* تكفير المجتمعات الإسلامية.
* سب الصحابة.
* الثورة والإخوان.
تكفير المجتمعات الإسلامية
أثارت "السلفية الجامية المدخلية" حول فكر العلاّمة سيد قطب - رحمه الله - شبهة أنه يُكفر المجتمعات الإسلامية، واعتبرت بغض ولعن سيد منهجاً أصيلاً في دعوتهم.
فهل كان فعلاً سيد قطب يُكفر المجتمعات الإسلامية ؟
لسيد قطب حوالي 26 مؤلفاً في حوالي ستة آلاف صفحة، لم يذكر فيها مرة واحدة أن المجتمعات الإسلامية هي مجتمعات "كفر وردة" بل استخدم لفظ الجاهلية على الأوضاع التي تخالف التصور الإسلامي أو التي تناقض الشريعة الإسلامية.. ولفظ الجاهلية ورد في القرآن والسنة، ففي القرآن قوله تعالى: { حكم الجاهلية، حمية الجاهلية، ظن الجاهلية } وفي السنة عتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "إنك أمرؤ فيك جاهلية" وقال للمهاجرين والأنصار: "ما بال دعوى الجاهلية.. دعوها فإنها منتنة".
فالجاهلية وصف قرآني لحالة مضادة لما يُريده الإسلام، وقد تكون هذه الحالة كلها جاهلية، أو فيها بعض الجاهلية، أو فيها مظاهر يسيرة من الجاهلية.. وكان قطب - رحمه الله - يستخدم لغة (تشخيصية تحليلية)، وليس لغة (الإدانة والحكم)، فهو لم يقل مرة واحدة "يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل" التي يرددها البعض بعد كل رأي له ! ولم يتحدث أبداً عن أن المجتمعات الإسلامية تجري عليها أحكام أهل الردة..
بل لم يكن مشروع قطب هذا من الأساس، والحيثية والدافع التي جعلت قطب يخوض في مسألة "الجاهلية" هو أنه بعد فشل التجربة الإخوانية بعد 1954م، حاول قطب صياغة مشروعاً جديداً مستفيداً من تجربة الإخوان، ومن ظروف الشعب المصري خاصة، والشعوب الإسلامية عامة، ورأى أن البداية لا بد أن تكون من "العقيدة" والدعوة إلى "حاكمية الشرع" بعدما ضاع التصور عن هذا الشرع بفعل الهجمة العلمانية التي استمرت من الحملة الفرنسية حتى ثورة يوليو، وقد ضاع هذا المفهوم، وانحسر الإسلام في زوايا المسجد، كان مشروع قطب، هو إخراج هذا الإسلام من ساحة المسجد إلى ساحة الحياة، وقد سبقه لذلك الداعية الفذ حسن البنا رحمه الله، إلا أن قطب اتجه إلى التأصيل الفكري الذي كان البنا قد بدأ في صياغته في مقاله الأخير: "معركة المصحف.. أين حكم الله؟" رأى قطب أن البداية هي البداية الأولى للأمة المسلمة.. "القاعدة الصلبة" التي تربي المجتمع على أسس العقيدة الصحيحة بطريقة معاصرة ومواجهة للحياة وليس بطريقة تقليدية - جاهلة واقعها - ولا منعزلة، ولا متوافقة مع الأوضاع التي تخالف أو تحارب الشريعة؛ ومن هنا كانت دعوة قطب أو مشروعه التغيري الثوري.
فحتى جمال عبدالناصر الذي خان قطب وحكم عليه بالإعدام، وأفسد في مصر ما لا يعلم مداه إلا الله.. كان وصف قطب له بـ "الطاغية".. ووصف الأوضاع التي أنشأها بأنها "مخالفة لشرع الله". فحتى عبد الناصر لم يقل عنه قطب إنه كافر.
وقد فهم البعض لحداثة سنه، أو حمية وضغط وفحش نظام يوليو أن سيد قطب يُكفر المجتمعات لا سيما بعد موجة الإلحاد والانحلال الخلقي التي حصلت في مصر في تلك الفترة فقال قطب بكل وضوح: " إننا لم نُكفر الناس وهذا نقل مشوه إنما نحن نقول: إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية، إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية، وإنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية.. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس!" [لماذا أعدموني] وكان دوماً يردد العقيدة والأخلاق قبل الشريعة والنظام، وكان يقول: "نحن دعاة لا قضاة".
فهل يمكن بعد كل ذلك أن نقول إن قطب يُكفر المجتمعات الإسلامية؟!!
صحيح إن من جاء بعد قطب ولم يفهم منهجية البحث عنده، ولم يفهم ما قاله.. اتخذ من ثورة قطب الفكرية والروحية وسيلة للغلو في التكفير لا سيما بعد إدخال بعض كتب التراث السلفية في هذا الأمر وخلط المنهج "التحليلي التشخيصي" عند قطب مع المنهج الفقهي الذي فيه "الإدانة والحكم" مما زاد من حدة التكفير عند بعض الشباب، مع ضغط السجن وموجة الإلحاد ومحاربة الحركة الإسلامية، وهذا بالطبع قطب ليس مسؤولاً عنه، بل مسؤولاً عنه من فهم على هواه، أو لم يفهم على الوجه الصحيح. [راجع مقال:منهجية البحث عن سيد قطب ]
***
عملت السلفية المدخلية على إشاعة هذه الافتراءات عن قطب، ومن الأهمية أن نقول هنا من الذي كفّر المجتمعات الإسلامية..
أول من كفّر جمال عبد الناصر هي الدولة السعودية لِما كان من خصومة سياسية بينهما، ونشرت جريدة عكاظ السعودية على صدر صفحتها الأولى وبالخط العريض "عبدالناصر كافر بالإجماع" !
وهذا نوع من أنواع "التكفير السياسي" مثل تكفير شيعة اليمن، والشهادة بإسلام شيعة المنطقة الشرقية ( فهم إخوة الوطن ) !!.
أما الذي كفّر المجتمعات الإسلامية واستحل دمائها وأموالها.. وخاض في تلك الدماء فهو الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله وغفر له - فقد كان ينعت علماء المسلمين حوله بقوله: "علماء المشركين"! ولا يفتأ أن يردد هذا القول، فيقول في كتابه الشهير "كشف الشبهات":
- "والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء المشركين".
- "وما ذكرت لي أيها المشرك [يقصد الشرك المُخرج من الملة] من القرآن أو كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخالف كلام الله. وهذا جواب جيد سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله".
- "أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه منها قولهم: نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا - عليه السلام - لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضراً فضلاً عن عبد القادر أو غيره ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله فجاوبه ما تقدم وهو: إن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقرون بما ذكرت، ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئا، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة".
- "وللمشركين شبهة أخرى يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على أسامة قتل من قال: (لا إله إلا الله)... فيقال لهؤلاء المشركين الجهال".
- "فإن عرف التوحيد [يقصد ترك التوسل والتبرك والشفاعة] ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثير من الناس، ويقولون هذا حق، ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق، ولكنا لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، أو غير ذلك ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار".
وكتبه طافحة بالغلو في تكفير المسلمين، والحكم عليهم بالردة، ومحاربتهم محاربة أهل الردة..
وجاء أبناؤه من بعده - أئمة الدعوة النجدية - فكفّروا الدولة العثمانية، وكفروا أهل مصر، وكفروا من حولهم من القرى، وكفروا "إخوان من طاع الله" - وهم كانوا على منهج ابن عبدالوهاب وإخوة لهم - كفّروهم واستحلوا دمائهم لما خالفوا ابن سعود.
وليس هذا فحسب.. بل جعل الشيخ ابن عبدالوهاب التكفير منهج حياة، وأخرج قاعدة جعلها من نواقض الإسلام: "من لم يُكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر" ويقصد بالمشركين: المسلمين! وهذه القاعدة أنشأت سلسلة معقدة من التكفير، وأفسدت عقول الشباب بهوس التكفير.
وتم اختزال عقيدة التوحيد في "هدم القبور، والغلو في التكفير" !
ولا ننكر مظاهر الشرك التي كانت موجودة في عصر الشيخ ابن عبد الوهاب - ولا يخلو مجتمع من مظاهر الجاهلية عندما يمرض ويبتعد عن الإسلام - ودور حركته في القضاء عليها، والإصلاح الذي كان ينشده.. ولكن نحن نستنكر الطريقة التي تم بها علاج هذا المرض، ونستنكر قتاله أهل القبلة كقتال المرتدين.. ونستنكر أن تكون هناك نفعية سياسية من وراء الفتاوى والقتال.
على أن الشيخ ابن عبد الوهاب - رحمه الله - يستنكر التوقف في التكفير والقتال أيضاً !! وإن أقررنا بوجود مظاهر الشرك، وضرورة تعليم الناس صحيح الدين، فهو لا يقبل إلا "التكفير والقتال" فهذا مقتضى الإقرار بوجود الشرك؛ فيقول: "وسمعتم قول المشركين: الشرك عبادة الأصنام، وأما الصالحون فلا. وسمعتم قولهم: لا نريد إلا من الله، لكن نريد بجاههم. وسمعتم ما ذكر الله في جواب هذا كله.
وقد منّ الله عليكم بإقرار علماء المشركين بهذا كله، سمعتم إقرارهم أن هذا الذي يُفعل في الحرمين والبصرة والعراق واليمن، أن هذا شرك بالله... ولكنهم يجادلونكم اليوم بشبهة واحدة، فاصغوا لجوابها. وذلك أنهم يقولون: كل هذا حق. نشهد أنه دين الله ورسوله، إلا التكفير والقتال. والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا! إذا أقروا أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يكفر من أنكره، وقتل من أمر به وحبسهم؟!... واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين، ولو لم يشرك، أكثر من أن تحصر، من كلام الله وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم." [الرسائل الشخصية للشيخ]
ولو كان قتالهم على المُلك، أو قتال المسلمين كقتال أهل البغي، أو قتال من أجل توحيد الجزيرة... إلخ، لوسعنا السكوت على ذلك، فمعروف للجميع قضية الصراع على الملك، وتلك أمة قد خلت.. ولكن الإنكار عليهم جاء من أجل قضية جعلهم قتالهم كقتال النبي - صلى الله عليه وسلم - لكفار قريش، والخوف من تأثر الشباب بالغلو والتنظير الموجود في كتبهم في هذا الأمر، مما أفسد هذا الغلو كثير من تجارب وفرص تحرير الأمة، فلا نحمل تجاه الشيخ غلاً ولا بغضاء، إن ما يهمنا هو استقامة فكر الشباب المسلم في قضية خطيرة مثل هذه. [ راجع مقال: تكفير المتوقف في التكفير ]
ولما كانت شرعية الدولة السعودية قائمة على "الدعوة الوهابية" فقد أصبح لها الحصانة ضد النقد، وضد الإنكار.. رغم أن كتبهم طافحة بهذا التكفير، ولما جاء عصر البترول، وانتشرت السلفية السعودية بمصر وغيرها، جاءت وحولها هالة من التقديس؛ فكانت المحاباة وشهادة الزور على دين الله.
فحذّرت السلفية من كتب قطب التي تحمل مشروع التغيير والثورة، بزعهم أنها تدعو إلى تكفير المجتمعات الإسلامية، ودعت إلى كتب أئمة الدعوة النجدية الطافحة بالتكفير، والمتفاخرة بقتل المسلمين بزعم أنهم طوائف شرك وردة؛ فأي الفريقين أحق بالنكير إن كنتم صادقين؟!!
* * *
سب الصحابة
أثارت السلفية المدخلية - وغيرهم - فرية أن الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - يطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللأسف صدّق كثير من المسلمين هذه الفرية، وفي كل مرة يُذكر فيها اسم الأستاذ سيد - عند البعض - يتساءلون: هل كان سيد قطب يسب الصحابة ؟! لِما لمكانة الصحابة عندنا أهل السنة من الرفعة والفضل.
فهل كان بالفعل سيد قطب يسب الصحابة؟!
ورد في كتاب "العدالة الاجتماعية"، وكتاب "كُتب وشخصيات" نقداً لاذعاً لمعاوية بن أبي سفيان - وكان الحديث في كتاب العدالة عن الاستبداد والملك العضوض وسياسة المال، والحديث في كتاب "كُتب وشخصيات" عن الانتصار لسياسة عمر وعلي رضي الله عنهما، في مقابل تخطئة معاوية وعمرو بن العاص، والمقارنة بين القيم الأخلاقية والسياسة النفعية - ومن هنا جاءت الفرية بأن قطب يسب الصحابة رضوان الله عليهم.
طريقة قطب في الكتابة:
كان قطب - رحمه الله - يستخدم "الأسلوب الفكري" في الكتابة، بمعنى أنه يقرأ مثلاً عن فترة معينة من التاريخ من مصادرنا السُنية المشهورة والمعلومة.. ثم بعد ذلك يستخلص منها رؤية معينة تُفيد في الموضوع الذي يتحدث عنه، مثل حديثه في كتاب العدالة عن فترة الخلافة الراشدة والملك العضوض، ومنها ما جاء ذكره عن معاوية.. ويمضي يستكمل باقي الفكرة التي يشرحها للقارئ، دون أن يُثقل عليه بكثرة النقولات عن كتب التاريخ، فهو لا يتبع "الأسلوب التحقيقي" في نقل كل كلمة يقرأها ويعزوها إلى مصادرها.. وهذا أمر يُريح القارئ الذي يبحث عن الفكرة والصواب، ولكنه من جانب آخر يجعل الطريق سهلاً لمن يريد الطعن في كلامه، دون كبير عناء، فيأتي الناس من بعد ذلك ويظنون أن قطب افترى كلامه هذا من رأسه، وتكلم بغير علم !.
موقف قطب من الصحابة:
عقد قطب - رحمه الله - في كتابه الشهير "معالم في الطريق" فصلاً كاملاً بعنوان: "جيل قرآني فريد" يقصد جيل الصحابة، فيعتبر هؤلاء الصحابة جيلاً متميزاً لأنه قد خلع كل تصورات الجاهلية، وتلقى تعليمات القرآن كمنهج للعمل والحياة، فكانت هذه هي النشأة الفريدة لهذا الجيل الذي حمل رسالة الإسلام، وفتح الله به القلوب والبلاد.
ولكن قطب ليس لديه النظرة المتطرفة في تقديس الرجال، وهو يُفرق بين كبار الصحابة المُتخرجون من المدرسة النبوية، وبين الطلقاء المؤلفة قلوبهم، وموقف قطب هذا ليس شاذاً عن رأي كبار علماء أهل السنة قديماً وحديثاً.
مفهوم الصحبة:
طبقاً لهذا الحديث الشريف: عَنْ أَنَسٍ بن مالك، قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَلَامٌ، فَقَالَ خَالِدٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: تَسْتَطِيلُونَ عَلَيْنَا بِأَيَّامٍ سَبَقْتُمُونَا بِهَا ! فَبَلَغَنَا أَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " دَعُوا لِي أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنْفَقْتُمْ مِثْلَ أُحُدٍ أَوْ مِثْلَ الْجِبَالِ ذَهَبًا، مَا بَلَغْتُمْ أَعْمَالَهُمْ " [مسند أحمد/ 13400 | إسناده متصل ، رجاله ثقات ، رجاله رجال البخاري]
و"عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ }، قَالَ: قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى خَتَمَهَا، وَقَالَ: " النَّاسُ حَيْزُ، وَأَنَا وَأَصْحَابِي حَيْزُ " [ مسند أحمد/ 10783 | إسناده متصل ، رجاله ثقات ، رجاله رجال الشيخين، مصنف بن أبي شيبة/ 37926 ]
فيُفرق قطب - رحمه الله - بين أهل الصحبة الخاصة من المهاجرين والأنصار، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، وبين غيرهم ممن جاء بعد الحديبية، وغيرهم من طبقة الطلقاء والمؤلفة قلوبهم.
فليس كل من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صحبه صحبة يسيرة هو أهل الصحبة الخاصة الواردة في الحديث، فهذا خالد بن الوليد - سيف الله المسلول - يقول له النبي صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا أحداً من أصحابي" فما بالنا بمن هو دون خالد، وبمن جاء بعد خالد ؟
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المنافقين والخونة :"حتى لا يتحدث الناس أن محمداً وضعه يده في أصحابه يقتلهم" فمعنى الصحبة يُستخدم بمعنى الصحبة الخاصة، ويستخدم بمعنى رجل من رعية الأمة، وليس هنا محل التحقيق والتتبع للكلمة كما وردت في الأحاديث المرفوعة.
الموقف من معاوية بن أبي سفيان:
يعتبر قطب - رحمه الله - وفق ما فهمه من الحديث، ووفق تفسيره للآية "والسابقون الأولون" - وما جاء في سياقها - أن معاوية ليس من أصحاب الصحبة الخاصة، وليس قطعاً ممن قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - "دعوا لي أصحابي" ويتعمد البعض قطع هذا الحديث عن سياقه، وموضوعه.. حتى يظن الناس أن معنى الصحبة هنا عاماً، وليس خاصاً !.
لماذا اتخذ قطب هذا الموقف من معاوية؟
وفقاً لمصادرنا التاريخية والحديثية السُنية نجد الآتي:
إن معاوية من الطلقاء المؤلفة قلوبهم.. أسلم عام الفتح أي بعد حوالي إحدى وعشرين سنة من الهجرة، وكان أول من بدل سنة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر السياسة والمال، وحوّل الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض، وكان هو رأس الفئة الباغية التي قتلت عمار بن ياسر رضي الله عنه، وأول من سَن سب ولعن عليّ بن أبي طالب - كرّم الله وجهه ورضي عنه - على المنابر، رغم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: "لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق" [رواه مسلم، وذكره أبو نعيم الأصفهاني في كتابه "صفة النفاق ونعت المنافقين"].
وقد تعجب البعض من كيف يصير معاوية خليفة على المسلمين.. فعَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: تَعْجَبِينَ لِرَجُلٍ مِنَ الطُّلَقَاءِ يُنَازِعُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي الْخِلافَةِ ؟ قَالَتْ: "وَمَا يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، هُوَ سُلْطَانُ اللَّهِ جل جلاله يُؤْتِيهِ اللَّهُ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، وَقَدْ مَلَكَ فِرْعَوْنُ أَهْلَ مِصْرَ أَرْبَعِ مِائَةِ سَنَةٍ " [ سير أعلام النبلاء للذهبي ج1، ص 365 ، ذكره ابن كثير 8 / 131 نقلا عن ابن عساكر بإسناده عن أبي داود الطيالسي بهذا الإسناد ]
وهذه جملة من الأحاديث الواردة في شأنه:
- "ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار" [ حديث متواتر مروي من إحدى وثلاثين طريقاً ].
- "أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية".
- "تنقض عرى الإسلام عروة عروة أولهن نقضاً الحكم".
- "أما معاوية فصعلوك". [رواه مسلم ]
- "لا أشبع الله بطنه" قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما رد معاوية ابن عباس ثلاث مرات عندما أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية ليأتيه.
- وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - " هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا" [صحيح مسلم/1847، مسند أحمد/ 6467، صحيح ابن حبان/ 5961]
فكان قطب - رحمه الله - يكتب من هذه الخلفية التي يظن أن القارئ إما على إطلاع بها، أو إذا أراد التأكد من صحة موقف قطب.. فالطريق إلى كتب التاريخ والسنن معروف.
فهل بعد كل ذلك يمكن أن نقول إن قطب كان يسب الصحابة.. هكذا بإطلاق دون بيان حقيقة الأمر، وخلفيته، وتفصيلاته، وبيان المقصود بمن هم هؤلاء الصحابة؟! لا شك أن هذا افتراء كبير.
وبقي سؤال: هل موقف قطب هذا من معاوية موقفاً صحيحاً أم لا؟
في هذا المقال نحن فقط نرد فرية أن قطب كان يسب الصحابة، أما التحقيق في مسألة معاوية فهو طويل ومعقد ومتشعب لا يصلح الحديث عنه في هذا المقال، وقد أفردت له مبحثاً طويلاً في كتاب "أمراض الاستبداد" - تحت الإعداد - لأن الشبهات عنه فوق ما يتصور البعض، فقد جعلت البعض يرد الأحاديث المتواترة بضربة واحدة "لا يصح"!! وجعلت البعض يحذف اسم معاوية من الأحاديث ويسميه بـ "فلان"، وجعلت البعض يقطع ويحذف أجزاء من الأحاديث عن سياقها عمداً.. في خيانة علمية واضحة، وجعلت البعض يستدرك على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلت البعض يُزور في طبعات كتب التاريخ، ليحذف ما لا يتوافق مع هواه !!.
والسلفية تستميت في الدفاع عن معاوية، وتطلق أحكام التشيع والرفض على كل من يمس جناب معاوية، وربما التكفير بالتبع !
والسلفية لديها هذه الحالة من الهوس مع معاوية وربما ذلك بسبب: (1) النكاية في الشيعة لأنهم يطربون لأي شيء يُدين معاوية. (2) ولأن معاوية إمام الملك العضوض، وبعض السلفية تعشق الشرعنة للاستبداد والظلم، وتُأصل له، وهذا أمر تحبه الملوك. (3) واعتقاد البعض أن الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم تجعل صاحبها من أهل العصمة والقداسة، وصاحبها لا يخطئ أبداً، ومهما أخطأ.. فله المثوبة في الآخرة !!.
***
إن قطب في كتابة العدالة الاجتماعية، كان يحاول الدفاع عن منهج الإسلام، وعدله، وأرى أنه قد أبدع في هذا الكتاب بما لم يسبق له أحد في عصره.. وفي كتابه "كتب وشخصيات" كان ينتصر لموقف عمر رضي الله عنه من قضية الشورى، وينتصر لموقف علي كرّم الله وجهه في معاركه ضد معاوية والملك العضوض.. ويقارن بين السياسة النظيفة، والسياسة الميكافيلية.
فتقبل الله عن سيد أحسن ما عمل، وجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.
* * *
الثورة والإخوان
نشأ قطب - رحمه الله - نشأة دينية، فأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الحادية عشر من عمره، وفي بداية مشواره الفكري تأثر بكتابات الأستاذ عباس العقاد - رحمه الله - وكان مدافعاً عنه وعن حزب الوفد، ويُنسب إلى سيد قطب بعض المقالات المثيرة للجدل في هذه الفترة، وقد اطلعت على بعضها، فإن كانت صحيحة النسبة إليه فهي باطل محض لا نرضى به، ولا نتابع عليه.. فهناك من يقول إنه تأثر - كغيره - بالتيارات الغربية السائدة في عصره، وإن كانت كذباً عليه لطبيعة نشأته الدينية.. فالأولى بنا إحسان الظن.
كانت كتابات قطب أدبية في البداية، ثم بدأ في التحول للفكر الإسلامي في الأربعينيات من القرن الماضي، ويبدو لي من كتابات تلك الفترة أن قطب كان يريد أن يكون الإسلام هو الفكر والحضارة البديلة عن الحضارة الرأسمالية، والحضارة الشيوعية الاشتراكية، فكَتب العدالة الاجتماعية في الإسلام في (1949 م)، والسلام العالمي والإسلام (1951م) وسبقهما بكتاب التصوير الفني في القرآن (1945م)، وكتاب مشاهد القيامة (1947م).
انتدب قطب لبعثة إلى أمريكا بعد كتابه العدالة الاجتماعية، ليطلع على المناهج التربوية هناك، وفي تلك الأثناء قُتل الداعية الفذ حسن البنا - رحمه الله - وتعجب قطب من فرحة الصحف الغربية بمقتله، وعرف أن وراءه شيئاً كبيراً، وقد قرر الاتصال بالإخوان عندما يعود.
في فترة الشيخ البنا كان مصر يتنازعها عدة تيارات، أخطرها التيار الشيوعي، فقد أُسس الحزب الشيوعي المصري سنة 1922م على يد اليهودي جوزيف زورنتال، وكتابات النصراني الملحد سلامة موسى، وكان مشروع الحزب: حقوق العمال والفلاحين، إنشاء النقابات العمالية، الإلحاد، الإباحية. والتيار الوطني ومشروعه: التحرر من الاستعمار، الاقتصاد الوطني، الحياة النيابية السليمة. ومشروع البنا:الحكومة الإسلامية، والدولة الإسلامية. والمشروع الملكي: الحفاظ على العرش، وإقامة التوازنات مع باقي القوى. ومشروع الاستعمار:إيجاد قوة بديلة تنوب عنه في إدارة شؤون المنطقة، والحفاظ على مصالح الاستعمار، وقهر الشعوب لتظل تابعة ذليلة، وضمان تبعية الجيش - والقوى السياسية المؤثرة - للاستعمار بعد رحيله.
ولما استفحل خطر الإخوان، انقلب القصر عليهم، وتم اغتيال البنا - رحمه الله - في وسط القاهرة ! كان حسن البنا يسير في اتجاهات عدة.. أولها: بناء القاعدة الشعبية بالدعوة من خلال اللقاءات والمؤتمرات والرسائل، وكانت هناك جوعة دينية وروحية لهذه الروح الجديدة للإسلام، بعد أن كان الإسلام محصوراً في الزوايا، وصرخات الدراويش، وزيارة الأضرحة. والاتجاه الثاني: الاستعداد للمواجهة مع النظام فكّون التنظيم الخاص، وكون كيانات موازية وموالية له في الجيش والشرطة، وكان يمضي في بناء هذا الكيان.والاتجاه الثالث: الموازنات السياسية مع القصر تارة، ومع الأحزاب تارة أخرى.
ولكن للأسف الشديد قُتل البنا في أخطر مرحلة كانت تمر بها جماعة الإخوان، وهي مرحلة النضج واكتمال الثمرة، وكان مقتله هدفاً لقوى الاستعمار المحلي والدولي لا سيما بعد النجاحات الخطيرة التي قدمها الإخوان في حرب فلسطين.
في هذه الفترة، كان يتم التحضير للثورة أو ( انقلاب يوليو 1952 ) وكان جمال عبد الناصر عضواً في جماعة الإخوان، ويبدو أنه كان هناك تنظيمين في الجيش؛ الأول: يتبع البنا، والثاني: تم إنشاءه بعد تردد الإخوان في الانقلاب على القصر والذي سُمي بالضباط الأحرار، وهذا التنظيم داخل الجيش كان لا بد أن يعتمد على شعبية وقوة الإخوان في نجاح الانقلاب، لأن هؤلاء الضباط لا ثقل سياسي لهم، ولا هم من أصحاب الرتب الرفيعة داخل الجيش.
شارك الإخوان في انقلاب يوليو، فعبد الناصر يعتبراً فرداً منهم، في هذه الأثناء كان كتاب العدالة الاجتماعية يعتبر هو المنهج الذي يفترض أن تسير عليه الثورة لأنها عدالة من المنظور الإسلامي، وليس من المنظور الشيوعي أو الرأسمالي، وكان للكتاب احترام كبير عند ضباط الثورة.
كان قطب مستشاراً لمجلس قيادة الثورة للشؤون الثقافية والعمالية، وكان يحضر اجتماعات مجلس قيادة الثورة، وبعد أن انفصل عبد الناصر عن الإخوان، وأنشأ "هيئة التحرير" كان قطب سكرتيراً عاماً مساعداً لهذه الهيئة التي سيطر عليها التوجه الشيوعي فيما بعد. [ الحزب الشيوعي تحول إلى الاشتراكية، ثم بعد ذلك أصبح ينادي بالعلمانية والدولة المدنية واليسارية والديمقراطية ]
كان قطب مفعماً بالثورة، مدافعاً عنها في بداية الأمر، وفي سنة 1953 م بدأ قطب يستشعر خطر احتواء الثورة عن طريق أمريكا، وبُعدها عن التوجه الإسلامي الوطني الذي كان يجب أن تسير فيه، وفي هذه الفترة أو بعدها بقليل تم بأمر من الاتحاد السوفيتي تحويل القيادات والكوادر الشيوعية للدخول في نظام يوليو، بعد أن كانوا في السجون. وهكذا تحولت الثورة من التوجه الإسلامي إلى التوجه الشيوعي. فهل كان عبد الناصر يضمر هذه النية من البداية؟ هل اضطر حفاظاً على عرشه أن يفعل ذلك؟ هل كان يخدع الجميع؟ لا ندري.. لكن المهم أن الثورة مضت في طريق إهلاك مصر.
التحق قطب بالإخوان سنة 1953م وكان المفكر الإسلامي صاحب المكانة الرفيعة سيما بعد سلسلة الكتب التي تحمل روح الثورة الإسلامية، والمفعمة بالحيوية والصدق والإيمان بقدرة الإسلام على أن يخلق حضارة جديدة لا شرقية ولا غربية.. بل إسلامية خالصة، فتقلد قطب - في جماعة الإخوان - منصب رئيس نشر الدعوة، وكان رئيساً لتحرير جريدة الإخوان المسلمين.
لو بقي قطب في هيئة التحرير الناصرية كان سيصبح وزيراً للمعارف أو رئيساً للإذاعة المصرية، ولكنه اختار الإخوان، بعد تحول الثورة عن توجهها الإسلامي.
كان عبد الناصر يُدرك قوة الإخوان جيداً، ويعرف قواعدها وكوادرها بصورة متكاملة، فقرر القضاء عليهم، وعلى كل القوى التي يمكن أن تشكل أي تهديد له.. فكان حادث المنشية سنة (1954م) والذي ضُرب فيه الإخوان ضربة قاتلة، وطعنة نافذة ! وقضى قطب في السجن عشر سنوات بسبب انضمامه للإخوان.
في هذه الفترة بدأ قطب في صياغة مشروعه، وتحليل أسباب الفشل، وما وصلت إليه الحركة الإسلامية من حالة، كان قطب يريد أن يسير على خط البنا الأصيل والواقعي في نفس الوقت، ولكن باستثناء "التوازنات السياسية" أو الدخول في اللعبة السياسية المحلية في هذا الوقت. كان يريد ترسيخ الاتجاه التربوي الصلب على أساس من العقيدة متين، وحماية هذه الدعوة بالقوة حتى لا يتم الاعتداء عليها كما حصل في 48، 54 م، وبدأ كتاباته المعروفة في ذلك، وحاول إنشاء حركة جديدة من ركام الإخوان المتناثر في السجون.
كان نسيج الإخوان التنظيمي ليس على تجانس واحد، فقد توجس البعض خوفاً من حركة قطب وكتاباته، وكانت القيادات لا سيما الأكاديمية منها تعشق لعبة "التوازنات السياسية، وعدم الصدام" وتجعل من محاولات البنا السير بسفينة الإخوان وسط حقول الألغام هذه، وما قاله للملك أو للأحزاب منهجاً للحركة والفكر.. الأمر الذي أدى إلى كوارث خطيرة فيما بعد.
كان قطب يُمثل الاتجاه الثوري داخل الجماعة، وكانت بعض قيادات الإخوان تمثل التيار المهادن المُسالم.. ويقولون: "هذا هو منهج البنا الذي لا نحيد عنه أبداً".
لم يكتمل مشروع قطب، ولم ينجح.. فقد تم القضاء عليه قبل أن يبدأ، وكانت المخابرات على علم بما يحدث، فكانت الضربة الثالثة للإخوان، وكان ما يُعرف بتنظيم (1965م) وتم إعدام قطب بتهمة محاولة قلب نظام الحكم.
بقي قطب يُمثل للإخوان معضلة.. فقد أصبح رمزاً إسلامياً، وشهيداً - بإذن الله - مات من أجل دعوته، ولكن مكتب الإرشاد يرفض منهج قطب في التغيير، فهم يريدون الحفاظ على اسم قطب، ويريدون البراءة من فكر قطب !.
وانفرط عقد الإخوان الفكري، فلم يحسم البنا القضية للإخوان من حيث المبدأ، ولم يكتمل مشروع قطب، فاتخذ الإخوان طريق المهادنة والمسالمة مع النظام، دون محاولة تقويضه أو إنشاء الكيانات التي تُحضر لثورة جديدة عليه، فصار الإخوان جزءاً من النظام، وأصبح أبرز ثمة للفكر الإخواني - بعد موت عبدالناصر وخروجهم من السجون - هو "التناقض والتردد" ثمة أصيلة نستطيع أن نراها في كل حركتهم، فهم مع الجماهير الثائرة ضد الظلم والفساد، ومع النظام الذي يُنشأ هذا الظلم والفساد، مع الأحزاب المعارضة، ومع الأحزاب الحاكمة، مع تثوير الجماهير، وضد الثورة !!.
فعمل الإخوان على تجميد مشروع قطب، وتحنيط اسمه ليكون رمزاً فقط، ومضى الإخوان في لعبة السياسة مع نظام السادات، ومبارك، والمجلس العسكري ثم انقلاب يوليو 2013 م الذي مثل أحد أخطر الضربات للإخوان، وللحركة الإسلامية. وحتى الآن هم لم يحسموا جواب الأسئلة المصيرية في حركتهم، فإن سألتهم ما الذي كان يجب عمله قبل ثورة يناير وبعدها، وما الذي يجب عمله قبل الانقلاب، وبعده، وقبل مجزرة رابعة وبعدها.. أعياك البحث أن تجد جواباً شافياً، وإن حصلت على جواب ما، خرج بيان ينقضه في اليوم التالي !!.
كان أخطر ما تربى عليه أبناء الحركة الإسلامية هو "الجمود والتقليد" سواء في فكر البنا أو فكر قطب - أو غيرهما - الجميع لديه حالة من الكسل الفكري، وهذا الأمر تشجعه جميع القيادات الإسلامية هي فقط تريد الطاعة العمياء، والتقليد.. لم تربِ أبناءها تربية قيادية تعيش روح شخصية البنا أو قطب ليهضموا هذه التجارب الفريدة والمعاصرة في ذات الوقت، ويحملوا شعلة الريادة دون الجمود على موقف هنا أو هناك كان في ظروف خاصة، ومرحلة معينة، محكومة قطعاً بالجو والحالة التي نشأت فيها.
***
وإنا نأمل في ميلاد جيل جديد للحركة الإسلامية، يستوعب دروس الماضي، ويواجه بكل شجاعة الأمراض والانحرافات التربوية التي حصلت، وقبل هذا وذاك يخلع عن عنقه سلاسل التعصب، ويقوم بالشهادة لله، والقيام بالقسط؛ فهذه هي الخطوة الأولى على الطريق الصحيح.
[راجع - لاحقاً إن شاء الله - كتيب: انحرافات تربوية في الحركة الإسلامية]