*نشُّ ذباب الشُّبهات عن مشروعية الاحتفال بمولد سيد السادات*
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
ففي كل عام يثير القوم أنفسهم الشبهات ذاتها ليصرفوا الناس عن خير الاحتفال بمولد سيد الأنام صلى الله عليه وسلم زاعمين عدم مشروعية ذلك.
ولكنَّ محبي النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالمرصاد إلى يوم الحساب.
***
س1/ ما معنى كلمة (الاحتفال) في اللغة العربية؟
ج1/ (الاحتفال) هو الاجتماع.
جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ت:395هـ) (ج2:ص81): "الْحَاءُ وَالْفَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْجَمْعُ. يُقَالُ: حَفَلَ النَّاسُ وَاحْتَفَلُوا، إِذَا اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسِهِمْ. وَالْمَجْلِسُ مَحْفِلٌ".
***
س2/ ماهو تعريف (الاحتفال بالمولد النبوي الشريف)؟
ج2/ الاحتفال بالمولد النبوي الذي نقصده وندعو إليه هو: ((اجتماع شخصين فأكثر- اجتماعًا خاليًا من المحرمات- لذكر الله تعالى، وقراءة حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- وسيرته، ومدحه شعرًا ونثرًا؛ سرورًا به؛ وإظهارًا لمحبته؛ وشكرًا لله- تعالى- على نعمة إرساله لهداية الناس)).
***
س3/ كيف تفعلون أمرًا تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله هو أو أصحابه؟
ج3/
1.إنَّ (الترك النبوي) ليس دليلًا ولاحجة في الشرع، بل (النهي النبوي) هو الدليل والحجة، والفرق بينهما أن الترك عدم محض، بينما النهي هو القول الطالب للكف عن الفعل، قال تعالى:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. تأمل قوله تعالى: (وما نهاكم) أي: طلب منكم بالقول ان تتركوه، ولم يقل (وما تركه)، ولم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحتفال بمولده، ومن يدعي خلاف ذلك فعليه أن يأتينا *بدليل صحيح صريح* يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم (أنهاكم عن الاحتفال بمولدي) أو ما شابه ذلك من عبارات.
2.ليس كل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وجب تركه وحرُم فعله، فكم من أفعال تركها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها في حياته ثم فعلها أصحابه رضي الله عنهم من بعده وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، ولنضرب لك مثلًا واحدًا:
أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((بعث إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير و إني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت: *كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم* ؟ فقال عمر: *هو والله خير* فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ورأيت في ذلك الذي رأى عمر)).
تأمل جيدًا يا من تدعي طلب الحق بدليله في هذا الحديث الصحيح الذي يطلب فيه ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أول الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن يفعل شيئًا- متعلقًا بأهم أمور الدين وهو جمع القرآن الكريم- لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فبماذا يرد عمر رضي الله عنه؟ (هو والله خير).
فنخرج من هذا الحديث العظيم بقاعدة عظيمة هي: إن كل خير لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته يجوز فعله بعد وفاته، والاحتفال بالمولد- بالمعنى المذكور أعلاه- من أعظم أنواع الخير، فالاحتفال بالمولد النبوي يجوز فعله بل يستحب.
3.سيتفاجئ القارئ عندما يعرف أن النبي- صلى الله عليه وسلم- احتفل بمولده الشريف في حياته، واحتفل صحابته أيضًا بمولده الشريف في حياته وبحضوره وعلمه، كل ما في الأمر *أن وسيلة احتفالنا اليوم بالمولد الشريف تختلف عن وسيلة احتفال النبي- صلى الله عليه وسلم- واحتفال الصحابة به*، وهذا غير مؤثر على أصل الحكم الشرعي وهو جواز الاحتفال؛ لأن للوسائل حكم الغايات كما تنص على ذلك القاعدة الأصولية المشهورة.
•إرشاد النبي- صلى الله عليه وسلم- الناس إلى نعمة يوم مولده:
أخرج مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم (أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ:"ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ".
فيقاس عليه الاحتفال بالمولد النبوي، وتقرير القياس كالآتي:
الأصل: صيام يوم الاثنين.
الفرع: الاجتماع للذكر والشكر.
العلة: كلاهما قربة في مقابل نعمة.
الحكم الشرعي: الاستحباب.
•إقرار النبي- صلى الله عليه وسلم- الصحابة على مدح يوم مولده:
أخرج الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه الكبير واللفظ له عن خُرَيْم بْن أَوْس بْن حَارِثَةَ بْن لامٍ رضي الله عنه، قال: (كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْدَحَكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: "هَاتِ لا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ"، فَأَنْشَأَ الْعَبَّاسُ، يَقُولُ:
قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلالِ وَفِي *** مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفينة وقد ***ألجم نسرا وأهله العرق تنقل من صالح إلى رحم ***إذ مضى عالم بدى طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من **خندف علياء تحتها النطق وانت *لما ولدت*أشرقت ***الأرض وضاءت بنورك الأفق. تأمل في قول الصحابي خريم " كنا " اي :ثلاثة على الأقل؛ لأنه أقل الجمع فهذا احتفال، أي : اجتماع، وقول سيدنا العباس - رضي الله عنه - (وانت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق )فهذا إقرار منه - صلى الله عليه وسلم - لمدحه ومدح مولده الشريف في محفل من الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين والحديث تلقاه العلماء بالقبول فقد أخرجه القاضي عياض في الشفا (216/بتحقيق كوشك )وسكت عنه، وابن القيم في زاد المعاد (ج3 : ص483 )وسكت عنه، وحسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في الأمالي. • النبي صلى الله عليه وسلم يقر الصحابة على احتفالهم به : }} لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {{. أخرج الإمام أحمد والنسائي والطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال معاوية -رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة يغني من أصحابه، فَقَالَ : مآ أجلسكم؟ قالوا جلسنا ندعوا الله ونحمده على ماهدانا لدينه *ومن علينا بك*قال : الله ما أجلسكم إلا ذلك؟"قالوا الله ماأجلسنا إلا ذلك، قال : أما اني لم أستحلفكم تهمة لكم، وإنما أتاني جبريل عليه السلام فاخبرني بأن الله تعالى يباهي بكم الملائكة فهؤلاء الصحابة الكرام جلسوا في حلقة يدعون الله تعالى ويحمدونه على هدايته تعالى لهم لدين الإسلام، ويحمدونه على أنه تفضل وتكرم عليهم وعلى البشرية جمعاء بالنعمة الكبرى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اي؛انهم جلسوا يقولون : الحمد لله على منَّتِه علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم تأمل جيدا لفظ (بك)في الحديث حتى لايُغرر بك جاهل أو متعصب فيلبس عليك بأنهم حمدوا الله تعالى على بعثته أو على هدايته لهم أو ما شابه ذلك، فالباء الداخلة على الضمير العائد على النبيصلى الله عليه وسلم تفيد أن حمد الله تعالى كان لإنعامه عليهم * بذات محمد * صلى الله عليه وسلم س 4 /هل يكفي يوم واحد لأداء واحب الشكر لله تعالى على نعمة إرساله محمدًا صلى الله عليه وسلم لهداية الناس؟ ج4 / لايكفي - بالتأكيد - يوم واحد في العام للاحتفال بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وندعو إلى الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - كل يوم بل كل لحظة، لكن سيكون في ذلك حرج على المسلمين ومشقة. فصلاة ركعتين تطوعًا مستحبة في كل وقت -عدا الأوقات المنهي عنها - فهل لنا أن نطلب من المسلمين أن يشغلوا كل وقتهم بصلاة التطوع ويتركوا بقية العبادات والمعاملات التي يحتاجونها في دينهم ودنياهم؟ ومثلُ صلاة التطوع صيامُ التطوع وقراءةُ القرآن الكريم والأذكارُ المستحبة وغيرُ ذلك من المستحبات الشرعية. فلما كان في ذلك حرج على المسلمين ومشقة. والحرج مرفوع بقوله تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج ,والقاعدة الفقهية تقول : )) المشقة تجلب التيسير (( خصص الناس يومًا معينًا في العام لهذا الاحتفال كحد أدنى، والقاعدة الفقهية تقول : )) الميسور لايسقط بالمعسور
(( س5 /إن يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم عند الأكثرين هو )) 12 ربيع الأول (( وهو يوم وفاته أيضًا، فلم نفرح فيه ولانحزن؟ ج5 / على القول بأن يوم مولده - صلى الله عليه وسلم - هو يوم وفاته، فإن الفرح به مقدم على الحزن عليه لسببين : 1.إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كغيره من الأنبياء * حيٌ في قبره حياة برزخية *، ونفعه لأمته مستمر إلى يوم القيامة وطالما أن نفعه - صلى الله عليه وسلم - لم ولن ينقطع فكذلك إظهار الفرح بتلك النعمة وشكر الله -تعالى - عليها حري أن يدوم إلى يوم القيامة؛ رغبة في استمرار تلك النعمة وزيادتها؛ لقوله تعالى :}} لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ {{. والدليل على أن نفعه - صلى الله عليه وسلم - لأمته مستمر في حياته البرزخية، ما أخرجه البزار وغيره، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -، (حياتي خير لكم، ثحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليا أعمالكم،فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيته من شر أستغفرت الله لكم )قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج9 : ص24 )"رجاله رجال الصحيح " وقال أبو زرعة العراقي في طرح التثريب (ج3 : ص953 )"إسناد جيد "قال العلامة المناوي في فيض القدير (ج3 : ص400 )شارحًا الحديث الذي قبله والذي هو بنفس معناه : ((فالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - مستمر هناك يسأل الله لأمته في كل يوم لكل صنف : فللمتهافتين التوبة، وللتائبين الثبات، وللمستقيمين الإخلاص، ولأهل الصدق الوفاء، وللصديقين وفور الحظ، فبين بقوله )) ومماتي خير لكم )عدم انقطاع النفع بالموت بل الموت في وقته أنفع ولو من وجه ))ولمزيد من التوسع في مسألة حياة الأنبياء في البرزخ راجع كتاب البيهقي (حياة الأنبياء في قبورهم )
2. . إن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال :(لا يحل لأمراة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث ))ففيه النهي عن الحزن على ميتٍ بعد مرور ثلاثة أيام على موته، ولفظ )) ميت عام يشمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره لأنه نكرة في سياق النهي والحديث أخرجه البخاري ومسلم