فتوى حول عدم جواز تسمية أحزاب سياسية باسم الإسلام الصريح...
أ.د. محسن عبدالحميد مفكر وداعية إسلامي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين..
أ.د. محسن عبدالحميد مفكر وداعية إسلامي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين..
لا يجوز أن يسمى حزب باسم (الحزب الإسلامي) وإنما يمكن أن تؤسس أحزاب بأسماء معاصرة وبمرجعية إسلامية، أي أن تلك الأحزاب يمكن أن تصوغ مناهجها لتحقيق التنمية والتقدم دون مخالفة الأصول والقواعد والمقاصد العامة في الشريعة الإسلامية
ومن هنا فإني أستعين بالله تعالى في إبداء رأيي من خلال الأدلة الآتية:
1- إن حمل اسم (الإسلام) في صراعات زماننا المعقد، والشاردة عن الدين عقيدة وشريعة وأخلاقاً، تبنى عليه مآلات خطيرة جداً، لأن الإسلام وحي إلهي، فتعريضه إلى الاجتهادات البشرية اليومية من لدن حزب سياسي في إطار تلك الصراعات فيه ضرر كبير عليه. إذ يفهم الناس أن تلك الاجتهادات هي الدين نفسه، لأنها صادرة من حزب إسلامي، مما يؤدي الأمر إلى الاستهانة بهيبة الإسلام وفقدان الاحترام لها في نفوس الناس من خلال الصدامات الفكرية المستمرة المتشابكة، ومن المعلوم أن مراعاة المآلات في تنفيذ الحكم الشرعي من القواعد المعروفة في مقاصد الشريعة.
2- إن الإسلام يجب أن يبقى سقفاً عاماً لجميع المسلمين مهما اختلفت الظروف الزمانية والمكانية، والأحزاب العلمانية تقر بذلك من حيث العموم، على الرغم من تجاوزاتها لأحكام الشريعة جهلاً أو قصداً، فالصراع السياسي اليومي لا يوقف تلك القضية عند العلمانيين بل يؤججها، إن لم يبعدها أكثر في مواقفها اللادينية، فحينئذ العلماء الشرعيون هم الذين يحاسبونها بأنها خالفت الدين الذي لا ينكر العلمانيون الانتماء إليه والإيمان به من حيث الإجمال.
3- إن اجتهادات الحزب الدنيوية في ظل تسمية الإسلام في أمور الحياة عبارة عن الاستنباطات من نصوص جزئية كثيرة لاستخراج القواعد الكلية في ضوء أصول ومقاصد الشريعة، غير أن هذه القضية لا يفهمها إلا المختصون، فالمنتمون إلى الأحزاب وعوام الناس قد يرفضونها في حومة الصراعات الحزبية، فوجود اسم الإسلام على الحزب لا يحول بينهم وبين التآمر عليه والنيل منه ومن قادته ومن سياساته.
4- إن إدعاء أي حزب إسلامي بأنه إسلامي- لا سيما في زمن السقوط والفتنة، فيه نوع استعلاء على المسلمين الآخرين، كأن قادة الحزب يقولون للناس أنتم لستم مسلمين، دون أن يقصدوا ذلك مما يؤدي إلى ردود أفعال عند كثير من المنتمين إلى الأحزاب الدنيوية ويحملهم على عداوة الإسلام نفسه تدريجاً في حومة الصراعات المصلحية من حيث يقصدون أو لا يقصدون.
5- إن الأخطاء السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي يقع فيها حزب إسلامي ويرفضها الآخرون نتيجتها تسري إلى الاعتقاد بأن الإسلام لا يستطيع رفد المجتمع بالحلول الناجعة. ها هم الإسلاميون لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً في إصلاح المجتمع. إذن لابد من اللجوء كما يزعمون إلى المذاهب العلمانية، لا سيما أن الصراع دائماً في العالم الثالث يؤدي إلى رفض أفكار الآخرين ولو كانت إسلامية.
6- إن الفهم المنحرف لكثير من الجماعات والأحزاب الإسلامية، من حيث عدم الرسوخ في فهم الشريعة مع عدم التعمق في متغيرات الحياة المعقدة ينتهي في كثير من الأحيان إلى اصطناع الصدامات الدموية، بل إلى إرهاب المجتمع كله. وقد أساء هذا المنهج السقيم إلى سمعة تلك الأحزاب وبالتالي إلى سمعة الإسلام (انظروا ماذا يحصل باسم الإسلام من سفك الدماء في الجزائر ومصر والصومال واليمن والعراق والمغرب وباكستان وأفغانستان وأندونيسيا وغيرها) وكل هذه الحركات والأحزاب تحمل أسماء إسلامية لا سيما الحزب الإسلامي.
7- إن المنتمين إلى أي حزب في هذه الدنيا هم أفراد من مجتمعهم، فمنهم المخلصون لمبادئهم في خدمة أهداف شعبهم، وهم قلة دائماً ومنهم النفعيون والانتهازيون الذين يستغلون فرصة وجودهم في الحزب لاقتطاع المنافع والتزاحم على المكاسب، ولا يمكن أن يستثنى أي حزب إسلام من ذلك، إذ هو يحمل بعض الأمراض البشرية، فالنفعية والانتهازية والتدافع على المصالح لا يندر بين المنتمين إليه، وقليل من الخبث الباطن والظاهر يفسد كياناً كاملاً، والناس لا ينتبهون إلى الأحزاب العلمانية بقدر ما يراقبون الأحزاب الإسلامية في كل صغيرة وكبيرة، فسلوك المنحرفين والانتهازيين فيها يؤثر في سمعة الإسلاميين عند الناس، فكثير ما سمعنا الناس يقولون بالحق وبالباطل (أي حزب إسلامي هذا الذي يمثله هؤلاء الناس).
ولكي نبعد الإسلام النظيف الصافي عن مثل هذه المطاعن، لا يجوز لنا أن نعرض اسمه الشريف إلى الهجوم تحت مظلة تسمية الأحزاب بالإسلامية في الوقت الذي نستطيع أن نصل إلى ما نريد بغير هذا الطريق، لا سيما في زماننا المضطرب.
ونستطيع أن ندلل على ذلك ببعض القواعد الشرعية مثل: دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة. فالمفسدة التي حصلت وتحصل من إطلاق اسم الاسم الإسلامي على حزب سياسي أكبر بكثير من المصلحة التي نحققها من وراء ذلك.
ومثل: المقارنة بين مصلحتين أيهما أولى بالأخذ، فمصلحة تأسيس الأحزاب بأسماء مدنية وبمرجعية إسلامية أكبر بكثير من مصلحة تسمية تلك الأحزاب بالإسلامية.
وكذلك قاعدة النظر بين مفسدتين أيهما أولى بالترك فلا شك في رأيي أن المفسدة الكبرى التي تنتج من تسمية الأحزاب بأسماء إسلامية أولى بالترك، هذا زيادة على ما ذكرنا من المآلات الخطيرة التي تترتب على ذلك.
8- إن الواقع السياسي في كثير من البلاد الإسلامية واقع علماني وقد يتجاوز العلمانية الحيادية إلى اللادينية، وحينئذ لن يسمح المسيطرون على الحكم أو مغتصبوه بقيام أحزاب بأسماء إسلامية من خلال الدساتير التي فرضوها على شعوبهم، فحينئذ يضطر هؤلاء الإسلاميون إلى العمل السري، وفي أحسن الأحوال إلى العمل شبه العلني، فيؤدي إلى الصدام بينهم وبين مراكز القوى التي يعتمد عليها هؤلاء الحكام، فتبدأ تلك المراكز بالاعتقالات والإضطهاد وعدم السماح لهم بالحرية بدعوى أنهم يزاولون عملاً غير شرعي مخالف للدستور فدفعاً لهذه الحجج المزيفة، لابد من إبعاد الأحزاب السياسية عن استعمال الأسماء الإسلامية، حتى تستطيع العمل تحت مظلة المشروعية الدستورية، وقطع تلك الحجج الباطلة في إعاقة عملهم السياسي.
وقد يقول قائل: ما العمل إذن؟ أنترك العمل للإسلام والدعوة إلى الالتزام بشريعته ونشر التدين بين أبناء الشعب العراقي بهذه الحجج؟ أنلغي التنظيمات الإسلامية في عصر التنظيمات، أقول كلا ثم كلا. إذ كيف يمكن للمسلم الداعية الواعي بأوضاع أمته ترك العمل للتمكين للإسلام وإعلاء شأنه وصياغة الأمة في ضوء مبادئه.
ولكن لكل ظرف أسلوبه، ولكل تغير في الحياة مواجهته، ولكل تحد استجابته، فعندما نعلم أنه توجد مواجهة حقيقية من قوى عالمية للإسلام ودعاته، بيدها القوة والسلطة والمآل والعلم وخطط التآمر وتحريك حكام المسلمين، وتياراتهم الفكرية والسياسية ومؤسساتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية في وسط شعوب إسلامية متخلفة جاهلة، لا يهمها أمر إسلامها وتطبيق شريعته. لابد لنا أن نتحرك ولو في إطار نظام عولمي كاسح يسيطر على مئات الأقمار الصناعية الفضائية التي تبث مخططات شياطين الإنس والجن إلى أجنحة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ولكن بوعي وذكاء.
إذن في هذه الحالة علىّ أن أفكر في كيفية مواجهة الطوفان المعادي لكل ما هو إسلامي من عقيدة وشريعة وأخلاق وحضارة وتاريخ؟ وكيف أحمي دعوتي وإخواني من شرور دهاقين التخريب والتدمير في الداخل والخارج.
وقد أدرك إخوان لنا في بعض البلاد العربية هذه الحقيقة وهي العمل والحركة والتنظيم تحت عناوين مدنية بمصطلحات معاصرة ولكن بمرجعية إسلامية، فحزب العدالة والتنمية في المغرب وتركيا وحركة مجتمع السلم في الجزائر والنهضة في تونس وتجمع الإصلاح في اليمن تقدمت إلى المجتمع بمناهج تنموية موزونة دون ذكر الأسماء الإسلامية.
ومن هنا أدعو إلى تغيير أسماء الأحزاب الإسلامية وتبديلها بأسماء عصرية محببة إلى النفوس، تحمل معاني العدل والفضيلة والوطنية الحقيقية وبمرجعية إسلامية متنورة في حدود ضوابط الشريعة الإسلامية على الوجه الآتي:
أ- برامج الحزب تكون موافقة للإسلام، محققة لتنفيذ مبادئه في تحقيق العدل والحرية المنضبطة وحقوق الإنسان وحل مشكلات التنمية وإصلاح أوضاع المرأة والانحياز الواعي لنصرة المظلومين والتقدم العلمي المعاصر، وغير ذلك من مظاهر تحولات العصر الحديث وأوضاعه المعروضة في المؤسسات الثقافية والإعلامية.
ب- عرض آراء الحزب ومناهجه وبرامجه المرحلية على العلماء الصادقين الراسخين في معرفة علوم الشريعة والفاهمين لحركة الحياة المتنوعة المتطورة، من أجل الانزال الصحيح للنصوص الشرعية على وقائع الحياة والأمور المستجدة.
كل هذا يجري في ظل نظرية الظروف الطارئة في الشريعة الإسلامية التي نحن اليوم بأمس الحاجة إلى تطبيقها في هذا العصر.
أما لماذا ظروفنا طارئة؟
1- لأن قيادة العالم العسكرية والفكرية والعلمية والمالية والاجتماعية والإعلامية ليست بيد المسلمين وإنما بيد غيرهم من أرباب المذاهب المادية واللادينية في الحضارة المعاصرة ومراكزها السرية والعلنية.
2- إن هذا العالم القوي ليس مسالما لنا بل هو معاد لنا في ظل نظرية صراع الحضارات، يخطط للقضاء على أية نهضة إسلامية حقيقية.
3- توجيه سياسات العالم الإسلامي عن طريق السيطرة على الحكام ومواقع القرار ومراكز القوى الأمنية، للحيلولة دون تغيير حقيقي تقودها الشعوب الإسلامية المقهورة تحت عجلة الأقصاء والإضطهاد والطغيان.
4- يساعد على ذلك الغياب عن الوعي عند معظم المسلمين، لأن تدينهم تدين تقليدي، ليس تديناً ربانياً حقيقياً.
5- معظم النخبة في العالم الإسلامي علمانيون أو لا منتمون، ينتجون أفكار الغرب المعادي للمسلمين، ولذلك لم يستطيعوا في قرون النهضة الحديثة قيادة الأمة إلى تنمية إسلامية حضارية متقدمة شاملة، لأنهم يواجهون أفكار الغرب بأفكار الغرب نفسه.
فالعمل الإسلامي لتنمية العالم الإسلامي وإعادة زمام المبادرة في التوجيه والإطلاع لابد أن يكون متدرجاً ومخططاً تخطيطاً ذكياً يجمع بين الرسوخ في فهم الشريعة والمعرفة الدقيقة لتطور مجتمعنا والمجتمعات العالمية ومواقف السياسات المعادية تجاهنا، لا سيما أن إنتشار العنف الدموي باسم الإسلام قد ألحق بنا أضراراً بالغة في العالم كله.
وقد يقول قائل:
إذا أنشأنا حزباً سياسياً بغير اسم الإسلام، وعمل هذا الحزب في حل قضايا المجتمع، ودخل في أتون الصراعات السياسية اليومية، فمن الذي يحمل هموم الدعوة إلى الإسلام ونشر التدين الصحيح في المجتمع وصياغة الفرد والأسرة والجماعة صياغة إسلامية واعية.
أقول :
من الممكن أن نصل إلى هذه الأهداف النبيلة عن طريق تأسيس الجمعيات الإسلامية المتنوعة ذات الاختصاصات المتعددة التي تصب جهودها في العملية الدعوية لإنشاء جيل مسلم يمكن أن يرفد الحزب المدني ذا المرجعية الإسلامية، بل يمكن أن يرفد حتى الأحزاب العلمانية بشخصيات طاهرة نظيفة، مؤمنة، تقود تلك الأحزاب تدريجياً إلى الاقتراب من الهوية الإسلامية وعدم مخالفة القواطع الإيمانية والتشريعة.
وبهذا الأسلوب يمكن أن ننتهي في النهاية إلى إدراك مفهوم وحدة الأمة الواحدة المصطفاة، فينتهي الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين الذي كان سبباً أساساً من أسباب تأخر الأمة في العصر الحديث.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين