الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

الهدنة بين المسلمين وعدوهم ـ أحكامها، مدتها، تطبيقها المعاصر

 

الهدنة بين المسلمين وعدوهم ـ أحكامها، مدتها، تطبيقها المعاصر ـ د. عبد المنعم زين الدين

ملخص:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وصبحه أجمعين، وبعد:

في ظل الصراع بين أهل الحق والباطل، قد يكون من المصلحة للمسلمين توقيع هدنة وصلح مع عدوهم، تتوقف فيه الأعمال القتالية، من كلا الطرفين، لمصلحة يراها المسلمون، لكن مما لا شك فيه أن هذه المهادنات والمصالحات يجب أن تكون مقيدة بالقيود الشرعية التي وضعها الفقهاء حتى تصبح جائزة وملزمة، وإلا فإنها تصبح ذريعة لترك الجهاد، ومطيّة لأهل الإرجاف والفساد لتخذيل المجاهدين وإضعاف شوكتهم.

وقد  تحدث الفقهاء قديمًا عن هذه الشروط  وفق الأدلة المذكورة في الكتاب والسنة وسيرة النبي صلى الله وعليه وسلم وصحبه الكرام، وينبغي استحضار هذه الشروط عند الحكم على المصالحات التي تتم في سورية في ظل الحرب القائمة بين المجاهدين وعدوهم من الجيش الأسدي المجرم وأعوانه، حتى يتسنى لنا أن نقرر ما هو جائز منها، مما لا يقبله الشرع.

وفي هذا البحث تعرضت لتوضيح معنى الهدنة وأحكامها وشروطها ومدتها، مع إسقاط هذه الشروط على المصالحات التي تتم في بعض المناطق السورية، راجيًا من الله سبحانه وتعالى أن يلهمني الصواب وأن يغفر لي التقصير، فإن أصبت فمن الله تعالى، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله من ذلك، والحمد لله رب العالمين.

بقلم: د. عبد المنعم زين الدين

عضو الهيئة العامة  للمجلس الإسلامي السوري

مقدمة:

لقد مَنَّ الله على بلدي سورية بثورة العِزَّة والكرامة، التي قامتْ في وجه الطغاة المجرمين، بشكل سِلمي في البداية ثم ما لبثت أن انتقلت للجهاد المسلح بعد أن قابل المجرمون سِلميتها بالرصاص، فكان لزامًا على أصحاب الدِّين والغيرة أن يحملوا السلاح للدفاع عن أرضهم ومساجدهم وحُرماتهم جهادًا في سيبل الله، وردًا للعدوان ودفعًا لصيال المعتدين.

وانتظم المجاهدون في جماعات وفصائل لا تجمعها قيادة واحدة، بل اختارت كلُّ مجموعة مَن يقودها بسبب تقطيع أوصال البلاد، وبدأتْ هذه الجماعات تنسق فيما بينها دون أن تصل إلى وحدة القائد.

وكان الصمود والإصرار على مقارعة النظام النصيري المجرم هو العنوان السائد عند كل الجماعات المجاهدة، رغم التنكيل الوحشي بالأهالي في المناطق الثائرة من قبل النظام المجرم وسط تآمرٍ وتخاذلٍ دولي غير مسبوق، بما في ذلك سكوتهم عن ضرب الحاضنة الشعبية بالسلاح المحرم دوليًا.

وعندما عجر النظام المجرم عن تحقيق غايته في إخضاع المجاهدين، وانقطع أمله في التغلب عليهم في ميادين القتال، لجأ إلى سلاح خبيثٍ ماكرٍ ألا وهو سلاح التجويع لأبناء المناطق الثائرة عبْر حصارها، ومنعِ إدخال الطعام إليها، وطالتْ فترة الحصار هذه في بعض المناطق حتى سَقط البعض شهداء من الجوع والحصار، فيما كان الحصار في مناطق أخرى أقل شدة، حيث لم يطبّق على الناس بشكل تام، وبدأ بعض السكان هناك – بحسن نية أو بسوء اتفاق مع النظام - يطرحون آلية بهدف إنقاذ من تبقى من السكان من الموت جوعًا، فكانت فكرة الهدن التي جرت مع هذا النظام في بعض المناطق، والتي لم تحظ بإجماع الأهالي في تلك المناطق التي جرت فيها.

ولا يقبل سكوت العلماء عن بيان الحكم الشرعي فيما جرى من مهادنات مع النظام المجرم، وسط اختلاف بين السياسيين والمفكرين حول الحكم على من قام بهذه المصالحة، بين من يراهم أذكياء بل أبطالاً فعلوا ما بوسعهم لإنقاذ أهلهم، وبين من يرى في فعلهم خيانة لثورة الشعب السوري المسلم.

ومن هنا جاء هذا البحث حتى يضع العلماء أمام مسؤولياتهم في الإجابة عن تساؤلات الناس عن حكم هذه المهادنات، في وقت ينظر الناس فيه إلى العلماء ينتظرون سماع الحكم الفصل في هذه المسائل التي لا يجوز فيها تأخير البيان عن وقت الحاجة[1].

المبحث الأول: تعريف الهدنة في اللغة والاصطلاح

الهُدنة لغة: السُّكون بعد الهيجان، وهدن بمعنى سكن، ويأتي لازمًا ومتعديًا، وهادنه مهادنة: أي صالحه، والاسم: الهدنة، ويقال للصلح بعد القتال، والموادعة بين المسلمين والكفار، وبين كل متحاربين[2].

الهدنة اصطلاحًا: عرَّفها الفقهاء بتعريفات متقاربة تدور حول معنى الموادعة، والمعاهدة، والمسالمة، والمصالحة، فهي:

عند الحنفية: الصلح على ترك القتال مدة بمال أو بغير مال إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك[3].

وعند المالكية: عقدُ المسلم مع الحربي على المسالمة مدة ليس هو فيها تحت حكم الإسلام[4].

وعند الشافعية: مصالحةُ أهل الحرب على ترك القتال لمدة معينة، بعِوضٍ أو بغير عِوض، سواء من يُقَرُّ بدينه ومن لا يقر به[5].

وعند الحنابلة: عقدٌ لإمام أو نائبه على ترك القتال مع غير المسلمين مدة معلومة بقدر الحاجة[6].

وتختلف الهدنة عن الجزية بأن عقد الهُدنة ينعقد مع الدّولة المحاربة بما يتبعها من شعبها، وعقد الجزية ينعقد مع اُناسٍ من أتباع دولة الإسلام.

المبحث الثاني: مشروعية الهدنة

مشروعية الهدنة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.

-    الكتاب: قال تعالى: {إلاّ الذِينَ عَاهَدتُّم مِنَ المُشرِكِينَ ثُم لَمْ يَنْقُصُوكمْ شَيئًا..} [التوبة: 6]، وقال تعالى: {إلاّ الذِينَ عَاهَدتُّمْ عِنْدَ المَسجِدِ الحَرَامِ..} [التوبة: 7]، فهذه الآيات بدلالتها اللفظية تدلّ على جواز عقد المعاهدة مع الكفار، وتُقرّر ما صدر عن المسلمين من المعاهدة معهم.

وقال سبحانه: {وإنْ جَنَحوا للسَّلم فاجنحْ لها وتوكَّلْ على الله إنه هو السميعُ العَليمُ} [الأنفال: 61]، فالآية تدل على جواز الجنوح للسّلم حينما يجنح لها العدوّ، وهذه الآية - وإن كان مفادها أضيق دائرة من المدّعى في الباب، حيث إنّ الجواز فيها مشروط بمبادرة العدوّ إلى الصلح، مع أنّ المدّعى فيما نحن فيه هو الأعم، إلاّ أنّ - دلالتها على الجواز في الجملة ممّا لا يقبل الإنكار.

-    السنة: مهادنة النبي صلى الله عليه وسلم للكفار من مشركين ويهود ونصارى، ومن ذلك مهادنته لقريش في عام الحديبية، ولمدة عشر سنين، وهو ما سمي بصلح الحديبية[7].

-         الإجماع: وقد أجمعت الأمة على جواز الهدنة بشروطها الشرعية[8].

 

المبحث الثالث: حُكم الهدنة

اختلفت أقوال الفقهاء في حُكم الهدنة على أقوال ثلاثة:

القول الأول: الهدنة مع العدوّ غير جائزة إلا في حال الضرورة.

واستدلوا على ذلك بأن آيات الجهاد الواردة في سورة التوبة قد نَسَخَتْ آياتِ السّلم الواردة في سورة الأنفال، وهذا يعني أن حكم المسالمة والمهادنة لم يَعدْ مشروعًا إلا في حال الضرورة.

وممن قال بهذا القول الكاساني من الحنفية، وغيره.

قال الكاساني: "وشرطها الضرورة، وهي ضرورة الاستعداد للقتال بأن كان بالمسلمين ضعفٌ، وبالكَفَرةِ قوّةُ المجاوزة إلى قومٍ آخرين، فلا تجوز عند عدم الضرورة، لأن الموادعة تركُ القتال المفروض، فلا يجوز إلا في حال وقوع وسيلة إلى القتال"[9].

القول الثاني: تجوز المهادنة للمصلحة والحاجة، وممن قال بهذا القول ابن رشد من المالكية والشيرازي من الشافعية وغيرهما.

 يقول ابن رشد: "إن قومًا أجازوها ابتداءً إذا رأى الإمام فيها مصلحة للمسلمين، وهناك قوم لم يجيزوها إلا لمكان الضرورة الداعية لأهل الإسلام"[10].

ويقول الشيرازي الشافعي: "فإن لم يكن في الهدنة مصلحة لم يجز عقدها لقوله عزَّ وجل: {فلا تَهِنوا وتَدْعُوا إلى السَّلمِ وأنتم الأعلونَ إنْ كنتمْ مُؤمنين}. [محمد:35]، وإن كان فيها مصلحة بأن يرجوا إسلامهم، أو بذل جزية، أو معاونتهم على قتال غيرهم جاز أن يهادن العدو"[11].

لأن الله نهى المسلمين أن يدعوا عدوهم إلى المهادنة وهم الأعلون.

واستدلوا على ذلك بما صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم مع مشركي قريش، في الحديث الذي رواه البراء بن عازب وغيره قال: (لما حَضَرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم عند البيت صالَحَهُ أهلُ مكةَ على أن يدْخلها فيقيم معه من أهلها، ولا يمنع أحدًا يمكث بها ممن كان معه... الحديث)[12].

القول الثالث: وذهب هؤلاء إلى وجوب الهدنة في حالتين:

الأولى: إذا طلبها العدو، فيجُاب إلى طلبه، ولو كان يريد الخديعة، مع وجوب الحذر والاستعداد، بدليل قول الله سبحانه وتعالى: {وإن جَنَحُوا للسَّلم فاجنحْ لها وتوكَّلْ على الله إنه هو السميعُ العليمُ* وإن يُريدوا أن يَخدعوكَ فإنَّ حَسْبَكَ اللهُ هو الذي أيَّدكَ بنصرِه وبالمؤمنينَ}. [الأنفال: 60-61].

الثانية: في الأشهر الحُرُمِ، (محرم، رجب، ذي القعدة، ذي الحجة) حيث لا يحل البدء بالقتال فيها إلا دفعًا للأعداء، كما يباح القتال فيها إذا كانت الحرب قائمة ولم يرض العدو بوقف القتال فيها[13].

يقول الله سبحانه وتعالى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهور عند الله اثنا عَشَرَ شهرًا في كتابِ اللهِ يوم خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ منها أربعةٌ حُرُمٌ ذلك الدِّينُ القَيِّمُ فلا تَظلِمُوا فيهنَّ أنفسَكم وقاتلوا المشركينَ كافةً كما يقاتِلونكم كافةً واعلموا أنَّ اللهَ مع المتقينَ} [التوبة: 36].

الترجيح:

الراجح أن حكم الهدنة جائز للضرورة وللحاجة، لأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة كما صرَّح العلماء[14]، لكنه ليس بواجب، وبهذا يتحقق الجمع بين القول الأول والثاني. أما القول الثالث فهو شديد الضعف، ويمكن الرَّد على الأدلة التي ساقها مناصروه بأن الآيات التي استدل بها أصحاب هذا القول إما أنها منسوخة كما ذهب إلى ذلك كثير من المفسرين أو أن الأمر فيها ليس للوجوب.

فالآية الأولى: {وإن جَنَحُوا للسَّلم فاجنحْ لها..} [الأنفال: 60-61]، "قال ابن عباس، ومجاهد، وزيد بن أسلم، وعطاء الخراساني، وعكرمة، والحسن، وقتادة: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في "براءة": {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} [ التوبة: 29]. وقيل لا نسخ؛ لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إذا كان العدو كثيفًا، فإنه تجوز مهادنتهم، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص"[15].

وأما الآية الثانية: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهور عند الله اثنا عَشَرَ شهرًا في كتابِ اللهِ يوم خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ منها أربعةٌ حُرُمٌ..} [ التوبة: 36]، فقد "اختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم، فقال قوم: كان كبيرًا ثم نسخ بقوله: {وقاتلوا المشركين كافة}، كأنه يقول فيهن وفي غيرهن. وهو قول قتادة، وعطاء الخراساني، والزهري، وسفيان الثوري، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين، وثقيفًا بالطائف، وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة. وقال آخرون: إنه غير منسوخ. قال ابن جريج: حلف بالله عطاء بن أبي رباح: ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، إلا أن يقاتلوا فيها وما نسخت"[16].

وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: "قيل: في الظلم قولان: أحدهما لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتال، ثم نسخ بإباحة القتال في جميع الشهور، قاله قتادة وعطاء الخراساني والزهري وسفيان الثوري. وقال ابن جريج: حلف بالله عطاء بن أبي رباح أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها، وما نسخت. والصحيح الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين وثقيفًا بالطائف، وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة. وقد تقدم هذا المعنى في البقرة. الثاني: لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب؛ لأن الله سبحانه إذا عظم شيئًا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح.."[17].

المبحث الرابع: شروط الهدنة

لا بُدَّ لصحة عقد الهدنة من توافر الشروط التالية:

1-  أن يَعقدها مع العدوّ الإمامُ أو نائبُه دون غيرهما. وهذا مذهب جمهور الفقهاء، فلا يَصحّ لغيرهما أن يعقدها لما في ذلك من الخطر، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي هادن بني قريظة بنفسه، وهادن قريشًا بنفسه، وهادن صفوان بن أمية عام الفتح بنفسه[18].

قال الشيخ الشيرازي الشافعي: "باب الهدنة: لا يجوز عقد الهدنة لإقليم أو صقع عظيم، إلا للإمام، أو لمن فوَّض إليه الإمامُ، لأنه لو جعل ذلك إلى كل واحد، لم يؤمَن أن يهادِن الرجلُ أهلَ إقليم، والمصلحةُ في قتالهم، فيعظم الضرر، فلم يَجز إلا للإمام أو للنائب عنه"[19].

وقال ابن قدامة الحنبلي: "ولا يجوز عقدها إلا من الإمام أو نائبه لأنه عقدٌ يقتضي الأمان لجميع المشركين فلم يَجز لغيرهما كعقد الذمة"[20].

2-  أن تكون لمصلحة المسلمين: كالعجز عن القتال مثلاً، ولا بدَّ فيها من تحقيق المصلحة للمسلمين، والأغراض المقصودة شرعًا، أما إذا لم تتحقق كل المنافع فلا حاجة لعقدها بالاتفاق[21]، ولا يكفي انتفاء المفسدة، لما في ذلك من موادعتهم مع علو ديننا، بدليل قول الله سبحانه وتعالى: {فلا تَهِنُوا وتَدعُوا إلى السَّلْمِ وأنتمُ الأَعْلَوْنَ، واللهُ معكمْ ولنْ يَتِرَكُمْ أعمَالَكمْ}. [محمد: 35]، كما لا يجوز عقدها إذا كانت المصلحة فيها للكفار فقط.

3-  أن تكون مدتها محددة: يحددها الإمام باجتهاده، فلا تنعقد الهدنة مطلقة، لأن إطلاقها بلا تحديد المدة يؤدي إلى ترْك الجهاد، وهذا مذهب جمهور الفقهاء[22].

4-  أن تخلو من شرط فاسد: فلا يجوز للإمام أن يعقدها على شروط محظورة شرعًا، تضرُّ بالمسلمين، كأن يشترط الكفار على المسلمين منعَ فكَّ الأسرى، أو معاونة المشركين على المسلمين، وغير ذلك من الشروط  الفاسدة[23].

المبحث الخامس: مدة الهدنة

اختلف في مدة مهادنة النبي صلى الله عليه وسلم لقريش في عام الحديبية، فقد نقل عن ابن جريج أنها ثلاث سنين، ونقل عن عروة أنها أربع سنين، كما نقل عن ابن إسحاق أنها عشر سنين، وعلى هذا جمهور أهل العلم[24].

وبناء على ذلك فقد اختلف الفقهاء في المدة التي يجوز للمسلمين فيها مهادنة عدوهم على أربعة أقوال:

القول الأول: ألا تزيد على أربعة أشهر، إذا كان المسلمون أقوياء قادرين على قتال العدو، وهذا مذهب الإمام الشافعي في أحد قوليه.

واستدل بقول الله سبحانه وتعالى: {فَسِيحُوا في الأرضِ أربعةَ أشْهرٍ واعلمُوا أنَّكم غيرُ مُعجِزِيِ اللهِ وأنَّ اللهَ مُخْزِي الكافِرينَ} [التوبة: 2].

والقول الآخر له: للإمام أن يزيد على أربعة أشهر إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لكن دون أن تتعدى السنة، فلا تجوز لسنة فأكثر، لأنه يجب على المسلمين إقامة الجهاد، وأخذ الجزية عن كل سنة، والهدنة تعطل ذلك، مع قدرة المسلمين وقوتهم.

 أما إذا كان المسلمون ضعفاء فيجوز لهم عقد الهدنة أكثر من ذلك بحسب الحاجة، إلى عشر سنين، بدليل مهادنة النبي صلى الله عليه وسلم لقريش عام الحديبية[25].

القول الثاني: يجوز للمسلمين عقد الهدنة لمدة لا تزيد عن عشر سنين سواء أكانوا أقوياء أم ضعفاء إذا رأوا مصحة في ذلك، ولا يجوز عقد هدنة لأكثر من عشر سنين، واستدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فإن زادت على مدة العشر سنين فهي باطلة، وإذا انتهت المدة ورأى المسلمون مصلحة في تجديدها حاز استئناف الهدنة من جديد، ولا يجوز عقد الهدنة مطلقة عن الزمن، لأن إطلاقها يقتضي التأبيد ويؤدي إلى تعطيل فريضة الجهاد بالكليّة[26].

القول الثالث: يجوز عقدها لمدة محددة قلَّتْ أو كثُرتْ، ولو زادتْ على عشر سنين، ويجب الوفاء بها، ولا يجوز نقضها، إلا إذا ضاق المسلمون من نقض العدو بظهور علاماتٍ تدل إرادة النقض، وهو قول بعض الحنفية.

يقول ابن الهمام: "ولا يقتصر – وهو جواز الموادعة – على المُدّة المذكورة، وهي عشر سنين، لتعدي المعنى الذي علل جوازها وهو حاجة المسلمين، أو ثبوت مصلحتهم فإنه قد يكون أكثر"[27].

القول الرابع: يجوز أن تكون لمدة محددة بزمن قصير أو طويل، كما يجوز أن تكون مطلقة ما دام في ذلك مصلحة راجحة، وعقد الهدنة المطلقة جائز وليس بواجب ، بحيث إذا تبين للمسلمين أن المصلحة تقتضي قطع الهدنة فللمسلمين حق بنقضها، بشرط أن ينبذوا إلى عدوهم عهده على سواء، بأن يبينوا لهم بشكل واضح أنهم يريدون نقض العهد المبرم بينهم، فلا يأخذوا عدوهم على غرة[28].

وهو رأي بعض الحنابلة ومنهم ابن تيمية حيث قال: "ويجوز عقد الهدنة عقدًا مطلقًا ومؤقتًا، والمؤقت يكون لازمًا من الطرفين فيجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو، ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء، وأما المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة"[29].

وردَّ على من قيَّد الجواز بتحديد المدة بأن القرآن والسنة جاء بعدم التوقيت، أما من كان عهده مؤقتًا فلا يجوز نقضه، بدليل قول الله تعالى: {إلا الذين عَاهدتّم منَ المشْرِكينَ ثمَّ لمْ يَنقُصُوكمْ شيئًا ولمْ يُظاهِروا عَليكمْ أحدًا فَأتِمّوا إليهمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقينَ} [التوبة: 4]، وقوله سبحانه: {إلا الذينَ عاهدّتُمْ عندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتقامُوا لَكمْ فاسْتقيمُوا لهُمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المتَّقينَ} [التوبة: 7]. وقوله تعالى: {وإمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فانبِذْ إليهِمْ على سَواءٍ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخَائِنينَ} [الأنفال: 58].

والراجح أن تكون الهدنة محددة بمدة وأن تكون المدة مرتبة مع المصلحة التي تقتضيها حاجة المسلمين، وأن يكون ذلك حال ضعف المسلمين ولمدة لا تتجاوز عشر سنين، وذلك لقوة الأدلة التي ساقها أصحاب هذا القول، ولأن إطلاقها يعطل فريضة الجهاد.

المبحث السادس: عقد الهدنة في المناطق المحاصرة من قبل العدو

قد يُحاصر العدو فئة من المجاهدين، ومن معهم من أهاليهم والمدنيين، ويطول الحصار إلى درجة الهلاك المحقق، فهل يجوز في هذه الحالة للمجاهدين أن يدخلوا في هدنة مع العدو ليدفعوا عن أنفسهم وذويهم الهلاك والخطر؟  

ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك بشروط محددة:

واستدلوا بأن جميع التكاليف الشرعية بما في ذلك الجهاد ودفع العدو الصائل مشروطة بتحقق القدرة والاستطاعة، فإذا حصل العجز ــ الذي لا يمكن دفعه ــ رُفع التكليف إلى حين دفع العجز، وتحقق القدرة[30].

قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم)[31].

وقال العزّ بن عبد السلام في قواعد الأحكام: "إن من كُلّف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما قدر عليه، ويَسقط عنه ما عجز عنه"[32].

وقال ابن تيميه: "إن العذر لا يكون عذرًا إلا مع العجز عن إزالته"[33].

أما شروط جواز الهدنة في هذه الحالة - عند من أجازها -  فهي:

1-  أن تخضع لمشورة وإشراف وتقديرات علماء أهل البلد العاملين، ومَن معهم من قادة المجاهدين، إذ إن مثل هذه الأمور لو تُركتْ لعامة الناس لخشي عدم تقدير المصالح من المفاسد، و أين يكمن الضرر الأكبر من الضرر الأصغر، وأحيانًا قد يكون الهلاك من الحصار ظنيًا، وليس حقيقيًا، وهذا لا يعرفه على وجه الدقة إلا أولو الأمر من العلماء وقادة المجاهدين الميدانيين. 

2-  ألا يكون من شروط الهدنة تسليم المجاهدين لأسلحتهم، لأن العدو لا يُؤمَن جانبه من الغدر والخيانة، وتسليم سلاح المجاهدين للعدو هو في حقيقته هروب من هلاك محقق شريف، إلى هلاك محقق مخز ومذل!

3-      أن تكون الهدنة تخصُّ الفئة المحاصَرة وحسب، ولا تشمل غيرهم.

4-    أن تكون الهدنة إلى زمن محدد بالقدر الذي يدفع البلاء والشدة عن المحاصَرين[34].

رأي الباحث:

لمناقشة أصحاب هذا الرأي لا بد من توضيح أمور ثلاثة:

الأول: مؤدى كلامهم جواز أن ينفرد بالهدنة مجموعة وفئة من المجاهدين دون إذن الإمام أو جماعة المسلمين، وهم بذلك يخالفون الشرط المتفق عليه عند جمهور الفقهاء، وهو ما سبق بيانه من اشتراط أن يتولى الإمامُ أو نائبُه عقد الهدنة، ولا تخفى المفسدة الكبيرة فيما لو أعطي هذا الحق لكل مجموعة أو أهل بلدة على حدة، حيث إنهم عند ذلك قد لا يقدّرون مآلات الأمور كما يجب، كما أنهم بذلك يشقون صفَّ المجاهدين، ويمنحون العدوّ قوة لمواجهة الفريق الذي لم يهادن، وبذلك تكون مهادنة فريق دون الآخر هي بمثابة إعانة للعدو على المسلمين، وبذلك يكون هذا التصرف مخلاً بالشرط الآخر الذي ذكره جمهور الفقهاء، هو ألا تتضمن الهدنة شرطًا فاسدًا، وذكروا من أمثلة ذلك أن يعينوا العدو على المسلمين.

وقد يقول قائل فماذا نصنع فيما إذا لم يكن للمسلمين ولي أمر، لاشك أن الجواب واضح وهو أن جماعة المسلمين تنوب عن الإمام عندها، فما لم تتفق جماعة المسلمين على هدنة موحدة فلا تجوز الهدنة عند ذلك.

الثاني: لاشك أن الله سبحانه وتعالى قد ربط التكاليف بالقدرة، لكن في ذات الوقت فقد كلفنا الله سبحانه وتعالى بالجهاد الذي لا يعني القدرة على القتال مع تحقق السلامة، بل يعني بذل الجهد وبيع النفس في سبيل الله سبحانه وتعالى، ولئن كانت القدرة بتمامها شرطًا لجهاد الطلب، فليست كذلك في جهاد الدفع، لأن المطلوب من المُسلم أن يَدفع أذى الكفار وشرهم حتى لو أدى ذلك إلى موته.

والدليل على ذلك: أن شروط جهاد الطلب تسقط عند جهاد الدفع فلا يشترط إذن الإمام ولا إذن الوالدين، وكذلك لا ينبغي أن يشترط كمال القدرة.

يقول القرطبي: "إذا تعيَّن الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعُقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافًا وثقالاً، شبابًا وشيوخًا، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج، من مُقل أو مكثر، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم، كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم، لزمه أيضًا الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها، سقط الفرض عن الآخرين، ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضًا الخروج إليه، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو، ولا خلاف في هذا"[35].

قال الإمام الشافعي: "ولا أرى ضيقًا على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرًا أو يبادر الرجل، وإن كان الأغلب أنه مقتول"[36].

وهذا في جهاد الطلب، فمن باب أولى جهاد الدفع.

قال الخطيب الشربيني الشافعي: "الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين سواء أمكن تأهيلهم لقتال أم لم يمكن، ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمه كأهلها، وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم، فيجب على كل من ذكر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن، ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعًا لهم، فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد"[37].

وقال الخطيب الشربيني في سياق حديثه عن هجوم الكفار على بلد مسلم بغتة: "..وإلا بأن لم يمكن أهل البلدة التأهب لقتال بأن هجم الكفار عليهم بغتة، فمن قُصد من المكلفين ولو عبدًا أو امرأةً أو مريضًا أو نحوه، دفع عن نفسه الكفار بالممكن له إن علم أنه إن أُخذ قُتل، وإن جوّز المكلف لنفسه الأسر كان الأمر يحتمل الخلاف، هذا إن علم أنه إن امتنع من الاستسلام قُتل وإلا امتنع عليه الاستسلام[38].

وقال السيوطي: لا بأس بالانهزام إذا أتى المسلم من العدو ما لا يطيقه، ولا بأس بالصبر أيضًا بخلاف ما يقوله بعض الناس إنه إلقاء بالنفس إلى التهلكة، بل في هذا تحقيق بذل النفس في سبيل الله تعالى، فقد فعله غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم، منهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه حمي الدبر – أي الذي حمته الدبابير - وأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فعلمنا أنه لا بأس به[39].

وقال ابن قدامة: "وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين فغلب على ظن المسلمين الظفر، فالأولى الثبات لما في ذلك من المصلحة، وإن انصرفوا جاز لأنهم لا يأمنون العطب، والحكم علق على مظنته، وهو كونهم أقل من نصف عدوهم، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف، وإن غلب على ظنهم الهلاك فيه، ويحتمل أن يلزمهم الثبات إن غلب على ظنهم الظفر لما فيه من المصلحة، وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة والنجاة في الانصراف فالأولى لهم الانصراف، وإن ثبتوا جاز لأن لهم غرضًا في الشهادة ويجوز أن يغلبوا أيضًا، وإن غلب على ظنهم الهلاك في الانصراف والإقامة، فالأولى لهم الثبات لينالوا درجة الشهداء المقبلين على القتال محتسبين فيكونون أفضل من المولين ولأنه يجوز أن يغلِبوا أيضًا"[40].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم". وقال: "وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا"[41].

فإذا كان جهاد الدفع لا يلزم فيه إذن إمام لو وجد الإمام، ولا يلزم فيه إذن والدين ولا غريم، ولا أي شرط من شروط الجهاد السبعة[42].

فهذه الشروط وما تفرع عنها لا تشترط في جهاد الدفع بل يجب على كل مسلم أن يدفع حسب الإمكان، وهو ما نقلنا آنفًا الإجماع عليه، ونصوص أهل العلم لا تكاد تحصر على أن جهاد الدفع لا يشترط له شرط.

فإن تحقق سبب من أسباب تعين الجهاد فقد وجب بلا شروط[43].

وكل شروطه تسقط عند ذلك، ومن قال بوجوب أو استحباب توفر الشروط في الجهاد إذا تعين فهو مخالف لإجماع أهل العلم ومخالف لأصول الشريعة، فلا يمكن أن نقول بوجوب الخروج لدفع الصائل ثم نضع شروطًا لهذا الخروج.

وأما الرد على أدلة الاستطاعة للتكاليف فهي مقيدة ومن هذه القيود أن يكون الجهاد للدفع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يتعين الجهاد بالشروع فيه وعند استنفار الإمام لكن لو أذن الإمام لبعضهم لنوع مصلحة فلا بأس، وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم. ونصوص أحمد صريحة بهذا، لكن هل يجب على جميع أهل المكان النفير إذا نفر إليه الكفاية؟ كلام أحمد فيه مختلف، وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرًا لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين. فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا، ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم. فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الإنصراف فيه بحال"[44].

فدلَّ كلام شيخ الإسلام هنا على أن مسألة التولي معلقة بجهاد الطلب وليس الدفع، فإن كان الجهاد جهاد دفع فقد قال لا يجوز الانصراف بحال، ويحمل عليه جميع كلام العلماء في هذا الباب.

والمقصود أنه لا يشترط لصحة جهاد الدفع أي شرط، لا وجود إمام، ولا وجود راية، ولا قصد إعلاء كلمة الله، ولا فتوى عالم، ولا وحدة الصف، ولا وجود القوة، ولا ترجح النصر، وهذا لا ينافي وجوب أن يقاتل المجاهدون صفًا واحدًا تحت قيادة واحدة، فإن تعذر ذلك لم يبطل الجهاد ولم يتعطل.

وبهذا يكون دخول فئة من المجاهدين حالة جهاد الدفع في هدنة مع العدو بحجة الضعف وعدم القدرة غير جائز لأن جهاد الدفع لا يشترط له القوة..

الثالث: مسألة الضرر: التي تحدث عنها الفقهاء كثيرًا، والتي ينبغي أن تؤخذ بالحسبان في الحكم على التصرفات، فقد يستدل بها من يجيز لفئة من المجاهدين أن تعقد هدنة مع العدو منفردة، بأنهم يدفعون الضرر عن أنفسهم، غير أن هذه المسألة يجب أن تدرس بجوانبها كافة، فمن المتفق عليه عند الفقهاء أن الضرر يزال، لكنهم قرروا أن الضرر لايزال بمثله، وأن الضرر الخاص يجب تحمله لدفع الضرر العام، كما يجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد[45].

وهنا نقول في هذه المسألة: إن حصار فئة من المجاهدين وتعرضهم للخطر، يجب ألا يزال بإضرار بقية المجاهدين، بل يجب عليهم أن يتحملوا الضرر الخاص الواقع بهم لدفع ضرر عام يلحق بكل المجاهدين، وأن عليهم أن يدفعوا الضرر الأشد وهو استباحة النظام المجرم للأعراض والدماء بكل الوسائل وهي دونه في شدة الضرر، وألا يزيلوا الضرر اللاحق بهم بضرر يسببونه لإخوانهم من المجاهدين، بل إن عليهم أن يدفعوا الضرر عن غيرهم كما يدفعونه عن أنفسهم.

المبحث السابع: إسقاط الحكم على المصالحات التي تمت في سورية

في الآونة الأخيرة سمعنا عما يسمى بمصالحات أو هدنة اتفاق بين فصائل من المجاهدين وقوات النظام المجرم في بعض المناطق السورية المحاصرة، بهدف فك الحصار وإدخال المعونات وإخراج المحاصرين، ورغم إقرارنا بأن السبب الأساس وراء قبول الفصائل بهذا الاتفاق يتحمله العالم العربي والإسلامي والتآمر الدولي الذي لم يستطع فك الحصار عن هذه المناطق، وأن هذا الحدث يدلّ على ضعف النظام، وعجزه عن الحسم، من خلال اضطراره للاعتراف بالتفاوض والاتفاق مع من سماهم إرهابيين..

لكن في الوقت ذاته، هذا الحدث يدلّ على تصدعٍ في دائرة القرار فيما يخص كتائب المجاهدين، وأن صلحًا قد يجري هنا، فيما يستمر القتال هناك مع الخصم ذاته..

فيكف ننظر إلى هذه المصالحات من الناحية الشرعية؟؟

بالنظر إلى تحقق شروط  جواز الهدنة والمصالحة التي ذكرها الفقهاء مع ما جرى في بعض المناطق، نرى أن هذه المصالحات لم تستوف الشروط الشرعية، فلم يعقدها الإمام أو نائبه، وحتى في حال عدم وجود الإمام فمن يعقدها جماعة المسلمين معًا وليس فريق منهم دون غيره، وهذا ما لم يحدث.

كما أن هذه المصالحات لم تقيد بمدة، وشروطها ليست واضحة لعموم المسلمين بل مقتصرة على أعضاء لجنة المصالحة.

ثم إن هذه المهادنات آلت إلى إضعاف المجاهدين، فهي تقوي العصابة الأسدية عن طريق سحب قواتها من أماكن المهادنة إلى مناطق أخرى، ولذا فهي من حيث المآل مضرة بالمسلمين.

كما أنها أضعفت العزائم عند الكثير من أبناء المناطق الأخرى، بحيث بدأ المرجفون بالضغط على المجاهدين كي يرضخوا للقبول بالمهادنات التي لا تقدم للمجاهدين أي نصر إنما تضر بمسيرة جهادهم.

ورغم الضرر الذي يلحق بأهل المناطق المحاصرة في حال رفض المهادنات إلا أن الضرر الخاص يجب تحمله لدفع الضرر العام الذي يشمل كل المجاهدين ، كما أن الضرر الأخف يتحمل في سيبل دفع الضرر الأشد ، والضرر الأشد هنا استباحة النظام المجرم للدين والعرض وتفرده بالمجاهدين في بقية المناطق.

ما يجعل هذه المصالحات غير جائزة وغير ملزمة، ويجب تحذير باقي المناطق من أن ينحوا منحاها..

وأن عليهم يستعينوا بالله على قتال العدو، وأن يتسلحوا بالصبر، متخذين من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوة حين حوصر في شعب أبي طالب، ومنع عنه المشركون الطعام والتجارة وكل شيء، فلم يستسلم ولم يرضخ، حتى جعل الله له من أمره يسرًا.

وإن أية هدنة تجري بين المجاهدين والنظام النصيري المجرم لا بد لجوازها من تحقيق الشروط التالية:

1-  أن تتفق عليها جماعة المسلمين - في حال عدم وجود ولي أمر لهم المجاهدين - من كل الكتائب المقاتلة وعلماء البلد المجاهدين، وألا يختص بها حي أو قرية أو مدينة دون غيرها.

2-     أن يكون لها مدة محددة، تقدر حسب الحاجة والضرورة، بألا تكون مطلقة.

3-  ألا تتضمن شرطًا فاسدًا كمعاونة النظام النصيري على المسلمين، أو تسليم سلاح المجاهدين، أو التضييق على المناطق الأخرى والمشاركة في حصارها، أو التعهد بعدم المطالبة بالأسرى والمعتقلين ونحو ذلك.

4-  أن يكون فيها مصلحة للمسلمين، بأن تكون حال عجزهم عن الاستمرار في القتال أو في حال ضعفهم، لا أن تكون في وقت تقدم المجاهدين، وتفوقهم على عدوهم.

وإن أية هدنة تجري دون التقيد بهذه الشروط فهي باطلة، وغير منعقدة، ولا يلزم الوفاء بها، بل قد ترقى إلى درجة الإثم الكبير إذا أدت لتقوية العدو، وقد ترقى إلى الخيانة إذا زادت من حصار المناطق الأخرى، وتعهدت بخنق الثورة، وساعدت النظام المجرم في استفراده بالمناطق الأخرى.

نسأل الله أن يعجل بنصر المجاهدين، ويخزي كل متآمر عليهم، ويهزم جيش العصابة المجرمة ومن معهم.. إنه سميع مجيب.. والحمد لله رب العالمين..

خاتمة:

لا بد من توضيح حال المناطق التي عقدت المصالحات مع النظام النصيري المجرم، ولا بد من ذكر مآلات الأمور هناك، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

أهداف النظام المجرم من الهدنة:

أولاً: إحداث شرخ بين الناس في المناطق المحررة. بعد أن زين النظام المجرم للناس في المناطق المحاصرة فكرة الهدنة، عبر عرضه إدخال قليل من الطعام لسكان تلك المناطق، وأنه لا يطلب منهم سوى الكف عن إطلاق النار على قوافل المساعدات، ضغط الأهالي على المجاهدين كي يقبلوا بهذه الهدنة فاستجابوا لذلك، وعندما بدأ النظام بإدخال القليل من الطعام لتلك المناطق جاء بعض سكان المناطق الأخرى من حولهم ليتقاسموا معهم الطعام ذلك، لكن مع شدة الحاجة وقلة الطعام المسموح به للدخول، فقد بدأ سكان المناطق المهادنة بمنع سكان المناطق المجاورة لهم ممن لم يهادن من مقاسمتهم الطعام، وبدأوا بتشكيل قوات لمنع هؤلاء، الأمر الذي جعل سكان تلك المناطق يضغطون على المجاهدين لإجراء هدنة مماثلة، بعد أن كان المجاهدون قد نجحوا في تصبيرهم، الأمر الذي صار صعبًا وهم يشاهدون غيرهم يتمتع بما هم يحرمون منه، وشكل هذا الأمر شرخًا بين أهالي البلدات، وبين أبناء البلدة الواحدة بين المجاهدين والأهالي، وبين الأهالي أنفسهم بين مؤيد ومعارض لموضوع الهدنة.

ثانيًا: إضعاف الروح المعنوية عند المجاهدين.  من خلال التعامل مع الكتائب المخترقة، لتسليم أنفسهم وسلاحهم مقابل العفو عنهم وتسوية وضعهم، ما شكل ضغطًا معنويًا على بقية المجاهدين، وهم يرون من حولهم يتركونهم في الميدان، وجاء تسليم السلاح بعد أن انتقل النظام المجرم إلى المرحلة الثانية، فبعد أن كان يرضى من السكان الكف عن إطلاق النار على قوافل المعونات، بدأ يشترط تسليم الأسلحة، وكان يستفيد ممن يسلم سلاحه بأخذ المعلومات منه، ومن ثم ترحيله إلى مناطق يسيطر عليها النظام، وقد يعود إلى ذات المنطقة ليقاتل أهلها، في ظل منع المدنيين من الخروج من تلك المناطق المحاصرة.

ثالثًا: رفع الروح المعنوية عند المليشيات التي تقاتل معه من الأحزاب والدول المعروفة بعدائها لأهل السنة، حيث ركزت وسائل الإعلام على هذه الأحداث لتظهر المجاهدين بصورة المستسلم الضعيف المنهار.

رابعًا: التفرغ للجبهات المحتدمة. والتي بقيت عصية على النظام المجرم، من خلال سحب كثير من قواته من تلك المناطق المحاصرة التي عقدت الهدنة إلى المناطق الأخرى، مع احتفاظه ببعض قواته لحصار تلك المناطق على أن يعود إليها وقت شاء، كي يصفي حسابه مع أهلها، كما هو شأنه في الحقد واللؤم منذ القديم.

لكن وللإنصاف فإن مناطق أخرى محاصرة صمدت ولم ترضخ لأية هدنة مطروحة من قبل النظام النصيري المجرم، فما هي العوامل التي ساعدت تلك المناطق والتي ينبغي أن نجعلها حلولاً بديلة عن الهدن، وأن نعممها على كل المناطق:

1-     تماسك المجاهدين مع بعضهم البعض والتركيز على الإثخان في العدو.

2-  الإيثار والتكافل بين الأهالي، وتقاسم الطعام، ولهم في الأشعريين أسوة حسنة الذين كانوا إذا افتقروا أوقل طعام عيالهم في المدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بالسوية.

3-     إدارة المناطق المحررة بشكل جيد، ومنع الاحتكار، ونشر المشاريع التنموية والتي تكفل الاكتفاء الذاتي.

4-  عدم التساهل مع المرجفين والمثبطين والمتعاملين مع النظام، والذين قد يأخذون دورًا كبيرًا في الإرجاف والترويج للهدنة مع النظام وشق الصف.

5-  نشر التوعية بين الأهالي بشكل مستمر حول جرائم هذا النظام، وأنه لا يمكن أن يؤتمن في هدنة أو مصالحة، لأن الغدر شيمته، وأن يده التي يمدها لبعض المناطق للمصالحة والهدنة هي ذات اليد الملوثة بدماء أبناء هذه البلدات ممن قتلهم هذا النظام المجرم، وهي ذات اليد التي ما تزال تسفك دماء إخوانهم في المناطق الأخرى، وأن هذه اليد لو استطاعت الدخول عنوة إلى هذه المناطق لكانت الآن تذبح أهلها دون رحمة، وينبغي أن يقوم طلاب العلم بهذه المهمة، من الهيئات الشرعية والدعوية، والعلماء على المنابر.

6-  حسن تعامل المجاهدين مع الأهالي في المناطق المحاصرة، وإيثارهم على أنفسهم، الأمر الذي يصبر الأهالي، كما فعل النبي صلى اله عليه وسلم عندما حاصره المشركون في شعب أبي طالب، كان يجوع قبل صحابته.

 

ملحق: بيان اتحاد جهات الفتوى في سورية حول تصرفات لجان المصالحة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:

قال تعالى في الأنفال/27:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون)

استخدم النظام المجرم سذاجة بعض الأدعياء لابتزاز بطون الجائعين والمحاصرين وتركيعهم خيانة منهم لدماء الشهداء وإرجافا بالمجاهدين وتضحياتهم فدمروا بمنابر السوء التي يرتقونها زورًا وبهتانًا، معنويات الناس، وشرعنوا مصافحة النظام واستسلموا لإملاءاته، وخدعوا الناس بوعود يعلمون أنها كاذبة.

فلا يحق لأية لجنة استغلال حاجة الأرامل والأيتام ليكونوا أداة النظام في طمس معالم الثورة، فهذا وقوع في جرم الحرابة والعياذ بالله تعالى.

فمن جرائم لجنة المصالحة في جنوب دمشق:

1-   تدليس المشايخ ببنود الهدنة وإخفائهم الحقيقة، وعدم وضع العسكريين بصورة المفاوضات الحقيقية. فعندما طالب الناس بالمعتقلين قبل تنفيذ باقي بنود الهدنة قال الشيخ رضوان الكحيل: "ما يهمنا الآن فتح الطرقات أما المعتقلون والمصابون فهذه كلها جزئيات نبحث فيها فيما بعد".

2-       تحولهم من رسل بين المجاهدين والنظام المجرم إلى أداة رخيصة منفذة لأجندة النظام المجرم.

3-      الاتفاق على تسليم المنشقين وتسوية أوضاعهم.

4-   ادعاؤهم أن النظام تعهد بالتراجع خارج البلدة، ولكنه أخبرهم بوضع حواجز ضمن وداخل مداخل البلدة بحجة تأمين عمال الخدمات وحمايتهم.

5-   قام بعض المشايخ باستخدام سلاحهم الفتاك (المنبر) في زمن الجوع والحصار والانهيار النفسي بين المدنيين والعسكريين بدعوى أنه لا يوجد مجاهدون وإنما أمراء حرب. ما جعل الناس يرفضون تدخل المجاهدين في المنطقة بأي شيء يخص المصالحة ولا يحق لأحد حتى التشاور بالأمر.

6-      نشر الإرجاف بين الناس بقولهم إن الثورة فشلت ولا أمل منها.

7-      الاتفاق على تمرير الاتفاق بالتدرج فيبدؤون بالحاجز المشترك على مدخل البلدة وفي أراضيها ولم ينسحب النظام أبدًا من مواقعه داخل البلدة ثم يتبعون الحاجز المشترك بفكرة المخفر المشترك أيضا داخل البلدة, ومن ثم يروجون لعودة الأمن السياسي ودوائر النفوس وشعبة التجنيد والإدارة المحلية وعودة الهيئات النظامية من مخفر ومحكمة على انها أمور شكلية وجزئية ولا داعي للوقوف عندها وهي لخدمة المواطنين فقط. ا.هـ

إن اتحاد جهات الفتوى في سورية:

 يستنكر هذه التصرفات ويدينها ويجرمها، وتؤكد "الهيئة الشرعية للثورة السورية في دمشق وريفها" بكافة قطاعاتها: أن الأشياخ المنضوين في لجنة المصالحة ليسوا من فريق عملها وتدعوهم للعودة للحق والصواب والرشد والتوبة قبل فوات الأوان وخاصة أن كان لأغلبهم سبق في الجهاد والثورة ونسأل الله تعالى الحفظ والسلامة وحسن العاقبة.

وتدعو الشعب المجاهد المصابر في جنوب دمشق الذي سطر أروع ملاحم البطولة والصبر والفداء في وجه الطغاة في العصر الحديث للالتفاف حول المجاهدين المرابطين الحماة للأعراض والبلاد وحول دعاة الحق في منطقتهم المباركة والصبر والمصابرة فإن النصر مع الصبر وإن مع العسر يسرًا، و(اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الأعراف/128.

والله تعالى من وراء القصد وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الأربعاء/11/ جمادى الأولى/1435هـ/الموافق لـ /12/ آذار/ 2014م

اتحاد جهات الفتوى في سورية

 

الموقعون على البيان:

1-      الهيئة الشرعية لدمشق وريفها.

2-      المجلس الشرعي في حلب وريفها.

3-      المجلس الشرعي لمحافظة حمص.    

4-      رابطة علماء حماة والهيئة الشرعية فيها.

5-      رابطة علماء إدلب، وتجمع علماء الثورة ومجلس القضاء فيها.

6-      الهيئة الشرعية في البوكمال، ورابطة أهل العلم الأحرار فيها.  

7-      الهيئة الشرعية في الحسكة.

8-      رابطة العلم الشرعي في الرقة.    

9-      الهيئة الشرعية العليا بدير الزور وما حولها.

10-  الهيئة الشرعية في محافظة درعا.

11-  الهيئة الشرعية في الساحل السوري.                                                                                                    

 

والحمد لله رب العالمين..

 

فهرس المراجع:

1-       القرآن الكريم.

2-   الإحكام في أصول الأحكام: سيف الدين علي بن علي بن محمد الآمدي، مطبعة المعارف – مصر 1332هـ - 1914م.

3-   الأشباه والنظائر: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1403هـ - 1983م.

4-       الأشباه والنظائر: ابن نجيم الحنفي دار الكتب العلمية – بيروت.

5-       الأم: محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ) طباعة مكتبة الكليات الأزهرية ـ ملتقى أهل الأثر.

6-   الإقناع في حل ألفظ أبي شجاع: شمس الدين محمد بن محمد الخطيب  الشربيني، دراسة وتحقيق: الشيخ محمد معوض وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية – بيروت.

7-       البحر الرائق شرح كنز الدقائق: زين الدين ابن نجيم الحنفي (970هـ) دار الكتب العلمية – بيروت.

8-   بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: للشيخ أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، (ت 587هـ)، دار الكتاب العربي – لبنان، ط2، 1974م.

9-       بداية المجتهد: لابن رشد محمد بن أحمد القرطبي (ت 595هـ)، بيروت، 1978م.

10- التاج والإكليل: لمحمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري، أبي عبد الله (ت 987هـ) دار الفكر – بيروت ط2، 1398هـ.

11-  تحفة الفقهاء: علاء الدين السمرقندي (ت 539هـ)، دار الكتب العلمية – بيروت.

12-  تفسير القرطبي: محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار الفكر – بيروت.

13-  تفسير ابن كثير: إسماعيل بن كثير الدمشقي، دار طيبة 1422هـ - 2002م.

14-  تفسير البغوي: الحسين بن مسعود البغوي، دار طيبة.

15- حاشية البجيرمي على المنهج: حاشية الشيخ سلميان البجيرمي الشافعي (ت 1221هـ) المسماة تحفة الخطيب على شرح الخطيب المعروف بالإقناع للشربيني (ت 977هـ) دار الكتب العلمية – بيروت.

16-  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: محمد بن عرفة الدسوقي المالكي، دار إجياء الكتب العربية.

17- شرح فتح القدير ، كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام ( ت 861هـ ) على الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني – دار الكتب العلمية – بيروت .

18- شرح السير الكبير: السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، (189هـ) السيوطي، دار الكتب العلمية – بيروت.

19-  الشرح الكبير: سيدي أحمد الدردير أبو البركات، تحقيق: محمد عليش، دار الفكر – بيروت ط2.

20-  صحيح البخاري: أبو عبد الله إسماعيل البخاري (ت 256هـ) ، دار الفكر – بيروت.

21- صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، أبي الحسين (ت 261هـ) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

22-  الفتاوى الكبرى: أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (ت 728هـ)، دار المعرفة – بيروت.

23-  فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب: زكريا بن محمد الأنصاري، (ت 926هـ)، بيروت 1418هـ.

24-  فقه السنة: سيد سابق، دار الفكر، بيروت ط5، 1971م.

25- قواعد الأحكام: العز بن عبد السلام، عز الدين بن عبد العزيز (ت660هـ) الموسوم بـ (القواعد الكبرى الموسوم بقواعد الأحكام في إصلاح الأنام) تحقيق: د.نزيه حماد، ود. عثمان ضميرية، دار القلم ـ دمشق.

26- الكافي في فقه ابن حنبل: عبد الله بن قدامة المقدسي، أبو محمد، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي – بيروت، ط5، 1408هـ - 1988م.

27-  كشاف القناع على متن الإقناع: منصور بن يونس البهوتي، (ت 1501هـ)، عالم الكتب – بيروت.

28-  لسان العرب: جمال الدين محمد بن منظور (ت 711هـ) ، دار صادر – بيروت، ط1.

29-  مجموع الفتاوى: ابن تيمية.

30- مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، (ت 666هـ) دار الرسالة – الكويت، 1403هـ - 1983م.

31-  المبسوط: شمس الدين السرخسي، دار المعرفة – بيروت.

32- مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج: محمد الخطيب الشربيني، (ت 760هـ)، دار الكتب العربية – بيروت.

المهذب: الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، (ت 476هـ)، دار المعرفة – بيروت.


[1]- استفاض بين أهل العلم قولهم إن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع أو باطل، يقول الآمدي: "تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو غير جائز بالإجماع، إلا على رأي من يجوز التكليف بما لا يطاق ( الإحكام 1/189). وقال الرازي: "القائلون بأنه لا يجوز تكليف ما لا يطاق اتفقوا على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأن التكليف به مع عدم الطريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق" ( المحصول 3/187).

[2] - لسان العرب: ابن منظور 13/434، مادة (هدن من المهادنة) ومختار الصحاح ص 692.

[3] - تحفة الفقهاء: السمرقندي 3/ 404، وينظر: المبسوط 2/50.

[4] - الشرح الكبير: الدردير 2/206، والتاج والإكليل ،3/386.

[5] - مغني المحتاج: الشربيني 4/260، وفتح الوهاب: الأنصاري 2/318.

[6] - كشاف القناع: البهوتي 3/11.

[7] - حديث مهادنة النبي لقريش أخرجه البخاري من حديث المسور بن مخرمة 2/974.

[8] - البحر الرائق: 5/85، وبدائع الصنائع: الكاساني 7/108، وحاشية الدسوقي: 2/200.

[9] - بدائع الصنائع: الكاساني 7/108.

[10] - بداية المجتهد: ابن رشد 1/283.

[11] - المهذب: الشيرزاي 2/259.

[12] - صحيح البخاري: 2/959، وصحيح مسلم: 12/136.

[13] - فقه السنة: السيد سابق،  3- 64.

[14] - الأشباه والنظائر: السيوطي، القاعدة الخامسة، ص 89.

[15] - تفسير ابن كثير: 4/84، تفسير البغوي: 3/374.

[16] - تفسير البغوي: 4/64.

[17] - تفسير القرطبي: 8/67.

[18] - مغني المحتاج: الشربيني 4/260، حاشية البجيرمي على المنهج: 4/264.

[19] - المهذب: الشيرازي 2/259.

[20] - الكافي: ابن قدامة 4/339، المحرر 2/182.

[21] - المهذب ، الشيرازي 12/322، مغني المحتاج: الشربيني 4/260 – 261، شرح فتح القدير: 5/455.

[22] - حاشية الدسوقي: 2/206، مغني المحتاج: الشربيني 4/260، الكافي: ابن قدامة 4/166.

[23] - بدائع الصنائع: الكاساني 7/109، الكافي: ابن قدامة 4/166.

[24] - شرح فتح القدير: ابن الهمام 6/108.

[25] - المهذب: الشيرازي 12/302.

[26] - الشرح الكبير: الدردير 10/565، كشاف القناع: البهوتي 3/111، الفتاوى الكبرى: ابن تيمية 4/612.

[27] - شرح فتح القدير: ابن الهمام 5/456.

[28] - الكافي: ابن قدامة 4/166.

[29] - الفتاوى الكبرى: ابن تيمية 4/612.

[30] - وهو قول مجموعة من العلماء في الفتاوى الصادرة عنهم، ومن هؤلاء: الشيخ عبد المالك رمضاني الجزائري، والشيخ سعد البريك، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ سالم الطويل، وغيرهم، في سياق حديثهم عن اشتراط القدرة للجهاد بنوعيه جهاد الطلب وجهاد الدفع دون تفريق.

[31] - صحيح البخاري: رقم الحديث 7288، صحيح مسلم: رقم الحديث 1337.

[32] - قواعد الأحكام: العز بن عبد السلام 7/2.

[33] - مجموع الفتاوى: ابن تيمية 20/280.

[34] - فتوى الشيخ أبي بصير الطرطوسي: عبد المنعم مصطفى حليمة في موقعه الرسمي www.abubaseer.bizland.com

[35] - تفسير القرطبي: 8/151.

[36] - الأم: الشافعي  4 / 178.

[37] - الإقناع: الشربيني 2 / 510.

[38] - مغني المحتاج: الشربيني  4/219.

[39] -  شرح السير الكبير: السيوطي 1/125.

[40] - المغني: ابن قدامة 9/309.

[41] - الفتاوى الكبرى: ابن تيمية  4/520.

[42] - وهي كما قال ابن قدامة: "ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورية والسلامة من الضرر ووجود النفقة". المغني: 9/ 163.

[43] - وقد اتفق العلماء على ثلاثة أسباب يتعين فيها الجهاد. قال ابن قدامة: "ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع أحدهما إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف وتعين عليه المقام.. ثم قال:.. الثاني إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم، الثالث إذا استنفر الإمام قومًا لزمهم النفير معه". المغني: 9/163.

وزاد بعض العلماء على هذه الثلاثة سببًا رابعًا وهو إذا أسر مسلم أو مسلمة وجب النفير إليها على الأعيان لتخليصها من أيدي الكافرين، إذا عجزوا عن الفداء.

[44] - الفتاوى الكبرى: ابن تيمية 4/609.

[45] - من القواعد الفقهية المتفرعة عن قاعدة (الضرر يزال) قاعدة: الضرر لا يزال بمثله، ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف. (الأشباه والنظائر: ابن نجيم ص 85 – الأشباه والنظائر: السيوطي ص 92 وما بعدها).


د. عبد المنعم زين الدين ـ المناطق المحررة 24/3/2014

حمل نسخة PDF

http://