
السؤال: شيخنا هل يجوز قضاء صيام الستة ايام من شوال بعد انقضاء الشهر بسبب انشغاله عنها بعمله او بعذر مشروع ؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعـد:
فقد اختلف الفقهاء في جواز قضاء صيام ست من شوال بعد انقضائه لمن فاتته لعذر او انشغال وهل يحصل على فضلها اذا قضاها، وذلك على ثلاثة اقوال:

وفي شرح مختصر خليل للخرشي المالكي [2/243]: (وَإِنَّمَا قَالَ الشَّارِعُ مِنْ شَوَّالٍ لِلتَّخْفِيفِ بِاعْتِبَارِ الصَّوْمِ لَا تَخْصِيصِ حُكْمِهَا بِذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِعْلَهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الصِّيَامِ فِيهِ أَحْسَنُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ حِيَازَةِ فَضْلِ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ فِعْلُهَا فِي ذِي الْقِعْدَةِ حَسَنٌ أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا بَعُدَ زَمَنُهُ كَثُرَ ثَوَابُهُ لِشِدَّةِ الْمَشَقَّةِ).
وقال الامام ابن مفلح الحنبلي -رحمه الله تعالى- في الفروع [3/108] : (تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِصَوْمِهَا فِي غَيْرِ شَوَّالٍ, وِفَاقًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ, ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ, لِأَنَّ فَضِيلَتَهَا كَوْنُ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, كَمَا فِي خَبَرِ ثَوْبَانَ, وَيَكُونُ تَقْيِيدُهُ بِشَوَّالٍ لِسُهُولَةِ الصَّوْمِ لِاعْتِيَادِهِ رُخْصَةً, وَالرُّخْصَةُ أَوْلَى )
وفي تحفة المحتاج في شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي [3/360 ] : (عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ لَكِنَّهُ أَرْجَأَهَا بِمَا مَرَّ مِنْ إفْتَائِهِ بِقَضَاءِ سِتٍّ مِنْ الْقِعْدَةِ عَنْ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الرَّاتِبِ ).
وقد سُئل الشيخ العلامة ابن عثيمين –رحمه الله تعالى- كما في مجموع فتاويه : (لو لم يتمكن من صيام الأيام الستة في شوال لعذر كمرض أو قضاء رمضان كاملا حتى خرج شوال، فهل يقضيها ويكتب له أجرها أو يقال هي سنة فات محلها فلا تقضى؟
الجواب: يقضيها ويكتب له أجرها كالفرض إذا أخره عن وقته لعذر وكالراتبة إذا أخرها لعذر حتى خرج وقتها، فإنه يقضيها كما جاءت به السُنة).

قال الامام ابن حجر الهيتمي المكي في تحفة المحتاج [3/456] : ( من صامها مع رمضان كل سنة تكون كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة ، ومن صام ستةً غيرها كذلك تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة) .

قال الامام البهوتي في كشاف القناع عن متن الاقناع [2/338]: (وَلَا تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِصِيَامِهَا أَيْ: السِّتَّةِ أَيَّامٍ فِي غَيْرِ شَوَّالٍ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ ) .
قال الشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله تعالى- في مجموع فتاويه: (ولا يشرع قضاؤها بعد انسلاخ شوال؛ لأنها سُنّة فات محلها، سواء تركت لعذر أو لغير عذر ) .

هو ما ذهب اليه اصحاب القول الاول من جواز قضاء صوم الست من شوال لمن انشغل عنها بعذر، وأن الفضيلة تحصل لمن صام ستة أيام في شوال أو بعده ، لان الحديث الصحيح في صيام ست من شوال، إنما ذكر شوال من باب التيسير على المكلف ، ولأن صومها بعد رمضان أسهل من صومها بعد ذلك .
وكذلك لما روي في الصحيحين عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَو لرجل آخر: ((أصمت من سَرَرَ [وسط] شهر شَعْبَانَ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصم يَوْمَيْنِ)) .
فهذا الرجل كان من عادته ان يصوم اياما من شعبان ، لكنه لم يصمها ذلك العام لعارض، فأرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصيام بعد رمضان.
وفي ذلك دلالة واضحة على جواز قضاء النافلة من الصوم لمن عادته أنه يصوم الست من شوال، لكن وجد عذراً استمر معه طيلة شوال، او انشغل بشاغل ولم يستطع أن يصوم هذه الست، ثم زال هذا العذر بعد شوال، فلا بأس أن يقضي الست من شوال في شهر ذي القعدة ويحصل على فضيلتها . والله تعالى اعلم
