الجمعة، 1 أبريل 2022

حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر-؟ فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.

 السؤال: تعودت منذ مدة طويلة أن أخرج زكاة الفطر عني وعن أسرتي مبلغًا من النقود هو قيمة صاع من أوسط الأطعمة التي ورد بها الحديث الشريف، وقد سمعناكم تقدرونها بخمسة عشر (15) ريالاً قطريًا، كما أني أرسل هذه النقود إلى الفقراء من الأهل والأقارب والجيران في الأراضي المحتلة من فلسطين، ولم يكن عندي شك في جواز ذلك بناءً على فتاوى متعددة سمعتها من فضيلتكم شخصيًا، ومن علماء كثيرين، على رأسهم فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود - رئيس المحاكم الشرعية في قطر.



ولكني قد فوجئت في أحد الأيام - وأنا أفتح المذياع - بفتوى من أحد الشيوخ، بأن إخراج القيمة أي النقود في زكاة الفطر لا يجوز بحال، ومن فعل ذلك فزكاته باطلة؛ لأنها مخالفة للسنة. كما شن حملة قاسية على العلماء الذين أجازوا إخراج القيمة في زكاة الفطر، واتهمهم بمخالفة النصوص الشرعية بالرأي المجرد. ولا أكتمكم أني تحيرت وتبلبل خاطري بعد سماعي لهذه الفتوى، وخصوصًا أنني سمعت حديثًا يقول: "صوم رمضان مُعلَّق بين السماء والأرض؛ لا يُرفع إلا بزكاة الفطر". ومعنى هذا أن صومي وصوم البالغين من عائلتي لا زال معلقًا طوال تلك السنين، ولم يقبل مني. وما قيمة العبادة إذا عملناها ولم تقبل منا، أو وقعت باطلة كما قال هذا المفتي؟ وماذا يفعل المسلم العادي إذا وجد العلماء يختلفون في الفتوى؟

أرجو أن تريحوا خواطري وخواطر أمثالي وهم ألوف بل ملايين وملايين... يدفعون زكاة فطرهم بالنقود، جزاكم الله خيرًا.

جواب فضيلة الشيخالعلامة الدكتور يوسف القرضاوي :

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

في رأيي أن المفتي الذي استمع إليه السائل والذي شنع على إخراج زكاة الفطر بقيمتها من النقود؛ لم يكن موفقًا في فتواه إذا صح ضبط المستمع لها، ونقلها عنه نقلًا صحيحًا مستوعِبًا، وهو ما أعتقده، فقد سمعت عن هؤلاء المفتين والخطباء الذين يشنون في كل عام غارة على إخراج القيمة في صدقة الفطر .

وخطأ هذا المفتي يتمثل في جملة أمور:

1- أن المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها الأئمة وتعددت فيها الآراء؛ لا يجوز فيها التشنيع والإنكار على من اقتنع برأي منها وأخذ به.  فمن كان من أهل الاجتهاد والقدرة على الترجيح بين الآراء؛ فلا يُطالب شرعًا أن يعمل إلا بما انتهى إليه اجتهاده، فإن كان صوابًا فهو مأجور أجرين: أجرًا على اجتهاده، وأجرًا على إصابته الحق في المسألة، وإن كان اجتهاده خطأ فهو مأجور أيضًا، ولكنه أجر واحد، هو أجره على اجتهاده وتحريه. وأقصى ما يقوله مجتهد عن نفسه ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. وكل مسألة ليس فيها نص قطعي الثبوت والدلالة فهي من مسائل الاجتهاد بيقين ومسألتنا من هذا النوع بلا ريب.

ومن كان يسوغ له التقليد -ومعظم الناس كذلك- جاز له أن يقلد أحد المذاهب المتبوعة، المتلقاة بالقبول لدى الأمة، وهذا هو المستطاع بالنسبة لمثله فليس عنده أدوات الاجتهاد ولا شروطه، و{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة:286)، وقد قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن:16)، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". (متفق عليه)

2- إذا نظرنا للمسألة المبحوث فيها على هذا الأساس المذكور؛ رأينا أن أبا حنيفة وأصحابه والحسن البصري، وسفيان الثوري، وخامس الراشدين عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- أجازوا إخراج القيمة في الزكاة، ومنها زكاة الفطر، وهو قول الأشهب وابن القاسم عند المالكية. قال النووي: وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه.

قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. ولهم في ذلك أدلة اعتمدوا عليها، واعتبارات استندوا إليها، كما أن المانعين لإخراج القيمة لهم أيضًا أدلة واعتبارات مخالفة. وقد فصلنا القول في ذلك في موضعه من كتابنا: "فقه الزكاة " فصل: إخراج القيمة من باب طريقة أداء الزكاة.

وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية مذهبًا وسطًا بين الفريقين المتنازعين، قال فيه: (الأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة، ممنوع منه؛ ولهذا قدَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- الجبران بشاتين، أو عشرين درهمًا ولم يعدل إلى القيمة؛ ولأنه: متى جوز إخراج القيمة مطلقًا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر؛ ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه. وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل؛ فلا بأس به: مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم؛ فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا أو حنطة؛ إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه. وقد نص أحمد على جواز ذلك. ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كاف، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة.

ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع، فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أنها أنفع للفقراء، كما نُقِلَ عن معاذ بن جبل: أنه كان يقول لأهل اليمن: "ائتوني بخميس أو لبيس، أيسر عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار، وهذا قد قيل: إنه قاله في الزكاة وقيل في الجزية). (مجموع فتاوى ابن تيمية 25/82، 83 ط. السعودية)، وهذا، وإن قاله في زكاة المال، فهو ينطبق على زكاة الفطر.

وجوهر الخلاف إنما هو بين مدرستين: المدرسة التي تراعي في اجتهادها المقاصد الكلية للشريعة، ولا تهمل النصوص الجزئية، والمدرسة التي لا تنظر إلا إلى النصوص الجزئية وحدها. وقد عمل بهذا القول في خير القرون، بعد قرن الصحابة، وهو قرن التابعين لهم بإحسان، وعمل به خليفة أجمعوا على أنه من الراشدين المهديين.

روى ابن أبي شيبة عن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدي بالبصرة - وعدي هو الوالي: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم (مصنف ابن أبي شيبة 4/37، 38).

وعن الحسن قال: لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر. (مصنف ابن أبي شيبة 4/37، 38). وعن أبي إسحاق قال: أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام. (المصدر السابق). وعن عطاء: أنه كان يعطي في صدقة الفطر ورقًا - دراهم فضية. (المصدر السابق).

ومما يدل لهذا القول:

أ- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أغنوهم -يعني المساكين- في هذا اليوم"، والإغناء يتحقق بالقيمة، كما يتحقق بالطعام، وربما كانت القيمة أفضل، إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعها، والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات.

ب ـ كما يدل على جواز القيمة ما ذكره ابن المنذر من قبل: أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلًَا في القيمة للصاع من التمر أو الشعير؛ ولهذا قال معاوية: "إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر".

ج ـ ثم إن هذا الأيسر بالنظر لعصرنا وخاصة في المناطق الصناعية التي لا يتعامل الناس فيها إلا بالنقود، كما أنه -في أكثر البلدان وفي غالب الأحيان- هو الأنفع للفقراء.

3ـ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فرض زكاة الفطر من الأطعمة السائدة في بيئته وعصره؛ إنما أراد بذلك التيسير على الناس، ورفع الحرج عنهم. فقد كانت النقود الفضية أو الذهبية عزيزة عند العرب، وأكثر الناس لا يكاد يوجد عنده منها إلا القليل، أو لا يوجد عنده منها شيء. وكان الفقراء والمساكين في حاجة إلى الطعام من البر أو التمر أو الزبيب، أو الأقط؛ لهذا كان إخراج الطعام أيسر على المعطي، وأنفع للآخذ، ولقصد التيسير أجاز لأصحاب الإبل والغنم أن يخرجوا "الأقط" -وهو اللبن المجفف المنزوع زبده- فكل إنسان يخرج من الميسور لديه.

ثم إن القدرة الشرائية للنقود تتغير من زمن لآخر، ومن بلد لآخر، ومن حال لآخر، فلو قدر الواجب في زكاة الفطر بالنقود لكان قابلًا للارتفاع والانخفاض حسب قدرة النقود. على حين يمثل الصاع من الطعام إشباع حاجة بشرية محددة لا تختلف، فإذا جعل الصاع هو الأصل في التقدير فإن هذا أقرب إلى العدل، وأبعد عن التقلب.

4ـ أن المحققين من علمائنا قرروا أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وهذه قاعدة عظيمة حققناها في رسالتنا: "عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية" وأقمنا الأدلة على صحتها من القرآن والسنة، وهدي الصحابة رضي الله عنهم، فضلًا عما ذكرناه من أقوال العلماء وتطبيقاتهم عليها.

ومن نظر بعين الإنصاف والتقدير للواقع المعاصر؛ يعلم أن إخراج الطعام لا يصلح إلا في المجتمعات البسيطة والمحدودة، التي يتيسر فيها الطعام لمن يريد إخراج الزكاة، ويحتاج فيها الفقير إلى الانتفاع بالطعام.

أما المجتمعات الكبيرة والمعقدة، والتي تتمتع بكثافة سكانية عالية، والتي يندر فيها وجود الأطعمة بحيث يعنت المخرج طلبها، ولا يحتاج الفقير إليها؛ لأنه لم يعد يطحن ويعجن ويخبز؛ فلا يماري منصف في أن إخراج القيمة في هذه الحال هو الأولى.

وقد أحسن الإمام ابن تيمية حين أجاز لمن باع ثمر بستانه بدراهم أن يخرج عشرة منها، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا، إذ قد ساوى الفقراء بنفسه، كما أجاز لمن لم يجد في مدينته من يبيعه شاة عن إبله، أن يخرج قيمتها ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى لشرائها، وهذا هو الفقه حقًا وكيف نكلف المسلم -في مدينة كالقاهرة فيها أكثر من عشرة ملايين من المسلمين- بإخراج الحبوب، التي لم يعد من الميسور إحضارها، ولا من النافع للفقير إعطاؤها؟ وفرق بين من يكون عنده الطعام ويضن به على الفقير، ومن ليس عنده إلا النقود كأهل المدن، فهو يسوي الفقراء بنفسه.

والزكاة إنما جُعلت لإغناء الفقير عن الطواف في يوم العيد، والأغنياء يتمتعون بمالهم وعيالهم، ولينظر امرؤ لنفسه: هل يرى أنه يغني الفقير عن الطواف إذا أعطاه صاع تمر أو صاع شعير، في بلد مثل القاهرة في مثل هذه الأيام؟! وماذا يفعل بهما الفقير إلا أن يطوف ليجد من يشتريهما ببخس من القيمة، ليبتاع لنفسه أو لأولاده ما يتقوتون به؟! (انظر: هامش المحلى وتعليق العلامة أحمد شاكر 6/131، 132). على أن فقهاء المذاهب المتبوعة أجازوا إخراج الزكاة من غالب قوت البلد وإن لم يكن من الأطعمة المنصوصة، رعاية للمقصد.

أما نقل الزكاة إلى بلد آخر، فهو جائز إذا كان ذلك لاعتبار صحيح، كأن يكون ذلك بعد استغناء البلد الذي فيه المزكي في زكاة الفطر، أو الذي فيه المال في زكاة المال، أو يكون البلد الآخر أشد حاجة لنزول مجاعة أو كارثة به.. أو اجتياح عدو له يحتاج إلى مقاومته.. أو يكون له قرابة محتاجون في البلد الآخر، وهو أعرف بحاجتهم، وأولى بهم.

ومثل هذه الاعتبارات تجعل نقل زكاة الفطر أو زكاة المال إلى المسلمين المحتاجين في الأرض المحتلة من فلسطين، وخصوصًا الذين يقاومون العدو منهم. أو الإخوة المجاهدين والمهاجرين من الأفغانيين، أو الذين يقتلهم الجوع ويهددهم التنصير في بنجلاديش، أو بورما أو الصومال أو إريتريا أو غيرها.

وأما ما ذكره الأخ من اختلاف أهل الفتوى في بعض المسائل، بحيث يبيح هذا، ويحرم ذاك، أو يوجب واحد، ولا يوجب آخر، فالمسلم يأخذ بقول من يطمئن إليه قلبه، ويترجح لديه أنه أفقه في الدين، وأعرف بمصادره، وأعلم بمقاصده، وأنه لا يتبع الهوى، ولا يبيع دينه بدنياه، ولا بدنيا غيره.

وهذا كما يفعل المريض إذا اختلف عليه الأطباء، فإنه يأخذ بقول من يطمئن إليه؛ لأنه أحذق أو أشهر أو نحو ذلك، والخطأ في هذه الفروع مغفور، وإنما لكل امرئ ما نوى.

بقي الكلام عن حديث: "صوم رمضان مُعلَّق بين السماء والأرض، لا يُرفع إلا بزكاة الفطر" وهو حديث لم يثبت.

والله أعلم

زكاة الفطر نقود أم حبوب وهل خالف أبو حنيفة السنة!!

مما ابتلانا الله به في هذا الزمن، أن كل من هب ودب، صار يطاول الأئمة الكبار، والعلماء الثقات، الذين أفنوا زهرة أعمارهم، وكل حياتهم في البحث العلمي، فترى في كل عام عند الحديث عن زكاة الفطر، من يتطاول على أئمة أفتوا بجواز إخراجها نقودا، فيزعم أن من يقول بهذا الرأي فهو يخالف السنة!
 
إن زكاة الفطر عبادة مالية تؤدى في شهر رمضان، وقد شرعت لتعالج أمرين مهمين، فهي كما قال ابن عباس: طعمة للمساكين، ومطهرة للصائم من اللغو والرفث. فهدف يخص الصائم، من علاج ما يقع منه من تقصير في عبادته، كشأن السنن والنوافل في الصلوات، شرعها الإسلام لتكون جوابر لأي تقصير يقع منه في الصلاة. وكذلك زكاة الفطر فهي علاج لما عسى أن يقع من الصائم من لغو، أو تقصير.

وهدف آخر اجتماعي إنساني، وهو طعمة للمساكين، أي: إشعار الفقراء والمساكين في هذا الشهر، وفي عيد الفطر، بنعمة المال والطعام، وهو ما تمتاز به العبادات في الإسلام، فهي تجمع بين جانبي العبادة، والمواساة للفقير، والتآخي الإنساني، ولذا كان بعض السلف يعطون الرهبان من صدقة الفطر، عندما رأوهم محتاجين، ولم يقتصر أداؤها على المسلم الفقير فقط.

وبناء على مراعاة مصلحة الفقير وفق تشريع الإسلام للزكاة، هل تؤدى الزكاة مالا، أم حبوبا؟ كان الخلاف بين الفقهاء، فالجمهور (مالك والشافعي وابن حنبل) يرون أنها تؤدى حبوبا. وأبو حنيفة وآخرون يرون أن تؤدى الزكاة بالحبوب أو القيمة المالية.
 
من أجاز دفع الزكاة مالا؟

لقد أجاز أن تدفع زكاة الفطر مالا كل من هؤلاء: عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وعطاء، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، ومن المعاصرين: الأزهر الشريف ومعظم علمائه، وعلى رأسهم: محمد أبو زهرة، ويوسف القرضاوي، وغيرهما. 

لماذا أمر بها صلى الله عليه وسلم طعاما؟

ويعلل العلامة القرضاوي في موسوعته الرائعة: (فقه الزكاة)، لماذا فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من الأطعمة في زمانه، فقال: لسببين: الأول: لندرة النقود عند العرب في ذلك الحين، فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس. والثاني: أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر، بخلاف الصاع من الطعام فإنه يشبع حاجة بشرية محددة، كما أن الطعام كان في ذلك العهد أيسر على المعطي، وأنفع للآخذ). فقه الزكاة (2/955).

تطور الزمن وحاجة الفقير:

إن الذين يشددون في قضية زكاة الفطر، يتناسون أو يجهلون أمرا بالغ الخطورة الآن، وهو أن الزكاة جعلت لتحقيق مصلحة للفقير، ما لم تخالف الشرع، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "اغنوهم في هذا اليوم" أي: اغنوا المساكين في يوم العيد عن ذل السؤال والحاجة، والإغناء يتحقق بقيمة الزكاة لا بالحبوب فقط.

كما أن الحياة الآن قد تطورت تطورا هائلا، ومعظم من يؤدون الزكاة الآن لا يقرعون باب الفقير، ويحملون بأيديهم أكياسا من الأرز، ولا التمر، أو الطعام، بل الآن أصبحت بضغطة زر من على الموبايل يقوم المزكي بأداء زكاته، فهو يعلم أن الزكاة مثلا في بلد ما، كم دولار، أو قيمته، فهو يحول المبلغ عن طريق حسابه البنكي في الموبايل، أو عن طريق الحساب البنكي نفسه، وهو هنا لا يحول أرزا ولا شعيرا، ولا تمرا، بل يحول مالا، فهل سيرسل رسالة (إس إم إس) للفقير ليقول له: هذه زكاة فطر، لا بد أن تشتري بها طعاما؟ وهل لو أخذها الفقير ليتناول حبوب الدواء بدلا من حبوب الغذاء هل يكون قد أكل حراما؟!

 

زكاة الفطر، يجوز إخراجها حبوبا، ويجوز إخراجها قيمة مالية، المهم في ذلك المتيسر على المزكي، والأنفع للفقير، وليست المشكلة في الرأي العلمي هذا أو ذاك، المشكلة في قليلي الفقه ممن يضيقون على الناس فيما وسع الشرع فيه عليهم،

 



وقد كان من قبل يحدث في بعض دول الخليج، وبعض الدول العربية أن تخرج فتاوى تشدد على الناس في قضية زكاة الفطر، وأنه يجب أن تخرج حبوبا فقط، فكان المزكي يتحرج من أن يخرجها مالا، فيذهب إلى تاجر الأطعمة، يشتري منه علبة زكاة الفطر، أو حقيبة زكاة الفطر، مثلا بعشرين، ويعطيها للفقير، والفقير لا يحتاج إلى كل هذا الكم من الطعام الذي أتاه كزكاة، فيضطر إلى بيع معظمه، فيذهب للتاجر الذي اشترى منه المزكي الحقيبة بعشرين، فيعرض عليه الشراء، والتاجر يعرض عليه أن يبيعها بخمسة عشر، إن قبل، وإلا رفض، فيضطر الفقير الذي أخذ الزكاة لبيعها بخمسة عشر، وتظل الحقيبة تذهب للتاجر، ليشتريها مزكي، ويبيعها الفقير، وهكذا تدور، والخاسر ماليا في المسألة هنا، هو الفقير، والرابح الوحيد ماليا هنا هو التاجر، للأسف، في مشهد لا يمكن أن نطلق عليه أنه التنفيذ الحقيقي للسنة، والتي شرعت زكاة الفطر، لمصلحة الفقير، وإغنائه.

هل هؤلاء يخالفون السنة؟!

أما العجب العجاب، فهو قول بعض الجهلة عمن أفتوا بجواز إخراج زكاة الفطر قيمة، بأنهم يخالفون السنة، وكيف يخالف السنة كل هؤلاء الأعلام، وعلى رأسهم خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز، وإذا خالف عمر السنة، فمن يتمسك بها؟ هل يفهمها ويتمسك بها هؤلاء الأغرار؟! والحسن البصري، شيخ الزهاد، الفقيه العالم الكبير. 

وأبو حنيفة الإمام الكبير، المعروف بورعه وعلمه وفقهه وذكائه. ومن المعاصرين: محمد أبو زهرة، عملاق الفقه والسنة بحق، الذي كتب كتبا عن الأئمة تعجز مراكز بحثية عن كتابتها الآن، بهذا التفرد والعمق، والإنصاف. ويوسف القرضاوي، الذي كتب مجلدين كبيرين عن (فقه الزكاة)، ظل سنوات طوالا يدرس الموضوع، ويؤصل له، حتى قال عنه أحد العلماء: إنه جهد تنوء بعمله المجامع الفقهية، وقال آخر: لم يكتب في الإسلام مثله عن الزكاة. 

خلاصة الأمر: أن زكاة الفطر، يجوز إخراجها حبوبا، ويجوز إخراجها قيمة مالية، المهم في ذلك المتيسر على المزكي، والأنفع للفقير، وليست المشكلة في الرأي العلمي هذا أو ذاك، المشكلة في قليلي الفقه ممن يضيقون على الناس فيما وسع الشرع فيه عليهم، وادعاء امتلاك الحقيقة، وأن الشرع له باب واحد، لا يدخله أحد إلا عن طريقهم، وبفتاواهم فقط، وهو ما يضع المسلمين في حرج، ويضع صورة الإسلام في موقف أشد حرجا.

حكم تبييت النية فى رمضان

 ******* حكم تبييت النية فى رمضان *********

=============================================
أولا : تبييت النية فى صيام رمضان:
يجب تبييت النية فى الفريضة من الليل قبل طلوع الفجر .
عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ»
=============================================
ثانيا : هل يشترط تجديد النية في كل يوم من رمضان، أم تكفى نية واحده للشهر ؟؟
القول الأول:
يشترط تجديد النية لكل يوم من رمضان، وهو قول الجمهور: الحنفية والشافعية، والحنابلة، وابن المنذر ، والظاهرية، وقول إسحق بن راهويه ،
وقالوا لأنها عبادات متفرقة ؛ لأنه يتخلل بين كل يومين ما ليس بزمان لهذه العبادة وهى من غروب الشمس إلى طلوع الفجر .
القول الثاني:
تكفى نية واحدة في أول الشهر ، لكن إن كان هناك عذر قطع التتابع كالمرض، والسفر ثم عاد إلى الصوم ، فإنَّ عليه أن يجدد النية وهو مذهب المالكية، وذهب إليه الإمام أحمد.
وقالوا : إن الواجب صوم الشهر لقوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، والشهر اسم لزمان واحد فكان الصوم من أوله إلى آخره عبادة واحدة كالصلاة، والحج، فيتأدى بنية واحدة .
فما يشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله .
* وأرى أن الراجح أن ينوى بقلبه فى أول يوم صيام الشهر كاملا ، ثم ينوى بعد ذلك كل ليلة، فإن نسى النية ليلة فتكفيه نية أول الشهر، جمعا بين القولين .
=============================================
ثالثا : السحور يعتبر نية ، وضبط المنبه للسحور يعتبر نية، وإن لم يستيقظ ، وتوصية الأهل بإيقاظه للسحور تعد نية وإن لم يستيقظ .