تناقلت وسائل التواصل الاجتماعية دعوى عنونها: (ماذا تعني كلمة عربي؟) تتضمن جملةً من الشبهات التي تم قولبتها في صورة دفاعية عن اللغة العربية، وجُمِّلت بألفاظ ظاهرها التنزيه والتعظيم للقرآن، وباطنها مضامين تهدف لتنحية اللغة عن التفسير كبداية على طريق التأويل الفلسفي المعاصر ونظرياته التي تهدف لإقصاء النص الشرعي عن الواقع والحياة، وليكون الرد منظمًا بطريقة علمية قمت بتقسيم هذه الدعوى إلى ست مسائل:
المسألة الأولى: أن معنى قوله تعالى: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [الزخرف: 3] التمام والكمال وليس له علاقة بالعرب كقومية.
المسألة الثانية: أن معنى قوله تعالى: ﴿ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 37] التمام الخالي من النقص.
المسألة الثالثة: أن معنى الأعراب في قوله تعالى: ﴿ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ﴾ [التوبة: 97] ليس سكان البادية؛ لأن سكان البادية إنما يسمون البدو كما في قوله تعالى في سورة يوسف: ﴿ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ﴾ [يوسف: 100]، فالقرآن أرفع من أن يذم الناس بناءً على الأعراق.
المسألة الرابعة: أن الألف في «الْأَعْرَاب» هي ألف التعدي الزائدة التي تنقل المعنى إلى نقيضه كما في «قسط: ظلم» و«أقسط: عدل»؛ فمعنى «عرب» تم وخلا من العيب، ومعنى «أعرب» نقص وشمله العيب، وأن هذا في اللغة يُسمَّى همزة الإزالة؛ وعلى ذلك فإن معنى «الأعراب» مجموعة تتصف بصفة النقص في الدين والعقيدة.
المسألة الخامسة: أن اللغة العربية ليست لغة بشرية بل هي لغة السماء التي علَّم بها آدم الأسماء، وأنها أفضل اللغات باعتبار أنها لغة ربانية.
المسألة السادسة: أن هذه الرسالة بغرض بيان فضل العربية لمن اعوجَّ لسانه وحاد عنها لغيرها.
ولأن هذه الدعوى انتشرت بين عامة الناس لزم الاختصار في الرد بما يتناسب مع عموم من قرأ الرد، وإلا فإن هناك ردودًا أخرى أكثر لا تتناسب مع هذا المقام، والجواب عليها بعد الاستعانة بالله أن يُقال:
الحق في معنى «عربي» في قوله تعالى: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾:
أولًا: لقد بيَّن الله تعالى في مواضع عديدة من كتابه أن القرآن نزل بلسان العرب، فقد قال سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ﴾ [الرعد: 37]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ [طه: 113]، وقال: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195]، وقال: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 28]، وقال: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]، وقال:﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7]، وقال: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الزخرف: 3]، وقال: ﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأحقاف: 12]، وقد بيَّن الطبري إمام المفسِّرين أن معنى كون القرآن عربيًّا: أنه نزل بلسان العرب؛ لأن النبي الذي أوحي إليه به من العرب[1].
فالله تعالى لم يبعث نبيًّا ولا رسولًا إلا بلسان قومه، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4]؛ مما يدل على إن كل رسول ونبي أرسله الله تعالى إنما كان من القوم الذين بعث فيهم، وكل كتاب نزل من الله على نبيٍّ من أنبيائه ورسولٍ من رسله لم يكن إلا بلغة أولئك القوم، ليكون بيانًا واضحًا جليًّا لا ينتج عنه خلل في فهم أو علم.
فإن القرآن لو لم يكن بلسان العرب لأعرضوا عنه، ولقالوا: لولا كان عربيًّا، كما جاء في الآية (44) من سورة فصلت[2].
كما أن الله تعالى وصف القرآن في آيتَي الشعراء والزمر بأوصاف إضافية مع كونه عربيًّا؛ وهي أنه مبين؛ أي: واضح، وأنه غير ذي عوج؛ أي: لا لبس فيه[3].
ثانيًا: إن التمام والكمال المنسوبين لمعنى «عربي» قد يصحَّان من جهة شدة الفصاحة والبيان ومن جهة أعلى المحاسن؛ باعتبار أن لغة العرب أفصح اللغات مطلقًا حتى سمَّى العرب غيرهم بالعجم، ولأنها اللغة التي اختارها سبحانه وتعالى لتكون لغة القرآن، ولأن العرب من أكثر الشعوب اهتمامًا بالأخلاق الحميدة، ولأن الله تعالى جعل الحُور العين في أكمل وجه من الجمال والتحبُّب لأزواجهم كما سيأتي.
ثالثًا: أن العرب لم يحوزوا الفضل إلا باصطفاء الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم منهم، ولأن القرآن نزل بلسانهم، واستمر هذا الفضل لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولأن القرآن الذي نزل بلسانهم محفوظ إلى يوم القيامة؛ فالفضل ليس لقومية لكن لشرف الدين الذي نزل عليهم ليكون المهيمن على ما قبله والذي لا يُقبَل من أحد بعد نزوله دينٌ غيره إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها.
فكيف يعقل بعد ذلك أن يُقال: إن معنى قوله تعالى: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ أنه ليس له علاقة بالعرب كشعب أو قومية؟!
والحق في معنى قوله تعالى: ﴿ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾: أن الله تعالى قال: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 35 - 37] وهذا وصف للحور العين، و«العُرُب» في اللغة جمع عَرُوب، والمرأة العَرُوب هي: العفيفة المتحبِّبة إلى زوجها[4].
قال الطبري يرحمه الله تعالى: "هن من بني آدم، نساؤكنَّ في الدنيا ينشئهنَّ اللهُ أبكارًا عذارى عُرُبًا. وقوله: ﴿ عُرُبًا ﴾ يقول تعالى ذكره: فجعلناهنَّ أبكارًا غنجات، متحبِّبات إلى أزواجهنَّ يُحسِنَّ التبعُّل وهي جمع، واحدهن عَرُوب، كما واحد الرسل رسول، وواحد القُطُف قطوف... قال ابن عباس رضي الله عنهما: العُرُب المتحببات المتودِّدات إلى أزواجهنَّ"[5]، فليس لمعنى العُرُب في قوله تعالى: ﴿ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ علاقة بالعرب كجنس أو نسبة نسب، وإن كان الجذر اللغوي للكلمتين «ع ر ب» سواء.
فيكون وجه التمام والكمال في كون الحور (عُرُبًا أَتْرَابًا) أنه سبحانه قد أنشأهُنَّ سبحانه على أحسن حال، وليس مطلق معنى «عرب» هو التمام الخالي من النقص.
والحق في أن معنى «الأعراب» في قوله تعالى: ﴿ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ﴾ [التوبة: 97]، ودعوى أن القرآن أرفع من أن يذم الناس بناءً على الأعراق.
أولًا: إن من يرجع إلى لفظ «عرب» في كتب اللغة يعلم أن الجذر اللغوي «ع ر ب» له ثلاثة أصول:
1- الإبانة والفصاحة، ومثاله قولهم: أَعْرَبَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ، إذا بيَّن وأوضح.
2- النشاط وطيب النفس، ومثاله قولهم: وَالْخَيْلُ تَمْزعُ عَرْبًا فِي أَعِنَّتِهَا.
3- فساد في جسم أو عضو، ومنه قولهم: عَرِبَتْ مِعْدَتُهُ، إذا فسدت. وقولهم: امْرَأَةٌ عَرُوبٌ؛ أي: فاسدة[6].
ثانيًا: أن «الأعراب» هي جمع عرب، ثم صار اسمًا لسكَّان البادية؛ أي: إن من سكن البادية من العرب عرفوا بالأعراب.
كما أن «البدو» في اللغة هم سكان البادية في مقابل من سكن الحاضرة[7]،ولا يجهل أحد أن اللغة العربية فيها مرادفات كثيرة، فسكان البادية هم البدو عمومًا، ومن سكن البادية من العرب يسمون الأعراب خصوصًا؛ فالأول نسبة مكان وسكن، والثاني نسبة نسب.
فلماذا يضرب القرآن بعضه ببعض في حين أن هذه التسمية حقيقية، وكان هذا الكلام من عند الله، وكان القرآن نزل بلسان القوم؟!
ثانيًا: ويرد على دعواهم المتعلقة بقوله تعالى: ﴿ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ﴾ [التوبة: 97] من وجهين:
الوجه الأول: أن الله تعالى بيَّن سبب كفر الأعراب ونفاقهم، قال الطبري يرحمه الله تعالى: "الأعراب أشدُّ جحودًا لتوحيد الله، وأشدُّ نفاقًا، من أهل الحضر في القرى والأمصار، وإنما وصفهم جل ثناؤه بذلك؛ لجفائهم، وقسوة قلوبهم، وقلة مشاهدتهم لأهل الخير، فهم لذلك أقسى قلوبًا، وأقلُّ علمًا بحقوق الله[8].
الوجه الثاني: أن هذا النص لا يصحُّ النظر إليه دون ما بعده، فالله تعالى قال: ﴿ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 97 - 99]، فبيَّن سبحانه أن العموم في الأعراب هو الكفر والنفاق، وأن بعضهم شديدو العداء للمؤمنين، لكنه مع ذلك أنصف فئةً مؤمنةً منهم تتقرَّب إلى الله بأعظم الطاعات، فبدأ بالعام ثم الخاص، فتبيَّن أن الذم والمدح لم يكن إلا على أساس الإيمان والتقوى وليس على أساس الأعراق والأنساب، فأي عرقية ونقص ينزهون القرآن عنها؟!
ودعوى أن القرآن أرفع من أن يذم الناس بناءً على الأعراق، ليست إلا كلمة حقٍّ أُرِيد بها باطل؛ إذ إن صاحبها يدندن حول مزاعم العقلانيين التي ظاهرها تنزيه الله تعالى، وباطنها القول على الله بغير علم الذي هو أعظم الذنوب.
وأما دعواهم المتعلقة بالتركيب اللغوي لكلمة «الْأَعْرَاب» وارتباطه بالنقص والعيب الذي هو خلاف التمام والكمال مما يفيده معنى عربي الوارد في المسألة الأولى، وبناء عليه تم قصر معنى كلمة «الْأَعْرَاب» على كونهم مجموعةً تتصف بصفة النقص في الدين والعقيدة.
أولًا: إن كون الألف الزائدة تنقل المعنى إلى نقيضه لا يعني انتفاء صلة النسبة بين «العرب» و «الْأَعْرَاب».
ثانيًا: إن كون النقص والعيب في الأعراب ليس على إطلاقه؛ لأن الله تعالى في آية سورة التوبة قد امتدح جماعةً من الأعراب بعد أن ذمَّ عمومهم.
ثالثًا: إن النقص العام في «الأعراب» يكون من جهة كونهم بدو العرب وليس من جهة فصاحتهم ولا نسبهم ولا أخلاقهم ولا عقيدتهم، والتاريخ بل سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا تشهد بذلك؛ فقد كانت قريش ترسل أبناءها إلى مرضعات من سكان البادية ليتعلموا الفصاحة وتقوى فيهم سمات كثيرة يشرفون بها، وقد بعث عبدالمطلب بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني سعد ومكث فيهم زمانًا حتى وقعت حادثة شق الصدر الأولى؛ فأعادته حليمة إلى أُمِّه خوفًا عليه، ولا يغفل عن ذلك إلا جاهل.
رابعًا: إن هذا القول يعرج بنا إلى قوله تعالى: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 14] الذي وجه فيه سبحانه «الأعراب» ونبههم عندما قالوا: «آمَنَّا» أن الألزم والأوجب أن يقولوا: أسلمنا لأمور:
أولها: أن الإيمان يختلف عن الإسلام؛ لأنه مقام أعلى يتطلب كمال الإسلام بالاستسلام المطلق لله تعالى ورسوله قولًا وعملًا، وأن الإسلام يكون ظاهرًا قولًا وعملًا، والإيمان يكون في الباطن قولًا وعملًا.
الثاني: لأن الإيمان لا يكون بمجرد الدخول في الإسلام، فالإيمان تصديق وقول وعمل.
الثالث: أنهم قد حققوا الإسلام ويرجى منهم بعده أن يحققوا الإيمان بالعمل فيكونوا مؤمنين[9].
ولعل صاحب هذه الدعوى ممن يعتقد خلاف الحق من أن الله تعالى قد نفى عنهم الإيمان مطلقًا، أو بأنهم منافقون؛ لذلك قال بأن الأعراب جماعة يتصفون بالنقص في الدين والعقيدة؛ فهم وإن كانوا أشدَّ كفرًا ونفاقًا كما جاء في آية سورة التوبة إلا أن هذا راجع لأسباب تعود إلى طبيعة البيئة التي عاشوا فيها والتي أكسبتهم الجفاء والغلظة، وبعدهم عن المدينة دار النبوة والإيمان، ومع ذلك فإن منهم المؤمنين، وجاءت آية سورة الحجرات لتبين لهم أنهم على بداية طريق الإيمان، وأنه يلزمهم العمل ليستحقوا وصف الإيمان.
والحق أن من نسج هذه الشبهة أراد بهذا الإيراد أن يتم له إبعاد المعنى عن صلة النسبة والنسب والانتساب بين العرب كقوم وبين القرآن؛ إذ إن العرب هم القوم الذين نزل القرآن فيهم وبلغتهم، التي كانت أفضل اللغات وأفصحها وأتمَّها وأكملها.
أما دعوى أن اللغة العربية ليست لغة بشرية بل هي لغة السماء التي علَّم الله بها آدم الأسماء، وأنها أفضل اللغات باعتبار أنها لغة ربانية.
ويقال لصاحب هذه الدعوى: سبحان الله! ما أدراك بهذا؟ هل أنت تعلم الغيب؟ أم جاءك من الله ما لم يؤتِه رسله؟
فإنه وإن كان الله تعالى علَّم آدم الأسماء بالعربية، فلا نستطيع أن نقول إن العربية هي لغة السماء؛ لأن هذا رجم بالغيب ليس عليه دليل من الكتاب والسنة.
فالأصل: أن الأمور المتعلقة بالأزل والخلق والكيفيات الغيبية المختلفة أنه لا يعلمها إلا الله، وأننا كخلق من خلق الله لا نعلم منها إلا ما أخبرنا به سبحانه في كتابه أو على لسان نبيِّه، وأن من يدعي معرفة كيفية غيبية معينة فقد قال على الله بغير علم، والذي هو أعظم الكفر بالله.
وأما دعوى أن هذه الرسالة لم تكن إلا لبيان فضل العربية لمن اعوجَّ لسانه وحاد عنها لغيرها.
فهذا من زخرف القول الذي ظاهره الصلاح، وباطنه الفساد؛ لما تقدم من بيان كان الدليل والمستند فيه لكتاب الله وسنة نبيِّه، وأقوال علماء اللغة والتفسير.
والناظر في هذه الدعوى يجد أنها أحد إفرازات التأويلات الفلسفية المعاصرة؛ كالتناص، والأنسنة، وغيرها من آليات تأويلية تهدف إلى قطع العلاقات بين النص الشرعي وبين منزله سبحانه وتعالى، واللغة التي نزل بها، والمتلقي السامع والقارئ لها من أمة الدعوة وأمة الإجابة، فهل بعد ذلك يصحُّ أن يُقال: إن ما جاء في هذه الدعوى كان ابتغاء الحق؟!
اللهم إنا نبرأ إليك مما يدعون.
[1] انظر: تفسير الطبري، 12/ 174، 13/ 190، 16/ 239، 19/ 118، 23/ 226، 24/ 99،137، 25/ 11، 25/ 55، 26/ 16. ومن شاء فليرجع لكتب أئمة المفسرين؛ كابن كثير والسعدي وغيرهما، غير أني اكتفيت بالطبري باعتباره إمام المفسرين وكل المفسرين من بعده عيال عليه، فهو المتقدم عليهم في الزمن؛ فقد توفي يرحمه الله تعالى سنة (310هـ).
[2] انظر: تفسير الطبري، 24/ 137.
[3] انظر: تفسير الطبري، 19/ 118، 23/ 226.
[4] انظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، 332.
[5] تفسير الطبري، 23/ 120-121.
[6] انظر: مقاييس اللغة لابن فارس، 4/ 299-300.
[7] انظر: كتاب العين للفراهيدي، 2/ 128، 8/ 83، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، 331-332.
[8] انظر: تفسير الطبري، 14/ 429.
[9] انظر: الإيمان الأوسط لابن تيمية، 81-19، 22،
تنبيه وتحذير من الأساليب الباطنية الخبيثة
.
انتشر مجدّدا على صفحات التواصل منشور منسوب إلى الشيخ الداعية محمد الغزالي رحمه الله، وهو ليس المنشور الأول ولا الأخير.
خلاصة المنشور تأويل باطني فاسد لقوله تعالى (قرآنا عربيا) قال: "إن كلمة عربي تعني الكمال والتمام..وليس لها علاقة بالعرب كقومية"
.
وقد
حذرت سابقا من خطورة إلغاء الحقائق اللغوية من خلال اعتماد الجذر المجرد، لأن الجذر ليس هو لغة الخطاب، وخذوا هذه الأمثلة:
:
الربا، مفردة لها حقيقة شرعية معروفة، ولكن لو رجعنا إلى الجذر (ر ب و) فمعناه الزيادة، وعليه ممكن يأتي مفسّر جديد ليقول إن الله حرم الزيادة بمعنى الإسراف مثلا في الطعام والشراب لأنه مضر بالصحة، لكن الفقهاء صرفوه إلى الفائدة البنكية
.
الخمر، مفردة شرعية معناها: المسكر، ولكن لو رجعنا إلى الجذر (خ م ر) فمعناه الستر، ولذلك سمّي الخمار خمارا، وأخشى أن يأتي (مجدّد) ليقول: إن الخمر التي نهى عنها القرآن هي الخمار ، فيبيح السكر ويحرّم الحجاب، وقد سمعت واحدا منهم يجاهر بهذا بالفعل.
الإنسان، له حقيقة لغوية معروفة، ولكن الجذر هو (أ ن س) من الأُنس،وعليه يمكن أن يأتينا مفسر جديد ليقول إن الإنسان هو كل من تأنس به ولو كان كلبا أو قطة.
.
لقد قرأت لأحدهم أن (الرجال قوامون على النساء) معناه : المشاة قوامون على القاعدين، لأن الجذر ( ر ج ل ) معناه: مشى، وجذر (ن س أ) معناه تخلف أو تأخر.
.
لقد حاول الباطنيون قديما العبث بمعاني القرآن فتصدى لهم علماؤنا. ومن أروع ما قرأت كتاب (فضائح الباطنية) لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي.
.
ولقد كانت أساليبهم تفتقر إلى الذكاء، لأنها مفضوحة بذاتها، كقولهم في (مرج البحرين يلتقيان) هما عليّ وفاطمة. و (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) هما الحسن والحسين. ومنهم من أبطل أركان الإسلام كلها كالصلاة والصوم وصرفوا آياتها إلى معانٍ أخرى تناسب أهواءهم.
.
اليوم يأتي الباطنيون الجدد بطريقة جديدة، وهي الالتفاف على المعنى المستقر في الشرع واللغة، إلى (التحليل الجذري المجرد) وقد كسبت هذه الطريقة إعجاب بعض الشباب ممّن لا معرفة عندهم بعلم اللغة العربية ولا بعلم الشريعة. وربما يرون فيه تجديدا، والحقيقة العكس، لأن الحقيقة اللغوية مثل (رجل) و (إنسان) تحمل معاني أكثر دقة ووضوحا من معانيها الجذرية البدائية.
.
بل إن الحقيقة اللغوية نفسها قد تنتقل إلى (حقيقة اصطلاحية) بحسب كل علم، فتكون المفردة نفسها لها معنى لغوي ثم يكون لها معنى اصطلاحي خاص، فكلمة (الصوم) حقيقة لغوية في الإمساك، ثم انتقلت إلى معنى اصطلاحي أكثر دقة وهي الصوم الشرعي المعروف، ثم انظر كلمة (خلية) كيف يكون معناها في كتب الطب، ثم كيف يكون معناها في كتب الصناعة أو الزراعة مثلا؟
.
فالعودة إلى الجذر البدائي معناها إلغاء المصطلحات العلمية كلها، فهل أدركنا الفوضى المعرفية والعلمية التي يسعى إليها هؤلاء (التجديديون)؟
.
نعم إن الجذر (ع ر ب) يعني البيان والإفصاح، ومنه قولك: أعربت عن رأيي، لكنك إذا قلت:هذا كتاب عربي أو لسان عربي فأنت تقصد العربي المنسوب إلى العرب، وليس إلى مجرد البيان الذي قد يكون بأية لغة.
.
ثم لنسأل هؤلاء؛ إذا كان القرآن لم يأت بلغة العرب فلماذا كان العرب وحدهم هم الذين يفهمونه حتى المشركين منهم ولا يفهمه غيرهم إلا بعد الترجمة؟
.
ثم إن القرآن أكّد هذا المعنى المقصود بما لا يدع مجالا للبس، مثل قوله تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)
.
إن الباطنية حينما تسعى للفصل بين (القرآن) وبين (العربية) فإنما تسعى لهدم القرآن ولهدم العربية أيضًا، وإشاعة حالة من الفوضى في فهم الدين وكل علم مكتوب بالعربية، إضافة إلى النزعة الشعوبية الحاقدة على كل ما هو عربي.
إن العلماء والمفكرين عليهم اليوم مسؤولية كبيرة في فضح هذا العبث بحقائق الدين والعلم واللغة والتاريخ، خاصة بعد ما دخل هذا العبث في مؤسساتنا العلمية والإعلامية، والله المستعان.
.
اللهم قد بلغت
اللهم فاشهد
د محمد عياش الكبيسي
-
المنشور غير الصحيح هو:
*ماذا تعني كلمة عرب*
*ذكر أن كلمة ( عربي ) تعني التمام والكمال والخلو من النقص والعيوب وليس لها علاقة بالعرب كقومية* .
*فعبارة ( قرآنا عربيا ) تعني*
*قرآنا تاما خاليا من النقص والعيب*.
*و تفسير كلمة ( عربا ) - بضم العين و الراء وفتح الباء - والتي وردت كصفة للحور العين في قوله تعالى:*
( *فجعلناهن ابكارا ، عربا اترابا لاصحاب اليمين* ) فوصفت الحور بالتمام والخلو من العيب والنقص .
*أما ( الأعراب ) الذين ورد ذكرهم في القرآن على سبيل الذم ليسوا هم سكان البادية لأن القرآن أرفع وأسمى من أن يذم الناس من منطلق عرقي أو عنصري، ولو كان المقصود بالأعراب سكان البادية لوصفهم الله تعالى بالبدو كما جاء على لسان يوسف:*
( *وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي* )
*إذن من هم الأعراب؟*
*إن ألف التعدي الزائدة في كلمة الأعراب قد نقلت المعنى الى النقيض كما في ( قسط و أقسط )*
*قسط : ظلم*
*اقسط : عدل*
*عرب : تم وخلا من العيب*
*أعرب : نقص وشمله العيب*
*فالأعراب مجموعة تتصف بصفة النقص في الدين والعقيدة*
( *قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم* )
*فإن اللغة العربية التي هي لغة القرآن ليست لغة بشرية أصلا بل هي لغة السماء التي علم الله بها آدم الأسماء كلها ثم هبط بها الأرض وكانت هي لغة التواصل بين البشر*
*هذه هندسه اللغه الربانيه*
=============
هذا كلام جهل كذب، أبعد ما يكون عن الصحة.
بل تجرأ كاتبه وألف معانيٍ من عنده، ودون حياء غيير معاني كلمات من القرآن، وتبجح بأنه لم يذكر حتى مصدر واحد لا معجم لغوي ولا أي تفاسير القرآن.
1- (*ذكر أن كلمة ( عربي ) تعني التمام والكمال والخلو من النقص والعيوب): هذا كذب، وأين "ذُكر" هذا المعنى؟! ومن ذكره؟!
وعلى قوله هذا، فكل عربي بلا نقص ولا خلل ولا نقيصة وهو كامل؟!!
الكمال لله وحده، والعرب منهم المسلم ومنهم الكافر، ومنهم الصالح ومنهم الطالح، فليس لأحدٌ أن يدعي لجنس ما الكمال ولا حتى لواحد منهم، هذا وكأنه عنده نزعة اليهود أنهم شعب الله المختار أصحاب الدم السامي!!
2- (ليس لها علاقة بالعرب كقومية): العرب أمة من الناس ولا علاقة له بالقومية فعلاً، بل القومية بدعة فاسدة أطلقها دعاتها استبدالاً لمنهج الله عز وجل.
3- (فعبارة (قرآنا عربيا) تعني*قرآنا تاما خاليا من النقص والعيب*.): كذب، بل معناها كما جاء في تفسير ابن كثير: (إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون) وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس; فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات ، على أشرف الرسل ، بسفارة أشرف الملائكة ، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض ، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان ، فكمل من كل الوجوه. ا.هـ، وعلى مثل هذا المعنى تفسير الآية عند غيره من المفسرين.
4- (وتفسير كلمة (عربا اترابا) فوصفت الحور بالتمام والخلو من العيب والنقص): كذب. إنما معناها أبكاراً متغنجات يحسن الكلام والتبعل لأزواجهن.
5- (أما (الأعراب) الذين ورد ذكرهم في القرآن على سبيل الذم ليسوا هم سكان البادية لأن القرآن أرفع وأسمى من أن يذم الناس من منطلق عرقي أو عنصري): من حماقة هذا الذي كتب، أنه فسر القرآن بهواه وعلى عقليته العاجزة الدنية، التي فيه ذم الناس وسبهم بقولهم (أنت فلاح، أنت بدوي ...)، وكما تظهر بعض القصص الدنية ومقاطع الفيديو، من تصوير الأعرابي أنه لا يفهم أو يفعل ويقول أمور فيها غباء.
الأعراب هنا جاءت معرفة، إذ أن الآية كانت في أعراب من بني أسد بن خُزيمة، وقد أسلموا خوفاً ثم ادعوا الإيمان في وقتها، فأنزل الله عز وجل بيان أمرهم.
جاء في تفسير السعدي: يخبر تعالى عن مقالة الأعراب، الذين دخلوا في الإسلام في عهد رسول الله ﷺ، دخولاً من غير بصيرة، ولا قيام بما يجب ويقتضيه الإيمان، أنهم ادعوا مع هذا وقالوا: آمنا أي: إيمانًا كاملاً، مستوفيًا لجميع أموره هذا موجب هذا الكلام، فأمر الله رسوله، أن يرد عليهم، فقال: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} أي: لا تدعوا لأنفسكم مقام الإيمان، ظاهرًا، وباطنًا، كاملاً. {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: دخلنا في الإسلام، واقتصروا على ذلك. {و} السبب في ذلك، أنه {لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} وإنما آمنتم خوفًا، أو رجاء، أو نحو ذلك، مما هو السبب في إيمانكم، فلذلك لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم، وفي قوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} أي: وقت هذا الكلام، الذي صدر منكم فكان فيه إشارة إلى أحوالهم بعد ذلك، فإن كثيرًا منهم، من الله عليهم بالإيمان الحقيقي. ا.هـ
6- (ولو كان المقصود بالأعراب سكان البادية لوصفهم الله تعالى بالبدو كما جاء على لسان يوسف: ( *وجاء بكم من البدو)): كلام بالغيب كذب، وتقول على الله عز وجل، فلا يجوز أن يقل أحدهم أن الله فعل كذا أو كان سيفعل كذا دون نص قرآني أو حديث نبوي صحيح ثابت عن النبي ﷺ.
7- (*إذن من هم الأعراب؟* *إن ألف التعدي الزائدة في كلمة الأعراب قد نقلت المعنى الى النقيض كما في ( قسط و أقسط )* *قسط : ظلم*
*اقسط : عدل* *عرب : تم وخلا من العيب* *أعرب : نقص وشمله العيب*): هذا كله كلام خرف.
أ- كذب في قاعدة نحوية: اسمها همزة التعدية وليست ألف التعدي، ويكون هذا في الأفعال وليس في الأسماء واسمها بالنحو " تعدية الفعل" وتكون بالهمزة أو التضعيف. حتى المثال الذي أتى به كان فعل.
ب- قَسْط: ظلم (بفتح القاف وهو اسم)، قِسْط: عدل (بفتح القاف وهو اسم).
قَسَطَ: ظَلَمَ (هو فعل)، أقسط: عدل (وهو فعل).
فيتبين لنا هنا مدى تدليسه وجهله، فحتى لم يكتفي أنه دلس أو جهل قاعدة نحوية وزورها بل حتى المثال الذي أتى به دلس فيه وقارن بين فعل واسم ليثبت كذبه.
8- (فالأعراب مجموعة تتصف بصفة النقص في الدين والعقيدة): هنا ناقض نفسه، إذ أنه ادعى أولاً (نقطة 5) أنه لا يصح ذم الناس عرقياً أو عنصرية، ثم هو يعود ويوصم الأعراب كمجموعة ناقصة في الدين والعقيدة لكن كل ما في الأمر نقل الوصم من البدو لغيرهم. والقرآن الكريم أصلاً ما جاء فيه لفظة الأعراب كذم. بل حتى أن اللفظ جاء -كما سبق بيانه- معرفاً، فقيد الكلام بمجموعة معينة من الأعراب، وهو جعل كلمة الأعراب ذم ثم جعل الذم على كل الأعراب، بل وزاد أن فسر هذا الذم بأنه نقص في الدين والعقيدة؛ وقوله أصلاً نقص في الدين والعقيدة دليل جهل، فالعقيدة من الدين.
9- (فإن اللغة العربية التي هي لغة القرآن ليست لغة بشرية أصلا بل هي لغة السماء التي علم الله بها آدم الأسماء كلها ثم هبط بها الأرض وكانت هي لغة التواصل بين البشر):
أ- لغة القرآن لغة بشرية، ولكنها أفضل اللغات، فنزل أفضل كتاب لأفضل شريعة بأفضل لغة.
ب- لا يثبت أن اللغة التي علم الله بها آدم الأسماء أنها اللغة العربية، وقيل أنه تعلم الأسماء بكل اللغات وقيل خلاف ذلك ولا قول راجح ولا ثابت في هذا.
ت- لا يثبت أن لغة التواصل بين البشر كانت اللغة العربية، خاصة أنه ثبت أن سيدنا إسماعيل تعلم اللغة العربية من قبيلة مجاورة ثم ألهمه الله اللغة العربية الفصحى.
جاء في فتاوى الإسلام سؤال وجواب: ثبت أن قبيلة جرهم كانت تتكلم العربية قبل إسماعيل عليه السلام، بل منهم تعلم إسماعيل عليه السلام العربية .
روى البخاري (3364) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم - في قصة إسماعيل وهاجر عليهما السلام - قال: (... فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإِنْسَ، فَنَزَلُوا - بعنب جرهم - وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الغُلاَمُ وَتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ)
فإن صح الأثر أن إسماعيل عليه السلام أول من نطق بالعربية ، فالواجب حمله على معنى لا يتعارض مع ذلك .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "رَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي النَّسَبِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ فَتَقَ اللَّهُ لِسَانَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُبِينَةِ إِسْمَاعِيلُ" .
وَأَوَّلِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْبَيَانِ؛ لَا الْأَوَّلِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، فَيَكُونُ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ أَصْلَ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ جُرْهُمٍ، أَلْهَمَهُ اللَّهُ الْعَرَبِيَّةَ الْفَصِيحَةَ الْمُبِينَةَ فَنَطَقَ بِهَا" انتهى.
فتح الباري (6/ 403)
وقال العيني رحمه الله: "الْمَعْنى: أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ من أَوْلَاد إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَن إِبْرَاهِيم وَأَهله كلهم لم يَكُونُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فالأولية أَمر نسبي، فبالنسبة إِلَيْهِم : هُوَ أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ ، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى جرهم". انتهى. عمدة القاري (15/ 258). ا.هـ
10- (هذه هندسه اللغه الربانيه): لا يجوز نسبة أي شيء لله عز وجل إلا ما نسب الله لنفسه. فهذا قول باطل أن اللغة ربانية، وإضافة الهندسة لما أضيف لله زوراً أصلاً، هو زور في حد ذاته.
11- توصلت لأصل هذا الكلام وهو عن أحد المهرطقين الذين يسقطون كل أهل السنة وكل التفاسير وكل أهل العلم. مستبدلاً إياهم بحفنة ساقطين.
- حين كتبت له واحدة من متابعيه: (الآن بعد أن تركت الموروث و أدرت ظهرى لكل ما تعلمته من شيوخ السنة و افتاءات الازهر .كيف احصل على منهج واضح اتبعه فى تفاصيل الحياة .اعنى من يفتينى فى تسيير امور الحياة الان ..حياتنا يسيرها الموروث ..وليس باستطاعة كل شخص ان يستنبط وحده مراد الله و احكامه من القرآن .سيدى انا الان لا اتبع مذهب السنة و لكن لا اعرف كيف اكون مسلمة حق فليس امامى طريق واضح فمن يقنن الجديد؟)
فكان رده عليها: (التوازن بين احساس وعواطف الفطرة النقية مع حكمة العقل المتجرد حين يخضعان للروح المنفوخ فينا، سيصنع الالهامات التي سيرسلها الله لكِ، فالكون يتحكم به رب حي قيوم وسيرسل لك الطير برساله فانتبهي لها او قد يرسل لك ارقام او شخص او منشور في فيس او محاضره في اليوتيوب).
وبعيداً عن هرطقاته، فقد جعل مجرد منشور في فيس أو مقطع فيديو يغني عن الأخذ عن أهل العلم والسلف. فضلاً عن قوله (أرقاماً) فلعله يرمي إلى شيء ما أو اعتقاد عنده من هرطقاته التي يؤمن بها.
12- معاني الكلمات الصحيحة:
-----------------------------
1- كلمة عرب:
أ- مختار الصحاح: ع ر ب: العَرَبُ جيل من الناس والنسبة إليهم عَرَبِيٌّ وهم أهل الأمصار.
ب- معجم المعاني الجامع: العَرَب: أُمة من الناس سامية الأصل، كان منشؤها شبهَ جزيرة العرب.
ت- المعجم الغني: عَرَبٌ: أُمَّةُ الْعَرَبِ: أُمَّةٌ السَّامِيِّينَ، مَنْشَؤُهُمْ بِشِبْهِ الْجَزِيرَةِ، وَانْتَشَرُوا مِنَ الْخَلِيجِ إِلَى الْمُحِيطِ بَعْدَ الْفُتُوحَاتِ الإِسْلاَمِيَّةِ .
(وبمثل هذا المعنى في بقية معاجم اللغة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- كلمة عربي:
أ- المعجم اللغة العربية المعاصر: عربيّ: جمع عَرَب:
- اسم منسوب إلى عَرَب.
-- مكتوب بلغة عربيَّة فصيحة بيِّنة: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا}.
--- كلُّ مَنْ يتحدَّث العربيّة.
(وبمثل هذا المعنى في بقية معاجم اللغة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- كلمة عُرُب:
أ- المعجم كلمات القرآن: عُرُبا: متحبّبات إلى أزواجهنّ.
(وبمثل هذا المعنى في بقية معاجم اللغة).
ب- في تفسير الطبري:
- عن ابن عباس (عُرُبًا) قال: المَلَقَة، وقال: العواشق، وقال: العُرب المتحببات المتودّدات إلى أزواجهنّ.
- عن الحسن، قال: العرب: العاشق.
- عن سماك بن عكرِمة قال: هي المغنوجة. وقال: غِنجات.
- عن تميم بن حذلم، قوله: ( عُرُبًا ) قال: حسن تبعُّل المرأة.
- عن أُسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه ( عُرُبًا ) قال: حسنات الكلام.
- عن مجاهد (عُرُبًا) قال: العُرُب: العواشق.
(وبمثل هذا المعنى في تفسير ابن كثير والقرطبي والبغوي والسعدي).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- كلمة أعراب:
أ- مختار الصحاح: الأَعْرَابُ منهم سكان البادية خاصة والنسبة إليهم أعْرَابيُّ وليس الأَعْرَابُ جمعا لعرب بل هو اسم جنس.
ب- معجم المعاني الجامع: أعْرابُ: (اسم)، الجمع: أعاريبُ، مفرد أعرابيّ. وهم سُكَّان البادية من العَرَب خاصّة الذين يتتبّعون مساقطَ الغيث ومنابتَ الكلأ.
ت- المعجم الغني: أَعْرابٌ: جمع: أعاريبُ. سُرعانَ ما عادَ الأعْرابُ إلى بادِيَتِهِم فَهُمْ لَمْ يَأْلَفُوا حَياةَ الحاضِرَةِ :- : سُكَّانُ البادِيَةِ . :- كانَ الأصْمَعِيُّ يَجْمَعُ اللُّغَةَ مِنَ الأعْرابِ.
(وبمثل هذا المعنى في بقية معاجم اللغة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- كلمة أعرب:
أ- المعجم المعاني الجامع:
أَعْرَبَ: (فعل) أعربَ / أعربَ عن يُعرب ، إعرابًا ، فهو مُعرِب ، والمفعول مُعرَب
أَعْرَبَ فلانٌ : كان فصيحًا في العربيّة وإِن لم يكن من العَربِ
أعرب كلامَه : كشفه ، بيَّنه وأوْضَحه ، أتى به وَفْق قواعد العربيَّة أعرب خطابَه ... إلى آخره.
- المعجم الوسيط: أَعْرَبَ: أَعْرَبَ فلانٌ : كان فصيحًا في العربيّة وإِن لم يكن من العَربِ .
- معجم الرائد: أعرب: «هو أعربهم لساناً»: أخلصهم في اللغة العربية وأفصحهم.
(وبمثل هذا المعنى في بقية معاجم اللغة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والله أعلى وأعلم