
السؤال: شيخنا ؛ما حكم السب والقذف والتشهير عبر شبكات التواصل الاجتماعي ؟ وما هي العقوبة المترتبة شرعا وقانونا؟ جزاكم الله خيرا
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـد:
فبعد ثورة التكنولوجيا والمعلومات في هذا العصر، والتي ساعدت على ظهور مواقع تواصل اجتماعي كثيرة مثل فيس بوك، وتويتر وواتس آب ويوتيوب ... وغيرها ، وبما ان هذه الوسائل لا تخضع للرقابة الكاملة، فقد تحولت هذه الشبكات خلال السنوات الأخيرة مع الأسف إلى منصات للشتائم والسب والقذف في أعراض الناس والتدخل في خصوصياتهم، وهذا قطعا ليس من حرية ابداء الرأي؛ لان الحرية لا يعني التطاول على أعراض الناس، بل هي مقيدة بإبداء الرأي المنضبط في الموضوع دون المساس بأعراض وخصوصيات الناس.

قال الامام ابن كثير في تفسيره [6/480 ]: (ينسبون إليهم ما هم برآء منه، لم يعملوه، ولم يفعلوه، وهذا البهت الكبير، أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والنقص لهم).
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : ((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ )).

في هذا الحديث دلالة على أن سب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي -صلى الله عليه و سلم-، والسباب أشد من السب ، وهو أن يقول في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه والانتقاص منه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : ((الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ )) .
والأولى والأفضل للمشتوم او المسبوب ، هو العفو والصفح والتجاوز لا الرد عليه بالمثل، لعل الله أن يتجاوز عنه يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل، قال الله تعالى : { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [الشورى:40 ].
وقوله عليه الصلاة والسلام في مسند الامام أحمد : ((أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ مَنَعَكَ، وَتَصْفَحَ عَمَّنْ شَتَمَكَ)).
وقوله عليه الصلاة والسلام في الادب المفرد للبخاري وسنن الترمذي: ((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللِّعَانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيء)).
وبيّن النبي عليه الصلاة والسلام أن من الأمور التي تؤدي بالعبد إلى الإفلاس يوم القيامة هو السب والشتم والقذف ؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن عليه الصلاة والسلام قال: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)).

ولهذا وجب على المؤمن أن يصون لسانه، وأن يختار من ألفاظه أحسنها؛ فعن أبي الدرداء أن النبي عليه الصلاة والسلام؛ قال في سنن الترمذي: ((ما شيءٌ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء))

وعقوبة التعزير كلها إنما يقدرها ويستوفيها الإمام أو نائبه ، وقد تكون بالحبس او الضرب او ما يراه الحاكم مناسبا للردع والزجر، ويجب التعزير بغرض التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، ومرجعه إلى اجتهاد الإمام او الحاكم.


