الاثنين، 17 أبريل 2023

هل كل ما في الصحيحين صحيح؟!.

هل كل ما في الصحيحين صحيح؟!.

وهل تصح دعاوى الإجماع على صحة كل ما فيهما؟!
ليس كل ما في صحيح البخاري ومسلم صحيح،
غالب ما فيهما صحيح مقبول وهناك أحاديث شاذة مردودة
مثلهما كمثل صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة وسنن الترمذي وسنن النسائي.
هؤلاء الذين يعترضون على تضعيف بعض الأحاديث في الصحيحين أو أحدهما أكثرهم لم يقرأوا البخاري ولم يطلعوا عليه، ولا يفهمون المسألة إلا نظريا أما عمليا فهم أبعد الناس عن هذا المهيع!.
وهناك قواعد وأسسا ذكرها أهل الحديث وغيرهم لقبول الأخبار وردها سنبينها ونذكرها إن شاء الله تعالى فيما بعد.
وادعاء الإجماع على صحة ما فيهما إلا أحرفا يسيرة كما قال ابن الصلاح والإسفراييني غير صحيح ولا صواب وهو غير موافق للواقع.
النووي قال عن ابن الصلاح: وخالفه المحققون والأكثرون!.
وابن الصلاح ليس من الحفاظ والنقاد في علم الحديث والتخريج والعلل! هو فقيه شافعي مدير مدرسة فحسب!.
حاول بعض العلماء أيضاً أن يعكس فقال: أن يقول ووافقه محققون كثيرون!.
وعلى كل حال لا إجماع ولا اتفاق على ذلك بين الأمة!.
الذين يقولون بإجماع الأمة يقصدون إجماع أهل السنة فقط!، مع أن أهل السنة غير متفقين على صحة كل ما في الصحيحين قبل وجود البخاري ومسلم وبعد وجود البخاري ومسلم!.
أما قبل الوجود فهناك أحاديث في الصحيحين لا يقول بها أبو حنيفة ولا الشافعي مثلاً، مثل حديث أن التيمم بضربة واحدة يمسح بها الوجه والكفين دون إدخال الذراعين.. إلى غير ذلك.
وهناك أحاديث لا يقبلها أحمد بن حنبل وأمر بالضرب عليها كما هو ثابت في المسند في مثل حديث (لو أن الناس اعتزلوهم) يعني الحكّام، فهذا حديث مردود عند أحمد وهو مروي في الصحيحين.
وقد استنكر أحمد بن حنبل أيضاً حديث ((من مات وعليه صوم ، صام عنه وليه)) وهو في الصحيحين، انظر (( سير أعلام النبلاء )) (6/10) .
والصحابة رضي الله عنهم ردوا أحاديث مروية في الصحيحين وقصة ردهم لها كلها في الصحيحين أو في أحدهما أيضا، مثل:
رد السيدة عائشة رضي الله عنها حديث سيدنا ابن عمر "الميت يعذب ببكاء أهله عليه" فقالت: رحم الله أبا عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ.
وهذا يفيدنا أن الراوي حتى ولو كان صحابيا فإنه يجوز عليه الخطأ والنسيان.
حركت السيدة عائشة رضي الله عنها عقلها المجتهد البصير المنفتح وفكرت في النص فوجدته مخالفًا لقوله تعالى: {لا تزر وازرة وزر أخرى}، وهذا ردّ الحديث بعرضه على القرآن.
وردّت على من قال إن سيدنا محمدًا رأى رب العزة وقالت: إنه أعظم الفرية على الله تعالى! لقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار}.
وردت حديث يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار، وقالت : شبهتمونا بالحمر والكلاب.
وردت حديث: "الشؤم في ثلاث في المرأة والدار والفرس"!.
وغير ذلك، وقد جمع ذلك الحافظ الزركشي في كتابه: (الإجابة في استدراك السيدة عائشة على الصحابة).
ورد السلف من الصحابة والتابعين على أبي هريرة حينما حدث - كما في كتاب الصيام من صحيح البخاري - بحديث: "من أصبح جنبا فلا صوم له".
وأنكر أبو هريرة - كما في الصحيحين - أنه حدث بحديث: "لا عدوى" عندما ترك التحديث به وأصبح يروي حديث: "لا يردن ممرض على مصح"!، وقال تلميذه أبو سلمة عبدالله بن عبد الرحمن بن عوف أحد رواه هذا الحديث: أن أبا هريرة نسي أنه كان يحدث به!!!.
هذا بعض ما كان قبل وجود الصّحيحين ودوّن فيهما وهو كثير، لم نستقصه.
وروى البخاري (6422) ومسلم (33) عن عتبان بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" "لن يوافيَ عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار". فرد على عتبان أبو أيوب الأنصاري كما في صحيح البخاري (1186) فقال له: "والله ما أظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما قلتَ قطُّ..".
أما في زمن وعصر البخاري؛ فالبخاري صار متروكاً - وإن كنا لا نوافق قطعًا على هذا - عند أبي زرعة وأبي حاتم وابنه عبد الرحمن ومحمد بن يحيى الذهلي لأجل مسألة اللفظ كما ذكر ذلك ابن أبي حاتم المعاصر للبخاري في ترجمة البخاري التي لا تزيد عن أربعة أسطر في كتابه الجرح والتعديل!.
وفي "سير أعلام النبلاء" (12/571) للذهبي:
(قال سعيد البرذعي: شهدت أبا زُرْعَة ذكر صحيح مسلم وأنَّ الفضل الصائغ أَلَّفَ على مثاله فقال: هؤلاء أرادوا التقدّم قبل أوانه فعملوا شيئاً يتسوَّقون به).
وصرّح الحاكم في أوائل المستدرك بأن أحاديث الصحيحين بعضها لا يخلو من علة فقال:
[وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتابا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل، ومسلم بن الحجاج بمثلها، إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له، فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما، وقد خرج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها، وهي معلولة،...].
والبخاري نفسه رد حديث التربة المروي عن أبي هريرة في صحيح مسلم وقال الأصح أنه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار! أي أنه من الإسرائيليات!.
وأشار البخاري في عدة مواضع من صحيحه على بعض الأحاديث أن الأصح وقفها كحديث (إذا التقى المسلمان بسيفيهما ..). أي أنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ورد ابن حزم والنووي والفخر الرازي حديث البخاري المبهم الذي فيه أن المعوذتين ليستا من كتاب الله عند ابن مسعود!.
وقال الخطابي عن حديث شريك بن أبي نمر في الإسراء ليس في الكتاب حديث أشنع منه! كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر في شرحه!
وألف الدارقطني كتاب "الإلزامات" و "التتبع" في نقد أحاديث رووياها ربما تبلغ مائتي حديث.
ونقل الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (7/358) أنَّ ابن حزم ردَّ أحاديث إسرائيل كلها التي في الصحيحين!!.
وقال الإمام المحدِّث الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على شروط الأئمة الخمسة للحازمي ص (40) :
((ألَّف الحافظ الضياء المقدسي في ذلك مؤلفاً سمَّاه ( غرائب الصحيحين ) وذكر فيه ما يزيد على مائتي حديث من الغرائب والأفراد المخرَّجة في الصحيحين)) وقال الإمام الكوثري رحمه الله تعالى قبل ذلك ص (32) :
((ولأبي مسعود الدمشقي (صاحـب الأطراف) استدراك عليهما ـ البخاري ومسلـم ـ ، وكذا لأبي علي الغساني في تقييده)) .
وروى البخاري في الصحيح (5081) بسنده عن عروة أنَّ النبي خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك، فقال له: "أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال".
قال الحافظ أثناء شرح الحديث هناك:
(وقال مغلطاي في هذا الحديث نظـــر لأنَّ الخلة إنما كانت لأبي بكر في المدينة ، وخطبة عائشة كانت بمكة، فكيف يلتئم قوله إنما أنا أخوك؟ وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما باشر الخطبة بنفسه....) .
وروى البخاري في صحيحه (4769) بسنده عن أبي هريرة عن النبي قال: "يَلْقَـى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنَّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول الله: إنّي حرَّمت الجنة على الكافرين" .
قال الحافظ ابن حجر في شرحه هناك في الفتح (8/500) :
((وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعـــن في صحته، فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحته نظر من جهة أنَّ إبراهيم علم أنَّ الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما صار لأبيه خزياً مع علمه بذلك؟ وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى: { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلمَّا تبيَّن له أنَّه عدو لله تبرَّأ منه } انتهى .. )) .
وقال الذهبي في [سير أعلام النبلاء] (14/540) في ترجمة الإمام الحافظ أبي الفضل محمد بن أبي الحسين الشهيد:
((وقد خرَّج الحافظ أبو الفضل صحيحاً على رسم صحيح مسلم، ورأيت له جزءاً مفيداً فيه بضعة وثلاثون حديثاً من الأحاديث التي بيَّن عللها في صحيح مسلم)) .
وقال الذهبي في ((السير)) (6/10) في ترجمة عبيدالله بن أبي جعفر الكناني:
(وقد قال أحمد بن حنبل مرة: ليس بالقوي، واستنكر له حديثاً ثابتاً في الصحيحين في: ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه).
وهذا غيض من فيض ولو أردنا أن نتتبع كلام علماء الحديث والحفاظ من أهل السنة والجماعة لطال الكلام وسنذكر ذلك في كتاب مستقل إن شاء الله تعالى!.
هذا بالإضافة إلى الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى كالإمامية والإباضية والزيدية والمعتزلة وغيرهم وهم من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ممن لا يقر بصحة كل ما في الصحيحين ويتشاركون معنا في صحة كثير من أحاديثهما!.
زد على ذلك أن هناك أمثلة على أحاديث فصل الحفاظ في نقدها والحكم عليها بالوضع أو النكارة منها حديث: (من عادى لي وليا)ً قال الذهبي في الميزان (1/641):
(فهذا حديث غريب جداً، لولا هيبةُ الجامع الصحيح لعدُّوه في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك وليس بالحافظ، ولم يَرد هذا المتن إلا بهذا الإسناد).
وروى مسلم (2501) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي سفيان، من طريق عكرمة بن عمّار عن أبي زميل عن ابن عبّاس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا نبيِّ الله! ثلاث أَعْطِينِهِنَّ ؟! قال (( نعم )).
قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان، أُزوجكها ؟
قال: (( نعم )) .
قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك ؟ قال: (( نعم )).
قال: وتؤمرني حتى أُقاتل الكفار كما كنت أُقاتل المسلمين؟ قال: (( نعم )) .
قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يُسْأَلُ شيئاً إلا قال: (( نعم )) .
قلت: هذا حديث موضوع، وهو أحد الأحاديث الموضوعة التي في صحيح الإمام مسلم.
ومن دلائل وضعه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قد تزوّج أم حبيبة بنت أبي سفيان قبل فتح مكة بدهر، ولمّا زارها أبو سفيان في المدينة وهو مشرك نحته عن فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه مشرك نجس ساعتئذ، وهذا مشهور ومعلوم.
قال الحافظ الذهبي في [سير أعلام النبلاء 7/137] عن هذا الحديث في ترجمة أحد رواته ( عكرمة بن عمار ) ما نصه:
((قلت: قد ساق له مسلم في الأصول حديثاً منكــــــراً، وهو الذي يرويه عن سماك الحنفي عن ابن عباس، في الأمور الثلاثة التي التمسها أبو سفيان من النّبي صلى الله عليه وآله وسلم)) .
وقد نقل الإمام الحافظ النووي رحمه الله تعالى في [شرح مسلم 16/63] عند شرح هذا الحديث أن ابن حزم حكم عليه بالوضع!.
قلت: وهو حكم صحيح لا غبار عليه.
وقال الحافظ ابن الجوزي في هذا الحديث:
((هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا به عكرمة بن عمّار راوي الحديث، وإنما قلنا: إن هذا وهم لأنَّ أهل التاريخ أجمعوا على أنَّ أُم حبيبة كانت تحت عبيد الله بين جحش، وولدت له وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصّر وثبتت أُم حبيبة على دينها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النّجاشيِّ يخطبها عليه، فزوّجه إيّاها، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة سبع من الهجرة، وجاء أبوسفيان في زمن الهدنة وهي التي كانت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش في صلح الحديبية فدخل عليها، فثنت بساط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف في أنَّ أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمانٍ ولا يُعْرف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمَّر أبا سفيان)).
وقال الإمام الحافظ النووي في هذه المسألة في [شرح صحيح مسلم 1/131] :
((وذهب بعض المحدّثين إلى أنَّ الآحاد التي في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد، وقد قدّمنا هذا القول وإبطاله في الفصول..))
ثم قال بعد ذلك بأسطر:
((وأما من قال يوجب العلم ـ خبر الواحد ـ فهو مكابر للحس، وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك متطرق إليه ؟! والله أعلم)) اهـ
فتأملوا في هذه الحقائق يا من تريدون أن تصلوا إلى الحقيقة والحق، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.

حكم إخراج زكاة الفطر نقدا - الدكتور عبدالله رشدي

 



👈الذين يدّعون #التقيّد_بالنصوص ، من أين جاءوا بالأرز وغيره ؟
والأرز لم يكن موجوداً أصلاً ف زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ؟
👈ولم ينص النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ع قوت البلـــد ، ولم يلفظ كلمتي ( قوت البلد ) ! فمن أين جاء الذين يحتجّون ع غيرهم بالتقيّد بنص النبيّ صلى الله عليه وسلم .
◾ من أين جاءوا بـ( قوت البلد ) ، وهم يفرحون بأنهم يطبّقون السنة ف هذا الموضوع ، دون غيرهم من الذين يخرجون النقود ؟ !
🙋ونحن نرى أنّ آراء واجتهادات وأقوال ، ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، أكثر دقة ، ومنطقيّةً ، مع ظاهريته ، ف تقيّده بالنص ، من الذين يدّعون ذلك ، ويحاربون غيرهم بحجة التقيّد بالنص .
وهم – ف الحقيقة – مقيّدون باجتهادات وآراء رجال – غير معصومين – لا يرتقون إلى مستوى كُتّاب أولئك الأئمة ، الذين يحاربونهم ! !
🔘أنظري إلى أقوال ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، لترى التقيّد حرفيّاً بالنص كيف يكون ؟ :
قال ، رحمه الله :
[ وَأَجَازَ قَوْمٌ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
فَقَالَ قَوْمٌ: يُجْزِئُ فِيهَا الْقَمْحُ وَقَالَ آخَرُونَ: وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ.
وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا -:
أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ،
👈فَقُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ بِلَا بُرْهَانٍ،
ثُمَّ قَدْ نَقَضْتُمُوهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ لَا الْحَبَّ:
فَأَوْجَبُوا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا لِأَنَّهُ هُوَ أَكَلَهُ، وَهُوَ قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ،
فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ.
قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَكَذَلِكَ مَا عَدَا التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ،
👈وَقَالُوا: إنَّمَا خَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالذَّكَرِ - التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا #قَوْلٌ_فَاحِشٌ_جِدًّا
أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْشُوفٌ، لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَوَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ؛ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا،
◾وَيُقَالُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْقَمْحَ، وَالزَّبِيبَ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمَا وَقَصَدَ إلَى التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؛ أَنَّهُمَا قُوتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،
وَهَذَا لَا يَعْلَمْنَهُ إلَّا مَنْ أَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَحَيٌّ بِذَلِكَ،
وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْفَرْضُ فِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَطْ،
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ وَأَنْذَرَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَفْتَحُ لَهُمْ الشَّامَ، وَالْعِرَاقَ، وَمِصْرَ، وَمَا وَرَاءَ الْبِحَارِ،
فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبِسَ عَ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ دِينَهُمْ؟ فَيُرِيدُ مِنْهُمْ أَمْرًا وَلَا يَذْكُرُهُ لَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ بِكَلَامِهِ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؟
وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَطِ ] .
🙋 هذا منطق مَن يأخذ بحرفية النص ، ويأخذ به !
وهو منطق وقول مَن لا يتناقض مع نفسه !
فالذي يخــالف و يحــارب المسلمين ف هـذه المســــألة – لأنهم يقولون بجواز إخراج النقود – ويفتخر بنفسه ، ع أنه مقيّد بنص حديث رسول الله ، دون غيره
عليه : إمّا أن يردّ ع الإمام ابن حزم قوله ، ويبطله !
أو يعترف بأنه أيضاً غير مقيّد بحرفية النص ، حاله حال المسلمين الذين يحاربهم !
وعليه أن يعترف أنه هو أيضاً مقيّد بقياسات واجتهادات العلماء !
هل ذكر النبيّ ، الأرز والعدس و . . . ؟ وهل قال صلى الله عليه وسلم ، قوت البلد ؟
هل أخذوا ذلك من حرفية النص ؟ أم استنباطاً منه ؟
فلماذا يجوز ، ويحل لهم الإستنباط ، ولا يجوز لغيرهم ، ويحرم عليهم ذلك ؟ !
ج – ثم قال ابن حزم ، رحمه الله :
[ ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ خَبَرٌ مُسْنَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِ شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ،
وَلَا عَجَبَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَقُولُ فِ خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ: «كُنَّا نَبِيــعُ أُمَّهَـــاتِ الْأَوْلَادِ عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ «ذَبَحْنَا عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ»
أَنَّ هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ،
ثُمَّ يَجْعَلُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا مُسْنَدًا عَ اضْطِرَابِهِ وَتَعَارُضِ رُوَاتِهِ فِيهِ
فَلْيَقُلْ كُلُّ ذِي عَقْلٍ: أَيُّمَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَا يَخْفَى عَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
بَيْعُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ ذَبْحُ فَرَسٍ فِ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَوْ بَيْتِ الزُّبَيْرِ،
وَبَيْتَاهُمَا مُطْنِبَانِ بِبَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنَتُهُ عِنْدَهُ، عَلَى عِزَّةِ الْخَيْلِ عِنْدَهُمْ وَقِلَّتِهَا وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا،
أَمْ صَدَقَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِ بَنِي خُدْرَةَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ بِصَاعِ أَقِطٍ، أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ،
وَلَوْ ذُبِحَ فَرَسٌ لِلْأَكْلِ فِ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ بَغْدَادَ مَا كَانَ
يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى فِ الْجَانِبِ الْآخَرِ،
وَلَوْ تَصَدَّقَتْ امْرَأَةُ أَحَدِنَا أَوْ جَارُهُ الْمُلَاصِقُ بِصَاعِ أَقِطٍ؛ أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ وَصَاعِ قَمْحٍ، مَا كَادَ هُوَ يَعْلَمُهُ فِي الْأَغْلَبِ؛
فَاعْجَبُوا لِعَكْسِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْحَقَائِقَ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ الثَّلَاثَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ ]
يقول الإمام ابن حزم الظاهري ، رحمه الله ، عن قول أبي سعيد الخدري - الذي يقول فيه - : كُنّا نفعل كذا . .
يقول : هذا ليس خبر مسند ، لأنه ليـــس فيــه أنّ رسول الله ، عَلِم بذلك فأقرّه !
ويتعجب ابن حزم ، من هؤلاء العلماء ؛ الذين يعتمدون ف إقرار سنة عن النبيّ ، ع قول أبي سعيد الخدري ، : كنا نفعل كذا وكذا .
فيقولون بإخراج الزبيب والأقط و . . . إستناداً ع قول أبي سعيد الخدريّ : كنّا نُخْرِجُ فِ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ .
ويعتبرونه سنّة مقررة من عند رسول الله ، علماً أنه ليس فيه أن رسول الله قد عَلِمَ بذلك !
بينما هم يردّون ما هو أقوى من ذلك ، ولا يعتبـرونـه سنّة ! ويقولون : هو غير مسند ؛ لأنه ليس فيه أنّ رسول الله ، عَلِمَ بذلك فأقرّه ! !
فيقول : هؤلاء العلماء قد ردّوا قول بعض الصحابة ، رضي الله عنهم ، مثل جابر بن عبد الله ، وأسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهم ، وقولهما هو بنفس صيغة قول أبي سـعيـد الخدريّ ، الذي جعلوه سنّة ، بل قولهما أقوى ف الإستنباط منه !
مثلاً : خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ: «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ «ذَبَحْنَا عَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ»
فيقولون عنهما : هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ
يقول ابن حزم : فليحكم كل مَن عنده عقل يحتكم إليه ، أي منهما منطقي ؟
هل يخفـى ع رسول الله ، أن يبيـع رجـل من أصحابـه كجابر أم ولده ؟
أو هل يخفى ع رسول الله ، أن يُذبح فَرَس ف بيت أبــي بكر الصدّيق ، أبي أسمــاء ، أو ف بيت الزبير بن العـوام ، زوج أسماء ،
وبيت كل منهما بجنب بيت رسول الله ،
وأخت أسماء ؛ هــــي عائشة بنت أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهم ، وهي زوج النبيّ ؟
ولاسيما كم كان الفَرَس عزيزاً ، وقليلاً عندهم ، وكم كانوا بحاجة إليه ، فيذبحونه ويأكلونه ،
ويخفى ذلك ع رسول الله ! ! ولا يعتبر عملهم سنّة !
أما حينما يتصدّق رجل مــن أصحابه كأبـــي سعيد الخدريّ ، وبيته ف عوالي المدينة المنورة ، ف بني خُدرة ، أي بعيد عن بيت رسول الله
حينما يتصدّق بصاع أقط ، أو زبيب ، فهذا لا يخفى ع رسول الله ويعتبر عمله سنّة إقرارية !
ويقول : لو ذُبح فَرَس للأكل ، ف طرف من بغداد – ف زمانه – ما كان ليخفى ع الطرف الآخر ،
فكيف خفي ذلك ع رسول الله، في جنب بيته ؟
يقول : بينما لو تصدّقت زوجة أحدنا بصاع أقط ، أو زبيب ، أو قمح ، ما كاد أن يعلمه ، وهو زوجها !
فأن لا يعلم جيرانه فبطريق الأَوْلى ! !
فكيف – حسب قول ابن حزم – عكَسَ هؤلاء العلماء الأمر ، فردّوا الأقوى ، وأخذوا بالأضعف منه ؟ !
3⃣ – جاء ف حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما ، الذي رواه الشيخان ؛ البخاري ، ومسلم ، ف صحيحيهما :
( وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ ) .
فهذا أمر من النبيّ ، صريحاً واضحاً – للذين يتقيّدون بنص النبيّ ، ويدّعون أنّهم لا يخرجون عن النص ، ويحاربون الأئمة ويضللونهم بخروجهم عن النص –
هل هم يتقيّدون بأمر ، وسنة رسول الله ، هنا ؟
وأمره ، هنا هو أن تؤدّى زكاة الفطر ، بعد صلاة فجرعيد الفطر ، وقبل صلاة العيد !
فهل هم مقيّدون بذلك ؟
وقد استحب الأئمة ؛ أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، تأخير صلاة عيد الفطر ، ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر ، المستحب إخراجها فيه !
فهل هم يتقيّدون بذلك ؟
لا ، طبــعاً ، هم غيـــر مقيّدون بذلك ، بل يؤدّونها قبل ذلك ، ربّما بيومين ! لماذا ؟
لأن الإمام البخاري ، رحمه الله ، قد روى ف صحيحه ، عن ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أنه كان «يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»
ولنا ع هذا الإستدلال ملاحظتان :
1⃣ – أن النبيّ أمر بوضوح ، وبصريح العبارة
، أن تؤدّى زكاة الفطر ، قبل خروج الناس إلى الصلاة !
🙋فلمـاذا عدل الملتزمون بالنص عن ذلك ، ويؤدونها قبل ذلك ؟
قالوا : [ ولا مانـــع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين .
وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها ف أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين ؛ لأن الشهر يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين ] .
وقالوا أيضاً : [ وقت وجوب إخراجها : تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الفِطْرِ : هذا هو وقت الوجوب، أي الوقت الذي يوجه فيه الخطاب إلى الإنسان بإخراجها هو وقت غروب الشمس ليلة الفطر، والدليل حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ]
ثم أنظر إلى قولهم – وهم يدّعون الإلتزام بنصوص الكتاب والسنة – :
[ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ] . [ وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ العِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ] .
علماً أن رسول الله ، أمر بإخراجها قبل خروج الناس إلى الصلاة !
أتدرون لماذا ؟
لأن الصحابيّ الجليل عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، روى : أنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين !
أي : أن الصحابة هم يفسرون ، ويشرحون ، ويبيّنون لنا مقصد رسول الله وما أراد بأوامره ، وكيفيّتها !
والصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يفعلون شيئاً من عند أنفسهم ، بل لابد أنّهم إذا عملوا عملاً فبعلم رسول الله عملوه ، وأقرّهم ع ذلك .
مع أن أمر النبيّ هنا واضح صريح !
قالوا : [ وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين ] .
[ لما روى الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (1511) من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَكَانُوا يُعْطُونَها قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ] .
هذا هو سبب العدول عن أمر رسول الله ، الواضح الصريح !
فالصحابة ، رضوان الله عليهم ، هم مَن يفسرون لنا أوامر رسول الله ، ولا يعملون إلّا بعلم النبيّ
وهذا كلام جميل ، ومبدأ صحيح ، أليس نقول دائماً : الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ؟
وهل هناك – من السلف الصالح – أفضل ، وأعلم من الصحابة ، رضوان الله عليهم ؟ !
ولا ندري – ولا المنجّم يدري – لماذا عدلوا عن هذا المبدأ الصحيح الجميل ف مكان آخر ؟ !
والحافظ ابن تيمية ، رحمه الله ، قد قرر ف كتابه (( منهاج السنة )) ، أنّ الدليل ع بطلان المقابل ، هو وجود التناقض ف أقواله ومواقفه ؛ فتراه يقرر شيئاً ف مكان ، ثم يقرر عكسه ، ويناقض ذلك القول ف مكان آخر !
النبيّ لم ينص أيضاً لا ع الأرز والعدس ، ولا ع قوت البلد ، فلماذا عدلوا هنا عن نص الحديث !
وقد كان كبار الصحابة وعلمائهم ، رضي الله عنهم ، قد فقهوا وفهموا الغاية من الزكاة عامة ، وهي : سد فاقة الفقير ، وإشباع حاجاته .
ولم يقيّدوا أنفسهم ببعض الوسائل المنصوصة عليها !
فقد صحّ عن معاذ بن جبل – أعلم الصحابة بالحلال والحرام – ، أنه قال لِأَهْلِ اليَمَنِ:
«ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ
أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ»
وكذلك جاء عن عمر بن الخطاب أنه كان يأخذ من الأراضي الخراجية الدراهم ، مع أنّ النبيّ ، أخذ من أهل خيبر شطر ما يخرج من أراضيهم ،
ومع هذا لم يتقيّد عمر بأخذ الثمار والزروع بل كان يأخذ الدراهم وغيرها منهم .
وما رأينا منكراً من الصحابة ع ذلك ، وع هذا مضى من بعده.
والله اعلم





إخراج زكاة الفطر نقدًا أفضل وأيسر في عصرنا هذا وفيه مصلحة للفقير والمزكي - فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي

 



لا تنسوا شيخنا الفاضل الإمام يوسف القرضاوي من صالح دعائكم في هذه الأيام المباركة.
فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
السؤال: تعودت منذ مدة طويلة أن أخرج زكاة الفطر عني وعن أسرتي مبلغًا من النقود هو قيمة صاع من أوسط الأطعمة التي ورد بها الحديث الشريف، وقد سمعناكم تقدرونها بخمسة عشر (15) ريالاً قطريًا، كما أني أرسل هذه النقود إلى الفقراء من الأهل والأقارب والجيران في الأراضي المحتلة من فلسطين، ولم يكن عندي شك في جواز ذلك بناءً على فتاوى متعددة سمعتها من فضيلتكم شخصيًا، ومن علماء كثيرين، على رأسهم فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود - رئيس المحاكم الشرعية في قطر.
ولكني قد فوجئت في أحد الأيام - وأنا أفتح المذياع - بفتوى من أحد الشيوخ، بأن إخراج القيمة أي النقود في زكاة الفطر لا يجوز بحال، ومن فعل ذلك فزكاته باطلة؛ لأنها مخالفة للسنة. كما شن حملة قاسية على العلماء الذين أجازوا إخراج القيمة في زكاة الفطر، واتهمهم بمخالفة النصوص الشرعية بالرأي المجرد. ولا أكتمكم أني تحيرت وتبلبل خاطري بعد سماعي لهذه الفتوى، وخصوصًا أنني سمعت حديثًا يقول: "صوم رمضان معلق بين السماء والأرض، لا يرفع إلا بزكاة الفطر". ومعنى هذا أن صومي وصوم البالغين من عائلتي لا زال معلقًا طوال تلك السنين، ولم يقبل مني. وما قيمة العبادة إذا عملناها ولم تقبل منا، أو وقعت باطلة كما قال هذا المفتي؟. وماذا يفعل المسلم العادي إذا وجد العلماء يختلفون في الفتوى ؟.
أرجو أن تريحوا خواطري وخواطر أمثالي وهم ألوف بل ملايين وملايين... يدفعون زكاة فطرهم بالنقود، جزاكم الله خيرًا.
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
في رأيي أن المفتي الذي استمع إليه السائل والذي شنع على إخراج زكاة الفطر بقيمتها من النقود، لم يكن موفقًا في فتواه إذا صح ضبط المستمع لها، ونقلها عنه نقلاً صحيحًا مستوعبًا، وهو ما أعتقده، فقد سمعت عن هؤلاء المفتين والخطباء الذين يشنون في كل عام غارة على إخراج القيمة في صدقة الفطر .
وخطأ هذا المفتي يتمثل في جملة أمور:

1- أن المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها الأئمة وتعددت فيها الآراء، لا يجوز فيها التشنيع والإنكار على من اقتنع برأي منها وأخذ به.
فمن كان من أهل الاجتهاد والقدرة على الترجيح بين الآراء، فلا يطالب شرعًا أن يعمل إلا بما انتهى إليه اجتهاده، فإن كان صوابًا فهو مأجور أجرين: أجرًا على اجتهاده، وأجرًا على إصابته الحق في المسألة، وإن كان اجتهاده خطأ فهو مأجور أيضًا، ولكنه أجر واحد، هو أجره على اجتهاده وتحريه. وأقصى ما يقوله مجتهد عن نفسه ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. وكل مسألة ليس فيها نص قطعي الثبوت والدلالة فهي من مسائل الاجتهاد بيقين ومسألتنا من هذا النوع بلا ريب.
ومن كان يسوغ له التقليد - ومعظم الناس كذلك - جاز له أن يقلد أحد المذاهب المتبوعة، المتلقاة بالقبول لدى الأمة، وهذا هو المستطاع بالنسبة لمثله فليس عنده أدوات الاجتهاد ولا شروطه، و{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة:286)، وقد قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن:16)، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". (متفق عليه)
2- إذا نظرنا للمسألة المبحوث فيها على هذا الأساس المذكور، رأينا أن أبا حنيفة وأصحابه والحسن البصري، وسفيان الثوري، وخامس الراشدين عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أجازوا إخراج القيمة في الزكاة، ومنها زكاة الفطر،وهو قول الأشهب وابن القاسم عند المالكية.
قال النووي: وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه.
قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. ولهم في ذلك أدلة اعتمدوا عليها، واعتبارات استندوا إليها، كما أن المانعين لإخراج القيمة لهم أيضًا أدلة واعتبارات مخالفة. وقد فصلنا القول في ذلك في موضعه من كتابنا: "فقه الزكاة " فصل: إخراج القيمة من باب طريقة أداء الزكاة.
وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية مذهبًا وسطًا بين الفريقين المتنازعين، قال فيه: (الأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة، ممنوع منه، ولهذا قدر النبي -صلى الله عليه وسلم- الجبران بشاتين، أو عشرين درهمًا ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه: متى جوز إخراج القيمة مطلقًا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر؛ ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه. وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل، فلا بأس به: مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا أو حنطة، إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه. وقد نص أحمد على جواز ذلك. ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كاف، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة.
ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع. فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أنها أنفع للفقراء، كما نُقِلَ عن معاذ بن جبل: أنه كان يقول لأهل اليمن: "ائتوني بخميس أو لبيس، أيسر عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار، وهذا قد قيل: إنه قاله في الزكاة وقيل في الجزية). (مجموع فتاوى ابن تيمية 25/82، 83 ط. السعودية). وهذا، وإن قاله في زكاة المال، فهو ينطبق على زكاة الفطر.
وجوهر الخلاف إنما هو بين مدرستين: المدرسة التي تراعي في اجتهادها المقاصد الكلية للشريعة، ولا تهمل النصوص الجزئية، والمدرسة التي لا تنظر إلا إلى النصوص الجزئية وحدها. وقد عمل بهذا القول في خير القرون، بعد قرن الصحابة، وهو قرن التابعين لهم بإحسان، وعمل به خليفة أجمعوا على أنه من الراشدين المهديين.
روى ابن أبي شيبة عن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدي بالبصرة - وعدي هو الوالي: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم (مصنف ابن أبي شيبة 4/37، 38) .
وعن الحسن قال: لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر. (مصنف ابن أبي شيبة 4/37، 38). وعن أبي إسحاق قال: أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام. (المصدر السابق). وعن عطاء: أنه كان يعطي في صدقة الفطر ورقًا - دراهم فضية. (المصدر السابق).
ومما يدل لهذا القول:
أ- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أغنوهم - يعني المساكين - في هذا اليوم"، والإغناء يتحقق بالقيمة، كما يتحقق بالطعام، وربما كانت القيمة أفضل، إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعها، والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات.
ب ـ كما يدل على جواز القيمة ما ذكره ابن المنذر من قبل: أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية: "إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر".
ج ـ ثم إن هذا الأيسر بالنظر لعصرنا وخاصة في المناطق الصناعية التي لا يتعامل الناس فيها إلا بالنقود، كما أنه - في أكثر البلدان وفي غالب الأحيان - هو الأنفع للفقراء.
3ـ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فرض زكاة الفطر من الأطعمة السائدة في بيئته وعصره، إنما أراد بذلك التيسير على الناس، ورفع الحرج عنهم. فقد كانت النقود الفضية أو الذهبية عزيزة عند العرب، وأكثر الناس لا يكاد يوجد عنده منها إلا القليل، أو لا يوجد عنده منها شيء. وكان الفقراء والمساكين في حاجة إلى الطعام من البر أو التمر أو الزبيب، أو الأقط.
لهذا كان إخراج الطعام أيسر على المعطي، وأنفع للآخذ، ولقصد التيسير أجاز لأصحاب الإبل والغنم أن يخرجوا "الأقط" - وهو اللبن المجفف المنزوع زبده - فكل إنسان يخرج من الميسور لديه.
ثم إن القدرة الشرائية للنقود تتغير من زمن لآخر، ومن بلد لآخر، ومن حال لآخر، فلو قدر الواجب في زكاة الفطر بالنقود لكان قابلاً للارتفاع والانخفاض حسب قدرة النقود. على حين يمثل الصاع من الطعام إشباع حاجة بشرية محددة لا تختلف، فإذا جعل الصاع هو الأصل في التقدير فإن هذا أقرب إلى العدل، وأبعد عن التقلب.
4ـ أن المحققين من علمائنا قرروا أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وهذه قاعدة عظيمة حققناها في رسالتنا: "عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية" وأقمنا الأدلة على صحتها من القرآن والسنة، وهدي الصحابة رضي الله عنهم، فضلاً عما ذكرناه من أقوال العلماء وتطبيقاتهم عليها.
ومن نظر بعين الإنصاف والتقدير للواقع المعاصر، يعلم أن إخراج الطعام لا يصلح إلا في المجتمعات البسيطة والمحدودة، التي يتيسر فيها الطعام لمن يريد إخراج الزكاة، ويحتاج فيها الفقير إلى الانتفاع بالطعام.
أما المجتمعات الكبيرة والمعقدة، والتي تتمتع بكثافة سكانية عالية، والتي يندر فيها وجود الأطعمة بحيث يعنت المخرج طلبها، ولا يحتاج الفقير إليها؛ لأنه لم يعد يطحن ويعجن ويخبز، فلا يماري منصف في أن إخراج القيمة في هذه الحال هو الأولى.
وقد أحسن الإمام ابن تيمية حين أجاز لمن باع ثمر بستانه بدراهم أن يخرج عشرة منها، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا، إذ قد ساوى الفقراء بنفسه، كما أجاز لمن لم يجد في مدينته من يبيعه شاة عن إبله، أن يخرج قيمتها ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى لشرائها، وهذا هو الفقه حقًا وكيف نكلف المسلم - في مدينة كالقاهرة فيها أكثر من عشرة ملايين من المسلمين - بإخراج الحبوب، التي لم يعد من الميسور إحضارها، ولا من النافع للفقير إعطاؤها؟. وفرق بين من يكون عنده الطعام ويضن به على الفقير، ومن ليس عنده إلا النقود كأهل المدن، فهو يسوي الفقراء بنفسه.
والزكاة إنما جعلت لإغناء الفقير عن الطواف في يوم العيد، والأغنياء يتمتعون بمالهم وعيالهم، ولينظر امرؤ لنفسه: هل يرى أنه يغني الفقير عن الطواف إذا أعطاه صاع تمر أو صاع شعير، في بلد مثل القاهرة في مثل هذه الأيام؟! وماذا يفعل بهما الفقير إلا أن يطوف ليجد من يشتريهما ببخس من القيمة، ليبتاع لنفسه أو لأولاده ما يتقوتون به؟! (انظر: هامش المحلى وتعليق العلامة أحمد شاكر 6/131، 132). على أن فقهاء المذاهب المتبوعة أجازوا إخراج الزكاة من غالب قوت البلد وإن لم يكن من الأطعمة المنصوصة، رعاية للمقصد.
أما نقل الزكاة إلى بلد آخر، فهو جائز إذا كان ذلك لاعتبار صحيح، كأن يكون ذلك بعد استغناء البلد الذي فيه المزكي في زكاة الفطر، أو الذي فيه المال في زكاة المال، أو يكون البلد الآخر أشد حاجة لنزول مجاعة أو كارثة به.. أو اجتياح عدو له يحتاج إلى مقاومته.. أو يكون له قرابة محتاجون في البلد الآخر، وهو أعرف بحاجتهم، وأولى بهم.
ومثل هذه الاعتبارات تجعل نقل زكاة الفطر أو زكاة المال إلى المسلمين المحتاجين في الأرض المحتلة من فلسطين، وخصوصًا الذين يقاومون العدو منهم. أو الإخوة المجاهدين والمهاجرين من الأفغانيين، أو الذين يقتلهم الجوع ويهددهم التنصير في بنجلاديش، أو بورما أو الصومال أو إريتريا أو غيرها.
وأما ما ذكره الأخ من اختلاف أهل الفتوى في بعض المسائل، بحيث يبيح هذا، ويحرم ذاك، أو يوجب واحد، ولا يوجب آخر، فالمسلم يأخذ بقول من يطمئن إليه قلبه، ويترجح لديه أنه أفقه في الدين، وأعرف بمصادره، وأعلم بمقاصده، وأنه لا يتبع الهوى، ولا يبيع دينه بدنياه، ولا بدنيا غيره.
وهذا كما يفعل المريض إذا اختلف عليه الأطباء، فإنه يأخذ بقول من يطمئن إليه، لأنه أحذق أو أشهر أو نحو ذلك، والخطأ في هذه الفروع مغفور، وإنما لكل امرئ ما نوى.
بقي الكلام عن حديث: "صوم رمضان معلق بين السماء والأرض، لا يرفع إلا بزكاة الفطر" وهو حديث لم يثبت.
والله أعلم .