الجمعة، 11 يونيو 2021

منهجية في التعامل !

 منهجية في التعامل !

هذه كلمات علمية عملية من إمام كبير وعلامة نحرير له سعة اطلاع وقوة فهم للنصوص واستنباط عجيب يخرج لنا بهما دررا وجواهر من القواعد والجمل والكلمات ..
قال الله تعالى
" وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ
إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا "
وجاء فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمَّا اجْتَازَ بِدِيَارِ ثَمُودٍ قَالَ:
{لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ}
قال شيخ الاسلام رحمه الله :
" فَنَهَى عَنْ عُبُورِ دِيَارِهِمْ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَذَابِ. وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي مُقَارَنَةِ الظَّالِمِينَ وَالزُّنَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي:
لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يُقَارِنَهُمْ وَلَا يُخَالِطَهُمْ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَسْلَمُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا لِظُلْمِهِمْ مَاقِتًا لَهُمْ شَانِئًا مَا هُمْ فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: {مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ}
وَقَالَ تَعَالَى:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} الْآيَةُ.
وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ وَعَمَلِهِ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ مِصْرَ لِقَوْمِ كُفَّارٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ مُقَارَنَةَ الْفُجَّارِ إنَّمَا يَفْعَلُهَا الْمُؤْمِنُ فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا عَلَيْهَا
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ رَاجِحَةٍ عَلَى مَفْسَدَةِ الْمُقَارَنَةِ
أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي تَرْكِهَا مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ فِي دِينِهِ
فَيَدْفَعُ أَعْظَمَ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا
وَتَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ الرَّاجِحَةُ بِاحْتِمَالِ الْمَفْسَدَةِ الْمَرْجُوحَةِ.
وَفِي الْحَقِيقَةِ فَالْمُكْرَهُ هُوَ مَنْ يَدْفَعُ الْفَسَادَ الْحَاصِلَ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} .." الفتاوى (15/ 324)
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَالْمُؤْمِنُ مَشْرُوعٌ لَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ أَنْ يُقِيمَ دِينَ اللَّهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِالْمُحَارَبَةِ وَغَيْرِهَا
وَمَعَ الْعَجْزِ يُمْسِكُ عَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ الِانْتِصَارِ
وَيَصْبِرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْبَلَاءِ مِنْ غَيْرِ مُنَافَقَةٍ،
بَلْ يُشْرَعُ لَهُ مِنْ الْمُدَارَاةِ وَمِنْ التَّكَلُّمِ بِمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا
وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَعَ أَهْلِ الْبِدْعَةِ بِالْعَكْسِ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ لَا يَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ بِالتَّكْفِيرِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ يَسْتَعْمِلُونَ مَعَهُمْ الْعَدْلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ " الفتاوى الكبرى
وقال رحمه الله :
" من أعان ظالما في الأفعال فإن الأفعال لا تقع إلا عن إرادة ;
فالظالم يطرد إرادته فيصيب من أعانه أو يصيب ظلما لا يختاره هذا
فيريد المعين أن ينقض الطرد ويخص علته
ولهذا يقال : من أعان ظالما بلي به ... " الفتاوى 4/48
وقال رحمه الله:
« ﻳﺤﺮﻡ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﺿﺮﺭ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻪ،
ﻓﺄﻣﺮﻩ ﺑﺎﻟﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺬﻫﺎﺏ ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻬﺮ ﺃﻭ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻃﻦ ﺃﻥ ﻫﺬا ﻣﺼﻠﺤﺔ؛
ﻷﻧﻪ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﺃﻥ اﻟﺬﻫﺎﺏ ﻭاﺟﺐ ﺃﻭ ﻣﺴﺘﺤﺐ ﻟﻢ ﻳﻨﺒﻎ ﻟﻪ ﻓﻌﻠﻪ،
ﻭﺇﺫا ﺧﺎﻑ اﻟﻀﺮﺭ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺗﺮﻛﻪ، ﻓﺈﺫا ﺃﻛﺮﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻫﺎﺏ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺮﺝ ﻓﻼ ﻳﺆاﺧﺬ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ.
ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﺇﺫا ﻓﻌﻠﻪ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﺃﻭ ﺷﻬﻮﺗﻪ؛ ﻭﺇﺫا ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﺃﻧﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺭاﺟﺤﺔ ﻛﺎﻥ ﺣﺴﻨﺎ.
ﻭﻗﺪ ﺟﺎءﺕ ﺷﻮاﻫﺪ اﻟﺴﻨﺔ: ﺑﺄﻥ ﻣﻦ اﺑﺘﻠﻲ ﺑﻐﻴﺮ ﺗﻌﺮﺽ ﻣﻨﻪ ﺃﻋﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻠﺒﻼء ﺧﻴﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺳﻤﺮﺓ :
"ﻻ ﺗﺴﺄﻝ اﻹﻣﺎﺭﺓ ﻓﺈﻧﻚ ﺇﻥ ﺃﻋﻄﻴﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻭﻛﻠﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﺃﻋﻄﻴﺘها ﻋﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺃﻋﻨﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ".
ﻭﻣﻨﻪ ﻗﻮﻟﻪ: ﻻ ﺗﺘﻤﻨﻮا ﻟﻘﺎء اﻟﻌﺪﻭ، ﻭاﺳﺄﻟﻮا اﻟﻠﻪ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ، ﻓﺈﺫا ﻟﻘﻴﺘﻤﻮﻫﻢ؛ ﻓﺎﺻﺒﺮﻭا ». الفتاوى 10/ 521
وقال رحمه الله:
"فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، ولكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه،
مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه،
إما أن يظهر دينه، وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله، بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون، وامرأة فرعون،
وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب،
ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه،
وكتمان الدين شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر،
فهذا لم يبحه اللَّه إلا لمن أكره بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر،
واللَّه تعالى قد فرق بين المنافق والمكره. . .
بل المسلم يكون أسيرا أو منفردا في بلاد الكفر،
ولا أحد يكرهه على كلمه الكفر ولا يقولها، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه،
وقد يحتاج إلى أن يلين لناس من الكفار؛ ليظنوه منهم،
وهو مع هذا لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل يكتم ما في قلبه،
وفرق بين الكذب، وبين الكتمان،
فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره اللَّه في الإظهار،
كمؤمن آل فرعون،وأما الذي يتكلم با لكفر فلا يعذره، إلا إذا أكره،
والمنافق الكذاب لا يعذر بحال، ولكن في المعاريض مندوحة عن الكذب،
ثم ذلك المؤمن الذي يكتم إيمانه يكون بين الكفار الذين لا يعلمون دينه،
وهو مع هذا مؤمن عندهم يحبونه ويكرمونه؛لأن الإيمان الذي في قلبه يوجب
أن يعاملهم بالصدق والأمانة والنصح وإرادة الخير بهم،
وإن لم يكن موافقا لهم على دينهم،
كما كان يوسف الصديق يسير في أهل مصر، وكانوا كفارا،
وكما كان مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه، ومع هذا كان يعظم موسى
وَيَقُولُ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}" منهاج السنة
رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته
اللهم سددنا والهمنا رشدنا وعلمنا وزدنا علما وانفعنا وانفع بنا .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا اختصار لكلمات ابن تيمية التي نقلتها لكم في المقال السابق ( منهجية التعامل ) .. !

* ان كان ولابد من مخالطة الظلمة والعصاة فعلى المسلم ان يكون منكرا عليهم ظلمهم ومعاصيهم بقلبه وهذا اضعف الإيمان الواجب عليه فعله .
** وجواز اختلاطك بهم إما مكرها أو لأجل مصلحة دينية ترجوها
والمكره هنا حاله انه أخذ أدنى المفسدتين وليس تشهيا ودنيا
*** وعلى المسلم المستضعف او العاجز عن الإنتصار ان يصبر على البلاء الذي هو فيه ويحذر النفاق
وله ان يداري بكلامه لسلامة نفسه ودينه
وفرق بين المداراة والنفاق والمداهنة .
قال القرطبي رحمه الله في الفرق بينهما: (أنَّ المدَاراة: بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو لهما معًا، وهي مباحة وربما استحبت. والمداهنة: ترك الدين لصلاح الدنيا).
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: " أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه و سلم فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة،
فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه!!
فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة متى عهدتني فحاشاً؟! إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره."
" والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقول، فلم يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه قول حق وفعله معه حسن عشرة. " فتح الباري لابن حجر
**** وعلى المسلم ان يعلم ان ارادة الظالم ظلم الناس قد تصيب من يعينه فإرادة الظلم قد تنال من هو معه وقريب منه
فليحذر إعانته حتى لايبتلى به فيقع عليه ظلمه .
ولهذا قيل من اعان ظالما ابتلي به
***** وعلى المسلم ان لا يذهب الى شيء إلا إذا كان له فيه مصلحة راجحة
فهناك أشياء او أحوال إن قُدّرَت عليك من غير سعي منك لها يعينك الله عليها
وإن أنت تعرضت لها توكل لها .. والمسلم من غير عون الله له يخذل في سعيه.
****** ولايجوز في وقت الاستضعاف استعمال الكذب واظهار الكفر من غير إكراه
بل للمسلم كتم إيمانه لأجل سلامته
وقد يكون تعامل المسلم الذي يكتم إيمانه مع القوم الذين يعيش بينهم بصدق ونصح وأمانة وإرادة الخير لهم
فيكون هذا الخلق منه سببا في إكرامهم له ومحبتهم له
اللهم سددنا والهمنا رشدنا اللهم احفظنا في ديننا ودنيانا يارب العالمين
وصل يارب وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كيف ظهرت مدرستان في التعامل وفهم النص الشرعي ؟!

 ( لا يصلين احد منكم العصر الا في بني قريضة )

منذ الانطلاقة الاولى للاسلام ظهرت مدرستان
في التعامل وفهم النص الشرعي
المدرسة الاولى :
هي المدرسة الحرفية ان صح التعبير والتي تفهم أن ظاهر النص هو الغاية التي ينبغي تحقيقها
المدرسة الثانية :
هي المدرسة المقاصدية التي تنظر الى ما وراء النص وتعمل على تحقيق المقاصد والمآلات من النص .
كلا المدرستين يأخذ من الاخر احيانا ولكن المشكلة حين ظهر التعصب فصار اهل المدرسة الاولى يرمون الثانية بالبدعة
وصار الاخرون يرمون خصومهم بالجمود والانغلاق ...
نحن اليوم بعد قرون مديدة من تشكل هذه المدارس لن نستطيع قطعا ان نصهرها في بوتقة واحدة وليس هذا مطلوب منا اصلا ..
لكن ينبغي ان يحترم كل طرف وجهة نظر الاخر ولا يسفهها ..
المطلوب ليس ان نتحد على الفروع وانما على الاصول .

انتقاد الحركة الإسلامية الفلسطينية!!؟

 انتقاد الحركة الإسلامية الفلسطينية!!

بقلم: عصام تليمة

حركة المقاومة الإسلامية ذات تاريخ معروف، وشعبية كبيرة بين أبناء الأمة الإسلامية والعربية، وأحرار العالم، سواء الحركة، أم قادتها ورموزها، وليس خافيا على أحد تاريخ الحركة، وسيرة قيادات وأفراد الداخل والخارج معا.
ولفترات طويلة كانت عبارات الانتقاد للحركة قليلة جدا، بل نادرة، لكن حدثا معينا فتح باب الانتقاد؛ وذلك عندما قام أبو العبد الأستاذ إسماعيل هنية بالعزاء في قاسم سليماني، وقال عبارته التي أثارت الجدل، منذ هذه اللحظة ولا ينتهي النقاش والنقد للحركة من حيث عبارات عزائها، وليس من حيث العزاء في حد ذاته.
ولست هنا في مقام النقاش لصحة أو خطأ ما قام به قيادات الحركة في عزاء هذا أو ذاك، أو تحية هذا أو ذاك، فقد كفاني في ذلك من قاموا بالكتابة في الأمر، والنقاشات التي دارت على مواقع التواصل الاجتماعي، أعتقد أن حجم النقاش كان كبيرا وهائلا، وذلك لما تمثله الحركة عند الأمة من اعتبار وثقل، يقر به العدو قبل الصديق، والكاره قبل المحب.
في المرة الأولى التي قام هنية بالعزاء في سليماني، قامت موجة انتقاد كبيرة له وللحركة معا، سواء من أبناء الحركة، أم من مؤيديها والمتعاطفين معها، وتناقل البعض وقتها: أن هناك سعيا من بعض قيادات الحركة، لمحاسبة من قاموا بانتقاد أبو العبد، ولكن غلب صوت العقل، وانتهى هذا التوجه الذي لا يتسم بأي درجة من الحكمة.
لكن هذه المرة بعد انتصار غزة والمقاومة، بعد أزمة حي الشيخ جراح والأقصى، زادت التصريحات، وزاد الانتقاد، ولم تعد التبريرات مقبولة من تصريحات بعض قيادات الحركة، في شكرها لأنظمة لها جرائم كبرى، ضد مدنيين عزل، وضد شعوبهم، ورأينا ضيقا من عدد من المحسوبين على الحركة، ناسين أن النقد الموجه لها هو من محبين لا كارهين، ومن حريصين على رصيدها من التآكل، أو الانتهاء، وربما نسوا هؤلاء سبب قيام الحركة ونشأتها.
إن أساس قيام ونشأة (الحركة الإسلامية للمقاومة في فلسطين)، كان بسبب انتقاد عدد كبير من أبناء الإخوان المسلمين في التنظيم الفلسطيني لقرار أصدره القيادات، فقد كان قرار الإخوان المسلمين (التنظيم الفلسطيني) بعد نكبة 1967م، أنهم أصدروا قرارا تنظيميا، بحظر انضمام أي أحد من أعضاء الإخوان لأي تنظيم جهادي يقاتل العدو الصهيوني، وبمنع الإخوان من أي عمل جهادي ضد المحتل آنذاك، لأسباب فصلوها في مذكرة من أربع صفحات (لدي نسخة كاملة منها)، وصدر القرار عن إخوان فلسطين بتاريخ: 12 من ذي القعدة سنة 1387هـ - 11 فبراير (شباط) سنة 1968م بالتالي: (امتناع الإخوان عن القيام بالعمل المسلح في فلسطين في ظل الظروف الراهنة). وهو قرار قامت به اللجنة التنفيذية بالإجماع كما ذكرت.
ظل القرار ساريا لسنوات طويلة داخل الإخوان الفلسطينيين، حتى قامت مجموعة من الشباب ممن درسوا وعاشوا في الخليج وبلاد أخرى، تستنكر مثل هذا القرار، إذ كيف نعيش بين بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، يفاخر العضو في حركة (فتح) وغيرها بحاضره، ويفاخر العضو الإخواني بماضيه، ويخجل من حاضره؟! ونتج عن هذه الانتقادات والضغوط أن صححت الجماعة الأوضاع، وسمحت للشباب وغيرهم بتأسيس حركة المقاومة الإسلامية، ثم اكتشف الكبار خطأهم فاعتذروا عن قرارهم، وعن وقوفهم عقبة أمام هذا الإصلاح الكبير للجماعة، ولفلسطين.
الحقيقة أن الراصد لتاريخ الإخوان المسلمين الفلسطينيين سيجد تاريخ لقياداتهم في النقد الذاتي للجماعة، فإن أول من امتلك شجاعة نقد المفكرين الكبار للإخوان كان من التنظيم الفلسطيني، فأول من انتقد أفكار الشهيد سيد قطب رحمه الله، كان الأستاذ عبد الله أبو عزة، وقد كان وقتها المراقب العام للإخوان الفلسطينيين، وكتب سلسلة مقالات مهمة كانت أول من فتح أعين الناس على أفكار سيد قطب المختلف عليها، فكتب سلسلة مقالات بعنوان: (الحركة الإسلامية في الدوامة)، انتقد فيها تفكير الإخوان، وأنه تفكير عاطفي، ولا يتسم بالتخطيط والعقلانية المطلوبة للمرحلة، أدعو قيادات الحركة والإخوان بوجه عام لقراءة مقالات الرجل في هذه المرحلة، والتي شرَّحت العقل الإخواني تشريحا علميا، يتسم بالجرأة في الطرح، والنظرة الثاقبة للعلاج المطلوب.
الحقيقة التي لا بد أن تفهمها الحركة بكل مستوياتها أنها ليست مؤسسة فلسطينية مقصورة على أعضائها، بل هي مؤسسة من مؤسسات الأمة الإسلامية، هذا هو التوصيف الصحيح لها، سواء نص على ذلك أهلها أم لم ينصوا، ومؤسسات الأمة ملك للأمة كلها، ورصيدها الحقيقي يأتي من جماهير الأمة، ومن تأييدهم لها، ولو وقف هذا التأييد على الدعم المعنوي فقط، أو كان محدودا وقليلا، لكنها النواة الصلبة التي لا وجود للحركة بدونها.
على حركة المقاومة أن تتسع صدورها قادة وأفرادا لكل نقد، مهما كان قاسيا، ومهما كان زائدا عن الحد، وأن تعيد النظر في تصريحات قيادتها، وفي ممارساتها السياسية، فهذا ما ينتظره كل محب لهم، وكل حريص على ترشيد أفعالها وأقوالها، حتى لو كان من باب المجاملات السياسية، فلا بد من إعادة بوصلة الحركة لتحسن وضع كل عبارة في موضعها الصحيح، لا يزيد ولا ينقص، كما كان معهودا من قبل فيها.
أعقتد أن واجب الوقت على الحركة الآن، هو ذلك، حتى لا يتسع الشرخ الذي وجد بينها وبين جماهير أمتها في بلاد كثيرة، فلا شك هناك شرخ بدأ في الاتساع للأسف في الآونة الأخيرة، وعليها العمل على رتق هذا الشرخ. وأول العلاج: جلوس الحركة مع نفسها ومع المقربين منها، تمارس فيه النقد الذاتي بكل أمانة وحيدة، وتجمع كل ما قيل بحقها مؤخرا، وتعمل على علاجه.

لماذا لم يُدفن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في يوم وفاته؟

 سؤال وجيه:

لماذا لم يُدفن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في يوم وفاته؟ المطلوب هو التعجيل بالدفن للميت المسلم.
في شأن الدفن والتجهيز ردّ القرآن الشأن كله إلى أهل المتوفى، وليس لأحد معهم سلطان،
{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله..}، وفي حالة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تولى أهل بيته هذا الامر، وعلى رأسهم عمه العباس عليه الرضوان، فهو كان صاحب القرار في هذا، وعليه فتأخير الدفن كان قرارا من آل البيت ولا علاقة للصحابة به، بل لا علاقة لأقرب الصحابة كأبي بكر وعمر عليهما الرضوان، وعلى ذلك وافق الصحابة ولم يعترض أحد أبدا، فكان ذلك إجماعا وحجة على صوابية الفعل، والسؤال: لماذا قرر العباس - عليه الرضوان - وبقية آل البيت - عليهم السلام - تأخير الدفن إلى ليلة الأربعاء؟
إن المظنون بهم - عليهم الرضوان - أنهم كانوا تحتَ صدمةِ الوفاة، وكانت المدينة من حولهم لا تصدق أن الوفاة حصلت، ويكفي أن عمر - رضي الله عنه - قال أنه سيقتل كل من يقول أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قد مات، وكان يعتقد أنه غائب كما غاب موسى عليه السلام عن قومه ثم عاد، فالتعجيل بالدفن مع شعور الصدمة وتكذيب الخبر ما كان ملائما، وهذه السيدة فاطمة - رضي الله عنها - لم تحتمل الدفن بعد ثلاثة أيام فقالت لأنس: (يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - التراب؟)؟ فلو تُرك الأمر لها ما سمحت بدفنه عليها السلام، وكان بقاء الجسد الطاهر على سريره تلك المدة أنسا لنساء بيت النبوة، حتى قالت إحداهن: (كنا نستأنس برؤيته على السرير)، وجاء في الموطأ عن أم سلمة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها كانت تقول: (ما صدقت بموت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى سمعت وقع الكرازين)، أي: الحفارين.
ثم دل الفعل على اختلاف شأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن شأن بقية البشر، فالميت يُخشى عليه التغير، بخلاف حاله صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا كان بقاء جسده الشريف دون أي تغير في عز الصيف من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم، وتبين به معنى اسمه (الطاهر) و(الطيب)، ودل على صدقه - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، وقد كان جسده الشريف طيبا ليلة دفن كصبيحة مات صلى الله عليه وآله وسلم، وقالها الصديق - كما في البخاري - وهو يقبّل الجسد الطاهر غداة الوفاة: (بأبي أنت وأمي، طبْتَ حيا وميتا)، وأكد ذلك حدث غسله من يوم الثلاثاء، ففي سيرة ابن هشام: (وعلي يغسله، قد أسنده إلى صدره وعليه قميصه يدلكه به من ورائه، لا يفضى بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليٌّ يقول: بأبي أنت وأمي، ما أطيبك حيا وميتا، ولم يُر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء مما يرى من الميت).
وأمر آخر أهم وهو إعطاء فرصة لكل من أراد إلقاء نظرة أخيرة عليه، والصلاة عليه فرادى، وبعد التجهيز قال ابن هشام: ( ثم دخل الناس على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يصلون عليه أرسالا، دخل الرجال، حتى إذا فرغوا أدخل النساء، حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أحد ..)، وهذا يحتاج وقتا طويلا، وأظنهم ما دفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا بعد أن رآه آخر مؤمن يومها في المدينة.
وأما القول أن التأخير كان بسبب الانشغال بالبيعة وشأن الخلافة فقد صرت أستبعده للأسباب السالفة، وذلك أنه لا شأن للخليفة بالتجهيز والدفن كما سبق، ولو تم أمر الخلافة والبيعة من أول ساعة الوفاة لكانت الأسباب السابقة داعية إلى تأجيل الدفن، فالربط بين الدفن وشأن الخلافة ربط لم يعد سائغا.
صلى الله وسلم وبارك على من طاب حيا وميتاا وعلى آله وصحبه أجمعين.