يجوز استعمال بخاخ الربو في نهار رمضان، ولا أثر له على الصوم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرخ الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن السؤال عن حكم الفطر ببخاخ الربو كثير جدا، وذلك أن الذين يحتاجون إليه يستعملونه في نهار رمضان، وغالبا يتعذر تأخير استعماله إلى الليل، ومن ثم دعت الحاجة إليه.
وبخاخ الربو عبارة عن عبوة مضغوطة تحتوي على الماء وغاز الأكسجين والمواد العلاجية، التي يقصد أن تصل إلى الجهاز التنفسي، والنسبة الكبرى فيها للماء، والباقي للأكسجين والمواد العلاجية.
وقد اختلف أهل العلم المعاصرون في كونه مفطرا، والراجح عدم الفطر به، بناء على كون الأصل صحة الصيام، ولا ينقل عنه إلا بيقين، فهذه المادة التي يحتوي عليها البخاخ تذهب إلى الجهاز التنفسي، ووصول شيء منها إلى المعدة أمر مشكوك فيه، وثبوت الصوم يقين فلا يزول بالشك، وعلى فرض أن جزءًا من هذه المادة وصل إلى المعدة، فإنه قدرٌ يسيرٌ يعفى عنه.
ومما يقوي القول بعدم الفطر به قياسه على أمرين:
الأول: ما يبقى بعد المضمضة، فإن المتخصصين يقولون: إن الماء الواصل إلى المعدة بعد المضمضة أكثر مما يصل إليها إذا استنشق هذا البخاخ، وقد قام دليل الشرع على وجوب المضمضة في الوضوء، ولم ينقض الصوم بالإجماع.
الثاني: القياس على ما يمكن أن يصل إلى المعدة من جراء استعمال السِّواك، وقد ثبتت السنة باستحباب السواك أثناء الصيام.
وهذا القول ذهب إليه جمع كبير من أهل العلم المعاصرين؛ وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي في جلسته المنعقدة في دورة مؤتمره العاشر بجدة بالمملكة العربية السعودية، خلال المدة من 23 إلى 28 صفر 1418هـ، والله الموفق.
>>>>>>
>>>>>>
بخّاخ الربو
هل يَفسد الصوم باستعمال بخاخ الربو؟ هذه مسألة حادثة لم يبحثها القدماء لأنها لم تكن في زمانهم، وقد اختلف فيها أهل العصر على رأيين، أصحّهما -لتأييده بالأدلة الطبية والشرعية- أن هذا البخاخ لا يُفطر.
هذا هو رأي أبي زهرة والقرضاوي وابن باز وابن عثيمين، واختارته اللجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، جاء في فتواها المنشورة: "دواء الربو الذي يستعمله المريض استنشاقاً يصل عن طريق القصبة الهوائية إلى الرئتين لا إلى المعدة... والذي يظهر عدم الفطر باستعمال هذا الدواء استنشاقاً، لما تقدم من أنه ليس في حكم الأكل والشرب بوجه من الوجوه".
وهو الرأي الذي اعتمدته "الندوة الفقهية الطبية التاسعة" التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت سنة 1997، وجاء في قرارها المعلَّل ما يلي:
إن الرذاذ الذي ينفثه بخاخ الربو عبارة عن هواء حدوده الرئتان ومهمته توسيع شرايينهما وشُعَبهما الهوائية التي تضيق بالربو. والأصل في هذا الرذاذ أنه لا يصل إلى المعدة، فليس أكلاً ولا شرباً ولا هو في معناهما. ولأنه لو دخل شيء من بخاخ الربو إلى المريء ثم إلى المعدة فهو قليل جداً، فالعبوة الصغيرة التي أعدت لمئتَي بَخّة تحتوي على عشرة مليلترات من الدواء السائل، أي أن البخة الواحدة تستغرق نصف عشر مليلتر، وهذا شيء يسير جداً. ولأنه لمّا أبيح للصائم المضمضة والاستنشاق مع بقاء شيء من أثر الماء يدخل المعدة مع بلع الريق فكذلك لا يضر الداخل إلى المعدة من بخاخ الربو قياساً على المتبقي من المضمضة.
وبالقياس على استعمال السواك، فقد ذكر الأطباء أن السواك يحتوي على ثمانية مواد كيميائية، تقي الأسنان واللثة من الأمراض، وهي تَنْحَلّ باللعاب وتدخل البلعوم، وقد جاء في صحيح البخاري معلقاً (ووصله عبد الرزاق عن عامر بن ربيعة) قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي". فإذا كان قد عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة لكونها قليلة وغير مقصودة فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو، يعفى عنه للسبب ذاته. كما أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو ليس أمراً قطعياً بل هو مشكوك فيه، فقد يدخل وقد لا يدخل، والأصل صحة الصيام وهو اليقين فلا يزول بالشك.