الجمعة، 19 يوليو 2019

زكاة الفطرة نقدا ؟!

 وأوجبوا أيضا زكاة الفطرة  
فرض رسول الله زكاة الفطر، فإنما هي صدقة من الصدقات، وقت وجوبها غروب آخر يوم من رمضان، أم فجر الأول من شوال، تجب صدقة الفطر إن قدر على التسليف والسداد، هل النكاح قوت أو تفكه عليه إعفاف والد يُفقه، دخول الوالد في نفقة الولد بحكم القاضي، أسباب وجوب النفقة القرابة والزوجية والملك، يجوز دفع أكثر من صاع لمسكين واحد، أو صاعا لعدة مساكين، وقت إخراج الصدقة، علاقة الظاهر بالتأويل، العلة والنص الظاهر، الغلو في الظاهر وهدم العلة، الغلو في العلة وهدم الظاهر، دلالة التنبيه على الأصناف المذكورة في الحديث، كنا نخرج صدقة الفطر صاعا من طعام، وجوب العمل بالظاهر والعلة، الغلو في النص هدم له، العلة إحياء للظاهر في الواقع، العلة تمد النص في الواقع،  العلة لا تعود على النص بالإبطال، الغلو في إبطال الاجتهاد المعتبر، إخراج صدقة الفطر بالقيمة قول معتبر، غلاة الظاهر يبطلون الاجتهاد المعتبر، غلاة العلة هدموا الظاهر، الشعير ليس قوتا في الأردن ومع ذلك يجزيء، المشكلة في الإبطال لا الاستدلال، تعدد الا جتهاد بين أجرين وأجر واحد، تحول الذهب إلى سلعة عرف، العرف الحاضر لا يقضي على النص الظاهر، غلبة الثمنية وعلاقته بكون الذهب سلعة، تخصيص الشريعة بالعرف، خطورة تخصيص النص بالعرف، الواقع لا يَـحكم على النص، القديم والجديد عند الشافعي، تغير الأحكام بتغير الأزمان، السم مال متقوم، علاقة الشريعة بالغرب، أمثلة على تغير الأعراف وعدم تغير الشريعة،  تغير الأديان بتغير الأزمان، المصلحة لا تخصص النص، مسالك العلة، مختبر قوادح العلة، القياس الصحيح موافق للظاهر، أمرت أن أقاتل الناس، قاس أبو بكر الزكاة على الصلاة، موافقة قياس أبي بكر رضي الله عنه لظاهر السنة، فقه التقلبات والاستثناءات في حديث جبريل، تعليق وقت الصدقة بالفطر وهو ممتد للغروب، الغلو في ظاهر إنما هي صدقة من الصدقات هدم السنة، الغلو في إيجابها عينا وهدمها بعد العيد عينا ونقدا، الغلو قرين التحلل، التعليل بالمشتق، معنى إنما هي صدقة من الصدقات، التماثل في ربا الفضل معتبر بالكيل فيما عرفه الشارع مكيلا،
وأوجبوا أيضا (زكاة الفِطـْرِةِ)       وقَـدْرُها صاعً بِفرضِ السُّنـَّةِ   
من غالبِ القوتِ على المُكـلـَّفِ       ولم تفُتْ وأجْزَأَتْ بالســلفِ  
عنْ نَفـسهِ أوْ منْ لزوماً أطعمَا       تـُعْطى إلى حـرٍّ فقيـرً مُـسْلما

هل يوجد نص شرعي صحيح في تحريم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية… ؟!



 تمهيد:
ساد في الوسط العلمي الشرعي حصر الدليل في النص الشرعي، وما ليس فيه نص فلا دليل عليه، وهو نتاج لخطأ أكبر وهو ضرب الصناعة الحديثية بالصناعة الفقهية والأصولية، وقد ظهرت ثقافة عدم الدليل إذا لم يوجد نص، وتَتَوهّم هذه الثقافة بأن ذلك من الاحتياط في الدين، ولكنها كانت عَين التحلل منه، ذلك لأن توهم صناعة الفتوى تكون من النص فقط، يعني أنه لا حكم شرعي فيما لا نص فيه، ويترتب على ذلك هدم أصول الشريعة العامة من إجماع وقياس، وسد للذرائع، ومصالح مرسلة وغيرها، ويحدث ذلك بسبب إقصاء الصناعة الفقهية والأصولية، صاحبة الاختصاص والصلاحية في أمر الفتوى، وهي بذلك تتكامل مع الصناعة الحديثية التي تتولى واجبها في الكشف عن رتبة الحديث صحة وضعفا ووضعا.
أولا: هل هناك نص صحيح صريح في تحريم مصافحة الرجل المرأة الأجنبية؟
وُجِّه إليَّ هذا السؤال الذي تحول من سؤال إلى أزمة فتوى، ومن المعروف أن ماورد في هذا الباب من نصوص، لا يكاد ينهض بحجة قاطعة وحاسمة، لأنه ضعيف أو مختلف في صحته، أو مؤول في فهمه، مما يعني أن الصناعة الحديثية قامت بواجبها في حمل أمانة الواجب المنوط بها، وهو بيان رتبة الحديث وليس من مهمتها الفتوى، لأن الفتوى لا تكون بناء على النص فقط، ويحسب الناس أنه إذا لم يكن هناك حديث صحيح، فلا يجوز تحريم المصافحة، لعدم صحة نص في الباب، وإذا اقتصرنا على شرط وجود النص في التحريم فإن مصافحة الأجنبية جائزة، ومَن كره المصافحة فهذا شأنه، مما فتح بابا للتحلل في الدين، وإخضاعه للرأي والرأي الآخر في غيبة المنهج الأصولي.
ثانيا: خطوات الشيطان لا تكاد تنتهي:
بعد أن تم ارتكاب الخطأ في الكلي، وهو محاولة الفتوى من داخل الصناعة الحديثية، ومحاولة ضرب الصناعة الحديثية بصناعة الفتوى، بناء على أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف، لم يجد هذا المنهج مناصا من أن يسعى جاهدا في تصحيح أحاديث تحريم المصافحة، لتكون المصافحة حراما، ولكنها محاولة تكشف خللا في الكلي، ومع ذلك سيبقى النزاع قائما، في عدم توفر حديث صحيح صريح في الموضوع، وجميعها منازع فيها صحة وضعفا، وعليه سيتمسك من شاء بحرية المصافحة.
ثالثا: تلبيس إبليس في المرحلة التالية للشيطان:
1-الواقع حوَّل المسألة إلى أولَوية قصوى:
لم تكن مسألة المصافحة مسألة جديرة بالاهتمام في تاريخنا الإسلامي، ولم تحتل عشر معشار مكانتها اليوم، ولكنها استفادت أهميتها وأولويتها من الواقع المتأثر بالغزو الثقافي، وأصبح الواقع هو الذي ينتج الفتوى والثقافة للناس، فالهَمّ الأكبر هو محاولة التوافق مع الواقع والانقياد له، ولكن لو سألنا: ما الدليل الشرعي الذي يحرم أن يمَسّ الرجل بيده وجْه المرأة الأجنبية، فلن نجد دليلا صحيحا صريحا.
 2-لا نص ضعيف ولا صحيح في مس وجه الأجنبية:
وسيقال في ذلك ما قيل في المصافحة، لا دليل صحيحا على تحريمه، ثم بعد ذلك سيرفض أنصار المصافحة مَسَّ الوجه، لأن الواقع الديني لا يقبله وليس الدليل، ويواسون أنفسهم بصناعة فروق وهمية بين مس الوجه والمصافحة،  هذه الفروق لا تسمن ولا تغني من جوع، لأن مس الوجه صادم لشعورهم وذوقهم الديني، فسيسعون للتحريم دون وجود أي دليل صحيح صريح، ويظهر هنا مدى تأثير الواقع في صناعة التدين المتأثر بالواقع، لا بالاستدلال المنهجي المنضبط، وسيبقى أيتام الدليل عاجزين عن الوصول إلى حسم علمي في الموضوع.
رابعا: كيف يعالج الأصوليون والفقهاء المسألة:
1-منهج الفتوى له أصول تابعة للنص:
إن الأصوليين لا يكتفون بالنظر في ثبوت النص الشرعي فقط، لِـيـَبـنوا عليه حكما شرعيا، لأن عملهم هو وضع النص الشرعي ضمن أصول كلية في النظر، وليس النص الشرعي هو وحده الذي يستنبط منه الحكم، لأن النص بشقيه الكتاب والسنة هو مصدر أصلي، تتفرع عنه أصول ومصادر، ويمكن للفقيه الاستنباط من الأصول إذا لم يسعفه النص بدلالاته المتفاوتة في قوتها.
2- إعادة توجيه السؤال بناء الأصول التابعة للنص:
فإذا تم توجيه السؤال للمجتهد، ما حكم مصافحة الرجل الأجنبية، ولم يجد نصا صحيحا صريحا، فإن لديه أصولا كلية تابعة للنص ستسعفه في كل ما يستجد، وهو الذي يصدق فيهم قوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) 83، النساء، وهذا يختلف عن الصناعة الحديثية التي لها أصول تتناسب مع موضوعها في طرق إثبات النص الشرعي.
خامسا: ما هو الأصل في المرأة بالنسبة للرجل:
1-الأصل بين الزوج وزوجته الحل والسؤال الصحيح ماذا يحرم من الزوجة؟
إن الأصل في العلاقة بين الزوجين هو الحل، وإذا سأل رجل ماذا يحل لي من زوجتي؟ فنقول له، إن الحلال غير معدود ولا نحصيه عَدَّا إلى يوم القيامة، لأن الأصل بين الزوجين هو الحل، فيصحح السؤال ماذا يحرم على الرجل من زوجته؟ فيجاب ما هو معروف من المنع أثناء الحيض مثلا، وأؤكد أنه لا بد من تصحيح سؤال السائل، ونقول له صحح السؤال، وقل ماذا يحرم بين الزوجين؟  ولا تقل ماذا يحل؟!
2-الأصل بين الرجل والأجنبية هو التحريم، فيقال ماذا يحل للرجل من المرأة الأجنبية؟
لو سأل أحد ماذا يحرم على الرجل من المرأة الأجنبية، نقول له إن التحريم هنا لا يحصى ولا يعد، وهو أصل، وبما أن الحرام غير معدود لأنه هو الأصل، نسأل ماذا يحل للطبيب، والقاضي والشاهد من المرأة الأجنبية، ولا نقول ماذا يحرم؛ لأنها كلها حرام على الرجل الأجنبي عنها، ولذلك يُصحَّح السؤال، ونقول ماذا يحل أن يراه الطبيب من المريضة مثلا، ولا نقول ماذا يحرم؟ لأنه يحرم عليه كل شيء إلا ما تقتضيه ضرورة العلاج فقط، ولا يتوسع في هذا لأنه خلاف الأصل، والنص الأصيل في مسألتنا محل البحث قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري : «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، فالمرأة الأجنبية حرام في الأصل، والأصل دليل بنفسه.
سادسا: أين الدليل الشرعي على ما قلته سابقا في ضرورة تصحيح السؤال:
1-من الكتاب:
أ-تفصيل الحرام من الطعام والإطلاق في الحلال:
قال تعالى: (وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)119، الأنعام، فقد بينت الآية الكريمة منهج الكتاب في توجيه المسلمين في دينهم، بأن الأصل في الطعام الحل، والحل في الطعام هو الأصل، وليس محل تفصيل لأنه غير معدود ولا محدود، بينما فصل الله تعالى لنا المحرمات فقال جل شأنه: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)، فلا تسأل يا مسلم ماذا يحل لك من الطعام، ولكن اسأل ماذا يحرم عليك؟
ب-تصحيح موسى عليه السلام سؤال الفرعون:
 ولما سأل الفرعون موسى عليه السلام، في قوله تعالى:  (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) سورة الشعراء، فقد سأل الفرعون بقوله (ما) عن حقيقة ذات الله تعالى، وهي لا يعلمها إلا الله، فصحح موسى عليه السلام سؤال الفرعون، في الجواب، فلم يجب موسى عليه السلام فرعون عن حقيقة الذات، بل أجابه بالصفات، فقال موسى عليه السلام : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) مما يعني ضرروة أن يصحح سؤال المستفتي لا أن يقع المفتي في سوء فهم السائل.
2- من السنة: تصحيح الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال:
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية مَالِكٌ، عن نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: «لا يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلا الْعَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا الْبَرَانِسَ، وَلا الْخِفَافَ …» لاحظ أخي القاريء، كيف صحَّح النبي -صلى الله عليه وسلم- سؤال السائل الذي سأل، فقال: مَاذَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ ولما كان الجائز كثيرا، والمحرم قليلا، وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم سؤال السائل، فأجابه لا يلبس… ولم يقل له: يلبس كذا كذا، وهذا من مهمة المفتي أن يصحح أسئلة السائل، ليسأل عن: ماذا يحرم لا ماذا يحل؟ وهذه هي السنة المتبعة في الفتوى، هي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كما مر في الحديث.
سابعا: الأصل بين الرجل والمرأة الأجنبية التحريم والسؤال الصحيح ما الدليل على الإباحة؟
إذا عرفت ما سبق حسب منهج الأصول والفتوى صاحب الاختصاص في المسألة، فإذا كان الأصل هو التحريم، فهو دليل بنفسه، ولا يطلب الدليل على الأصل لأنه التحريم، فلا يصح أن تقول ما هو الدليل على التحريم؛ لأن الأصل في المرأة الأجنبية التحريم، فيحرم على الرجل مسُّها مطلقا إلا ما كان ضرورة للطب ونحو ذلك، ومن كان على الأصل، وهو تحريم المرأة الأجنبية لا يحتاج دليلا، بل الدليل على من يقول بإباحة المصافحة، ولا يعنينا كون الأحاديث الواردة في الأمر واهية وضعيفة، ولا نحتاج دليلا نصيا على تحريم مس وجهها مثلا، لأن الدليل أصل عام وهو التحريم.
ثامنا: ماذا لوصححنا سؤال: أين الدليل على تحريم مصافحة الرجل المرأة الأجنبية؟
1-لن تجد دليلا على تحريم مس وجه المرأة الأجنبية:
لو صح السؤال، لن تجد دليلا نصيا صحيحا صريحا، وستطالب بما هو زيادة على المصافحة؟ كحكم مس وجهها مثلا أو رأسها أو قدمها وغير ذلك! وعلى فرض وجدت الضعيف أو المختلف في تصحيحه في المصافحة، فلن تجد دليلا على تحريم مس الوجه وغير ذلك! وسيكون طلب نص صحيح صريح في أمر مس الأجنبية هو باب ظاهره التقوى وباطنه من قِـبَلِه التحلل والفجور.
 2-سبب الفوضى هو ضرب الصناعة الحديثية بالأصولية:
وكل ذلك بسبب الدخول إلى الفتوى من باب الصناعة الحديثية، وهِجران جهة الاختصاص وهي صناعة الفتوى والأصول، وضرب الصناعات الثقيلة في الدين كصناعة الحديث والفقه، وبدلا من التكامل الطبيعي بين الصناعتين، أصبح التناقض والتفكيك لهذه الصناعات الثقيلة ديدنا لبعض المتدينين بذريعة الدليل، وهذا يؤدي بالضرورة إلى تفكيك الدولة والمجتمع لصالح الفكر الهدمي من ثنائي النكد التحلل والغلو.
تاسعا: لماذا يستدل الفقهاء بالأحاديث الضعيفة:
1-مدارس فقه السلف الأربع متفقة على تحريم مصافحة الأجنبية:
اتفقت مدارس فقه السلف الأربع على تحريم مصافحة الأجنبية بصفة عامة، وعندما يناقشون تحريم المصافحة، يسردون الأحاديث الضعيفة بل والواهية أحيانا، ولكنهم لا يستدلون بها استقلالا، بل يذكرونها لأنها مندرجة تحت أصول عامة وأقيسة ثابتة، على نحو ما مر سابقا في المصافحة، فدليلهم هو الأصل الكلي في تحريم المرأة على الرجل الأجنبي، ويستأنسون بذكر ما ورد من الضعيف تبعا.
 2-الفتوى على أصول الفقه لا على أصول الحديث:
ثم خَلَـفَت خُلُوف من طلاب لا يدرون أصول الفقهاء والمجتهدين، ولا أقيستهم، فتوهموا أن الفقهاء بنوا فقههم على أحاديث ضعيفة، دون أن يفقهوا منهج الأصولين والفقهاء في الفتوى والنظر، وراحوا يخبطون خبط عشواء بين المدرستين الحديثية والأصولية، بحجة نبذ التقليد وجرأة منهم على أدلة الشريعة، فكان هذا مدخلا للتحلل من الدين بذريعة عدم وجود نص صحيح.
3-خصخصة الفتوى والتدين بذريعة(كلُّ له دليل):
وشاعت وجهات النظر والآراء الشخصية في الدين وقُدِّمَت للناس على أنها فتوى شرعية لعدم وجود النص، وأصبح الدليل في وهم بعض الطلاب ضربا من الرأي والرأي الآخر لغيبة المنهج الأصولي في الاستدلال، وتحول الدين إلى الرأي والرأي الآخر بذريعة أن لكل دليله، وشاعت الحالة الفردية في التدين وفَـقَد المجتمع قِبلته العامة الجامعة، بسبب انفلات العامة على الأدلة، واستفتِ قلبك يفتيك.
عاشرا:الخلاصة:
1-الصناعة الحديثية تتكامل مع الصناعة الأصولية، ومحاولات ضربهما ببعضهما سيؤدي إلى تفكيك العلوم الشرعية.
2-النظر في الأدلة يكون وفق المنهج الأصولي في الاستنباط، وبغيره نكون أمام سلطة خفية على النص الشرعي، وأصبح النص الشرعي محكوما بآراء الأفراد بحجة الدليل.
3-يترتب على ذلك ظهور نزعات فردية في التدين، وخصخصة الفتوى والتدين، فكل له دليله “واستفت قلبك يفتيك”، وفقدت الأمة مدارس الفقه العلمية الجامعة.
4-يترتب على ذلك القضاء على الدين بوصفه جامعا للأمة، وتصبح الأمة على شكل أفراد متناثرين على الخارطة في مجتمعات متفككة، سهلة التناول والهضم للفكر اللاديني الذي يستطيع أن يستوعب الحالة الفردية للتدين، ضمن نموذجه الثقافي.  
5-الفتاوى الشاذة أشد ضررا على المجتمع من سلاح العدو، خلافا لمقولات طائفة اللادينيين، الذين لا يتجاوزون حِمل بعير أعرج، لأن الفتاوي الشاذة، ستخرج ثنائي الشر الغلو والتحلل، وهذان كفيلان بهدم الأمة من داخلها، وعلى العدو أن يستريح، لأن الفتاوى الشاذة في التكفير والتحلل، ستقوم بما لا تستطيعه أسلحة العدو، والواقع يشهد بذلك.
6-تمثل مدارس فقه السلف الأربع الإطار الجامع، القادر على إعادة الجماعة إلى الأمة بدلا من الفرقة والتنازع في الدين، وبديلا صحيحا لخصخصة الفتوى والتدين باسم الدليل، وختاما أقول أعيدوها على قواعد إبراهيم.

الرد على شبهات حول عدم فرضية الحجاب للمرأة ؟!

يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ:
1-فرضية مفتي السهرة أن الحجاب من العادات:
افترض مفتي حجاب السهرة أن الحجاب من العادات، كغطاء رأس الرجل، وحكمه حكم العادات المتغيرة، كتصميم الملابس الحديثة للرجل والمرأة، بينما أخطأ بعض الغيورين، فقال: إن الحجاب من العبادات، مما يعني أنه لا يصح لُبسُه إلا بنية، وغير معقول المعنى، وأصله التوقيف،  ومعنى أصله التوقيف أي موقوف على بيان الشارع ولا يزاد عليه ولا ينقص كالصلاة، ويترتب على أنه تعبدي أنه غير معقول المعنى، أي لا تدرك العقول علته كعدد ركعات الصلاة، فالعقل لا يدرك ذلك وهو مسلم للشارع، بينما تدرك العقول الحكمة من الحجاب.
2-ماذا لو اعتبرنا الحجاب عبادة:
ولو اعتبرنا الحجاب عبادة، لبطل لُبسه بلا نية التقرب التي هي ركن العبادات كلها، ولناقضنا أنفسنا بأنه غير معقول المعنى، بل هو معقول المعنى في الوقاية من الشرور الكثيرة، ولقلنا أيضا بالاقتصار على صورة الحجاب في القرن الأول، وحولنا التاريخ دينا أثناء ردِّنا على من اعتبر الدين تاريخا، ووقعنا في تناقضات هي نفس تناقضات منكري فرضية الحجاب، بمعنى أن الخلل في ردِّنا عليهم، لا يقل عن الخلل في دعواهم الباطلة، وهذا يفسر حالة بقاء الشبهة وفشوها بالرغم من تلك الردود الهزيلة.
3-الحجاب حكم شرعي من النوع العادي:
فكما أن العبادات ركنها النية، ولا تصح إلا بينة التقرب، فإن المعاملات تصح دون نية  التقرب، وتكفي الإرادة نحو عقد العقد دون نية التقرب إلى الله تعالى، فنجد أن المعاملات ركنها الإيجاب والقبول وليس النية، والتروك تصح دون نية التقرب، فمن ترك جريمة شرب الخمر والزنا خشية  على صحته، لا يعاقب يوم الدين على الزنا وشرب الخمر، لأن الترك صحيح بلا نية، ولكنه لا أجر له لعدم قصد التقرب، فمدار صحة العبادة على وجود نية، والعادة تصح دون نية، ولا أجر في العادات إلا مع النية، وهي معادلة مهمة في فهم الشريعة.
4-العادي الشرعي غير العادي في أعراف الناس:
وحجاب المرأة واجب من العادي الشرعي، فهو يصح بلا نية، ويفهم العقل الحكمة من وجوبه، وهو متوقف على الشرع الثابت بالخطاب وهو الآية  الكريمة، لا على العادات والأعراف المتغيرة، فمن حيث إنه يجب أن يستر العورة ومنها الرأس،  ولا يصف العورة،  ولا يشف عنها، ويغطي جميع الجسد، وليس فيه الشهرة والخيلاء والتشبه بالرجل، فهذا شرعي ممتد في الزمان والمكان، وليس تاريخا، وليس كغطاء رأس الرجل الذي هو من العرف المطلق والعادة المتغيرة.
 ويكون غطاء الرأس للمرأة من العادي الشرعي الثابت، وأما غطاء رأس الرجل من العادي العرفي المطلق المتغير، ويتضح الشرع هنا، في التمييز بين ما هو عرف مطلق متغير، وبين العادي الشرعي المقيد بالخطاب كتحريم الربا، والقمار، وتطبيق الحدود الشرعية، الممتدة في الزمان والمكان، ولا ينسخها شرع من بعدنا بدعوى التجديد! وهذه أٍيضا حدود فاصلة بين المتغير بالزمان والمكان والمجمَع على بقائه عبر الزمان والمكان.
5-الباطنية الجدد واستغلال الفراغات العلمية:
إن استغلال الفراغ في المرجعية الفقهية والأصولية أدى إلى اقتحام الباطنية الجدد من على دين الإسلام، وساعدهم في ذلك شيوع أنماط تفكير ديني يغلب عليها طابَع العاطفة والشعور والذوق، والحالة الفكرية والثقافية باديَ الرأي  حيث استخدام القواعد الأصولية الفقهية قطع غيار لدعم الفكر اللاديني المتهافت، وليبث الروح من جديد في جسد الباطنية القديمة التي عفا عليها الزمن.
ثالثا: ذلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ:
1-توضيح المنطوق والمفهوم بمثال:  
أوضح معنى المنطوق بمثال: فلو قلت: معي دينار، فالمنطوق يقول معي دينار، والمفهوم يقول ليس معي زيادة على دينار، وإذا نجح خالد أكرمه، فالمنطوق هو استحقاق خالد للجائزة بشرط نجاحه، والمفهوم هو عدم استحقاق الجائزة إذا رسب، وإذا قلت إذا رسب خالد لا تعطه جائزة، فالمنطوق عدم استحقاق خالد الجائزة إذا رسب، والمفهوم أعطه جائزة إذا نجح، ودلالة المفهوم ضعيفة لأنها ليست في قوة المنطوق الذي سيق اللفظ لبيانه، بخلاف المفهوم.
2- دلالة المنطوق والمفهوم في الآية:
تبين الآية الكريمة في منطوقها (ذلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) الوصف الذي بني عليه حكم إيجاب الحجاب، وهو للتمييز بين الأمة التي جاز لها أن تكشف رأسها، وبين الحرة التي يحرم عليها أن يتكشف رأسها، وهذا هو منطوق الآية،  أما مفهومها فهو إن لم يكن أذى لهن فلا تؤمر الحرة بالحجاب،   وهو محتمِل سأبين لاحقا سبب ضعف مفهوم المخالفة هنا، وأنه خرج مخرج الواقع، وليس قيدا في الحكم، وأن أمتنا اتبعت المحكم وهو المنطوق المتفق على اعتباره.
 أما أتباع شرع مَن بعدنا فاتبعوا مفهوم المخالفة المتشابه  المحتمِل، وهو أن مفهوم المخالفة يقضي أنه إذا لم تبق إماء، فلا داعي لغطاء رأس الحرة، لعدم بقاء الحاجة لتمييز الحرة من الأمة، وهنا  تظهر قيمة المتشابه في الشرع، باستدراج أصحاب القلوب المريضة، وكشفهم للمسلمين، وهي ميزة في كتاب الله تعالى تفضح المنافقين إلى يوم الدين.
2-الباطنية مع دلالة المفهوم غير المعتبر:
فدلالة المنطوق تقول بوجوب الحجاب على المرأة للتمييز بين الحرة والأمة، وهو يخالف  دلالة المفهوم بأنه إذا لم تبق أمة زال وجوب غطاء الرأس، وهنا لا بد من البحث في دلالة المفهوم وهي عدم الوجوب لغطاء الرأس لعدم الإماء، فحكم المفهوم هو نقيض حكم المنطوق.
رابعا: ما خرج لبيان الواقع لا يعتبر قيدا في الحكم فيبقى الحجاب فرضا ولو لم تبق إماء:
1-الحكم المتعلق بوصف في الواقع:
إن قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) جاء لبيان الواقع الذي كان عليه الحال في وقت التنزيل، وللتنبيه على حالة خاصة من حالات فرض الحجاب، ، ولم ينفِ الحالات الأخرى، كما سيأتي في الأمثلة الكثيرة الآتية.
2-خطورة الغلو في ظاهر النص:
 إن تطبيق الطريقة اللوثرية في النظر في نصوص الشريعة أدى، ودعوى ظواهر الكتاب والسنة دون منهجية أصولية يكاد يكون ظاهرة فاشية سواء في الوسط الديني أم فيما يسمى بالقراءات الحداثية للنص الشرعي، فمفهوم المخالفة له تأثير في كليهما، ويعدون مفهوم المخالفة ظاهرا متبادرا، ويهدمون به المنطوق، مع أن من موانع العمل بدلالة المفهوم، إذا جاء المنطوق معبرا عن الواقع، ومن المهم الاطلاع على الـمُثُل الآتية.
3-الأمثلة من الكتاب العزيز على ما خرج مخرج الواقع وأن مفهوم المخالفة باطل:
أ-(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) (130) الأحزاب.
فمنطوق الآية يحرم الربا أضعافا مضاعفة، وهو ما كان عليه واقع العرب في الجاهلية، ولكن من المعلوم بالضرورة عدم اعتبار مفهوم المخالفة وهو جواز الربا إذا لم يكن أضعافا مضاعفة، وقد سقط في هذا المفهوم مَن سقط من أسرى مفهوم المخالفة، ويدل على إبطال مفهوم المخالفة هنا، قوله تعالى: (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) وهذا شاهد من الشرع على إبطال مفهوم المخالفة في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً)، ويحرم الشرع الربا سواء كان أضعافا مضاعفة أم لا، ولو كان الربا يسيرا فهو حرام أيضا، ولكن نبه الشارع على حالة خطرة أكثر من غيرها وهو مضاعفة الربا.
ب-(وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)   (101) سورة  النساء.
منطوق الآية أن قصر الصلاة مشروط بالخوف من فتنة الذين كفروا، وهو واقع حياة الصحاب رضي الله عنهم في علاقتهم مع من يحيط بهم من الأعداء، ومعلوم بالإجماع عدم صحة مفهوم المخالفة وهو عدم صحة قصر الصلاة في الأمن، مع أنه يجوز لنا أن نقصر الصلاة ولو كنا آمنين ما دامت شروط القصر موجودة.
ج-(وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) (283) البقرة.
منطوق الآية أننا إذا كنا في سفر ولم نجد كاتبا فيجوز الرهن، ولكن السفر أو عدم وجود الكاتب ليسا شروطا في صحة الرهن، لأن واقع السفر يدل على غلبة عدم وجود الكاتب، فخرج السفر وعدم وجود الكاتب مخرج الواقع، ومعلوم باتفاق عدم صحة مفهوم المخالفة وهو أن الرهن ممنوع في الحضر مع وجود الكاتب، وهو باطل باتفاق.
د- (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) (3) النساء
في الآية بيان لواقع وهو أنه من كانت عنده يتيمة يتولاها وأراد الزواج، فليتزوج من غيرها إن شاء، وأن هذا وصف وجود اليتيمة جاء للتنبيه على حالة في الواقع، وليست لبيان وصف مقيِّد للحكم،  وباتفاق عدم صحة مفهوم المخالفة  وهو اشتراط وجود يتيمة يخاف ظلمها لجواز الزواج الثاني.
هـ-(وربائبكم اللاتي في حجوركم) (23) النساء:
منطوق الآية أنه تحرم الربيبة في على زوج أمها وتربت في حجر زوج أمها، وهي حالة واقعية غالبا، وخرجت الربيبة مخرج الواقع الغالب،  أما مفهوم الآية فإنه يجوز زواجه من ابنة زوجته إن كانت غير ربيبة، وهو مفهوم باطل اتفاقا.
و-وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ (117) المؤمنون:
منطوق الآية يحرم اتخاذ إله آخر مع الله لا برهان عليه، وقد خرج مخرج الواقع وهو تنبيه على تحريم الإله الآخر مع الله، كما هو واقع المشركين، ولكن لا مفهوم لإله آخر، بأنه يجوز اتخاذ أكثر من إله آخر، ومن الملاحظ أنه يمتنع القول بجواز اتخاذ إلها آخر له برهان عليه، ولكن الواقع أنه لا برهان على تلك الدعوى، ولو تعددت الآلهة الكثيرة، وهذا يؤكد بطلان مفهوم المخالفة.
ز-وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد(51) النحل
المنطوق تحريم اتخاذ إلهين، فهل يجوز المفهوم وهو يجوز اتخاذ ثلاثة آلهة، أم أنه نهي عن تعدد الإله وهو خارج مخرج الواقع لا مفهوم له، فهل سيجيز الواقعون تحت تأثير المفهوم ثلاثة آلهة بناء على المفهوم؟ أم أننا أمام اضطراب في دلالات الألفاظ .
4-إن لم يكن الواقع قيدا في الحكم فما فائدة ذكره؟!
أ-لا حَشْو في كتاب الله:
من المسلَّم أنه لا حَشْو في كتاب الله تعالى، ومعنى الحشو هو وجود زيادة بلا معنى،قال في المراقي:
  تواتر السبع عليه أجمعوا…ولم يكن في الوحي حَشْو يقع
 مما يعني أن هناك معنى إضافيا من ذكر تلك الأوصاف، التي قلنا إنها ليست قيدا ولا مفهوم لها، وهو أن الشارع يريد أن ينبه على حالات بخصوصها لما تحتاجها من عناية خاصة، فهو من باب التنبيه على أحد الأفراد التي يتناولها الحكم، مثل قوله تعالى: (ولا تقل لهما أف) فهو ذاكر للأدنى ويريد النهي عن كل ما فوقه، وهو ما يعرف بدلالة التنبيه.
ب-العناية بواقع الجيل الأول من المؤمنين:
            كما أن الجيل الأول من الصحابة هم جيل الاتِّباع فهم بحاجة إلى التنبيه على خصوص تلك الحالات التي يعيشونها، أما من بعدهم فإنهم ينتفعون بالأسوة الذين عاشوا فترة النهي للصحابة وأنهم استجابوا للأوامر بالرغم من معيقات الواقع أمامهم، فيضفي ذلك مزيدا من الاقتداء في قلوب التابعين، لما رأوه من امتثال الجيل الأول وهم الصحابة، ولا أريد الإطالة هنا بذكر الأمثلة السابقة وما يفيده كل مثال من بيان امتثال الجيل الأول من المؤمنين الذين يستحقون بجدار لقب القدوة والأسوة لمن بعدهم، بذكر الوقائع التي كانوا يعيشونها.
خامسا: ثبوت أدلة الأصول بالشرع وبالاستقراء أيضا:
1-كيف تثبت القواعد الأصولية:
أ-بالاستقراء:
وددت أن أستثمر أصوليا في هذه المسألة، وهي أن النصوص التي سردتها جميعا جاءت لبيان الواقع، ولبيان أن الاستقراء وهو أقوى المناهج،و هو من أصول تلك القواعد الأصولية التي تبين أن ما خرج مخرج الواقع لا مفهوم له,.
ب-شاهد من الشرع:
 بل ويشهد لذلك شاهد من الشرع، وهو أن الشرع نفسه هو الذي أسقط المفهوم كما جاء في الحديث الحسن الصحيح في سنن الترمذي  عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب: إنما قال الله: {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم} وقد أمن الناس، فقال عمر: عجبت مما عجبت منه. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.
2-القواعد الأصولية ليست من وضع الأصوليين:
 ولا تنس الشاهد السابق الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر بمراجعة زوجته، وهو مستند الإجماع أن أمر الثاني أن يأمر ثالثا هو أمر للثالث إن كان الأمر على جهة البلاغ، وهنا تضع يدك على شواهد علم الأصول من المنقول والمعقول، وأنها ليست من وضع الشافعي رضي الله عنه، بل هي وضع الشارع وصدقه العقل.
فالعقل والنقل هم الشهود العدول على قواعد الأصول،  في إسقاط المفهوم لما جاء مبينا للواقع الذي بينته سابقا في أمثلة القرآن الكريم، وذكرت من الأمثلة ما يكفي لبيان وجه الاستقراء في أدلة الشريعة في كيفية التعامل مع المفاهيم، وذكرت من أمثلة القضاء في العالم بما لا يختلف فيه اثنان ولا تتناطح عَنْزان.
3-خرافات التجديد بالهدم والمستهلك الرديء للثقافة:
 ولكننا أمام قوم بلا منقول ولا معقول ولا مسؤول، حالة من الـخَرف الثقافي والتسكع المعرفي باسم الحداثة، تعيش هوس الجديد ولو كان بالبول في ماء زمزم، وتجد هذه الخرافة طريقها إلى المستهلك الرديء للثقافة، بعد حَقْنه بجرعة عواطف زائدة: استعمل عقلك، لا تسلم عقلك للفقهاء، الجمود الفقهي، والكتب الصفراء، نبذ التقليد، روح العصر، نحن نريد أن نعيش عصرنا، إلى غير ذلك من أنواع الحشيش الإعلامي المغشوش المقدم في برامج فتاوى السهرة.
4-أصول الفقه يتجدد بالبناء لا بالهدم:
يقوم التطور في الفكر الغربي على التطوير بالحذف، بمعنى يهدم ثم يطور، لأنه قام تاريخيا على دين باطل، وسلطان رجال الدين، فكان الهدم ضروريا للتطور، وأين هذا من علم أصول الفقه الذي يتجدد بالبناء والتراكم على السابق، حيث بدأه الشافعي رحمه الله، ثم أئمة أهل السنة العظام قاموا على التجديد بالبناء والتراكم على الحق البين، حيث  طالت هذا العلم يد التجديد بالبناء على السابق، ولا ننس جهود أئمة السنة في ذلك: كالباقلاني، والجويني، والغزالي، والتاج السبكي، وغيرهم.
5- قال الشاطبي(من خرج من حد الشارع لم يعد له حد ينتهي إليه):
أ-ما الدليل على وجوب عطاء الذراعين والساقين:
بينت في مقالة سابقة حكم المصافحة بين الرجل والمرأة، بأنه على فرض جواز المصافحة ولا دليل على تحريمها  أنه لا يحرم مس بقية أجزاء الوجه مثلا، وهنا نقول بناء على ما يقرره الشاطبي سابقا ما الحد الذي ينتهي إليه عدم وجوب الحجاب، فإن جاز  للمرأة كشف رأسها، لعدم وجود دليل شرعي موجب لغطاء الرأس، فما الدليل الموجب لغطاء الذراعين أو الساقين أو الخ…!
ب-المال الحرام في خدمة الفكر الحرام:
لنعلم أننا لسنا أمام مسألة غطاء الرأس، بل أكثر من ذلك،  وهو تذويب الأمة الإسلامية في مستنقعات العولمة ليس إلا، وأن كتائب التجسس الثقافي هي طلائع العولمة، وهي تمارس العمالة الثقافية، التي تجمع بين الفكر الحرام والمال الحرام.
سادسا: الوسط الديني يعاني من اضطرابات مفهوم المخالفة:
1-اضطرابات مفهوم المخالفة من الداخل أيضا:
إن الاضطراب في مفهوم المخالفة ليس مقتصرا على المقتحمين من خارج الأسوار فقط، بل تجد أمثلة كثيرة مشابهة في الوسط الديني وقعت في شَرَك المتشابه، وهو مفهوم المخالفة، فقد تم إسقاط فرائض قضاء الصلوات على من تركها عمدا، بمفهوم المخالفة، وكذلك تم إسقاط صدقة الفطر بعد صلاة العيد بمفهوم المخالفة أيضا.
 بمعنى أن إسقاط الفرائض من داخل الوسط الديني نفسه بمفهوم المخالفة، وهو نفس منطق الفهم من خارج الوسط الديني الذي أسقط فرضية الحجاب، وهذا يفسر قصور الوسط الديني عن متطلبات المرحلة التي نعيشها، بسبب تشابه الطريقة في المتشابه! ولكن حدثت ضجة حول إسقاط الحجاب أما إسقاط قضاء الصلاة فقد تم بهدوء، لأنه جاء من داخل الوسط الديني بالرغم مما نقلته من اتفاق المدارس الفقهية السنية على وجوب قضاء المسلم المتعمد لتركها، وكذلك صدقة الفطر.
ناهيك عن هدم الشهادتين بترك الصلاة تكاسلا، وتم تكفير جماهير من المسلمين، وكان القصف الخارجي هو الحكم بإيمان من أشرك بالله وجعل له ولدا وزوجة بظواهر الكتاب العزيز، مما يعني أن التفجير الداخلي والقصف العشوائي من الخارج، جاء نتيجة للغلو في الظاهر، الذي أدى إلى نشأة الفرق والطوائف في صدر الإسلام .
2-الغزو من الخارج والهدم من الداخل:
إن ما فعله مسقطو فريضة الحجاب كان مجرد محاكاة لما يفعله بعض المفتين في الوسط الفقهي السني، لذلك تشعر المجتمعات بشلل فكري تجاه الشبه الغازية من الخارج، والسبب بسيط أن طريقة الغزو الخارجي في الهدم لا تختلف كثيرا عن طريقة الوسط الديني نفسه في الفتوى حيث اختلفت النتيجة واتحدت الطريقة.
 وتشتركان جميعا في دعوى التجديد والتشكيك في المدرسة الفقهية السنية في المذاهب الأربعة، بشقيها الفَرعي والأصولي، واستعمال الحقن العاطفية، بتهييج الدهماء على العلماء، بدعوى الإبداع وذم التقليد، وإخضاع الشريعة للرأي والرأي الآخر على طريقة العولمة.
3-السؤال الأصولي وتصحيح المسيرة:
من أسقط قضاء فرائض الصلاة، وصدقة الفطر بعد العيد، ادعى كعادته، لا دليل على على وجوب قضاء الصلاة ولا صدقة الفطر، ولكن السؤال الصحيح، بعد ثبوت وجوب الصلاة وصدقة الفطر أن يكون السؤال: أين الدليل المسقط للوجوب، وليس أين الدليل الموجب للقضاء، لأن القضاء واجب بمجرد انشغال الذمة بالواجب، ولا يسقطها إلا دليل من الشرع، وليس عدمَ الدليل في زعم من أسقط فريضة قضاء الصلاة وصدقة الفطر.
4-تصحيح الأسئلة، أين الدليل المسقط لفريضة الحجاب:
 وقد صححت سابقا سؤالا خطأ، وهو أين الدليل على تحريم مصافحة الأجنبية، وقلت إن تصحيح السؤال وهو واجب المفتي ليصبح السؤال: أين الدليل على جواز مصافحة الأجنبية، لأن الأصل فيها التحريم، وتصحيح السؤال في مسألة الحجاب، إذا ثبتت فرضية الحجاب بإجماع أين الدليل الشرعي المسقط لهذه الفريضة؟.
5-خاتمة لا بد منها مع الإمام القرافي  الفقيه الأصولي المالكي:
قال في أهمية علم الأصول:  (وما علموا أنه لولا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة قليل ولا كثير، فإن كل حكم شرعى لا بُدَّ له من سبب موضوع، ودليل يدل عليه وعلى سببه، فإذا ألغينا أصول الفقه ألغينا الأدلة، فلا يبقى لنا حكم ولا سبب، فإن إثبات الشرع بغير أدلته، وقواعدها بمجرد الهوى خلاف الإجماع، ولعلهم لا يعبئون بالإجماع، فإنه من جملة أصول الفقه، أو ما علموا أنه أول مراتب المجتهدين، فلو عدمه مجتهد لم يكن مجتهدا قطعا، غاية ما في الباب أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لم يكونوا يتخاطبون بهذه الاصطلاحات، أما المعاني فكانت عندهم قطعا)، انظر: نفائس الأصول في شرح المحصول.
هذا ما حضر وما غاب أكثر
والطريق إلى السنة إجباري
ملاحظة: بالرغم من الإجماع حاسم في المسألة هذه، لكنني لم أتطرق له في هذه المقالة، رغبة في أن تكون هذه المقالة مؤسِّسة لمقالة قادمة تبين كيف يتشكل الإجماع؟ وكيف يثبت؟ وكيف يعترض عليه؟.

مقولة: هل عَلِمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟


تمهيد:
      كثيرا ما يستدل بعض الإخوة بهذه المقولة ويظن أنها من أدلة الشريعة،  وهذا السؤال مبني على فرضية أن المسؤول قد أحاط بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه فرضية باطلة وما بني على باطل فهو باطل.
       فهناك أمور خفيت علينا وعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَاللهِ. لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً»، ولكنها لا تتعلق بأمر تشريعي للأمة، ولا ينبني عليه تكليف شرعي
أولا: إجابات مفترضة على السؤال الخطأ:
1-هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم علم مصطلح الحديث ،
فرضية نعم : أين البينة، لا توجد بينة إذن هو حرام.
فرضية لا: لم يعلمه، إذن لن يكون علماء المصطلح أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه،  ولوكان خيرا لبينه لنا  رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: المستجدات هل يعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
     لقد جددت هذه الأمة علوما وأسست علوما أخرى، فلم يسأل أحد هذا النمط من الأسئلة في علم النحو والأصول والحديث، هل علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا، لأن الشريعة لا تعلم بهذه الأسئلة، بل لها أصولها في الاستدلال ليس هذا السؤال منها في شيء ، لذلك لا يجوز إبطال عمومات نصوص الشريعة وأصولها العامة كالمصالح سد الذرائع والأقيسة بمثل هذا اللون من الأسئلة، التي يراد لها أن تحل مكان أصول الشريعة ونصوصها العامة.
رابعا: السؤال يلغي امتداد الشريعة في الزمان والمكان:
          ومن الملاحظ من خلال المثال أنه على كلا الإجابتين نعم، أو  لا، يترتب هدم علوم شرعية، ثابتة بأصول عامة، كالمصلحة وسد الذريعة، والإطلاق في العاديات والوسائل، ومثل هذه الأسئلة تفرض حالة التاريخ على الشريعة، وتحاصر نصوصها العامة، وأصولها التي تحفظ استمرارها واستجابتها للمتغيرات، وسعتها للمستجدات، وهذه الأسئلة تؤدي بدولها إلى الحجر على الشريعة في التاريخ.
خامسا: السؤال مغالبة كلامية وليس من أدلة الشريعة:
      وبناء على ما سبق فإن هذه السؤال هو مغالبات كلامية ومبارزات لسانية لا تثبت به الشريعة، وليس من مصادرها البتة، بل هو إحالة الأمة في شريعتها على أمر لا يعرف، وهذا يتنافى مع شهد به الشرع من كمال الشريعة في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) 3، سورة المائدة.


هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أمِّيا أم كان يعرف سبعين لغة؟

  

أولا: تمهيد ببيان مضمون القصة:

انتشرت على مواقع التواصل مقولة تزعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن أميا، بل كان يقرأ ويكتب، ليس بالعربية فحسب، بل كان يقرأ ويكتب بسبعين لسانا، وهذا دعا العديد من الناس والقصاص إلى تداول هذا الخبر السار في نظرهم، ليس بعين التحقيق، بل بالعاطفة الدينية التي هي أكبر مدخل لتحريف الأديان في غيبة التديُّن المعرفي، كما فعل شاول طرسوسي في الغلو في المسيح عليه السلام عن طريق محبة المؤمنين للمسيح عليه السلام، وخرج به من رتبة النبوة إلى وهْم البُـنُوة لله تعالى، وكما فعل ابن سبأ حيث أدخل الغلو في علي رضي الله عنه عن طريق حب المسلمين لآل البيت، وأثناء التهييج العاطفي وتغييب الذاكرة تأتي مرحلة الدسّ في العقيدة، ثم مرحلة تثبيت العقيدة المحرَّفة وتنصيبها، وبعد أن يفيق الجمهور من التخدير العاطفي يجِد الجمهور أن العقيدة المحرَّفة هي العقيدة الصحيحة وأمرا واقعا واجب الاتباع.

ثانيا: الخُرافة تجد مكانا لها في التدين العاطفي لا المعرفي:

أ-استخدام المتشابه وعاطفة القرآن دون وعي:

نفس القصة التي تداولها المصابون بحمّى الإبداع والجديد المدهش، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قارئا وكاتبا ليس بالعربية فقط، بل بألسنة كثيرة، وزعمت القصة المدسوسة أثناء التهييج العاطفي لمحبي المدهش والغريب، أن كلمة “أمّيّ” وصفا للرسول صلى الله عليه وسلم هي نسبة لأم القرى مكة، واحتجت بقوله تعالى (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) 92، الأنعام ، وليس نسبة للأمية، وهي الرجل الذي لا يقرأ ولا يكتب، ويتم تداول هذه القصة على نطاق واسع استدلالا بالمتشابه (المحتمل) من القرآن الكريم، لنسبة أمي إلى الأم، أَمْ إلى أمِّ القرى.

ب-أهمية النحو في كشف صناعة الغموض وتتبع المتشابه:  

 مع أن العرب لا تنسب إلى أحد أفراد المركب “أم القرى” بأمي لأنه يؤدي إلى لَبس في النسبة للأم بأمي، فمثلا تنسب لأبي بكر “بكري” لا أبوي، حتى لا يلتبس ذلك بالنسبة للأب إذا قلت أبوي، ومن الممكن أن ينحت العرب نسبة من المركب مثل “بيت لحم”، فينسبون إلى بيت لحم “تلحَمِي”، لأن النسبة للجزء الأول بيت هي بيتي، أو للجزء الثاني لحم لحمي سيؤدي إلى لبس بالنسبة للبيت أو اللحم وهو ليس مقصودا للمتكلم أن ينسب إلى بيت بمفردها، أو لحم بمفردها، فهو يريد أن ينسب إلى بيت لحم كلمة واحدة لا كلمتين، ومثال ذلك نسبوا إلى عبد شمس “عَبْشَمِيّ”، وإلى دار العلوم “درْعَمِي”، وعبد الدار “عَبْدَرِي”، مما يعني أن نسبة أمي إلى أم القرى تخرج عن قواعد العربية في اشتراط أمن اللَّبس في النسبة، ولعل إثارة اللَّبس في هذه النسبة مقصودة، لفرض الغموض على الكتاب العزيز، والذي يكشف الَّلبس هو قواعد النحو الضرورية في تفسير كتاب الله تعالى.

ثالثا: هِجْران المُحْكم وتتبع المتشابه وعشوائية التدين:

وقد روَّج القصاص ومحبو الدهشة والرغبة في الغريب لتلك القُصاصة المُرِيبة، التي تريد إثبات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عالما بلغات أجنبية قراءة وكتابة، وبعد استقرار الخرافة وتتبع المتشابه،يُـزْعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ ما أنزل إليه من الكتب الدينية قبله، لأنه كانا عالما بلغاتها، وحينها تصبح الدعاية العاطفية دليلا على إسقاط العقيدة وتحريفها، وبعد ذلك يشعر متتبعو المتشابه أنهم كان يصنعون الخرافة والتحريف بأيديهم وأن صفحاتهم على مواقع التواصل لم تكن إلا مكاء وتصدية وإضلالا للخلق، بينما  ولو أنهم اتبعوا المحكم في قوله تعالى:  (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) سورة العنكبوت، لفَهِموا وعلموا حجم الكيد الخبيث، الذي روَّجُوا له بأيديهم، وما فعلوه من تضليل بحق الأجيال القادمة، نتيجة تتبع المتشابه وهِجران المُحكم.

رابعا: الأُمّية صفة كمال في النبي -صلى الله عليه وسلم وفي غيره نقص:

يتوهم بعض الناس أن أمية النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعنى أنه لا يقرأ ولا يكتب، أنها صفة نقص فيه، ولكن الحقيقة أن أمية النبي -صلى الله عليه وسلم- هي صفة كمال فيه خاصة، ذلك لأن أمّيته دليل على صدقه فيما نزل عليه من القرآن، كما بينته الآية الكريمة، (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) سورة العنكبوت، وهو أن الأمية دليل على قطعية نسبة القرآن لله تعالى، لأن الذي نزل عليه الكتاب لا يقرأ ولا يكتب، وكذلك يقال في الشعر.

خامسا: الشعر صفة نقص في النبي صلى الله عليه وسلم وصفة كمال في غيره

فالشِّعر والقراءة صفات كمال في غير النبي -صلى الله عليه وسلم، وليست كمالا في النبي -صلى الله عليه وسلم، لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- أُوتِي القرآن، وهو خير من الشعر قطعا، لذلك قال الله تعالى: (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41)، الحاقة، فالشِّعْر صفة كمال في غير النبي -صلى الله عليه وسلم، وفي النبي -صلى الله عليه وسلم- صفة نقص، لأن الشعر يهْوِي بالنبوة من المقام الرفيع وهو الوحي كلام الله، إلى مقام الشعر الذي هو كلام الناس، وهو دون الوحي بكثير، والخلاصة: وصفات القراءة والكتابة والشعر صفات نقص في النبي -صلى الله عليه وسلم، وصفات كمال في غيره من أُمّته.

سادسا: نفي الأمية هي مقالة شاذة  تتبع المتشابه وتهجر المُحْكم:

كلما رأيت مقالة شاذة وبحثت فيها، سواء كانت في جانبي الغلو أو التحلل، وجدتها تتبع المتشابه غلوا أو تحللا، وتهجر المحكم، على النحو الذي مر في نفي أمية النبي صلى الله عليه وسلم، بنسبته إلى أم القرى، بقوله تعالى: (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) 92، الأنعام، مما أدى إلى حالة من المشاجرات الثقافية باسم التديُّن، بسبب تتبع المتشابه وهجر المحكم في قوله تعالى: (وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) تم تحويل الدين من عقيدة وشريعة جامعة، ونعمة الدين الجامع وصانع التجانس، إلى نقمة الفرقة في الدين، وما سبب ذلك إلا الذين أخذتهم العزة بالمتشابه وعاندوا المُحْكَم، وكل المتصارعين في الدين لهم أدلتهم.

سابعا: وجوب الاقتداء بمنهج السَّلف في جمع الأدلة:

ولكن السؤال أين مَنْ يرد المتشابه للمحكم؟ فوجدت ذلك في مدارس فقه السلف الأربع، وارثة فقه الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فهم خير القرون، من أئمة المعقول والمنقول، قال تعالى:(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) آل عمران، وهذا هو منهج مدارس أهل السنة والجماعة في الدليل، هو جمع الأدلة والعمل بها جميعا، وليس كل من له دليل هو مصيب للحق، فربما يكون عاكفا على المتشابه، ويتوهم أنه على سنة.

الطريق إلى السنة إجباري