الجمعة، 16 يونيو 2023

فضل العشر من ذي الحجة والاعمال المستحبة فيها

 فضل العشر من ذي الحجة والاعمال المستحبة فيها


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الامين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فان الله تعالى قد فطر الإنسان على التقصير والنقص وعدم الكمال، ولكن من رحمت الله تعالى بعباده أن يّسر لهم مواسم الطاعات والخيرات وميادين المغفرة والرحمات، يتنافسون فيها في الطاعات ليُصلحوا الخلل ويكملوا النقص ويتداركوا التقصير، قال تعالى : {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين: 26].
ومن هذه المواسم الفاضلة عشر ذي الحجة، وهي أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها؛ بل إن الله تعالى أقسم بها، وهذا وحده يكفيها شرقاً وفضلاً، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم ، وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها. وفي هذه الرسالة بيان لفضل عشر ذي الحجة وفضل العمل فيها، والأعمال المستحبة فيها.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الاستفادة من هذه الأيام، وأن يعيننا على اغتنامها على الوجه الذي يرضيه.
فضل عشر ذي الحجة
1- أن الله تعالى أقسم بها:
وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال تعالى  وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ  . والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف، وقال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح.
2- أنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره:
قال تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج:28] وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.
3- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها افضل أيام الدنيا:
فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((أفضل أيام الدنيا أيام العشر - يعني عشر ذي الحجة - قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال : ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب)) [ رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني]
4- أن فيها يوم عرفة :
ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً.
5- أن فيها يوم النحر :
وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم ((أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر))[رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني].
6- اجتماع أمهات العبادة فيها :
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره).
فضل العمل في عشر ذي الحجة
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ- يَعْنِي الْعَشْرَ-، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)) [رواه البخاري].
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكرت له الأعمال فقال: ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشرـ قالوا: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله؟ فأكبره. فقال: ولا الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه)) [رواه أحمد وحسنه الألباني].
فالحديثان يدلان على أن كل عمل صالح يقع في أيام عشر ذي الحجة أحب إلى الله تعالى من نفسه إذا وقع في غيرها، وإذا كان العمل فيهن أحب إلى الله فهو أفضل عنده، وأن العامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله الذي رجع بنفسه وماله، وأن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة تضاعف من غير استثناء شيء منها.
استقبال عشر ذي الحجة؟
على المسلم أن يحرص على استقبال مواسم الطاعات ، واغتنامها وأن يُحسن استقبالها قبل أن تفوته فيندم، ولات ساعة مندم. ومنها استقبال عشر ذي الحجة بأمور اهمها :
1- التوبة الصادقة :
فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
2- العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام :
فينبغي على المسلم أن يحرص حرصاً شديداً على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله وهيأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل.
3- البعد عن المعاصي:
فالمعاصي من أسباب للبعد عن الله تعالى والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه، فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فليحذر المسلم من الوقوع في المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها؟ ومن لاح له الاجر هانت عليه التكاليف، كما قال الامام ابن القيم رحمه الله.
الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة
ومن الأعمال التي يستحب للمسلم أن يحرص عليها ويكثر منها في هذه الأيام:
1- أداء مناسك الحج والعمرة.
وهما افضل ما يعمل في عشر ذي الحجة، ومن يسر الله له حج بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) [متفق عليه].
والحج المبرور هو الحج الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لم يخالطه إثم من رياء أو سمعة أو رفث أو فسوق، المحفوف بالصالحات والخيرات.
2- الصيام :
وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، وقد أضافه الله إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) [متفق عليه].
وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: ((صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده)) [رواه مسلم].
وعليه فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها. وقد ذهب إلى استحباب صيام العشر الإمام النووي وقال: صيامها مستحب استحباباً شديداً.
3- الصلاة :
وهي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه)) [رواه البخاري].
4- التكبير والتحميد والتهليل والذكر:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)) [رواه أحمد].
وقال البخاري في صحيحه: كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها.
وقال ايضا: وكان عمر-رضي الله عنه- يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.
ويستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفع صوته به، وعليه أن يحذر من التكبير الجماعي حيث لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، والسنة أن يكبر كل واحد بمفرده.
5- الصدقة :
وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حث الله تعالى عليها فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [البقرة:254]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال)) [رواه مسلم].
أعمال أخرى يستحب الإكثار منها في هذه الأيام:
قراءة القرآن وتعلمه، والاستغفار، وبر الوالدين، وصلة الأرحام والأقارب، وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج المسلمين وعدم ايذائهم ـ
وأداء الأمانات والوفاء بالعهد، وإغاثة الملهوف، وغض البصر عن محارم الله، والمحافظة على صلاة الجماعة، والمحافظة على السنن الراتبة، والحرص على صلاة العيد ، وذكر الله كثيرا، والحرص على الكسب الحلال، وإدخال السرور على المسلمين، والشفقة بالضعفاء، وسلامة الصدر وترك الشحناء ، والتعاون على البر والتقوى، وغيرها من الاعمال الصالحة المقربة الى الله تعالى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
✍️د ضياء الدين عبدالله الصالح