الثلاثاء، 16 يونيو 2020

همسات إلى الصحوة الإسلامية

كتاب قيم ونادر تم تحويله من بي دي اف الى ورد فيه اخطاء املائية صغيرة  يرجى الانتباه ... 

حیدر قفه 

همسات إلى الصحوة الإسلامية 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله ، القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فالصحوة الإسلامية بين الناس عمومة ، والشباب خصوصا حقيقة واقعة عشت العالم كله، فا تجد بقعة من بقاع الأرض إلا وفيها من يقول : (لا إله إلا الله ) إن بصوت مرتفع يسمع الناس من حوله ، وإن بصوت منخفض لضعف الإمكانات، وقلة النصير، وتحسبا لكيد الأعداء، وتربص جنده إبليس اللعين من الإنس والجن

وهذه الصحوة المباركة أخذت تظهر بشكل واضح في كثير من بقاع الأرض، مما يبشر بزوغ فجر جديد للحياة مشرقة نظيفة، بعد التيه والضياع الذي عاشه الناس نتيجة لتمزقهم بين التيارات الفكرية المتباينة، والأمواج الحضارية المختلفة، مما أحدث عندهم نوعا من البلبلة والتمزق الحاد.

وهذه الصحوة المباركة التي ينتظر منها أن تخلص عالمنا العربي

والإسلامي من حالة المرات التي تعيشها المنطقة وشعوب المنطقة ، التنشيء مجتمعات قوية نظيفة، يحكمها الإسلام وقيم الإسلام، لن تترل وشأنها، لأن أعداء الأمة من الأجانسية في الخارج وتلاميذهم في الداخلي لن يرضيهم التحول إلى النور أو إلى الأفضل، لأن بقاء الأوضاع كما هي يخدم مصالحهم الخاصة. وكل ما يتعارض مع مصالحهم الخاصة سيقاومونه بكل قواهم، حتى لو كان فيه خير الأمة ومصلحتها وسعادتها۔

ولما كان نهوض هذه الأمة من كبوتها، ومن سباتها العميق ، يقلق الأعداء في الخارج، لأنه يعني بالنسبة لهم عدم السيطرة على هذا العالم - العربي والإسلامي - بأرضه وناسه ؛ كان لا بد لهم من تجنيد قوتهم المادية والبشرية والعلمية، مستعينين ببعض التفعيين من أبناء الأمة ذاتها لضرب هذه الصحوة، أو إجهاضها، أو تهميشها.

ولا غرو أن تجد دولة عظمی كأمريكيا مثلا -- تجند إمكاناتها لرصد الصحوة الإسلامية في كل بلد عربي وإسلامي أو غيرهما من البلدان، بعد أن غزتهم هذه الصحوة في أمريكيا ذاتها. ولذا نجد بعض الكتاب والمفكرين يعكفون على عمل دراسات عن الحركات الإسلامية ، وينالون بها الدرجات العلمية كالماجستير والدكتوراة ،

كل ذلك بتكليف ونفقات وزارة الخارجية الأمريكية، والمخابرات المركزية الأمريكية (1) ونجد أناسة من أبناء هذه الأمة العربية

 

(1)

كالدراسة التي قام بها ريتشارد پ. ميتشل عن الإخوان المسلمين.

والإسلامية ، يحرصون على جمع كل ما ينزل الأسواق من كتب ومجلات وجرائد صحف ودوريات ونشرات، لتزويد مكتبات معينة في أمريكيا بالذات، أو بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان، وتجد في هذه المكتبات كل ما تود رؤيته، حتى تلك الكتب والمطبوعات الممنوعة التي لا تجدها في بعض البلدان الإسلامية والعربية، جهلا من السلطات أو تعصبة مقيتة من بعض المسؤولين، تجدها في مكتبة الكونجرس أو الكرملن أو وزارة الخارجية الأمريكية أو المخابرات المركزية الأمريكية ... الخ فماذا تعني هذه الأمور؟!

وقد يثيرك العجب إن علمت أن بعض هذه الدوائر الأجنبية تعلم عن أمتنا، وعن رجالها أكثر مما نعلم نحن !! لا لإمكاناتها وقدرتها فقط ، ولكن لجهلنا وانشغالناس أو إشغالناس بالتافه من الأمور.

ولذلك لا نجد عجية إذا سمعنا أن وزارات الخارجية في كل من أمريكيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وریا غيرها، طلبت كل منها من سفرائها في الدول العربية والإسلامية، ومساعدة من أعوان لها في الداخل، رصد الحركات الإسلامية ، وكتابة تقارير عنها وعن رموزها وقياداتها.

وبعد كتابة هذه التقارير، ورصد الحركات الإسلامية، ومراقبة الصحوة الإسلامية ، لا بد من عملي دراسة شاملة للمنطقة ولسكانها ، القصد منها توجيه ضربة للصحوة الإسلامية للقضاء عليها أو إجهاضها أو تهميشها -- کا قلت سابقا - حتى تبقي المنطقة كلها، بأرضها

_

وناسها تحت مظلة أعداء هذه الأمة من الشرق والغرب (1).

وإذا كان هذا هو الهدف الذي تسعى إليه هذه الدول بمساعدة بعض أبناء هذه الأمة في الداحل، تحت أسماء ولافتات شتى متنوعة ، تجدهم أيضا يسعون إلى هدفهم باستغلال بعض السلبيات التي تظهر من بعض شباب الصحوة الإسلامية ذاتها، لضربها من الداخلي وبنفس هذه الأخطاء ذاتها.

ومن هذه الأساليب الماكرة، التي درست بعناية فائقة، استغلال بعض الوقائع الصغيرة، التي حدثت من بعض أفراد الصحوة ، وتجسيمها وتكبيرها حتى تبدو في حجم الجبال، ثم يكرون على

(1)

نشرت جريدة المسلمون الدولية التي تصدر من جدة في عددها رقم ۱۹۱ الصادر بتاريخ 11 رجب سنة 1408 ه الموافق 4 مارس ۱۹۸۸ م تحت عنوان «دراسة سرية عن المد الإسلامي تمدها السوق الأوربية » قالت فيه: بدأت دولة السوق الأوربية المشتركة إعداد دراسة عن الة الإسلامي في الشرق الأوسط تتضمن الدراسة تركيزة شديدة على الأصولية الإسلامية وانعكاساتها على الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط. صرحت مصادر السري الأوربية في بروكسل بأنه سوف يشارك في أعداد هذه الدراسة عدد من الخبراء والمسؤولين الأوربيين المعنيين مباشرة بمتابعة شؤون الشرق الأوسط وملف «المد الإسلامي». وأضافت هذه المصادر أن قرار عدد هذه الدراسة اتخذ بعد أن اكتشفت قيادات السوق الأوربية أن عدة دول أوربية لا تملك صورة واضحة وحقيقية بشأن هذه القضية وأبعادها وانعكاساتها السياسية والاقتصادية على أوربا الغربية، ومدى تأثيرها على تطور الأوضاع في الشرق الأوسط

الدراسة ستنشر بشكل سري وتوزع على الأعضاء فقط في دول السوق الأوربية المشتركة، مما يدل على مدى الاهتمام المريب يتقصي حقائق أوضاع «الدول الإسلامية 8 أيه الخبر المنشور في الصفحة الأول من المسلمون -

جهاد

الصحوة من جديد، شانئين مشنعين مشهرين، حتى تبدو الواقعة التافهة كأنها خط فكري أو سلوکی لدى الصحوة الإسلامية ، أو لدی الإسلام نفسه ، تخدمهم في ذلك عوامل عدة منها:

أ- غفلة شباب الصحوة أحيانا عما يراد بهم .

ب - سيطرتهم على وسائل الإعلام.

ج - القهر الذي تمارسه بعض المؤسسات الإعلامية والرسمية

التي يقوم عليها بعض أتباعهم وتلاميذهم. ا د ضعف إمكانات المسلمين المادية أمامهم.

IF

ولكن الله غاليه على أمره، وما يعلم جنود ربك إلا هو، فمن كان يظن أن هذه الصحوة المباركة ذاتها تولد من رحم الاضطهاد الهمجي اليشع الذي مورس ضد الإسلام والمسلمين وعلماء الإسلام في أكثر من بقعة من بقاع العالم الإسلامي، حتى خيلى للناس أن الظلام نعم، ولا أمل في بزوغ الفجر أبدا إلى قيام الساعة ، وإذا قدرة الله تعالي تتجلى فتقول للناس بلسان الحال: ها هي الحركات الإسلامية تضر وتشرد و يقتل أبنائها ورجالا وعلماؤها، حتى إذا أصاب بعض الناس اليأس والقنوط واستسلموا جاءهم البشير: (حتى إذا استيأس ألرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا، فتجي من نشاء ، ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) [يوسف: ۱۱۰ ليعلم الناس جميعا، أن النصر بيد الله وحده، وأن بقاء الإسلام وانتصاره لیس بفلان أو علان، أو بالجماعة الفلانية أو العلانية، ولكنه بقدرة الله وإرادته، وهو الذي يحفظه إلى قيام الساعة.

To: www.al-mostafa.com

أما الناس، فهذا امتحان لهم، ليرى الله س. وهو أعلم بخلقه - من يعمل لنصرة الإسلام ويجاهد في سبيله ، ممن ينام ويتخاذل فضلا عن الوقوف منه موقف العداء الحنفي أو الجلي. والجهاد في سبيل نصرة الإسلام هو جهاد لمصلحة المجاهد نفسه ، فالله غني عن العالمين ومن

جاهد فإنا عاهد لنفسه، إن الله تغني عن العالمين ) [ العنكبوت: 1 ووليعلم الله من بنصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيزه الحديد: ۲۹). فجهاد الناس لخدمة الإسلام، إنما هو جهاد لأنفسهم ، حتى يرضي الله عنهم ، ويستحقون به جنته ، وهو امتحان عسير إلا على من أخلص نيته له ، وباع نفسه له ، واشتري سلعة الله ، ألا إن سلعة الله الجنة.

* * *

وحرصا مني على لفت أنظار شباب الصحوة الإسلامية لهذا الكيد الذي يراد بهم، كتبت هذه الكلمات المباركات إن شاء الله ، الأحذر وأنبه ، وفي الوقت نفسه أصحح بعض المواقف، فمن الأمور التي باتت معروفة لكل ذي تجرية، أن الإنسان الذي عاش في ضياع داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، من خلال وراثة هذا الدين دون التفاعل معه، حتى أصبح كأنه مكمل للحياة يمكن الاستغناء عنه في أي لحظة، إذا تعارض مع مصالحهم الدنيوية !!. هذا الإنسان إذا خالط الإسلام الصحيح قلبه وروحه ، وفتح بصره و بصيرته ، أقبل على الإسلام بحسب وحماس شديدين، ملتزمة التزام قوية بكل ما يقرأ أو يسمع من قيم الإسلام ومبادئه ، وهو في فورة هذا الحماس، يرتكبه بعض الأخطاء الصغيرة الهينة ، عن جهل وعدم معرفة ، فإذا مارس

1

.

الإسلام واقعة حية في حياته ، تراجع عن هذه المواقف، وبدأت الأمور تتضح له.

إلا أن أعداء الأمة في الخارج، وتلاميذهم في الداخل، يأخذون هذه الهفوات فيسلطون عليها مجاهرهم، وينشرونها مكبرة معظمة، حتى يفسدوا على شباب الإسلام حياتهم، ويحولوا بين الناس الآخرين وبين الإسلام، ويقولوا لهم: انظروا.. هذا هو الإسلام الذي يريدونه لكم، وهذه هي رموز الصحوة الإسلامية ، وهذا هو سلوكهم.

ولذلك أردت أن أضع الحادثة التي رأيت أثناء عملي كمدرس بمدارس قطر، وكخطيب مسجدي گليب، وسعد بن معاذ بالدوحة ، وكداعية إلى الله عز وجل، يلجأ الناس إليه في بعض قضاياهم ومشاكلهم مس أمام شباب الصحوة الإسلامية حتى ينتهوا

وعملي في هذه الهمسات، أنني أذكر الحادثة التي اطلعت عليها ،

وهي حادثة حقيقية حدثت أمامي، أو وصلت إلى عن أناس أعرفهم ، حتى أكاد أرى رؤوس أصحابها وهي تطل على من بين السطور، إلا أنها لا تعني هؤلاء الأشخاص وحدهم، فقد آخذ الحادثة المعينة، فأضيفي إليها من اللمسات التي رأيتها في حوادث أخرى متشابهة لأشخاص آخرين، إلا أنها تخدم فكرة واحدة أو غرضا واحدة، فأسرق الحوادث المتشابهة تحت عنوان واحد ، فتكتمل الصورة من الأشتات المتفرقة للحوادث المتشابهة ، ثم أعالج هذه الحادثة

- ذات الصور المتعددة - بما حباني الله من علم ، ومقدرة على الكتابة والشرح والدعوة إليه،

اد

.

فلا يظن أحد أنني عنيته بشخصه بهمستي تلك ، أو بكلمتي هنا أو هناك، إنما عنيت الحالة ذاتها، والموقف ذاته، كان هنا أو كان هناك ، حدث في هذا البلد أو ذاك. لا يعنيني الأمر بقدر ما يعنيني تصويبة الخطأ، والإرشاد إلى الصواب.

. وأريد التأكيد على نقطة مهمة، أحب أن يعلمها كل الناس وهي أن من معاني الكتابة والتأليف، وعالج الأفكار، يدرك تماما أن الكلام أو الأفكار التي يطرحها الكاتب، قد تكون بنت حادثة معينة ، أو موقف معين ، لأشخاص معينين، وقد يكتب فكره هذا، وهو يعيش في جو تمحيط به أطياف هؤلاء الأشخاص من كل جانب فتأتي كتابته متأثرة - بشكل أو بآخر بالجو الذي يعيشه عند

.

الكتابة .

ولكن بمرور الوقت، وتتابع الزمن، تذهبية الأطياف، وتتبدد

الأجواء ، وقد تنقطع الصلة بين الكاتب وأصحاب هذه الحوادش ولكن تبقى «الكلمة » وتبقي «الأفكار» حية إلى قيام الساعة .

هذه الكلمات، وهذه الأفكار هي الحقيقة العلمية المجردة، التي يجب أن يحرص عليها الكاتب، فلا يأتي فكره إلا ليخدم الحقيقة المجردة، التي لا علاقة لها بفلان أو بفلان، أو بهذا البلد أو ذاك، لأن كلماته وأفكاره وكتبه تتوارثها الأجيال ، فتصميح شاهدة له أو عليه .

ومن هنا أقول: كتبت هذه الكلمات خالصة لوجه الله ، طالبا الحق أينما وجدته ، لا يعنيني من كان معي أو كان ضدي، ولكن المهم أنني قلت وكتبت ما أعتقد أنه الصواني ، هذا هو الموقف الذي

سيبقى على مر التاريخ حتى ألقى الله عز وجل .

والله تبارك وتعالى - أسأل، أن يبارك في هذه الكلمات والهمسات، وأن ينفعني بها ويدخرها لي عنده، وينفع بها كل من قرأها، إنه سميع قريب مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

----------------==========--------------

الاختلاط العاليين

دخل الرجلى بيت أخيه، فسلم وجلس ، وأخذ يتجاذب أطراف الحديث مع أخيه ... وبعد فترة، وإذا بنقرات على الباب الداخلي ، فقام صاحب البيت وأحضر الضيافة .... دهش الأخ الزائر لهذا التصرف؛ فإن زوجة أخيه، والتي هي ابنة عمه ، والتي نشأت معها أطفالا، لا تظهر عليه .. ولا تكلمه ..!! نمط جديد في السلولد لم

ينموده ..!!

المرأة فهممت بعض تعاليم الإسلام بعد جفاء وطول غفلة ، وأرادت الأسرة أن تطبق ما فهمت من تعاليم الإسلام، فتحجبت المرأة، ولم تعد تتكلم أو تجلس مع أقاربها أو أقارب زوجها من الرجال ..

شعر الأخ الزائر بشيء من الإهانة لا سيا وهو الأخ الأكبر، ثارت

1

الدماء في عروقه، غضب، ولم تفلح الحجج القوية في إقناعه ، وغضب الغضبته الأب والأم والأخوة والأخوات... وتقطعت حبال المودة، وذر الخلاف وللفاء بقرنه بين الأخوين، ومن ثم بين الأهل وهذه الأسرة التي بدأت تسير على طريق الإسلام ، فانقسموا إلى فريقين، وكلاهما يتصور أنه على صواب

طی

:

الإسلام دين الفطرة السوية ، وهو دين المودة وصلة الأرحام ، ولم يحرم الإسلام شيئا إلا ضرر محقق يلحقه بالناس، فتعاليمه لحماية المجتمع، لا لتفتيت الناس، وتقطيع الأرحام

ولما كان الناس قد بعثوا عن دينهم، وحلت محله الأعراف الخاطئة ، سلكوا مسالك عدة، استعاضوا بها عن الدين، وفهموا لطول الممارسة أن هذا هو الصحيح، وما عداه باطل.

فلا بدأ الناس يرجعون إلى تعاليم دينهم، وأخذت الصحوة الإسلامية طريقها إلى القلوب؛ فهم بعض الناس الإسلام على غير وجهه ، فهم جاؤوا الأمر من أقصاه إلى أقصاه، في حين أن رجعتهم إلى الإسلام وسلوكيات الإسلام لا تعني محاربة كل شيء في المجتمع، فإن بعض القيم والعادات السائدة لها جذورها الإسلامية ، ومن الخطأ محاربتها والتصادم معها.

ومن هنا يأتي الشاب الملتزم أو الشابة الملتزمة قيريدان تطبيق الإسلام - بفهمهم الخاص . فيصطدمان مع سلوكيات اجتماعية لا يعارضها الإسلام ، وإن كان يهذبها.

فلو أن الناس تقتلوا قليلا في بعض سلوكياتهم لا تفقت مع روح الإسلام ونص تعاليمه، دون مشقة وعسر، أو خلاف يقطع أواصر المحبة ووشائج القري.

والسؤال : هل الإسلام يمنع أن تمجلس المرأة مع أقاربها أو أقاربه زوجها من الرجال في وجود محرم لها، وبلباس شرعي محتشم، متقيدة بشروط التقوى؟

* * *

لقد كانت حياة الصحابة رضوان الله عليهم - خالية من العقد النفسية، والسياسية المتعبة التي يعيش فيها ناس هذا الزمان، ولقد كان الاختلاط بينهم س مشروطه الشرعية - حاصلا دون حساسية أو سوء ظن، والأحاديث والوقائع في ذلك كثيرة:

TT

فقد ذكر البخاري - رحمه الله س في باب « تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال » حديث سهل رضي الله عنه - قال : كنا نفرح يوم الجمعة، قلت لسهل: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز

وفي كتابه الجمعة: كانت لنا امرأة) ترسل إلى بضاعة (قال ابن مسلمة راوي الحديث: تخل بالمدينة) فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في قدر وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة أنصرفنا، ونسلم عليها فتقدمه إلينا فتفرع من أجله ... إلخ الحدیث (1)

قال العسقلاني في الفتح: «... فلو اجتمع في المجلس رجال

(1)

فتح الباري ج ۱۱ ص ۲۸.

ونساء جاز السلام من الجانبين عند أمن الفتنة» (1) (لاحظ : السلام غير المصافحة ).

وذكر البخاري أيضأ في باب «قيام المرأة على الرجال في العرس وخلعتهم بالنفس» حديث سهل بن سعد رضی الله عنه قال : لما أعرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعامة ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلیت تمرات في نور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي من الطعام أمانته له فسقته تتحفه بذلك (۲).

وفي رواية : (فكانت إمرأته خادنهم يومئذ وهي العروس). قال العسقلاني في الفت: «... وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة، ومراعاة ما يجب عليها من الستر» (۳) . .

وروى مسلم - رحمه الله مس عن أنس رضي الله عنه قال : قال أبو بكر لعمر (رضی الله عنها): انطلق بنا إلى أم أيمن (رضی الله عنها ) نزورها كما كان رسول الله * يزورها، فلا انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله * فقالت: إني لا أبكي، إني لأعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسوله الله * ولكن أبكي أن الوحي قد أنقطع من السياء، فهيجتها على

(1) (۲) (۲)

الرجع نفسه ص ۲۹. فتح الباري ج ۱ ص ۲۰۰. المرجع نفسه ص ۲۰۹

البكاء ، فجعلا يبكيان معها»(1). قال النووي في شرح صحيح مسلم: «فيه زيارة جماعة من الرجال للمرأة الصالحة وسماع كلامها» (؟) .

أما حديث عقبة بن عامر رضی الله عنه أن رسول الله * قال: «إياكم والدخول على النساء . فقال رجل من الأنصار: أفرأيته الحمو. قال : الحمو الموت» (۳) فإنه يعني الدخول عليها والخلوة بها دون محرم

ويوضح ذلك تمام التوضيح حديث ابن عباس (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون أحدکم بامرأة إلا مع ذي محرم» (4)

ولا شك أن كلمة « يخلون» تعني الجلوس معها والانفراد بها، لأن الاستثناء في قوله : « إلا مع ذي محرم » يعني: إذا كان المحرم موجودة فلا بأس بالتواجد معها في مكان واحد. ويدل على ذلك أيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال رسول الله : «لا يدخلن رجلي بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان » ، والغيبة هي التي غابة عنها زوجها.

11

(1) (۲) (۳)

رياض الصالحين ص ۱۷۰. هامش إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ج1 ص ۰۲۱ متفق عليه اللؤلؤ والمرجان ص ۰۹۷۲. متفق عليه. ریاض الصالحين ص ۸۰ه . صحيح مسلم ج 4 ص ۱۱۷۱ حدیث، ۰۲۱۷۳

1

(8)

أما قوله تعالى في شأن نساء النبي : (... وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما )[الأحزاب: 53] فإن ذلك خاص بنساء النبي ، فإذا تقيدت به امرأة من عامة الناس فلا بأس، وإن لم تفعل فلا حرج عليها . أما دعوى أن هذا الأمر يلزم کلی النساء فلا دليل عليها،

وأما قول من قال : أن هذا في شأن نساء النبي * وهن أطهر من غيرهن وأتق، فالأمر ألزم في شأن من دونهن، فهذا أمر مردود، لأن الله عز وجل أراد أن يحيط بيت النبوة بسياسي لا تنفذ منه الريبة ، ويعصمه من كل خلل، لأنه أصلي الرسالة، وعنهن يؤخذ العلم ، وهذا وضع خاص بهن، بدليل أن الله عز وجل ضاعف لهن العذاب، کہا ضاعف لهن النواب كذلك: (يا نساء التي من يأت منكن بفاحشة مبينة بضاعف لها العذاب ضعفين، وكان ذلك على الله يسيرة، ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها ررقة كريمة، يا نساء التي لستن كأحد من النساء ... ) [الأحزاب: ۲۰-۳۲] وهذا وضع متميز لمكانتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا نقول: أنه في حالة الأقارب الأدنيين، والأصهار الأقربين، الحالة التي يشق على الناس فيها العزلة التامة ، لا بأس أن تجلس المرأة معهم، في وجود أحد محارمها كالأب والأخ والزوج والابن والعم والخال والحد..... محتشمة حشمة واضحة، آخذة

بأسباب التقوى، وهذا حال الفلاحات في القرى والبدويات في البادية منذ القدم إلى يومنا هذا، حيث يقمن بخدمة الضيوف، والتردد على مجلسهم، وخالطة الرجال الأجانب غير المحارم) في الأسواق والحقول، وهن متحفظات بسترهن وحشمتهن (1) .

وإن شعرت أن هناك صبية يخل بذلك ، ولا تأمن فيه من الفتنة فلتتحرز من ذلك جهدها، وإن أخذيته بعدم الجلوس معهم أو الظهور عليهم والاختلاط بهم بالشروط السابقة، دون عسر أو إحداث خلاف أو تقطيع رحم، فهو أولى وأكمل، وتكون أخذت بالعزائم ، والله يوفقها ويثيبها على نيتها.

(۱)

آداب الزفاف الألباني صی ۹۲ طبع المكتب الاسلامي، يا فتاة الإسلام للبليهي می .



==========================


مصافحة الجنس الاخر

سافر الشاب إلى جامعته ، تودعه القلوب المحبة رجالا ونساء ،

كبارا وصغارا، سيغيب تسعة أشهر كاملة.

استقر في غربته ، ومضت الشهور التسعة، تعلم فيها الكثير، وحن فيها إلى أهله وأقاربه كثيرة، واشتاقوا إليه خلافا كثيرة ، أخذوا يعدون الأيام لعودته.

هنالك فتح الله قلبه ، وأنار بصيرته، وفهم شيئا من دينه ، ورجع إلى أهله وأقاربه بفكر جديد، وسلوك جديد، والتزام حديد (بالحاء وليس بالجيم).

هبت العائلة كلها لملاقاته بفرح وشوق، أبوه، أعمامه، أخواله ، أمه، خالاته ، عماته ... زوجة عمه الكبير، والتي هي أكبر من أمه

وأحفادها يملأون البيت.

بالفرحة الغامرة ، والشرق الكبير، مدت يدها لتصافحه کا فعلى

الباقون، سحب يده ورفض .. فهو لا يصافح النساء ..

صدمت، تألمت، تراجعت يدها، وتراجع معها الحب والوئام ونبتت الأشواك، وأزهرت الخلافات، وكثر الكلام، وانقطعت أوامر القری، ووشائج العائلة الواحدة

عاد إلى جامعته ، ولم يعد الصفاء بعده إلى العائلتين الصغيرتين، ولم تنفع جلسات التهدئة ، ولا مناقشات العائلة، ولا كلمات التبرير والتماس الحذر، وانقسمت الآراء والقلوب إلى حزبين و«كل حزب ما لديهم فرحون » ولوقفهم متعصبون.

* * *

إذا كانت النية الحسنة للإنسان سببا في مغفرة الذنبه عند الله ،

فهي ليست كذلك عند الناس، وما لم يترتب على النية الحسنة فعل حسن، فإنها لا تغتفر عند البشر، ولذلك يجب أن تدوس الأمور بعناية حتى ينتج الفعل الحسن والسلوك الحسن، لا أن تأتي النوايا الحسنة

بنتائج سلبية سيئة.

والشاب الذي تحمس لدعوته ، في فورة انفعاله ، في مراحل فهمه الأولى للإسلام، يتصور أن حماسه هذا، والتزامه هذا، هو الصواب الذي يريده الله ويؤيده، مهما ترتب عليه من نتائج، حتى ولو كانت تضر بالإسلام أو تضر بالدعوة إليه ، وتصد عن سبيل الله ، غافلا عن

*

التدرج الهادىء ، مغمضة عينيه عن قوله تعالي: والذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعة ) [الكهف: ۱۰۹}.

* *

*

.

لم

لقد ورد في شأن المصافحة بين الجنسين عدة أحاديث نوردها

مرتبة حسب أهميتها:

الحديث الأول : عن عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي ع قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله * يمتحن بقول الله عز وجل : و يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا بزنین .... ) إلخ الآية

الممتحنة : ۱۲} قالت عائشة: فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله : « أنطلقن، فقد بايعتكن» ولا والله، ما مسته يد رسول الله يد امرأة قط ، غير أنه يبايعهن بالكلام، قالت عائشة : والله ، ما أخذ رسول الله على النساء قط ، إلا بما أمره الله تعالى. وما مست کن رسول الله * كف امرأة قط . وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن: «قد بايعتكن» کلامة (1).

قال العسقلاني في فتح الباري: أي يقول ذلك كلام لا مصافحة

باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة (۳) .

LT

(1) صحيح مسلم ج ۳ ص ۱۸۹ حديث رقم ۸۸، وعند البخاري منله انظر فتح

الباري ج ۸ ص ۰۱۹. (۲) فتح الباري ج ۸ ص ۱۹ه. .

-

ات

وقال النووي في شرح مسلم : فيه أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ بالكف، وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام، وفيه أن كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة، وأن صوتها ليس بعورة، وأنه لا يلمس بشرة أجنبية من غير ضرورة كتطبيبه وفصد وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها، ما لا توجد امرأة تفعله ، جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة (1).

وقال الشيخ السفاريني: وفي الحديث إشارة إلى مجانية النساء

الأجانب، وعدم النظر إليهن، وبجانبة مهن (۴) .

الحديث الثاني: عن ابن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة ( بضم الراء وفتح القافين) أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبایعه على الإسلام ، فقلن : يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا تأتي ببهتان تفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف. فقال رسول الله : «فيها استطعتن وأطقتن» قالت: فقلن : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ، هلم نبايعك يا رسول الله . فقال رسول الله : « إني لا أصافح النساء ، إنما قولي المئة امرأة، كقولي لامرأة واحدة» (3) . والحديث واضح ، فهي تطلب المصافحة في البيعة كما فعل الرجال عند المبايعة ، فأجاب النبي : « إني لا أصافح النساء . (1) بهامش إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ج ۸ ص ۱۳. (۲) شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد ج ۲ ص ۱۳۰. طبع المكتبة الاسلامي. (۳) أخرجه مالك والنسائي وابن حبان وأحمد وغيرهم وهر صحيح الإسناد. انظر شرح

ثلاثيات مسند الإمام أحمد ج ۲ ص ۹۲۰، دالة تحريم مصافحة المرأة الأجنبية عن أحمد اسماعیل ص ۱۰.

۲۳

والحديث الثالث: عن معقل بن يسار (رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ولأن يطعن في رأس أحدكم بخيط من حديد خير له من أن يمس أمرأة لا تحل له (۱).

* * *

.

هذا عمدة ما ورد في المصافحة من أحاديث، وهناك أحاديث أخرى تتعلق بالموضوع من بعيد، إلا أنها توضح الطريق لفهم القضية التي نحن بصددها، كما أن هناك أقوالا للعلماء وروايات نورد أهمها قبل أن نأتي بالخلاصة :

ا- قال ابن عباس (رضي الله عنهما): ما رأيت شيئا أشبه باللمم ما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله تعالى كتي على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر، و زنا اللسان النطق، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه » (۲).

قال عبد الرحمن بن نافع : سألت أبا هريرة عن قوله تعالى : { إلا اللمم قال : القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة، فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل، وهو الزنا (۳) ۲- قال ابن الجوزي في تعريف اللمم، وهو أحد أقوالى ستة : أنه صغار الذنوب ، كالنظرية والقبلة وما كان دون الزنا. قاله ابن (۱) رواه الطبراني والبيهقي ، وقال المنذري: رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح. أنظر

الترغيب والترهيميه ج ۲ ص ۳۹ حشیشه رقم 16. (۲) الحديث أخرجاه في الصحيحين. أنظر اللؤلؤ والمرجان ص ۷۲۰ حدیث رقم ۱۷۰۱ (۳) تفسير ابن كثير. سورة النجم ۳۴

۲

مسعود، وأبو هريرة ، والشعي و مسروق. ويؤيد هذ حدیث بي هريرة .. ثم أورد الحديث السابق كما في الصحيحين (1).

۳- نقل العسقلاني في الفتح عن ابن بطال قوله : تفضل الله على عباده بشفران اللمم إذا لم يكن للفرج تصديق بها، فإذا صدقها الفرج كان ذلك كبيرة (۲) .

4 س وعن ابن مسعود (رضي الله عنه) أن رجلا أصاب من امرأة بله، فأتى النبي فأخبره ، فأنزل الله : ( أقم الصلاة طرفي النهار

وزلفة من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات...) فقال الرجل : يا رسول الله : ألي هذا؟ قال : « لجميع أمتي كلهم (۳) .

. وسئل الإمام أحمد: نکره مصافحة النساء ؟ قال :

أكرهه (4) .

و قال المودودي: وهذه الأحكام أيضا تخص الشواب من النساء، وأما العجائز اللاتي قد طعن في السن، فتجوز الخلوة بهن ولا يمنع من لمسهن، فيروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه) أنه كان يزور قبيلة كان قد ارتضع فيها، فيصانع العجائز من تلك القبيلة ، وقيل عن عبد الله بن الزبير (رضي الله عنه) أنه استأجر عجوزة لتمرضه ، وكانت تغمز رجليه وتقفلى رأسه .

عد

--

| |

* * *

(1) زاد المسير ج 4 ص ۷۹. طيع المكتبه الاسلامي. (۲) فتح الباري ج ۱۱ ص ۲۷. (۳) متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان ص ۷۰۹ حديث رقم ۱۷۵۸ (4) الآرامية الشرعية والمنح المرعية ۲۹۹

/ ۲ (نقلا عن أدلة التحريم سم *۲). (1) الحجاب للمودودي مي ۲۷۸ وقد نقله عن تكملة في القدير ج 4 م

۹۸

:

هذه خلاصة الآراء والنقول التي توصلنا إليها في الموضوع، وهي کا تبدو متعارضة، إلا أنها في الحقيقة لا تعارض بينها ، والأمر الذي نؤكد عليه قبل سوق الخلاصة التي نراها ونيل إليها ، أن المسلم يعيش مجتمعه وحياته، في هذه الفترة من الزمان بكل ما فيها من شبهات وتجاوزات والتزاماته... الخ، وليس من المفروض عليه أن يعتزل الناس ويتقوقع على نفسه ، ولا أن يعيش في مجتمع افترضه افتراضية في مخيلته ، ولا أن يعيش في مجتمع تصوره بعض الناس له وطالبوه بنمط واحد لا يصلح إلا لهذا المجتمع. ومن جانبي آخر، هو داعية إلى الإسلام، يأخذ هذه القلوب النافرة برفق، فيعيدها إلى حظيرة الإسلام ، دون أن يحدث فيها شرخأ، أو لها ردة فعل تسيء إليها وإليه

.وإلى الإسلام عن حسن نية وسلامة قصد، ولا نفترض فيه أن يقف

موقفة جامدة لا مرونة فيه ، قد يؤدي به وبدعوته إلى مشاكل أخطر من مشكلة المصافحة بحد ذاتها، ولذا نقول وبالله التوفيق:

ا- على المسلم أن يجتنب مصافحة النساء والأجنبيات (غير المحرمات على التأبيد) جهده، سواء أكانت ابنة عمه أو ابنة خاله ، أو زوجة عمه ، أو زوجة خاله... إلخ. سواء أكانت شابة أو عجوز .

- إذا كانت المرأة الأجنبية عجوزأ . من القواعدد من النساء : اللاتي لا يرجون تنکاحأ - ي اللاتي وضع الله عنهن الحجاب کا

ورد في سورة النور. فيجوز له مصافحتها مع الكراهة ، والأولى تركها (أي المصافحة). 3 - إن كان هنالك ضرورة كعلاج وغيره جاز اللمس سواء

أكانت شابة أو عجوزة، وتقدر الضرورة بقدرها.

ها

ما

} إن كان المسلم في موقف حرج، يرى فيه أن عدم المصافحة يتسبب في مشكلة جربها أكبر من المصافحة 4 صافح مكرهة غير بادیء، معتبرا ذلك من الأمم، کافي تفسير أبي هريرة وغيره للمم، وهي مس في المصافحة - بلا شك أخف من القبلة التي وردت في

حديث ابن مسعود السابق في الصحيحين.

و أن يصلي لله ركعتين يكفر بها إثم هذه المصافحة، كما في حديث ابن مسعود السابق ، وكما في حديث أبي بكر الصديق (رضي الله عنه أن رسول الله ؟ قال : ما من مسلم يذنب ذنبة فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر له» (1) والحمد لله رب العالمين.

(1)

رواه أحمد وأهل السن. تفسير ابن كثير ج ۳ م

481 .




========================


استخدام الشمال في الأكل

حضر الوفد الزائر إلى البلد، ثلة من العلماء وأهل الفضل، وتقدم أحد طلبة العلم فدعا الوفد للإفطار عنده ، حيث كانت الأيام من رمضان، ورمضان شهر الكرم والجود ، واجتماع الناس على الطعام » وحرص المسلمين على الثواب ، فمن فطر فيه صائما كان له مثل أجره ،

وحظي الرجل بموافقة الوفد على دعوته ، فدعا معهم زملاءه في العمل وأهل الفضل في البلد، فن إكرام الضيف أن تحيطه بمجموعة من معارفه ، فإن لم يكن، فن طبقته ، حتى يأنس بهم، وتزول الوحشة، ويقبل على الطعام بنفس طيبة.

وقبيل المغرب تجمع المدعوون في بيت الداعي، وكانوا من بيئاته مختلفة وأقطار شتى، وكان من بينهم زميل له في العمل كثير الحياء ،

قليل العلم عليه سياء الغرباء من ضعف الشكيمة والميل إلى الهادنة ، والرغبة في عدم المخالفة.

حان وقت الإفطار، فأفطروا وصلوا ثم عادوا لتناول العشاء ، فلها مدت السفرة ، وتقدم الجمع للطعام، ومدت الأيدي إلى الزاد ؛ مد هذا الزميل يده اليسرى لتساعد اليمني في تقطيع اللحم. فما كان من صاحب الدعوة - الشاب المتحمس للإسلام وللشتة س. إلا أن انتهره بشدة على مرأى ومسمع من الحضور، أن كف يدك اليسرى، وارفع يدك عن الطعام، وهم الله من جديد ، وكل بيده اليمنى فقط.

إحمر وجه الزميل، وغرق في عرقه، وتقلصت رغبته في الطعام وتمني لو أن الأرض انشقت فبلعته ، أما الحضور، فقد علاهم الوجوم وكتموا مشاعر النفور، وإن تظاهروا بالسرور.

ومضت الوليمة، ولم تمض الحادثة ، فظلت موضع استهجان ونفور كلها طفت إلى الذاكرة، وظل أمر اليمين والشمال واستعمالها في الأكل موضع مناقشة وحوار، لا سيما والحياة العصرية ما جد فيها من

فانين الطعام، وضروب الغذاء ، وطرائق تناوله مثار بحث و جدل :

الطلاب في المدارس إذا تناولوا الشطائر ( السندويشات) مع العصير أو المياه الغازية، هذه في يد، وتلك في يد؟! .

استخدام الملعقة والشوكة والسكين، أيها في اليمين وأيها في

الشمال ؟!

.

.

ا

مزاولة الحياة بشكلها المصري في البيئات المختلفة ؟

أين من ذلك كله وضع اليمين والشمال في الاستخدام ؟! وكيف

يتصرف السلم بلا حرج ؟! أسئلة كثيرة وكثيرة ..

* * *

لقد خلق الله الإنسان، وجعل له في خلقته أعضاء ذات مهام، وجعل لكل عضو فيه مهمة محددة يقوم بها، ليساعد الجسد في عمله خلال رحلة الحياة الطويلة. واستخدام العضو في المهمة التي تحلق من أجلها يريح العضو، وتنجح المهمة، لتوافق الفعل وفاعله. أما إن استخدام العضو في غير مهمته ، فقد تكلف صاحبه شططا ، وأرهق جسده ، ولم يبلغ مراده على الوجه الأكمل.

والإسلام دين متميز عن كل الأديان والملل والنحل، وكما هو متميز في شرائعه ومناسکه؛ فإنه يحب لأتباعه أن يكونوا متميزين في سلوكهم وحياتهم، في مظهرهم وفي جوهرهم بغير كبر. والنصوص التي دعت إلى هذا التميز كثيرة، يصعب حصرها في مقال واحد، ويكفي أن نشير إلى أن كل آية من القرآن يقول الله عز وجل فيها: أولا تكونوا...) إنما نتحمل في طياتها دعوة للتميز. وأحاديث الرسول * الداعية للتميز كثيرة، منها على سبيل المثال : « إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم » (۱) « خالفوا المشركين، وفروا اللحى وحقوا الشوارب » (۲) «جوا الشوارب، وأرخوا اللحى. خالفوا المجوس» (۳)

|

(1) (۲)

متفق عليه . اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ص متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ص صحيح مسلم ج ۱ ص ۲۲۲ حديث رقم 45.

546. ۹۰.

« خالفوا اليهود»(1) « خالفوا أهل الكتاب» (۲).

والرسول * لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى إليه من رب العالمين، فإن أمر بشيء، أو نهي عن شيء، فإنه أصلحة متعلقة بحياة المسلمين وآخرتهم. فوجب عليهم اتباعه ويأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحییکم) [الأنفال: 74} وحرم عليهم مخالفته ومعصيته.

إلا أن النصوص لا تؤخذ على ظاهرها من قريب، بل لا بد لها من فهم عميق، ومدارسة واعية، مع معرفة متينة بأصول الفقه، وقواعد الترجيح، وطرق الجمع بين الأحاديث... إلخ هذه الأمور المعروفة في استنباط الأحكام. وباختلاف العلماء في المستوى العقلي ،

والعلمي، والإلمام ، والاحاطة، والا تقان، والفتع الإليه تختلفه

نظرتهم، وقد تتباين الأحكام في المسألة الواحدة، حسب اختلاف بيئات العلاء وأزمانهم، وهذا من رحمة الله بالناس، ومن شمول الاسلام ومرونته، واستيعابه لكل المستجدات في العصور كلها ، وصلاحيته للبيئات المختلفة، وتلبيته لحاجات الناس على اختلاف مشاربهم بيسر وسهولة تصديقا لقوله تعالى: .. وما جعل عليكم في الدين من حرج [الحجر: ۷۸] ولذا نرى في القضية الواحدة من يقول فيها: واجب، ويقول آخر: مندوب. أو يقول : مكروه أو مباح. ولكل وجهة نظره ودليله الذي اعتمد عليه ، ورجح به الحكم.

* * *

(1) (۲)

رواه أحمد وأبو داود . رواه أحمد.

-

.

;

.

|

ونحن إذا رجعنا إلى القضية التي بين أيدينا، نجد أنه ورد فيها عدة

أحاديث:

الأول: حديث عمر بن أبي سلمة (رضي الله عنه) في الصحيحين . قال : كنت غلامأ في حجر رسول الله * وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله : «يا غلام، سم الله ، وكل بيمينك، وكل ما يليك ». لا زالت تلك طعمتي بعد (۱).

والثاني: حدیث سلمة بن الأكوع (رضي الله عنه) في الصحيحين أيضا. أن رجلا أكل عند رسول الله * بشماله ، فقال : « كل بيمينك » قال : لا أستطيع . قال : «لا استطعت» ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه (7)

والثالث: حديث ابن عمر رضي الله عنها) في صحيح مسلم 4

عن الني * قال: « إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» (۳).

والرابع : عن عبد الله بن محمد عن امرأة منهم قالت: دخل علي رسول الله وأنا آكل بشمالي وكنت امرأة عسراء ، فضربه بدي فسقطت اللقمة ، فقال : لا تأكلي پشمالك وقد جعل الله تبارك وتعالى لك يمينة - أو قال: قد أطلق الله عز وجلى يمينك - قالت: فتحولت شمالي بمينا، فيما أكلت بها بعد (4) (۱) متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان مې ۰۲۰. (۲) رواه مسلم . رياض الصالحين می 314.

رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه . الغني ج ۱۱ ص ۱۹۲ (4) رواه أحمد والطبراني ، ورجال أحمد تقاته. الفتح الرباني ج ۱۷ م 14-15.


هذه أهم الأحاديث التي وقفنا عليها، وقد تناول العلماء هذه

القضية بالبحث والدراسة ، وخرجوا منها بنتيجتين:

الأول: أن الأمر فيها للندب، وقد ناصر هذا الرأي طائفة من العلماء منهم الغزالي، والنووي، والقرطي ... وغيرهم. قال العسقلاني في الفتح (ج 1 ص ۲۰): «قال شيخنا في شرح الترمذي: حمله أكثر الشافعية على الندب، وجزم به الغزالي ثم النووي، ولكن نص الشافعي في الرسالة وفي موضع آخر من الأم على الوجوب».

وقال النووي: « استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهة ذلك بالشمال، وكذلك على أخذ وعطاء ، کا وقع في بعض طرق حديث ابن عمر (۱) وهذا إذا لم يكن له عذر من مرض أو جراحة (۲) فإن

كان فلا كراهة» (۳) .

وقال القرطي: « هذا الأمر على جهة الندب، لأنه من باب تشریف اليمين على الشمال ... إلى أن قال : فمن الآداية المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء، اختصاص اليمين بالأعمال الشريفة والأحوال النظيفة ... وقال أيضا: كل هذه الأوامر من المحاسن المكملة وللكارم المستحسنة، والأصل فما كان من هذا الباب، الترغيب والندي (4) . (1) يشير إلى زيادة نافع - رحمه الله - « ولا يأخذن بها ولا يعطين بها» انظر الفتح

الرباني جنم ۱۷ س 14. (۲) أوعسارة لأنها ضعيفة عندئذ ما لا يستقيم مسها الأكل وتذهي اللفة منه (۲) شرح النووي على ملم. بهامش إرشاد الساري ج ۸ ص ۲۹۰ (4) نقله العسقلاني في الفتح ج 1 ص 131.

.

والثانية: أن الأمر في هذه الأحاديث الوجوب، وقد ناصر هذا الرأي العسقلاني وغيره، قال العسقلاني في الفتح (ج ۹ ص 43): «... وجمع والدي نظائر هذه المسألة في كتاب له سماه: کشف اللي عن المسائل الخمس، ونصر القول بأن الأمر فيها للوجوب (قلت) - أي العسقلاني - ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال»... ثم أورد حديث سلمة بن الأكوع (رضي الله عنه) المتقدم

. وجمع والدي الخمس، ونصر

وجوب الأكل بالأكوع

* * *

والملاحظ أن هذه القضية تنقسم إلى قسمين، أو مرحلتين: الأولى : استخدام الشمال مطلقا. والثانية: مرحلة نقل الطعام إلى

الفم.

أما المرحلة الأولى، وهي استخدام الشمال، فقد قال بعض العلماء: لا تستخدم مطلقة لا في أكل أو شرب أو توصيلي أو مناولة ، مستدلين على ذلك بزيادة نافع في حديث ابن عمر (رضي الله عنها): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يأكلن أحد منكم بشماله ، ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها» وكان نافع يزيد فيها : ولا يأخذ بها ولا يعطى بها (۱).

وإذا نظرنا في الحديث نجد أنه نص على أربعة أمور: الأكل، الشرب، الأخذ، العطاء. هذا إذا أخذنا في الاعتبار زيادة نافع .

ج دا

-

(۱) صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۰۹۹ حدیث ۱۰۹،

الله

جمر

فيخرج بهذا النص الاستخدام بشكل عام. ولا يعقل أن تعطل الشمال نهائيا ، فما خلقها الله عبثا، ولا يستقيم الأمر باليمين وحدها، فلا بد من مساعدة الشمال لليمين في كثير من الأعمال ، فكون المرء يستخدم الشمالي مساعدة لليمين في تقطيع أو إمساك أو تدبير... إلخ كل أمر يصعب على اليمين انجازه وحدها، فلا حرج في ذلك.

أما المرحلة الثانية، وهي نقل الطعام إلى الفم، فالأمر فيه واضح أنه للندب ما لم تكن هناك علة من مرض أو جرح، وإلا فلا حرج، ودليل ذلك فضلا عن الأحاديث المتقدمة، ما ورد في الصحيحين من حديث عائشة (رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنفله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله » (1) وحديث أبي هريرة في مسند الإمام أحمده قال : قال رسول الله : « إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤا بأيمانكم» (۲) وقد قال أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين واصفة النبي *: «ويستعين باليدين جميعا » (3) مشيرة بذلك إلى حديث عبد الله بن جعفر (رضي الله عنها): آخر ما رأيت من رسول الله في إحدى يديه رطبات وفي الأخرى قثاء يأكل هذه وبعض من هذه (4) . وحديث أنس رضي الله عنه):

..

(1) متفق عليه . اللؤلؤ والمرجان ص ۱۱. حشیشه ۱۹۲. (1) رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي . انظر الفتح الرباني

چه ۲ م د حدیث ۲۱۹. . (3) إحياء علوم الدين ج ۲ ص ۴۷۱.

رواه أحمد. وهو ضعيف . ذكره الحافظ العراقي بهامش الاحياء ج ۲ ص ۳۷۱.

كان يأخذه الرطب بيمينه والبطيخ بیسمساره فيأكل الرطبة بالبطيخ (۱).

وخلاصة القول: إن استخدام الشمال مساعدة اليمين في الأعمال كلها جائز ولا حرج في ذلك، بلى يصعب على اليمين الاستقلال بنفسها في كثير من الأمور، حتى لو كان الأمر تقطيع الطعام أو مسكه أو نقله أو رفعه... إلخ.

أما توصيل الطعام إلى الفم، فهذه مهمة اليمين، فلا تقدم الشمال عليها بلا عذر كمرض أو جراحة أو فقي أو مشقة، لأن الأحاديث نصت على ذلك، ولأن الأكل باليمين شعار الإسلام، وموضع تميز للمسلمين بعير كير، وإرغام الشيطان مخالفته، وتكريم للفم. وعليه من أراد أن يأكل بالشوكة والسكين فليقطع طعامه بسكينه أولا ثم ينقل هذا الطعام إلى فه بالشوكة بيمينه، ولا عليه من دعوی « الأتيكيت » بتقليد الأجانب وأهل الكتاب والكفار بمسك الشوكة بالشمال والسكين باليمين، وليظهر شخصيته القوية باعتزازه بقيم الإسلام، ونظام الاسلام، ومنهج الإسلام، وعادات الإسلام ...

أما إن كان هناك علة تمتع اليمين من توصيل الطعام إلى الفم كبتر أو كسر أو مرض أو جراحة فلا كراهة ولا حرج في استخدام الشمال

وأما إن كان السبب بأنه أعسر يسراه أقوى من يمناه ) فهو يستخدم الشمال في كل شيء س وهذه خلقة ربانية لا دخل له

(1) رواه الطبراني وأبو نعيم ، وهو ضعيف. أنظر فتح الباري ج 1 ص 4۷۱.

ا

۔

فيها - حتى أصبحت الشمال أقوى من اليمين، وأدق منها في التحكم، مما يتعذر عليه أستخدام اليمين، أو يستخدمها ولكن بمشقة تجعل الطعام لا يستقيم إلى فمه، مما يعرضه للتناثر، ومن ثم الخرج والضيق وعدم الاستمتاع به ؛ فعليه أولا أن يعود يمناه أن تحل محل يسراه، ولو في الطعام على الأقل کا فعل بعض الإخوة الصالحين (أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله ) - من أعرفهم معرفة شخصية حتى نجح بحول الله وقوته.

أما إن كان الأمر شاق عليه ، أو كان في وضع يشق عليه فيه استخدام اليمين في توصيل الطعام إلى فمه دائما ، كما هي الحال فيمن يأكل الشطائر ( السندويشات) مع المصير، فيأخذ هذه بيد، وتلك بید، وليس هناك إمكانية الجلوس، أو التمكن من استخدام اليمين دائمة ؛ فله أن يستخدم الشمالي مع اليمين على هذه الصورة فقط ، فقد

ذهب الجمهور إلى أنه يستحب الأكل باليمين والشرب بها لا أنه

بالشمال محرم » (1)

وكذلك إذا كانت يمناه فيها طعام، أو آثار طعام ، وأراد أن يشرب، أو يناول غيره كوب الماء ، وخشي أن يلوث الكوب فتعذر أو يتعذر منها الآخذ - كما يحدث دائما على الطعام - فله أن يتناولها بالشمال ، فإن جعل اليمين مساندة لها حتى يبدو أنه استخدم اليدين جميعة كان بها، وإن تعذر غله استخدام الشمالي وحدها، أخذا بمذهب الجمهور في عدم حرمة ذلك، والشقة تقدر بقدرها ، والحمد لله رب السالمين. (۱) مبل السلام للصنعاني ج 4 من ۳۱۸.


======----=======

طاولة السفرة

دعا الأخ إخوانه إلى الطعام، وطار سرور وفرحة بتلبية الدعوة ، واجتماع الشمل، فالحياة متع، ومن أمتع متعها عند الصالحين اجتماع الأخوة في الله على الطعام ، وكلما زاد العدد زاد السرور والجبور، وأقبل أهل البيت على إعداد الطعام بشوق ونفس طيبة ، لأنه طعام يقدم للصالحين الأتقياء.

استعدت الأسرة لاستقبال هذه القلوب الخيرة، لتناول الطعام ، وليسود الوئام، ويفوز أهل البيت بدعاء الصالحين. فاجتهدت ربة البيته، وقدمت الطعام البسيط ، في تنسيق بديع، وطهي متقن. ووضعت ذلك على طاولة نظيفة، صفت حولها الكراسي بعدد أسلحضور.

فلا تم الأمر، واطمأن صاحبة الدعوة على تنسيق الطعام، وحسن

توزيعه أمام الضيوف ، وحانت لحظة الانتقال؛ تقدم فدعا إخوانه إلى الطعام في الحجرة المجاورة .

انتقلوا إلى الحجرة المجاورة، وما إن تقدم أحدهم س. وقد كان شابة متحمسة للإسلام مسموع الكلمة بينهم - حتى رفض الأكل على الطاولة، معتبرة ذلك مخالفة للشنة، فإن النبي «لم يأكل على خوان قط »

أحدث الموقف ضجة وربكة، وأثار امتعاضة وبلبلة ، وتقدمت الأيدي فرفعت الطعام عن الطاولة ، فن حامل للصحون، إلى حامل للملاعق، إلى رافع للأكواب ... و... و...

أخرجت الطاولة حتى يتسع المكان ويتمكنوا من فرش الأرض » وأخرجت الكراسي حيث لا لزوم لها، وفرشت أوراق الجرائد !!! ووضع الطعام عليها، وتحلق القوم بين راض وساخط، مقر ومعترض.

أما صاحب الدعوة فقد آلمه هذا الصنيع، وأفقده الإحساس بالرضى، ومما لا شك فيه أن أهله أشد منه امتعاضا ، فا من امرأة في الوجود إلا وتعتبر جودة الطعام، ودقة إعداده ، وحسن تنسيقه من أهم اختصاصاتها، يسعدها الثناء عليها في ذلك، ويسوؤها أن تضيع

جهودها عبثا ، ويؤلها أن تتفوق أمرأة أخرى عليها .

أكلوا الطعام بين راضی وساخط، مستريح ومنغص عليه ، وكثرت الاعتراضات والمداخلات والتساؤلات حول الإبقاء على منضدة السفرة أم إلغائها واستبدالها بجلسة أرضية ... و... و...

: با

الإسلام دين الذوق الرفيع، والإحساس المرهف الله ، وهو دعوة إلى الترقي في حياة الفرد المسلم، وفي

ببدائع صنع حياة الجماعة

المسلمة يوما بعد يوم .

والإسلام مع التطور والتقدم نحو الرقي والكمال بمعناها الحقيقي الذي يجعل الإنسان في سعادة وهناء ، لا التطور الوهمي الواقف عند القشور غير الناقد إلى النياب. ولقد نعي القرآن الكريم على أولئك الجامدين الواقفين عند القديم - من حيث هو قديم - دون استخدام العقل فيا يفيد الإنسان، فقال تعالى : ( قالوا بل وجدنا آباءنا

كذلك يفعلون، فال أفرأيتم ما كنتم تعبدون، أنتم وآباؤكم

الأقدمونه {الشعراء : ۷۶-۷۶) .

والإسلام لا مانع أن تكسبه عادات حسنة من غيرنا ، إن كانت صالحة لنا وللحياة، وليس لها تأثير سلبي على عقيدتنا، بل يحصن أتباعه على البحث عن كل نافع في الحياة يعين على أمر الله في يسر وسهولة ، وكلما كان الأمر أيسر على الإنسان، كان الإسلام إليه أميل، ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم.

ومن المسلمات أن رسول الله و عندما أرسل، لم يرسل لنسف قواعد المجتمع القائم من أساسها، ولكنه بعث لتصحيح الانحراف في العقيدة، وما تبعه من انحراف وخلل في السلوك . أما ما كان حسنة ، موافقة الفطرة والمدی؛ فقد أقرهم عليه ولم يلغه. وهذا واضح تماما في موضوع الأنكحة في الجاهلية، حيث أبطل ما لا يتفق والفطرة ، وأبقى الأسلوب أو النهج الحسن، الذي يرضى عنه الله تعالى، وفيه مصلحة

+

. لا

الأطراف جميعها. ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير أنه عائشة

رضي الله عنها) زوج النبي * أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء ، منها نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، وهذا الذي أقرهم الإسلام عليه ، وألغي الثلاثة الأخرى وهي: نكاح الاستبضاع، والعشرة يدخلون على المرأة الواحدة، والبغاء (1) . وواضح أيضا في موضوع حلف الفضول الذي قال عنه الرسول : «لو دعيت به في الإسلام لأجبت» (۲) . فهر إذن لا يلغي كل شيء من المجتمع، بل يلغي السييء ، ويبقي على الحسن .

ومن المعلوم أيضا أن الشئة : قول أو فعل أو تقرير، وعندما يقر النبي * إنسانة على شيء فقد وافقه، ويلمح في الإقرار جانب طبيعة الناس وعاداتهم المتأصلة فيهم ، فهو إن أقر شيئا، أقر عادة أو فهمأ أو رأية أو سلوكا ، وهذه الأمور لا تثبت من فراغ، بل من خلفية عند الإنسان، هي المجتمع وما يسود فيه من قيم فكرية أو سلوكية ... الخ.

أما الشئة الفعلية، فهي تصنف تحت العزائم، فما يفعله الرسول قد لا يستطيع فعله عموم الناس ، فن يستطيع أن يصوم مومه؟ أو يقوم قيامه ؟ أو يذكر الله ذكره؟ ... الخ ولذا فهي لأصحاب العزائم.

(1) (۲)

انظر الحديثه في فتح الباري ج ۹ مې ۰۰. فقه المسيرة الشيخ محمد الغزالي م م ط الرابعة دار الكتب الحديثة .

:

د

ده

أما الشتة القولية، فهي تصنف في الرخص، وهي لعامة الناس وخاصتهم، ولذا يقول : «... فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، و إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم »(1).

ومن المعلوم أيضأ، أن سلوك الرسول في حياته قسمان : قسم لكونه نبي، فنحن متأسون به فيه ، ولنا الأجر لقوله تعالى : ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) [الأحزاب: ۲۱}، وقسم خاص به لكونه بشر، نقلده ونتبعه إن أردنا ، دون إلزام، أو لا نتبعه فيه دون أن يكون علينا إثم أو مؤاخذة ، من ذلك: عدم أكله الضب، فلا قال له خالد بن الوليد (رضي الله عنه) : أحترام الضب يا رسول الله ؟ قال: «لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه» (۲) فهذا جانب شخصي بحت.

هذه مقدمة تيسر لنا الدخول في صلب موضوعنا، وهو تناوله

الطعام على طاولة السفرة

أما الحديث الذي استشهد به المعترض على طاولة السفرة فهو

لأنس (رضي الله عنه ، وله روايتان في صحيح البخاري:

الأولى: عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال : لم يأكل النبي * على خوان حتى مات، وما أكل خبزة مرققة ختي ماست » (۴)

Lir.

(1) (۲) (۳)

متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان ص ۳۰۹ حدیث ۸۹. متفق عليه . اللؤلؤ والمرجان ص ۵۰۷ حدیث ۱۲۷۳. فتح الباري ج ۱۱ ص ۲۳۶.

والثانية: عن قتادة عن أنس رضي الله عنه) قال: ما علمته النبي * أكل على شرجي قط ، ولا څيز له مرقق قط ، ولا أكلي على خوان قط . قيل لقتادة نسلي ما كانوا يأكلون ؟ قال : على الشفر» (۱)

ورد في هاتين الروايتين ثلاث كلمات، في حاجة لتوضيح وهي:

خوان، شکرجة ، الشفر.

أما الخوان : فهو المائدة ما لم يكن عليها طعام، وهي ما يؤكل عليه ، أو يوضع عليه الطعام للأكل، وهو شيء مرتفع عن الأرض ، ويشبهه في زمننا هذا المنضدة ( الطاولة ) والطبلية ، وكل ما يرتفع عن الأرض. والكلمة (خوان) عربة.

:بال

اند

:

والشكرجة : قصعة مدهونة ، وقيل قصعة لها قوائم ، وهي أيضا إنماء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الإدم. وهي (فارسية). ويشبهها في زماننا السمحون العميقة والسلطانيات... الخ.

والشفر: جمع شفرة، والسفرة طعام المسافر، وما يحمل فيه هذا الطعام من منديل ونحوه ، وسميت سفرة لأنها تبسط إذا أكل عليها . ويشبهها في زماننا مفارش النايلون، والثوم، والورق، وللشمع... الخما يوضع على الأرض مباشرة (2)

والسؤال الآن: لماذا لم يأكل النبي * على هذه الأشياء أو فيها

أو يستعملها؟

د

.

(۱) (۲)

فتح الباري ج ۹ ص ۳۸۔ انظر في هذا الشري: فتح الباري، لسان العربية المحيط ، المعجم الوسيط .

۶۳

والجواب: إما لأنها كانت غير معروفة لهم، أو معروفة ولكنها غير

منتشرة ، وإما زهدة من النبي صلى الله عليه وسلم .

ولتناقش هذين الجوابين حتى نصل إلى الحقيقة، ولنقف عند

الجواب الأول: أنها غير منتشرة عندهم وفي زمانهم.

قال العسقلاني في الفتح ( ج ۹ ص ۹۳۸): « قال شيخنا في شرح الترمذي: ترکه الأكل في السكرجة إما لكونها لم تكن تصنع عندهم إذ ذالك ، أو استصغار لها، لأن عادتهم الاجتماع على الأكل ، أو لأنها... كانت لوضع الأشياء التي تعين على الهضم، ولم يكونوا غالبا يشبعون ، فلم يكن لهم حاجة بالهضم ».

ويؤكد هذا الرأي أن أنس رضي الله عنه) كان من اخر الصحابة وفاة، فقد قمر حتى بلغ مئة وثلاث سنين، ومات سنة ثلاث وتسعين من الهجرة (1) في خلافة الوليد بن عبد الملك (۲) وقد استعمله أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه) عندما كان والية على البصرة ، فجعله عام له على فارس (۳) .

إذن فقد عاش أنس رضي الله عنه) حتى فتحت البلاد مثل فارس والروم، واختلطت الشعوب، ودخلت عادات و کلمات لم يكن للعرب عهد أو علم بها، أو كان لهم ، ولكنها لم تكن منتشرة في محيطهم مثل خوان وسكرجة. وهذا يؤكد أن كلام أنس رضي الله

.

(1) (۲) (3)

أنس بن مالك عبد الحميد طهماز ص 174. تاریخ الخلفاء السيوطي ص ۲۰۱. أنس بن مالك لعبد الحميد طهماز ۱۰۷

عنه) حدث بعد انتشار هذه الأشياء في بيوت المسلمين على أثر احتكاكهم بالفرس، لا سها وقد عملى أنس رضي الله عنه) في بلاد فارس ست ما تقدم -.

وما يقوي هذا الرأي، أن المسلمين الأوائل كان فيهم الأغنياء والسادة، ولم نقرأ أو تسمع أنهم كانوا يملكون شيئا من تلك الأشياء ، مع علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل في بيوت بعضهم على موائدهم ، ولا يعقل ألا يستخدموها إذا كانت متوفرة في بيئتهم.

أما الجواب الثاني : أنه لم يأكل عليها أو يستخدمها زهدأ منه * فقد أورد العسقلاني في الفتح (ج ۱۱ ص ۲۳۶) قول ابن بطال: «تركه عليه الصلاة والسلام الأكل على الخوان وأكل المرقق إنما هو

النفع طيبات الدنيا اختيارا لطيبات الحياة الدائمة ».

ونحن لا نميل إلى هذا الرأي، لأن النبي لم يكن في زمانه وفي محيطه من يأكل على أو في هذه الأشياء ويستخدمها، رغم أن فيهم الأغنياء والسادة كما أسلفته . ولم يؤثر عن النبي و أنه امتنع عن الأكل عند بعضهم لأن عنده خوان أو سكرجة أو ما شابه ذلك بدافع الزهد أو الترفع عن نعيم الدنيا. قال ابن القيم تعليقا على موضوع الضي: « بل كان يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله » (1) فقضية العادة واردة، وكما هو معروف من حياة النبي ع أنه كان لا يجد ما يملأ به بطنه ، فإن وجد أكل وتنعم ، فقد

(1)

زاد المعاد ج 4 ص ۲۱۷

+

|

أكل الثريد (1) واحتز من كتف الشاة (۲) واختص بطعام أو شراب اتاقة له (۳). وهو أعلم خلق الله بقوله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) الأعراف: ۳۲) وهو الملام في قوله تعالى : ( يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم { التحريم: 1]. أتراه بعد ذلك يقف هذا الموقف ؟!

كما أن الأكل في هذه الأشياء أو عليها لا ينافي الزهد، لأن الزهد ليس في هذه الأمور، بل قد يأكل المرء ويلبس ويتنعم في الحياة وهو من أزهد التاس، قال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل، وليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء ، وقال الحسن البصري: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ، ولكن أن تكون ما في يد الله أوثق منك ما في بدك ، وكان الفضيل بن عياض يقول عمن ترك الطيبات من اللحم والخبيصي للزهد: ما الزهد وأكل الحنبيص، ليتك تأكل وتتقي الله ، إن الله لا يكره أن تأكل الحلال إذا اتقيت الحرام (4) ...

* * *

يتبين لنا من السرد السابق أن النبي

لم يأكل

على

خوان أو في

(1) رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه). روضة المحبين لابن القيم

مصر ۲۹۸. (۲) متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان ص 74 حديث ۲۰۱ (۳) حديث سهل بن سعد في صحيح البخاري، انظر فتح الباري جه 1 سم ۲۰۰. (4) من كتاب خطوط المؤلف بعنوان « وفقيد آخره .

*

بد

سكرجة لأنها كانت غير مألوفة ولا متوفرة في زمانهم ولا محيطهم،

وليس للزهد أو التقشف.

ثم إن حديث أنس رضي الله عنه) بروايتية، ليس للإلزام ، ولكنه مجرد إخبار، والأخبار غير ملزم إذا أخذنا بعين الاعتبار موضوع الشنة من قول أو فعل أو تقرير.

ويؤكد عدم الإلزام أن أنسأ نفسه (رضي الله عنه) كان له خوان يأكل عليه ، ويتمتع بالطيبات. أورد العسقلاني في الفتح (ج 1 ص 437): «عن قتادة؛ كنا نأتي أنسأ وخبازه قائم، زاد ابن ماجه: وخوانه موضوع. فيقول: كلوا، وفي الطبراني من طريق راشد بن أبي راشد قال: كان لأنس غلام يعمل له النقانق ويطبخ له لونين طعامة ويخبز له الحواري ويعجنه بالسمن». .

ولو كان الأمر ملزمة، لكان أنس رضي الله عنه) أول وأسرع من يلتزم، ثم إن الأحاديث التي تخبر عن حياة النبي بهذه الصيغ كثيرة « ما شبع رسول الله * في يوم شبعتين» «ما شبع رسول الله من غداء وعشاء » «ما جمع بين غذاء وعشاء ثلاثة أيام ولاء» «ما رأى رسول الله منخلا من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه إليه » (1)

والاخبار هنا لا يخرج عن قول من يقول في زماننا هذا: «ما علمت أن النبي * ركب في غواصة قط» أو «ما علمت أن النبي * رأي الأهرامات قط» أو «لم يأكل النبي الموز حتى

(۱) انظر في هذه الأحاديث الترغيب والترهيب ج 1 ص ۲۰۰۱۹۰.

}

=

را با

و

د

.

مات» لا فرق بين هذه العبارات وتلك التي في حديث أنس (رضي الله عنه).

كما أن النفي في الحديث تضمن عدة أشياء منها: ما أكل مرققا . ونحن الآن نأكل المرفق بلا جرس، ونأكل قبة القمح، بلی لمبه القمر هو الغالب على تحقيق الناس اليوم، وأكثره وفرة حتى تكاد تعجز أن تجد دقيقا بنخالته في ظل المطاحن الحديثة والدقيق المستورد، بينها النبي * - بأبي وأمي - كان يأكل مطحون الشعير بلا منخل، أقلة الطعام وعدم توفر هذه الأشياء كما أسلفنا.

وخلاصة القول:

أن الإسلام يحث على طلب كل ما ييسر الحياة الناس من غير ثم، والطاولة من تيسير الحياة ، لا سيما إذا وجدت، وربات البيوت أعلم الناس بذلك، كما أن هناك فئة من الناس لا تحسن التريع أو الجلوی أرضا لأسباب خلقية (جسدية).

وأن الإسلام مع الرقي والتطور الذي لا يمس عقيدة الناس وسلوكهم بسوء ، وهو دين شامل للناس جميعهم ، وللبيئات كافة في

كل زمان

وأن طاولة السفرة لا ارتباط بينها وبين الزهد أو التواضع من قريب أو بعيد، فقد يكون الكير مع الأكل على الأرض، كما يكون مع الأكل على الطاولة ، والعكس أيضا صحيح.

وأن الاهتمام بمثل هذه القضايا وجعلها محور الحياة ، يصرف

الناس والشباب عن أشياء أهم وأنفع لهم وللإسلام وللدعوة .

 

=======================================



تغيير المنكر

رجع الشاب من منتر به بعد غياب سنة كاملة، كان فيها مكدا جدا، رجع بمبلغ من المال يرفع عن أسرته نير الديون، ويعطيها دفعة إلى الأمام نحو الاستقرار والعيش الكريم، رجع إذن بغنى مادي نسبي ولكن الغني الأكبر في حياته، كان في الفهم الذي بدأ يتغلغل في عقله عن طبيعة هذا الدين، وفي الحب الجارف الذي سيطر على كيانه النصرة الإسلام والدعوة إليه، وحمل القاصي والداني من الأقازيب والأحباب والأصحابه على الالتزام به، والسير على نهجه.

وللغتي غوائله ، وجريان المال في اليد فعله الساحر الذي يزلزل كيان الإنسان ، ويهز قواعد الثبات عنده .. إلا من رحم الله - وصف الله هذه الحالة بقوله : { كلا إن الإنسان ليطفي، أن رآه استغني 4 (العلق: ۱-۷]، فهو طغيان بأي شكل من الأشكال كان .

والناس مع الغنى يتنازلون عن الشيء الكثير، وأقرب تنازلاتهم التسليم له بما يقول أو يفعل، وأضعف الإيمان السكوت عن رضي أو مداراة .

وللحماس أيضأ غوائله ، من الاعتزاز بالنفس، والاغترار بالبضاعة القليلة من الفهم أو العلم، وما يتبع ذلك من استعلاء على الآخرين ، وتطاول على المتقدمين، وحمل الناس بالحق أو بالباطل على موافقة مصاحبه على رأيه أو موقفه، واتهام المخالفين بالمروق من الدين، أو المهم السقيم.

عاد الشاب المغترب بغني مادي نسي ضمن له السكوت من الآخرين، و بحماس ملتهب جعله كالسيل لا يقف، ولا يلتفت إلى

جانبي الوادي، يجرف في طريقه كل معترض أو مخالف

الفرحة قسم البيت بالأخ الأكبر والابن البكر الذي عاد بعد

غياب سنة كاملة ، لأول مرة في حياته وحياتهم، وجد أخته العروس التي لم يمض على زواجها ستة أشهر في البيت تنتظره مع بقية العائلة وبعد أن سلم وجلس، وتبادل الفرحة معهم، لاحظ التغير على أخته في ملبسها وزينتها، فقد أصبحت زوجة، وهي الآن في شهور العسل ...

امتعض هذه الملابس القصيرة، التي تكشف عن الساقين، والشعر المكشوف، والزينة الواضحة، التي لا تختفي عن قريبا أو بعيد، فغضب غضبة مصرية ، وأمر أخته بتبديل هذه الثياب، وعدم الخروج بها إلى الشارع، مهما كانت الظروف، ولو كانت رغبة الزوج نفسه ، لأنها مخالفة لأمر الله، و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .

H

درد

فاشتد التقاش، وعلا الصوت، فحسم الأمسية القضية بإرجاء الحوار والحديث في هذا الموضوع إلى ما بعد .

شعر الشاب المتحمس أنها مناورة ، وأنهم لن يستجيبوا لدعوة الله التي يحملها لهم من مغتربه، وهم المسلمون !! ولكن فتنة المدنية الحديثة، وحب التقليد ومسايرة العصر طغت عليهم ، وهو يريده إرجاعهم إلى حظيرة الإسلام، إلى التدين الصحيح .

مضت الأيام وهم لا يستجيبون لدعوته ، يملؤهم الاستخفاف بصغر سنه، والأخت ما زالت على عنادها، فقام إلى ملابس العرس جميعها، فأخذها و کومها كومة في منتصف الحديقة، وسكب عليها « الكاز» وأشعل فيها النار، بين صياح واعتراض ورجاء ات وتوسلات، ولكن السيل الجارف من الحماس داس على كل هذه المعوقات وتخطاها، ونفذه الشاب ما يريد، وهو بذلك مسرور لأنه غير المنكر بيده، كما قال النبي * اقتنعوا أو لم يقتنعوا، المهم أنه استراس المقدرته على تغيير المنكر، وبأعلى درجات التغيير

د

:

الإسلام دين متكاملى ، تتجمع أجزاؤه لتكمل بعضها بعضا ، فهي كالحلقات المتصلة في سلسلة ، فالحلقة الواحدة تتصل مع هذه بطرف،

ومع تلك بطرف، وإذا قطعت واحدة تقض التسلسل والتماسك.

ورغم قوة التماسك والتكامل هذه، إلا أن المشرع وضع داخل بناء الإسلام نفسه ، وفي منهجه أسس المناعة الداخلية ضد الانحراف والتميع والفكك، حتى يبقى الإسلام قوية. .

!

وطالما أن أفراد المسلمين أخذوا بعيد المناعة الداخلية ، فالإسلام في نفوسهم وحياتهم بخير، أما إن تركوا قضية المناعة مجانية، وانشغل

كل واحد بنفسه ؛ دارت الدائرة عليهم، بعد أن تصيب غيرهم ، فهم

ليسوا بمنأى عن الشر

وللناعة التي نقصدها هي موضوع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي قضية الاسلام الهامة التي تبقيه حية في نفوس المسلمين ما تمسكوا بها.

والأمر بالمعروف مس وهو الشق الأول لهذا المبدأ العظيم - أيسر على النفوس من تغيير المنكر، ولذا يجد الداعي إلى تغيير المنكر الكثير من العنت والعداوات، حتى ولو كان صيتة ماهرة.

ونحن لسنا في حاجة للتدليل على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة المسلمين ، فالنصوص كثيرة من الكتاب والسنة يعرفها الجميع، وما أظن أن هناك أحدا من المسلمين البالغين إلا وطرق سمعه شيء من هذه النصوص، حتى بات الجهل بها ليس عذرا، کھا هي المقولة العلمية المعروفة: «لا يعذر في دار الإسلام الجهل بالأحكام »

ولكن الأمر الأهم في قضيتنا هذه، هو الفهم التطبيقي لبعض جوانب هذا المبدأ الحيوي، الذي لا بد أن يعم المسلمين، ويرفرف

ا

حياتهم •

ولعل أقرب هذه النصوص مأخذأ ، قول الني : من رأى منكم منكرة فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع

فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (1). والنبي في هذا النص حدد درجات تغيير المنكر، وأناط المسؤولية بتحاد المسلمين (أفرادة) - وفي نصوص أخرى أناطها بالجماعة . وبذلك لا يعذر أحد بترك الهام في تغيير المنكر، بدعوى أن لا جماعة تساعده ، وجعل هذه الدرجات في يكتة كل فرد على اختلاف مقدراتهم، فسقط الاعتذار، وردت الحجج على المتخاذلين.

ولكن القضية التي التبست على كثير من الناس، هي قضية تحديد الدرجة التي يكون عليها الفرد عند تغيير المنكر في حادثة معينة ، فوق الخليط ، وهذا بدوره أدى إلى كثير من المصادمات والمشاكل في

حياة الناس، أفرادا وجماعات.

ولكي نبسط القضية نقول: أن تغيير المنكر بالقلب س وهي أضعف الإيمان -- درجة تعم الجميع، ولم تترك عذرة لأحد. فكل مسلم - مهما كان ضعيفا - ملك تغيير المنكر بالقلب، وحدوده «كراهية المنكر، وعدم مودة فاعليه مهما كانوا». يوضح هذا الموقف قول سیدنا ابراهيم (عليه السلام) بعد أن نصح قومه، وأمر بالمعروف و نهی عن المنكر، فلم يستجيبوا له : ( وأعتز لكم وما تدعون من دون الله ، وأدعوا ربي عسي ألا أكون بدعاء رب شقيا ) [مريم: ۸}} وقول في الله لوط (عليه السلام): « قال إني لعملكم من القالین، ربه نجحني وأهلي ما يعملون في الشعراء: ۱۹۸-۱۱۹]. وهذه درجة يملكها كل فرد من المسلمين ، فإن قال قائل: قد يجر فرد علي

(1)

رواه مسلم، رياض الصالحين ص ۱۰۰.

المشاركة تحت ضغط الوظيفة أو العائلة أو سلطان جائر!! قلنا: قد !! ولكن القلية وكراهيته لا يملكها أحد من البشر، ولا سلطان على القلب إلا لله رب العالمين، فلتكن الكراهية المركوزة في القلب، والتي لا تترك صاحبها يستمتع بشیء خالطه المتكر، تماما كما هي درجة المضطر الذي أبيح له أكل الجيفة !! هل يستلذ بها أو يقوم عليها ؟ !!

أما الدرجة الثانية، وهي تغيير المنكر باللسان، فهي لفئة مخصوصة، أكثر قدرة من الفئة السابقة، وهي طبقة الوعاظ، والعلماء ، والمعلمين، وكل فرد مسلم يملك هذه المقدرة، سواء أكانت علمأ أو جرأة أو فصاحه، وكل ص إنسان بنعمة من هذه النعم أكثر من غيره؛ لزمته المحجة، وكان أكثر مسؤولية أمام الله عز وجل عن تقصيره. قال نبي الله موسى (عليه السلام) عندما أمره الله أن يذهب إلى فرعون لينصحه ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر: ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ، فأرسله معي ردءا يصدقني ، إني أخاف أن يكذبون) [القصص: 34 -

وأما الدرجة الثالثة، وهي تغيير المنكر باليد ، فهي مسؤولية فتلة من الناس قد خصهم الله بالسلطان، فهم مسؤولون عن تغييره بأيديهم داخل سلطانهم ولا يعذرون بترکه .

ومجال السلطان يختلف من واحد إلى آخر، فالحاكم في دولته أكبر سلطانة من الوزير في وزارته، والوزير في وزارته أكبر سلطانا من المدير في دائرته داخل الوزارة الواحدة، ورئيس القسم أقل مسؤولية

.

 

من المدير، والأب في أسرته يملك سلطانا على أهله وأولاده ، والدريس في تلاميذه له هذا السلطان ... الخ. ولكن العكس ليس صحيحا ، ومن هنا جاء الخلط. فالمدرس يملك سلطانا على تلاميذه، ولكن ليس له السلطان على المدرسة كلها ما فيها المدير مثلا، في حين أن المدير له سلطان على هذا الدرس وغيره من المدرسين وكذلك على تلاميذ المدرسة جميعا ، والأب له سلطان على أبنائه وزوجته ، ولكن ليس له سلطان على الحكومة أو الدولة بأسرها... وهكذا.

فصاحبة السلطان - المقدر بقدره ، كل حسبة ما وهبه الله من سسة السلطة أو ضيقها سس مسؤول أمام الله عن تغيير المنكر بيده داخلی سلطانه وفي حدوده.

وهنا تنشأ تساؤلات: هل للمسلم أن يترك درجة هو فيها إلى درجة أضعف ؟ كأن يملك التغيير باليد، فيتركها إلى اللسان، أو باللسان، فيتركها إلى القلب بغير عذر؟ وما هو العذر المسوغ لهذا التحول من درجة إلى أخرى أقل ؟

وقبل أن نجيب عن هذه الأسئلة، نحب أن نوضح أن كلمة أو درجة « بيده لا تعني حرفية الكلمة، بل قد تكون اليد القوة والسلطان القاهر، فأمره هنا وإن كان باللسان - في قوة التغيير باليد. أرأيت لو أن حاكما مر في شارع فرأى خمارة أقيمت، فهل عليه أن يأخذ فأسأ بيده ويحطمها أو يزيلها، أم يكفي فيها الأمر بإزالتها؟ وهذا الأمر من الحاكم له قوة التغيير باليد. أرأيت لو أن أبا رأى أبنه قد ترك شعره حتى أصبح خنفوسة، متشبها بالكفار

لی

والفاسقين، فهل عليه أن يمسك بالمقص ويزيل الشعر، أم يكفيه الأمر باللسان، وهو بالنسبة له في قوة التغيير باليد ؟

إذن اليد هنا تعني - في معناها الواسع - السلطان القاهر أو

الأمر الذي لا ي؛ أو يكسر.

وأما بالنسبة للأسئلة السابقة، وإن كان ظاهر الحديث يوحي بالتدرج من اليد إلى اللسان إلى القلب ، ولكني أعتقد أنه لا يقصد هذا الترتيب لذاته ، بل الأمر فيه متروك لتقدير الداعية نفسه للموقف الذي أمامه ، ودليل هذا أن الله عز وجل قال : وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) [النحل: ۱۴۰) ويلمح عکس هذا الترتيب تماما في تغيير المنكر في الحياة الزوجية مثلا، فالمرأة التي تنشز عن طاعة زوجها، أو يتوقع منها هذا - وهو منکر بلا شك - وضع الله لزوجها أسس تأديها، فبدأ بأخف الأمور، منتهية بأصعبها فقال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، وأهجروهن في المضاجع، واضربوهن ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} [النساء: 34} -

والترتيب في تغيير المنكر بين الدرجات ليس بلازم، وإنما يترك الأمر لتقدير الداعية لنفسه، وموقفه، وللمنكر المراد تغييره، وأصلح الطرق وأقومها في الوصول إلى الغاية المرجوة .

أما الأعذار التي تبيح للمسلم الانتقال من درجة إلى درجة أخرى، أو الأخذ بدرجة دون غيرها فكثيرة، أهمها في تقديري: الخوف على النفس أو الأهل أو المال، دون تحقيق الغاية المرجوة من

ته

الإنكار. هذه واحدة، والثانية: أن يؤدي تغيير المنكر إلى نتائج عكسية فتحدث فتنة أو منكر أشد.

أما دعوی ترك التغيير كليا - أي إنكار المنكر مي خوف عدم النجاح ؛ فهذه خدعة الشيطان، يخوف بها أولياءه ، لأن المسلم عليه أن يدعو بتعقل وروية، بلغ النجاس أو لم يبلغ ، فقد وقع أجره على

* * *

وهناك نقطة تحتاج إلى توضيح في قضية تغيير المنكر، وهي شروط تغيير المنكر. ورغم ما قال العلماء في بيانها وتعدادها، إلا أني أرى أن أهم شرطين هما:

ا- أن يكون المنكر منكرة في الشرع، مجمعة عليه من العلماء ، أما ما كان في مذهب واحد من مذاهب العلماء ، فلا يجوز الإنكار فيه . قال سفيان الثوري (رحمه الله : « إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه ، وأنت ترى غيره فلا تنه (1) لأن هذا الموقف مدعاة للبلبلة والشوشرة بلا مبرر قوي، ولا فائدة ترجى من ورائه .

- أن يأمن الداعي من وقوع فتنة لا يدري إلا الله تعالى با

تكون عاقبتها (1) بمعنى أن يتولد عن تغيير المنكر منكر أشد، ولعل من أبرز الصور في هذا الجانب، ما حدث مع شيخ الاسلام ابن تيمية

- رحمه الله بس عند احتلال دمشق، فعاث الجنود فيها فسادة، ومن

(1) سفيان الثوري. الدكتور محمد البيانوني ص ۹۸ (۲) مقدمة كتاب المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد ص ۲۹.

ه

فسادهم شرب الخمر، وما يتبعه من سكر وعربدة ، فلا قيل له في تغيير المنكر عليهم قال : دعوهم. لأنهم لو فاقوا قتلوا المسلمين. فهو قد ترك تغيير هذا المنكر، خوفا من منكر أشد و بلاء أعظم.

ومن القضايا التي تلتبس على كثير من الناس ، قضية تغيير المنكر من الأصغر إلى الأكبر، بمعنى هل للابن تغيير منكر عليه أبوه ؟ وهل للتلميذ إنكار المنكر على أستاذه؟ ... وهكذا. والجواب: نعم، الأصغر تغيير المنكر الذي يقيم عليه الأكبر، ولسنا بصدد التوسع في هذه النقطة مجالها بطون الكتب، أو دراسة أوسع، ولكننا نبشظ القول فيها فنقول: له أن يغير المنكر باللسان « الموعظة الحسنة » مع الأدب والأحترام والتوقير، فإن أصر الأكبر على موقفه، فللأصغر تغييره باليد، مع الأخذ في الاعتبار عدم تولد فتنة أو مشكلة أكبر من المنكر ذاته (۱).

ومن القضايا التي يجب الالتفات إليها في تغيير المنكر - لا سيما باليد - أن اتلاف المنكر لا بد أن يقتصر على المحرم نفسه، ولا يتجاوزه إلى الحلال أو المباح، أو إتلال الذي لابسه حرام ، فلو تبدل الوضع لأصبح حلالا صرقة ، هنا لا يجوز التعدي بالا تلاف. ولكي توضع هذه النقطة وبها نقول: لو أن زجاجة فيها خمر. الخمر حرام، لكن الزجاجة بلا خمر لها استخدامات مفيدة ، فيقتصر الأمر على إراقة الخمر ولا يتعداها إلى كسر الزجاجة. وفي قصتنا، إن الملابس في حد ذاتها مباحة، وحلال لها، ولكن الذي جعلها محرمة

لا لا

(۱)

راجع إحياء علوم الدين ج ۲ ص

۳۱۰-۳۱۹ نقد بسط الغزالي القول فيها.

كونها تخرج بها ليراها غير المحارم ، فأصبحت حراما ، فلو تغير الوضع، ولم تخرج بها ليراها الأجانب، واقتصرت في لبسها على البيت وأمام محارمها المنصوص عليهم في سورة النور الآية: (۲) لأصبحت الملابس حلالا وليها مباحأ ولا حرج فيه ، هنا لا يجوز التعدي بإتلاف الملابس كما حدث مع صاحب الحادثة .

* * *

*

-

وأريد بعد كل هذا أن أهمس في آذان الدعاة ، همسات تنفذ من

الأذن فتصل إلى القلب، فتخالطه وتلامس شغافه، وتبل جفافه.

يا دعاة الإسلام ، يا من اتخذتم طريق الدعوة إلى الله مسلكا صبغ حياتكم ، وقالية شكل أمانيكم وطموحاتكم، يا من اخترتم أعلى درجات الحسن في الحياة الدنيا والآخرة بشهادة رب العالمين: ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) [فصلت: ۳۳

تعالوا نسأل أنفسنا أسئلة، نتعرف من خلالها على حقيقتنا وحقيقة من يحيط بنا، حقيقة البيئة التي نقحرله فيها. من نحن؟ ومن الناس الذين نعيش معهم ونتوجه إليهم بالدعوة؟ ما البيئة التي نعيش فيها نحن وهم ؟

نحن مسلمون، والناس الذين تعيش معهم مسلمون، فهم أهلنا وإخوتنا وأقار بنا، يشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويصلون صلاتنا، ويأكلون ذبيحتنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا آمالنا وطموحاتنا وآلامنا واحدة ، لا فرق .. لا فرق..

الفارق الوحيد بيننا وبينهم ، أن الإسلام في قلوبنا متحرك، وفي قلوبهم نائم مخدر. الإسلام في قلوبنا متحرك عم الحياة كلها، ونفذ إلى

كل خلية في الكون وفي أجسادنا، وعندهم اقتصر على صلوات بلا روح، وعبادات غت من هدفها، وقيم مدث في خزانة تاریخ

نحن من عهد قريب كنا مثلهم ، فأنعم الله علينا بالفهم والهداية ، نفهمنا واهتديتا، وصدق الله العظيم : و كذلك كنتم من قبل فن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ) [النساء: 14 ولو عاد الواحد منا إلى الوراء، لتذكر أنه كان واحد من هؤلاء ، فمن الله عليه بانسان داعية -- رجل أو امرأة - فتح عينيه على حقيقة الإسلام، فكأنه يوم رآها كأنما ؤلد من جديد، وهو يحمل لهذا الإنسان كل حبة ومودة ومئة في رقبته إلى يوم القيامة ، يشهد له بالأستاذية وبالفضل، الذي خرج به من الظلام إلى النور، ومن الشلال إلى المدى، ومن الضياع إلى الوضوح والاستقرار والرؤية الصائبة.

دارا

ولو عدنا إلى الوراء، لتذكرنا أن هذا الذي فتح عيوننا على حقيقة الإسلام، أخذنا إليها برفق ولين، ولم يأتنا بالضغط والقسوة والشدة ، لأن الذي يوافقك على رأيك مكرها، وافقك خوفا أو ضعفأ لا قناعة ، وقد قيل: «من وافقك على رأيك تحت الضغط لا زال عند رأيه الأول»، وأن تقدم لإنسان يرتعة عسل يستسيغها أحب إليه من برميل علقم..

وندرك أهمية الرفق في الدعوة إلى الله ، من هذا التركيز والاهتمام اللذين أولاهما الاسلام للرفق واللين. في القرآن الكريم والسنة المطهرة قيض من النصوص التي تطالب بهذا الرفق، فالله تعالى يقول : وأدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) [النحل: ۱۲۰} وفي الصحيحين من حديث عائشة (رضي الله عنها قال رسول الله : « إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر کله » (1) وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها): در إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شانه » (۲) ذلك أن التوفيق والنجاح مقرون بالرفق، لأن القضية أساسية تتعامل مع القلوب، وما لم يكن القلب رحيمة ، والتعامل رفيقا رفيقة، أغلقت قلوب الآخرين دونه ، ولذلك يقول الله عز وجل النبيه : وفيها رحمة من الله لنت لهم، ولو کنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) [آل عمران: ۱۵۹] ولهذا كانت توجيهات الرسول - المجرب للأساليب، وأستاذ الدعوة الأولى - إلى أتباعه أن يأخذوا جانب الرفق مع المدعو، لأنه طريق النجاح والفلاح، في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله * يقول: «من يحرم الرفق بجرم الخير كله»(۳) وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله رفیق

الما


(۱) (۲) (۲)

متفق عليه , رياض الصالحين م ۲۷۹. المصدر السابق. رواه مسلم . رياض الصالحين ص ۲۷۹.

يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه »(1).

ولعلكم سمعتم أو قرأتم القصة الرمزية (الأسطورة التي تتحدث عن المنافسة بين الشمس والريح في مقدرة كل منها على إجبار بدوي في الصحراء على خلع ردائه ، فقالت الريح: أنا أقدر منك، وقالت الشمس: بل أنا أقدر منك ، فدخلتا في تنافس، فأعطت الشمس الفرصة للريح، فغابت عن الكون، واختفت خلف السحبه، وبدأت الريح تهب، وتزداد شدة وعنفا ، والبدوي متمسك بردائه وكلا اشتدت؛ زاد تمسكه بردائه ، وتلفلفه به، حتي عجزت الريح رغم عنفها وقوتها وأعاصيرها. فلا بأن عجزها واستسلمت؛ سكنت وأعطت المجال للشمس، فأخذت تطل بوجهها برفق من بين الغيوم، فديء الكون، ودخل الدفء برفق إلى جسد البدوي، وبدأت الشمس تزيد من حرارتها رويدا رويدة بتدرج رفیق، لم يعد البدوي يطيق رداءه، فخلعه وألقاه جانبا ...

وأريد طرح سؤال هنا، أوجهه إلى الدعاة المتحمسين المخلصين من الشبانيا: أي الطريقين تريد سلوكه في دعوتك، الأسهل ثم الأصوب ؟!

فإن كنت تريد الأسهل، حتى تستريح وتعتذر إلى الله، أنك قمت بواجيك، نجحت أم لم تنجح ! فدونك العنف والشدة والصراخ والظهور وإعجاب الجمهور!! ولكنك في النهاية ستكتشف أنك لم (1) رواه مسلم . رياض الصالحين ص ۲۷۰.

.

تنجح، فلم تكسب أحدة إلى صفك، بل كسبت العداوات، فض؟ عن أن عملك حبط ، لأنه لم يكن خالصة، بل وقد تكون بعملك أو سلوكك هذا تسمپت في نفور الناس من الإسلام، ورفضهم لقيمه ومبادئه التي تنادي أنمت بضرورة هيمنتها على مناحي الحياة جميعها، فتكون بذلك ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى : { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعة ) [الكهف: ۱۰۹} ولذلك كان رسول الله * يبغض التنفير ويحذر منه ، ويوجه نظر صحابته إلى ذلك، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه): لا يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا» (1) وفي حديث ابن مسعود (رضي الله عنه) في الصحيحين، أن رجلا قال: يا رسول الله ! إني الأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله في موعظة أشد غضبا منه يومئذ : ثم قال: « إن منكم منفرين .... الخ الحدیث» (۲) .

وقد كان أحد الشباب المتحمس للدعوة في العصر الحديث، إذا تحلى بيتا فوجد فيه تمثالا مما يصنع الناس في مجالسهم للزينة -- حسب مفهومهم الخاطيء - قام وحطم التمثال، فتفر الناس منه ، وشكوه إلى داعية كبيرة فنصحه قائلا: لا نريد منك أن تحطم تماثيل الناس، بل مهمتك أن تجعلهم يحطمون تماثيلهم بأيديهم (3) . وهذه

به بال

تب

ا

:

(۱) (۲)

متفق عليه . رياضي الصالحين ص ۲۷۰ . متفق عليه. مشكاة المصابيح ج ۱ ص ۲۰۹ حديث ۱۱۳۲. طيع المكتب الاسلاميه کتاب « وقتيد آخر» للمؤلف.

(۳)

لفتة رائعة في توضيح دور الداعية الحصيف في تغيير المنكر. أما إذا اتخذ العنف سبية، فقد يتولد عنه عنف مضاد أكبر، وأضعف الإيمان فشله في كسب قلوب الخلق إلى منهج الإسلام ودعوته. ذكر الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد في مقدمته لكتاب المنهج الأحمد نقلا عن

طبقات ابن رجب ۱۳۰

/ ۱ طبعة دمشق) أن أحمد بن علي بن أحمد العلي - وهو أحد المشهورين بالزهد والصلاح، وكان عفيفة لا يقبل من أحد شيئا، ولا يسأل أحدة حاجة لنفسه ، وكان كثير الصوم والصلاة، مكرمة عند الناس أجمعين - يدخل مرة مع الشاع إلى دور السلاطين، وكان فيها صور مجسمة عن الإسفیداج ، قيلتمس فترة يخلو فيها بهذه الصور، فإذا وجدها أنمي عليها فكسرها ، فإذا استعظموا ذلك منه قال : هذا منكر، والله تعالى قد أمر بكسره، ويرفع أمره إلى السلطان، ويذكر مع ذلك س أنه رجل صالح مشهور بالديانة ، فيقول السلطان: يخرج، ولا يكلم، ولا يقال له شيء يضيق به صدره ، ولا يجاء به إلى عندنا مرة أخری (۱) .

النجاح الحقيقي في النفاذ إلى اللمب، لا في البقاء على سطح الجلد ، عند القشرة الخارجية ، فكم من معركة خضناها مع الخصم ، في مجال العلم والحجة والمناظرة، فخرجنا منها منتصرين ، مظهرين الضعفه وخذلانه و خالفته وتهافت حجته ، ولكن هذا الانتصار انتصار أشبه بالهزيمة ، لأنه انتصار أجوف، لم يؤد إلى نتيجة إيجابية، والنتيجة الإيجابية هي تحول الذي غيرت المنكر عليه إلى مقتنع ، القناعة التي تدفع صاحبها إلى العمل المتحمس للإسلام والدعوة إليه ، أما من (1) المقدمة ص ۰۲۱

14

تم لك مكرها، فهو لا يتحمس لرأيك، ولا أفكرتك ، وإن تظاهر بذلك، لأن من المسلمات في الحياة أن الإنسان لا يميل إلى من هزمه وعری ضعفه وأشهر خطأه، ولذلك بيق هذا الإنسان سلبية، يتظاهر بالموافقة، فإن لاحت له بارقة ؛ تفلت وانعفسه مرة أخرى إلى ما كان عليه .

وخروج الإنسان من حوار أو جدل أو موقف منتصرة في مجال الحجة ، ولكنه مهزوم كداعية مجاله قلوب الخلق قبل عقولهم، فتلك نتيجة سيئة، وسهم ضلی هدفه. وأما الانتصار الحقيقي للداعية فهو عندما يحول مرتكب المنكر إلى صنعه عن قناعة وحسب، فيصبح هذا المتحول حاملا فكره ، الذي هو فكر الإسلام ومبادئه وقيمه التي نريد لها أن تعم الأرض، وتعيد المحد.

أما إذا أراد الداعية المتحمس أن يسلك الطريق الأصوب، فإن هذا الطريق له علامات وصوی، يجب أن يعرفها ويسترشد بها حتى لا يضل ولا ينحرف، ويصل إلى هدفه دون تضييع وقته أو جهد . وأرشد الشباب المسلم المتحمس إلى بعض هذه العلامات فأقول وبالله التوفيق

لا يجب أن يتحمس الشاب المسلم الداعية الصيف طريقه في تغيير المنكر، فيكون كيس فطنة ، فيختار الوقت المناسبة، بعيدة عن أعين الناس وسمعهم ، لأن المتحدث في السر ناصح، وفي العلن فاضح

ريختار كذلك الحالة المناسبة ، فلا ينصبع العريس مثلا ليلة زفافه


بالزهد في الدنيا .. فأنى يستجيب له ؟ !! ولا يقول للقضيان في ثورة انفعاله : « صلي على النبي » يريد بذلك تهدئته ، فيتعدى الغضبان على مقام النبي * من حيث لا يشعر، فيكون الداعية سبية في وقوعه في الإثم، وقد لمع القرآن لمثل هذا الموقف في قوله تعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فیسبوا الله عدوا بغير علم ) [الأنعام: ۱۰۸). فالإنسان تحت سيطرة الانفعال والخضب لا يدري ما يقول ، فلا يدفعه إلى المعصية بزعم تغيير المنكر.

۲ - وعليه أن يختار الأسلوب (أو الدرجة) التي يغير بها المنكر، وهل هي باليد ، أم باللسان ، أم بالقلمبا، مراعية شروط ذلك، ملتفتا إلى نقطتين مهمتين:

أ- الإخلاص لله ، لا للتعالي أو التعالم أو الظهور. ب - عدم إحداث مفسدة أكبر ضررة من المنكر المراد تغييره. ۳ أن يعتمد أسلوب الرفق واللين في شأنه كله ، مقدمة أي .

على أي هج آخر، ويصبر ويحتسب. ذكر الأستاذ عبد البديع صن .

- رحمه الله - أنه ذهب في معية الشيخ حسن البنا - رحمه الله -

لزيارة عمدة في إحدى قرى الشرقية بمصر، وكان هذا العمدة قد تعلم في بريطانيا !! وطلبه من الشيخ حسن البنا زيارته في قريته، فلي الشيخ الطلب، قال عبد البديع صقر: فلا قدعت الضيافة، وإذا بالقهوة في فناجين زجاجية لها قواعد من الذهب « تلبيسة » فأخذنا تنظر إلى حسن البنا كيف سيتصرف في هذا الموقف ، فما كان منه إلا أن نزع الفنجان الزجاجي من قاعدته الذهبية بهدوء ، ودون أن يشعر


!

به أحد، وشرب قهوته ولم يتكلم مع العمدة في شيء.

قد يكون حسن البنا ترك السلوك الهاديء يقوم مقام الوعظ والتذكير والكلام، وقد يكون أرجأه حتى يختلي بصاحبة البيت ، فن تصدع أخاه في السر فقد زانه ، ومن نصحه في العلن فقد شانه ، وقد.. وقد.. ولكن في النهاية خرج حسن البنا من تلبية الدعوة وقد ملك قلب العملة الشاب المثقف المتعلم !!.

- ألا يظهر للمدعو ( المراد تغيير المنكر عليه) أنه أعلم منه ،

فالنفوس تأبى هذا وتنفر منه، أما إن جاءها بالتواضع وخفض الناس ؛ مالته إليه . يروى أن الحسن والحسين رضي الله عنها) عندما كانا صبيين صغيرين رأيا شيخا كبيرة لا يحسن الوضوء . فكيف غيرا المنكر عليه. أو بتعبير أدق: نهجاه وعلمه ؟!. قالا له: يا شيخ نريدك أن تحكم بيننا، فقد اختلفنا في أينا أحسن وضوءا من الآخر، فتوضأ الحسن والشيخ ينظر، ثم توضأ الحسين ، فقال الشيخ:

كلاكما على صوابه، وأنها أحسن وضوءا مني !!

فإذا اتبع الداعية المصيف هذه النقاط وغيرها، بلغ دعوته ، وأثر في غيره ، وكم شاهدنا أناسا فشل معهم بعض الدعاة، ولم يستطيعوا التأثير فيهم، فلما جاءهم داعية آخر؛ انجذبوا إليه وتأثروا به، واقتنعوا بدعوته. فأين كان الخلل؟ !! في جهاز الإرسال أم جهاز الاستقبال ؟! لا شك أن الداعية الأول لم يفهم طبيعة هؤلاء ، ولم يأتهم بالأسلوب الحين اللين، والطريقة الأقرب إلى قلوهم.

و ا * يه


العتبة الإسكندرية

|

وفي خاتمة موضوعنا هذا أسرق بعض المواقف الرسول * في تغيير

المنكر، تغيير الداعية الرفيق، والسلم الصيف، والمربي الفطن.

ا- عن أبي هريرة رضي الله عنه) قال: بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه ، فقال النبي : « دعوه وأريقوا على بوله سمج من ماء أو ذنوبة من ماء ، فإنما بعثتم میسرین و تبعثوا معسرین» (۱) .

! . وعن معاوية بن الحكم السلمی (رضي الله عنه قال : بينها أنا أصلي مع رسول الله * إذ عطس رجل من القوم ، فقلت: يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم !! فقلت: واثكل أمياه !! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونتي لكني سكت، فلما صلى رسول الله * فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمة قبله ولا بعده أحسن تعليمة منه ، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني. قال: « إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله ... الخ الحديث (۲) .

۳-- وعن أبي أمامة رضي الله عنه) قال: إن فتى من الأنصار أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه . فقال - أي النبي : أدنه ، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ ! قال : لا والله ، جعلني الله

س عسعسعسعسعه (1) رواه البخاري . ورياض الصالحين ص ۲۷۰، والترغيب والترهيسيه ج ۳ ص 41۷.

(۲) رواه مسلم . ریاض الصالحين ص ۲۹۷،


فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم

قال : " أتحبه لابنتك؟! قال : لا والله يا رسول الله ، جعلني الله

فدال ، قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم.

قال : أفتحبه لأختك ؟! قال: لا والله ، جعلني الله فداك ، قال :

ولا الناس يحبونه لأخواتهم

قال : أفتحبه لعمتك؟ ! قال : لا والله ، جعلني الله فدالك ، قال :

ولا الناس يحبونه لعماتهم.

قال : أفتحبه لخالتك؟! قال : لا والله ، جعلني الله فدالك ، قال :

ولا الناس يحبونه لخالاتهم.

قال : فوضع يده عليه ، وقال : اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه،

وحصن فرجه . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (1) .

.

.

.

۷۰. وقال الشيخ أحمد البنا شاريع السنده: سنده عند

(1) الفتح الرباني ج- ۱۹ ص

: الإمام أحمد جيد.



زينة المرأة

بدأ الشاب المتزوج يتغير، ترك السهر خارج منزله ، لم يعد يتردد على أماكن اللهو، ولم يعد يقبل على التلفاز إقبال المخدر المسلوب الإرادة. بدأت طباعه ترق، وأخذ التفكير الكثير يشغل يومه ، والامتعاض من كثير من الأشياء والأمور التي تحيط به يسبح تهجة

هذا التغير الذي طرأ على حياته ، أخذ يمتد إلى كثير من الأشياء والناس ، امتد إلى أكله وشربه ونومه واستيقاظه، بيته وعمله ، زملائه وأصدقائه، أمه وأبيه وزوجته ... كل شيء يحيط به بدأ يتفاعل معه بطريقة مغايرة ، فقد أصبح يكثر من الصلاة والتردد على المساجد ، والمحافظة على القروض كلها في بيوت الله ، کھا أصبح يكثر من الصيام والتنفل، وأضحي كثير الاحترام لوالديه ، عظيم المودة لزوجته وأصهاره

وجيرانه والناس كافة. أصبح دقيقة في مواعيده، ملتزمة بشرف الكلمة إذا تحدث أو وعد، إلا أنه في كثير من الأمور أصبح حادة سريع الغضب، مصرة على رأيه ، لا يهادن ولا يقبل بالحلول الوسط .

ادخل على زوجته يوما فوجدها قد تزينت له كأجمل ما تكون الزوجة، وأحسن ما تكون الزينة، كما يحب دومة ويشتهي، وإذا به يشتهرها، ويأمرها بغسلي هذه الأصباغ، والبعد عن هذه المساخر كلها، میرید وجهها خالية من كل شيء، لا يمس إلا بالماء والصابون فقط ، وعليها أن تهتم بدينها وتقواها وخوفها من الله، وعدم الركون إلى الدنيا وزخرفها، استعدادا للموت الذي يأتي بغتة، واستعدادا لليوم الآخر!!

تقبلت الزوجة الأمر بالامتناله، فسارعت إلى غسل وجهها ، وتنفيذ طلباته زوجها، فهو في حالة من الانفعال والإصرار لا تسمح لها بالمناقشة أو الاستفسار.

ومضت الأيام على أمل أن تزول هذه الحالة، أو يسمح لها أن تتزين له کا تفعلى مثيلاتها، ولكنه يوما بعد يوم يزداد إصرارة وإغراق ، وزاد الطين بلة، أن صديقاتها وأمها وحماتها وجدتها وأخواتها وكل من يعرفها يلمها على إهمال نفسها، وترك زينتها، فأخذت تناقشهن أحيانة، ناقلة من وجهة نظر زوجها ورغباته، التي هي وجهة نظر الإسلام !!.

كانت تغلبهن مرة نيقتنعن - أو هكذا تتصور - ومرة تضعف فلا تجد حجة جديدة تليلي بها، لا سيها وقد تكررت حجتها حتى ملتها النساء ، ولكنها في كل مرة تهزم فيها تشعر بالضيق والحرج، حتى

بو

10

}

تصل إلى درجة التمزق الداخلي، فما إن تخلو بنفسها حتى تسارع إلى البكاء ، تنفيس عما في نفسها من ضيق وحرج وتمزق.

وبدأ الصراع بينها وبين زوجها، وبدا عليها عدم الاقتناع بكثير مما يقول ، تساندها في ذلك رغبة خفية لا تعرف لها تفسيرأ، ملكت عليها قلبها وعقلها ومشاعرها.

الإسلام دين القيم والمثل الرفيعة ، التي ترفع من شأن الإنسان وقدره، حتى يليق بمقام العبودية لله رب العالمين، وكما هو دين القيم والتل، فهو أيضا دين الواقع الذي لا يطالب الناس بأمور فوق طاقتهم، أو مخالفة لفطرتهم التي فطرهم الله عليها. فهو إذن دین منسجم مع بشرية الناس، آخذة بهم نحو الرقي والرفعة، نحو المثل والقيم، التي هي في صالح الإنسان، تشرفه وتصعد به إلى القمم ، ولا تبقيه في الحضيض.

ومما لا شك فيه، أن الإسلام يسعده هذا الحمام النابع من القلب، وهذا الاندفاع إلى تطبيق شرع الله ، والتزام منهاجه، لأنه مؤشر على التوبة من المعاصي والانحراف، ومؤشر كذلك على انتهاج الاستقامة طريقة، فالله أفرح بتوبة عبده من صاحبا بعير قد سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة (1).

ولكن الإسلام الذي يفرحه هذا الحماس، وتسعده هذه الرجعة

(1)

أصله في الصحيحين من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه ). ریاض الصالحين

-

ص ۱۲.

:

إلى الله، ويقدر هذا الانفعال، لا يريد لهذا الحماس أن يتمادی فينحرف بصاحبه إلى غير منهج الإسلام ذاته، لأن فترة الحماس تضلی العقل أحيانا سس بل كثيرة سس. فيختط صاحبه لنفسه طريقة يبعده عن الإسلام، وإن قصور هو أنه عين الإسلام ولبه.

فالإسلام مع الحماس المتزن الذي يبقي الشعلة متقدة في القلب والوجدان، حتى وإن هدأت حدتها أبقت صاحبها على الفطرة الخيرة السليمة، والتي هي متفقة تماما مع قيم الإسلام ومنهجه. وليس مع الحماس الذي يؤدي إلى انحراف في الفكر أو السلوك ، فيصطدم صاحبه بعقبات كثيرة، تؤثر عليه تأثير سلبية ، أبسطها وأقلها ردة الفعل إلى التفلت، أو العزلة والتقوقع وكراهية الناس ورميهم بالمروق، والإحساس بالتميز المتعالي على الخلق.

وهذا الشاب المتحمس، الذي يدعو زوجته - في قورة انفعاله وحماسة الأولى - إلى ترك التزين ، غابته عنه - أو لم يدرك حقيقة الفطرة البشرية للنساء ، فهو يتصور أنه بدعوته هذه، أو موقفه هذا سيحوله زوجته بين يوم وليلة إلى «رابعة العدوية » بل لعله يسعي إلى هذا من حيث يدري أو لا يدري، أو يظن أن هذا غاية الكمال ، ولا كمال غيره .

والإسلام ليس من منهجه أن تصبح كل النساء « رابعة العدوية » وليس مطلوبة من المرأة أن تتخذه خط رابعة العدوية نفسه ، فالمرأة الصالحة، والزوجة الفاهمية، التي تقوم بواجبها نحو ربها ثم زوجها وأولادها خير قيام، لا تقل كثير عن رابعة العدوية (رحمها الله )

سر هر

ومثيلاتها من الصالحات الزاهدات. ففي حديث أنس رضي الله عنه) قال : قال رسول الله : « المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعته بعلها، فلتدخل الجنة من أي أبواب الجنة شاءت»(1).

والحقيقة التي يجب أن يدركها الناس كل الناس ، أن المرأة جبلت على حب التزين بدرجات متفاوتة بين واحدة وأخرى، وأن هذه الرغبة عندها فطرة قطرها الله عليها، وليس صحيحا أن المرأة تتزين من أجل رجل ما»، وإنما تتزين لأنها فطرتها وتكوينها ونزعتها، وليس أوله على ذلك من ملوك البنات الصغيرات، اللواتي لم يبلغن الحيض بعد ، ورغبتهن في الزينة، واهتمامهن بها، وقد يقول قائل: إنما تقلد الطفلة أمها أو من تعاشر من قريباتها البالغات. ولكني أقول : لو افترضنا جدلا وجود امرأة في جزيرة ليس فيها أحد، ولم تر أحدة، ثم رأت وجهها في صفحة ماء راکد رائق، لمدت يدها إلى شعرها ووجهها تتحسسهما. وهذه طبيعة نسائية بشرية يجب ألا تغيب عن بالنا، فهي تتزين لنفسها، لصديقاتها، فهذه فطرتها، فإن وجد من تتزين له من الرجال - إكمالا لدورة بقاء النوع سه فهذا يوافق فطرتها ولا يخالفها، وإن لم يوجد هذا الرجل، فإنها تتزين أيضا، حتى ولو انقطع الأمل في الوصول إليه ، تحقيقا لذاتها الأنثوية ورغبتها البشرية . ولو قصرنا التزين عند المرأة على وجود الرجل سس الذي هو الزوج -- لحكمنا على غير المتزوجات بالرهبنة ، وهذا لا يقره شرع ولا

(1)

رواه أبو نسيم في الخلية. قال الألباني: وله شواهد برق بها إلى درجة الحسن و الصحيح. انظر مشكاة المصابين ج ۲ ص ۲۰۲ حدیث رقم ۳۲۵4.

VE

يقبله عقل ، فالحقيقة التاسعة أن المرأة تتزين لأن الزينة مغروسة في فطرتها، وجد الرجل أو لم يوجد

والإسلام الذي يقر هذه النزعات البشرية في الناس من الجنسين، وضع ضوابط لكل شيء، حتى لا ينحرف الإنسان إلى أقصى اليمين، أو إلى أقصى اليسار، متعبدا لهواه ، بل هو دين الوسطية والاعتدال ، بغير غلو ولا تهاون، بغير إفراط ولا تفريط، لأنه يقود الإنسان إلى السعادة في الدارين، حتى لا يطغى حب واحدة على الأخرى.

::

وإذا رجعنا إلى موضوع تزين المرأة، نجد الاسلام لم يترك شاردة ولا واردة إلا وقد وضعها في نصابها الصحيح، فماذا قال عن التزين بشكل عام؟ وما موقفه من بعض القضايا القديمة والمستحدثة بشكل خاص؟

أما التزين بشكل عام فقد قال الله تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ، خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ) [الأعراف: ۳۰-۳۹ وقال النبي * للرجل الذي سأله: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسن ونعله حسنة. قال : « إن الله جميل يحميه الجمال »(1).

(۱)

صحيح مسلم ج ۱ م ۹۳ حديث رقم 147.

۷۵

ووضع الإسلام قواعد عامة للزينة، تتلخص في ثلاث رئيسية:

الأولى: كل ما يؤدي إلى النعومة والطراوة فهو من شأن النساء ، ولا يجوز للرجال ، ويحارب الرجل الذي يتزيا بهذا، من أجل ذلك حرم على الرجال الذهب والحرير والحناء ... الخ وسبب ذلك أن الاسلام لعن الرجل الذي يتشبه بالنساء ، حتى تبقى الفطر سليمة فلا يعتريها شذوذ ولا انحراف.

الثانية: كل ما يؤدي إلى تشبه بالكفار وأهل الكتاب لا يقره الإسلام، من أجل أن تبقى هذه الأمة صافية العقيدة، متميزة السلوك ، فمنع الرجال والنساء على السواء من التشبه بهؤلاء.

الثالثة: محاربة التطرف بمعناه الواسع، وهو أقصى اليمين أو أقصي الشمال ، أي محاربة الإسراف الزائد المبالغ فيه، كا حارب التقتير الزائد المبالغ فيه ، لأن الإسلام دين الوسطية والاعتدال.

من خلال هذه القواعد الثلاث ننظر إلى زينة المرأة، وموقف

الإسلام من بعض القضايا القديمة والمستحدثة في هذا الموضوع.

اس موضوع الشعر: فلا مانع من قمصه وتقصيره بأي شكل أنثوي ، لأن النهي ورد في وصله لا في تقصيره ، ففي حديث ابن عمر

رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة » (1) وفي صحيح مسلم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن: «وكان أزواج النبي % يأخذن من رؤوسهن حتى

۔

1

(1)

متفق عليه. مشكاة المصابیح ج ۲ ی 4۹۳ حديثه 44۴۰.

۷۹

تكون كالوفرة » (1) أي يأخذن من شعر رؤوسهن، ويخففن من شعورهن حتى تكون كالوفرة، وهي من الشعر ما كان إلى الأذنين ولا يجاوزها (۲). شريطة ألا يشبه - بعد التقصير مع شعر الرجال، أو يكون تقليدية لغير المسلمات، للنهي عن ذلك، وألا يفعل لها ذلك رجل

كوافير)، أو امرأة غير مسلمة.

أما لبس (الباروكة) فحرام، لأنه تزویر، ويدخل في باب الوصل ، وللنهي الصريح فيها، ففي حديث معاوية (رضي الله عنه) أنه

عام حج ، تناول قصه من شعر ( وهو على المنبر) وكانت في يدي حرمي فقال : يا أهل المدينة !! أين علماؤكم ؟! سمعت النبي * ينهي عن مثل هذه ويقول: « إنما هلكت بنو اسرائيل حين اتخندها نساؤهم » (۳) وفي رواية سعيد بن المسيب: أن النبي * سماه الزور (4)

وأما صبغ الشعر فجائز، وبأي لون يناسبها، ويناسب سنها ، ما لم يؤد إلى ضرر مادي (في الشعر نفسه ) أو معنوي في حياتها وعلاقتها من

حولها، في ظل القواعد الأساسية الثلاث التي ذكرناها سابقا، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم » (0)، فإن قال قائل : إن الأصباغ الآن تأتينا أصلا من بلاد النصارى واليهود، فالرد عليه بعدیث کريمة

|

-

:

و

(۱) (۲) (۳) (4) (5)

صحيح مسلم ج ۱ ص ۲۹۹ حديث رقم 12. من تعليق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي (رحمه الله ) شارح صحیح مسلم۔ متفق عليه . اللؤلؤ والمرجان ص ۲هه حقیشه رقم ۱۳۷۸. فتح الباري ج ۱۰ ص ۱۳۹۰ متفق عليه . اللؤلؤ 541 حديث ۱۳۹۲

۷۷

بنت هيام: أن امرأة أتت عائشة رضي الله عنها) فسألتها عن خضاب الحناء فقالت: لا بأس به. وعللت كراهيتها له بأن الني * كان يكره ريه لا لونه (1). فيبقى الأمر على إباحته .

- حف الوجه: وهو إزالة ما عليه من شعر، سواء بالخيط أو النورة ( مواد كيميائية تزيل الشعر أو الحلاوة ( العقيدة) أو الشمع أو المنقاش (الملقاط) وهو ما يعرف بالنتف ، فجائز ولا حرج فيه ، لأن النص الوارد في حديث ابن مسعود: «لعن الله الواشمات والمستوشمات وللتنمصات والمتفلجات للمسن، المغيرات خلق الله » (۲) قد قصره البعض على الحاجبين سے کہا سيأتي بعد ودليل هذا ما أخرجه الطبري من طريق أبي اسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة وكانت شابة يعجبها الجمال فقالت: المرأة تحف جنبيها لزوجها ؟ فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت (۳) ؟ وقد سئل الإمام أحمد عن الحف فقال : ليس به بأس للنساء، وأكرهه للرجال »(4) . ۳ ترفيق الحواجب: وقد اختلفت الروايات في تحديد مفهوم

كلمة (نص) هل هي عامة للوجه كله ، أم خاصة بالحاجبين؟! ففي لسان العرب: النمص رقة الشعر ودقته حتى تراه كالزغي، ورجل

(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي . مشكاة المصابیح ج ۲ ص ۹۸ حدیث 44۹۰،

ونيل الأوطار للشوكاني ج ۹ مې ۱۹۳ حدیث ۹. (۲) متفق عليه, المشكاة ج ۲ ص ۹۴ حدیث 44۳۱. (۳) نقله بالعسقلاني في الفتح ج ۱۰ ص ۴۱۰ (1) المغني ج ۱ ص ۷۰

VA