هل يجوز إعطاء زكاة الفطر نقداً ؟ وما الدليل ؟
وهل هو خلاف لما ورد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- عن ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْـــلَ خُرُوجِ النَّــــاسِ إِلَــى الصَّلَاةِ
- عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ
ف هذين الحديثين المباركين نستنبط ما يأتي :
- فرض النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ف زكــاة الفطر ، ونصّ ع : التمر ، والشعير فقط !
– ذكر الصحابيّ الجليل أبو سعيد الخدريّ ، وفسّر الطعام ، الــذي كانوا يخرجونه ف زكــاة الفطـــر ، ف زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم : الشعير والزبيب والأقط والتمر ، فقط !
فلم ينص النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لا ع الأرز ، ولا ع غيره !
والأرز لم يكن موجوداً أصلاً ف زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ؟
ولم ينص النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ع قوت البلـــد ، ولم يلفظ كلمتي ( قوت البلد ) ! فمن أين جاء الذين يحتجّون ع غيرهم بالتقيّد بنص النبيّ صلى الله عليه وسلم .
من أين جاءوا بـ( قوت البلد ) ، وهم يفرحون بأنهم يطبّقون السنة ف هذا الموضوع ، دون غيرهم من الذين يخرجون النقود ؟ !
ونحن نرى أنّ آراء واجتهادات وأقوال ، ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، أكثر دقة ، ومنطقيّةً ، مع ظاهريته ، ف تقيّده بالنص ، من الذين يدّعون ذلك ، ويحاربون غيرهم بحجة التقيّد بالنص .
وهم – ف الحقيقة – مقيّدون باجتهادات وآراء رجال – غير معصومين – لا يرتقون إلى مستوى كُتّاب أولئك الأئمة ، الذين يحاربونهم ! !
أنظري إلى أقوال ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، لترى التقيّد حرفيّاً بالنص كيف يكون ؟ :
قال ، رحمه الله :
[ وَأَجَازَ قَوْمٌ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
فَقَالَ قَوْمٌ: يُجْزِئُ فِيهَا الْقَمْحُ وَقَالَ آخَرُونَ: وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ.
وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا -:
أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ،
فَقُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ بِلَا بُرْهَانٍ،
ثُمَّ قَدْ نَقَضْتُمُوهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ لَا الْحَبَّ:
فَأَوْجَبُوا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا لِأَنَّهُ هُوَ أَكَلَهُ، وَهُوَ قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ،
فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ.
قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَكَذَلِكَ مَا عَدَا التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ،
وَقَالُوا: إنَّمَا خَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالذَّكَرِ - التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْشُوفٌ، لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَوَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ؛ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا،
وَيُقَالُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْقَمْحَ، وَالزَّبِيبَ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمَا وَقَصَدَ إلَى التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؛ أَنَّهُمَا قُوتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،
وَهَذَا لَا يَعْلَمْنَهُ إلَّا مَنْ أَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَحَيٌّ بِذَلِكَ،
وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْفَرْضُ فِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَطْ،
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ وَأَنْذَرَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَفْتَحُ لَهُمْ الشَّامَ، وَالْعِرَاقَ، وَمِصْرَ، وَمَا وَرَاءَ الْبِحَارِ،
فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبِسَ عَ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ دِينَهُمْ؟ فَيُرِيدُ مِنْهُمْ أَمْرًا وَلَا يَذْكُرُهُ لَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ بِكَلَامِهِ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؟
وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَطِ ] .
هذا منطق مَن يأخذ بحرفية النص ، ويأخذ به !
وهو منطق وقول مَن لا يتناقض مع نفسه !
فالذي يخــالف و يحــارب المسلمين ف هـذه المســــألة – لأنهم يقولون بجواز إخراج النقود – ويفتخر بنفسه ، ع أنه مقيّد بنص حديث رسول الله ، دون غيره
عليه : إمّا أن يردّ ع الإمام ابن حزم قوله ، ويبطله !
أو يعترف بأنه أيضاً غير مقيّد بحرفية النص ، حاله حال المسلمين الذين يحاربهم !
وعليه أن يعترف أنه هو أيضاً مقيّد بقياسات واجتهادات العلماء !
هل ذكر النبيّ ، الأرز والعدس و . . . ؟ وهل قال صلى الله عليه وسلم ، قوت البلد ؟
هل أخذوا ذلك من حرفية النص ؟ أم استنباطاً منه ؟
فلماذا يجوز ، ويحل لهم الإستنباط ، ولا يجوز لغيرهم ، ويحرم عليهم ذلك ؟ !
ج – ثم قال ابن حزم ، رحمه الله :
[ ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ خَبَرٌ مُسْنَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِ شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ،
وَلَا عَجَبَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَقُولُ فِ خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ: «كُنَّا نَبِيــعُ أُمَّهَـــاتِ الْأَوْلَادِ عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ «ذَبَحْنَا عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ»
أَنَّ هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ،
ثُمَّ يَجْعَلُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا مُسْنَدًا عَ اضْطِرَابِهِ وَتَعَارُضِ رُوَاتِهِ فِيهِ
فَلْيَقُلْ كُلُّ ذِي عَقْلٍ: أَيُّمَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَا يَخْفَى عَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
بَيْعُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ ذَبْحُ فَرَسٍ فِ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَوْ بَيْتِ الزُّبَيْرِ،
وَبَيْتَاهُمَا مُطْنِبَانِ بِبَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنَتُهُ عِنْدَهُ، عَلَى عِزَّةِ الْخَيْلِ عِنْدَهُمْ وَقِلَّتِهَا وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا،
أَمْ صَدَقَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِ بَنِي خُدْرَةَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ بِصَاعِ أَقِطٍ، أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ،
وَلَوْ ذُبِحَ فَرَسٌ لِلْأَكْلِ فِ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ بَغْدَادَ مَا كَانَ
يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى فِ الْجَانِبِ الْآخَرِ،
وَلَوْ تَصَدَّقَتْ امْرَأَةُ أَحَدِنَا أَوْ جَارُهُ الْمُلَاصِقُ بِصَاعِ أَقِطٍ؛ أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ وَصَاعِ قَمْحٍ، مَا كَادَ هُوَ يَعْلَمُهُ فِي الْأَغْلَبِ؛
فَاعْجَبُوا لِعَكْسِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْحَقَائِقَ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ الثَّلَاثَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ ]
يقول الإمام ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، عن قول أبي سعيد الخدري - الذي يقول فيه - : كُنّا نفعل كذا . .
يقول : هذا ليس خبر مسند ، لأنه ليـــس فيــه أنّ رسول الله ، عَلِم بذلك فأقرّه !
ويتعجب ابن حزم ، من هؤلاء العلماء ؛ الذين يعتمدون ف إقرار سنة عن النبيّ ، ع قول أبي سعيد الخدري ، : كنا نفعل كذا وكذا .
فيقولون بإخراج الزبيب والأقط و . . . إستناداً ع قول أبي سعيد الخدريّ : كنّا نُخْرِجُ فِ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ .
ويعتبرونه سنّة مقررة من عند رسول الله ، علماً أنه ليس فيه أن رسول الله قد عَلِمَ بذلك !
بينما هم يردّون ما هو أقوى من ذلك ، ولا يعتبـرونـه سنّة ! ويقولون : هو غير مسند ؛ لأنه ليس فيه أنّ رسول الله ، عَلِمَ بذلك فأقرّه ! !
فيقول : هؤلاء العلماء قد ردّوا قول بعض الصحابة ، رضي الله عنهم ، مثل جابر بن عبد الله ، وأسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهم ، وقولهما هو بنفس صيغة قول أبي سـعيـد الخدريّ ، الذي جعلوه سنّة ، بل قولهما أقوى ف الإستنباط منه !
مثلاً : خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ: «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ «ذَبَحْنَا عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ»
فيقولون عنهما : هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ
يقول ابن حزم : فليحكم كل مَن عنده عقل يحتكم إليه ، أي منهما منطقي ؟
هل يخفـى ع رسول الله ، أن يبيـع رجـل من أصحابـه كجابر أم ولده ؟
أو هل يخفى ع رسول الله ، أن يُذبح فَرَس ف بيت أبــي بكر الصدّيق ، أبي أسمــاء ، أو ف بيت الزبير بن العـوام ، زوج أسماء ،
وبيت كل منهما بجنب بيت رسول الله ،
وأخت أسماء ؛ هــــي عائشة بنت أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهم ، وهي زوج النبيّ ؟
ولاسيما كم كان الفَرَس عزيزاً ، وقليلاً عندهم ، وكم كانوا بحاجة إليه ، فيذبحونه ويأكلونه ،
ويخفى ذلك ع رسول الله ! ! ولا يعتبر عملهم سنّة !
أما حينما يتصدّق رجل مــن أصحابه كأبـــي سعيد الخدريّ ، وبيته ف عوالي المدينة المنورة ، ف بني خُدرة ، أي بعيد عن بيت رسول الله
حينما يتصدّق بصاع أقط ، أو زبيب ، فهذا لا يخفى ع رسول الله ويعتبر عمله سنّة إقرارية !
ويقول : لو ذُبح فَرَس للأكل ، ف طرف من بغداد – ف زمانه – ما كان ليخفى ع الطرف الآخر ،
فكيف خفي ذلك ع رسول الله، في جنب بيته ؟
يقول : بينما لو تصدّقت زوجة أحدنا بصاع أقط ، أو زبيب ، أو قمح ، ما كاد أن يعلمه ، وهو زوجها !
فأن لا يعلم جيرانه فبطريق الأَوْلى ! !
فكيف – حسب قول ابن حزم – عكَسَ هؤلاء العلماء الأمر ، فردّوا الأقوى ، وأخذوا بالأضعف منه ؟ !
– جاء ف حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما ، الذي رواه الشيخان ؛ البخاري ، ومسلم ، ف صحيحيهما :
( وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ ) .
فهذا أمر من النبيّ ، صريحاً واضحاً – للذين يتقيّدون بنص النبيّ ، ويدّعون أنّهم لا يخرجون عن النص ، ويحاربون الأئمة ويضللونهم بخروجهم عن النص –
هل هم يتقيّدون بأمر ، وسنة رسول الله ، هنا ؟
وأمره ، هنا هو أن تؤدّى زكاة الفطر ، بعد صلاة فجرعيد الفطر ، وقبل صلاة العيد !
فهل هم مقيّدون بذلك ؟
وقد استحب الأئمة ؛ أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، تأخير صلاة عيد الفطر ، ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر ، المستحب إخراجها فيه !
فهل هم يتقيّدون بذلك ؟
لا ، طبــعاً ، هم غيـــر مقيّدون بذلك ، بل يؤدّونها قبل ذلك ، ربّما بيومين ! لماذا ؟
لأن الإمام البخاري ، رحمه الله ، قد روى ف صحيحه ، عن ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أنه كان «يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»
ولنا ع هذا الإستدلال ملاحظتان :
– أن النبيّ أمر بوضوح ، وبصريح العبارة
، أن تؤدّى زكاة الفطر ، قبل خروج الناس إلى الصلاة !
فلمـاذا عدل الملتزمون بالنص عن ذلك ، ويؤدونها قبل ذلك ؟
قالوا : [ ولا مانـــع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين .
وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها ف أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين ؛ لأن الشهر يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين ] .
وقالوا أيضاً : [ وقت وجوب إخراجها : تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الفِطْرِ : هذا هو وقت الوجوب، أي الوقت الذي يوجه فيه الخطاب إلى الإنسان بإخراجها هو وقت غروب الشمس ليلة الفطر، والدليل حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ]
ثم أنظر إلى قولهم – وهم يدّعون الإلتزام بنصوص الكتاب والسنة – :
[ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ] . [ وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ العِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ] .
علماً أن رسول الله ، أمر بإخراجها قبل خروج الناس إلى الصلاة !
أتدرون لماذا ؟
لأن الصحابيّ الجليل عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، روى : أنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين !
أي : أن الصحابة هم يفسرون ، ويشرحون ، ويبيّنون لنا مقصد رسول الله وما أراد بأوامره ، وكيفيّتها !
والصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يفعلون شيئاً من عند أنفسهم ، بل لابد أنّهم إذا عملوا عملاً فبعلم رسول الله عملوه ، وأقرّهم ع ذلك .
مع أن أمر النبيّ هنا واضح صريح !
قالوا : [ وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين ] .
[ لما روى الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (1511) من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَكَانُوا يُعْطُونَها قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ] .
هذا هو سبب العدول عن أمر رسول الله ، الواضح الصريح !
فالصحابة ، رضوان الله عليهم ، هم مَن يفسرون لنا أوامر رسول الله ، ولا يعملون إلّا بعلم النبيّ
وهذا كلام جميل ، ومبدأ صحيح ، أليس نقول دائماً : الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ؟
وهل هناك – من السلف الصالح – أفضل ، وأعلم من الصحابة ، رضوان الله عليهم ؟ !
ولا ندري – ولا المنجّم يدري – لماذا عدلوا عن هذا المبدأ الصحيح الجميل ف مكان آخر ؟ !
والحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، قد قرر ف كتابه (( منهاج السنة )) ، أنّ الدليل ع بطلان المقابل ، هو وجود التناقض ف أقواله ومواقفه ؛ فتراه يقرر شيئاً ف مكان ، ثم يقرر عكسه ، ويناقض ذلك القول ف مكان آخر !
النبيّ لم ينص أيضاً لا ع الأرز والعدس ، ولا ع قوت البلد ، فلماذا عدلوا هنا عن نص الحديث !
وقد كان كبار الصحابة وعلمائهم ، رضي الله عنهم ، قد فقهوا وفهموا الغاية من الزكاة عامة ، وهي : سد فاقة الفقير ، وإشباع حاجاته .
ولم يقيّدوا أنفسهم ببعض الوسائل المنصوصة عليها !
فقد صحّ عن معاذ بن جبل – أعلم الصحابة بالحلال والحرام – ، أنه قال لِأَهْلِ اليَمَنِ:
«ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ
أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ»
وكذلك جاء عن عمر بن الخطاب أنه كان يأخذ من الأراضي الخراجية الدراهم ، مع أنّ النبيّ ، أخذ من أهل خيبر شطر ما يخرج من أراضيهم ،
ومع هذا لم يتقيّد عمر بأخذ الثمار والزروع بل كان يأخذ الدراهم وغيرها منهم .
وما رأينا منكراً من الصحابة ع ذلك ، وع هذا مضى من بعده.
والله اعلم