الاثنين، 10 أبريل 2023

رسالة لمن يتغنون بالتزام ظاهر النص !

 
رسالة لمن يتغنون بالتزام ظاهر النص

هل يجوز إعطاء زكاة الفطر نقداً ؟ وما الدليل ؟
وهل هو خلاف لما ورد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1⃣- عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْـــلَ خُرُوجِ النَّــــاسِ إِلَــى الصَّلَاةِ
2⃣ - عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ
🙋ف هذين الحديثين المباركين نستنبط ما يأتي :
1⃣- فرض النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ف زكــاة الفطر ، ونصّ ع : التمر ، والشعير فقط !
2⃣ – ذكر الصحابيّ الجليل أبو سعيد الخدريّ ، وفسّر الطعام ، الــذي كانوا يخرجونه ف زكــاة الفطـــر ، ف زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم : الشعير والزبيب والأقط والتمر ، فقط !
فلم ينص النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لا ع الأرز ، ولا ع غيره !
👈فالذين يدّعون #التقيّد_بالنصوص ، من أين جاءوا بالأرز وغيره ؟
والأرز لم يكن موجوداً أصلاً ف زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ؟
👈ولم ينص النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ع قوت البلـــد ، ولم يلفظ كلمتي ( قوت البلد ) ! فمن أين جاء الذين يحتجّون ع غيرهم بالتقيّد بنص النبيّ صلى الله عليه وسلم .
◾ من أين جاءوا بـ( قوت البلد ) ، وهم يفرحون بأنهم يطبّقون السنة ف هذا الموضوع ، دون غيرهم من الذين يخرجون النقود ؟ !
🙋ونحن نرى أنّ آراء واجتهادات وأقوال ، ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، أكثر دقة ، ومنطقيّةً ، مع ظاهريته ، ف تقيّده بالنص ، من الذين يدّعون ذلك ، ويحاربون غيرهم بحجة التقيّد بالنص .
وهم – ف الحقيقة – مقيّدون باجتهادات وآراء رجال – غير معصومين – لا يرتقون إلى مستوى كُتّاب أولئك الأئمة ، الذين يحاربونهم ! !
🔘أنظري إلى أقوال ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، لترى التقيّد حرفيّاً بالنص كيف يكون ؟ :
قال ، رحمه الله :
[ وَأَجَازَ قَوْمٌ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
فَقَالَ قَوْمٌ: يُجْزِئُ فِيهَا الْقَمْحُ وَقَالَ آخَرُونَ: وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ.
وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا -:
أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ،
👈فَقُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ بِلَا بُرْهَانٍ،
ثُمَّ قَدْ نَقَضْتُمُوهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ لَا الْحَبَّ:
فَأَوْجَبُوا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا لِأَنَّهُ هُوَ أَكَلَهُ، وَهُوَ قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ،
فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ.
قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَكَذَلِكَ مَا عَدَا التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ،
👈وَقَالُوا: إنَّمَا خَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالذَّكَرِ - التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا #قَوْلٌ_فَاحِشٌ_جِدًّا
أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْشُوفٌ، لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَوَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ؛ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا،
◾وَيُقَالُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْقَمْحَ، وَالزَّبِيبَ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمَا وَقَصَدَ إلَى التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؛ أَنَّهُمَا قُوتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،
وَهَذَا لَا يَعْلَمْنَهُ إلَّا مَنْ أَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَحَيٌّ بِذَلِكَ،
وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْفَرْضُ فِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَطْ،
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ وَأَنْذَرَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَفْتَحُ لَهُمْ الشَّامَ، وَالْعِرَاقَ، وَمِصْرَ، وَمَا وَرَاءَ الْبِحَارِ،
فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبِسَ عَ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ دِينَهُمْ؟ فَيُرِيدُ مِنْهُمْ أَمْرًا وَلَا يَذْكُرُهُ لَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ بِكَلَامِهِ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؟
وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَطِ ] .
🙋 هذا منطق مَن يأخذ بحرفية النص ، ويأخذ به !
وهو منطق وقول مَن لا يتناقض مع نفسه !
فالذي يخــالف و يحــارب المسلمين ف هـذه المســــألة – لأنهم يقولون بجواز إخراج النقود – ويفتخر بنفسه ، ع أنه مقيّد بنص حديث رسول الله ، دون غيره
عليه : إمّا أن يردّ ع الإمام ابن حزم قوله ، ويبطله !
أو يعترف بأنه أيضاً غير مقيّد بحرفية النص ، حاله حال المسلمين الذين يحاربهم !
وعليه أن يعترف أنه هو أيضاً مقيّد بقياسات واجتهادات العلماء !
هل ذكر النبيّ ، الأرز والعدس و . . . ؟ وهل قال صلى الله عليه وسلم ، قوت البلد ؟
هل أخذوا ذلك من حرفية النص ؟ أم استنباطاً منه ؟
فلماذا يجوز ، ويحل لهم الإستنباط ، ولا يجوز لغيرهم ، ويحرم عليهم ذلك ؟ !
ج – ثم قال ابن حزم ، رحمه الله :
[ ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ خَبَرٌ مُسْنَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِ شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ،
وَلَا عَجَبَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَقُولُ فِ خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ: «كُنَّا نَبِيــعُ أُمَّهَـــاتِ الْأَوْلَادِ عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ «ذَبَحْنَا عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ»
أَنَّ هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ،
ثُمَّ يَجْعَلُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا مُسْنَدًا عَ اضْطِرَابِهِ وَتَعَارُضِ رُوَاتِهِ فِيهِ
فَلْيَقُلْ كُلُّ ذِي عَقْلٍ: أَيُّمَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَا يَخْفَى عَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
بَيْعُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ ذَبْحُ فَرَسٍ فِ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَوْ بَيْتِ الزُّبَيْرِ،
وَبَيْتَاهُمَا مُطْنِبَانِ بِبَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنَتُهُ عِنْدَهُ، عَلَى عِزَّةِ الْخَيْلِ عِنْدَهُمْ وَقِلَّتِهَا وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا،
أَمْ صَدَقَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِ بَنِي خُدْرَةَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ بِصَاعِ أَقِطٍ، أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ،
وَلَوْ ذُبِحَ فَرَسٌ لِلْأَكْلِ فِ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ بَغْدَادَ مَا كَانَ
يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى فِ الْجَانِبِ الْآخَرِ،
وَلَوْ تَصَدَّقَتْ امْرَأَةُ أَحَدِنَا أَوْ جَارُهُ الْمُلَاصِقُ بِصَاعِ أَقِطٍ؛ أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ وَصَاعِ قَمْحٍ، مَا كَادَ هُوَ يَعْلَمُهُ فِي الْأَغْلَبِ؛
فَاعْجَبُوا لِعَكْسِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْحَقَائِقَ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ الثَّلَاثَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ ]
يقول الإمام ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، عن قول أبي سعيد الخدري - الذي يقول فيه - : كُنّا نفعل كذا . .
يقول : هذا ليس خبر مسند ، لأنه ليـــس فيــه أنّ رسول الله ، عَلِم بذلك فأقرّه !
ويتعجب ابن حزم ، من هؤلاء العلماء ؛ الذين يعتمدون ف إقرار سنة عن النبيّ ، ع قول أبي سعيد الخدري ، : كنا نفعل كذا وكذا .
فيقولون بإخراج الزبيب والأقط و . . . إستناداً ع قول أبي سعيد الخدريّ : كنّا نُخْرِجُ فِ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ .
ويعتبرونه سنّة مقررة من عند رسول الله ، علماً أنه ليس فيه أن رسول الله قد عَلِمَ بذلك !
بينما هم يردّون ما هو أقوى من ذلك ، ولا يعتبـرونـه سنّة ! ويقولون : هو غير مسند ؛ لأنه ليس فيه أنّ رسول الله ، عَلِمَ بذلك فأقرّه ! !
فيقول : هؤلاء العلماء قد ردّوا قول بعض الصحابة ، رضي الله عنهم ، مثل جابر بن عبد الله ، وأسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهم ، وقولهما هو بنفس صيغة قول أبي سـعيـد الخدريّ ، الذي جعلوه سنّة ، بل قولهما أقوى ف الإستنباط منه !
مثلاً : خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ: «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ «ذَبَحْنَا عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ»
فيقولون عنهما : هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ
يقول ابن حزم : فليحكم كل مَن عنده عقل يحتكم إليه ، أي منهما منطقي ؟
هل يخفـى ع رسول الله ، أن يبيـع رجـل من أصحابـه كجابر أم ولده ؟
أو هل يخفى ع رسول الله ، أن يُذبح فَرَس ف بيت أبــي بكر الصدّيق ، أبي أسمــاء ، أو ف بيت الزبير بن العـوام ، زوج أسماء ،
وبيت كل منهما بجنب بيت رسول الله ،
وأخت أسماء ؛ هــــي عائشة بنت أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهم ، وهي زوج النبيّ ؟
ولاسيما كم كان الفَرَس عزيزاً ، وقليلاً عندهم ، وكم كانوا بحاجة إليه ، فيذبحونه ويأكلونه ،
ويخفى ذلك ع رسول الله ! ! ولا يعتبر عملهم سنّة !
أما حينما يتصدّق رجل مــن أصحابه كأبـــي سعيد الخدريّ ، وبيته ف عوالي المدينة المنورة ، ف بني خُدرة ، أي بعيد عن بيت رسول الله
حينما يتصدّق بصاع أقط ، أو زبيب ، فهذا لا يخفى ع رسول الله ويعتبر عمله سنّة إقرارية !
ويقول : لو ذُبح فَرَس للأكل ، ف طرف من بغداد – ف زمانه – ما كان ليخفى ع الطرف الآخر ،
فكيف خفي ذلك ع رسول الله، في جنب بيته ؟
يقول : بينما لو تصدّقت زوجة أحدنا بصاع أقط ، أو زبيب ، أو قمح ، ما كاد أن يعلمه ، وهو زوجها !
فأن لا يعلم جيرانه فبطريق الأَوْلى ! !
فكيف – حسب قول ابن حزم – عكَسَ هؤلاء العلماء الأمر ، فردّوا الأقوى ، وأخذوا بالأضعف منه ؟ !
3⃣ – جاء ف حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما ، الذي رواه الشيخان ؛ البخاري ، ومسلم ، ف صحيحيهما :
( وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ ) .
فهذا أمر من النبيّ ، صريحاً واضحاً – للذين يتقيّدون بنص النبيّ ، ويدّعون أنّهم لا يخرجون عن النص ، ويحاربون الأئمة ويضللونهم بخروجهم عن النص –
هل هم يتقيّدون بأمر ، وسنة رسول الله ، هنا ؟
وأمره ، هنا هو أن تؤدّى زكاة الفطر ، بعد صلاة فجرعيد الفطر ، وقبل صلاة العيد !
فهل هم مقيّدون بذلك ؟
وقد استحب الأئمة ؛ أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، تأخير صلاة عيد الفطر ، ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر ، المستحب إخراجها فيه !
فهل هم يتقيّدون بذلك ؟
لا ، طبــعاً ، هم غيـــر مقيّدون بذلك ، بل يؤدّونها قبل ذلك ، ربّما بيومين ! لماذا ؟
لأن الإمام البخاري ، رحمه الله ، قد روى ف صحيحه ، عن ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أنه كان «يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»
ولنا ع هذا الإستدلال ملاحظتان :
1⃣ – أن النبيّ أمر بوضوح ، وبصريح العبارة
، أن تؤدّى زكاة الفطر ، قبل خروج الناس إلى الصلاة !
🙋فلمـاذا عدل الملتزمون بالنص عن ذلك ، ويؤدونها قبل ذلك ؟
قالوا : [ ولا مانـــع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين .
وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها ف أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين ؛ لأن الشهر يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين ] .
وقالوا أيضاً : [ وقت وجوب إخراجها : تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الفِطْرِ : هذا هو وقت الوجوب، أي الوقت الذي يوجه فيه الخطاب إلى الإنسان بإخراجها هو وقت غروب الشمس ليلة الفطر، والدليل حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ]
ثم أنظر إلى قولهم – وهم يدّعون الإلتزام بنصوص الكتاب والسنة – :
[ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ] . [ وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ العِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ] .
علماً أن رسول الله ، أمر بإخراجها قبل خروج الناس إلى الصلاة !
أتدرون لماذا ؟
لأن الصحابيّ الجليل عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، روى : أنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين !
أي : أن الصحابة هم يفسرون ، ويشرحون ، ويبيّنون لنا مقصد رسول الله وما أراد بأوامره ، وكيفيّتها !
والصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يفعلون شيئاً من عند أنفسهم ، بل لابد أنّهم إذا عملوا عملاً فبعلم رسول الله عملوه ، وأقرّهم ع ذلك .
مع أن أمر النبيّ هنا واضح صريح !
قالوا : [ وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين ] .
[ لما روى الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (1511) من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَكَانُوا يُعْطُونَها قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ] .
هذا هو سبب العدول عن أمر رسول الله ، الواضح الصريح !
فالصحابة ، رضوان الله عليهم ، هم مَن يفسرون لنا أوامر رسول الله ، ولا يعملون إلّا بعلم النبيّ
وهذا كلام جميل ، ومبدأ صحيح ، أليس نقول دائماً : الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ؟
وهل هناك – من السلف الصالح – أفضل ، وأعلم من الصحابة ، رضوان الله عليهم ؟ !
ولا ندري – ولا المنجّم يدري – لماذا عدلوا عن هذا المبدأ الصحيح الجميل ف مكان آخر ؟ !
والحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، قد قرر ف كتابه (( منهاج السنة )) ، أنّ الدليل ع بطلان المقابل ، هو وجود التناقض ف أقواله ومواقفه ؛ فتراه يقرر شيئاً ف مكان ، ثم يقرر عكسه ، ويناقض ذلك القول ف مكان آخر !
النبيّ لم ينص أيضاً لا ع الأرز والعدس ، ولا ع قوت البلد ، فلماذا عدلوا هنا عن نص الحديث !
وقد كان كبار الصحابة وعلمائهم ، رضي الله عنهم ، قد فقهوا وفهموا الغاية من الزكاة عامة ، وهي : سد فاقة الفقير ، وإشباع حاجاته .
ولم يقيّدوا أنفسهم ببعض الوسائل المنصوصة عليها !
فقد صحّ عن معاذ بن جبل – أعلم الصحابة بالحلال والحرام – ، أنه قال لِأَهْلِ اليَمَنِ:
«ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ
أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ»
وكذلك جاء عن عمر بن الخطاب أنه كان يأخذ من الأراضي الخراجية الدراهم ، مع أنّ النبيّ ، أخذ من أهل خيبر شطر ما يخرج من أراضيهم ،
ومع هذا لم يتقيّد عمر بأخذ الثمار والزروع بل كان يأخذ الدراهم وغيرها منهم .
وما رأينا منكراً من الصحابة ع ذلك ، وع هذا مضى من بعده.
والله اعلم



0-----0-00-0---


من أعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين»

الخلاف بين المجيزين والمانعين لإخراج زكاة الفطر نقدا

ليس لأن بعضهم

يأخذ بحديث رسول الله ﷺ

والآخرين يردون النص او قوله ﷺ ويجتهدون بخلافه !

بل الخلاف هو في فهم مراد

رسول الله ﷺ وتطبيق الافضل للسنة.

إخراج زكاة الفطر نقدا أفضل وأيسر في عصرنا هذا وفيه مصلحة للفقير والمزكي


000
---------


إخراج زكاة الفطر من الأرز في عصرنا الحاضر انفع للفقير من الأصناف الواردة في الوحي

فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين

فقه زكاة الفطر بالتفصيل على المذاهب الفقهية الأربعة

 فقه زكاة الفطر بالتفصيل على المذاهب الفقهية الأربعة



د. مرشد معشوق الخزنوي
زكاة الفطر؛ أي: الزكاة التي سببُها الفطر من رمضانَ، وتُسمَّى أيضًا صدَقةَ الفِطر، وبكلا الاسمَيْنِ وردَتِ النصوص، وهي الصَّدقة التي تَخرج في آخر رمضان، وفي ليلة عيد الفِطر وصباح عيد الفِطر.
وسمِّيتْ بزكاة الفِطر؛ لأنَّها شُرعتْ عند إتمام شهر رمضان في السَّنة الثانية من الهجرة، وفي الزمن الذي يفطر فيه الصائمون مِن رمضان، فهي زَكاة الإفطار، أو صدقة عيد الفِطر الذي بعد إكمال رمضان‏، كما تسمَّى زكاة رمضان؛ لأنَّها متعلِّقة بشهر رمضان، أو زكاة الأبدان؛ لأنَّها تتعلَّق بالأشخاص؛ لأنَّ الفِطرة هي الخِلقة، كما قال تعالى: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [الروم: 30]؛ أي: الجِبلَّة التي جُبلوا عليها، ويُقصد بها هنا الصَّدقة عن البدن والنَّفس.
• حكمة مشروعيتها: وشُرعتْ هذه العبادة المرتبطة بشهر الصِّيام لسببين؛ كما يقول حبرُ الأمَّة عبدُالله بن عباس رضي الله عنهما: "فرَض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطر؛ طُهرةً للصَّائم مِن اللَّغو والرَّفث، وطُعمةً للمساكين، مَن أدَّاها قبلَ الصلاة فهي زكاة مَقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"[1].
فلأننا بشَر نُخطئ، يشوب صيامَنا بعضُ النواقص مِن اللَّغو والرَّفث، فكانت صدقة الفِطر تطهيرًا لصيامنا؛ حتى يرتفع إلى جناب المولى خاليًا مِن تلك النواقص.
ولذلك يقول الإمامُ النووي في المجموع عن وكيع بن الجراح رحمه الله، وهو محدِّث العراق وشيخ الشافعي، يقول وكيع: "زكاةُ الفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضانَ كَسَجْدَتَيِ السَّهْوِ للصَّلاةِ؛ تَجْبُرُ نُقْصانَ الصَّوْمِ كَما يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصانَ الصَّلاة"[2].
فزكاة الفِطر تطهيرٌ للنَّفْس مِن أدرانها؛ من الشُّحِّ وغيره مِن الأخلاق الرديئة، وتكميلٌ للأجْر، وتنمية للعمل الصالح، وتطهيرٌ للصيام ممَّا قد يؤثِّر فيه وينقص ثوابَه من اللَّغو والرَّفَثِ ونحوهما.
إضافة إلى مشاركة الفقراء والمساكين في العيد؛ بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخالِ السرور عليهم في يوم يُسرُّ المسلمون بقدوم العيد عليهم، فمِن خصائص رمضان شعورُ الناس بعضهم ببعض، فتجد الغنيَّ يرأف بحال الفقراء؛ لأنَّه قد جرَّبَ الشعورَ بالجوع والعطش.
• حكمها: الفقهاء على قولين:
ذهب جمهورُ الفقهاء إلى أنَّ زكاة الفِطر واجبة على كلِّ مسلم؛ لما ورَد عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنَّه قال: "فَرَض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطر مِن رمضان على الناس، صاعًا مِن تمر، أو صاعًا من شَعير، على كلِّ حُر أو عبد، ذكر أو أنثى مِن المسلمين"[3]، وجمهور العلماء الشافعيَّة والحنفية والحنابلة وقول عند المالكيَّة أخذوا بهذا الحديث، وفسَّروا قوله: "فَرَض" بمعنى أوجب.
القول الآخر على أنَّها سُنة، وهو قولٌ عند المالكيَّة، وقال به الأشهب بن علية والأصم[4]، وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: "لا يقاتَل أهلُ بلد على مَنع زكاة الفطر... لأنَّه قيل القول بسُنِّيته"[5]، وفسَّروا "فرضها" أن معناها قدَّرها ووقتها؛ لأنَّ الفرض يكون بمعنى التقدير والتوقيت، قال الله عز وجل: ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [التحريم: 2]؛ أي: قدَّرها، وقال به بعضُ الظاهريَّة، وابن اللبان الشافعي.
وقالوا: إنَّ زكاة الفِطر كانت واجبة، ولكنها نُسختْ بوجوب الزكاة العامَّة - زكاة الأموال - واستدلُّوا بحديث قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: "كنَّا نصوم عاشوراء، ونؤدِّي زكاة الفِطر، فلمَّا نزل رمضان، ونزلت الزكاة، لم نُؤْمَر به، لم نُنْهَ عنه، وكنَّا نفعله"[6].
ومن جملة ما استدلَّ به مَن ذهب إلى أنَّ زكاة الفِطر سنَّة مؤكَّدة وليست واجبة: ما رُوي عن طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أهل نجد، ثائر الرَّأس، يُسمَع دويُّ صوته، ولا يُفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((خمس صلوات في اليوم والليلة))، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوَّع))، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((وصيام رمضان))، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: ((لا، إلا أن تطوَّع))، قال: وذكر له رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الزكاةَ، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوَّع))، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: واللهِ لا أَزيد على هذا ولا أنقُص، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أَفلح إن صدَق))[7]، قالوا: وصدَقة الفِطر ليست داخلة تحت الزَّكاة المفروضة؛ بدليل أنَّ الحديث قد فرَّق بين الزَّكاة وصدقة الفطر.
شرائط وجوب زكاة الفطر: ويشترط لوجوب أدائها شرطان:
أولًا: الإسلام:وهذا الشَّرط محلُّ اتِّفاق بين العلماء، إلَّا ما روي عن الشافعيَّة أنه يجب على الكافر أداء زكاة الفِطر عن أقاربه المسلمين.
ثانيًا: أن يكون قادرًا على إخراج زكاة الفطر، وهذا الشَّرط محلُّ اتِّفاق بين أهل العلم في أنَّه لا بدَّ من توافر القدرة فيمن يجب عليه إخراج زَكاة الفِطر؛ لأنَّ غير القادر مرفوع عنه الحرَج بمثل قوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، لكنَّهم اختلفوا في معنى هذه القُدرة:
• فذهب المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة[8] إلى أنَّها تجب على مَن عنده فَضل عن قُوتِه وقوت مَن في نفقته ليلةَ العيد ويومه، ويشترط كونه فاضلًا عن مسكن وخادم يحتاج إليه.
وقد استدلَّ هؤلاء جميعًا بحديث سهل بن الحنظليَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن سأل وعنده ما يُغنيه، فإنَّما يَستكثر من النار))، قالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: ((قدر ما يغديه ويعشيه))[9].
• وذهب الحنفيَّةُ إلى أنَّ معنى القدرة على إخراج صدقة الفِطر أن يكون مالكًا للنِّصاب الذي تجب فيه الزكاة من أيِّ مالٍ كان، سواء كان مِن الذَّهب أو الفضَّة، أو السوائم من الإبل والبقر والغنم، أو من عروض التجارة[10].
والنِّصاب الذي تجب فيه الزَّكاة مِن الفضة مائتا درهم؛ وهو ما يعادل 600 غرام، ومن الذهب عشرون دينار؛ وهو ما يعادل 85 غرامًا، فمَن كان عنده هذا القدر فاضلًا عن حوائجه الأصليَّة من مأكل وملبس ومسكن وسلاح وفرس، وجبتْ عليه زكاةُ الفِطر.
وعلَّلوا عدمَ وجوبها على مَن يملك أقل مِن ذلك أنَّه ممن تجوز عليهم الصَّدقة، فلا يجتمع جواز الصَّدقة عليه مع وجوبها عليه، واستدلُّوا على هذا بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا صَدقةَ إلَّا عن ظَهر غِنى))[11].
من تجب عليهم زكاة الفطر: اختلفت المذاهبُ الفقهية في هذه المسألة اختلافًا بيِّنًا؛ فقد ذهب الحنفيَّة إلى القول: إنه يجب على الرجل إذا كان غنيًّا أن يؤديها عن نفسه، وعن كلِّ مَن له ولاية عليه؛ وهم ابنه الصغير وبنته الصغيرة وابنه الكبير إذا كان مجنونًا؛ لأنَّ هؤلاء جميعًا له حق التصرُّف في أموالهم بما يعود عليهم بالنَّفع بدون إذنهم، هذا في حالة كونهم فقراء، أمَّا في حالة كونهم أغنياء فإنه يخرجها من أموالهم.
ولا يرى الحنفيَّةُ أن يخرجها الأبُ عن بنيه الكبار ووالديه وأقاربه وزوجته، سواء كانوا أغنياء أو فقراء؛ لأنَّه وإن كانت تلزمه نفقتهم إذا كانوا فقراء، فإنَّ ولايته عليهم قاصرة؛ بدليل أنَّه لا يجوز له التصرُّف في أموالهم إذا كان لهم مال إلَّا بإذنهم[12].
وذهب المالكيَّةُ إلى أنَّ الرجل يؤدِّيها عن نفسه وعن مَن تجب عليه نفقتُه؛ وهم الوالدان الفقيران، وأولاده الفقراء ذكورًا أو إناثًا، والزوجة وإن كانت ذات مال، وكذلك زوجة والده الفقير، وقد استدلُّوا على هذا بما رواه الدارقطني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: "أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصَدقة الفِطر عن الصَّغير والكبير، والحرِّ والعبد ممَّن تمُونُون"؛ أي: تُنفقون عليهم، ويستنتج مِن ذلك أنَّ المالكيَّة لا يرون أن يؤدي المرء زكاةَ الفِطر عن أولاده الأغنياء، سواء كانوا صغارًا أو كبارًا، ولا عن والديه الغنيَّينِ كذلك.
ويتَّفق الشافعيَّةُ والحنابلة مع المالكيَّة في أنَّ المرء يؤدِّي الزكاة عن نفسه وعن كلِّ مَن تجب عليه نفقته شرعًا، مع اختلاف يَسير في التفاصيل؛ فقد قال الشافعيَّةُ: إنَّ الرجل يؤدِّيها عن نفسه، وعن من تجب عليه نفقته من المسلمين لقرابة أو زوجية أو مِلك، فيؤدِّيها عن أصوله وإنْ علَوا؛ كجدِّه وجدَّته، وفروعه وإن نزلوا ذكورًا أو إناثًا إذا كانوا فقراء، كما يؤدِّيها عن زوجته، وكذلك مطلَّقته طلاقًا غير بائن، ولا تلزمه زكاة البائن إلَّا إذا كانت حاملًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6].
ويؤدِّيها أيضًا عن خادمه إذا كانت نفقته غير مقدَّرة، أما إذا كانت مقدَّرة باليوم أو الشهر أو السَّنة فلا يخرجها عنه؛ لأنَّه كالأجير لا تجب عليه نفقته[13].
وقت وجوب زكاة الفطر: وقد اختلف الفقهاءُ رحمهم الله تعالى في وقت الوجوب:
المذهب الأول: وهو قول الحنفيَّة، والمالكيَّة[14] في قولٍ، أنَّ وقت الوجوب هو طلوع فَجر يوم العيد، واستدلُّوا على ذلك بما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَر بزكاة الفِطر قبل خروج الناس إلى الصَّلاة[15].
ووجه استدلالهم بالحديث: هو أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمَر أن تؤدَّى صدقة الفِطر قبل الذهاب إلى مصلَّى العيد، وهذا يبيِّن أنَّ وقت وجوبها هو يوم الفِطر، ثمَّ إن تسميتها بزكاة الفِطر يدلُّ كذلك على أنَّ وجوبها يكون بطلوع فجر يوم الفطر؛ لأنَّ الفِطر لا يكون إلَّا بطلوع فجر ذلك اليوم، ولأنَّ ما قبله لا يسمَّى فِطرًا، ولا يعتبر الإنسان مفطرًا مِن صومه إلَّا بطلوع فجر يوم الفطر.
المذهب الثاني: وإليه ذهب المالكيَّةُ في القول الآخر، والشافعيَّة في الراجح، والحنابلة[16]، أنَّ وقت وجوب زكاة الفِطر هو بغروب شمس آخر يوم مِن رمضان.
وتظهر فائدة هذا الخِلاف فيمن مات أو وُلد بعد غروب شمس آخر يوم مِن رمضان؛ فمن مات بعد غروب الشمس عند الشافعيَّة والحنابلة وقول عند المالكيَّة تخرج عنه صدَقة الفطر؛ لأنَّه كان موجودًا وقت وجوبها.
وعند الحنفيَّة وقول عند المالكيَّة: لا تخرج عنه صدقة الفِطر؛ لأنه لم يكن موجودًا.
ومَن وُلد بعد غروب آخر يوم مِن رمضان تخرج عنه صدقة الفِطر عند الحنفيَّة وقول عند المالكية؛ لأنَّه وقتَ وجوبها كان موجودًا، ولا تخرج عنه الصَّدقة عند الشافعيَّة والحنابلة وقول عند المالكية؛ لأنَّه كان جنينًا في بطن أمه وقتَ وجوبها.
وقت وجوب الأداء: ذهب جمهورُ الحنفيَّة إلى أنَّ وقت وجوب أداء زكاة الفِطر موسَّع؛ لأنَّ الأمر بأدائها غير مقيَّد بوقت، كالزكاة؛ فهي تجب في مطلق الوقت، وإنَّما يتعيَّن بتعينه، ففي أيِّ وقت أدَّى كان مؤدِّيًا لا قاضيًا، غير أنَّ المستحب إخراجها قبل الذهاب إلى المصلَّى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أَغنوهم في هذا اليوم)).
ومذهب المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة: أنَّ من أدَّاها بعد صلاة العيد بدون عذر كان آثِمًا، مستدلِّين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن أدَّاها قبلَ الصلاة فهي زَكاة مَقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدَقة مِن الصَّدقات))[17].
• واتَّفق جميعُ الفقهاء على أنَّها لا تسقط بخروج وقتها؛ لأنَّها وجبت في ذمَّته لِمن هي له، وهم مستحِقُّوها، فهي دَينٌ لهم لا يَسقط إلَّا بالأداء؛ لأنَّها حقٌّ للعبد، أمَّا حقُّ الله في التأخير عن وقتها، فلا يُجبر إلا بالاستغفار والندامة
إخراجها قبل وقتها: ذهب الفقهاء إلى أقوال ثلاثة:
القول الأول (وهو رأيُ أبي حَنيفة): جواز تعجيلها السَّنَة والسَّنتين، وهو المعتمد عندهم كالزكاة[18]، وقد حسَّن الألباني ما رُوي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تسلَّف من العباس صدقة سنتين.
القول الثاني (قول عند الأحناف والشافعيَّة): جواز إخراجها مِن بداية رمضان، وقد علَّل النوويُّ هذا القول بقوله: إنَّها تجب بسببين، وهما صوم رمضان والفِطر منه، فإذا وُجد أحدهما جاز تَقديمها على الآخر؛ كزكاة المال قبل الحَول، وبَعد ملك النِّصاب، ولا يجوز تقديمها على رمضان؛ لأنَّه تقديمٌ على السَّببين معًا[19].
القول الثالث (قول عند الأحناف والمالكيَّة والحنابلة): جواز تقديمها بيومٍ أو يومين[20]؛ لما رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه كان يُخرجها قبلَ يوم الفِطر بيوم أو يومين[21].
مقدار الواجب: اتَّفق الفقهاء على أنَّ الواجب إخراجه في الفطرة صاعٌ مِن جميع الأصناف التي يَجوز إخراج الفطرة منها عدا القمح، فقد اختلفوا في المقدار فيه إلى قولين:
القول الأول: ذهب إليه الجمهورُ من المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة[22]، أنَّ الواجب إخراجه في القمح هو صاع منه.
واستدلُّوا على وجوب صاع من بُرٍّ بحديث أبي سَعيد الخُدريِّ رضي الله تعالى عنه قال: "كنَّا نُخرج زكاةَ الفِطر إذ كان فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صاعًا مِن طعام، أو صاعًا من تَمر، أو صاعًا من شَعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا مِن أقط، فلا أزال أُخرجه كما كنتُ أخرجه ما عشتُ"[23].
القول الثاني: وإليه ذهب الحنفيَّة، أنَّ الواجب إخراجه مِن القمح نصف صاع، وكذا دَقيق القمح[24].
والصَّاع المقصود هو صاع أهل المدينة؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل ضابط ما يُكال مكيالَ أهل المدينة؛ كما في حديث ابنِ عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المِكيال على مِكيال أهل المدينة، والوزن على وزن أهل مكَّة))[25]، والصَّاع مِن المكيال، فوجب أن يكون بصاع أهل المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
والمكيال يَختلف باختلاف ما يملأ به الصَّاع، فعند إخراجه لا بدَّ مِن التأكُّد أنَّه يعادل ملء الصَّاع من النوع المخرَج منه.
والصَّاعُ النَّبوي أربعة أمداد بكفَّي الرجل المعتدل - أي: أربع حفنات - غير قابضهما ولا باسطهما، وبالوزن فهو كما يلي:
قمح 2200 جرام تقريبًا
شعير 2100 جرام تقريبًا
دقيق 2075 جرام تقريبًا
أرز 2675 جرام تقريبًا
تمر 1800 جرام تقريبًا
زبيب 2425 جرام تقريبًا
نوع الواجب: اختلف فيه الفقهاءُ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وإليه ذهب المالكيَّةُ والشافعيَّة[26] أنَّ الواجب عليه هو غالب قُوت البلد، أو قوت المكلَّف إذا لم يقدر على قوت البلد.
القول الثاني؛ وإليه ذهب الحنابلة[27]: أنَّ الواجب عليه يتعيَّن في أحد الأصناف الواردة في حديث أبي سَعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: "كنَّا نُخرج إذ كان فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطر عن كلِّ صغير وكبير، حرٍّ أو مَملوك - صاعًا مِن طعام، أو صاعًا مِن أقط، أو صاعًا من شَعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، فلم نزَل نخرجه حتى قدِم علينا معاويةُ بن أبي سفيان حاجًّا أو معتمرًا المدينةَ، فكلَّم الناس على المنبر، فكان فيما كلَّم به الناس أن قال: إنِّي لأرى أنَّ مدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر، قال: فأخذ الناس بذلك"، قال أبو سعيد: "فأمَّا أنا، فلا أزال أُخرجه كما كنتُ أخرجه أبدًا ما عشتُ"[28]، فهذه الأنواع هي الحِنطة والشَّعير، والتمر، والأقط، والزَّبيب، فإذا عُدمت هذه الأصناف، فإنه يجزئه كلُّ مقتات مِن الحبوب والثمار.
القول الثالث؛ وإليه ذهبت الحنفيَّة: أنَّ الواجب في زكاة الفِطر هو البُر والشَّعير والتمر، فهذه الأنواع الثلاثة تُعتبر عندهم أصولًا لغيرها؛ ولذلك فإنَّه إذا كان المخرَج مِن الأجناس الأخرى، فإنَّ الاعتبار فيها بالقيمة؛ حيث تُقوَّم هذه الثلاثة، ثمَّ يَشتري بقيمة المقوَّم منها الجنسَ المراد إخراجه؛ لأنَّ الاعتبار بالمنصوص عليه لِما ليس فيه نص.
كما جوَّز الحنفيَّةُ إخراجَ القيمة مِن النُّقود في زكاة الفطر، وهي عندهم أفضَل مِن إخراج العين؛ لكون الفَقير يستطيع أن يشتري بها أيَّ شيء يريد في يوم العيد، غير أنَّ الجمهور لم يروا جوازَ دفع القيمة؛ لعدم النصِّ عليها.
ولا شك أنَّ دفع القيمة في زكاة الفِطر أنفَع للفقير وأيسر، وأسرع في سدِّ خلَّته، بل أضمن في حصول النَّفع كاملًا له؛ لأنَّ حاجته قد لا تكون معينة في الحِنطة أو الشَّعير أو التمر أو الأقط أو الزبيب أو أي مُقتات آخر؛ وإنَّما قد يكون محتاجًا إلى النُّقود لسداد أُجرة المسكن، أو لشراء لوازمه الضَّروريَّة كالملابس، وعند دفع الزكاة مِن الأعيان المذكورة في الحديث، أو مِن أي مقتات في البلد يتكلَّف الفقير مؤونةَ البيع عندما تكون حاجته في غير المدفوع له، إلى جانب النَّقص في سِعر تلك الأعيان، وخاصَّة إذا كانت مِن الأعيان التي ليس لها رواج في السوق، أو الأنواع الأقل جَودة، كما هو مشاهَد في وقتنا الحاضر، فلا يتم له الغِنى وسد الخلَّة التي أرادها الشارع مِن تشريع هذه الزكاة، وخاصَّة إذا علمنا أنَّ الأعيان المشار إليها أو غيرها ليست مَقصودة للشَّارِع بذواتها؛ وإنَّما المقصود هو نَفع الفقراء وإعطاؤهم الأصلحَ لهم.
مصارف زكاة الفطر: اختلف الفقهاءُ فيمن تُصرف إليه زكاة الفِطر على قولين:
القول الأول؛ واليه ذهب الجمهورُ مِن الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة في القول الراجح[29]: أنَّ مصرفها مصرف زَكاة المال، فيجوز صرفها إلى الأصناف الثمانية المذكورين في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
بل إنَّ الشافعيَّة أوجبوا قِسمتها على الأصناف الثَّمانية إذا وُجدوا، وإذا لم يوجَدوا فعلى الموجود منهم، ولم يشترط الحنفيَّةُ والحنابلة استيعابَ جَميع الأصناف أو الموجود منهم، وإنما جوَّزوا صرفها حتى إلى صنف واحد مِن تلك الأصناف الثمانية.
القول الثاني؛ وإليه ذهب المالكيَّةُ والحنابلةُ في القول الآخر[30]: أنَّ زَكاة الفِطر خاصَّة بالفقراء والمساكين، وليست عامَّة في جميع مصارف زكاة المال، فلا يجوزُ دفعها إلى غير الفقراء والمساكين؛ لورود اختصاص هذه الزَّكاة بهم في حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما السابق؛ حيث قال: "فَرَض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطر؛ طهرةً للصَّائم من اللَّغو والرَّفث، وطعمةً للمساكين".
مكان دفع زكاة الفطر: الأصل في الزَّكاة - سواء كانت زكاة مال أو زكاة بدن - أن تؤدَّى في البلد الذي يوجد فيه المالِك حين وجوبها عليه، وفي المكان الذي يوجد فيه الشخص المزكِّي حين وجوبها عليه، فتُفرَّق على مستحقيها هناك، ولا يجوز نقلها منه إلَّا إذا لم يوجد مَن يستحقها؛ لحديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن... وكان مما قال: ((فأَعلِمْهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ مِن أغنيائهم، وتردُّ على فُقرائهم))[31].
هذا في حالة وجود مستحقِّين لها في بلده، وممَّا اعتبره الجمهور مكانها: مسافة القصر، وهو 85 كم.
وقد استثنى الحنفيَّةُ مِن ذلك فقالوا: لا بأس أن يُخرجها مَن وجبت عليه إلى قرابته مِن أهل الحاجة؛ لِما في ذلك من صِلة الرَّحم، وكذلك إذا نقلها إلى قومٍ هم أحوج مِن أهل بلده إليها، أو إلى مَن هو أصلح أو أورع أو أنفع للمسلمين، أو مِن دار الحرب إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علمٍ.
ودليل ذلك الأثَر الوارد عن طاوس، قال مُعاذٌ رضي الله عنه لأهل اليَمَن: "ائتوني بِعَرْضِ ثِياب خَمِيصٍ - أو لَبِيسٍ - في الصَّدَقَةِ مكانَ الشَّعِيرِ والذُّرَةِ؛ أَهْوَنُ عَلَيكم وَخَيْرٌ لِأصْحابِ النَّبي صلى اللهُ عليه وسلَّم بالمدينَةِ"[32]، ووجه الشَّاهد أنَّ فيه نقل الزَّكاة مِن اليَمَن إلى المدينة المنوَّرة.
[1] رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه.
[2] المجموع للنووي 6/ 140.
[3] أخرجه البخاري.
[4] انظر: المقدمات الممهدات (1/ 332)، وبداية المجتهد (2/ 40)، والذخيرة للقرافي (3/ 154)، والقوانين الفقهية (ص: 75).
[5] شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 227).
[6] أخرجه النسائي وغيره، وسنده صحيح.
[7] أخرجه البخاري ومسلم.
[8] انظر مواهب الجليل للحطاب (2/ 366)، المجموع للنووي 6/ 110)، الإنصاف للمرداوي (3/ 164).
[9] رواه أبو داود وابن حبان.
[10] تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشبلي (1/ 306).
[11] رواه الإمام أحمد بن حنبل.
[12] البحر الرائق لابن نجيم (2/ 272).
[13] انظر: مواهب الجليل للحطاب (3/ 264)، المجموع للنووي (6/ 113)، الفروع لابن مفلح (4/ 216).
[14] انظر: فتح القدير لابن الهمام (2/ 297)، شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 228).
[15] رواه البخاري ومسلم.
[16] انظر: مغني المحتاج للشربيني (1/ 401)، المغني لابن قدامة (3/ 89)، شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 228).
[17] أخرجه أبو داود وابن ماجه.
[18] انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 110).
[19] انظر المجموع للنووي (6/ 126).
[20] منح الجليل لعليش (2/ 106)، المغني لابن قدامة (3/ 89).
[21] رواه البخاري.
[22] انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 228)، روضة الطالبين (2/ 301)، المغني لابن قدامة (3/ 81).
[23] رواه البخاري ومسلم.
[24] الحاوي الكبير للماوردي (3/ 380).
[25] رواه أبو داود والنسائي والطبراني، وصححه الألباني في صحيح النسائي.
[26] انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 229)، روضة الطالبين للنووي (2/ 303).
[27] المغني لابن قدامة (3/ 85).
[28] رواه البخاري ومسلم.
[29] انظر حاشية ابن عابدين (2/ 368)، المجموع للنووي (6/ 186)، كشاف القناع للبُهُوتي (2/ 246).
[30] حاشية العدوي (1/ 645)، الإنصاف للمرداوي (3/ 132).
[31] رواه البخاري ومسلم.
[32] رواه البخاري معلَّقًا.
منقوووول للإستفادة 

هل كانت النّقود كانت موجودة حقيقةً على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟!

 نعم، النّقود كانت موجودة حقيقةً على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، لكن هل كانت تستعمل على نطاق واسع؟ وهل كانت موجودة في كلّ بيت أو في غالب البيوت على الأقلّ كما هي الحال مع الأقوات التي أمر أن تُخرج منها زكاة الفطر؟






النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما بُعث بالحقّ، كان العرب يتعاملون بالدّينار البيزنطيّ والدّرهم السّاسانيّ، إضافة إلى الفلس البيزنطيّ الذي كان نادرا وقليلا، وكانت الدنانير البيزنطية تحمل رسوما لأباطرة الروم إضافة إلى بعض الرموز المرتبطة بمعتقداتهم، وكذلك كانت الدراهم الساسانية تحمل صور ملوك الفرس كما تحمل نقشا للنّار المقدّسة يحرسها جنديان، وظلّ التعامل بهذه الدّنانير والدّراهم طيلة الفترة النبوية، في أحوال قليلة كعملات، وفي أكثر الأحوال كمقادير من الذّهب والفضّة تكتنز.. صحيح أنّها كانت تستعمل في البيع والشّراء، لكنّ ذلك كان ضمن نطاق ضيّق؛ فكثير من المعاملات اليومية البسيطة كانت تتمّ بالمقايضة، سلعة مقابل سلعة، لأنّ هذه النّقود لم تكن في كلّ البيوت ولا متيسّرة لكلّ الأيدي، لذلك كان التركيز في الأصناف التي تخرج منها زكاة الفطر على ما كان متيسّرا لكلّ مسلم، لأنّ هذه الزّكاة يخاطب بها كلّ مسلم يملك ما يزيد على طعامه ليلة ويوم العيد، وأكثر من يُعنون بإخراجها لا يملكون دنانير الذّهب ولا دراهم الفضّة.
هكذا ظلّ الأمر في العهد النبويّ، وفي خلافة أبي بكر الصدّيق، وحتى في خلافة عمر بن الخطّاب قيل أنّه زاد على الدّينار البيزنطي والدّرهم السّاسانيّ بعض العبارات الإسلاميّة، لكنّ هذا لم يصحّ عند المحقّقين، وظلّ الأمر كذلك على عهد عثمان وعليّ وصدرِ الخلافة الأموية، إلى أن قرّر الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان في العام 76هـ صكّ عملة خاصّة بالمسلمين بعد مشكلة القراطيس المشهورة مع الإمبراطور البيزنطيّ جستنيان الثّاني.
ليست تهمّنا ماهية النقود التي كانت على عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بقدر ما يهمّنا أنّها لم تكن موجودة في كلّ البيوت ولا متيسّرة لكلّ الأيدي ولا يجري استعمالها في كلّ المعاملات، بخلاف الطّعام الذي كان موجودا ومتوفّرا في أغلب البيوت، فلا يعقل أن يأمر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بإخراج النّقود –العزيزة- مع الأصناف الأخرى المتوفّرة، فيحتاج من يريد إخراجها إلى بيع الطّعام لتحصيلها، وهي المفارقة التي يقع فيها من يختار إخراج الطّعام في زماننا هذا، حيث يحتاج إلى حمل النّقود ليشتري بها طعاما يعطيه الفقراء، ليظلّ الفقراء في حاجة إلى سلع وأشياء أخرى ليست مشمولة بالأصناف التي تخرج منها الزّكاة، لينضج طعامه، فلو سلّمنا جدلا أنّ الفقير يحتاج إلى الطّعام فقط لترتفع عنه مذلّة الحاجة؛ فهو سيكون في حاجة إلى شراء الزّيت والطّماطم لطبخ طعامه، وفي حاجة إلى النّقود لدفع فاتورة الغاز الذي لا بدّ منه لطهو الطّعام، بينما كان الفقير في زمن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لا يحتاج إلى كلّ هذا؛ إنّما كان يكفيه أن يطحن القمح ويصنع به خبيصا لذيذا مع بعض السّمن المتوفّر في أغلب البيوت على نار لا يكلّفه إيقادها دينارا ولا درهما.

القول الفصل في زكاة الفطر !

 اقرأ هذا من باب تعلم الفقه وكيفية الاستنباط، وطرق الفقهاء في الاستدلال ..



بسم الله وبعد :
فهذا كتيب في تفصيل القول بجواز إخراج زكاة الفطر قيمة، يغنيك عن غيره من المقالات :
أولاً : أريد أن أحيطكم علماً أن المال على عهد النبي كان قليلاً جداً ..
ثم إن الطعام كان مالاً ، يعني يمكن شراء أي سلعة بالطعام ..
ثانيا : أخطأ من قال أن الحنفية فقط هم من انفردوا بإخراج زكاة الفطر نقوداً وللأمانة العلمية فلا بد من أن نقول: أن للإمام أحمد قولان أحدهما يجزئ والآخر لا يجزئ والراجح من مذهبه أنها لا تجزئ، وكذلك للإمام مالك قولان والراجح في مذهبه أنها لا تجزئ، والشافعية قولاً واحداً على أنها لا تجزئ، والأحناف عكسهم.
إذا فقول ونصف على أنها تجزئ وقول ونصف على أنها لا تجزئ.
قال ابن حجر في الفتح: وعلى غير عادة البخاري في مخالفته للأحناف أن اتفق معهم في إخراج صدقة الفطر نقوداً وفي جواز إخراج العرض في الزكاة وبوب البخاري باباً سماه (باب العرض).
ثالثا : أدلة من قال بجواز إخراج القيمة :
ومن الأحاديث التي استدل بها : حديث معاذ بن جبل حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليأخذ منهم زكاة الحبوب والثمار (الزروع) فقال لهم: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. إن جاز تغير النوع في زكاة المال (الأعلى) جاز للأدنى وهي زكاة الفطر.
ومعاذ بن جبل قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: أعلمهم بالحلال والحرام معاذ.
وحديث جابر حين بعثه على الصدقة فأراد أن يأخذ من رجل بنت مخاض فقال له الرجل بنت مخاض صغيرة خذ مكانها بنت لبون فقال له جابر: لا، فاحتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي لجابر: خذها منه إن رضي بها نفسه. أو كما قال صلى الله عليه وسلم فدل على جواز تغير النوع.
وذكر ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي إسحاق السبيعي -وهو أصدق أهل زمانه- أنه قال: أدركتهم -أي الصحابة- وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام.
وذكر ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى ولاته في الأمصار أن صدقة الفطر نصف صاع على كل إنسان أو القيمة نصف درهم.
وكان في عصر عمر بن عبد العزيز ثلاثة آلاف صحابي ولم ينكر عليه أحد، وسكوت الصحابة إقرار منهم على ذلك.
وروي عن الحسن قوله: لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر.
وكتب أبو بكر الصديق لأبي سعيد الخدري: أن من كانت زكاته بنت مخاض ولم يكن عنده إلا بنت لبون خذها منه وأعطه الفرق (عشرين درهماً وشاة).
وورد عن عثمان وعلي ومعاوية والحسن وابن عباس أنهم أجازوا إخراج نصف مد من قمح الشام بدلاً من مد القمح المدني. (وهؤلاء قد غيروا نص الحديث).
قال محمد بن الحسن الشيباني رداً على مَن قال بعدم جواز إخراج القيمة: إن التزمنا بالنص كما تريدون فلا يجوز أن تخرج الزكاة غير هذه الأصناف الخمسة سواء أرز أو من قوت أهل البلد، ولا بد أن تكون بالصاع النبوي ونحن قوم ليس عندهم صاع نبوي فماذا نفعل؟ فرد الشافعية: اشتروه من عندنا، فرد الشيباني: وإن كان بيننا وبينكم حرب ماذا نفعل؟
وإذا فتحنا باب القياس والاجتهاد بإخراجها من غالب قوت أهل البلد فلا بد أن نسمح للأحناف القياس وهو إخراجها نقوداً.
أجمع أهل العلم على أن المراد (بالطعام) المذكور بالحديث هو (القمح).
أورد الإمام مالك بسند صحيح: "أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم"، والفقراء يحتاجون في هذا اليوم للمال ولا يطلبون الطعام.
كما أن الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها، بدليل أن الصحابة -رضي الله عنهم- أجازوا إخراج القمح -وهو غير منصوص عليه- عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث.
• ما ذكره ابن المنذر من أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية: إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر فهم قدروه بالقيمة. (انظر فتح الباري 5/144) .
وإخراج القيمة هو مذهب الثورى، وأبى حنيفة، وأبى يوسف، وهو مذهب الحنفية، وبه العمل والفتوى عندهم فى كل زكاة، وفى الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها ، وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة، وهو قول جماعة من المالكية، كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبى حازم، وابن دينار ، وابن وهب، على ما يقتضيه إطلاق النقل عنهم فى تجويز إخراج القيم فى الزكاة، الشاملة لزكاة المال وزكاة الرءوس، بخلاف ما نقلوه عن ابن القاسم وأشهب، من كونهما أجازا إخراج القيمة فى الزكاة إلا زكاة الفطر وكفارة الأيمان،
وعليه، فنرى أن هناك جمعًا لا بأس به من الأئمة والتابعين، وفقهاء الأمة ذهبوا إلى جواز إخراج قيمة زكاة الفطر نقودًا، هذا فى عصورهم القديمة وكان نظام المقايضة موجودًا،
بمعنى أن كل السلع تصلح وسائل للتبادل وخاصة الحبوب، فكان بيع القمح بالشعير، والذرة بالقمح وهكذا، أما فى عصرنا حيث نحصرت وسائل التبادل فى النقود وحدها، فنرى أن هذا المذهب هو الأوقع والأرجح، بل نزعم أن من خالف من العلماء قديمًا لو أدرك زماننا لقال بقول أبى حنيفة، ويظهر لنا هذا من فقههم وقوة نظرهم.
وألَّف العلامة أحمد بن الصديق الغمارى كتابًا ماتعًا فى تلك المسألة أسماه "تحقيق الآمال فى إخراج زكاة الفطر بالمال"، ورجَّح فيه مذهب الحنفية بأدلة كثيرة، ومن أَوْجه عديدة، وصلت إلى إثنين وثلاثين وجهًا، لذا نرى ترجيح قول من ذهب إلى إخراج قيمتها، وهو الأولى فى هذا الزمان.
وننبه أنه من المقرر شرعًا أنه "إنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه"، وما دام هناك من الفقهاء من أجاز إخراج زكاة الفطر نقودًا ، وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم، فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية.
......
ولعل القارىء يتوهم أننا ندلس فننسب القول بجواز إخراج القيمة للمالكية والحنابلة في وجه، فنطمئنه بذكر نصوصهم في ذلك على النحو التالي :
قال الامام الصاوي في شرحه على الصغير :
" في المذهب - طريقتان: عدم إجزاء القيمة مطلقا وإجزاؤها مطلقا، فعدم الإجزاء لابن الحاجب وابن بشير، وقد اعترضه في التوضيح بأنه خلاف ما في المدونة (!!) ، ومثله لابن عبد السلام والباجي من أن المشهور فيه الإجزاء مع الكراهة......
وقال الصاوي : (إلا العين) ذهبا أو فضة يخرجها (عن حرث وماشية) بالقيمة (فتجزئ بكره) أي مع كراهة. وهذا شامل لزكاة الفطر " . ( بلغة السالك 669/1)
جاء في الإنصاف في معرفة الراجح المجلد ٣ ص ١٨٢ : "قوله ( ولا يجزيء غير ذلك ) القيمة والصحيح من المذهب انها لا تجزيء وعليه جماهير الاصحاب ونص عليه ، وعنه رواية مخرجة يجزيء اخراجها " .
واستدل المجيزون أيضا لدفع قيمة صدقة الفطر بما يأتي :
1- الأصل في صدقة الفطر ، ومقاصد الشريعة منها إغناء الفقراء في يوم العيد ، وإدخال السرور والفرح في قلوبهم من خلال توفير احتياجاتهم الأساسية ، وهذا بلا شك إنما يتحقق في عصرنا الحاضر في الغالب بدفع النقود إليهم ليشتروا بها حاجياتهم الأساسية التي لا تنحصر في التمر ، والقمح ، والشعير ، والأرز ونحوها .
وهذا ما فهمه الصحابة الكرام حيث لم يكتفوا بما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم في عصره من التمر والشعير ، والأقط بل جعلوها قمحاً ، بل إن معظمهم جعل نصف صاع منه يعدل صاعاً من تمر أو شعير - كما سبق-
2- إن من أقوى الأدلة : ما رآه معاوية رضي الله عنه وعرضه على الصحابة الكرام في حجته أو عمرته ، من أن نصف صاع من سمراء الشام (القمح) يعدل صاعاً من التمر ، ووافقه الصحابة كما قال الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري .
فهذا الاجتماع لجمهورهم دليل قوي على جواز دفع القيمة لأن معادلة نصف صاع من القمح بصاع لا تتحقق إلاّ من خلال القيمة ، وهذه المعادلة مروية عن عمر رضي الله عنه .
3- ثبت في نصوص شرعية صحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءَهُ الراشدين قبلوا القيمة في زكاة بعض الأعيان في حالات متعددة ، مثل قبول الدراهم أو الدنانير مكان الفارق في العمر المطلوب في زكاة الابل ، حيث قدر الجبران بشاتين أو عشرين درهماً .
4- كما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن لجمع الصدقات المفروضة قال لهم : (ائتوني بعرض ثياب خميس أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار) رواه البخاري معلقاً في باب العرض في الزكاة ،
وقال طاوس : ( قال معاذ لأهل اليمن : ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم.... ) رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/113) والمحلى (6/25)
قال الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (3/13) إسناده صحيح إلى طاوس ، لكنه لم يسمع من معاذ فهو منقطع ، ورواه ابن أبي شيبة في صمفنه (3/174) .
......
وأدلة المانعين على النحو التالي :
استدل المانعون من دفع القيمة في زكاة الفطر بما يأتي :
1- الأحاديث الصحيحة الدالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر ... الخ ، حيث لم يذكر القيمة وأنها لو جازت لبيّنها ، وبالتالي فإنه من يدفع القيمة لم ينفذ ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم به .
2- إن الزكاة عبادة وقربة إلى الله ، فالأصل والواجب فيها الاتباع دون الابتداع ، وبعبارة فقهية فهي تعبدية لا تخضع للقياس والاجتهاد.
تلك هي أهم الأدلة التي استدل بها المانعون قديماً وحديثاً ، ولكن يمكن أن يناقش ذلك بما يأتي:
أ- أن ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض صاعاً من تمر...الخ ، هو تعبير الصحابي عما فرضه الرسول صلى الله عليه وسلم وليس قوله صلى الله عليه وسلم بصيغة تدل على منع ما سواه ، حيث لا يوجد نص صحيح صريح ثابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على حصر هذه الفريضة في صاع مما ذكر في جميع الأحاديث الواردة في هذا الشأن ، وبالتالي فلا تدل على منع ما سواه ، وأكبر دليل على ذلك هو أن جمهور المانعين يجيزون دفع صاع من القمح زكاة فطر ، وهو لم يرد في الأحاديث الصحيحة الصريحة بالاتفاق ، كما أن جمهورهم أيضاً يجيزون دفع صاع ما لأرز صدقة فطر، وهو لم يرد في أي حديث لا صحيح ولا صريح .
فإذا كان القياس هنا صحيحاً ومقبولاً فما الفرق بينه وبين الاجتهاد بجواز دفع القيمة بل إن دفع قيمة التمر ، أو الشعير الوارد في النص أقرب من إلحاق أنواع أخرى من حبوب لم ترد في نصوص الشريعة .
ب- إن الزكاة بصورة عامة ، وزكاة الفطر بصورة خاصة ليست من الشعائر التعبدية المحضة ، وإنما من العبادات التي تدخل في المعقولة المعاني التي يمكن الاجتهاد فيها ، وقد رأينا أن جمهور المانعين اجتهدوا وقاسوا فيها بالنسبة لدفع القمح ، أو الأرز ، أو نحوهما ما دام يمثل غالب قوت البلد.
وبذلك قلب دليلهم عليهم فأصبح حجة عليهم ، ولم يلتزموا بكونها تعبدية محضة لا قياس فيها ، فإذا كان هذا القياس المجتهد فيه جائزا فلماذا إذاً لا يكون الاجتهاد بدفع القيمة جائزاً؟
ج- ثم إن ما ذكر في حديث ابن عمر من التمر والشعير والأقط كان من أنواع طعام ذلك العصر بدليل أنه لما دخلت أنواع أخرى اعتمدت ، كما قال أبو سعيد الخدري في شأن القمح.
.....
ثالثاً - وأما أدلة المذهب الثالث ، فهي نفس أدلة المذهب الثاني ( المجيزين) مع التقييد بالمصلحة الراجحة ، وبما هو أنفع للفقراء ، وبالتالي فهو راجع إليه مع هذا القيد المذكور ، وهو الراجح.
.......
وفي الختام أيها القارىء الحبيب أدعوك لتتأمل الآتي..
الأئمة الذين قالوا بإخراج زكاة الفطر من قوت البلد كان في زمانهم الطعام مالاً، يمكن شراء ما يحتاجونه به، بخلاف هذا الزمان ..
ولو عاشوا في زماننا ليس ببعيد أن يفتوا بإخراج القيمة ..
الفقهاء المعاصرون لم يلتفتوا إلى أن التمر والبر والشعير كانوا في الزمن السابق أحد وسائل المعاوضات!
فهذه الأطعمة لم تكن مجرد أطعمة وإنما هي نقود بذاتها!!
فالعرب في الجاهلية والإسلام لم يتعاملوا بالنقد “الفلوس” كوسيلة رئيسية في البيع والشراء!
فقد كانت لديهم دراهم بيزنطية وفارسية ولكن تداولها كان محدودا حتى أصدر عبد الملك بن مروان أول عملة نقدية!
ولذلك كانوا يشترون حاجاتهم بالتمر والشعير فلم تكن هذه الأطعمة مجرد طعام!
ومن هنا نجد أن التمر والبر والشعير كان بالنسبة للفقراء في زمن النبي ﷺ وما بعده طعام وفلوس في ذات الوقت!
فإذا تصدقت على الفقير بهذه السلع فقد سددت حاجته للطعام والفلوس في ذات الوقت!
فاختيار النبي ﷺ لهذه الأطعمة اختيار مقاصدي واضح ويحقق غايته الأهم وهي إغناء الفقراء عن السؤال
وأما ما يقوله المانعون من إخراج زكاة الفطر نقدا من أن الزكاة عبادة ويجب الوقوف فيها على النص!
فالزكاة مع كونها عبادة فهي عبادة مقاصدية من أولها لآخرها وهدفها معلوم بنصوص الوحي وإجماع أهل الدين والدنيا وهو سد حاجة الفقراء!
فالزكاة التي لا تنفع الفقير ليست زكاة لا لغة ولا شرعا
ونحن نجد اليوم أن هذا الواقع الذي نزل فيه التشريع قد اختلف
ولم يعد التمر والشعير سلعا أساسية تسد احتياجات الفقراء اليومية
والجمود والإصرار على اعتمادها يفوّت المقصد الرئيسي من الزكاة ويجعلها مجرد “طقس” لا يحقق الغاية!
فالواقع المشاهد أن الفقراء يبيعون التمر ليحصلوا على النقد!
وبهذه الطريقة صارت زكاة الفطر صدقة على التجار وليس على الفقراء لأن التجار هم الرابحون في هذه المعاملة!
فأنت تشتري الرز ب ب٩ج والفقير يريد المال ولا يريد الرز فيبيع الرز ب بأقل من سعره!
والنتيجة أن الغني التاجر اقتسم الزكاة مع الفقير بدلا من أن تكون خالصة للفقير!
فإذا كان القصد من الزكاة إسعاد الفقير وسد وحاجته ونحن نعلم يقينا يقينا يقينا أن ذلك لا يتحقق بكماله إلا بدفع المال إلى الفقير…
فما معنى أن نجمد على النص ونخالف المصلحة!
ولمَ نحوّل هذه الشعيرة العظيمة إلى أفعال صوريّة تغيب عنها أهدافها وتتخلف عنها مقاصدها؟!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله
كتبه / د. مصطفى القليوبي الشافعي المصري

مسألة زكاة الفطر التي اعتادت أن تدخلنا كل سنة في جدال في مسألة مختلف فيها بين العلماء!

  المفارقة التي اعتادت أن تدخلنا كل سنة في جدال في مسألة مختلف فيها بين العلماء.



مما اعتدناه انه قبل حلول عيد الفطر من كل سنة تخرج العديد من التعليقات و المنشورات المتباينة عن مسألة زكاة الفطر لتكتسح الفضاء الازرق بين رأي منساق لراي العلماء المتشبثين بعدم جوازها متمسكين بالاصل و هو اخراجها طعاما من قوت اهل البلد كما امر به النبي صلى الله عليه و سلم،
و سار الأمر كذلك في عهده و في عهد الخلفاء الراشدين من بعده ؛ و حسب راي هؤلاء ان اخراج الزكاة قيمة لا تجزئ لانّ النبيّ صلى الله عليه و سلم لم يأمر بها و قد كانت النقود موجودة في عهده و هي الدينار البزنطي و الدرهم الساساني ،
و بين رأي منساق الى رأي العلماء الذين رؤوا بأن اخراجها نقدا هو جائز مراعاة للضرورة و المصلحة العامة للفرد، و كان لهم في ذلك حججهم في استنباط الاحكام .و قد كانت من بين الحجج انّ الدراهم لم تكن موجودة في كلّ البيوت ولا متيسّرة لكلّ الأيدي ولا يجري استعمالها في كلّ المعاملات، بخلاف الطّعام الذي كان موجودا ومتوفّرا في أغلب البيوت، فلا يعقل حسبهم أن يأمر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بإخراج النّقود –العزيزة- مع الأصناف الأخرى المتوفّرة، فيحتاج من يريد إخراجها إلى بيع الطّعام لتحصيلها، وهي المفارقة التي يقع فيها من يختار إخراج الطّعام في زماننا هذا،
حيث يحتاج إلى حمل النّقود ليشتري بها طعاما يعطيه الفقراء، ليظلّ الفقراء في حاجة إلى سلع وأشياء أخرى ليست مشمولة بالأصناف التي تخرج منها الزّكاة، لينضج طعامه.
و لهذا اقتنع الكثير في عصرنا الحال بالراي الثاني المجيز لاخراج الزكاة نقدا نظرا للوضع المتغير حالا و زمانا و مكانا.اذ لو سلّمنا جدلا أنّ الفقير يحتاج إلى الطّعام فقط لترتفع عنه مذلّة الحاجة؛ فهو سيكون في حاجة إلى شراء الزّيت والطّماطم لطبخ طعامه، وفي حاجة إلى النّقود لدفع فاتورة الغاز الذي لا بدّ منه لطهو الطّعام، بينما كان الفقير في زمن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لا يحتاج إلى كلّ هذا؛ إنّما كان يكفيه أن يطحن القمح ويصنع به خبيصا لذيذا مع بعض السّمن المتوفّر في أغلب البيوت على نار لا يكلّفه إيقادها دينارا ولا درهما.

زكاة الفطر ، حبوب أم نقود ؟

  زكاة الفطر ، حبوب أم نقود ؟؟



--------------------------------------------------
🌸 في مثل هذه الأيام من كل سنه يخرج علينا المتشددون ليفتوا بأن زكاة الفطر لا يجوز إخراجها نقود ومن يفعل ذلك خرج من المله 😭😭 ولهؤلاء نقول
👈
🌸 قال الله تعالي في قرآنه الكريم ( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )
صدق الله العظيم
🌸 ونحن لدينا دار فتوي كبيره تابعه لمؤسسة الأزهر وما أدراك ماهو الأزهر الشريف تلك المؤسسه الشامخه التي تنشر الإسلام الحنيف المعتدل في أرجاء العالم .
🌸 وعلي مر السنين ودار الأزهر كل عام تفتي بجواز إخراج زكاة الفطر نقود وجواز إخراجها حبوب ، فمن أخرجها نقدا أجزئه ذلك ومن أخرجها حبوب أجزئه ذلك أيضا وهذا تحت عنوان 👈
( الأيسر علي الغني والأنفع للفقير )
🌸 ومن ردهم علي ذلك :
1 - أنه في زمن النبي إخراج الحبوب كان أيسر فبها تقوم حركة البيع والشراء ( المقايضه او المعاوضه ) و لقلة وجود النقد في ذلك الوقت .
2 - النقود الإسلاميه ظهرت رسميا في عهد الدوله الأمويه ، وهذا ما التفت إليه الإمام ابو حنيفه ( يلقب بالإمام الأعظم ، وهو أول الائمه الأربعة عند أهل السنه والجماعه ) فأجاز إخراج المال كزكاة للفطر مراعاة للمقصد الرئيسي من الزكاة وهو إسعاد الفقير .
3 - وقد أيده في ذلك جماعه من أهل العلم الكبار منهم :
¤ الحسن البصري
¤ الإمام البخاري
¤ الخليفه عمر بن عبدالعزيز ، الذي عاش في عهده ثلاثة آلاف من الصحابه ولم ينكروا عليه إخراج الزكاة نقود .
4 - التيسير والتنوع في أداء الزكاه ثابت عن النبي وعن جماعه من الصحابه ، حيث ذكر البخاري في صحيحه أن معاذ بن جبل أرسله النبي لجمع الزكاة فطلب من أهل اليمن ثياب ( قماش ومنسوجات ) بدلا من الشعير و الذره وقال لهم هذا أهون عليكم و خير لأصحاب رسول الله ، وإقرار النبي علي ذلك يدل علي جوازه في زكاة المال وبالتبعيه يجوز علي زكاة الفطر .
5 - المقصود من زكاة الفطر إسعاد الفقراء و سد حاجتهم في العيد وهذا المقصود يتحقق في أيامنا هذه بالنقود أكثر من الحبوب ، ففي كثير من بلاد المسلمين تجد أن الفقراء يبيعون التمر و حبوب الزكاة للتجار بأبخس الأثمان نظرا لحاجتهم إلي النقود .
6 - دليل آخر : الصحابه رضي الله عنهم اجازوا إخراج حبوب مثل القمح و الأرز وهي لم ترد في حديث الرسول صلي الله عليه وسلم ، وهذا يدل علي أن الأصناف الموجوده في حديث الرسول لا تفيد تحريم ما عداها ، وأن حديث الرسول القصد منه التيسير و رفع الحرج وليس التقييد والحصر .
🌸 هذا والله و رسوله أعلم
وكل عام وأنتم بخير

تفصيل القول بجواز إخراج زكاة الفطر قيمة .. كتبه / د. مصطفى القليوبي الشافعي المصري

 اقرأ هذا من باب تعلم الفقه وكيفية الاستنباط، وطرق الفقهاء في الاستدلال ..



بسم الله وبعد :
فهذا كتيب في تفصيل القول بجواز إخراج زكاة الفطر قيمة، يغنيك عن غيره من المقالات :
أولاً : أريد أن أحيطكم علماً أن المال على عهد النبي كان قليلاً جداً ..
ثم إن الطعام كان مالاً ، يعني يمكن شراء أي سلعة بالطعام ..
ثانيا : أخطأ من قال أن الحنفية فقط هم من انفردوا بإخراج زكاة الفطر نقوداً وللأمانة العلمية فلا بد من أن نقول: أن للإمام أحمد قولان أحدهما يجزئ والآخر لا يجزئ والراجح من مذهبه أنها لا تجزئ، وكذلك للإمام مالك قولان والراجح في مذهبه أنها لا تجزئ، والشافعية قولاً واحداً على أنها لا تجزئ، والأحناف عكسهم.
إذا فقول ونصف على أنها تجزئ وقول ونصف على أنها لا تجزئ.
قال ابن حجر في الفتح: وعلى غير عادة البخاري في مخالفته للأحناف أن اتفق معهم في إخراج صدقة الفطر نقوداً وفي جواز إخراج العرض في الزكاة وبوب البخاري باباً سماه (باب العرض).
ثالثا : أدلة من قال بجواز إخراج القيمة :
ومن الأحاديث التي استدل بها : حديث معاذ بن جبل حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليأخذ منهم زكاة الحبوب والثمار (الزروع) فقال لهم: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. إن جاز تغير النوع في زكاة المال (الأعلى) جاز للأدنى وهي زكاة الفطر.
ومعاذ بن جبل قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: أعلمهم بالحلال والحرام معاذ.
وحديث جابر حين بعثه على الصدقة فأراد أن يأخذ من رجل بنت مخاض فقال له الرجل بنت مخاض صغيرة خذ مكانها بنت لبون فقال له جابر: لا، فاحتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي لجابر: خذها منه إن رضي بها نفسه. أو كما قال صلى الله عليه وسلم فدل على جواز تغير النوع.
وذكر ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي إسحاق السبيعي -وهو أصدق أهل زمانه- أنه قال: أدركتهم -أي الصحابة- وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام.
وذكر ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى ولاته في الأمصار أن صدقة الفطر نصف صاع على كل إنسان أو القيمة نصف درهم.
وكان في عصر عمر بن عبد العزيز ثلاثة آلاف صحابي ولم ينكر عليه أحد، وسكوت الصحابة إقرار منهم على ذلك.
وروي عن الحسن قوله: لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر.
وكتب أبو بكر الصديق لأبي سعيد الخدري: أن من كانت زكاته بنت مخاض ولم يكن عنده إلا بنت لبون خذها منه وأعطه الفرق (عشرين درهماً وشاة).
وورد عن عثمان وعلي ومعاوية والحسن وابن عباس أنهم أجازوا إخراج نصف مد من قمح الشام بدلاً من مد القمح المدني. (وهؤلاء قد غيروا نص الحديث).
قال محمد بن الحسن الشيباني رداً على مَن قال بعدم جواز إخراج القيمة: إن التزمنا بالنص كما تريدون فلا يجوز أن تخرج الزكاة غير هذه الأصناف الخمسة سواء أرز أو من قوت أهل البلد، ولا بد أن تكون بالصاع النبوي ونحن قوم ليس عندهم صاع نبوي فماذا نفعل؟ فرد الشافعية: اشتروه من عندنا، فرد الشيباني: وإن كان بيننا وبينكم حرب ماذا نفعل؟
وإذا فتحنا باب القياس والاجتهاد بإخراجها من غالب قوت أهل البلد فلا بد أن نسمح للأحناف القياس وهو إخراجها نقوداً.
أجمع أهل العلم على أن المراد (بالطعام) المذكور بالحديث هو (القمح).
أورد الإمام مالك بسند صحيح: "أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم"، والفقراء يحتاجون في هذا اليوم للمال ولا يطلبون الطعام.
كما أن الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها، بدليل أن الصحابة -رضي الله عنهم- أجازوا إخراج القمح -وهو غير منصوص عليه- عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث.
• ما ذكره ابن المنذر من أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية: إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر فهم قدروه بالقيمة. (انظر فتح الباري 5/144) .
وإخراج القيمة هو مذهب الثورى، وأبى حنيفة، وأبى يوسف، وهو مذهب الحنفية، وبه العمل والفتوى عندهم فى كل زكاة، وفى الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها ، وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة، وهو قول جماعة من المالكية، كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبى حازم، وابن دينار ، وابن وهب، على ما يقتضيه إطلاق النقل عنهم فى تجويز إخراج القيم فى الزكاة، الشاملة لزكاة المال وزكاة الرءوس، بخلاف ما نقلوه عن ابن القاسم وأشهب، من كونهما أجازا إخراج القيمة فى الزكاة إلا زكاة الفطر وكفارة الأيمان،
وعليه، فنرى أن هناك جمعًا لا بأس به من الأئمة والتابعين، وفقهاء الأمة ذهبوا إلى جواز إخراج قيمة زكاة الفطر نقودًا، هذا فى عصورهم القديمة وكان نظام المقايضة موجودًا،
بمعنى أن كل السلع تصلح وسائل للتبادل وخاصة الحبوب، فكان بيع القمح بالشعير، والذرة بالقمح وهكذا، أما فى عصرنا حيث نحصرت وسائل التبادل فى النقود وحدها، فنرى أن هذا المذهب هو الأوقع والأرجح، بل نزعم أن من خالف من العلماء قديمًا لو أدرك زماننا لقال بقول أبى حنيفة، ويظهر لنا هذا من فقههم وقوة نظرهم.
وألَّف العلامة أحمد بن الصديق الغمارى كتابًا ماتعًا فى تلك المسألة أسماه "تحقيق الآمال فى إخراج زكاة الفطر بالمال"، ورجَّح فيه مذهب الحنفية بأدلة كثيرة، ومن أَوْجه عديدة، وصلت إلى إثنين وثلاثين وجهًا، لذا نرى ترجيح قول من ذهب إلى إخراج قيمتها، وهو الأولى فى هذا الزمان.
وننبه أنه من المقرر شرعًا أنه "إنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه"، وما دام هناك من الفقهاء من أجاز إخراج زكاة الفطر نقودًا ، وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم، فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية.
......
ولعل القارىء يتوهم أننا ندلس فننسب القول بجواز إخراج القيمة للمالكية والحنابلة في وجه، فنطمئنه بذكر نصوصهم في ذلك على النحو التالي :
قال الامام الصاوي في شرحه على الصغير :
" في المذهب - طريقتان: عدم إجزاء القيمة مطلقا وإجزاؤها مطلقا، فعدم الإجزاء لابن الحاجب وابن بشير، وقد اعترضه في التوضيح بأنه خلاف ما في المدونة (!!) ، ومثله لابن عبد السلام والباجي من أن المشهور فيه الإجزاء مع الكراهة......
وقال الصاوي : (إلا العين) ذهبا أو فضة يخرجها (عن حرث وماشية) بالقيمة (فتجزئ بكره) أي مع كراهة. وهذا شامل لزكاة الفطر " . ( بلغة السالك 669/1)
جاء في الإنصاف في معرفة الراجح المجلد ٣ ص ١٨٢ : "قوله ( ولا يجزيء غير ذلك ) القيمة والصحيح من المذهب انها لا تجزيء وعليه جماهير الاصحاب ونص عليه ، وعنه رواية مخرجة يجزيء اخراجها " .
واستدل المجيزون أيضا لدفع قيمة صدقة الفطر بما يأتي :
1- الأصل في صدقة الفطر ، ومقاصد الشريعة منها إغناء الفقراء في يوم العيد ، وإدخال السرور والفرح في قلوبهم من خلال توفير احتياجاتهم الأساسية ، وهذا بلا شك إنما يتحقق في عصرنا الحاضر في الغالب بدفع النقود إليهم ليشتروا بها حاجياتهم الأساسية التي لا تنحصر في التمر ، والقمح ، والشعير ، والأرز ونحوها .
وهذا ما فهمه الصحابة الكرام حيث لم يكتفوا بما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم في عصره من التمر والشعير ، والأقط بل جعلوها قمحاً ، بل إن معظمهم جعل نصف صاع منه يعدل صاعاً من تمر أو شعير - كما سبق-
2- إن من أقوى الأدلة : ما رآه معاوية رضي الله عنه وعرضه على الصحابة الكرام في حجته أو عمرته ، من أن نصف صاع من سمراء الشام (القمح) يعدل صاعاً من التمر ، ووافقه الصحابة كما قال الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري .
فهذا الاجتماع لجمهورهم دليل قوي على جواز دفع القيمة لأن معادلة نصف صاع من القمح بصاع لا تتحقق إلاّ من خلال القيمة ، وهذه المعادلة مروية عن عمر رضي الله عنه .
3- ثبت في نصوص شرعية صحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءَهُ الراشدين قبلوا القيمة في زكاة بعض الأعيان في حالات متعددة ، مثل قبول الدراهم أو الدنانير مكان الفارق في العمر المطلوب في زكاة الابل ، حيث قدر الجبران بشاتين أو عشرين درهماً .
4- كما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن لجمع الصدقات المفروضة قال لهم : (ائتوني بعرض ثياب خميس أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار) رواه البخاري معلقاً في باب العرض في الزكاة ،
وقال طاوس : ( قال معاذ لأهل اليمن : ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم.... ) رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/113) والمحلى (6/25)
قال الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (3/13) إسناده صحيح إلى طاوس ، لكنه لم يسمع من معاذ فهو منقطع ، ورواه ابن أبي شيبة في صمفنه (3/174) .
......
وأدلة المانعين على النحو التالي :
استدل المانعون من دفع القيمة في زكاة الفطر بما يأتي :
1- الأحاديث الصحيحة الدالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر ... الخ ، حيث لم يذكر القيمة وأنها لو جازت لبيّنها ، وبالتالي فإنه من يدفع القيمة لم ينفذ ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم به .
2- إن الزكاة عبادة وقربة إلى الله ، فالأصل والواجب فيها الاتباع دون الابتداع ، وبعبارة فقهية فهي تعبدية لا تخضع للقياس والاجتهاد.
تلك هي أهم الأدلة التي استدل بها المانعون قديماً وحديثاً ، ولكن يمكن أن يناقش ذلك بما يأتي:
أ- أن ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض صاعاً من تمر...الخ ، هو تعبير الصحابي عما فرضه الرسول صلى الله عليه وسلم وليس قوله صلى الله عليه وسلم بصيغة تدل على منع ما سواه ، حيث لا يوجد نص صحيح صريح ثابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على حصر هذه الفريضة في صاع مما ذكر في جميع الأحاديث الواردة في هذا الشأن ، وبالتالي فلا تدل على منع ما سواه ، وأكبر دليل على ذلك هو أن جمهور المانعين يجيزون دفع صاع من القمح زكاة فطر ، وهو لم يرد في الأحاديث الصحيحة الصريحة بالاتفاق ، كما أن جمهورهم أيضاً يجيزون دفع صاع ما لأرز صدقة فطر، وهو لم يرد في أي حديث لا صحيح ولا صريح .
فإذا كان القياس هنا صحيحاً ومقبولاً فما الفرق بينه وبين الاجتهاد بجواز دفع القيمة بل إن دفع قيمة التمر ، أو الشعير الوارد في النص أقرب من إلحاق أنواع أخرى من حبوب لم ترد في نصوص الشريعة .
ب- إن الزكاة بصورة عامة ، وزكاة الفطر بصورة خاصة ليست من الشعائر التعبدية المحضة ، وإنما من العبادات التي تدخل في المعقولة المعاني التي يمكن الاجتهاد فيها ، وقد رأينا أن جمهور المانعين اجتهدوا وقاسوا فيها بالنسبة لدفع القمح ، أو الأرز ، أو نحوهما ما دام يمثل غالب قوت البلد.
وبذلك قلب دليلهم عليهم فأصبح حجة عليهم ، ولم يلتزموا بكونها تعبدية محضة لا قياس فيها ، فإذا كان هذا القياس المجتهد فيه جائزا فلماذا إذاً لا يكون الاجتهاد بدفع القيمة جائزاً؟
ج- ثم إن ما ذكر في حديث ابن عمر من التمر والشعير والأقط كان من أنواع طعام ذلك العصر بدليل أنه لما دخلت أنواع أخرى اعتمدت ، كما قال أبو سعيد الخدري في شأن القمح.
.....
ثالثاً - وأما أدلة المذهب الثالث ، فهي نفس أدلة المذهب الثاني ( المجيزين) مع التقييد بالمصلحة الراجحة ، وبما هو أنفع للفقراء ، وبالتالي فهو راجع إليه مع هذا القيد المذكور ، وهو الراجح.
.......
وفي الختام أيها القارىء الحبيب أدعوك لتتأمل الآتي..
الأئمة الذين قالوا بإخراج زكاة الفطر من قوت البلد كان في زمانهم الطعام مالاً، يمكن شراء ما يحتاجونه به، بخلاف هذا الزمان ..
ولو عاشوا في زماننا ليس ببعيد أن يفتوا بإخراج القيمة ..
الفقهاء المعاصرون لم يلتفتوا إلى أن التمر والبر والشعير كانوا في الزمن السابق أحد وسائل المعاوضات!
فهذه الأطعمة لم تكن مجرد أطعمة وإنما هي نقود بذاتها!!
فالعرب في الجاهلية والإسلام لم يتعاملوا بالنقد “الفلوس” كوسيلة رئيسية في البيع والشراء!
فقد كانت لديهم دراهم بيزنطية وفارسية ولكن تداولها كان محدودا حتى أصدر عبد الملك بن مروان أول عملة نقدية!
ولذلك كانوا يشترون حاجاتهم بالتمر والشعير فلم تكن هذه الأطعمة مجرد طعام!
ومن هنا نجد أن التمر والبر والشعير كان بالنسبة للفقراء في زمن النبي ﷺ وما بعده طعام وفلوس في ذات الوقت!
فإذا تصدقت على الفقير بهذه السلع فقد سددت حاجته للطعام والفلوس في ذات الوقت!
فاختيار النبي ﷺ لهذه الأطعمة اختيار مقاصدي واضح ويحقق غايته الأهم وهي إغناء الفقراء عن السؤال
وأما ما يقوله المانعون من إخراج زكاة الفطر نقدا من أن الزكاة عبادة ويجب الوقوف فيها على النص!
فالزكاة مع كونها عبادة فهي عبادة مقاصدية من أولها لآخرها وهدفها معلوم بنصوص الوحي وإجماع أهل الدين والدنيا وهو سد حاجة الفقراء!
فالزكاة التي لا تنفع الفقير ليست زكاة لا لغة ولا شرعا
ونحن نجد اليوم أن هذا الواقع الذي نزل فيه التشريع قد اختلف
ولم يعد التمر والشعير سلعا أساسية تسد احتياجات الفقراء اليومية
والجمود والإصرار على اعتمادها يفوّت المقصد الرئيسي من الزكاة ويجعلها مجرد “طقس” لا يحقق الغاية!
فالواقع المشاهد أن الفقراء يبيعون التمر ليحصلوا على النقد!
وبهذه الطريقة صارت زكاة الفطر صدقة على التجار وليس على الفقراء لأن التجار هم الرابحون في هذه المعاملة!
فأنت تشتري الرز ب ب٩ج والفقير يريد المال ولا يريد الرز فيبيع الرز ب بأقل من سعره!
والنتيجة أن الغني التاجر اقتسم الزكاة مع الفقير بدلا من أن تكون خالصة للفقير!
فإذا كان القصد من الزكاة إسعاد الفقير وسد وحاجته ونحن نعلم يقينا يقينا يقينا أن ذلك لا يتحقق بكماله إلا بدفع المال إلى الفقير…
فما معنى أن نجمد على النص ونخالف المصلحة!
ولمَ نحوّل هذه الشعيرة العظيمة إلى أفعال صوريّة تغيب عنها أهدافها وتتخلف عنها مقاصدها؟!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله
كتبه / د. مصطفى القليوبي الشافعي المصري