الجمعة، 2 أكتوبر 2020

كفر دون كفر !!!!

 من المواضيع التي تصيب المداخلة بالاسهال وتسبب لهم صداع في رؤوسهم

كفر دون كفر !!!! بقلم الاستاذ احمد شاكر..
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه. ورواه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (1). انتهى كلام ابن كثير رحمه الله، وكان آخر ما قاله من كلام طويل تفسيرا لقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
ـــــــــــــــــ
*قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله*:
(1) الحاكم 2/313، ولفظه: “إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كفر دون كفر”. ووافقه الذهبي على تصحيحه.
وهذه الآثار عن ابن عباس وغيره، مما يلعب به المضَلِّلُون في عصرنا هذا، من المنتسبين للعلم، ومن غيرهم من الجرآء على الدين: يجعلونها عذرا أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة، التي ضُربت على بلاد الإسلام.
وهناك أثر عن أبي مجلز (التابعي) في جدال الإباضية الخوارج إياه، فيما كان يصنع بعض الامراء من الجور، فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة، عمدا إلى الهوى، أو جهلا بالحكم. أهـ
أقول: أي أن هذا الكلام (كفر دون كفر)، قاله ابن عباس في حالة: (الأمراء المسلمين، والذين يحكمون الناس بدين الله تعالى وتوحيده وشريعته كاملة، وينصون على ذلك في دساتيرهم ومحاكمهم، ثم يقعون في تطبيق بعض الأحكام، في بعض القضايا، فيحكمون فيها بالهوى وبغير الحكم الشرعي، مع ثبات الحكم الشرعي في أحكامهم ومحاكمهم، وهم يعترفون أن ذلك ذنب ومعصيىة ….
وليس المقصود من الكلام في الحكام العاديين المنتخَبين، أو المتسلطين، أو الديمقراطيين، أو العلمانيين أو الاشتراكيين الشيوعيين، أو الدستوريين الوضعيين، أو الإنقلابيين، أو الثوريين أو الوراثيين، والذين نحَّوا الحكم بشريعة الله تعالى ابتداءً، (من غير الأمراء ولا الخلفاء، الذين بويعوا على إقامة الدين، والحكم بشريعة الله تعالى وأحكامه ابتداءً).
*ثم استطرد رحمه الله قائلا*:
والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر، فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء، ليكون ذلك عذرا لهم فيما يرون من الخروج عليهم بالسيف. وهذان الأثران رواهما الطبري: 12025، 12026.
وكتب عليهما أخي السيد محمود محمد شاكر تعليقا نفيسا جدا، قويا صريحا. فرأيت أن أثبت هنا نص أولى روايتي الطبري، ثم تعليق أخي على الروايتين:
فروى الطبري: 12025، عن عمران بن حدير،قال: “أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس،فقالوا: يا أبا مجلز،أرأيت قول الله {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أحق هو؟ قال: نعم، قالوا:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} أحق هو؟ قال: نعم، قالوا: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} أحق هو؟ قال: نعم، فقالوا: يا أبا مجلز، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون، وإليه يدعون، فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا. فقالوا: لا والله، ولكنك تفْرَق! (أي تخاف منهم)، قال: أنتم أولى بهذا مني! لا أرى، وإنكم ترون هذا ولا تحرّجون! ولكنها أُنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك، أو نحوا من هذا”.
ثم روى الطبري:12026، نحو معناه. وإسناداه صحيحان. فكتب أخي السيد محمود، بمناسبة هذين الأثرين ما نصه:
“اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة. وبعد، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا، قد تلمَّس المعذرة لأهل السلطان، في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي انزلها في كتابه، وفي اتخاذهم قانون أهلِ الكفر، شريعةً في بلاد الإسلام. فلما وقف على هذين الخبرين، اتخذهما رأيا يَرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام، لا تُكَفِّر الراضي بها، والعامل عليها.
والناظر في هذين الخبرين لا محيص له من معرفة السائل والمسئول، فأبو مجلز (لاحق بن حميد الشيباني السدوسي) تابعي ثقة، وكان يحب عليا رضي الله عنه. وكان قومُ أبي مجلز، وهم بنو شيبان،من شيعة علي يوم الجمل وصفين. فلما كان أمر الحَكَمين يوم صفين، (أي عندما اتفق عليٌّ ومعاوية على تحكيم رجلين بينهما) واعتزلت الخوارج، كان فيمن خرج على علي رضي الله عنه طائفة من بني شيبان، ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل. وهؤلاء الذين سألوا أبا مجلز، ناس من بني عمرو بن سدوس (كما في الأثر:12025)، وهم نفر من الإباضية (كما في الأثر:12026)، والإباضية من جماعة الخوارج الحرورية،هم أصحاب عبد الله بن إباض التميمي، وهم يقولون بمقالة سائر الخوارج في التحكيم، وفي تكفير علي رضي الله عنه إذ حكّم الحكمين، وأنّ عليا لم يحكم بما أنزل الله في أمر التحكيم. …
ثم قال: ومن البيِّن أنّ الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية إنما كانوا يريدون ان يلزموه الحجة في تكفير الأمراء، لأنهم في معسكر السلطان، ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عن ارتكابه. ولذلك قال لهم في الخبر الأول (رقم: 12025): “فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً”، وقال لهم في الخبر الثاني: “إنهم يعملون بما يعملون ويعلمون أنه ذنب”.
وإذن، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالإحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (أقول: أي كالدساتير والقوانين الوضعية اليوم). فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة – على اختلافهم – في تكفير القائل به والداعي إليه أهـ.
*أقول*: (أي أن أهل القبلة، رغم اختلافاتهم في بعض الأمور فيما بينهم، إلا أنهم في هذه مُجمعون على تكفير القائل والعامل والداعي إلى العمل بالقوانين والدساتير الوضعية).
ثم قال:
والذي نحن فيه اليوم، هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله، بل بلغ الأمر مبلغ الإحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة، وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا، ولِعلل وأسباب انقضت، فسقطت الأحكام كلها بامضائها. فأين هذا مما بيناه من حديث أبي مجلز والنفر من الإباضية من بني عمرو بن سدوس!!
ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مجلز، أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من احكام الشريعة، فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أنْ سنّ حاكم حكما وجعله شريعة ملزمة للقضاء بها. هذه واحدة. وأخرى: أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم الله فيها، فإنه إما أن يكون حكم بها وهو جاهل، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة. وإما ان يكون حكم بها هوى ومعصية، فهذا ذنب تناله التوبة، وتلحقه المغفرة. وإما أن يكون حكم به متأولا حكما خالف به سائر العلماء، فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من الإقرار بنص الكتاب، وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.
وأما أن يكون كان في زمن أبي مجلز أو قبله او بعده حاكم حكم بقضاء، في أمرٍ، جاحدا لحكم من أحكام الشريعة، او مؤثرا لأحكام اهل الكفر على أحكام أهل الإسلام، فذلك لم يكن قط. فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه. فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها، وصرفها إلى غير معناها، رغبة في نصرة سلطان، أو احتيالا على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله: أن يستتاب، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله، ورضي بتبديل الأحكام = فحكم الكافر المُصِّر على كفره، معروف لأهل هذا الدين. أهـ
وكتبه محمود محمد شاكر”. المصدر: عمدة التفسير، لأحمد شاكر رحمه الله. تفسير الآية 44 من سورة المائدة.
*أقول*: وهكذا نفس الحال، في مسألة الخروج على الحُكام وعدم الخروج، والتي يتشدق بها مرجئة العصر الحديث، وهم أشد وأضل من مرجئة العصر القديم، فكل النصوص الواردة في منع المسلم من الخروج على الحكام، إنما هي في حالة الخروج على الحاكم المسلم ابتداءً، والمُعَيَّن مِن قِبل أهل الحَلِّ والعَقد، من أهل العلم والرأي والحكمة الفقهاء، والمبايع على إقامة الدين وتوحيد الله وأحكامه وشريعته، جملة وتفصيلا، والمقيم للدين وأركانه والجهاد في سبيل حماية الدين والمتدينين ….
وليس على أولئك الحكام المتسلطين، أو المنتخبين، من الديمقراطيين، أو العلمانيين، أو الاشتراكيين، أو النصيريين أو الكافرين أصلا، فكل هؤلاء وأشباههم، لا يجوز لمسلم أن يدخل تحت مظلتهم، ولا ينضوي تحت رايتهم، ولا يكثر سوادهم، فلم يدخل معهم، حتى يخرج عنهم، فالأصل في هؤلاء عدم الدخول ابتداء، بل العمل على انتزاعهم وإزالة مُلكهم، واستئصال شأفتهم، ولعدم إقرارهم على كفرهم الأكبر، في تحكيم غير أحكام الله تعالى وغير قضائه. والله تعالى أعلم.