الاثنين، 22 أبريل 2024

أقوال علماء الإسلام في البدعة الحسنة وأدلتهم في ذلك .

 أقوال علماء الإسلام في البدعة الحسنة وأدلتهم في ذلك 



💟👌✨

قد ذهب إلى هذا القول جمهرة من علماء المسلمين، متقدمين ومتأخرين، محدثين وفقهاء وأصوليين، فممن ذهب إليه:

1 ـ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

فقد قال رحمه الله: المحدثات من الأمور ضربان:

أحدهما: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة.

والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة ...

وأخرجه من طريق أخر أبو نعيم في حلية الأولياء قال الشافعي: البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم.

2 ـ ابن حزم الظاهري رحمه الله:

فقد قال: البدعة في الدين كل ما لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن منها ما يؤجر عليه صاحبه، ويعذر بما قصد إليه من الخير، ومنها ما يؤجر عليه ويكون حسناً، وهو ما كان أصله الإباحة، كما روي عن عمر رضي الله عنه: »نعمت البدعة هذه« وهو ما كان فعل خير جاء النص بعمومه استحباباً وإن لم يقرر عمله في النص، ومنها ما يكون مذموماً ولا يعذر صاحبه، وهو ما قامت الحجة على فساده فتمادى القائل به. انتهى.

3ـ الإمام الغزالي:

حيث قال في معرض كلامه عن نقط القرآن وتجزيئه:

ولا يمنع من ذلك كونه محدثاً، فكم من محدث حسن، كما قيل في إقامة الجماعات في التراويح: إنها من محدثات عمر رضي الله عنه، وإنها بدعة حسنة، إنما البدعة المذمومة ما يصادم السنة القديمة أو يكاد يفضي إلى تغييرها .

4ـ الإمام العز بن عبدالسلام:

حيث يعرف البدعة بقوله: هي فعل ما لم يعهد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمة إلى بدعة واجبة وبدعة محرمة وبدعة مندوبة وبدعة مكروهة وبدعة مباحة .. إلى آخر كلامه كما تقدم.

ولا يحصى كم تابع الإمام العز على تقسيمه هذا للبدعة من العلماء والأئمة من تلامذته كالإمام القرافي، ومن غيرهم كالإمام النووي والإمام السيوطي والإمام الزرقاني والكرماني وابن عابدين الشامي، وغيرهم ممن يصعب حصرهم وعدهم، رحمهم الله أجمعين.

5 ـ الإمام الحافظ ابن العربي المالكي:

حيث يقول في شرحه على سنن الترمذي ما نصه: اعلموا علمكم الله أن المحدثات على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهوة والعمل بمقتضى الإرادة، فهذا باطل قطعاً. ومحدث بحمل النظير على النظير، فهذه سنة الخلفاء، والأئمة الفضلاء، وليس المحدث والبدعة مذموماً للفظ محدث وبدعة ولا لمعناها، فقد قال تعالى: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وقال عمر:»نعمت البدعة هذه« وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى ضلالة. انتهى.

6 ـ العلامة ابن الأثير الجزري:

فقد قال في كتابه النهاية في غريب الحديث: البدعة بدعتان: بدعة هدى، وبدعة ضلالة، فما كان في خلاف ما أمر اللـه به ورســـوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض الله عليه أو رسوله فهو في حيز المدح. وما لم يكن له مثال موجود كنوع من السخاء والجود وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثواباً فقال: »من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها« وقال ضده: »من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها« وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم... إلى أن قال: وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر: »وكل محدثة بدعة« يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة.

7 ـ الإمام ابن الجوزي:

حيث قال : البدعة عبارة عن فعل لم يكن فابتدع. والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة، وتوجب التعالي عليها بزيادة أو نقص، فإن ابتدع شيء ولا يخالف الشريعة، ولا يوجب التعالي عليها، فقد كان جمهور السلف يكرهونه، وكانوا ينفرون من كل مبتدع وإن كان جائزاً، حفظاً للأصل، وهو الاتباع. وقد قال زيد بن ثابت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما حين قالا له: اجمع القرآن: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم قال: إن القوم كانوا يتحذرون من كل بدعة وإن لم يكن بها بأس لئلا يحدثوا ما لم يكن ، وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة ولا تتعارض معها، فلم يروا فعلها بأساً مثل جمع عمر الناس على صلاة القيام في رمضان فرآهم فقال:نعمت البدعة هذه .

8 ـ الإمام شهاب الدين أبو شامة:

حيث عرف البدعة في كتابه »الباعث على إنكار البدع والحوادث« بقوله:

كل ما هو مخترع من غير أصل سبق، وهو مالم يكن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم مما فعله أو أقرَّ به، أو علم من قواعد شريعته الإذن فيه، وعدم النكير، وفي ذلك ما كان في عصر الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فالحوادث منقسمة إلى بدعة مستحسنة، وهي ما وافق السنة، وإلى بدعة مستقبحة وهي ما خالف السنة.

9 ـ الإمام النووي:

حيث عرف البدعة بقوله: البدعة ـ بكسر الباء ـ في الشرع: هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة، قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته العز بن عبدالسلام. ثم ساق كلام العز المتقدم.

10 ـ الإمام العيني:

وقد عرف البدعة بقوله: البدعة ـ لغة ـ كل شيء على غير مثال سابق. وشرعاً: إحداث مالم يكن له أصل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي على قسمين: بدعة ضلالة، وبدعة حسنة، وهي ما رآه المسلمون حسناً، ولا يكون مخالفاً للكتاب والسنة والإجماع.

11 ـ الإمام الكرماني:

حيث قال في شرحه للبخاري:

»البدعة« كل شيء عمل على غير مثال سبق، وهي خمسة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومحرمة ومكروهة ومباحة، وحديث »كل بدعة ضلالة« من العام المخصوص.

12 ـ الإمام الزرقاني:

حيث قال في شرحه على موطأ الإمام مالك عند قول عمر »نعمت البدعة هذه« قال: وصفها بـ(نعمت) لأن أصل ما فعله سنة، وإنما البدعة الممنوعة خلاف السنة. وقال ابن عمر في صلاة الضحى: نعمت البدعة، وقال تعالى: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله وأما ابتداع الأشياء في عمل الدنيا فمباح. قاله ابن عبدالبر ... إلى أن ذكر تقسيمها إلى الأحكام الخمسة اتباعاً للإمام العز بن عبدالسلام.

وغير هؤلاء من الأئمة والعلماء كثيرون نسجوا على منوالهم، وذهبوا إلى مثل ما ذهبوا إليه، ممن يطول ذكرهم ولا يخرج كلامهم في الجملة عن كلام من سقناهم هنا، فلا نطيل بذكرهم. ونشرع الآن في ذكر أدلتهم وحججهم على ما ذهبوا إليه، فنقول وبالله التوفيق:

أدلتهم من القرآن:

قال الصحابي أبو أمامة رضي الله عنه: إن اللّه فرض عليكم صوم رمضان ولم يفرض عليكم قيامه، وإنما قيامه أحدثتموه، فدوموا عليه، فإن ناساً من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة فعابهم الله بتركها فقال: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها.انتهى

فالآية ما عابت أولئك الناس على ابتداع الرهبانية لأنهم قصدوا بها رضوان الله، بل عابت الآيةُ عليهم أنهم لم يرعوها حق رعايتها، وهذا يفيد مشروعية البدعة الحسنة، فما استنبطه الصحابي أبو أمامة صحيح لا غبار عليه.

وقد تقدم الكلام في تفسير الآية مستوفى.

2) الأدلة على البدعة الحسنة من السنة والآثار:

1ـ عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: »من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء«.

قال السندي في حاشية ابن ماجه: قوله: »سنة حسنة« أي طريقة مرضية يُقتَدى بها، والتمييز بين الحسنة والسيئة بموافقة أصول الشرع وعدمها.اهـ.

2 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من استن خيراً فاستُن به كان له أجره كاملاً ومن أجور من استن به، لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن استن سنة سيئة فاستُن به، فعليه وزره كاملاً ومن أوزار الذي استن به لا ينقص من أوزارهم شيئاً« .

3 ـ عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من سن سنة حسنة فعمل بها بعده كان له أجره ومثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سنَّ سنة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزره ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً«.

4 ـ عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من سن خيراً فاستن به كان له أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئاً، ومن سن شراً فاستُن به كان عليه وزره ومن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئاً«.

5 ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد« رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: »من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهورد«.

فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الأمور المحدثة الموافقة للشرع مقبولة، والمخالفة للشرع مردودة، والدليل واضح كالشمس. فهذه الأحاديث تُثْبت وجود البدعة الحسنة والبدعة السيئة، فمعنى »من سن سنة حسنة« أي اخترع طريقة أو أمراً في الدين موافقاً للشرع. ومعنى: »من سنة سنة سيئة« أي من اخترع أمراً في الدين مخالفاً للشرع.

ولذلك عبر النبي صلى الله عليه وسلم عما أحدثه الصحابة واخترعوه بأنه »سنة« فقال: »عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين« فإحداث الصحابة أمراً ليس إلا صورة عما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحقيقة ما أحدثه الصحابة هو اختراع في الدين، ولكن لما كان موافقاً للشرع كان حسناً، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم »سنة« ويطلق عليه »بدعة حسنة« كما قال سيدنا عمر في اجتماع الناس على التراويح: »نعمت البدعة هذه« رواه البخاري. ومن حمل قوله »البدعة« على البدعة اللغوية فقد أخطأ، لأن الصحابة لما كانوا يطلقون قولهم: »هذا العمل بدعة« فإنهم يقصدون البدعة الشرعية لا اللغوية، ولم يكن هذا الإطلاق »البدعة اللغوية« معهوداً عند الصحابة، والمقام مقام الكلام على صلاة التراويح وهي من أمور الشرع.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: »عليكم بسنتي وسنة الخلفاء« أي عليكم بمنهجيتي وطريقتي ومنهجية أصحابي وطريقتهم.

فسنة الصحابة سنة قياسية، إذن هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك من جاء بعد الصحابة من العلماء الربانيين سنتهم الموافقة للشرع سنة قياسية، وهي سنة النبي صلى الله عليه وســـلم، وقد أخذوا الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:»من سن سنة حسنة«. وحَصْرُ اختراع السنة في السلف جمود ظاهر تأباه النصوص، فكل سنة قياسية هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما حديث »كل بدعة ضلالة« فهو عام مخصوص خصصه الحديث الصحيح »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد« فلو كانت كل بدعة ضلالة بلا استثناء ولا تخصيص لقال النبي صلى الله عليه وسلم: »من أحدث في أمرنا هذا شيئاً فهو رد« ولكنه صلى الله عليه وسلم قال: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد« فأفاد صلى الله عليه وسلم بقوله هذا أن من أحدث في أمر الدين ما هو منه فليس برد، وهذا تقسيم صريح للبدعة إلى حسنة وسيئة.

وفي رواية للبغوي: »من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد«. وفي رواية لمسلم: »من صنع أمراً على غير أمرنا فهو رد«.

وأفاد هذا الحديث برواياته ما يلي:

أ ـ جواز إحداث البدعة الحسنة إذا كانت موافقة لأصل من أصول الدين.

ب ـ عدم جواز إحداث البدعة إذا كانت مخالفة لأصل الشرع، يؤخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: »أمرنا« و»ديننا« فهو شامل لكل المحدثات سواء كانت من العبادات أو المعاملات أو غير ذلك، لأن كلمة »ديننا« و»أمرنا« كلمة عامة، فكل ما له أصل عام فهو مقبول يندرج تحت البدعة الحسنة، وكل ما ليس له أصل عام فهو مردود من البدع السيئة، وهذا نص الحديث ينطق بالحق.

جـ ـ يؤخذ من الحديث جواز فعل وإحداث أمور لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يشترط في كل فعل أن يكون موجوداً في عهد السلف.

6 ـ قال سيدنا عمر رضي الله عنه في اجتماع الناس على صلاة التراويح: »نعم البدعة هذه« .

ونعم كلمة مدح، والمقام مقام شرع لا مقام لغة، ولذلك احتج الإمام المجتهد اللغوي الحجة محمد بن إدريس الشافعي بهذا الحديث على تقسيم البدعة إلى بدعة محمودة، وبدعة مذمومة.

فانظر إلى قول الشافعي المولود (150هـ) حيث جعل من البدع الحسنة الأمور المحدثة من الخير، ولا خلاف في هذه الأمور لكتاب ولا لسنة ولا لإجماع، وليس في هذه الأمور رد للنصوص. وليس في عمل الشيء المتروك في العهد النبوي (مخالفة) أو(رد) لنصوص الشرع، فلم يعبر أحد من العقلاء بـ(الترك) عن المخالفة والمناقضة للنصوص.

فتقسيم الشافعي للبدعة إنما هو للبدعة الشرعية وهو واضح وجلي، واحتج على ذلك بقول سيدنا عمر. والذين حصروا البدعة بــ (البدعة المذمومة) لم يجدوا مصرفاً كما قال العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره. وتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة هو رأي الجمهور وهو الصحيح كما قال العلامة ابن الشاط في تهذيب الفروق، وهو التحقيق كما قال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار.

وقد استدل بعض الناس بأن كل مالم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمنه فهو بدعة. وهذا قول خطير جداً يهدم شطراً عظيماً من الدين، فكم من محدثات حدثت في عهد الخلفاء، ومن بعدهم من الصحابة والتابعين، وأقروها لأنها تندرج تحت أصل عام من أصول الشريعة.

وليس الترك حجة ولا دليلاً على المنع والتحريم، كما هو معلوم في أصول الفقه وقواعد الشريعة، فإن الترك قد يكون للتحريم، وقد يكون للكراهة، وقد يكون للإباحة، إلى غير ذلك، كما بسطنا الكلام فيه سابقاً. وأكبر دليل على رد هذا الافتراء أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ما أحدثه الخلفاء »سنة« مع أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لما كان مندرجاً تحت أصل من أصول الشرع صار مقبولاً، ويرد على المخالفين قوله صلى الله عليه وسلم:»من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد« فمفهومه أن من أحدث في أمرنا وديننا هذا ما هو منه فهو مقبول، لأنه مندرج تحت أصل من أصول الشرع، فهناك محدثات ليست من الدين فهي مردودة، وهناك محدثات من الدين فهي مقبولة. فالإحداث مستمد أصله من السنة التقريرية كما تقدم.

7 ـ وقال الإمام التابعي مجاهد بن جبر رحمه الله:

دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا نحن بعبدالله بن عمر، فجالساناه، قال: فإذا رجال يصلون الضحى، فقلنا: يا أبا عبدالرحمن، ما هذه الصلاة؟ فقال: بدعة، فقلنا له: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعاً، إحداهن في رجب. قال: فاستحيينا أن نرد عليه، قال: فسمعنا استنان أم المؤمنين عائشة، فقال لها عروة بن الزبير: يا أم المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن؟! يقول: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً، إحداهن في رجب؟! فقالت: يرحم الله أبا عبدالرحمن، أما إنه لم يعتمر عمرة إلا وهو شاهدها، وما اعتمر شيئاً في رجب.

وقد قصد سيدنا عبدالله بن عمر من قوله (بدعة) البدعة الشرعية الحسنة، ودليل ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى؟ فقال: بدعة ونعمت البدعة. وله طريق آخر.

وما رواه عبدالرزاق بإسناد صحيح عن سالم ابن عبدالله عن أبيه عبدالله بن عمر قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها (يعني ما أحد يصلي صلاة الضحى) وما أحدث الناس شيئاً أحب إلي منها.

وقد صحح هذه الأسانيد الحافظ ابن حجر .

وفي قوله رضي الله عنه : »ونعمت البدعة« وقوله: »ما أحدث الناس شيئاً أحب إلي منها« دليل واضح وناصع على أن مقصوده من البدعة البدعة الحسنة؛ لأنه أطلقها على صلاة الضحى، وجعلها من المحدثات المحببة إليه، ولا معنى البتة لحمل البدعة هنا على المعنى اللغوي.

ومن حمل قول سيدنا عمر وابنه عبدالله: »نعمت البدعة« على البدعة اللغوية فقد أخطأ. وتشديدُ بعض الناس وإصرارهم على هذا القول يوقع الصحابة الكرام بأمر خطير، وذلك لأن حملهم البدعة هنا على المعنى اللغوي يجعلهم يعُدُّون ما فعله سيدنا عمر ووافقه عليه الصحابة أمراً منكراً وبدعة ضلالة؛ لأن هؤلاء المصرين يجعلون كل بدعة ضلالة، وصلاة الصحابة التراويح جماعة إما أن يكون حسناً في الشرع أو سيئاً، فأما كونه سيئاً، فهو قول أهل البدع، وأما كونه حسناً فهو إجماع الأمة.

ومما يؤكد أن قول سيدنا عمرو ابنه: »نعمت البدعة« مراده البدعة الحسنة استناد الإمام الشافعي رحمه الله في تقسيمه البدعة إلى حسنة وسيئة إليه، كما مر آنفاً، ومعلوم أن الشافعي رحمه الله من أئمة اللغة ومن المجتهدين في الشرع.

وإنه رحمه الله قد قسَّم ههنا الأمور الشرعية لا اللغوية، واستشهاد الشافعي بفعل سيدنا عمر على البدعة الحسنة، قاطع، وناسف لقول من يقول:المقصود البدعة اللغوية.

ثم إن سؤالاً يطرح على المعترضين:

ماذا تقولون بفعل الصحابة وصلاتهم عشرين ركعة جماعة هل هو من البدع أم من السنن، فإن قلتم: من البدع المنكرة، فقد هلكتم وطعنتم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: »عليكم بسنتي وسنة الخلفاءالراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ«.

وإن قلتم: فعلهم من السنن ولكن لا يقال: بدعة حسنة، وإنما سنة حسنة. فنقول: لا مشاحة في الاصطلاحات. وعليكم أن تقروا بكل فعل ليس معارضاً لأصول الشريعة وتسموه سنة حسنة.

ثم إن الصحابة كانوا يسألون أحياناً عن بعض الأمور المذمومة، فيقولون: (بدعة).

فترى المشاغبين يحملون هذا القول على البدعة الضلالة ويجعلونها بدعة شرعية. وعندما أطلقها الصحابة على الأمور المحمودة رأينا المشاغبين حملوها على المعنى اللغوي فقالوا: (بدعة لغوية) فسبحان الله على هذا التناقض؟!

الرأي الذي نرجِّحُهُ

بعد هذا العرض الذي سقناه لآراء العلماء، وأدلة كل منهم فيما ذهبوا إليه، وبعد النظر في الأدلة العامة، وإطلاقات السلف لكلمة البدعة على ما عرض لهم من أمور، وما استجد في حياتهم من وقائع، نخلص إلى رأي ارتأيناه في هذه القضية، هو فيما نعتقد أقرب للصواب، وأوفق للأدلة وإطلاقات السلف والعلماء، نعرضه فيما يأتي، ومن الله سبحانه نستمد التوفيق والسداد، فنقول:

إن البدعة الحسنة ثابتة بإثبات الشرع لها، فيما قدمناه من أدلة الجمهور الذين ذهبوا إلى إثباتها، فمذهبهم هو المذهب الراجح في هذه القضية؛ لقوة أدلتهم التي ساقوها واستدلوا بها، مع ما يتطرق من الاحتمالات والاعتراضات على أدلة خصومهم كما قدمناه آنفاً، بيد أن الأعم والأغلب في إطلاقات لفظ البدعة عند السلف، إنما كان في ما يقابل السنة من البدع السيئة الضالّة، حتى شاع على لسانهم إطلاق كلمة البدعة في الشيء الحادث الذي يصادم أصول الشريعة وأدلتها العامة، أو يكون فيه إبطال لسنة، أو تضييع لفريضة، كما شاع على ألسنتهم إطلاق لفظ المبتدع على أرباب هذه الحوادث والبدع، وشاع أيضاً إطلاق لفظ المبتدعة على الفرق الخارجة عن نهج أهل السنة والجماعة ، ولذلك قال الشهاب الخفاجي في شرح الشفا: البدعة إذا أطلقت يراد بها السيئة. وقال ابن الأثير: وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفاً في الذم.

وقد قدمنا بعض إطلاقاتهم تلك فيما سقناه من أدلة النافين للبدعة الحسنة. ولربما كان ذلك أكبر دافع وحافز لنفاة البدعة الحسنة على ما ذهبوا إليه، لكن ذلك كله لا يعني عدم وجود البدعة الحسنة عندهم، بل هي ثابتة لديهم مستعملة عندهم، كما رأيناها في إطلاق سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في قضية جمع الناس في صلاة التراويح، وإطلاق سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما في صلاة الضحى، حيث جاءت في معرض المدح والإثبات،وحيث إن الأولى والأحكم والأصح حملها على البدعة الشرعية لا اللغوية كما قدمناه، من أجل ذلك كله نرى أن البدعة الحسنة موجودة وثابتة ليس في ذلك شك ولا ريب، بيد أنها في لسان سلفنا الصالح إن أطلقت فلم تقيد بوصف، أو قيدت بوصف سوء أو ضلالة فهي البدعة الضلالة السيئة، ولا تكون بدعة حسنة إلا إن قيدت بوصف الحسن أو جاءت في معرض المدح. هذا ما نذهب إليه ونعتقده، وقد رأينا الإمام السبكي قد ذهب إلى مثل ذلك، حيث نقل عنه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ذلك فقال:

قال التقي السبكي: هو باعتبار المعنى اللغوي، فإن البدعة في اللغة هو الشيء الحادث، وأما في الشرع فإذا أطلق إنما يراد الحادث الذي لا أصل له في الشرع، وقد يطلق مقيداً فيقال: بدعة هدى وبدعة ضـلالة، فالـــتراويح على هــذا من بدعة الــهدى، وكيف يريد عمر خلاف ذلك، ويأمر بها؟! معاذ الله. انتهى.

ثم وجدت الشيخ عزت عطية قد ذهب إلى قريب من ذلك أيضاً، حيث قال: أما كلام سيدنا عمر وأبي أمامة وعبدالله بن عمر فليس فيه ما يعتبر أن لفظ البدعة بمجرده يطلق في الشرع على ما هو حسن، وكل ما يفيد مثل هذا الكلام هو أن البدعة في نظر الشرع، إذا أطلقت عن التقييد بوصف أو إضافة أو غيرهما لا تدل إلا على ما هو مخالف للشرع، ولا يقصد بها غير ذلك فيه. أما إذا قصد بها ما يتناوله لفظ بدعة من ناحية اللغة وهو مطلق المحدث حسناً كان أو سيئاً، وعُبر بها عما هو موافق للشرع، فلا بد حينئذ من وصفها أو تقييدها بما يفيد حسنها صراحة أو بالمفهوم، تمييزاً لها من مطلق البدعة في نظر الشرع. 

ليس كل ما أحدث بعد رسول الله أو في حياته مما لم ينصّ عليه بدعة ضلالة كما يفهمه البعض .. والترك لا يدل على التحريم ..!؟

 

ليس كل ما أحدث بعد رسول الله أو في حياته مما لم ينصّ عليه بدعة ضلالة كما يفهمه البعض .. والترك لا يدل على التحريم ..!؟

والدليل على كلامنا ما يلي:
أولا: أن تسمية البدعة الحسنة هي تسمية لغوية ليس إلاَّ .. فالبدعة في اللغة: هي الشيء الجديد المخترَع على غير مثال سابق مطابق له ..
وهذا يندرج تحته الخير والشر والحسن والسيئ من أفعال الناس , ومنه قول عمر رضي الله تعالى عنه في التراويح “نعمت البدعة هذه” ..
ومعلوم أن عمر رضي الله عنه زاد على ما أقره النبي عددا من الأمور في التراويح ..
منها: أن النبي لم يسنها لهم وسنها عمر ..
ومنها: أنه صلاها ليالي ثم تركها ولم يحافظ عليها , وجعلها عمر رضي الله عنه طوال رمضان وحافظ على ذلك مدة خلافته ..
ومنها: أنه ما جمَع الناس لها , وجمعهم عمر وندبهم إليها ..
ومنها: أن عمر رتّب لها إماما بعينه لا يؤم الناس غيره ..
ومنها: أنه ما حدد لها عددا من الركعات , وحدد عمر ..
قال ابن الأثير في النهاية: (( البدعة بدعتان: بدعة هدى , وبدعة ضلال .. فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله , فهو في حيّز الذم والإنكار.
وما كان واقعا تحت عموم ما ندّب الله إليه , وحَضّ عليه الله ورسوله , فهو في حيز المدح .
وما لم يكن له مثال موجود , كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف , فهو في الأفعال المحمودة ..
ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به , لأن النبي قد جعل في ذلك ثوابا, فقال: “من سَنَّ سُنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها” , وقال في ضده: “ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها”( 1) .. وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به أو رسوله .. ))( 2) أهـ.
ثانيا: من يتهم الرسول بعدم البلاغ ويتهم الدين بالنقصان , هو الذي يخترع من تلقاء نفسه شيئا لا أصل له في الكتاب ولا السنة , بحيث لا يشهد لفعله أصل عام ولا خاص ..
وهذا غير متحقق في البدعة الحسنة .. فهي من الدين في الأصل .. لكن تتقيد بوقت أو هيئة أو عدد لم تتقيد به قبل ذلك , وليس في هذا بأس طالما أن التقييد جاء في عبادة ليست توقيفية في وقتها ولا هيئتها ولا عددها ..
ويدل على صحة قولنا عدة نصوص عن العلماء الأكابر:
وقبل نصوص العلماء نبدأ بهذين الحديثين:
- حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها , أن رسول الله قال: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فهو رد” وفي رواية “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” ..
ومفهوم الحديث يقتضي لان الذي يعمل عملا عليه أمر المسلمين المشروع فهو ليس مردودا عليه ولا يدخل في نطاق البدعة الضلالة . وبالتالي لا يلزمه ما يدعيه المخالفون في المسألة.
- وحديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه , أن رسول الله قال: “ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا وتلا: وما كان ربك نسيا” ..
فالتقييد الذي استحدث في عبادة ما أو العبادة المعروفة التي قام المحدث بفعله في وقت أو لغرض لم ترد من أجله قبل ذلك , هو مما سكت عنه الشارع , فهو من المعفوّ عنه بنص الحديث الشريف الصحيح ..
- وروى البيهقي في مناقب الشافعي رضي الله عنه , أنه قال: (( المحدثات ضربان .. ما أُحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا , فهذه بدعة الضلال .. وما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا , فهذه محدثة غير مذمومة ))(3 ).أهـ
- وقال الحافظ ابن رجب في شرحه: (( والمراد بالبدعة: ما أُحدِث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه , وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه, فليس ببدعة شرعا , وإن كان بدعة لغة ))( 4).
- وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود قال: “إن أحسن الحديث كتاب الله , وأحسن الهدي هدي محمد , وشر الأمور محدثاتها”(5 ).
قال الحافظ ابن حجر: (( والمُحدَثات بفتح الدال: جمع محدَثة , والمراد بها: ما أحدث وليس له أصل في الشرع , ويسمى في عرف الشرع بدعة , وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة .. فالبدعة في عرف الشرع مذمومة , بخلاف اللغة , فإن كل شيء أُحدِث على غير مثال يمسى بدعة , سواء كان محمودا أو مذموما ))( 6). أهـ
قلت: ما أُحدِث وله أصل في الشرع يشهد له يسمى سنة حسنة , كذلك سماه النبي , ومقابِله يسمى سنة سيئة( 7).
- وروى أبو نعيم عن إبراهيم بن الجنيد , قال: سمعت الشافعي يقول: “البدعة بدعتان: بدعة محمودة , وبدعة مذمومة .. فما وافق السنة فهو محمود , وما خالف السنة فهو مذموم”( .
- وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (( وأما قوله في حديث العرباض: “فإن كل بدعة ضلالة” بعد قوله: “وإياكم ومحدثات الأمور” , فإنه يدل على أن المحدث يسمى بدعة , وقوله: “كل بدعة ضلالة” قاعدة شرعية كُلّيّة بمنطوقها ومفهومها .. أما منطوقها , فكأنْ يقال: حكم كذا بدعة , وكل بدعة ضلالة , فلا تكون من الشرع , لأن الشرع كله هدى .. فإن ثبت أن الحكم المذكور بدعة , صحّت المقدمتان وأنتجتا المطلوب .. والمراد بقوله: “كل بدعة ضلالة” : ما أحدث ولا دليل عليه من الشرع بطريق خاص ولا عام ))( 9). أهـ
وهذه النقول من أقوال العلماء الفحول تكفي لمن تدبر وهو يبتغي الحق .. وتدمغ التهويشات التي يتقنها مسعرو الفتن ومفرقو المسلمين ..
==============
.
اليكم بعض أفعال وأقوال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم والذين فهموا معنى البدعة المُشار إليها في الحديث لاسيما أنها بعد وفاته صلي الله عليه وسلم ولم يفعلها في حياتهِ, وهي في العبادات فهل تُوصف افعالهم بالبدعة و الضلالة أم ماذا ؟؟! فإليكم بعض أفعالهم رضي الله عنهم.
أولاً :- جمع القرآن :-
فلقد جاء في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنهُ أنهُ قال: (( قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن القرآن جُمع في شيء)). فنقول عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ هو الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنهُ بجمع القرآن في مصحف عندما كثر القتل بين الصحابة في واقعة اليمامة، فتوقف أبو بكر وقال : كيف نفعل شيئاً لم يفعلهُ رسول الله (ﷺ) ؟ قال عمر: هو والله خير ونقول للمعارض أنظر إلى قول عمر لسيدنا الصديق ( هو والله خير)، فلم يزل عمر يراجع أبا بكر حتى شرح الله صدر أبا بكر لهُ، وبعث أبابكر إلى زيد بن ثابت فكلفهُ بتتبع القرآن وجمعهِ، قال زيد: فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل عليّ مما كلفني بهِ أبابكر من جمع القرآن ثم قال زيد بن ثابت: كيف تفعلون شيئا لم يفعلهُ رسول الله (ﷺ) ؟ قال الصديق ( هو خير ) فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري. وليراجع المعارضون والقراء هذه القصة فهي مبسوطة في صحيح البخاري .
ثانيا :- فصل مقام إبراهيم عن البيت
فلقد أخرج البيهقي بسند قوي عن عائشة قالت: إن المقام كان في زمن النبي (ﷺ) وفي زمن أبي بكر ملتصقا بالبيت، ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح: ولم ينكر الصحابة فعلُ عمر، ولا من جاء بعدهم فصار إجماعاً، وكذلك هو أي سيدنا عمر أول من عمل عليهِ المقصورة التي تشابه المقصورة الموجودة الآن .
ثالثاً :- زيادة ابن مسعود
ما زآده عبد الله أبن مسعود رضي الله عنه في التشهد الأخير بعد ( ورحمة الله وبركاته ) كان يقول ( السلام علينا من ربنا) وقد روى ذلك الطبراني في معجمه الكبير ورجاله رجال الصحيح كما في معجم الزوائد. فكيف بالله عليك, يأمر أبن مسعود رضي الله عنه بالإتباع وينهى عن الابتداع ثم يبتدع قولاً لم ينزل به الوحي ولم يرد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ولو تمعن هؤلاء القوم ! وأمعنوا النظر فيما سبق إيراده من أقوال أهل العلم من المحدثين, لعلموا أن المراد من قوال أبن مسعود (أتبعوا) أي اتبعوا ما جاء به الشارع أو كل ما له أصل في الشرع. ( ولا تبدعوا) أي كل شيء يخالف الشرع أو ليس له أصل في الشرع .
رابعاً:- صلاة سيدنا علي كرم الله وجهه
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي أنشأها سيدنا علي كرم الله وجهه. وقد كان رضي الله عنه يُعلمها للناس. أوردها أبن جرير وسعيد بن منصور في تهذيب الآثار, وأبن ابي عاصم ويعقوب أبن شيبه في أخبار علي كرم الله وجهه والهيثمي في مجمع الزوائد والطبراني في الأوسط وهي ( اللهم يا داحي المدحوات ....) وله رضي الله عنه دعاء آخر أورده الحافظ في الفتح في كتاب التفسير وقال رواه الطبراني من طريق فاطمة بنت علي عليهم السلام. قالت كان أبي يقول : ( يا كهيعص أغفر لي ), ومن علي أبن طلحه عن أبن عباس قال ( كهيعص قسم أقسم الله به وهو من أسمائه) فلعله أخذ ذلك عن علي رضي الله عنه, وغيرهم عن سلامة الكندي .
خامساً :- زيادة الأذان الأول يوم الجمعة
: ففي صحيح البخاري عن السائب بن زيد قال : ( كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر .... على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم, فلما كان عثمان زاد النداء الثالث), باعتبار إضافته الى الأذان الأول والإقامة, ويقال له أول لاعتبار سبقه في الزمان على أذان الجمعة. وروى ذلك أبن ابي شيبه عن ابن عمر قال : الأذان الأول بدعه, قال الحافظ ابن حجر في الفتح: [ فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الانكار, ويحتمل ان يريد : أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعه, لكن منها ما يكون حسناً ومنها ما يكون بخلاف ذلك ] .
سادساً:- إفراد النساء بإمام
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن عروه ان عمر جمع الناس على أُبي بن كعب مكان يصلي بالرجال, وكان تميم الداري يصلي بالنساء. وإفراد النساء بإمام لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بل كن يصلين مع الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم, فهل هذا العمل من عمر الا اجتهاد منه في إطار المشروع . فالنساء مطالبات بقيام رمضان كالرجال وكثرة المصلين قد تمنع سماع النساء لقرآه الإمام فأفردهن بإمام جارً على قواعد الشريعة, أو انه رضي الله عنه استند الى عمل أُبي في صلاته بأهله في قيام رمضان كما رواه أبن حيان. وهو من الخلفاء الراشدين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) .
وكذلك روى عبد الرزاق في المصنف عن الثوري عن هشام بن عروه أن عمر ابن الخطاب أمر سليمان ابن جثمه أن يؤم النساء في المسجد في شهر رمضان .
ومعلوم وثابت ان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان صلى بالناس في المسجد جماعة في قيام رمضان ثلاثاً أو اقل لم يخرج إليهم حين غُص المسجد بأهله وخرج إليهم الفجر وقال (أنه لم يحق عليه مقامكم ولكني خشيت ان تفرض عليكم, فصلوا ايها الناس في بيوتكم) ومع ذلك فكان بعض الصحابة يصلون في المسجد كما وجدهم عمر اوزاعاً متفرقين يصلي الرجل لنفسه, ويصلي الرجل ومعه الرهط, فهل كان هؤلاء المصلون المبتدعين مخالفين لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بقوله (ألا صلوا في بيوتكم) , وهل كان عمر رضي الله عنه كذلك عند ما جمعهم على إمام وأحد؟!.
سابعاً:- زيادة عبدالله بن عمر البسملة
زيادة إمام السنة والجماعة, عبدالله بن عمر البسملة في أول التشهد, وكذلك ما زاده في التلبية بقوله ( لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل ....) وهذا مبسوط في صحيح البخاري ومسلم , وروي عن ابن ابي شيبه بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه كان يزيد في التلبية ( لبيك مرغوب إليك ذا النعماء والفضل الحسن) فلماذا زاد على التلبية الواردة؟
ثامناً :- استلام ابن عباس رضى الله عنهُ أركان الكعبة الأربعة
فقد أخرج البخاري والترمذي والطبراني في الكبير والهيثمي في مُجمع الزوائد أن أبي الطفيل قال قدم معاوية وابن عباس الكعبة فاستلم ابن عباس الأركان كُلها فقال لهُ معاوية إنما استلم رسول الله (ﷺ) الركنين اليمانيين ! قال ابن عباس :- ( ليس شيء من البيت مهجوراً ) . والذي ثبت عن سيدنا رسول الله فيما رواه عنهُ البخاري ومسلم وغيرهما أنه كان يستلم الركنيين اليمانيين من الكعبة المشرفة , ولم يستلم غيرهما .
تاسعاً :- قراءة سورة العصر قبل التفرق
أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي مدينة الدارمي وكانت لهُ صُحبة قال :- ( كان الرجلان من أصحاب النبي إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة { والعصر إن الإنسان لفي خسر ... } )
عاشراً :- تقبيل القبر الشريف
فعن داود بن أبي صالح قال :- أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجههُ على القبر النبوي , فقال لهُ مروان أتدري ما تصنع ؟ فإذا هو أبو أيوب الأنصاري , فقال أبو أيوب : نعم جئتُ رسول الله صلى الله عليهِ وسلم ولم آتِ الحجر .
الحادي عشر :- أن يُصلي المسافر الرباعية أربعة ركعات
فلقد أخرج البخاري في صحيحة برقم (1107 ) ومسلم (704 ) أن الني r كان يلازم في أسفاره كُلها القصر فيصلي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين , ولم يثبت قط أنهُ صلى الرباعية أربعاً في السفر , ومع ذلك فقد صلى عثمان بن عفان رضي الله عنهُ في منى أربعاً وأنكر عليهِ ابن مسعود ثم صلاها( أي ابن مسعود ) معهُ أربعاً , فلما قيل لهُ , قال إني أكره الخلاف ........... الخ من زيادة الصحابة وعلماء وفضلاء الأمة .
فكل هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أحدثوا أشياء رأوها حسنة لم تكن في عهد المصطفى r ولم يفعلها في حياتهِ وهي في العبادات، فما قول المعارضين فيهم رضوان الله عليهم؟ وهل هم من أهل الضلال والبدع المنكرة أم ماذا؟ وهل هم ممن يظنون النبي (ﷺ) لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل بهِ (( نبئونا بعلم إن كنتم صادقين)) .
وبعد هذا التبيان الجليّ من أقوال علماء الأمة وأفعالهم , لم يبقى للمخالفين سوى حجةٌ واحدة هي والله أوهى من خيوط العنكبوت وياليتهُم سكتوا ولم يتفوهوا بها , ألا وهي قولهُم [ لو كانت الأمور المُحدثة في الدين من الدين لبينها الرسول للأمة أو فَعلها في حياتهِ أو فعلها أصحابه رضي الله عنهم، ولا يقول قائل أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تركها تواضعاً منه فإن هذا طعن فيهِ عليه الصلاة والسلام ] .
فالجواب على ذلك هو :-
أن ترك النبي عليهِ الصلاة والسلام لكثيرً من الأشياء لا يعني تحريمها .
فقد يكون تركهُ لها مخافة أن تفرض كصلاة التراويح .
وإما أن يكون تركهُ لعدم تفكيره فيهِ مثل اتخاذ منبراً له ُ
وإما أن يكون تركهُ لدخولهِ في عموميات أو أحاديث ، كتركهِ لكثير من المندوبات لأنها مشمولة في قولهِ تعالى : ) وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ( .
وإما أن يكون تركهُ خشية تغيير قلوب بعض الصحابة , كما قال لعائشة رضي الله عنها ( لولا ان قومكِ حديثو عهداً بجاهلية لأمرتُ بالبيت فهدم فأدخلتُ فيهِ ما أُخرج منهُ وألزمتهُ بالأرض وجعلتُ لهُ بابين باباً شرقياً وباباً غربياً فبلغتُ به أساس إبراهيم عليهِ السلام ) .
والترك وحدهُ إن لم يصحبهُ نصٌ على أن المتروك محظور لا يكون حُجةً في التحريم , بل غاية أمره أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع .
فإن كل ما لم يفعلهُ الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة من بعده لا يُعتبر تركهم لهُ تحريماً ، حسب ما تقتضيهِ القاعدة الأصولية والتي أولها أن يكون: كالنهي المُطلق نحو قولهُ تعالى ولا تقربوا الزنا ( . وقولهِ) ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل( .
أو كلفظ التحريم نحو ( حُرمت عليكم الميتة ).
أو كذم الفعل والتوعد عليهِ بالعقاب نحو ( من غشنا فليس منا ).
والترك هُنا ليس واحداً من هذه الثلاثة فلا يقتضي التحريم فافهم
ثانيها :-
إن الله تعالى قال ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنهُ فانتهوا) .
ولم يقل وما تركهُ فانتهوا عنهُ , فإذاً الترك لا يفيد التحريم
ثالثها :-
قال النبي صلى الله عليه وسلم [ ما أمرتكم بهِ فأتوا منهُ ما استطعتم وما نهيتكم عنهُ فاجتنبوه ]
ولم يقل ما تركتهُ فاجتنبوه , فكيف يدلُ الترك على التحريم ؟؟؟؟
رابعها :-
أن الأصوليين عرفوا السنة بأنها قول النبي (ﷺ) وفعلهُ وتقريرهُ ولم يقولوا قط وتركهُ , لأنهُ ليس بدليل .
خامسها :-
تقدم أن الترك يحتمل أنواعاً غير التحريم , والقاعدة الأصولية هي ( أن ما طرأ عليهِ الاحتمال سقط به الاستدلال )
سادسها :-
أن الترك أصل , ولأنهُ عدم فعل , والعدم هو الأصل والفعل طارئ , والأصل لا يدلُ على شيء لغةً ولا شرعاً , فلا يقتضي الترك التحريم , ولذلك عُلم أن النبي لم يفعل جميع المندوبات المباحات ’ لأنها كثيرة لا يستطيع بشراً أن يستوعبها , ولاشتغاله عليهِ الصلاة والسلام بمهام أعظم استغرق معظم وقتهُ من تبليغ الدعوة ومحاربة المشركين , ونقاش مع المخالفين مما هو مهم لتأسيس الدولة الإسلامية . بل أنهُ ترك بعض المندوبات عمداً مخافة أن تُفرض على أمتهُ أو يشق عليهم إذا هو فعلها , فلقد روى البخاري (1177) عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت ( إن الرسول (ﷺ) يترك العمل وفعلهُ أحبُ إليهِ خشية أن يستسن الناس بهِ فيُفرض عليهم , وكان يحب ما خفف عليهم )
ثم إن الرسول صلي الله عليه وسلم قال موضحاً لنا هذا الإشكال بقولهِ كما في مُجمع الزوائد وعند الحاكم و البزار والدار قطني ( ما أحل الله في كتابه فهو حلال , وما حرم الله فهو حرام , وما سكت عنهُ فهو عفو , فاقبلوا من الله عافيته , فإن الله لم يكن لينسى شيئاً ثم تلا ) وما كان ربك نسيا ( ) .
- والذي نعلمهُ أنه لم يأت في حديث واحد ولا أثر في التصريح بأن النبي إذا ترك شيئا كان ذلك الشيء المتروك حراماً أو مكروها .
وما أجمل ما قالهُ الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه لدحض هذا الفهم لدى المعارض، وحقيقة فهمهِ رحمه الله لقول النبي ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) عندما قال ( أي الشافعي ) { كُل ما لهُ مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف, لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت, أو لما هو أفضل منه، أو لعلة لم يبلغ جميعهم علم بهِ} انتهى كلام الشافعيُ .
فإذاً ليس كل مالم يفعلهُ الرسول (ﷺ) خارجاً عن السنة طالما أنَ لهُ أصلٌ في الشرع ، بل إن الحوافز القولية الكثيرة لعمل الخيرات ، والترغيبات الكثيرة القولية بالفضائل العامة والخاصة هي أيضاً من السنن , كما أن التقريرات الصادرة عن رسول الله r فيما يحدث من الخير مما لا يخالف المشروع هي أيضاً من السنة , بل هي طريقة الرسول وسنتهُ التي حث على أتباعها والتمسك بها .
ونقول أن من زعم تحريم شي بدعوى أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يفعلهُ فقد ادعى ما ليس لهُ دليل، وكانت دعواهُ مردودة . فكيف وإن فعلها عليهِ الصلاة والسلام وإن اختلفت الصورة والكيفية ؟
أما شبهة من يتشدق بعدم فعل الصحابة ويقول هل فعل الصحابة كذا وكذا من بعده ؟ فإننا نترك الإمام الحافظ الذهبي يجيبه على ذلك كما جاء في معجم الشيوخ (1/73 و74 ) حيثُ قال :
(( فإن قيل : فهلا ّ فعل ذلك الصحابة قيل : لأنهم عاينوهُ حياً , وتملوا بهِ , وقبّلوا يده , وكادوا يقتتلون على وضوئهِ , واقتسموا شعرهُ المطهر يوم الحج الأكبر , وكان إذا تنخم لا تكاد نخامته تقع إلا في يد رجل فيدلك بها وجههُ , ونحنُ فلما لم يصح لنا مثل هذا النصيب الأوفر , ترامينا على قبرهِ بالالتزام والتبجيل والاستلام والتقبيل , ألا ترى كيف فعل ثابت ألبناني , كان يقبل يدّ أنس بن مالك ويضعها على وجههِ ويقول : يدٌ مست يدّ رسول الله (ﷺ) , وهذه الأمور لا يُحركها من المسلم إلا فرط حبّه للنبي , إذ هو مأمور بأن يحب الله ورسوله أ شد من حبهِ لنفسه , وولده , والناس أجمعين , ومن أموالهِ ومن الجنة وحورها , بل خلق من المؤمنين يحبون أبابكر وعمر أكثر من حب أنفسهم )) انتهى كلام الذهبي رحمه الله .
ومن هذا المنطلق فعل كثير من الصحابة باجتهاداتهم كما ذكرنا وبيّنا سابقاً أموراً كثيرة لم يفعلها النبي عليهِ الصلاة والسلام ولكن لها أصلٌ , فكانت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقة قبول ما كان من العبادة والخير ويتفق مع المشروع ولا يخالفهُ , ورد ما كان مخالفاً لذلك , فهذهِ سنتهُ وطريقتهُ التى سار عليها خلفاؤهُ وصحابتهِ واقتبس منها العلماء رضوان الله عليهم قولهم :- [ إن ما يُحدث يجب أن يُعرض على قواعد الشريعة ونصوصها فما شهدت لهُ الشريعة بالحُسنِ فهو حسن مقبول , وما شهدت لهُ الشريعة بالمخالفة والقبح فهو مردود وهو البدعة المذمومة , وقد يسمون الأول بدعة حسنة من حيث اللغة باعتبارهِ مُحدثاً وإلا فهو في الواقع ليس ببدعة شرعية بل هو سنة مستنبطة ما دامت شواهد الشريعة تشهد لهُ بالقبول ] كما بينهُ سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمهُ الله في كتابه القواعد.
وعلى كل حال أنا أقول لأخواني المُبدعين هداهم الله وأرشدهم للحق، إن كنتم مُصرين على رأيكم ولم تُقيموا وزناً ولا اعتباراً لأقوال العُمد من الأئمة الأعلام فأقول لكم بناء على القاعدة التي أصلتموها بأنفسكم . و التي تقول
[ إن من أحدث امراً لم يفعلهُ رسول الله صلي الله عليه وسلم أو صحابتهِِ فقد ابتدع في الدين ، و يُفهم منهُ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُكمل الدين لهذهِ الأمة , وأن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يبّلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل بهِ ].
فأقول لكم كما قال القائل :- (( من فمك نُدينك ))
فقد أحدثتم في العبادات وفروعها مسائل كثيرة لم يفعلها النبي صلي الله عليه وسلم ولا الصحابةِ ولا التابعون ولا حتى تابعي التابعين
فعلى سبيل المثال لا الحصر:
1- جمع الناس على إمام واحد لأداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح في الحرمين الشريفين وغيرهما من المساجد.
2- قراءة دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح وكذلك في صلاة التهجد .
3- تخصيص ليلة (29) أو ليلة (27) من شهر رمضان لختم القرآن في الحرمين وغيرهما من المساجد .
4- قول المنادي بعد صلاة التراويح: (صلاة القيام أثابكم الله) .
5- إقامة أسبوع خاص بالمساجد في كل عام .
6- إقراركم لمن يقوم بتطويف الحاج والمعتمر حول الكعبة وبين الصفا والمروة .
7- القول: بأن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد ألإلوهية، وتوحيد ربوبية، وتوحيد أسماء وصفات. فهل هذا التقسيم جاء في حديث شريف، أم هو قول أحد من الصحابة أو التابعين أو تابع التابعين أو أحد الأئمة الأربعة؟!!
إلى غير ذلك مما لا يتسع المجال لذكرهِ من تخصيص هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجامعات إسلامية، وجمعيات لتحفيظ القرآن، ومسابقات تحفيظ القرآن ,واختتام الدورة الفولانية في تحفيظ القرآن وتوزيع الجوائز ومكاتب دعوة وإرشاد، وأسابيع احتفال بالمشايخ . ومع ذلك فنحنُ لا نُنكر هذهِ الأشياء إلا أنها من البدع الحسنة التي يُنكر هؤلاء القوم على من يفعل أمثالها ثم يفعلونها .
ولله درُ القائل :-
وعين الرضا عن كلِ عيب كليلةٌ : وعين السُخطِ تبدي المساوئ
ففعلكم لهذه المُبتدعات التشريعية التي لم يفعلها الرسول rفيهِ تعارض واضح مع قاعدة من يقول: أن العبادات توقيفية وإن كل ما لم يفعلهُ الرسول (ﷺ) وأصحابه فهو بدعة (سيئة) فلربما يكون المخالف ممن أذن لنفسهِ بالتشريع من دون الناس !!
وهنا يجب أن أقف وقفةً بسيطة حول ما يُشيعهُ المخالفين بين طلبة العلمِ والعوام من الناس وهي قولهم : ( إن العبادات توقيفية وأن كُل من يُحدثُ أمراً لم يُفعلهُ النبي صلي الله عليه وسلم ويبتغي بهِ الأجر والثواب يُعتبر من العبادات التي يُتوقف فيها )
فأقول إن كانت العبادات على هذا المفهوم أي ( توقيفية على إطلاقها ) فلماذا أحدثتم تلك الأمور التي نقلتها عنكم قبل أسطر؟ وهل ابتداعكم لها عبثاً ؟؟ أم أنكم تبتغون بهِ الأجر والثواب ؟؟؟
فاعلم أخي المسلم بورك فيك إن لله شعائر يجب تعظيمها، قال تعالى ] ومن يُعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب[
فالشعائر جمعُ شعيرة وهي تُطلق على مناسك الحج كالطواف والسعي. وتُطلق أيضاً على الأماكن التي تكون عندها العبادة كالمشعر الحرام .
فالعبادة في الأسلام : هي مطلق الطاعة والخضوع لله تعالى في تنفيذ ما شرع فرضاً كان أو نفلاً أو مباحاً بنية القربة ضمن الأصول والقيود الشرعية المتقدمة .
وتطلق الشعيرة أيضاً على كل معلم من معالم الإسلام ، عبادة كانت أو مكاناً او شخصاً أو حتى بهيمةً من البهائم يقول تعالى ] والبُدنَ جعلناها لكم من شعائر الله . [ .
فكل معلم من معالم الإسلام شعيرة ، ومن هنا يتضح الفرق بين الشعيرة والعبادة .
فالشعيرة أعم والعبادة أخص ، فكل عبادة شعيرة وليس كل شعيرة عبادة فافهم .
فالشارع أمرنا بتعظيم البيت الحرام وبناء المساجد وتعظيم النبي (ﷺ) وتوقيرهُ ولم يأمرنا بعبادة الكعبة ولا بعبادة الرسول ولا بعبادة المساجد ولا بعبادة الصحابة والصالحين من عباد الله مع أن توقيرهم واجب واحتقارهم كُفر لأنهم يمثلون الدين .
فليس في الشريعة ما يمنع من الاستفادة من التعريف والبيان المستجدة في كل عصر ومصر بحيث لا يصطدم بحكم أو نص شرعي مُقرر وقد جاءت القاعدة الأصولية في هذا البيان أن ( الوسائل لها حُكم المقاصد ) فإذا كان المقصد شرعياً ، فلا مدخل للابتداع في مثل ذلك ، كما يثيره المُخالف .
فمن هذا المنطلق يتضح لنا أن أصل العبادات توقيفية ، فلا يصح من أي إنسان أن يُصلي الفجر مثلاً أربع ركعات أو العصر ستة ركعات , ولكن فروع العبادات المستمدة مشروعيتها من الأصول فللاجتهاد نصيب فيها ضمن القواعد الأصولية . فعلى سبيل المثال ما ذكرهُ الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء( 11/ 212) قال : ( قال عبد الله ابن الإمام احمد بن حنبل : كان أبي يُصلي في كل يوم ثلاث مئة ركعة ، فلما مرض من تلك الأوساط أضعفتهُ فكان يصلي كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة .
وكذلك ما رواهُ أبو نُعيم في الحلية (1/383 ) : { وكان لأبي هريرة رضي الله عنهُ خيط فيه ألف عُقدة ، لا ينام حتى يُسبح بهِ } . ومما ثبت بأسانيد صحيحة وكثيرة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهُ خصص عشية يوم الخميس ليُحدّث عن رسول الله (ﷺ) . رواهُ ابن أبي شيبة في المصنف ( 8/565) ، والحاكم في المستدرك (1/111 و3/314 ) والطبراني في المعجم الكبير (9/123) وغيرهم بأسانيد متعددة .
وفي الختام ارجو من كُل منصف باحث عن الحق ان يعمل بقول الله ( وإذا قلتم فأعدلوا ) وان يطرح هذهِ القضية من جميع جوانبها ويضع امام الناس وبكل امانة اقوال من خالفهُ في رايهِ من اهل العلم المعتبرين المذكورين آنفاً والذين خالفوا القول الذي يقول بهِ كما فعلنا عندما ذكرنا قول الشاطبي المخالف للسواد الأعظم من العلماء سابقاً ومن ثمّ يترك حرية الإختيار للقارئ العزيز أن يأخذ بقول من أراد من أقوال الأئمة العلماء المحدّثين السابقين أو بقول المتأخرين.
ملاحظة : معارضون للبدعة الحسنة :
إن من يستحدِث فعلا جديدا لم يرد في أفعال النبي ولا أصحابه , ويزعم أنه بدعة حسنة أراد أن يتقرب إلى الله ويتعبد بها إليه فقد وقع في محذورين:
1- تكذيب قوله تعالى: ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾ ، فهذا الذي يخترع شيئا جديدا يتهم الدين بأنه لم يكتمل ..
2- تكذيب قول النبي : “ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به ، ولا من عمل يقرب إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه” , فكأنه يتهم النبي بأنه لم يبلغنا جميع ما بعث به من الخير , وخان ربه في تبليغ ما أمره به ..
والجواب عن ذلك أن نقول بعد الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه:
1- ما رتبتموه على دعواكم بحرمة استحداث السنن الحسنة لا يلزمنا , وليس ذنبنا أنكم أخطأتم في ترتيب النتيجة على مقدمات خاطئة ..
2- نحن لا نكذب الآية الكريمة ولا الحديث الشريف اللَّذَيْن ذكرتموهما ، بل نعتقد صحتهما ولا نخالفهما عندما نستحدث شيئا من البدع الحسنة ..
‏ وليس المقصود بالسنة الحسنة هنا، ما توهمه بعضهم من إحياء سنة مندثرة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ). إذ لو كان المعنى كذلك لاستلزم أن تكون للنبي سنة سيئة أيضاً، نظراً إلى ما تقتضيه تتمة الحديث . وإنما المقصود استحداث أمر لم يكن من قبل، فيه خير للمسلمين
إقرأ أيضا ..... ما هي البدعة ..!؟ وهل هناك بدعة حسنة ؟!
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم
النوع الثالث: الترك العدمي: وهو عدم نقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل فعلًا ما مما كان مقدورًا له.
وطريق معرفة ذلك: هو عدم نقل أنه -صلى الله عليه وسلم- فعله.
ولا يُشكِل على ذلك أنه لا يلزم من عدم نقل أمر ما كونُ هذا الأمر لم يحصل؛ إذ أنه لا يصح أن يقال في الشرعيات إن عدم النقل يستلزم نقل العدم؛ لأن في هذا نسبة الأمة إلى تضييع الحق، بل مَن تَتبع نقل الصحابة لأحواله وأخباره علم أنه لو فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- لنُقل؛ ولذا فالأصوليون متفقون على أن عدم الدليل على الحكم الخاص يلزم منه عدم الحكم الخاص، ويوجب البقاء على البراءة الأصلية واستصحابها حتى يَرِد من الأدلة ما يقتضي تغيُّرها
(تقرير ذلك الاتفاق في التروك النبوية (ص : 138-148).
وهو بحسب المقتضي( المراد بالمقتضِي: الداعي إلى الفعل والباعث عليه، فالباعث على فعل العبادات هو إرادة التقرب، والباعث على فعل العادات والمعاملات هو تحصيل المصلحة)له ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يكون للفعل مقتضٍ على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يمنع منه مانع، ولا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا في العبادات لا إشكال في دلالته على المنع من الفعل؛ لأنه لو كانت تلك الفَعْلة المحدثة عبادة تقرِّب إلى الله لكان ذلك مقتضِيًا كافيًا لِأنْ يفعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعبادة لا بد في إثباتها من الدليل؛ لأنها لا تكون إلا بتوقيف، وسائر الأصوليين على ذلك(انظر تقرير هذا الاتفاق في تحرير معنى البدعة (64-69).
وذلك مثل تشييع الجنازة بالذِّكْر، وقراءة القرآن على الميت، وسائر البدع من هذا الباب.
ولذا فمن المغالطة الفجّة أن يُستدل على جواز هذه البدع بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينه عنها، ومجرد تركه لا يدل على التحريم! فإن كونها عبادة يجعلها مفتقرة للدليل، وهي على المنع حتى يرد ما يثبتها، وترك النبي -صلى الله عليه وسلم- حينئذ مقوٍّ لهذا المنع ومعضد له.
أما المعاملات التي تحقق مصلحة، وكانت تلك المصلحة متحققة في زمن النبوة بأن كانت المصلحة داعية لتحصيل ذلك الفعل، ولم يقم مانع يمنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفعل ذلك الفعل؛ فيكون عدم فعل تلك المعاملة مع قيام دواعيها دليلًا على أن تلك المصلحة ليست بمصلحة على وجه الحقيقة، وإنما هي مصلحة متوهَّمة.
وذلك مثل القول بتوريث الأحفاد الذين مات أبوهم في حياة جدهم وكانوا محجوبين بأعمامهم، فإن الإلزام بتوريثهم وجعل مقدار من التركة لهم بزعم أن ذلك يحقق المصلحة -وهو ما يسمى في بعض البلاد بالوصية الواجبة- من هذا الباب.
الثاني: ألا يكون للفعل مقتضٍ على عهد النبوة، ثم حدث المقتضِي بعد.
وهذا لا يكون إلا نوعًا واحدًا؛ إذ لا يُتصور في جانب العبادات، فهو لا يكون إلا في المعاملات.
وهذا النوع لا إشكال في دلالته على الإباحة، وأن الحكم متعلق بالمصلحة التي يُرجى تحقيقها بعد استكمال شروطها: بأن تكون مصلحة حقيقية غير متوهَّمة، عامة وليست خاصة، وهي بذلك على الإباحة بشرط ألَّا يُقصد بها التقرب بذاتها.
وذلك مثل جمع الصحابة للمصحف، وتدوين الدواوين في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والإلزام بإشارات المرور في العصر الحديث، وغير ذلك.
تبين مما سبق أن القول بمشروعية الفعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك فعله ضعفٌ في التأصيل، وأن الأمر فيه تفصيل بحسب نوع هذا الترك، فيحتاج للحكم عليه إلى فقهٍ دقيق ونفَسٍ اجتهاديّ يميّز الأقسام والأنواع، ويلحق الفروع بأصولها، وينزل القواعد على ما يناسبها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
  • أعجبني
  • رد