الأحد، 17 أكتوبر 2021

الاحتفال بالمولد النبوي حكمه وحكمته

 

الاحتفال بالمولد النبوي حكمه وحكمته
الاحتفال بالمولد النبوي له شقان :
الأول : كون الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن موجودا على عهد الصحابة والتابعين وبالتالي فهو بدعة .
الثاني : اعتقاد المحتفلين به أنه من السنن الواردة.
والحقيقة أن كلا الفريقين جانبه الصواب، فليس عدم الاحتفال بالمولد النبوي من السلف يعني أنه بدعة، ولا يعني الاحتفال به أنه أمر من الشرع، ولكنه من المباحات، بشرط عدم اعتقاد سنيته، وألا يكون فيه من الخروج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم مما يفعل في كثير من الاحتفالات، وفي الاحتفال بذكرى المولد تذكير بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي :
يقول المستشار فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث: إن الاحتفال بالمولد النبوي جائز شرعاً ولو لم يكن له أصل بمعنى أنّه لم يحتفل به الصحابة والتابعون ولا تابعو التابعين من أهل الفقه في الدين وهم خير القرون. ولكن لما جهل كثير من المسلمين صفات الرسول (صلَى الله عليه وسلَم) وحياته، وكيف كان يعيش حياة البساطة والتواضع والرحمة والشفقة، وأصبحت محبة الرسول (صلَى الله عليه وسلَم) في قلوب الكثيرين محبة سطحية، جمع أحد سلاطين المسلمين العلماء وطلب من أحدهم أن يؤلف كتاباً يتناول حياة الرسول منذ الولادة إلى الوفاة وذكر أخلاقه الطيبة العطرة، وأقام لذلك احتفالاً مهيباً وصار الاحتفال بالمولد ذكرى استحبها كثير من العلماء وبقيت حتى يومنا هذا.
إلاّ أنّه لا بدّ من القول: إنّ هذا الاحتفال ليس نوعا من العبادات التي يشرّعها الله ، ولكنّه من أنواع العادات والأعراف التي يخترعها النّاس، ثمّ يأتي الشّرع بإباحتها إذا لم يكن فيها حرام، أو بمنعها إذا اشتملت على محرّمات. وبما أن ذكرى المولد في الأصل تذكير بسيرة الرّسول (صلَى الله عليه وسلَم) وأخلاقه فهي مباحة وفيها من الأجر إن شاء الله ما لا يخفى.
لكن يجب الحذر ممّا ورد في بعض كتب الموالد من انحرافات وشطحات تصل إلى حدّ الكفر أحياناً. فهذه حرام ولو كانت في غير ذكرى المولد. وإذا اقترنت بها الاحتفالات تصبح حراماً أيضاً.
الحكمة من الاحتفال بالمولد النبوي :
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: هناك لون من الاحتفال يمكن أن نقره ونعتبره نافعا ًللمسلمين، ونحن نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالهجرة النبوية ولا بغزوة بدر، لماذا؟
لأن هذه الأشياء عاشوها بالفعل، وكانوا يحيون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم حياً في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، كان سعد بن أبي وقاص يقول: كنا نروي أبناءنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نحفِّظهم السورة من القرآن، بأن يحكوا للأولاد ماذا حدث في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وفي غزوة خيبر، فكانوا يحكون لهم ماذا حدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا إذن في حاجة إلى تذكّر هذه الأشياء.
ثم جاء عصر نسي الناس هذه الأحداث وأصبحت غائبة عن وعيهم، وغائبة عن عقولهم وضمائرهم، فاحتاج الناس إلى إحياء هذه المعاني التي ماتت والتذكير بهذه المآثر التي نُسيت، صحيح اتُخِذت بعض البدع في هذه الأشياء ولكنني أقول إننا نحتفل بأن نذكر الناس بحقائق السيرة النبوية وحقائق الرسالة المحمدية، فعندما أحتفل بمولد الرسول فأنا أحتفل بمولد الرسالة، فأنا أذكِّر الناس برسالة رسول الله وبسيرة رسول الله.
وفي الهجرة أذكِّر الناس بهذا الحدث العظيم وبما يُستفاد به من دروس، لأربط الناس بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب 21 لنضحي كما ضحى الصحابة، كما ضحى علِيّ حينما وضع نفسه موضع النبي صلى الله عليه وسلم، كما ضحت أسماء وهي تصعد إلى جبل ثور، هذا الجبل الشاق كل يوم، لنخطط كما خطط النبي للهجرة، لنتوكل على الله كما توكل على الله حينما قال له أبو بكر: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال: “يا أبا بكر ما ظنك في اثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا”.
نحن في حاجة إلى هذه الدروس فهذا النوع من الاحتفال تذكير الناس بهذه المعاني، أعتقد أن وراءه ثمرة إيجابية هي ربط المسلمين بالإسلام وربطهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذوا منه الأسوة والقدوة، أما الأشياء التي تخرج عن هذا فليست من الاحتفال ؛ ولا نقر أحدًا عليها .
ويقول فضيلة الشيخ سعيد حوى (أحد العلماء والدعاة المعاصرين ) التفصيل في هذه المسألة:
مما استحدث خلال العصور الاحتفال بيوم ميلاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتوضع حول هذا الموضوع عادات تختلف باختلاف البلدان، وقد تحدث ابن الحاج في مدخله عن كثير مما أنكره من عادات توضعت حول المولد، ووجدت بسبب من ذلك وبسبب من غيره ردود فعل كثيرة حول هذا الموضوع فمن محرم ومن مدافع، وقد رأينا أن لابن تيمية رحمه الله رأيا في غاية الإنصاف، فهو يرى أن أصل الاجتماع على المولد مما لم يفعله السلف ولكن الاجتماع على ذلك يحقق مقاصد شرعية.
والذي نقوله: أن يعتمد شهر المولد كمناسبة يذكر بها المسلمون بسيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشمائله، فذلك لا حرج، وأن يعتمد شهر المولد كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذلك لا حرج فيه، وأن يعتمد شهر المولد كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذلك لا حرج فيه.
وأن مما ألف في بعض الجهات أن يكون الاجتماع على محاضرة وشعر أو إنشاد في مسجد أو في بيت بمناسبة شهر المولد، فذلك مما لا أرى حرجا على شرط أن يكون المعني الذي قال صحيحا.
إن أصل الاجتماع على صفحة من السيرة أو على قصيدة في مدح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جائز ونرجو أن يكون أهله مأجورين، فأن يخصص للسيرة شهر يتحدث عنها فيه بلغة الشعر والحب فلا حرج.
ألا ترى لو أن مدرسة فيها طلاب خصصت لكل نوع من أنواع الثقافة شهرا بعينه فهل هي آثمة، ما نظن أن الأمر يخرج عن ذلك
بعض أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي :
1 ـ رأي ابن الحاج ـ رحمه الله ـ في الاحتفال: من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشد الناس حربا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعا من مثل استعمال لآلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين.
فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير، شكرا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمته ورفقه بهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ذلك يوم ولدت فيه) فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه.
فينبغي أن نحترمه حق الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله عليه الصلاة والسلام: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر” ولقوله عليه الصلاة والسلام: “آدم ومن دونه تحت لوائي”.
وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خصت به من المعاني.
فانظر رحمنا الله وإياك إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.
ألا ترى إلى ما رواه البخاري ـ رحمه الله تعالى: “كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان” فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا.
2 ـ رأي ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الاحتفال :
معروفة شدة ابن تيمية وتشدده، ومع ذلك كان كلامه لينا في قضية المولد ومن كلامه في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم”: (وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع، وأكثر هؤلاء الناس الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن المقصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه.
واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضا شر من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين..
فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن أحد الأمراء أنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال.
3 ـ رأي السيوطي ـ رحمه الله ـ في الاحتفال :
وللسيوطي في كتابه “الحاوي للفتاوى ” رسالة مطولة أسماها: “حسن المقصد في عمل المولد” وهذه بعض فقراتها: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة، أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة.
والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى هذا آخر كلام الشافعي.
وهو أي المولد وما يكون فيه من طعام من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.
وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: “يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى” فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعم، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.
وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخر، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحا، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم ولا بأس بإلحاقه به، وكما كان حراما أو مكروها فيمنعه وكذا ما كان خلفا الأولى. انتهى.
قال السيوطي تعليقا على كلام ابن حجر: ـ (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عق عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلى على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات، ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى عرف التعريف بالمولد الشريف ما نصه: قد رؤي أبو لهب بعد موته فقيل له ما حالك؟. قال في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة إثنين وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا وأشار لرأس أصبعه وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبإرضاعها له، فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحة ليلة مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ به ، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم.
انتهي ملخصا من كتاب السيرة بلغة الحب والشعر للشيخ سعيد حوى رحمه الله
قد تكون صورة لـ ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏
أعجبني
تعليق
مشاركة

#وقوف_الصحابة_أمام_قبر_النبي_صلى_الله_عليه_وسلم_واستغاثتهم_به

 #وقوف_الصحابة_أمام_قبر_النبي_صلى_الله_عليه_وسلم_واستغاثتهم_به

روى ابن أبي شيبة وهو من حفاظ السلف الصالح ومحدّثيهم (ت 235 هـ.)، بإسنادٍ صحيحٍ كما قال ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري، عن مالِك الدار وكان خازن عمر لبيت المال واسمه مالك بن عياض، قال ابن سعد هو في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، لقي أبا بكر ومعاذ بن جبل وأبا عبيدة قاله ابن حجر في الإصابة، وعمر لا يولي بيت مال المسلمين إلا ثقة يخاف الله تعالى، قال (أي مالك الدار): "أصاب الناس قحط (احتباس المطر) في زمان عمر،
فجاء رجل إلى قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله استسق لأُمّتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ( أي لمن أتى قبره الشريف يسأله الاستسقاء لأمته صلى الله عليه وسلم)، قال له: إيتِ عمر فأقرئه مني السّلام وأخبره أَّنهم يُسقَون وقل له (أي لعمر رضي الله عنه): عليك الكيسَ الكيسَ، فأتى الرجل فأخبره فبكى عمر وقال: "يا ربّ ما آلو إلاّ ما عجزت" إلى آخر الحديث..
والحديث أخرجه كذلك ابن أبي خيثمة وابن عساكر والبيهقي في دلائل النبوة وابن كثير في البداية والنهاية حيث قال : "وهذا إسناد صحيح".
وهذا الرجل الذي قصد الرسول للاستغاثة به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم هو الصحابي بلال بن الحارث المُزنيّ رضي الله عنه، فلم ينكر ذلك عمر ولا غيره من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بل رواه المحدثون والفقهاء من غير نكير، فكان استحسان فعل بلال بن الحارث المزني محلّ إجماع من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه " فتح الباري بشرح صحيح البخاري " حديثاً شرحه عن ابن عمر رضي الله عنهم وعن سالم ابن عبد الله ونصه : "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنْ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ وَسَأَلْتُ سَالِمًا فَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا وَافَقَ نَافِعًا فِي الْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا إِلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ ".
شرح ابن حجر : " قوله: (وحدثني نافع) القائل ذلك هو موسى بن عقبة، ولم يسق البخاري لفظ فضيل بن سليمان، بل ساق لفظ أنس بن عياض، وليس في روايته ذكر، بل ذكر نافع فقط، وقد دلت رواية فضيل على أن رواية سالم ونافع متفقتان إلا في الموضع الواحد الذي أشار إليه، وكأنه اعتمد رواية أنس بن عياض لكونه أتقن من فضيل.
ومحصل ذلك أن ابن عمر كأن يتبرك بتلك الأماكن، وتشدده في الاتباع مشهور، ولا يعارض ذلك ما ثبت عن أبيه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسأل عن ذلك فقالوا: قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض، فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا، لأن ذلك من عمر محمول على أنه كره زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة أو خشي أن يشكل ذلك على من لا يعرف حقيقة الأمر فيظنه واجبا، وكلا الأمرين مأمون من ابن عمر، وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين ".انتهى
المصدر : "كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني".كتاب الصلاة. "باب المساجد التي على طرق المدينة".الصفحة(678)
الإمام النووي يثبت الإستغاثة حيث ذَكَرَ رضي الله عنه في كتابه" الأذكار " في " كتاب أذكار المسافر " ، " باب ما يقول إذا انفلتت دابته " ما نصه:" روينا في كتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إذَا انْفَلَتَتْ دابَّةُ أحَدِكُمْ بأرْضِ فَلاةٍ فَلْيُنادِ: يا عِبادَ اللّه! احْبِسُوا، يا عِبادَ اللَّهِ! احْبِسُوا، فإنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في الأرْضِ حاصِراً سَيَحْبِسُهُ" . قلت: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه افلتت له دابّة أظنُّها بغلة، وكان يَعرفُ هذا الحديث، فقاله؛ فحبسَها اللّه عليهم في الحال. وكنتُ أنا مرّةً مع جماعة، فانفلتت منها بهيمةٌ وعجزوا عنها، فقلته، فوقفت في الحال بغيرِ سببٍ سوى هذا الكلام". انتهى كلام الإمام الحافظ النووي من الأذكار.
المصدر : "كتاب الأذكار للإمام النووي ". "كتاب أذكار المسافر". " باب ما يقول إذا انفلتت دابته". الصفحة (288).
الإمام النووي رضي الله عنه يثبت التبرك من حديث الإمام مسلم رحمه الله الموجود في صحيحه في " باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر " حيث قال النووي رحمه الله : " وفي حديث عتبان هذا فوائد كثيرة تقدمت في كتاب الإيمان ، منها : أنه يستحب لمن قال : سأفعل كذا أن يقول: إن شاء الله ؛ للآية والحديث ومنها : التبرك بالصالحين وآثارهم ، والصلاة في المواضع التي صلوا بها ، وطلب التبريك منهم ".انتهى كلام النووي
المصدر :" كتاب صحيح مسلم بشرح النووي ". الجزء الخامس . كتاب المساجد ومواضع الصلاة. باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر. الصفحات (222),(225).
روى الإ مام البخاري في كتابه "الأدب المفرد" تحت باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله: قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد. انتهى
وكلمة :"يا محمد" ثابتة في مخطوط الأدب المفرد للبخاري كما أنها ثابتة في عدة نسخ مطبوعة للأدب المفرد.
وهذا الحافظ شمس الدين السخاوي من أهل القرن التاسع الهجري أثبت في كتابه "القول البديع في الصلاة على النبي الشفيع" أنه في كتاب الأدب المفرد للبخاري لفظ: "يا محمد"، فقال ما نصه: "وللبخاري في الأدب المفرد من طريق عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد" اهـ
وإسناد البخاري هذا صحيح لا علة فيه فأبو نعيم هو الفضل بن دكين، ثقة إمام ثبت في الحديث ، وأما سفيان فهو سفيان الثوري شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، الإمام المجتهد، وأما أبو إسحاق فهو السبيعي ثقة من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين. ولما كبر تغير حفظه تغير السن، ولكن رواية الثوري عنه كانت قبل ذلك. وأما عبد الرحمن بن سعد فقد وثقه النسائي وذكره ابن حبان في كتاب الثقات.
وابن تيمية رواه في كتابه المسمى " الكلم الطيب " صفحة 74 وقد أثبت ذلك عنه الألباني حيث قال : " هذا الكتاب ثابت لابن تيمية "
"التوسل بذات النبي وبجاهه صلى الله عليه وسلم سنة"
((عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في
حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقيَ
عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: إيت
الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قل: اللهمّ إني
أسألك وأتوجّه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبيّ الرحمة،
يا محمّد إني أتوجّه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك
ورُح إليّ حتى أروحَ معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثمّ أتى باب
عثمان فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان
فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟، فذكر حاجته فقضاها
له، ثم قال له (معتذراً) ما ذكرتُ حاجتك حتى الساعة، وقال ما كان
لك من حاجة فأتنا. ثم إن الرجل خرج من عنده فلقيَ عثمان بن
حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظرُ في حاجتي ولا يلتفت
إليّ حتى كلمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن
شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه
ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أو تصبر؟، فقال يا
رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق عليّ، فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم: إئت الميضأة فتوضأ ثمّ صلّ ركعتين ثم أدعُ بهذه
الكلمات، فقال عثمان بن حنيف فوالله ما تفرّقنا وطالَ بنا الحديث
حتى دخل عليه الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط)) (1).
قال الطبراني: "والحديث صحيح".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ رواه أزيد من عشرة المحدثين والحفاظ
1) وعلى رأسهم إمام المحدثين البخاري (256هـ.) في التاريخ الكبير في ترجمة الصحابي عثمان بن حنيف رضي الله عنه،
2) والإمام أحمد (241هـ.) في موضعين من مسنده.
3) ورواه الإمام الترمذي (279هـ.) الذي هو تلميذ البخاري ومسلم (261هـ.)، وقال في جامعه بعد أن رواه في كتاب الدّعوات منه: "هذا حديث حسن صحيح"،
4) ورواه كذلك من أصحاب الكتب الستة ابن ماجه (273هـ.) في سننهوفيه: "قال الحافظ أبو إسحق إسناده صحيح".
5) ورواه كذلك الإمام النسائي (303هـ.) في كتابيه السنن الكبرى وعمل اليوم والليلة،
6) ورواه ابن خزيمة (311هـ.) في صحيحه والحاكم (405هـ.) في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ج1 ص 313)،
7) ورواه كذلك البيهقي في دلائل النبوة
ورواه كذلك ابن أبي خيثمة (279 هـ.) في تاريخه والحافظ أبو عبد الله المقدسي وصحّحه .
9) وقد رواه كذلك الحافظ ابن السّـني (364هـ.) في عمل اليوم والليلة،
10) والحافظ زكي الدين المنذري (656هـ.) في الترغيب والترهيب،
11) والإمام النووي (676هـ.) في كتابه الأذكار
12) والإمام ابن الجزري (833هـ.) في عدة الحصن الحصين.
قد تكون صورة لـ ‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نص مفاده '‏وقوف الصحابة أمام القبر الشريف‏'‏‏
٢٤
١١ مشاركة
أعجبني
مشاركة

#الخلاف_حول_يوم_المولد_النبوي

 



نفس الأسواطنة المشروخة كل سنة: معارك طاحنة حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي وكأن الناس تعلّمت كل الدين ولم يبق لها إلا الصراع حول هذه المسألة.
ليس اعتراضي منوطا بمناقشة المسألة علميا بين من يحسنون النقاش وكانوا من أهله وإنما أن تتحول المسألة إلى صراع يتسبب بالهجر في كل مرة.
المشكلة ليست في وجود الخلاف وإنما في كيفية إدارته.
أما بالنسبة لحكم الولد النبوي فيختلف باختلاف نية المحتفل به:
إن كان المحتفل به يحتفل به من باب الذكرى ويُكثر من الذّكرِ والدعاء والتذكير بسيرته في هذا اليوم من باب اغتنام الفرصة والمناسبة للتذكير بالله وبسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يجوز احتفاله بالمولد ويؤجر في العبادات التي نشط فيها بمناسبة هذا اليوم بشرط ألا يعتقد أن العبادة في هذا اليوم تحديدا فيها زيادة أجر عن العبادة في سائر الأيام وإنما يجعل تخصيص هذا اليوم من باب اغتنام الفرصة كما نغتنم فرصة إساءة الغرب للنبي صلى الله عليه وسلم للتذكير بسيرته وكما ذكّر السلفيون بسيرة ابن تيمية والألباني لما طُعِن فيهما، وقد فعل بقية المسلمين ذلك في مناسبة الرسوم المسيئة، بل ونجد مناسبة طعن الملحدين في ربنا فرصة للتذكير بصفاته والاستدلال على وجوب وجوده، فهذا يدخل في اغتنام الفرص والمناسبات للتذكير وليس له علاقة بالابتداع في الدين ما لم يعتقد المحتفل أن اليوم في حد ذاته تُستحب فيه العبادة كما لا يجوز تحريم العبادات والسنن والنوافل والذّكر وسرد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم لأن المحرّم يكون قد ابتدع في الدين إذ أخرج حُكم العبادة في هذا اليوم من أصل الجواز كما هو الحال مع سائر الأيام إلى التحريم "بغير دليل" فإن قالوا "العبادة توقيفية" قلنا إن مناط العبادة هنا ليس هو اليوم نفسه وإنما تلك الأذكار التي وردت النصوص في استحبابها دون استثناء هذا اليوم أو غيره، ولا يوجد نص يمنع تكثيف الأذكار في يوم معين دون غيره ما لم يعتقد الذاكر أن ذاك اليوم فيه أجر إضافي على سائر الأيام.
أما أسئلة الشيخ الألباني المشهورة "هل عيد المولد خير أم شر وهل علمه النبي أم لم يعلمه وهل عمل به أم لم يعمل به" فنقول: قد تلزم هذه الأسئلة من يعتقد أن اليوم نفسه مخصوص بأجرٍ مختلف عن سائر الأيام.
أما من يعتبره يوما للذكرى فلا تلزمه كل هذه الإلزامات لأنه سيقول "احتفالي بالعيد في حد ذاته ليس عبادة وإنما حبي للنبي صلى الله عليه وسلم هو العبادة، وحب النبي في حد ذاته ليس بدعة بل هو أمر واجب، أما التعبير عن حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يُشترط فيه التوقيف فيمكن أن يكتب مسلمٌ ما كلمة "محمد صلى الله عليه وسلم" ويضعها في منشور أو في صورة للبروفايل عند سماعه بالرسوم المسيئة إليه ولا يكون بذلك مبتدعا لمجرد أنه عبر عن حبه له بطريقة ليس فيها نص، فلا يوجد صحابي عبر عن حبه للنبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة ومع ذلك لا يكون من فعل ذلك مبتدعا، فكذلك الاحتفال بيوم المولد له نفس الحكم، ومثله من يُنشد أنشودة يمدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر محاسنه فهو يعبر عن حبه له بهذه الطريقة وليس شرطا أن يعبّر بطريقة محددة لا فكاك منها.
أما الذين قالوا بأن أول من احتفل بالمولد هم الفاطميون العبيديون فإن ذلك لا يعني أن الاحتفال به محرم، بل لو كان أول محتفل به بوذيا أو كافرا لما غيّر ذلك من حكمه شيئا فنحن لا نتكلم عن شيء جديد شُرّع في الدين وإنما نتكلم عن طريقة من طرق التعبير عن حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم.
توجد عدة مغالطات أولها حصر المسائل ما بين طاعة ومعصية ومعلوم أن الطاعة إما أن تكون واجبة أو مستحبة والمعصية تكون محرمة، فأين ذهبوا بخانة (الجائز والمكروه) في هذه الاحتمالات ؟ ومعلوم أنه لا يمكن إلزام المخالف باحتمالين كلاهما خاطئ مع وجود احتمالات أخرى، فهذه أضداد توجد غيرها والضدان لا يجتمعان لكنهما يرتفعان "إلا إن كانا الاحتمالين الوحيدين".
وهذا السؤال يشبه أن نقول: هل لون السماء أسود أم بنفسجي ؟ ونحذف بقية الألوان من الاحتمالات.
والمغالطة الثانية قولهم "هل علمها النبي صلى الله عليه وسلم أم جهلها" ثم قالوا "إن قلتم جهلها فاتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالجهل زندقة".
أقول: هنا يجب التنبيه على مسألة عقائدية خطيرة أخطأ فيها ناشر هذه الصورة وهي جعل النبي صلى الله عليه وسلم معصوما من جنس الجهل "عدم العلم" وكأنه يريد وصفه بالعلم التام المطلق فيكون علمه بذلك مساويا لعلم الله، وإلا فمن المعلوم أن النبي إنسان وعلمه ناقص فهو لا يعلم كل شيء وإلا لكان علمه مساويا لعلم الله وهذا شرك بالله في صفة العليم، والله يقول "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
هنا قد يقول الناشر: قصدنا بذلك اتهامه بالجهل في مسألة دينية، فنقول "وهنا المصيبة: من الذي قال بأن هذا الاحتفال يراد به التعبد لحد ذاته ؟" فإن قال " يوجد من يعتقد ذلك ويصرح به" قلنا ذلك يلزمه وحده، ولكن على أي أساس حرمتم الاحتفال بالمولد هكذا من غير تفصيل ولا استثناء ؟
ثم إن الله عز وجل نفى عن نبيه العلم ببعض الأمور في عدة مواضع من القرآن فنفى عنه العلم بالمنافقين فقال (لا تعلمهم الله يعلمهم) ونفى عنه العلم بالغيب فقال (قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه قال كما في حادثة تأبير النخل (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، وليس نفي علم النبي صلى الله عليه وسلم بمسألة معينة أو عدة مسائل معناه وصفه بالجاهل، فالجاهل هو الذي يغلب جهله على علمه فيما هو مكلف به أو في المجال الذي يتكلم فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالشريعة ولكن ذلك لا يعني أنه يعلم كل شيء.
أما مسألة الاحتفال بالمولد فلم يحتفل به النبي صلى الله عليه وسلم لأن المسألة لم تكن مطروحة أصلا، وهذا يشبه أن يقال "لماذا لم يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم الفايسبوك"، فحتى ولو كان الاحتفال بالمولد ممكنا آنذاك فإن الفكرة نفسها لم تُطرح عليه، فلو طُرِحت عليه ثم حرمها لقلنا "هذا دليل على تحريم الاحتفال" أما الاستدلال بمجرد عدم عمل النبي صلى الله عليه وسلم به على التحريم فذلك ما لا أراه صحيحا.
بل إن هناك مأكولات عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأكلها مع أنه لا يحرمها وقد مات رجلٌ فقال لهم صلى الله عليه وسلم "صلوا على صاحبكم" فأجاز لهم الصلاة عليه لكنه لم يصلّ عليه بنفسه.
فحتى المسائل التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها ليست بالضرورة محرمة إلا إن قال ما يفيد تحريمها.
إنما يكون التحريم لمجرد عدم عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل لما يكون الفعل بنية العبادة ولا يكون له أي أصل في الشريعة، أما الفعل الذي ليس بنية العبادة أو الفعل المصحوب بنية العبادة مع بنائه على ما كان له دليل كلي يشمل حكمه أو دليل في عين المسألة فهذا لا يكون بدعة أبدا
#ملاحظة: أنا شخصيا لا أحتفل بهذا اليوم ولا أخصصه بشيء ولكني لو شهدتُ حفلا فيه فإني لا أمانع من حضوره.
فحكم تخصيص هذا اليوم بالأذكار عندي كحكم عدم تخصيصه بها، فالأذكار مستحبة لذاتها بغض النظر عن الزمن الذي تقال فيه إلا الأزمان التي وردت النصوص في تفضيلها على غيرها، ويوم المولد ليس منها، في نفس الوقت لم يرد نصٌّ في تحريم الذكر يوم المولد أيضا.