
السؤال: شيخنا بعض الناس يتشائم ويتطير إذا دخل شهر صَفَر، فلا يقْدمُ على الزواج أو على ختان أولاده أو السفر وغير ذلك ، فما حكم الإسلام في هذا التشاؤم؟ بارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

قال تعالى:{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)} سورة يونس، وقوله تعالى: { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} سورة التوبة ،وقوله تعالى :{ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} سورة المجادلة، وغيرها من الآيات في هذا المعنى.

وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( لا يعدي شيء شيئاً ))، فقال أعرابي : يا رسول الله ! البعير أجرب الحشفة نُدبِنُه فيجرب الإبل كلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( فمن أجرب الأول ؟ لا عدوى ولا صفر ، خلق الله كل نفس فكتب حياتها ورزقها ومصائبها )) رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي والطحاوي في شرح معاني الآثار بإسناد صحيح ،وصححه الالباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
قال الإمام ابن رجب –رحمه الله- في شرح صحيح البخاري:( اختلفوا في معنى قوله : ((لا عدوى))، وأظهر ما قيل في ذلك : أنه نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية، من أن هذه الأمراض تعدي بطبعها، من غير اعتقاد تقدير الله لذلك، ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ((فمن أعدى الأول((، يشير إلى الأول إنما جرب بقضاء الله وقدره ،فكذلك الثاني وما بعده) .

والتشاؤم من الاعتقادات الجاهلية التي انتشرت – وللأسف الشديد – بين كثير من جُهّال المسلمين ، نتيجة جهلهم بالدين عموماً ، وضعف عقيدة التوحيد فيهم خصوصاً ، وسبب ذلك : الجهل ،ونقص التوحيد ، وضعف الإيمان ، وعدم انتشار الوعي الصحيح فيهم ، ومخالطة أهل البدع والضلال ، وقلة من يرشدهم ويبين لهم الطريق المستقيم ، وما يجب اعتقاده ، وما لا يجوز اعتقاده .

والتوكُّل على الله تعالى وإفراده بالخوف والرجاء وأنه تعالى هو القادر على جلب النفع ودفع الضرر، من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به ، وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى ، والخوف من غيره ،وعدم التوكل عليه والثقة به ،فكان صاحبها غرضاً لسهام الشر والبلاء ، فيتسرع نفوذها ؛ لأنّه لم يتدرع بالتوحيد والتوكل ، والنفس لابد أن تتطير ، ولكن المؤمن القوي الإيمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله تعالى، فإن من توكل على الله وحده كفاه من غيره ، قال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) } سورة النحل.

أن التمسك بمثل هذا التشاؤم حرام وقادح في سلامة التوحيد، ويُعد إحياءً لسنن الجاهلية الأولى ، وابتعادا عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، وترك التشاؤم عموما من تمام التوحيد والتسليم المطلق لله تعالى ، وهو نعمة ربانية وراحة بدنية، وإيمان وثقة بقضاء الله تعالى وتقديره. والله تعالى اعلم
