هل نؤذن للجمعة أذاناً واحداً أم أذانين؟
الجواب : الشيخ محمد صالح العثيمين
الأفضل أن يكون للجمعة أذانان اقتداءً بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ لأنه أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم باتباع سنتهم؛ ولأن لهذا أصلاً من السنة النبوية حيث شرع في رمضان أذانين أحدهما من بلال، والثاني من ابن أم مكتوم رضي الله عنهما، وقال: "إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم، فكلواواشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"، ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينكروا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، فيما نعلم، وأنتم محتاجون للأذان الأول لتتأهبوا للحضور. فاستمروا على ما أنتم عليه من الأذانين، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وتكونوا فريسة للقيل والقال بين أمم تتربص بكم الدوائر والاختلاف. أسأل الله تعالى أن يجمع قلوبكم، وكلمتكم على الهدى، ويعيذكم من ضلالات التفرق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد السادس عشر - كتاب صلاة الجمعة.
=-=-=-=
مشروعية الأذانين للجمعة
السؤال:
ورد من المستمع محمد علي الجمل من جمهورية مصر العربية - دمياط - في سؤاله الأول يقول: لاحظت في بلدكم المملكة العربية السعودية أنه يوجد أذانان للجمعة، وهذا غير صحيح، إذ أنه كان إذا صعد الإمام المنبر أذن بين يديه أذان واحد وجميع كتب السنة تؤيد ذلك، فأرجو أن تحولوا هذا إلى الجهات المختصة كدار الإفتاء التي يرأسها سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز ليحق الله الحق ويبطل الباطل؟
الجواب:
الإمام ابن باز رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فنعم هو كما قال السائل، كان الأمر في عهد النبي ﷺ أذان واحد مع الإقامة، كان إذا دخل النبي ﷺ للخطبة والصلاة أذن المؤذن ثم خطب النبي ﷺ الخطبتين، ثم يقام للصلاة، هذا هو الأمر المعلوم، وهو الذي جاءت به السنة كما قال السائل، وهو أمر معروف عند أهل العلم والإيمان.
ثم إن الناس كثروا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في المدينة، فرأى أن يزاد الأذان الثالث، ويقال له: الأذان الأول، لأجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم الجمعة، حتى يستعدوا ويبادروا إلى الصلاة قبل الأذان المعتاد المعروف بعد الزوال، وتابعه بهذا الصحابة في عهده، كان في عهده علي ، وعبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة، والزبير بن العوام أحد العشرة أيضًا، وطلحة بن عبيد الله .. وغيرهم من أعيان الصحابة وكبارهم، وهكذا سار المسلمون على هذا في غالب الأمصار والبلدان تبعًا لما فعله الخليفة الراشد عثمان، وتابعه عليه الخليفة الراشد أيضًا علي وأرضاه، وهكذا بقية الصحابة.
فالمقصود أن هذا حدث في خلافة عثمان وبعده، واستمر عليه غالب المسلمين في الأمصار والأعصار إلى يومنا هذا، وذلك أخذًا بهذه السنة التي فعلها عثمان وأرضاه لاجتهاد وقع له، ونصيحة للمسلمين ولا حرج في ذلك؛ لأن الرسول قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وهو من الخلفاء الراشدين ، والمصلحة ظاهرة في ذلك، فلهذا أخذ بها أهل السنة والجماعة، ولم يروا بهذا بأسًا، لكونها من سنة الخلفاء الراشدين عثمان وعلي ومن حضر من الصحابة ذلك الوقت جميعًا. نعم.
أقوال الأئمة الأربعة في الأذان يوم الجمعة
السؤال: مسألة الأذان يوم الجمعة أريد تحليلا كاملا للمذاهب الأربعة مع آراء بقية العلماء.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن مرادك السؤال عن مشروعية الأذان الأول في يوم الجمعة، وإلا فصفة الأذان يوم الجمعة لا تختلف عن غيره من الأيام، فإن كان هذا هو مقصودك فاعلم أن أكثر العلماء استحبوا موافقة فعل عثمان ـ رضي الله عنه ـ بجعل أذان أول للجمعة بل علق الحنفية وجوب السعي وترك البيع به، ففي الدر المختار من كتبهم:
وَوَجَبَ سَعْيٌ إلَيْهَا وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ، بَلْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَيُؤَذِّنُ ثَانِيًا بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ الْخَطِيبِ. انتهى مختصرا. وكذا نص المالكية على مشروعية أذانين للجمعة، ففي إرشاد السالك من كتب المالكية:وَلَهَا أَذَانَانِ: الأَوَّلُ عَلَى الْمَنَارَةِ وَالآخَرُ بَيْنَ يَدَيِ الإِمَامِ إِذَا جَلَسَ عَلَى الْمنْبَرِ، فَإِذَا فَرَغَ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ. انتهى. ونص الحنابلة كذلك على استحباب الأذان الأول للجمعة،
قال ابن أبي عمر في الشرح الكبير: قال السائب بن يزيد كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء رواه البخاري، فهذا النداء الأوسط هو الذي يتعلق به وجوب السعي وتحريم البيع، لقوله سبحانه:
{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} ـ
وهذا النداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزول الآية فتعلقت الأحكام به، والنداء الأول مستحب في أول الوقت، سنة عثمان ـ رضي الله عنه ـ وعملت به الأمة بعده وهو للإعلام بالوقت، والثاني للإعلام بالخطبة والثالث للإعلام بقيام الصلاة، وذكر ابن عقيل أن الأذان الذي يوجب السعي ويحرم البيع هو الأذان الأول على المنارة والصحيح الأول. انتهى. وأما الشافعي ـ رحمه الله ـ
فقد نص على أن الأولى عنده هو أذان واحد للجمعة على ما كان عليه الحال زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال صاحب البيان من الشافعية: قال المحاملي: قال الشافعي: وأحب أن يؤذن للجمعة أذانًا واحدًا عند المنبر، لما روى السائب بن يزيد قال: كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر إذا جلس الإمام على المنبر أذانًا واحدًا، فلما كان في زمن عثمان،
وكثر الناس أمر بالأذان الثاني، فأذن به، فكان يؤذن به على الزوراء لأهل السوق والناس ـ قال الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ: وأحب ما كان يفعل على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر، ويستحب أن يكون المؤذن واحدًا، لأنه لم يكن يؤذن يوم الجمعة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بلال. انتهى.
فإذا عرفت أقوال العلماء ومذاهبهم في هذه المسألة فاعلم أن الأمر بحمد الله واسع، فمن أذن أذانا واحدا فقد أحسن ومن أذن أذانين فقد أحسن واتبع سنة أمير المؤمنين عثمان ـ رضي الله عنه ـ وهو من الأئمة الراشدين المهديين الذين أمرنا باتباع سنتهم. والله أعلم.
وقال شيخ الألباني -
الأمر في هذا واسع ، فمن أذن للجمعة أذانين فالصلاة صحيحة بالإجماع ، ولا يأثم فاعل ذلك إذا كان مجتهداً أو مقلداً لمجتهد .
ومن ترك الأذان الأول فلا شيء عليه، ولا يكون آثماً بإجماع العلماء.
ولا يجوز أن يسبب الخلاف في أذان الجمعة الأول الفرقة والتناحر بين المسلمين، فالأمر مختلف فيه بين العلماء ، والخلاف قوي جداً، فلكل دليل ووجهة نظر لا تحل أن يكون هناك تنازع وافتراق واختلاف .
فمن اتخذ ذلك الخلاف ذريعة للفرقة والتشفي من غيره أو وسيلة لتباعد المسلمين وتباغضهم فهو ضال مضل مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة.
والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد.