الثلاثاء، 2 يناير 2018

حكم تسوية الصفوف في الصلاة

السؤال: شيخنا أرى في اغلب مساجدنا ان الأئمة وكذلك المصلين لا يهتمون بتسوية الصف ولا بسد الفُرج والخلل ، فمهما حاولت أن أسدّ ما بيني وبين المصلي بجنبي يبتعد عني ، فما حكم تسوية الصفوف في صلاة الجماعة؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد؛Image result for ‫حكم تسوية الصفوف في الصلاة‬‎
فانّ تَسوية الصفوف، وإتمامها وتراصِّها، وإتمام الصف الأول فالأول وإكماله، وسدِّ الفُرَج أو الخَلَلِ فيها من سّنة النبيّ – صلى الله عليه وسلم- فقد ثبت عنه ذلك في جملة من الأحاديث الصحاح، وكذلك من سنّة خلفائه الراشدين وتابعيهم بإحسان، ولكن مع الاسف الشديد باتت الآن تسوية الصفوف وسد الخلل فيها من السنن المهجورة، ولا سيَّما عند الكثير من طلبة العلم فضلاً عن عامة الناس، ولهذا قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في اعانة الطالبين: (ومِن السُّنن المهملة المَغفول عنها: تسوية الصفوف والتراص فيها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يتولى فعل ذلك بنفسه، ويُكثر التحريض عليه والأمر به).
وقال الإمام ابن عبد البر القرطبي المالكي – رحمه الله تعالى- في الاستذكار حول مسألة تسوية الصفوف: (هو أمر مُجتمَع عليه، والآثار عن النبي عليه السلام كثيرة فيه، ....: وأما تَسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها مُتواتِرة مِن طرُق شتَّى، صِحاح كلُّها ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسوية الصفوف، وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده، وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه).



وقد اختلف العلماءُ في وجوب تسوية الصُّفوف على قولين:
القول الأول: وجوب تسوية الصُّفوف، ويأثم من تعمد الإخلال بها مع صحة صلاته. وهو قولُ جماعة من اهل العلم، وهو مذهب ابنِ حزم الظاهري، ومذهب الامام البخاري ، وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيميةَ، والحافظ ابنِ حجر العسقلاني، والحافظ بدر الدين العيني الحنفي، والامام الصنعاني. 
واحتجوا بما يأتي: 
1- عن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ)). رواه البخاري في باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف. وفي مسند أبي يعلى بزيادة : (لقد رأيت أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم لترى أحدهم كأنه بغل شموس) .
2- وعنه أيضًا قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ((رصُّوا صُفوفَكم، وقارِبوا بينها، وحاذوا بالأعناقِ فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف)). رواه ابو داود والنسائي وأحمد وصححه الشيخ الالباني.
3- وعنه أيضًا قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه ,وسلم : ((سوُّوا صفوفَكم؛ فإنَّ تسوية الصفوف مِن إقامةِ الصَّلاة)) صحيح البخاري.
4- عن النُّعمان بن بشير-رضي الله عنه- قال: ((كان رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يسوِّي صفوفَنا كأنما يُسوِّي به القِداح، حتى رأى أنَّا قد عقلنا عنه، ثم خرَج يومًا فقام حتى كاد أن يكبِّر، فرأى رجلًا باديًا صدرُه مِن الصفِّ، فقال: عبادَ اللهِ، لَتُسَوُنَّ صفوفَكم أو ليخالفنَّ اللهُ بينَ وجوهِكم)) متفق عليه. وفي رواية ابي داود وابن ماجه قَالَ النعمان بن بشير: (فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ ، وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ ، وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ).
5- عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله عنه- قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) رواه الامام مسلم.
6- عن البراء بن عازٍب -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أقيمت الصلاة مسح صدورنا، وقال: ((تراصّوا، المناكب بالمناكب، والأقدام بالإقدام، فإن الله يُحب في الصلاة ما يحُب في القتال كأنهم بنيان مرصوص)). مشكل الاثار للطحاوي، الاستذكار لابن عبد البر .
وَجْهُ الدَّلالَةِ في الأحاديثِ السابقة: أنَّ الأمرَ في هذه الأحاديثِ والوعيدَ الوارِدَ فيها؛ يدلُّ على الوجوبِ، وأمره للوجوب ما لم يصرفه صارف، ولا صارف هنا. والصلاة عماد الدين وركن وأساس هذا الدين، فكان الواجب المحافظة عليها، ومن وسائل المحافظة على الصلاة هو تسوية الصفوف، فما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.
قال الامام ابن حزم – رحمه الله تعالى – في المحلى: ( تسوية الصف إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض، لأن إقامة الصلاة فرض وما كان من الفرض فهو فرض).
وقد بوّب الامام البخاري في الصحيح بابا يدل على الوجوب فقال: باب إثم من لا يتم الصفوف ، وأورد فيه بسنده عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ : مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : ( مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلا أَنَّكُمْ لا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ ).
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : (يحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم : " سوّوا صفوفكم " ومن عموم قوله صلى الله عليه وسلم : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، ومن ورود الوعيد على تركه ، فترجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب، وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن ، ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسوِّ صحيحة ،لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنساً مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة. 
القول الثاني: غير واجبة وانها تُسنُّ تسويةُ الصُّفوفِ في الصَّلاة، ولا إثم على على تاركها، وإن كان قد فاته خيرٌ كبير، وفضلٌ عظيم ، وهذا قول جمهور اهل العلم من المذاهب . 
واستدلوا بما استدل به اصحاب القول الاول من الاحاديث ، وقالوا: ان وجه الدلالة في الاحاديث هو : انَّ إقامة الصفوف سنةٌ مندوب إليها، فإقامة الصلاة قد تقع على السُّنَّة، كما تقع على الفريضةِ، وحمّلوا الامر في الاحاديث الى الندب والاستحباب. 
هذا وقد اتفق العلماء على ان التسوية المأمور بها إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب وحافة القدم بالقدم، لأن هذا هو الذي فعله الصحابة حين أمروا بإقامة الصفوف والتراص فيها، وان لا يتقدم بعض المصلين على البعض الآخر، وان يعتدل القائمون في الصف على سمت واحد مع التراص، وهو تلاصق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم، والكعب بالكعب حتى لا يكون في الصف خلل ولا فرجة،بشرط أن لا يضايق صاحبه ويضع اصابع قدمه على قدم صاحبه مما يؤدي الى خلل في خشوعه ، والواجب إذًا على أئمة الصلاة أن يَعتنوا بهذا، ويُبيِّنوه للناس، وأن يأمروهم بتسوية الصفوف وإكمالها، وسد الفُرَج، كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلَّم-، وأن يقتدوا بما فعله خلفاؤه وسلفُنا -رضي الله عنهم أجمعين- مِن بعده، حتى إذا ما رأى أحدهم أن الصفوف استوتْ كبَّر.
قال الامام الترمذيُّ -رحمه الله تعالى- في سننه : (رُوي عن عمر رضي الله عنه: أنه كان يوكِّل رجالاً بإقامة الصفوف، فلا يكبِّر حتى يُخبَر أن الصفوف قد استوت، ورَوى عن علي وعثمان رضي الله عنهما: أنَّهما كانا يتعاهَدان ذلك، ويقولان: استووا، وكان عليٌّ يقول: تقدَّم يا فلان، تأخر يا فلان).
قال الامام الكاساني الحنفي –رحمه الله تعالى- في بدائع الصنائع: (وفي الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال في تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ في الصَّلَاةِ: "الصقوا الْكِعَابَ بِالْكِعَابِ" ولم يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْإِلْصَاقِ إلَّا في الناتىء - في جانبي الرجل- ).
قال الامام فخر الدين الزيلعي الحنفي – رحمه الله تعالى- في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق : (وينبغي للقوم إذا قاموا إلى الصلاة أن يتراصوا ويسدوا الخلل ويسووا بين مناكبهم في الصفوف ولا بأس أن يأمرهم الإمام بذلك لقوله - عليه الصلاة والسلام - «سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» ولقوله - عليه الصلاة والسلام - «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» وهو راجع إلى اختلاف القلوب ).


وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوي : (وتسوية الصَّفِّ تكون بالتساوي ، بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد ، وهل المعتبر مُقدَّم الرِّجْلِ ؟ الجواب : المعتبر المناكب في أعلى البَدَن ، والأكعُب في أسفل البَدَن . . . وإنما اعتُبرت الأكعب ؛ لأنها في العمود الذي يَعتمد عليه البدنُ ، فإن الكعب في أسفل السَّاق ، والسَّاقُ هو عمودُ البَدَن ، فكان هذا هو المُعتبر، وأما أطراف الأرجُل فليست بمعتبرة ؛ وذلك لأن أطراف الأرجُلِ تختلف ، فبعض الناس تكون رِجْلُه طويلة ، وبعضهم قصيرة ، فلهذا كان المعتبر الكعب ).

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (واستدل بحديث النعمان بن بشير على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرِّجل، وهو عند ملتقى الساق والقدم، وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافاً لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم، وأثبته بعضهم في مسألة الحج لا الوضوء).
المفتى به:
هو ما ذهب اليه اصحاب القول الاول من وجوب تسوية الصفوف ويأثم من تعمد الإخلال بها مع صحة صلاته، وان التسوية المأمور بها إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب ، والقدم بالقدم، والكعب بالكعب حتى لا يكون في الصف خلل ولا فرجة، والتراص في الصفوف واكمالها، ولا يتقدم بعض المصلين على البعض الآخر في الصف، بحيث يكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، اذا تحرك اوله اهتز اخره ، وللأسف الشديد اصبحت تسوية الصفوف وتراصها من السنن المهجورة بين المسلمين ، إلا من رحم الله ، وهكذا حال أكثر الناس في هذا الزمان ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
فعلى الأئمة في صلاة الجماعة أن يأمروا المصلين بتسوية الصفوف تأسيا بالنبي وتنفيذا لأمره -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وعلى المأمومين أن يمتثلوا الامر، وعلى المصلي أن يسد الفرجة في الصف ويتصل الى جهة الامام، فاذا كان على يمين الامام اتصل الى اليسار، واذا كان المأموم على جهة يسار الامام اتصل الى اليمين، ولا يضره بعد ذلك شيئا.
وتسوية الصفوف لها شأْن عظيم في إِقامة الصلاة، وحُسْنِها، وتمامها، وكمالها، وفي ذلك من الفضل والأَجر، وائتلاف القلوب واجتماعها، ووحدة الصف ما شهدت به النصوص. وقد روى الطبراني في الاوسط عن سيدنا علي بن ابي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: (استَووا تَستوِ قلوبُكم، وتماسُّوا تراحموا)، وقال الامام ابن القيم في اعلام الموقعين: (اجتِماعُ القلوب وتآلُفُ الكلمة مِن أعظم مقاصد الشرع، وقد سدَّ الذريعة إلى ما يُناقِضه بكل طريق حتى في تسوية الصفِّ في الصلاة؛ لئلا تَختلف القلوب، وشواهد ذلك أكثر من أن تُذكَر).
وقد تميزت هذه الأُمة المرحومة، وخُصَّت بأَن صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة كما صح ذلك عنه عليه الصلاة والسلام. والله تعالى اعلم.
د. ضياء الدين الصالح

خروج المني بعد غسل الجنابة من الرجل والمرأة

 السؤال: شيخنا ما حكم خروج المني بعد غسل الجنابة من الرجل والمرأة ، هل يعيد الغسل؟. بارك الله فيك.

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على أنه اذا جامع الرجل زوجته ثم اغتسلت وبعد ذلك خرج من فرجها ماء الرجل فلا يلزمها الغسل وانما الوضوء، لأنه خارج من احد السبيلين وان كان طاهراً ، فهذا المني لا قيمة له لأنه خرج بدون شهوة ، وحكمه حكم البول يوجب الاستنجاء والوضوء.
واختلفوا في خروج المنيّ من الرجل بعد غسل الجنابة على ثلاثة اقوال:
القول الاول: لا غسل عليه وانما الوضوء سواء بال قبل الغسل او لم يبلْ . لأنها جنابة واحدة فلا توجب غُسلين، ولأنه خرج منه بدون شهوة ولا لذة.
وهو قول الامام مالك وهو المشهور عند الامام احمد، وقول القاضي ابي يوسف من الحنفية، وهو مروي عن علي بن ابي طالب وابن عباس-رضي الله عنهم- وعطاء والزُهري والليث والثوري واسحق وسعيد بن جبير – رحمهم الله تعالى-. 
وحجتهم ما روى ابن المنذر في الاوسط عن ابن عباس-رضي الله عنهما- : (انه سُئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل قال يتوضأ). 
قال الامام الخرشي المالكي – رحمه الله تعالى- في شرحه على مختصر خليل : (والمعنى أن من أغاب حشفته فاغتسل لحصول سببه ثم أمنى فلا غسل عليه لأن الجنابة لا يتكرر غسلها ولكن يتوضأ ومثل الرجل المرأة في أنه إذا خرج من فرجها ماء الرجل بعد الغسل يجب عليها الوضوء ).
وقال العلامة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى – في الشرح الممتع : ( قوله : " فإن خرج بعده لم يُعِده " أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة ، فإنه لا يعيد الغسل . والدليل :
1- أن السبب واحد ، فلا يوجب غسلين
2- أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة ، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة . 
لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني ).
القول الثاني: اذا كان قد بال قبل ان يغتسل فلا اعادة عليه ويتوضأ، وان لم يبل حتى اغتسل اعاد الغسل. 
وهو قول الامام ابي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن ، وهو رواية عن الامام احمد وهو مذهب الزيدية والامامية.
قال الامام ابن قدامة المقدسي – رحمه الله تعالى- في المغني : (لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة فأوجب الغسل كالأول، وبعد البول خرج بغير دفق ولا شهوة، ولا نعلم انه بقية الاول لأنه لو كان بقية لما تخلف بعد البول).
واعترض الامام الشوكاني- رحمه الله تعالى- في السيل الجرار بقوله:- (هذا تشريع بغير شرع وايجاب لما لم يوجبه الله ولا رسوله ولا دل عليه دليل صحيح ولا حسن ولا ضعيف ، ولو سلمنا ذلك لكان الباقي بعد ظهور الطهر عفواً ، كما كان الباقي في الذكر من المني بعد الانزال والدفق عفواً ).
القول الثالث: عليه اعادة الغسل خرج ذلك من قبل البول او بعده ،لان الاعتبار بخروجه كسائر الاحداث . وهذا مذهب الامام الشافعي وقول للإمام احمد وهو مذهب الظاهرية. لان الخروج يصلح موجباً للغسل.
واحتجوا بعموم قوله تعالى: { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا } [المائدة :الآية 6]. فان الجنب من ظهرت منه الجنابة فوَجب عليه الغسل .
وكذاك بعموم حديث سيدنا علي بن ابي طالب-رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ((فإذا فضخت الماء فإغتسل)) رواه ابو داود والترمذي والنسائي . فقوله : "فإذا فضخت الماء" هذا عموم من كل خروج .
ويجاب عنهم ان معنى الفضخ: خروجه على وجه الشدة والدفق، وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة؛ قال الامام أبو البركات ابن تيميَّة – رحمه الله تعالى- في "المنتقى" تعليقًا على حديث عليّ بن ابي طالب : (وفيه تنْبيه على أن ما يخرج لغير شهوة؛ إما لمرض أو أبردة - لا يوجب الغسل ). 
قال الامام النووي – رحمه الله تعالى- في المجموع : (إذا أمنى واغتسل ثم خرج منه مني على القرب بعد غسله لزمه الغسل ثانيا سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المني أو بعد بوله هذا مذهبنا نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وبه قال الليث وأحمد في رواية عنه. وقال مالك وسفيان الثوري وأبو يوسف وإسحاق بن راهويه: لا غسل مطلقا وهي أشهر الروايات عن أحمد وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعطاء والزهري وغيرهم رضي الله عنهم ) .
المفتى به: ما ذهب اليه اصحاب القول الاول؛ وهو من اغتسل من الجنابة ثم نزل منه بقايا من المنيّ، فلا يجب عليه إعادة الغسل سواء بال قبل الغسل او لم يبلْ ، لأن الحامل على الغسل وهو خروج المنيّ بلذة معتادة قد تمَّ الاغتسال منه، فلا يتكرر الاغتسال من الجنابة؛ ولأنه مَنيّ واحد فأوجب غسلا واحدا، كما لو خرج دفقة واحدة ; ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد لأن الشهوة ماضية .
لكن يجب الوضوء بخروج هذا المنيّ لعموم نقض الوضوء بالخارج من السبيلين أو من أحدهما ، فلو اغتسل وتوضأ للصلاة ثم نزل شيء منه وجب عليه إعادة الوضوء. والله تعالى أعلم
د. ضياء الدين الصالح

حكم اطلاق العيارات النارية في الهواء في المناسبات

حكم اطلاق العيارات النارية في الهواء
السؤال: شيخنا ما حكم اطلاق العيارات النارية في الهواء اثناء الافراح والمناسبات الاجتماعية ؟ بارك الله فيك.


الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فان إطلاق العيارات النارية في الأفراح والمناسبات أو عند فوز المنتخبات الرياضية؛ من العادات القبيحة والظواهر الاجتماعية الخطرة والسلبية غير الحضارية التي تعاني منها المجتمعات العربية عموما، والتي اودت بحياة الكثيرين من الابرياء واصابت الكثيرين منهم ، فكم من افراح انقلبت الى اتراح واحزان بسبب هذه العادة الخطرة ، وذلك لانتشار الجهل بأحكام الشريعة وانتشار السلاح بشكل عشوائي بين عوام الناس ، وعدم حصره بيد القوات المسلحة النظامية، وكذلك غياب القوانين الحكومية الرادعة لهذه الظاهرة الخطرة. 
ولهذا فقد اتفق العلماء على تحريم اطلاق العيارات النارية العشوائية في الهواء للتعبير عن الفرح في المناسبات ، وعللوا ذلك بما يأتي:
1- أن اطلاق العيارات النارية في الهواء بلا مبرر فيها ضرر اقتصادي وإضاعة للمال ، وفيه تبذير واسراف ، وهذا محرم ، فقد ذم الله تعالى التبذير والاسراف ، فقال تعالى:{ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} الإسراء:27، وكذلك نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن ذلك كما في الصحيحين : ((إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)).
2- فيه ترويع وتخويف للآمنين والنائمين وفيهم مرضى وأطفال ، وأذى للمسلمين، فقد حدث كثيراً أن بعض هذه الطلقات أصابت بعض الناس عن طريق الخطأ فأدت إلى وفاتهم أو جرحهم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا)) رواه أبو داود وصححه الشيخ الالباني. وقد نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ان يروع المسلم ولو بحديدة ،فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ)) رواه مسلم.
وعنه ايضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ)) رواه مسلم.
وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن حمل السلاح مكشوفاً خشية أن يؤذي المسلمين عن طريق الخطأ، ونهى عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم خشية أن تزل يده بنَزْغٍ من الشيطان الرجيم، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلاً ويتسبب بأذى المسلمين؟! فقال في الصحيحين: ((إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ)).
3- أن إطلاقها عشوائيا في الهواء مظنة الارتداد فتصيب الناس وممتلكاتهم، وغير ذلك من مفاسد هذه العادة القبيحة ، وقد حدث هذا فعلا، وازهقت ارواح كثيرة ، واتلفت ممتلكات كثيرة، وجرح الكثير من الناس ، ووفقًا لدراسة علمية أجريت ، فإن الرصاص الذي أكمل مشواره بعد إطلاقه في الهواء يعود الى الأرض بسرعة 300 قدم في الثانية، وأوضحت دراسة أخرى أجريت أخيرًا أن هذه السرعة تزيد 50 في المائة عن الكافية لاختراق جمجمة الإنسان، وهي 200 قدم في الثانية ، ولهذا فان الذي يتسبب في القتل بهذه الطريقة القبيحة يجب ان تؤخذ منه الدية تأديبا له وردعا لغيره من المستهترين ، وعلى اعتبار أن ما يقوم به جريمة قتل شبه عمد لتكون الدية علية مغلظة وعليه الكفارة وهي صيام شهرين متتابعين والتوبة والاستغفار .
4- ومع ما يترتب من مفاسد عظيمة لهذه الظاهرة الخطرة ، فان هذا العتاد الذي يُستهلك فيها إنما صُنع للقتال وللدفاع عن الدين والوطن والنفس، فلا يجوز استعماله بهذه الطريقة العبثية البعيدة عما صنع من أجله، واستعمال النعمة في غير ما خلقت له هو من كفران النعمة.
وعليه يجب ان تتظافر الجهود بين كافة افراد المجتمع ، وفي المساجد ، وجميع وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وأن تخصيص اوقات ومساحات كافية للتوعية حول هذه القضية واثارها المدمرة على الفرد والمجتمع ، وعلى الحكومات ان تشرع القوانين الرادعة وتطبيقها على الكل دون تميز، للحد من هذه الظاهرة غير الحضارية. والله تعالى أعلم.
د. ضياء الدين الصالح
==============

نتمنى اخراج قانون عقوبات إعتبار اطلاق العيارات النارية "جريمة قتل عمد" او "شروع في القتل" ..