة السلفيين الذين لا يعترفون إلا بالحاكم المستبد ويؤيدون السلام مع إسرائيل ويحاربون أي رئيس منتخب

 

ظهر تيار "المدخلية" في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991 كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الأجنبية للجزيرة العربية- كالإخوان والسرورية- بعد غزو العراق للكويت.

فقد برز اسم الشيخ ربيع المدخلي عام 1991 عندما اتخذ هو وأستاذه محمد بن أمان الجامي (1930-1995) موقفاً من حرب الخليج الثانية، مخالفاً للموقفين اللذين اشتهرا في تلك الفترة.

كان الموقف الأول هو موقف علماء رفضوا الاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت (ما سُمّي بالاستعانة بـ"الكفار").

الموقف الثاني الذي اتخذه علماء المملكة العربية السعودية الذين وافقوا على الاستعانة بـ"الكفار" (الأمريكيين) دون أن يجرّموا رافضي الأمر.

أما الجامي والمدخلي فكانا صاحبي الموقف الثالث، وذهب مُنظِّرو هذا الموقف لأبعد مما ذهبت إليه مؤسسات الدولة الرسمية مثل "هيئة كبار العلماء السعوديين" التي أفتت بجواز دخول القوات الأجنبية على أساس أن فيه مصلحة، إلا أنهم لم يجرِّموا مَن حرَّم دخولها، أو أنكر ذلك، فجاء "المدخلية" واعتزلوا كلا الطرفين، وأنشأوا فكرا خليطاً يقوم على القول بمشروعية دخول القوات الأجنبية، ومعاداة من يحرِّم دخولها أو ينكر على الدولة ذلك.

بل اعتبروا الرافضين للاستعانة بـ"الكفار" (الأمريكيين) خارجين عن ولاة الأمور، ومن هنا تحديداً اتضحت الفكرة الأولى والأهم التي بنى عليها الشيخ ربيع المدخلي منهجه؛ ألا وهي طاعة ولاة الأمور والحكام في أي قرار مهما كان.

دبابات أميركية في طريقها إلى الأراضي الكويتية للمشاركة في عملية التحرير (غيتي)

يقوم المنهج المدخلي على رفض الطائفية والفرقة والتحزب، ومن ثَم كان من الأولى رفضه إطلاق مسمى على نفسه، لاسيما إذا كان يرجع إلى شخص مهما كانت مكانته

وازدهر تيار المداخلة في السعودية بفضل السلطة؛ في محاولة لكبح جماح تيار الصحوة الذي تغلغل وسط الساحتين الدينية والثقافية، واتبعت معه العديد من أساليب المواجهة ما بين اعتقال رموزه، والاستعانة بتيارات مناهضة للمنهج الذي قام عليه الفكر الصحوي، وتضييقات تتمثل في الاستدعاء والتحقيق على يدي أحد أفراد العائلة المالكة، كما حدث مع الشيخ سفر الحوالي وسلمان العودة وعائض القرني وغيرهم، ثم لم يجد النظام بُدّاً من البحث عن حلٍّ جذري لهذا التيار المتنامي والمتغلغل في أوساط المجتمع السعودي ويزداد تأثيره يوماً بعد يوم، فكان لا بد من التصدي لتيار الصحوة ذي الصبغة الدينية، بتيار آخر ذي مرجعية دينية، وحضور علمي شرعي.

تيار الصحوة

فقد أحدث موقف تيار الصحوة من فتاوى استقدام القوات الأجنبية إثر الغزو العراقي للكويت تصدّعاً عميقاً شهده التيار الإسلامي، وخاصة بعد فقد المتدينين الثقة بعلماء المؤسسة الرسمية إثر تأييدها لقرار الحكومة استقدام الجنود الأجانب إلى بلاد الحرمين، وهو ما أعاد إلى الذاكرة الإسلامية استعانة الملوك والأمراء بالصليبيين والتتار للتخلص من بعضهم البعض، خاصةً أن القوات الأمريكية لم تنسحب بعد هزيمة الجيش العراقي وخروجه من الكويت.

وفي ظل هذا المأزق الذي وضعت الحكومة السعودية نفسها فيه، ظهرت بوادر انفراجة للسلطة.

 ففي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حيث كان يدرس محمد أمان الجامي، ويقيم عددٌ من طلاب العلم الشرعي يطلبون العلم ويعلِّمونه، ويشتهرون بفتواهم التي تُحرِّم الخروج على الحاكم مهما فعل، أُصدرت الفتاوى بأن الجنود الأمريكان مستأمَنون شرعاً، ويُحرَّم أي اعتداء عليهم ووصفه بأنه اعتداء على ذمة المسلمين، كذلك تصدَّر ربيع المدخلي للردّ على رَفْض الاستعانة بالقوات الأجنبية بكتاب أطلق عليه “صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة على قتالهم بغير المسلمين”.

وهنا وجدت الحكومة السعودية ضالتها في تيار جديد يتهيّأ للظهور وينتسب روَّاده إلى السلفية، مُكتسبين وصف “سلفية المدينة”. وكان لهذه النشأة أثرٌ في تباين فتاوى العلماء في حق هذا التيار ورموزه. فقُدِّمت العطايا ووضعت الموارد تحت تصرف هذا التيار، وأُطلقت يده في التصدي لتيار الصحوة وسطوته على المجتمع.

وبالفعل لعب الجاميُّون أو المدخليُّون دوراً كبيراً في إضعاف الصحوة بالسعودية، بعدما فشل أسلوب القمع من قبل الحكومة السعودية.

المدخليُّون في مصر

أبرز رموز هذا التيار السلفي في مصر محمود لطفي عامر وأسامة القوصي ومحمد سعيد رسلان وطلعت زهران وأبوبكر ماهر بن عطية وجمال عبدالرحمن وعلي حشيش وعبدالعظيم بدوي.

وأسامة القوصي الذي يُنسب إليه هذا التيار في مصر أحياناً، بدأ حياته صوفياً وانضم بعدها إلى جماعة تكفيرية وهو بكلية الطب في مطلع السبعينيات، إلى أن هاجر إلى اليمن للجهاد، حيث التقى الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الذي قلب أفكار الرجل من النقيض إلى النقيض ومحا من عقله الفكري التكفيري.

أسامة القوصي بافتتاح المهرجان الكاثوليكى للسينما بصحبة الإعلامي أسامة منير والفنانة غادة إبراهيم (بوابة الأهرام )

الخلاف مع التيارات السلفية الأخرى
على درجة تأييد الحاكم

لم يختلف المدخلية عن غيرهم من التيارات السلفية غير الجهادية الأخرى في اعتقادهم بعدم الخروج على الحاكم المسلم وإن كان فاسقاً؛ ولا يختلفون عن غيرهم أيضاً في أنهم اعتبروا أن الخروج على الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) كان سبب الفتنة التي وقعت بين صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأن الخروج على ولاة الأمور هو سبب الفرقة والضعف والخوار الذي أصاب الدولة الإسلامية.

مكتبةربيع المدخلي

إلا أن المدخلية- خلافاً لكثير من التيارات السلفية- تعتبر أنه لا يجوز معارضة الحاكم مطلقاً، ولا حتى إبداء النصيحة له علناً، وتعتبر ذلك أصلاً من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة؛ ومخالفة هذا الأصل تعتبر خروجاً على الحاكم المسلم.

ويتميز المدخلية عن غيرهم من السلفيين بأنهم يدعون إلى الولاء والسمع والطاعة للحاكم مطلقاً، وإن خالف الحق (وإن جلد ظهرك)؛ بل يرفضون نصح الحاكم في العلن، وكان القوصي يقول في محاضراته: "إمامٌ غشومٌ خير من فتنة تدوم"، و"إمام ظالم وجائر يضرب ظهور الناس ويأخذ أموالهم خير من فتنة تدوم"، ويدعو الناس إلى محاربة المظاهرات والاضطرابات والقلاقل والانقلابات، لأن أهل البدع لا يعيشون إلا بإثارة الفتنة، وأهل السلف يدعون إلى الأمن والأمان.

يعترفون باتفاقيات السلام مع إسرائيل، وأيدوا توريث مبارك الحكم لنجله جمال

المدخلية تعتبر أن الاعتراف بالحاكم والولاء له وحده لا يكفيان إذا لم يتم الاعتراف بمؤسسات الدولة الأخرى، كمنصب المفتي مثلاً أو بمؤسسة الأزهر، كما أنه ليس لأحد أن يخرج عن فتوى علماء البلاد الرسميين، فإذا حلل هؤلاء العلماء فوائد البنوك فإنه على الرعية المسلمة في هذا البلد الإذعان لتلك الفتوى وعدم مخالفتها، ومن يخالف ذلك فإنه على طريق "الخوارج"، إذ يرى المداخلة أن عدم الاعتراف بمؤسسات الدولة الدينية هو منازعة الأمر أهله.

ويعترف المداخلة بمشروعية الدولة الإسلامية الحديثة، وتدعمها وتناصرها حتى في مواجهة الدول الإسلامية الأخرى، فيهاجم المداخلة حزب الله و"حماس" بدعوى أنهما يعتديان حتى على السيادة المصرية، وهو المفهوم البعيد تماماً عن كل الحركات والتيارات الإسلامية عموماً التي تعتبر أرض الإسلام كلها أرضاً واحدة.

ويرون أن هذا التأييد للدولة منهج عقيدي يتفق مع الأصول العقيدية والمنهجية لأهل السنة والجماعة، وفي هذا الإطار أطلق أحد مشايخ المداخلة لقب "أمير المؤمنين" على رئيس الدولة، وأجاز التوريث، وجواز تصدير الغاز لإسرائيل وبناء الجدار العازل.

حسني مبارك أمير المؤمنين!

وقد وصل الأمر إلى أنه قيل إن أحد السلفيين المداخلة المعروفين يدعى محمود عامر، رفع لافتة في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، يقول فيها: "نبايع أمير المؤمنين حسني مبارك"، وقيل إن أمن الدولة رأى في هذا مبالغة وطلب منه إزالتها.

ويشير محمد حامد عبدالوهاب في كتابه (السلفيون في مصر: دراسة تحليلية عن المدارس السلفية في مصر من بعد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إلى قيام ثورة 25 يناير) إلى أن مُنظر هذه المدرس أسامة القوصي لا يؤصل لدعوته شرعياً ولكن عقلياً فقط، لأن العقل له منزلة مقدمة في الإسلام، فيتساءل: ماذا يستفيد الناس من مهاجمة الحكام والسلاطين، أصلِح نفسك أولاً وبيتك؟

ويتفق الباحث صلاح الدين حسن مع هذا الرأي، إذ يقول إن المداخلة وإن كانوا سلفيين يقدمون النص على العقل، فإن الراصد الداخلي للخطاب المدخلي سيجد أن العقل يطغى في هذا الخطاب على النص، وأن البراغماتية السياسية جزء مهم ومفتاحي لفهم العقلية المدخلية، وضمن ذلك قضية الجهاد، وذهب المدخلية إلى حث "حماس" على قبول الصلح مع إسرائيل كما فعل السادات واستشهدوا بصلح الحديبية.

فأسامة القوصي يؤيد بشدةٍ اتفاقية السلام مع إسرائيل، كما أن فلسفة درء الفتنة تحتل الجزء الأهم في وعي المداخلة وهي وفَّرت لهم الذريعة الفكرية لتأييد التوريث لجمال مبارك.

ووصل الأمر في تأييد مواقف السلطة إلى أن أحد رموز المدخلية وهو محمود لطفي عامر، هاجم الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية واليهودية والدنماركية، واتهم الداعين إليها بالغوغائية وإثارة العواطف دون الرجوع إلى الشريعة، ويستثني من ذلك إذا رأى ولاة الأمر أن مصلحة المسلمين في مقاطعة سلعة معينة.

لماذا يرفضون تأسيس جماعات؟

وتتمايز المدخلية عن غيرها من التيارات السلفية في أنها تعتبر أن الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان؛ ومن ثم فهي تشن هجوماً حاداً على أي عمل جماعي، وتناهض الجماعات الإسلامية والحزبية؛ لأنها ضد مفهوم الجماعة في رأيهم؛ ومن ثم فهم "خوارج" على النظام، ومبتدعون في الدين، وهجومهم عليهم يهدف إلى إنهاء الفرقة في الأمة والتفافها حول سلطانه.

ووفقاً لهذه الرؤية فتكوين الجماعات في حد ذاته هو عين الخروج على الحاكم الذي ينهى عنه الدين، والدعوة إلى الاعتصامات والمظاهرات والعصيان المدني من أفعال الخوارج، وهم لايعتبرون الأفعال فقط خروجاً، بل الكلمات المعارضة أيضاً، فالذي يدعو إلى الخروج وهو لم يخرج فهو خارجي، وأخبث الخوارج في رأيهم من يسمونهم "الخوارج القعدية"، والخروج الأصغر هو الخروج بالكلمة وفقاً لوجهة نظرهم.

ويؤكد محمد يسري، أحد تلاميذ ربيع المدخلي في مصر والباحث السلفي المتخصص بالعقائد والمذاهب الإسلامية، عدم وجود تنظيم أو جماعة باسم المداخلة، ولكنه يقول إن هناك عدداً كبيراً من أبناء الفكر السلفي في العالم العربي ممَّن لديهم توافق منهجي في كثير من المسائل مع منهج الشيخ ربيع المدخلي، خاصة في المسائل العقدية التي تشمل مباحث التوحيد والعقيدة ورفض الأحزاب والجماعات. ويشير يسري إلى أن التلاقي العلمي حول الكثير من المسائل التي تشكل منهجاً مستقلاً يخلق تياراً حقيقياً على الأرض له شيوخه في كل الدول العربية والإسلامية، خاصةً السعودية ومصر وليبيا والأردن والسودان ودول الشمال الإفريقي.

ويوضح يسري أن مواسم الحج في السعودية تشهد لقاءات طلاب علم ومشايخ من أنحاء العالم كافة مع الشيخ ربيع المدخلي؛ ليحضروا دروسه ويتعرفوا على فكره عن قرب، وهو الأمر الذي ساهم كثيراً في نشر منهجه، فأصبح له تلاميذ ومؤيدون من أنحاء العالم كافة، يطلق عليهم في وسائل الإعلام اسم "المداخلة"، نسبة إلى الشيخ ربيع، أو الجامية نسبة إلى الشيخ محمد أمان الجامي، و"كلاهما صاحب مدرسة واحدة"، على حد تعبيره.

فكر مليء بالجمود

يرى الداعية الإسلامي المصري والباحث في شؤون الحركات الإسلامية الشيخ محمد عبدالسلام دحروج، أن فكر الشيخ ربيع المدخلي مليء بالجمود مثله مثل الفكر السلفي بشكل عام؛ وذلك لتقييده حركة أي عقل خارج نطاق المنهج المحدد له، "فبسهولة جداً يتم اتهام أي شخص يفكر خارج إطار الفكر المدخلي بأنه مبتدع".

الشيخ محمد عبدالسلام دحروج

ويوضح دحروج أن أهم ما ينتقده في فكر المدخلي هو رفضه للأحزاب وتحريمه للديمقراطية، "رغم أن الأمر برمَّته مجرد نظام سياسي لا علاقة له بالدعوة أو الدين"، هذا بجانب "تقديسه للحكام وإنزالهم منازل الرسل والأنبياء، وهذا أمر غير صحيح ولم ينص عليه الإسلام أو يوجبه على المسلمين". وتابع أن "الأوضاع السياسية المعاصرة تجعل الحكام أشخاصاً يختارهم الشعب كي يمثلوه ويعملوا لصالحه لا خلفاء كما كان الحال في عهد الرسول والصحابة".

وحذّر دحروج من انتشار هذا الفكر؛ لكونه يقود إلى التشدد، "خاصةً أنه يُدخل كل مَن ينتمي إلى هذه المدرسة في عداء مع أي مسلم يختلف مع أفكارها، كالمسلم الذي ينضم إلى أحزاب، أو المسلم الذي يعارض الحكام، وهذه أمور سياسية مكفولة تكفلها الدولة والحاكم، ولا يحرّمها الشرع".

موقفهم من الربيع العربي

إضافة لتأييد الحكام، بنى ربيع المدخلي مدرسته أيضاً على فكرة رفض الثورات والتظاهرات. ومن هنا، فإن كل مَن نهج نهجه يحرّم التظاهرات ويرى أن الثورات التي شهدها العالم العربي ليست ربيعاً عربياً كما أُطلق عليها؛ بل فوضى يرفضها الإسلام، وكل مَن قال بذلك يحسبه خصومه على المدخلية.

في محاضرة للشيخ محمد سعيد رسلان أحد أبرز الوجوه المدخلية، بتاريخ 4 فبراير/شباط 2011، بعنوان "حقيقة ما يحدث في مصر"، يقول: "ما يحدث في مصر الآن إنما هو جزء من تلك الخطة التي بشَّر بها أحبار الماسون وأنبياء إسرائيل وشيوخ صهيون في موسوعات ودراسات ومؤتمرات وفي أسفار التوراة والأنبياء والملوك والتواريخ والمزامير، وتخص خطة المهندس الأقدس مصر- نعم مصر- بالنصيب الأوفر من رجس الخراب، ولو سلمنا أنكم- أيها الشباب- أسقطتم الدولة مع ما يكون في جراء ذلك من إهلاك الحرث والنسل وتعطيل المصالح، وإضاعة الثروات، وإضعاف الأمة أمام أعدائها فلمن تسلمونها؟".

الشيخ محمد سعيد رسلان حقيقة ما يحدث في مصر

الموقف من بشار الأسد

وللشيخ ربيع المدخلي درسٌ شهير هاجم فيه الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الليبي معمر القذافي وما يحدث في سوريا وليبيا من "فتن"، وبرّأ الإسلام من "الجاهليات التي يرتكبها هذان النظامان في البلدين وحكامهما". ولكنه لم يتوقّف عند ذلك الحد؛ بل صرّح برفضه لكل التظاهرات في هذين البلدين، واعتبر أن خصوم النظامين من "دعاة الحرية والديمقراطية والمتسببين في هذه الفتن" يشاركون في أوزار ما يحدث، محذراً السلفيين من المشاركة في المذابح.

وبعيداً عن السياسة، يرفض الشيخ ربيع المدخلي الصوفية بطرقها كافة، ويصف قياداتها وأتباعها بـ"القبوريين"، كما يتهم عقيدتهم بأنها مليئة بالشركيات والكفريات المخرجة من ملة الإسلام، وأبرز ما يؤاخذهم عليه ما يقول إنه توسلهم بالأولياء من دون الله، وتقديسهم لمقابر علمائهم.

في ليبيا، السلفية المدخلية تتمرد على الحاكم الشرعي وتؤيد الجنرال الخارج

كان للشيخ ربيع المدخلي موقف لافت من الأحداث في ليبيا.

فبعد إصداره رسالة يدعو فيها تلامذته هنالك إلى اعتزال الأحداث والاكتفاء بالعمل الدعوي، خرج برسالة أخرى بتاريخ 10 يوليو/تموز 2016، دعاهم فيها إلى الالتفاف لصد هجوم الإخوان.

ورأى سلفيون أنها دعوة صريحة إلى التعاون مع ميليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وهو ما حدث بالفعل وأصبح سلفيون كثر في ليبيا جزءاً لا يتجزأ من قوات حفتر، حيث لعبوا بحماستهم الدينية دوراً مهماً في قوات حفتر المجمَّعة من أشتات غير متجانسة يغلب عليها البحث عن المصلحة والمال.

في مصر وليبيا ظهر تناقضهم الأكبر

يقدم المداخلة أنفسهم على أنهم حماة الشرعية والاستقرار عبر تأييدهم للحكم القائم، حتى لو كان مستبداً ظالماً لا يطبق الشريعة، ولكن الغريب أنهم في الحالة المصرية كانوا يشجعون التمرد على الرئيس المنتخب محمد مرسي حتى إن أسامة القوصي الذي سُمي المداخلة باسمه في مصر،  وصف حركة "تمرد" التي كانت تجمع توقيعات لعزل مرسي عن الحكم، بأنها "بُشرة خير" ومحاولة لتصحيح المسار الثوري (الذي سبق أن هاجمه بعد أن عُزل مبارك).

لحظة توقيع الشيخ أسامة القوصي على استمارة تمرد

وفي ليبيا، فإن حكومة الوفاق هي الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وضمن ذلك من السعودية ومصر والجامعة العربية (رئيسها فايز السراج مثَّل ليبيا في القمة العربية الـ29 بالسعودية والتقى السيسي هناك).

فلماذا لم تؤيد المدخلية مرسي
ولماذا تحارب مع حفتر ؟

تُظهر هذه المواقف المتناقضة الطبيعة الكامنة للمدخلية، وهي قائمة على أربع أسس:

1- العداء للديمقراطية، فالحاكم الشرعي يجب أن يكون قد جاء بالغلبة، وبينما الغلبة في التاريخ الإسلامي قبِلها أغلب المسلمين اضطرارياً؛ خوفاً من الفتنة (الخلفاء الراشدون لم يأتوا بالغلبة)، ولكنها بالنسبة للمدخليين هي الأساس.

2-  العداء لكل الحركات الإسلامية المنظمة سواء سلفية أو غير سلفية (العداء الأكبر للإخوان)، رغم أن المدخلية فعلياً تحوَّلوا إلى تيار وجماعات متعددة منظَّمة رغم إنكارهم ذلك.

3-  ولاء المدخلية الأساسي ليس لقضية الشريعة ولا حماية المجتمع من الفوضى والفتنة، والدليل تأييدها للتمرد ضد مرسي، ولكن ولاءها الأساسي لأنظمة الحكم التقليدية، أو الدولة العميقة في العالم العربي حتى لو خرجت من السلطة (يطلق عليهم في هذه الحالة في مصر الفلول، وفي ليبيا الأزلام).

فموقف المدخلية من الولاء للدولة العميقة الملكية والعسكرية، نابع من أسباب عقائدية ونفسية موجودة لدى قطاعات كبيرة من السلفيين وحتى المجتمعات العربية عامة،  ترى في العسكر والأسر الملكية النخب الحاكمة الطبيعية للمجتمعات.

فبعد عقود طويلة من الحكم العسكري في أغلب الدول العربية والحكم الملكي في السعودية، باتت هناك عقدة نقص لدى البعض تجاه هذه النخب، ويضاعف هذا التوجه أن المداخلة يرون أن أي جماعة إسلامية أخرى هي الخصم الرئيسي، ومن ثم فوصول هذه الجماعة للسلطة هزيمة لهم.

4-  لكن أهم ما يربط المداخلة بالأنظمة العربية العلاقات الأمنية والاستخباراتية، وإخلاء هذه الأنظمة الساحة للمداخلة للعمل الديني بعد إزاحة المنافسين سواء سلفيين آخرين (حتى لو غير جهاديين) أو إخواناً أو غيرهم، فالمنفعة متبادلة بين المداخلة والأنظمة العربية، وقد أثبت المداخلة أنهم استثمار جيد للأنظمة.

ففي السعودية لعبوا دوراً مهماً في إضعاف تيار الصحوة (الذي كان مستقلاً أو شبه معارض)، ولكن في ليبيا كان دورهم أوضح أكثر من أي بلد عربي، فقد أثبتوا أنهم المقاتلون الأكثر حماسة في دعم حفتر لدرجة صعوبة ضبطهم ووقف جرائمهم وتهديداتهم التي امتدت حتى إلى تونس المجاورة.