معاني الأمر في الكتاب والسنة
الأمر في الكتاب
والسنة ، ليست في درجة واحدة !
1 - فهناك أوامر تفيد الوجوب : ( وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاة ) . فالصلاة والزكاة هنا واجبتان.
2 - وهناك أوامر تفيد الإباحة : (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) . ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي
الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه ) .
فهل الصيد بعد التحلل من الإحرام ، واجب لأنه أُمِرنا به
؟ وهل التجارة بعد صلاة الجمعة ، واجبة لأنها أُمِرنا بها ؟ أم أنّ الأمر هنا يفيد
الإباحة ، وعدم الإثم ؟
3 - وهناك أوامر تفيد الإرشاد : ( يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ
وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْل ) .
فهل كتابة الدَين واجبة ، لأنها أُمِرنا بها ؟
الجواب : لا طبعاً ، بدليل أن الله تعالى ، قال بعدها : ( فَإِنْ
أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَه ) .
فهنا الأمر يفيد الإرشاد .
4 - وهناك أوامر تفيد التأديب
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» !
لماذا لا يفيد الوجوب ؟ الجواب : لأن
الغلام غير مكلّف .
5 - وهناك أوامر تفيد التخيير ، وفي نفس الوقت
هي تهديد وتخويف ، وهو أمر اختيار بين شيئين لا يجمع بينهما !
: (
وَقُلِ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر ) .
فهل الكفر هنا واجب ، لأن الله تعالى أمر به ؟ ! أم هو
تهديد ، وتخويف ؟
6 - وهناك أوامر تفيد التمني ؛ حيث الخطاب
يتضمن أمراً محبباً ، ويمتنع وقوعه لعدم الإمكانية ، أو يدخل في حيز المستحيل .
لأن التمني من لوازم الإمتناع !
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا
اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ
أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِين ) .
فهل الكافرين يأمرون الله تعالى ، ويوجبون عليه أن يريهم
المُضلّين ، ويحقق أمنياتهم ؟ ! أم أمرهم هنا يفيد التمني فقط ؟
7 - وهناك أوامر تفيد التحقير : الأمر
للمخاطب للتقليل من شأنه . كقول الشاعر
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فهل يأمر الشاعر المُخاطَب بترك المكارم ، والقعود عن
طلبها ، ويصفها بالغنى واليسار ؟
أم أنه يحتقره ، ويهينه ، ويقول له : لا تتعب نفسك ،
فأنت لستَ مـن أهـل المكارم ، بل أنت مشغول فقط بالأكل والثياب الجميلة ، حالك حال
المرأة ؟ !
8 - وهناك أوامر تفيد التسوية ، إذا كان
المخاطب لا يكترث فيما إذا حصل الفعل أو عدمه : (
اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا
سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .
فهنا لا يؤمرون بالصبر ، بل يُقال لهم : لا فرق بين
صبركم ، وجزعكم ، فأنتم في كلا الحالتين تُعذّبون ؟ ! فالأمر هنا لا يفيد الوجوب .
9 - وهناك أوامر تفيد التهديد : ( ذَرْهُمْ
يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُون ) . ( لِيَكْفُرُوا
بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُون ) . ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا
يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي
آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .
فهل يأمر الله تعالى ، هنا النبيّ r ، بترك دعوة
الكفّار إلى الإسلام ، ليأكلوا ويتمتّعوا ، ويشغلهم الأمل ، عن التفكر في عاقبتهم
؟ أم هذا تهديد لهم ؛ حيث إن هذا هو حالهم ، فسوف يواجهون عقاباً أليماً ، على
كفرهم هذا ، وإهمالهم لمصيرهم ؟
وهل يأمر الله تعالى الملحدين – هنا – بعمل ما يشاؤون ،
حسب أهوائهم ، ولا شيء عليهم ، أم هذا تهديد شديد لهم ؟
10 - وهناك أوامر تفيد الدعاء : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ) . ( رَبَّنَا
فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا
مَعَ الْأَبْرَار ) .
فهل العباد الصالحين يأمرون الله تعالى ، هنا ، ويوجبون
عليه ، سبحانه ، أن يؤتيهم الحسنة ، في الدنيا والآخرة ، ويقيهم عذاب النار ، أم
يتوسّلون ، ويدعونه ، تعالى أن يرحمهم ، بلطفه وكرمه ؟
11 - وهناك أوامر تفيد النصيحة والإرشاد ،
إذا كان الخطاب موجّه من شخص أعلى منزلة ويتضمن معنى وعظي وإرشادي ، كخطاب الرسل
إلى أتباعهم : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم ) .
12 - وهناك أوامر تفيد الإلتماس ، إذا كان
الخطاب يتضمن أمراً إلى المتكلم المثيل والند ، والذي يتساوى معه في المنزلة
والشأن : ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ
أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ
وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ) .
فهل بعضهم ، هنا يوجبون على بعضهم ، ويفرضون عليهم ، أن
يبعثوا أحدهم ليأتيهم بالطعام الزكي ، والتلطف ؛ حتى لا يشعر بهم أحد ، أم هو
إلتماس منهم ؟
13 - وهناك أوامر تفيد التعجيز ، وذلك إذا
استعملت الصيغة في مقام إظهار عجز مَن يرى أن في وسعه وطاقته أن يفعل أمراً ، وليس
في مقدوره أن يفعله : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى
عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين ) .
14 - وهناك أوامر تفيد التسخير ، أي جعل
الشيء مسخّراً منقاداً لأمر لا حيلة له فيه : (
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي
السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِين ) .
فهل الأمر ، هنا يوجب عليهم أن يكونوا قردة خاسيئين
باختيارهم ، أم فرض عليهم خارج إرادتهم .
15 - وهناك أوامر تفيد الإهانة ؛ وهي إظهار ما فيه تصغير
المهان ، وقلة المبالاة به ، وذلك إذا استعملت الصيغة في مقام عدم الإعتداد بشأن
المأمور : ( قُلْ
كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ) .
فليس الغرض : الطلب ! أي : لا يُطلب منهم ، ولا يوجب
عليهـم ، أن يكونـوا حجارة أو حديداً . بل هنا تظهر قدرة الله تعالى ، في إحياء
الموتى مهما كانوا !
( ذُقْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيم ) .
16 – وهنـاك أوامر تفيد الدوام : ( اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم ) .
فالأمر المراد منه الدوام ، وهو بيان للمعونة المطلوبة ،
فكأنه قال : كيف أعينكم ؟ فقالوا : اهدنا
17 - وهناك
أوامر تفيد الإعتبار ، أي : أخذ العبرة : ( انْظُرُوا
إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ
فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .
فليس معنى الأمر هنا : وجـوب النظـر إلـى الثمار . بل
الأمر هنا بمعنى : أخذ العبرة بالنظر إليها [ نظر اعتبار
واستبصار واستدلال على قدرة مقدّره ومدبره وناقله من حال إلى حال ] ([1]) .
18 - وهناك أوامر تفيد التلهف والتحسر :
( قُلْ
مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ) .
فهل الأمر هنا ، يفيد وجوب الموت ، وفرضه عليهم ؟ أم
يفيد اللهفة والحسرة عليهم ؟
19 - وهناك أوامر تفيد التسليم ، حيث يكون
اللفظ أمراً . والمعنى تسليم وتفويض بأن يصنع ما يشاء : ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) .
أي : إصنع ما أنت صانع .
( ثُمَّ اقْضُوا إِلَي ) . أي : إعملوا ما أنتم عاملون .
فهل المسلمون هنا ، يأمرون فرعون ، ويوجبون ويفرضون عليه
القضاء ؟
وهل نوح – عليه السلام – هنا يوجب عليهم المضي فيما
أرادوا ، أم يتحدّاهم ؟
20 - وهناك أوامر تفيد الخبر : (
فَلْيَضْحَكُوا
قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون ) .
فهل الأمر هنا ، يوجب الضحك عليهم قليلاً ، ويفرض عليهم
أن يبكوا كثيرا ؟ أم الأمر هنا يفيد الخبر ، عن ما سيؤل إليه حالهم ؟
إلى غيرها من المعاني .
فليس صحيحاً أن يقال : كل أمر يفيد الوجوب . إلّا مع
تكملته ، وهي : ما لم تكن هناك قرينة ( أي : دلالة ) تصرفه عن الوجوب !
وهذه الأمور يعرفها العلماء والأئمة ، وليس كل مَن هبّ
ودبّ !