قال الله تعالى :{{ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }} [يوسف الآية: 108].
السبت، 9 مارس 2024
سيد قطب ورد الشبهات حول تكفير المجتمع .
أصل الأخطاء والشبهات
نحن بدايـة لا
نقول إنّ الشهيد سيّد قطب ، رحمـه الله تعالى ، هو معصوم كالأنبياء ، فحاله كحال
غيره من خصومه الشيوخ ؛ أصحاب الألقاب الطنّانة الرنّانة ، فهم أيضاً غير معصومين
، على الرغم من الهالات التي أحاطوها بهم ، والألقاب التي أطلقوها عليهم !
ولكنّنا نقول مع
هذا أيضاً : لا يرتقي خصوم الشهيد إلى مستواه ، لا في الفهم ، ولا في الفطنة
والذكاء ، وكلّ انتقاداتهم – جميعها بلا استثناء – خطأ من قِبَلهم ، وعدم فهم
للإسلام بقرآنه وسنّة نبيّه r
! [1]
وعدم معصومية
الشهيد ، ليس معناه أنّه ارتكب ما يرميه به خصومه ، بل إنّ انتقادات أولئك الشيوخ
له – ولاسيما في الأمور العظام – تعتبر فضيحة لأولئك الشيوخ علـى رؤوس الأشهاد ؛
وكأنهم ينادون بأعلى أصواتهم : أنّنا لا نفهم الكلام ، ومن قَبل ذلك ، لم نفهم
الإسلام !
البشرية
ارتدّت وعادت إلى الجاهلية
يستدلّ أحدهم
بقولٍ للشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، على تكفيره للناس .
وهو – طبعاً – لا يدعو لسيّد قطب بالرحمة ، بل
يقول : تجاوز الله عنه !
وكأنّ الشهيد
ارتكب عظيمة ، لا يستحق الرحمة وقال قولاً زوراً منكراً ! !
وقول الشهيد ،
الذي يستدل به ذلك الخصم ، هو :
( البشرية عـادت إلى الجاهلية وارتدت عن لا إله إلا الله
، فأعطت لهؤلاء العباد « الذين شرعوا السياسة والنظام والتقاليد والعادات والأزياء
والأعياد » خصائص الألوهية ، ولم تعد توحّد الله وتخلص له الولاء ،
البشرية بجملتها بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن
في مشارق الأرض ومغاربها لا إله إلا الله بلا مدلول ولا واقع ، وهؤلاء أِثقل إثماً
وأشد عذاباً يوم القيام لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد من بعدما تبين لهم الهدى ،
ومن بعد أن كانوا في دين الله ) .
هنـا استخدم
الشهيد مصطلحين ، ورمى بهما الناس – والأصح رمى بهما المجتمع – وهما : الجاهلية ،
والردّة .
1 – لو رجعت إلى
بيان الفرق بين المجتمع والشعب ، لتبيّن لك ما يقوله سيّد ، رحمه الله : ( السياسة
والنظام والتقاليد والعادات والأزياء والأعياد ) .
فهل تلك الأمور –
بين الناس – مأخوذة من الكتاب والسنّة ؟ !
هل السياسة التي
تسير عليها كافة المجتمعات ، التي يعيش فيها المسلمون ، هي سياسة إسلامية ، يرضاها
الله تعالى ، ويرضاها رسوله r
؟ !
وهل الأنظمة التي
تسير على ضوئها جميع المجتمعات ، التي يعيش فيها المسلمون ، هي أنظمة إسلامية ؛
مسستمدة من الكتاب والسنة ؟ !
أم هل أنّ العادات
والتقاليد ، والأزياء ، والأعياد ؛ التي تُفرض على المسلمين ، هي إسلامية ؛ مأخوذة
من القرآن الكريم ، ومن أحاديث رسول الله r ؟ !
وهل هذه الأمور
تتعلّق بذوات الأفراد ، أم تتعلق بأعمالهم
، وتتعلق بأنظمة وتوجّهات الدولة ؟
2 – هل كلمة : الجاهلية
، والردّة ، تعني – دائماً – الكفر والخروج من ملّة الإسلام ، والخروج
من الدّين ؟
الجاهلية
لنرَ هل كلمة (
الجاهلية ) ومشتقاتها ، تعني التكفير ، ورمي صاحبه بالكفر ، الذي يُخرج من الملّة
، ويخلّده في النار ؟ !
أ – يقول الله
تعالى : ( قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) [2] .
قال الإمام إبن
جرير الطبري ، رحمه الله : [ وقوله : ( فلا تسألن ما ليس لك به علم )
، نهيٌ من الله تعالى ذكرهُ نبيه نوحًا أن يسأله أسباب أفعاله التي قد طوى علمها
عنه وعن غيره من البشر .
يقول له تعالى ذكره : إني يا نوح قد أخبرتك عن سؤالك سبب
إهلاكي ابنك الذي أهلكته ، فلا تسألن بعدها عما قد طويتُ علمه عنك من أسباب أفعالي
، وليس لك به علم
" إني أعظك
أن تكون من الجاهلين " في مسألتك إياي عن ذلك .
* * *
وكان ابن زيد يقول في قوله : ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين
) ، ما : -
18249- حدثني به يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن
زيد في قوله : ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) ، أنْ تبلغ
الجهالة بك أن لا أفي لك بوعد وعدتك ، حتى تسألني ما ليس لك به علم ] [3] .
لقد فعل سيّدنا نوح ، عليه السلام – هنا – وهو من أولي
العزم ، عملاً ؛ هو من عمل الجاهلين – حاشاه – ولم يكن يعلم أنّ عمله هذا من عمل
الجاهلين .
والله سبحانه وتعالى ، قد علّمه ذلك ، ونهاه سبحانه
عنه !
ولا يستغربنّ أحد ذلك ؛ فالأنبياء – عليهم السلام – قد
يحدث منهم شيء ، من هذا القبيل !
فلقد سأل سيّدنا
موسى عليه السلام – وهو من أولي العزم كذلك – ربّه أمراً لا يكون ، ولا يجوز – وهو
لا يعلم – حيث قال ، كما ذكره الله تعالى : (
قَالَ
رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) [4]
. فقال الله تعالى ، له : ( لَنْ تَرَانِي ) [5]
.
فقد نهى الله تعالى – هنا – سيّدنا نوحاً أن يكون من الجاهلين
.
أي : أنّ هذا الأمر ؛ وهو سؤالك نجاة إبنك ، وتظنّ أنّي
وعدتّك بنجاته ، ومجرّد إحتمال ظنّك أنّي أخلفت وعدي .
مجرّد إحتمال وظن ، يطوف بالخيال ، بأنّ الله تعالى يخلف
وعده ، أو ينسى وعوده سبحانه ، مجرد هذا الخيال وهذا الأمر ، هو من أمر وصفات
الجاهلين ، وإنّي أنصحك وأحذّرك أن تكون منهم !
فهل وصف هذا الأمر من الله تعالى ، لسيّدنا نوح عليه
السلام ، بالجاهلية ، يُعتبر تكفيراً له ، وإخراجه من الدّين ؟ !
تَبَرُّجَ
الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى
ب – يقول الله تعالى : ( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ [6]
الْأُولَى ) [7]
.
قال الحافظ إبن كثير ، رحمه الله تعالى ، في تفسيره لهذه
الآية الكريمة :
[ قَالَ مُجَاهِدٌ
: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَخْرُجُ تَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الرِّجَالِ ، فَذَلِكَ
تَبَرُّجُ الْجَاهِلِيَّةِ
وَقَالَ
قَتَادَةُ : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى } يَقُولُ :
إِذَا خَرَجْتُنَّ مِنْ بُيُوتِكُنَّ - وَكَانَتْ لَهُنَّ مِشْيَةٌ وَتَكَسُّرٌ
وتغنُّج - فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ .
وَقَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى }
وَالتَّبَرُّجُ
: أَنَّهَــا تُلْقِـي الْخِمَـارَ عَلَـى رَأْسِهَـا ، وَلَا تَشُـدُّهُ
فَيُوَارِي قَلَائِـدَهَـا وَقُرْطَهَــا وَعُنُقَهَــا ، وَيَبْدُو ذَلِــكَ
كُلُّهُ مِنْهَــا ، وَذَلــِكَ التَّبَرُّجُ ، ثُــمَّ عُمَّتْ نِسَاءُ
الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّبَرُّجِ ] [8]
.
[ أي لا
تتبرجن مثل تبرج النساء في الجاهلية الأولى . والتبرج : التبختر ، وإظهار الزينة
والمحاسن ] [9]
.
وقال الشيخ السعدي ، رحمه الله :
[ أي : لا
تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات ، كعادة أهل الجاهلية الأولى ، الذين لا علم
عندهم ولا دين ، فكل هذا دفع للشر وأسبابه ] [10]
.
ألا تتبرّج كثيرات من النساء المسلمات في عصرنا ؟ ألا
تبدو قلائدهنّ وأقراطهنّ وأعناقهنّ ؟
ألا يتبخّرنَ ، ويُظهرنَ زينتهنَ ومحاسنهنّ ، ويخرجنَ
متجملات ، متطيّبات ؟
أوَلن ترقص بعض النساء – في الملاهي – شبه عارية ، وهن
يزعمن الإيمان بالله تعالى ، والإيمان برسوله r ؟ !
ألا نستطيع أن نقول في هذه الحالة : أنّهنّ يتبرّجنَ
تبرّج الجاهلية الأولى ؟
هل إذا قلنا ذلك ،
يعني : أنّنا كفّرناهنّ ، وأخرجناهنّ من ملة الإسلام ؟
أم أنّنـا نعنـي :
أنّهـنّ لا يلتزمن بشريعة الإسلام ، ولم يجعلن الإسلام منهج حياتهنّ ، بل يتّبعنَ
العادات والتقاليد الجاهلية ، حالهنّ حال السكّير العربيد الذي ذكرناه سابقاً ؟ !
ما الفرق بين هذا
الحكم على المتبرّجات من نساء المسلمين ، وبين الحكم على الدول والمجتمعات التي لا
تهتدي بهدي القرآن والسنة ؟
لماذا الحكم في
الحال الأول ليس بتكفير ، أما في الحال الثاني فهو تكفير ؟ !
ومعنى الكلام –
وهو موجّه بالدرجة الأولى لنساء النبيّ r : إذا خرجتن من البيت استرن زينتكنّ ومحاسنكنّ
، وتقيّدنَ – في ذلك – بشريعة الإسلام ، ولا تتّبعنَ عادات وتقاليد الكفار ؛ التي
كانت لا تراعي الدّين ، بل تأمر بكشف العورات والفسوق والمجون !
إِنَّكَ
امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ
ج – قـال رسول
الله r
لأبـي ذرّ الغفاري t
: ( يَـا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ
[11] )
[12] .
وذلك كما روى
الشيخان – البخاري وسلم – ( عَنِ
المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ،
وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ،
فَقَالَ : إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ
بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ
امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ
تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا
يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا
يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ » ) [13]
.
قال الإمام النووي ، رحمه الله ، في شرحه لهذا الحديث :
[ أَيْ هَذَا
التَّعْيِيرُ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيكَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ
وَيَنْبَغِي
لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ فَفِيهِ النَّهْيُ
عَنِ التَّعْيِيرِ وَتَنْقِيصِ
الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَأَنَّهُ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ ]
[14]
.
وقال الحافظ إبن
حجر العسقلاني ، رحمه الله ، في شرحه لهذا الحديث :
[ أَيْ خَصْلَةٌ
جَاهِلِيَّةٌ مَعَ أَنَّ مَنْزِلَةَ أَبِي ذَرٍّ مِنَ الْإِيمَانِ فِي الذُّرْوَةِ
الْعَالِيَةِ وَإِنَّمَا وَبَّخَهُ بِذَلِكَ عَلَى عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ تَحْذِيرًا
لَهُ عَنْ مُعَاوَدَةِ مِثْلِ ذَلِكَ
لِأَنَّهُ
وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعُذْرِ لَكِنْ وُقُوعُ ذَلِكَ
مِنْ مِثْلِهِ يُسْتَعْظَمُ أَكْثَرَ مِمَّنْ هُوَ دُونَه ] [15] .
وقال ، رحمه الله
، أيضاً :
[ وَالْجَاهِلِيَّةُ
مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا هُنَا الْجَهْلُ
أَيْ إِنَّ فِيكَ جَهْلًا
وَقَوْلُهُ
قُلْتُ عَلَى سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ أَيْ هَلْ فِيَّ جَاهِلِيَّةٍ
أَوْ جَهْلٍ وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ] [16] .
وقال ، رحمه الله
:
[ فَبَيَّنَ لَهُ
كَوْنَ هَذِهِ الْخَصْلَةِ مَذْمُومَةً شَرْعًا ] [17] .
فهل قول النبيّ r
، لأبي ذر t
: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، يعني :
تكفيرٌ له ؟ !
لا شك هذا الكلام
ليس تكفير له .
بل هو نصيحة ،
وتعليم ، وتذكير من النبيّ r
، لصاحبه أبي ذرّ t
، وكأنه r
يقول له :
إنّ تقييم الناس
حسب ألوانهم ، وتفضيل بعضهم على بعض بسبب ذلك ، هو من قِيَم الجاهلية ؛ أهل الضلال
والكفر . وبالتالي هو غير صحيح ، بل هو باطل .
إنّما القِيَم
الحقيقية ؛ التي أوحاها الله تعالى إليّ ، هي : أنّ الناس كلّهم إخوة ؛ من أب
واحدٍ ، وأمٍّ واحدة ( آدم وحواء ) ، لا يتفاضلون فيما بينهم باللون ، ولا باللسان
، ولا بالعشيرة ، ولا بالقوم ، ولا بالوطن ، ولا بما شابه ذلك .
بل هم يتفاضلون
فيما بينهم بالتقوى ؛ فمن اتّقى الله تعالى ، أكثر فهو أفضل ، مهما كان لونه ، أو
لسانه ، أو عشيرته ، أو قومه ، أو وطنه ، . . .
و وجود هذه الصفة
الجاهلية وبقائها ، في الصحابيّ الجليل أبي ذرّ ، لا يجعله كافراً !
جُلّ ما تفعله هذه
الصفة الجاهلية فيه ، هو وجود نقص من بعض القِيَم والمباديء الإسلامية ، التي
ينبغي أن يتّصف بها .
والمقصود : أنّ
الإتّصاف ، ووصف البعض بالجاهلية ، لا يعني : تكفيره وإخراجه من ملّة الإسلام .
بل معناه : أنّ
المتّصف بالجاهلية : يسير في حياته حسب النُظم ، والقِيَم ، والأحكام ، والعادات ،
والتقاليد الجاهلية وأهل الضلال والكفر .
والمفروض في
المسلم أن يكون منهج حياته ، ومبادئه ، وقِيَمه ، وأخلاقه ، وعاداته وتقاليده
مأخذوذة من الكتاب والسنة .
ولمــاذا نرى
البعض ، يرمـون كبـار الأئمة والدعاة بتشبههم بالكفار - وذلك بسبب ما يلبسون من
الملابس - ولا يتّهمهم أحد بأنّ هذا تكفير لهم وإخراجهم من ملّة الإسلام ؟ ! [18] .
خِلاَلٌ مِنْ خِلاَلِ الجَاهِلِيَّةِ
د – ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : « خِلاَلٌ مِنْ خِلاَلِ الجَاهِلِيَّةِ
الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ » وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ ، قَالَ
سُفْيَانُ وَيَقُولُونَ إِنَّهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ ) [19]
.
و ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " شُعْبَتَانِ لَا تَتْرُكُهُمَا أُمَّتِي :
النِّيَاحَةُ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ " ) [20]
.
قال النبيّ r - هنا – أنّ صفتان توجد في أمّته ، لا تتركهما ، وهما : النياحة ،
والطعن في الأنساب .
وقد حكم ترجمان القرآن ،
والحبر البحر ؛ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، بأنهما صفتان للجاهلية !
أي : هاتان الصفتان مأخوذة
من الجاهلية ؛ من أهل الضلال والكفر !
فهل الذي يقوم بهذين
المنكرين من المسلمين هم بهما كفّار ، بسبب نعت ابن عباس لهما بأنهما من خلال
الجاهلية ؟ !
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل
، رحمه الله ، في مسنده :
[ عن أبي هريرة ، أن رسول الله -
صلي الله عليه وسلم – قال :
"
ثلاث من عمل أهل الجاهلية لا يتركهن أهل
الإِسلام : النياحة ، والاستسقاء بالأنواء " ، وكذا ، قلت لسعيد : وماهو ؟
قال : " دعوى الجاهلية : يا آل فلان ، يا آل فلان ، يا آل فلان " ] .
قال محققه : الشيخ أحمد محمد شاكر ، رحمه الله :
[ إسناده صحيح ، سعيد : هو المقبري . والحديث
رواه ابن حبان في صحيحه (2:
78 من مخطوطة التقاسيم والأنواع المصورة عندي ) ، من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب ،
عن ربعي بن إبراهيــم - شيخ أحمد هنا - بهذا الإِسناد . ولفظه: " ثلاث .... والاستسقاء بالأنواء ، والتعاير " . ولم أجده - بعد طول البحث والتتبع
- من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة إلا في هذا الموضع من المسند ، وذاك الموضع
من ابن حبان . ويبدو لي أن سعيدًا المقبري نسي الثالثة وشك فيها ، فقال في رواية
المسند هنا : " وكذا " ، حتى سأله عبد الرحمن بن إسحق ، فقال : " دعوى
الجاهلية " . ثم لعله استذكر أو استيقن مرة
أخرى فلم يشك ، وقال دون سؤال : " والتعاير "، يعني
التعاير في الأنساب والطعن فيها .
وهذا هو الثابت في سائر الروايات
التي رأينا ، من حديث أبي هريرة وغيره . كما سنشير إليه ، إن شاء الله .
وروى الحاكم في المستدرك 1 : 383 ، من طريق الأوزاعي ، عن إسماعيل
بن عُبيد الله ، عن كريمة بنت الحسحاس المزنية ، قالت : "سمعت أبا هريرة ،
وهو في بيت أم الدرداء ، يقول : قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : ثلاثة من
الكفر بالله : شق الجيب ، والنياحة ، والطعن في
النسب " .
قال
الحاكم : " صحيح
الإسناد ، ولم يخرجاه " . ووافقه
الذهبي . وهو كما
قالا .
وذكر المنذري
في الترغيب 4: 176 هذا اللفظ
، وقال : " رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم ،
وقال : صحيح الإسناد ه . ثم أشار إلى رواية لابن حبان ، أولها : " ثلاثة هي
الكفر " . ثم أشار إلى الرواية التي نقلنا
آنفًا عن ابن حبان .
وقد جاء هذا المعنى مطولاً ، عن أبي هريرة ، من وجه آخر : فروى أبو الربيع المدني ، عن أبي هريرة
مرفوعًا : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية ، لن يدعوهن : التطاعن فـي الأنسـاب ، والنيـاحة ، ومطرنا بنوء
كذا وكذا ، والعدوى : الرجل يشتري البعير الأجرب ، فيجعله في
مائة بعير ، فتجرب ، فمن أعدى الأول ؟ " . رواه أحمد
في المسند: 9873، وهذا لفظه. ورواه أيضاً
بنحوه، بأسانيد ، من حديث أبي الربيع عن أبي هريرة : 7895 ،
9354 ، 10821 ، 10883 .
وكذلك رواه
الترمذي 2: 135 ، بنحوه ، من هذا الوجه ، وقال : " هذا حديث
حسن " . ولعله من أجل هذه الرواية "
وأنه رواها الترمذي - لم يذكر الهيثمي هذا الحديث في مجمع الزوائد .
وفي
هذا المعنى أحاديث كثيرة ،
انظرها في الترغيب 4: 716 - 177، ومجمع الزوائد 3: 12 - 14. وانظر ما مضى في مسند
علي: 1087، وفي مسند ابن مسعود : 4435 ] [21] .
وعن
جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما قال : (
غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا ،
وَكَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ ، فَكَسَعَ
أَنْصَارِيًّا ، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا ،
وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ : يَا لَلْأَنْصَارِ ، وَقَالَ
المُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ،
فَخَرَجَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " مَا بَالُ دَعْوَى
أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ ؟
ثُمَّ قَالَ : مَا شَأْنُهُمْ " فَأُخْبِرَ
بِكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ ،
قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: « دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ » ) [22] .
فها
هو النبيّ r
يصف هذا المنكر ، الذي فعله الأنصاري والمهاجري ، بالجاهلي
الجاهلية
لا تعني تكفير الناس
بعد
ثبوت هذه الأحاديث الشريفة ؛ والتي يصف فيها النبيّ r
، بعض الأعمال بأعمال أهل الجاهلية ؛ أهل الضلال والكفر .
وقال –
في بعضها – بأنّ أمته لا تتركها .
أي :
إنّ المسلمين ( من أمة النبيّ r
) يقترفون هذه الأعمال الجاهلية ، فهل يعني ذلك : أنّهم كفّار ، وأنّ النبيّ r
قد كفّرهم ، وأخرجهم من ملّة الإسلام ، علماً أنّه r
قال : ( من أمتي ) ؟ !
فالجاهلية ، إذن ، عبارة عن الأعمال التي فيها
إستمداد قِيَم الحياة ، ومبادئها ، والأفكار ، والتصوّرات ، بعيداً عن شريعة الله
تعالى ، وأوامره ، ونواهيه .
ونستطيع
– على ضوء هذا – أن نقول : إنّ الذين يعيشون حياتهم بتصورات ، وأفكار بشرية -
تفرضها عليهم الدول والحكومات ؛ وهي تخالف الإسلام .
نستطيع
أن نقول عنهم : إنّهم يعيشون في جاهلية ، أو : أنّ حياتهم هي حياة جاهلية ، وهذا
المجتمع هو مجتمع جاهلي .
وبهذا
نبيّن الحقّ ، حتى لا تلتبس الحقائق والمفاهيم ، فنحكم على تصرفات وأعمال الذين
منهج حياتهم مستمدة من أفكار بشر مثلهم – ولا سيما وهي تخالف الإسلام الذي ارتضاه
الله تعالى ، لنا .
فنلبّس
على الناس ، ونشوّه الإسلام ، فنقول : هؤلاء حياتهم حياة إسلامية ، وهذا المجتمع
هو مجتمع إسلامي ، بما يؤول بمعنى أنّ الناس يعيشون فيه طِبقاً لأوامر الله تعالى
، ونواهيه !
وهذا
الحكم هو تقييم للأعمال والتصرّفات ، وهو – لا شك ولا ريب – يختلف عن الحكم عليهم –
كأفراد – بالكفر ، أو الإسلام .
ولقد
عمّم الإمام البخاري ، رحمه الله – في صحيحه – فجعل المعاصي كلّها من الجاهلية ،
فقال :
[ بَابٌ :
المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ ، وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا
بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ ] .
وكلُّ
ذلك من أجل : ( لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) [23] .
ولماذا ؟
الجواب
: لأن [ سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت ، أمكن اجتنابها ، والبعد منها ، بخلاف ما
لو كانت مشتبهة ملتبسة ، فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل ] [24] .
وَقِتَالُهُ كُفْرٌ
أ – قال رسول الله r :
[ سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ] .
فهل قتال المسلم – ولاسيما من المسلم – هو كفر ، يخرج عن
الملّة ؟ !
لقد وصف النبيّ r هذا القتال بالكفر ، فهل هو يُخرِج من ملّة
الإسلام ؟ !
[ ( كفر ) لا
بمعنى الخروج عن الملَّةِ ، أو بمعناه ، لكنه قاتل المسلم ، أو قتله مستحلًّا لذلك
،
أو المرادُ
: الكفرُ اللغويُّ ، وهو الستر ؛
لأنه
بقتاله له ستَر مالَه عليهِ من حقّ الإعانةِ وكفِّ الأذى ،
أو
عبَّر به مبالغة في التحذير عن ذلك ؛ لأنه أغلظُ منَ السبِّ ، وإنِ اشترك في الفسق
، ولهذا عبَّر فيهِ بالكفرِ وفي السبابِ بالفسوقِ .
وفي
الحديث : تعظيمُ حقِّ المسلم ، والحكمُ على من سبَّهُ بالفسقِ ] [25] .
[ قيل :
مقابلته بالفسوق يقتضي أن يكونَ المرادُ من الكفر ههنا ، الكفر المخرج عن الملة .
والجواب
: أنه أطلقَ الكفر على الفسوق تغليظًا ،
ولو
قال : وقتاله فسوق ، لساوى حال السِّباب ، مع أن القتال أشدُ من السِّباب ،
فلإظهار هذه الشِّدة أطلقَ عليه الكفر . وهذا
الذي يُعنونَ بقولهم : إنه محمولٌ على التغليظ .
والأصل
: أن الحديث اتَّبع القرآن في ذلك ، فإن الله تعالى أخبرَ عن جزاءِ القتل بالخلود
- بأي معنى كان - والخلود جَزَاء الكفر ، فاتبَّعه الحديث وقال : قتال المسلم كفر .
وإن لم يحكم به الفقهاء في الدنيا ، إلا أن الحديثَ يختارُ من التعبيرات ما هو
أدعى للعمل فيشددُ فيه لا محالة .
وقال
الدَّوَّاني : إنه وعيدٌ ويجوز الخُلْفُ في الوعيد . وأنت تعلم أنه إنشاءٌ لا خبر .
وقيل :
إنه محمولٌ على التَّشبُه كقوله : « لا تَرْجِعُوا بعدي كفارًا يضربُ بعضُكم رقاب بعض »
ومعلومٌ
أن المرءَ لا يصير كافرًا بضرب الرقاب ، ولكن لما كان شأنُ القتل أن يجري بين مسلم
وكافر، لا بين مسلم ومسلم فمن ضرب رقبة أخيه وقاتل ، فقد تشبه بالكفار ، وفعل ما
يفعلُهُ الكفار ، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم . وهذا هو المختار عندي في الجواب ،
والله أعلم ] [26] .
وقال الإمام بدر
الدين العيني ، رحمه الله :
[ لم يرد بقوله : ( وقتاله
كفر ) ، حَقِيقَة الْكفْر الَّتِي هِيَ خُرُوج عَن الْملَّة ،
بل إِنَّمَا
أطلق عَلَيْهِ : الْكفْر ، مُبَالغَة فِي التحذير ،
وَالْإِجْمَاع
من أهل السّنة مُنْعَقد على أَن الْمُؤمن لَا يكفر بِالْقِتَالِ ، وَلَا بفعل
مَعْصِيّة أُخْرَى ،
وَقَالَ
ابْن بطال : لَيْسَ المُرَاد بالْكفْر الْخُرُوج عَن الْملَّة بل كفران حُقُوق
الْمُسلمين لِأَن الله تَعَالَى جعلهم أخوة ، وَأمر بالإصلاح بَينهم ، ونهاهم
الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التقاطع والمقاتلة ،
فَأخْبر أَن من فعل ذَلِك فقد كفر حق أَخِيه الْمُسلم ،
وَيُقَال
: أطلق عَلَيْهِ الْكفْر لشبهه بِهِ ، لِأَن قتال الْمُسلم من شَأْن الْكَافِر ،
وَيُقَال
: المُرَاد بِهِ الْكفْر اللّغَوِيّ ، وَهُوَ السّتْر ، لِأَن حق الْمُسلم على
الْمُسلم أَن يُعينهُ وينصره ويكف عَنهُ أَذَاهُ ، فَلَمَّا قَاتله كَأَنَّهُ كشف
عَنهُ هَذَا السّتْر،
وَقَالَ
الْكرْمَانِي : المُرَاد أَنه يؤول إِلَى الْكفْر لشؤمه ، أَو أَنه كَفعل
الْكَفَّارَ
وَقَالَ
الْخطابِيّ : المُرَاد بِهِ الْكفْر بِاللَّه تَعَالَى ، فَإِن ذَلِك فِي حق من
فعله مستحلاً بِلَا مُوجب وَلَا تَأْوِيل ،
أما
المؤول فَلَا يكفر وَلَا يفسق بذلك ، كالبغاة الخارجين على الإِمَام بالتأويل ،
وَقَالَ
بَعضهم : فِيمَا قَالَه الْكرْمَانِي بعد ، وَمَا قَالَه الْخطابِيّ أبعد مِنْهُ .
ثمَّ قَالَ : لِأَنَّهُ لَا يُطَابق التَّرْجَمَة ، وَلَو كَانَ مرَادا لم يحصل
التَّفْرِيق بَين السباب والقتال ، فَإِن مستحلاً لعن الْمُسلم بِغَيْر تَأْوِيل
كفر أَيْضا .
قلت :
إِذا كَانَ اللَّفْظ مُحْتملا لتأويلات كَثِيرَة ، هَل يلْزم مِنْهُ أَن يكون
جَمِيعهَا مطابقـا للتَّرْجَمَة ؟ فَمن ادّعى هَذِه الْمُلَازمَة فَعَلَيهِ
الْبَيَان ، فَإِذا وَافق أحد التأويلات للتَّرْجَمَة ، فَإِنَّهُ يَكْفِي للتطابق
.
وَقَوله
: وَلَو كَانَ مرَادا لم يحصل التَّفْرِيق ... الخ ،
غير مُسلم لِأَنَّهُ تَخْصِيص الشق الثَّانِي بالتأويل لكَونه مُشكلا بِحَسب
الظَّاهِر ، والشق الأول لَا يحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل لكَون ظَاهره غير مُشكل .
فَإِن
قلت : جَـاءَ فِي رِوَايَة مُسلم : ( لعن الْمُسلم كقتله ) ، قلت : التَّشْبِيه
لَا عُمُوم لَهُ ، وَوجه التَّشْبِيه هُوَ حُصُول الْأَذَى بِوَجْهَيْنِ :
أَحدهمَا : فِي الْعرض ، وَالْآخر : فِي النَّفس . فَإِن قلت : السباب والقتال
كِلَاهُمَا على السوَاء فِي أَن فاعلهما يفسق ولايكفر ، فلِمَ قَالَ فِي الأول
فسوق ، وَفِي الثَّانِي كفر ؟ قُلْنَا : لِأَن الثَّانِي أغْلظ، أَو لِأَنَّهُ
بأخلاق الْكفَّار أشبه ] [27] .
إذن
قتال المسلم من مسلم مثله ، ليس كفراً يُخرج من الملّة ! علماً أنّ النبيّ r
، قد أطلق الكفر على ذلك !
ولم
يفهم عالم ولا إمام أنّ مَن فعله أصبح كافراً ؛ خارجاً عن الإسلام !
لا
ترجعوا بعدي كفارًا
ب –
قـال رسول الله r
: ( لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ) [28] .
[ وليس معنى قوله : ( لا ترجعوا بعدى كفارًا )
النهى عن الكفر الذى هو ضد الإيمان بالله ورسوله ،
وإنما
المراد بالحديث النهى عن كفر حق المسلم الذى أمر به النبى ( صلى الله عليه وسلم )
من التناصر والتعاضد ،
والكفر
فى لسان العرب : التغطية ،
وكذلك
قوله : ( سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ) يعني : قتاله كفر بحقه وترك موالاته ،
للإجماع على أن أهل المعاصى لا يكفرون بارتكابها .
وقال
أبو سليمان الخطابى : قيل : معناه لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا أن تقاتلوا ويضرب
بعضكم رقاب بعض ] [29] .
وقال الحافظ
السيوطي ، رحمه الله :
[ أَي لَا تَفعلُوا
فعل الْكفَّار فتشبهوهم فِي حَال قتل بَعضهم بَعْضًا ] [30] .
[ أي : لا تتشبهوا
بالكفار في قتل بعضهم بعضًا ] [31] .
فلم يقل أحدٌ من
الأئمة والعلماء ، أنّ القتال بين المسلمين فيما بينهم ، هو كفر ، يخرج من الملّة
، على الرغم من أنّ النبيّ r
قال : قتاله كفر !
بل وكأنهم قالوا :
إنّ القتال بين المسلمين ، هو تشبّه بالكفّار ؛ حيث يقاتلون المسلمين ، لأنه لا
قيمة عندهم للإنسان ، ويتقاتلون من أجل أمور تافهة رخيصة ؛ تكبّراً وغرورا !
وكيف يقولـون
بالكفر ، وهم ( العلماء ) يقرءون في كتاب الله تعالى ، قولـه سبحانه : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [32]
.
هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ
ج - قَالَ رَسُولُ اللهِ r : ( إثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ:
الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ ) [33]
.
قال
القاضي عياض ، رحمه الله :
[ وقوله : " إثنتان فـى الناس هما كفرٌ :
الطعن فى الأنساب ، والنياحة على الميت " :
أى من
أعمال أهل الكفر وعادتهم وأخلاق الجاهلية [34] ،
وهما
خصلتان مذمومتان محرمتان فى الشرع ، وقد كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يأخذ على النساء فى بيعتهن ألا ينحن ،
وقال :
" ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية [35] "
وكذلك نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عن السخرية واللمز والنبز والغيبة والقذف ، وكل هذا من أعمال الجاهلية [
! ] ،
وقال
النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إن الله أذهب عنكم عُبيَّة الجاهلية
[ ! ] . . . " الحديث ،
وقوله
: { إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى . . } ، فعرَّف نعمته بالأنساب
للتعارف والتواصل ، فمن تسوَّر على قطعها والغمض فيها ، فقد كفر نعمة ربه وخالف
مراده ،
وكذلك
أمر تعالى بالصبر وأثنى على الصابرين ووعدهم رحمته وصلاته ووصفهم بهدايته ، وحَتَم
الموتَ على عباده ،
فمن
أبدى السخط والكراهة لقضاء ربه وفعل ما نهاه عنه فقد كفر نعمته فيما أعدَّ
للصابرين من ثوابه وتشبه بمن كفر من الجاهلية
] [36] .
وقال الإمام النووي ، رحمه الله ، في شرحه لهذا الحديث :
[ وَفِيهِ
أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا أَنَّ مَعْنَاهُ هُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ
وَأَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ [ ! ] . . . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَغْلِيظُ تَحْرِيمِ
الطَّعْنِ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
نُصُوصٌ مَعْرُوفَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ] [37] .
وقال
الإمام أبو الفرج إبن الجوزي ، رحمه الله :
[ فِي المُرَاد بالْكفْر وَجْهَان :
أَحدهمَا
: أَن يكون كفر النِّعْمَة ، فَإِن من طعن فِي نسب غَيره فقد كفر بِنِعْمَة الله
عَلَيْهِ بسلامته من ذَلِك الطعْن ، وَمن ناح على ميت فقد كفر نعْمَة الله
عَلَيْهِ إِذْ لم يكن هُوَ الْمَيِّت .
وَالثَّانِي
: أَن يكون الْمَعْنى : أَنَّهُمَا من أَفعَال الْكفَّار لَا من خلال الْمُسلمين ]
[38] .
وقال
الأمير محمد الصنعاني ، رحمه الله :
[ والحديث إخبـار بأنَّ هاتيـن الخصلتيـن من خصـال
الكفَّـار لا أن فاعلهمـا كافـر ] [39] .
[ أي
خصلتان موجودتان في النَّاس هما كفر قائم بهم كفرًا شرعيًّا يخرج من الملة إن
استحلوها
وإلا
فهما من أعمال أهل الكفر وجاهلية [ ! ] واقعة منهم
فهم
عصاة بهما فلا يخرجان من الملة ،
أحدهما
: ( الطعن ) والتعيير ( في النسب ) أي في نسب النَّاس وأن يقال فلان ليس ابن فلان
لأنه لا يشبهه
( و )
ثانيهما : ( النياحة ) أي رفع الصوت بالبكاء (على الميت ) أي على من مات ] [40] .
فمن تركها فقد
كفر
د – قَـالَ
رَسُولُ اللَّهِ r : ( العَهْـدُ الَّذِي بَيْنَنَـا وَبَيْنَهُـمُ
الصَّـلَاةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) [41]
.
قال الإمام الترمذي ، رحمه الله :
[ وَفِي البَابِ عَنْ أَنَسٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ : « هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ » ] [42]
* وأخرج الإمام البخاري ، رحمه الله ، في صحيحه :
عن أبي ذر t ، أنّه سمع النبيّ r يقول :
( لَيْسَ مِنْ
رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُهُ - إِلَّا كَفَرَ ، وَمَنِ
ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) .
* وعن أبي هريرة t عن النبي r ، قال :
( لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ
أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ ) [43]
.
* وقال النبيّ r :
( أَيُّمَا
عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ ) [44]
.
هذه بعض الأمثلة ؛ من الآيات الكريمة ، والأحاديث
النبوية الشريفة ، عن إستخدام كلمتي ( الجاهلية ) و ( الكفر ) فـي معانـي ، لا
تخرج أصحابهما من ملّة الإسلام !
هل تارك الصلاة ، هو خارج الملّة ، لوصفه بـ( كفر ) ؟
قال الشيخ الألباني ، رحمه الله :
[ أما من تركها
كسلاً معترفاً بوجوبها ويتمنى من الله عز وجل أن يهديه وأن يوفقه للصلاة فهذا ليس
بكافر كفراً يرتد به ويخرج به من الملة . . .
فإذا
كان هذا التارك للصلاة مؤمناً في قلبه معترفاً بما فرض الله عليه من فرائض لكنه
يعرف بأن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والتجارة وإلى آخره لا شك أن هذا التعلل
مردود عليه ،
ولكن
يشفع له أن لا يُكفَّر ما دام أنه يؤمن بما شرع الله تبارك وتعالى . . .
فتارك
الصلاة هكذا لا يحكم بأنه كافر إلا إذا جحد ذلك جحداً فحينئذٍ يكفر ؛
ولذلك
كان مذهب جماهير العلماء عدم تكفير تارك الصلاة إلا مع الجحد ،
وهذه
رواية عن الإمام أحمد نفسه فهو وافق فيه جماهير الأئمة على أن الترك إن كان ليس عن
جحد فهو فسق وليس كفر . . .
ليس
هذا هو أول حديث يقال فيه من فعل كذا فقد كفر، عندكم الحديث المشهور : « من حلف
بغير الله فقد أشرك ، كفر » ألا نقول نحن من قال : « وحياة أبي » إنه ارتد عن دينه
.
وأنتم
تعلمون مثلاً حديث عمر بن الخطاب في صحيح البخاري لما سمعه الرسول عليه السلام
يحلف بأبيه فقال عليه السلام : « لا تحلفوا بآبائكم من كان منكم حالفاً فليحلف
بالله أو ليصمت »
وفـي حديث ابنه عبد الله بن عمر قال : قال رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : « من حلف بغير الله فقد أشرك » وفي رواية أخرى : فقد كفر ،
فلا
يلزم من مجيء لفظة من فعل كذا فقد كفر أي : أنه كفر كفر ردة
وإنما
له معان كثيرة ، منها مثلاً : كفر أي أشرف على الكفر . . كفر كفراً عملياً ونحو ذلك من المعاني التي
يضطر إليها أهل العلم بالتوفيق بين النصوص :
« من
ترك الصلاة فقد كفر » نقول : « من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة » . .
من قـال
: « لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره » كما جاء في حديث البزار وغيره ، « أيما
عبد أبق من مولاة فقد كفر »
هذه
الألفاظ كثيرة وكثيرة جداً فقد كفر فقد كفر ولا يوجد حديث يُفَسَّر هكذا على ظاهره
إذا جاء بلفظ فقد كفر .
هذا
الحديث حديث : « من ترك الصلاة فقد كفر » يعامل نفس المعاملة التي تعامل بها الأحاديث
الأخرى التي تشترك مع حديث الصلاة في لفظة « فقد كفر » ،
فهنا
تأتي تآويل كثيرة لهذا النص فكثير من الأحاديث مثلاً : « لا يدخل الجنة قتات» . .
« لا يدخل الجنة نمام »
هل
معنى ذلك أنه كفر بسبب نميمته ؟ الجواب : إن كان
يستحل ذلك بقلبه فقد حرمت عليه الجنة . . إن كان يعترف بتحريم ذلك ويعترف بأنه
مخطئ وأنه مذنب ومجرم ؛ فهو أمره إلى الله كما قال عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ لا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } ( النساء :48
) .
فترك
الصلاة هو فعل يعرض صاحبه أن يموت والعياذ على غير الإيمان ، وترك الصلاة هو من
شيم الكفار الذين لا يصلون . . لا يؤتون الزكاة ولا يصلون ،
فالمسلم
إذا لم يصل فقد شابه الكفار ، فكفره هنا كفر عملي
والأحاديث
كثيرة وكثيرة جداً التي لا بد من تأويلها مثلاً : قال
عليه الصلاة والسلام فـي حجة الوداع وقد خطب فيهم أمر جرير بن عبد الله البجلي أن
يستنصت الناس ، فقال عليه السلام :
« لا
ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » . .
ومثل
قوله عليه السلام : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » فإذا قتل مسلم مسلماً أو
قاتله فهل هذا يرتد عن دينه ؟
الجواب
: لا ؛ لأن الله قال : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } ( الحجرات :
9 )
فاعتبر كلاًّ من الطائفتين الباغية والمبغي
عليها من المؤمنين مع أن الرسول يقول في الحديث السابق : « سباب المسلم فسوق
وقتاله كفر »
فبماذا
يفسر هنا الكفر ؟ كفر دون كفر . . كفر عملي . .
وهكذا
أيضاً أحاديث الصلاة التي فيها التصريح بأن من ترك الصلاة فقد كفر ،
إما أن
يقال أشرف على الكفر الاعتقادي .. أشرف أن يموت على غير ملة الإسلام ، أو أنه كفر
كفراً عملياً ،
هـذا
التأويـل لا بد منه حتى لا نضرب أحاديث الرسول عليه السلام بعضها ببعض ] [45]
.
يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ
وقد أخرج الإمام إبن ماجه ، رحمه الله ، حديثاً في سننه
، وصحّحه محقّقوه ، وصحّحة الشيخ الألبانـي ، رحمه الله ، عَـنْ
حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَـانِ ، t ، قَـالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :
( "
يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا
صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ .
وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ ، فَلَا يَبقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ ،
وَتَبْقَى
طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ ، الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ ، يَقُولُونَ :
أَدْرَكْنَا
آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَنَحْنُ
نَقُولُهَا " .
فَقَالَ
لَهُ صِلَةُ [46] : مَا تُغْنِي عَنْهُمْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ
وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ ؟
فَأَعْرَضَ
عَنْهُ حُذَيْفَةُ ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ
عَنْهُ حُذَيْفَةُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ ، فَقَالَ : يَا
صِلَةُ ، تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ ، ثَلَاثًا ] .
فكتب الشيخ الألباني ، رحمه الله ، على هذا الحديث تعليقاً ، فقال :
[ في الحديث فائدة فقهية هامة ، وهي
أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ،
ولو كان لا يقوم بشئ من أركان الإسلام الخمسة الأخرى ، كالصلاة وغيرها ،
ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في
حكم تارك الصلاة ، خاصة مع إيمانه بمشروعيتها ، فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك ، بل
يفسق ،
وذهب أحمد – في رواية – إلى أنه يكفر ، وأنه يقتل ردة لا حداً ، وقد صح عن الصحابة
أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ، رواه الترمذي والحاكم ،
وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور ، وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصاً على أنهم
كانوا يريدون بالكفر هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ، ولا يحتمل أن يغفره الله
له ،
كيف ذلك وهذا حذيفة بن اليمان – وهو من كبار أولئك الصحابة – يرد على صلة بن
زفر – وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له – فيقول :
( مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا
صَلَاةٌ . . . ) فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه : ( يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ
ثَلَاثًا ) ،
فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة – ومثلها بقية الأركان –
ليس بكافر ،
بل مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة , فاحفظ هذا فإنه قد لا تجده في
غير هذا المكان ، وفي الحديث المرفوع ما يشهد له ، ولعلنا نذكره فيما بعد إن شاء الله
تعالى .
ثم وقفت على ( الفتاوى الحديثية ) للحافظ السخاوي ، فرأيته يقول بعد أن ساق
بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة – وهي مشهورة معروفة – :
( ولكن ، كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحداً لوجودها مع كونه ممن
نشأ بين المسلمين ، لأنه يكون حينئذ كافر مرتداً بإجماع المسلمين . فإن رجع إلى الإسلام
، قبل منه ، وإلا قتل ،
وأما من تركها بلا عذر – بل تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها - , فالصحيح المنصوص الذي
قطع به الجمهور أنه لا يكفر ، وأنه – على الصحيح أيضاً – بعد إخراج الصلاة الواحدة
عن وقتهـا الضروري – كأن يترك الظهر مثلاً حتى تغرب الشمس ، أو المغرب حتى يطلع الفجر
– يستتاب كمـا يستتـاب المرتد ، ثـم يقتل إن لم يتب ، ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر
المسلمين ، مع إجراء سائر أحكام المسلمين عليه ،
ويؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه ، وهو وجوب العمل ،
جمعاً بين هذه النصوص وبين ما صح أيضاً عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه
قال (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ . . . . [ فذكر الحديث ، وفيه ] : إِنْ
شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ) ،
وقال أيضاً : ( مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
دَخَلَ الْجَنَّةَ ) . إلى غير ذلك ،
ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة
ويورثونه ، ولو كان كافراً ، لم يغفر له ، لم يرث ولم يورث ) .
وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في ( حاشيته على المقنع ) ،
وختم البحث بقوله : ( ولأن ذلك إجماع
المسلمين ، فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة
عليه ، ولا منع ميراث موروثه ، مع كثرة تاركي الصلاة ، ولو كفر ، لثبتت هذه الأحكام
،
وأما الأحاديث المتقدمة ، فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة
، كقوله عليه الصلاة والسلام : ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ )
وقوله : ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ) ، وغير ذلك . قال الموفق
: وهذا أصوب القولين ) .
أقول : نقلت هذا النص من ( الحاشية ) المذكورة ، ليعلم بعض متعصبة الحنابلة
أن الذي ذهبنا إليه ليس رأياً تفردنا به دون أهل العلم بل هو مذهب جمهورهم ، والمحقيقين من علمـاء الحنـابلة
أنفسهم ، كالموفق هذا – وهو ابن قدامة المقدسي – وغيره ،
ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة ، تحملهم إن شاء الله تعالى على ترك غلوائهم
، والاعتدال في حكمهم ] [47]
.
لاَ
يُؤْمِنُ
قال
رسول الله r
: ( لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا
يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) [48] .
وقال r : ( فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ
أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ ) [49]
وقال r : ( « وَاللَّهِ لاَ
يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ » قِيلَ : وَمَنْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : « الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ » ) [50]
.
فماذا
يقول خصوم سيّد قطب عن هذه الأحاديث ؟ وكيف يفهمونها ؟
هل
يعني : أن الذين لا يحبّون لأخيهم ما يحبّونه لأنفسهم ، كفّار ، خارجون من ملّة
الإسلام ؟ !
وهل
يعني : أنّ الإنسان الذي جاره يتخوف
، أو يتوقع منه أن يوصل إليه شرًّا ، فهو لا يأمن شره ، هو
إنسان كافر ، خارج عن الملة ؟ !
وماذا يقولون عن قول رسول الله r : ( لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلَا دِينَ
لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ ) [51] .
هل يقولون للذين لا يحفظون الأمانات ، والذين
لا يوفون بالعهود ، هم كفار ، خارجون عن ملّة الإسلام ، لأن النبيّ r ، قال عنهم
: أنهم لا إيمان لهم ولا دين ؟ !
وقال النبيّ r : ( المُسْلِمُ
مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ) [52] .
فهل الإنسان ، الذي لا يسلم المسلمون منه ، فهو يؤذيهم إما
بيده ، أو بلسانه ، هو إنسان كافر ، لأنّ النبيّ r ، قال عنه : هو ليس بمسلم ؟ !
فهذه الأوصاف التي أطلقها النبيّ r ، على هؤلاء ، هي ليست تكفيراً لهم ، وإخراجهم عن الإسلام .
بل هي أوصاف لتلك الأعمال المنكرة ، ليعلموا أن هذه الأعمال هي
ليست أعمال مسلمين ومؤمنين كاملي الإيمان ، بل هي من أعمال مَن لا إيمان لهم ولا
دين !
فهي
للردع ولزجر ونفي الفضيلة عن تلك الموبقات .
أنظر إلى ما قاله r ، من هذا الباب :
قال r : ( لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ،
وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ
يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ، يَرْفَعُ النَّاسُ
إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) [53] .
فهل الزنا وشرب الخمر والسرقة كفر ، مَن فعلها لا إيمان
له ، فيخلد في جهنم ؟
هل قال ذلك غير الخوارج ؟
[ قــال الخطـابي : الخوارج ومن يذهب مذهبهم ممن يكفر المسلمين بالذنوب
يحتجون به ، ويتأولونه على غير وجهه ،
وتأويله عند العلماء على وجهين :
أحدهما : أن معناه النهي وإن كانت صورته
صورة الخبر ،
يريد : لا يَزنِ الزاني بحذف الياء ، ولا
يسرقِ السارقِ بكسر القاف على معنى النهي . يقول : إذ هو مؤمن لا يزني ولا يسرق
ولا يشرب الخمر ، فإن هذه الأفعال لا تليق بالمؤمنين ولا تشبه أوصافهم .
والوجه الآخر : أن هذا كلام وعيد لا يراد به
الإيقاع ، وإنما يقصد به الردع والزجر ، فقوله : " المسـلم مـن ســلم المســلمون
مـن لسـانه ويده " وقوله : " لا إيمان لمن لا أمانة له " وقوله :
" ليس بالمسلم من لم يأمن جاره بوائقه "
وهذا كله على معنى الزجر والوعيد أو نفي
الفضيلة وسلب الكمال دون الحقيقة في رفع الإيمان وإبطاله . . .
وقال الإِمام النووي : الصحيح الذي قاله
المحققون : أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان ، وإنما تأولناه لحديث
أبي : " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وسرق " ] [54]
.
إطلاق الكفر على فعلٍ
ليس معناه كفر صاحبه
عندما يطلق أحد الأئمة والعلماء على فعلٍ ما أنه كفر ،
فليس معنى ذلك أنه تكفير لصاحبه ، وإخراجه من الإسلام .
وهذا الأمر هو معلوم – نظرياً فقط ! –
عند خصوم سيّد قطب ، رحمه الله ، من الشيوخ ؛ أصحاب الفخامة والألقاب الطنّانة !
ولكن عملياً – وعند الحكم على خصومهم –
ينسون كلّ ذلك ، وكأنّهم لم يسمعوا ذلك في يوم من الأيّام !
وذلك لأنّهم حُفّاظ نصوص لا غير ؛ يحفظون
نصوص – سواء آيات من القرآن الكريـم ، أو أحاديث للنبيّ r ، أو أقوال الأئمـة والعلماء – ثم يضربون
بها وجوه خصومهم – من غير فهم عميق – عند النزاع !
وللعلم إنّ إطلاق وصف ( العلماء ) عليهم
، هو تجوّز ، ومن نكبات الزمان الذي نعيش فيه !
قال الشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان ،
رحمه الله :
[
فلا يعتبر الشخص مجتهداً ولا فقيهاً إذا عرف الأحكام الشرعية بطريق الحفظ
والتلقين ، أو بتلقيها من الكتب أو من أفواه العلماء بلا بحث ولا نظر ولا استنباط
. . .
وهناك شرط ، هو في رأينا ، شرط ضروري [55]
وإن لم ينص عليه الأصوليون صراحة ،
وهو أن يكون عند العالم إستعداد فطري للإجتهاد ، بأن
تكون له عقلية فقهية مع لطافة إدراك ، وصفاء ذهن ، ونفاذ بصيرة ، وحسن فهم ، وحدّة
ذكاء .
إذ بدون هذا الإستعداد الفطري لا يستطيع الشخص أن يكون
مجتهداً وإن تعلم آلة الإجتهاد التي ذكرناها في شروطه ،
لأنها إذا لم
تصادف إستعداداً فطرياً للإجتهاد لا تجعل الشخص مجتهداً .
وليس في قولنا هذا غرابة ، فإنّ تعلّم الإنسان اللغة
العربية وعلومها وأوزان الشعر لا تجعله شاعراً إذا لم يكن عنده إستعداد فطري للشعر
.
فكذلك الحال في الإجتهاد . . ونوابغ المجتهدين ما كانوا
أكثر من غيرهم معرفة بعلوم الإجتهاد ووسائله وآلاته ، وإنما كانوا أكثر من غيرهم
في القابلية على الإجتهاد وفي الإستعداد الفطري له ] [56]
.
فلو أنّ مسلماً حفظ القرآن كلّه ، وحفظ أحاديث الصحيحين
، والسنن ، والمسانيد ، وحفظ الأحكام بأدلتها ، ولكن لم تكن عنده مَلَكَة [57]
الإستنباط ، فلا يكون مجتهداً فقيهاً – في الحقيقة – إلّا تجوزاً .
فحفّاظ النصوص – الذين تُطلق عليهم ألقاب فخمة وطنّانة
رنّانة ، أمثال خصوم سيّد قطب ، رحمه الله – تستطيع أن تصنع منهم بالآلاف ؛ حيث
تجمعهم ، وتُدخلهم دورات علمية ، ومدارس فقهية ، وتُحَفّظهم القرآن الكريم ،
وأحاديث النبيّ r ، وقضايا الفقه ، وأقوال الفقهاء ، وتوفّر لهم مكتبة ؛ فيها كتب
مطلوبة .
فمن خلال أقل من عقدين من الزمان ، أو أكثر ، وإذا أصبح
عندك آلاف الشيوخ أصحاب الفضيلة ، تشجعهم على محاربة أئمة الدعاة والمجدّدين ،
باسم الإسلام وباسم القرآن والسنة ! !
ولكنّك لا تستطيع أن تصنع أمثال سيّد قطب ، رحمه الله
تعالى ، في قرن من الزمان ، إلّا إذا بعث الله تعالى أمثالهم ، ليجدّد بهم دينه
سبحانه !
وهاهو الحافظ إبن تيمية ، رحمه الله ،
يقول :
[
فَيُطْلِقُ الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِ
الْقَائِلِ ؛ كَمَا قَالَ السَّلَفُ مَنْ قَالَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ
كَافِرٌ وَمَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ
وَلَا
يَكْفُرُ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ] [58]
.
[ عَنْ
أَحْمَد وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَامَّةِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ
أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ؛ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ
وَمَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ وَنَحْوَ
ذَلِكَ . . .
التَّكْفِيرَ
لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ قَدْ تَنْتَقِي فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ وَأَنَّ
تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ ]
[59]
.
وقال رحمه الله :
[ فَإِنَّ نُصُوصَ
" الْوَعِيدِ " الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَنُصُوصَ
الْأَئِمَّةِ بِالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُسْتَلْزَمُ
ثُبُوتُ مُوجَبِهَا فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ
إلَّا
إذَا وُجِـدَتْ الشُّـرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِـعُ لَا فَـرْقَ فِـي ذَلِـكَ
بَيْـنَ الْأُصُـولِ وَالْفُـرُوعِ ] [60] .
فهاهو الحافظ إبن
تيمية ، رحمه الله ، يقول : بأنّ نصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا
يستلزم ثبوت موجبها في حق المُعَيّن !
ويقول : إنّ قول
الأئمة : مَن فعل كذا فهو كافر ، ليس معناه تكفير الشخص المعيّن الذي يفعل كذا ! !
فهو كأنه قد دافع
عن الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، هذه الخزعبلات والهذيان الصادر عن هؤلاء الشيوخ
! !
علماً أنّ سيّد
قطب ، رحمه الله ، لم يستخدم كلمة ( الكفر ) في كتاباته .
بل إنّ الحافظ إبن
تيمية ، رحمه الله ، كأنه شجّع الشهيد سيّد قطب ، رحمه الله ، في إطلاقه كلمة (
الجاهلية ) على الأنظمة المزرية ،
والمجتمعات التي لا ترفع رأسها للشريعة التي بعث الله بها رسول الله r
!
فقد قال ، رحمه
الله :
[ أَنَّ التَّكْفِيرَ
الْعَامَّ - كَالْوَعِيدِ الْعَامِّ - يَجِبُ الْقَوْلُ بِإِطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ
.
وَأَمَّا
الْحُكْمُ عَلَى الْمُعَيَّنِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ أَوْ مَشْهُودٌ لَهُ بِالنَّارِ :
فَهَذَا يَقِفُ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَقِفُ عَلَى
ثُبُوتِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ ] [61] .
فقد أوجب ، رحمه
الله ، إطلاق التكفير العام ، دون تكفير شخص معيّن بدون دليل !
وقال ذلك استناداً
إلى آيات القرآن الكريم ، وأحاديث رسول الله r .
أما الآيات
القرآنية ، فكقول الله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ . الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ . وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) [62] .
فويلٌ لكلّ مَن
توجد فيه هذه الصفات ! فهل إذا قرأت هذه الآيات ، وهدّدت بها أصحابها ، تكون قد
حكمت على أشخاص معيّنين بالويل ؟ !
وهل إذا رأيت
شخصاً يطعن في نسب مسلم ، تقول : هذا الشخص كافر بنص حديث رسول الله r
؟ !
سيّد قطب لا
يكفّر
إذن تبيّن لنا –
بأدلة الكتاب والسنة :
1 - أن أقوال سيّد
قطب ، رحمه الله ، واستخدامه لكلمة ( الجاهلية ) ليس بتكفير للمجتمع ، ولا
للمسلمين .
وأنّ الذين
يتّهمونه بذلك ، هم يجهلون الكتاب والسنة ، وأقوال العلماء والأئمة !
2 – أنّ إطلاق
كلمـة ( الجـاهلية ) ، هو إطلاق شرعي ؛ جاءت في القرآن الكريم ، واستخدمها النبيّ r
، واستخدمها الأئمة والعلماء .
3 – وأنّ الإطلاق
العام لكلمات التكفير والتفسيق ، ليس ممنوعاً شرعاً ، بل هو واجب ، كما قال الحافظ
ابن تيمية ، رحمه الله ! ! ( لتستبين سبيل
المجرمين ) ! !
4 – وأنّ الشهيد
سيّد قطب ، رحمه الله ، لم يرتكب محذوراً
، باستخدامه لكلمة الجاهلية ، وارتداد الناس ورجوعهم إلى الجاهلية .
أليس الإرتداد
يعني : التقهقر والتراجع إلى الوراء .
ألم يرجع المسلمون
عن الإلتزام بالشريعة ، بعد أن كان أجدادهم ملتزمون ؟ !
هل المسلمون في
هذا العصر النكد ، يساوون ويشبهون الصحابة والتابعين وتابع التابعين ، في الإلتزام
بدين الله تعالى ، أم عادوا إلى اتّباع أهوائهم ، ونبذ أوامر الله تعالى ونواهيه ،
وراء ظهورهم ، كأهل الجاهلية ؟ !
هل وصف حال
المسلمين وما وقعوا فيه من المنكرات ، لا يجوز ، بل يجب على العالِم أن يمدحهم ،
ولا يجرح مشاعرهم ، ولا ينبّههم ؟ !
[1] ربّما اقتصر فهم خصوم
الشهيد ، عن السنة بأنها : صلوات غير مفروضة ، وصيام تطوّع ، واستخدام السواك ،
والدخول إلى المساجد بالرِجل اليمنى ، وما شابه ذلك ! ونحن مع تعظيمنا لهذه الأمور
، إلّا أنّنا فهمنا من السنة ، إضافة إلى هذه التعاريف الفقهية : أنها منهج رسول
الله r
في الحياة ، وكيفية تطبيقه لشرع الله في الدنيا !
[2] سورة هود ، آية : 46 .
[3] جامع البيان في تأويل
القرآن ( 15 / 350 ) .
[4] سورة الأعراف ، آية :
143 .
[5] نفس السورة
والآية .
[6] كلمة ( الجاهلية ) – إذن –
إستخدامها هو إستخدام شرعي ، جاء ذكرها في القرآن الكريم ؛ وصفاً لبعض الأعمال
المنكرة !
[7] سورة الأحزاب ، آية
: 33 .
[8] تفسير ابن كثير ( 6 / 410 ) .
[9] أوضح التفاسير : محمد محمد عبد
اللطيف بن الخطيب . ص 513 .
[10] تفسير السعدي . ص 663 .
[11] وهذا هو رسول الله r ،
يستخدم كلمة ( الجاهلية ) ؛ وصفاً لبعض الأعمال والتصرفات المنكرة ، اقتداءً
بالقرآن الكريم . فليحذر الذين ينتقدون استخدام هذه الكلمة ؛ وهم يريدون الطعن في
الشهيد سيّد قطب .
[12] متفق عليه .
[13] متفق عليه .
[14] شرح النووي على صحيح مسلم ( 11 / 132 – 133 ) .
[15] فتح الباري ( 1 / 85 ) .
[16] فتح الباري ( 10 /
468 ) .
[17] فتح الباري ( 1 / 87 ) .
[18] وللطرفة : ذكروا أنّ أحد
الدعاة في بلد من البلدان الغربية كان يلقي محاضرة ، وهو لابس بانطلون وجاكيت وربطة
عنق ، فسأله أحد من هؤلاء – وهو يريد إحراج الداعية – وقال : ما كان زيّ النبيّ ،
الذي كان r يلبسه ؟ فقال الداعية : كان كملابس أبي جهل .
[19] صحيح البخاري .
[20] [ قال الشيخ الألباني ] : صحيح - الأدب المفرد : البخاري -
المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي . ص143
[21] مسند الإمام أحمد ( 7 /
323 – 324 ) .
[22] صحيح البخاري .
[23] الأنعام : 55 .
[24] تفسير السعدي : 258
.
[25] منحة الباري بشرح صحيح البخاري المسمى «تحفة
الباري» -
زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي المصري
الشافعي ( 1 / 221 ) .
[26] فيض الباري على صحيح البخاري : ( أمالي )
محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري الهندي ثم الديوبندي ( 1 / 222 ) .
[27] عمدة القاري شرح صحيح البخاري ( 1
/ 279 ) .
[28] متفق عليه .
[29] شرح صحيح البخارى لابن بطال ( 10 /
18 ) .
[30] الديباج على
صحيح مسلم بن الحجاج ( 1 / 87 ) .
[31] منحة الباري بشرح صحيح
البخاري المسمى « تحفة الباري » : زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا
الأنصاري ، زين الدين أبو يحيى السنيكي المصري الشافعي ( 1 / 365 ) .
[32] سورة الحجرات ، آية : 9 – 10 .
[33] صحيح مسلم .
[34] وهـا هـو القاضي عياض
أيضاً – كغيره من الأئمة والعلماء ، الذين ما أشرت إليهم – يستخدم كلمة الجاهلية !
[35] وهذه مرة أخرى يستخدم
النبيّ r
، كلمة : الجاهلية !
[36] إِكمَالُ
المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم ( 1 / 326 ) .
[37] المنهاج شرح
صحيح مسلم بن الحجاج ( 2 / 57 ) .
[38] كشف المشكل من حديث الصحيحين ( 3 /
556 ) .
[39] التَّنويرُ
شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ ( 1 / 358 )
.
[40] الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم ( المسمَّى
:الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ) - جمع وتأليف:
محمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري الشافعي ( 2 / 534 ) .
[41] ورواه الإمام أحمد في مسنده ،
والنسائي في سننه الكبرى ، وابن حبان في صحيحه ، والبيهقي في السنن الكبرى
، والحاكم في المستدرك ، وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا تُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ بِوَجْهٍ
مِنَ الْوُجُوهِ . . . وَلِهَذَا الْحَدِيثِ
شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا جَمِيعًا» ووافقه الذهبي وقال : صحيح ولا تعرف له علة .
وقال الشيخ الألباني : صحيح ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد . وفي مكان
آخر : إسناده قوي
[42] ورواه الإمام أحمد في مسنده ، والنسائي في سننه ، والبيهقي في
السنن الكبرى ، والجامع الصحيح للسنن والمسانيد . وقال الشيخ الألباني ، رحمه الله
: صحيح .
[43] صحيح البخاري
[44] صحيح مسلم .
[45] موسوعة الألباني في العقيدة - شادي
بن محمد بن سالم آل نعمان ( 4 / 365 / 367 ) .
[46] صلَة بن زفر
التَّابِعِيّ الْكَبِير من أهل الْكُوفَة ، صاحب حذيفة بن اليمان
.
[47]
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ( 1 / 175 – 177 ) .
[48] صحيح البخاري .
[49] صحيح البخاري .
[50] صحيح البخاري .
[51] قال الشيخ الألباني : صحيح .
[52] أخرجه الشيخان .
[53] متفق عليه ، وهذا لفظ
البخاري =.
[54] سنن ابي داود – شعيب الأرنؤوط ( 7 / 75 – 76 ) .
[55] وهو كذلك !
[56] الوجيز في أصول الفقه .
ص 402 – 406 .
[57] الملكة صفة في النفس ،
تطلق على مقابلة العدم . وهي تعين الشخص على سرعة البديهة في فهم الموضوع وإعطاء
الحكم الخاص به ، والتمييز بين المتشابهات بإبداء الفروق والموانع، والجمع بينها
بالعلل والأشباه والنظائر وغير ذلك .
[58] مجموع الفتاوى ( 7
/ 619 ) .
[59] المصدر السابق ( 12 /
487 )
[60] مجموع الفتاوى (
10 / 372 ) .
[61] المصدر السابق ( 12 /
498 )
[62] الماعون : 4 – 7 .