حكم الذكر الجماعي
حكم الذكر الجماعي
س: نرى المنتمين لجماعة المسلمين الأمريكان يقرؤون الأذكار بصوت واحد و الذكر الجماعي لم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه و سلم و من المعلوم أنه بدعة و هناك أثر معروف عن ابن مسعود ينهى عن الذكر الجماعي .
ج: هذا بحث في الذكر الجماعي و بيان أن سند أثر ابن مسعود ضعيف و مجموعة من الفتاوى التي تجيز الذكر الجماعي مع ضوابط.
يقول الدكتور محمد الأزهري
مأخوذ من :
http://www.ikhwan.net/vb/showthread.php?t=41804
أتعرض فى هذا البحث إلى قضية كثيراً ما تثار وما يحزننى أن مكان إثارتها دائماً هو بيت الله فهناك أناس يذكرون الله و آخرون يبدعونهم و بعض الإخوة الفضلاء لا يحب التحدث فى مثل هذه الأمور الخلافية (الاجتهادية)سداً لذريعة الشقاق التى قد تحدث و أن الأولى بنا ان نجمع لا نفرق و أنا اتفق معهم ولكن إن كان الكلام أحياناً يجلى الحقيقة بفضل الله عز وجل و من ثم يفيد فى إزالة الشبهات و قطع فتنة التبديع و التفسيق بدون دليل سليم و إن كان منع هذه الفتن من اجل الواجبات للحفاظ على وحدة هذه الأمة أخذت الكتابة –بحيادية –فى مثل هذه المسائل حكم الوجوب أيضاً لما نعلمه من قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)ودون إطالة فى المقدمة ندخل فى بحثنا على بركة الله
ورد فى مشروعية و فضل الاجتماع على الذكر أحاديث كثيرة منها:
1عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَالُوا وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ حلق الذكر0رواه الترمذى و قال حديث حسن.
2- عن أببي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي قَالُوا لَا أَيْ رَبِّ قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي قَالُوا لَا قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا قَالَ فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُم ْرواه مسلم0
*يقول المباركفورى فى تحفة الأحوذى بشرح جامع الترمذى شارحاً نفس الحديث برواية الترمذى:
فِي الْحَدِيثِ فَضْلُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالذَّاكِرِينَ وَفَضْلُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ جَلِيسَهُمْ يَنْدَرِجُ مَعَهُمْ فِي جَمِيعِ مَا يَتَفَضَّلُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ إِكْرَامًا لَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِي أَصْلِ الذِّكْرِ .
*أورد الإمام مسلم هذا الحديث فى باب فَضْلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وانظر معى حفظك الله إلى منطوق الذكر الذى فعله هولاء القوم (يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ) وبهذه النظرة البسيطة يتضح لنا أنه لا مجال لإنكار مشروعية بل استحباب الإجتماع على التسبيح و التكبير و التهليل و التحميد و الدعاء.وأسأل هنا سؤالاً كيف عرفت الملائكة أن هولاء القوم يذكرون الله ؟هل أخبرهم الله ؟أم أنهم أخذوا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ حتى وجدوها .و أعتقد من باب البديهية أنهم سمعوهم يذكرون ومعلوم أن السمع يكون إذا جهر المتكلم بكلامه لاإذا أسره فيتضح لنا أنهم كانوا يجهرون بالذكر.
3 – لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس ، أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل ، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس ، أحب إلي من أن أعتق أربعة
الراوي: أنس بن مالك – خلاصة الدرجة: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] – المحدث: أبو داود – المصدر: سنن أبي داود – الصفحة أو الرقم: 3667
وله روايات أخرى منها:
لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من غدوة إلى طلوع الشمس أحب إلى من أن أعتق أربع رقاب .
الراوي: أنس بن مالك – خلاصة الدرجة: إسناده حسن – المحدث: العراقي – المصدر: تخريج الإحياء – الصفحة أو الرقم: 1/54
*يقول البيضاوي فى شرح الحديث الأول: خص الأربعة لأن المفضل عليه مجموع أربعة أشياء ذكر الله والقعود له والاجتماع عليه والاستمرار به إلى الطلوع أو الغروب
* وقال الطيبي : ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله) ظاهره وإن لم يكن ذاكرا لأن الاستماع قائم مقام الذكر وهم القوم لا يشقى جليسهم (من) بعد (صلاة العصر إلى أن تغرب.انتهى كلام الطيبى. أقول كيف يكون الإستماع للذكر إن لم يكن جهراً؟
4-ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير .
الراوي: عبدالله بن عباس – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح – الصفحة أو الرقم: 583
&أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره : أن رفع الصوت بالذكر ، حين ينصرف الناس من المكتوبة ، كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : كنت أعلم إذا إنصرفوا بذلك إذا سمعته .
الراوي: عبدالله بن عباس – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح
فى فتح البارى لإبن رجب يقول:
، وقد دل حديث ابن عباسٍ على رفع الصوت بالتكبير عقب الصلاة المفروضة ، وقد ذهب الى ظاهره أهل الظاهر ، وحكي عن أكثر العلماء خلاف ذلك ، وأن ألافضل الإسرار بالذكر ؛ لعموم قوله تعالى : { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } [الأعراف :205] وقوله تعالى : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } [الأعراف :55] ، ولقول النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – لمن جهر بالذكر من أصحابه : (( إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً )) .
وحمل الشافعي حديث ابن عباسٍ هذا على أنه جهر به وقتاً يسيراً حتى يعلمهم صفة الذكر ؛ لا أنهم جهروا دائماً . قال : فأختار للإمام والمأموم أن يذكروا الله بعد الفراغ من الصلاة ، ويخفيان ذلك ، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه ، فيجهر حتى يعلم ، أنه قد تعلم منه ، ثم يسر .وكذلك ذكر أصحابه .وذكر بعض أصحابنا مثل ذلك – أيضاً.ولهم وجهٌ آخر : أنه يكره الجهر به مطلقاً .
وقال القاضي أبو يعلى في ((الجامع الكبير )) :ظاهر كلام أحمد : أنه يسن للإمام الجهر بالذكر والدعاء عقب الصلوات بحيث يسمع المأموم ، ولا يزيد على ذلك .
وذكر عن أحمد نصوصاً تدل على أنه كان يجهر ببعص الذكر ، ويسر الدعاء ، وهذا هو الأظهر ، وأنه لا يختص ذلك بالإمام ؛ فإن حديث ابن عباس هذا ظاهره يدل على جهر المأمومين -أيضاً.
ويدل عليه – أيضاً – : ما خَّرجه مسلمٌ في ((صحيحه )) من حديث ابن الزبير ، أنه كان يقول في دبر كل صلاةٍ حين يسلم : ((لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة ، وله الفضل ، وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون )) ، وقال : كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يهل بهن في دبر كل صلاةٍ .ومعنى : ((يهل )) . يرفع صوته ، ومنه : إلاهلال في الحج ، وهو رفع الصوت بالتلبية ، واستهلال الصبي إذا ولد .
وقد كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجهرون بالذكر عقب الصلوات ، حتى يسمع من يليهم :
فخَّرج النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) من رواية عون بن عبد الله بن عتبة ، قال صلى رجلٌ إلى جنب عبد الله بن عمرو بن العاص ، فسمعه حين سلم يقول : ((أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلاب والاكرام )) ، ثم صلى إلى جنب عبد الله بن عمر ، فسمعه حين سلم يقول مثل ذلك ، فضحك الرجل ، فقال له ابن عمر : ما أضحكك ؟ قال : إني صليت إلى جنب عبد ا وأما النهي عن رفع الصوت بالذكر ، فإنما المراد به : المبالغة في رفع الصوت ؛ فإن أحدهم كان ينادي بأعلى صوته : ((لا إله إلا الله ، والله اكبر )) فقال لهم النبي – صلى الله عليه وسلم – : ((أربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تنادون أصم ولا غائباً )) ، وأشار إليهم بيده يسكنهم ويخفضهم .وقد خرّجه الإمام أحمد بنحو من هذه الألفاظ.
انظر حفظك الله فى هذا الحديث و اقوال العلماء فى الجهر بالذكر عقب الصلوات فمنهم من:
* اِسْتَحَبَّهُ مثل اِبْن حَزْم الظَّاهِرِيّ
*ومنهم من جعله للتعليم فَيَجْهَر الإمام حَتَّى يَعْلَم أَنَّهُ قَدْ تُعُلِّمَ مِنْهُ ، ثُمَّ يُسِرُّ.وهذا رأى الشافعى
*ولأحمد روايتان أحدهماأنه يسن للإمام الجهر بالذكر والدعاء عقب الصلوات بحيث يسمع المأموم ، ولا يزيد على ذلك .
والأخرى أنه كان يجهر ببعص الذكر ، ويسر الدعاء ، وهذا هو الأظهر ، وأنه لا يختص ذلك بالإمام ؛ فإن حديث ابن عباس هذا ظاهره يدل على جهر المأمومين –أيضاً.
والخلاصة أن فى الأمر اختلافاً هذا فى الذكر بعد الصلوات المكتوبة و يعتبر أكثر الأقوال احتراساً هو قول الشافعى الذى قيد الجهر بالذكر عقب الصلوات بتعليم الإمام للمأمومبن.
***وهنا يجرنى هذا الحديث إلى ذكر حادثة واقعية يفعلها البعض –وبإصرار- كل عام وتحديداً فى شهر رمضان ,وأذكر هذا الفعل لأنه من أرض الواقع و كثيراً ما يحدث و يثير أزمات بل ومنازعات و تبديع ومن لا يصدقنى فليأت فى عشر رمضان الأواخر وتحديداً قبل المغرب و بعد الفجر أى فى أوقات أذكار الصباح و المساء. و الحادثة هى أن البعض يتجمع عقب صلاة الصبح وقبيل صلاة المغرب لقراءة أذكار الصباح و المساء بدون إصرار على صيغة معينة تارة سراً و تارة جهراًو أو أحدهم يجهر و يسر الآخرون أو الجميع يذكرون فى صوت خافت فنرى رد الفعل من بعض الإخوة الفضلاء(السلفيين غالباً) بنصح نادراً ما يكون رقيقاً بأن هذا بدعة ولا يجوز و يحدث ما يريده الشيطان من الفرقة وتكثر المجادلات التى لا تكون غالباً على أساس علمى…. أنا هنا أدعو الجميع لدراسة الأمر برفق و بحيادية و بتأصيل علمى دون الخوض فى دائرة التبديع التى لا مغنم منها إلا الشحناء فى الدنيا والحساب فى الآخرة وأنا لا أشكك فى نواياالإخوة الأفاضل الذين ينكرون حلق الذكر الجماعى وأعتقد أن هذا الإنكار نابع من إخلاصهم وحرصهم على السنة ولكن أقول لهم وبكل رفق هذا لا يكفى بل لابد معه الأسلوب الرفيق و التأصيل العلمى السليم
ونعود إلى حديث ابن عباس رضي الله عنه و أحوط الآراء فيه هو الشافعى الذى قيد الجهر بالذكر عقب الصلوات بتعليم الإمام للمأمومبن.
وأسأل هنا سؤالاً:إذا اجتمعنا فى أوقات أذكار الصباح و المساء لترديدها فى أوقاتها المشروعة وهى غالباً تكون بغرض دعوى و تعليمى فيجهر شخص بالذكر كى يتعلمه الناس ….هل فى ذلك بدعة؟لاحظ:عدد المصلين لفريضة الصبح يصل لآلاف فإذا خرجنا من هذا الشهر الكريم بتعليم هذا العدد أذكار نبيهم أليس فى هذا خير ُ كبير؟؟؟
وإذا كان الذكر مشروعاً و الإجتماع عليه كذلك وبغرض التعليم غالباً وفيه يجهر شخص واحد و يردد الباقى سراً ………….فأين البدعة إذن؟و حتى إن لم يكن بغرض التعليم أو ليس أوقات أذكار الصباح و المساء فليس ببدعة أيضاً لأن عموم الأحاديث التى ذكرناها تدل على أن الذكر عبادة مطلقة لاتقيد بوقت معين أو كيفية معينة أو أذكار معينة
5-عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ
سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.رواه مسلم
يقول ابن حجر: الْأَشْبَه اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِمَجَالِس التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَنَحْوهمَا وَالتِّلَاوَة حَسْب ، وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَة الْحَدِيث وَمُدَارَسَة الْعِلْم وَالْمُنَاظَرَة فِيهِ مِنْ جُمْلَة مَا يَدْخُل تَحْت مُسَمَّى ذِكْر اللَّه تَعَالَى .
وقال أيضاً: أَيْ كَرَوْضَةٍ مِنْ رِيَاض الْجَنَّة فِي نُزُول الرَّحْمَة وَحُصُول السَّعَادَة بِمَا يَحْصُل مِنْ مُلَازَمَة حِلَق الذِّكْر لَا سِيَّمَا فِي عَهْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أقول كيف يحتج المانعون بأن الرسول لم يفعله فهل يسكت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على باطل؟!
6-عن أ َبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي
وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ.رواه مسلم
انظر حفظك الله:اقرار من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ+الله عز و جل يباهى بهم الْمَلَائِكَة فهل بعد ذلك انكار للمشروعية؟!
ولكن مع هذه الأحاديث يقول البعض بمنع حلق الذكر ويستدلوا بالآتىـ
1-أن حلقات الذكر المقصود بها قراءة القرآن و مدارسة العلم الشرعى أما الذكر (تسبيح و تهليل و تحميد فهو بدعة ولم يفعله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الرد*-:إذا درسنا مبحث المطلق و المقيد فى علم الأصول يسهل الرد على هذا الإستدلال بأن هذا تقييد من غير مقيد بل أن الأحاديث إما جاءت مطلقة أو جاء فيها ذكر التسبيح والتحميد و التهليل(انظر حديث الملائكة السيارة) فكيف نقصر الذكر على نوعين فقط ونغفل التسبيح و التكبير و التحميد و التهليل و الإستغفار والصلاة على النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحوقلة(قول لا حول ولا قوة إلا بالله) و الدعاء.
*كيف يستدل بأن الرسول . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقم بحلق الذكر وهو الذى روى عن رب العزة حديث الملائكة السيارة وهو الذى حض على المشاركة فى حلق الذكر بقوله فارتعوا وسماها رياض الجنة بل بشرهم بأن الله يباهى بهم الملائكة فإذا كانت بدعة لماذا فعل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل هذا؟!
ولنعلم جميعاً ان هناك نوع من السنة اسمه سنة تقريرية وفيها لا يلزم أن يفعل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشىء حتى يلقب العمل بأنه سنة بل يكفى اقراره و موافقته عليه.
2-وقالوا أيضاً بأن الأصل فى الذكر هو السر أما الجهر فهو بدعة.
الرد*-:وهنا أعرض كلاماً قيماً للعلامة النووى الذى أورده ابن حجر الهيتمى فى الفتاوى الفقهية الكبرى ج2ص 169
سُئِلَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا اعْتَادَهُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ عَقْدِ حِلَقِ الذِّكْرِ وَالْجَهْرِ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ هَلْ فِيهِ كَرَاهَةٌ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ : لَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ أَحَادِيثَ اقْتَضَتْ طَلَبَ الْجَهْرِ نَحْوَ : { وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَاَلَّذِي فِي الْمَلَإِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهْرٍ ، وَكَذَا حِلَقُ الذِّكْرِ وَطَوَافُ الْمَلَائِكَةِ بِهَا ، وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ .
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيّ : { مَرَّ بِرَجُلٍ يَرْفَعُ صَوْتَهُ ، قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَائِيًا ، قَالَ : لَا وَلَكِنَّهُ أَوَّاهٌ وَأُخْرَى اقْتَضَتْ طَلَبَ الْإِسْرَارِ ؛ } بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ ، كَمَا جَمَعَ النَّوَوِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى – بِذَلِكَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الطَّالِبَةِ لِلْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَالطَّالِبَةِ لِلْإِسْرَارِ بِهَا ؛ فَحِينَئِذٍ لَا كَرَاهَةَ فِي الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ أَلْبَتَّةَ ؛ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ بَلْ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ إمَّا صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ خَبَرَ الذِّكْرِ الْخَفِيِّ ، كَمَا لَا يُعَارَضُ أَحَادِيثُ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ بِخَبَرِ { السِّرُّ بِالْقُرْآنِ كَالسِّرِّ بِالصَّدَقَةِ } ، وَقَدْ جَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ حَيْثُ خَافَ الرِّيَاءَ أَوْ تَأَذَّى بِهِ مُصَلُّونَ أَوْ نِيَامٌ .
وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ ؛ وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَتَعَدَّى لِلسَّامِعِينَ ؛ وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيَزِيدُ النَّشَاطَ ؛ فَكَذَلِكَ الذِّكْرُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ .
وقَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ رَبَّك فِي نَفْسِك } الْآيَةَ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ كَآيَةِ الْإِسْرَاءِ { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا } وَقَدْ نَزَلَتْ حِينَ كانصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فَيَسْمَعُهُ الْمُشْرِكُونَ ؛ فَيَسُبُّونَ الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ ، فَأُمِرَ بِتَرْكِ الْجَهْرِ ؛ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَا نُهِيَ عَنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ كَذَلِكَ ، وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى ، أَشَارَ لِذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَبِأَنَّ بَعْضَ شُيُوخِ مَالِكٍ وَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِمَا حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى الذِّكْرِ حَالَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِالذِّكْرِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ؛ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ أَنْ تُرْفَعَ عِنْدَهُ الْأَصْوَاتُ ، وَيُقَوِّيه اتِّصَالُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ } .انتهى كلاودم النووى.
3-أو التسليم بكل ما سبق(من أنها سنة تقريرية و صيغتها التسبيح و التكبير و التحميد و التهليل… وجواز الجهر لكن تمسكوا بمنعها سداً للذريعة حتى لا يعتقد الناس فى حلق الصوفية المسماة بالحضرة ويتجهوا إلى حلق الصوفية التى يبدعونها
والرد هنا من وجوه:
أولاً:ليس كل الصوفية مبتدعين والصوفية اسم لابد له من مسمى حتى تتضح دلالته فهل يقدر أحد على تبديعهم جميعاً؟!
ثانياً:المبتعون من الصوفية يثبتون أذكاراً معينة قد تكون غير مشروعة أصلاً فى أوقات محددة وغالباً تكون مع تمايل شديد و أحياناً رقص بخلاف أذكار الصباح و المساء مثلاً الثابتة بأحاديث صحيحة وردت عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أوقات أفضلية ثبت إقرار الرسول لها وفعل الصحابة رضوان الله عليهم لها بل وفى ظل عدم إنكار من أى أحد.
ثالثاً:لتطبيق قاعدة سد الذريعة شروط ذكرهاعلماء الأصول ومنها:
*أن تفضى هذه الذريعة إلى مفسدة غالباً لا نادراً*أن تكون مفسدتها أرجح من مصلحتها*أنه إذا توفر الشرطان السابقان يكون المنع بين الكراهة و التحريم لا على التحريم و التبديع مطلقاً
وبنظرة قصيرة إلى هذه الشروط ثم إلى حال هذه الحلق نجد أن الشروط غير منطبقة على حلق الذكر لأن مصلحتها أكبر بكثير من مفسدتها –إن وجدت- وأذكر هنا قول الإمام الدهلوى فى حجة الله البالغة :أقول قد جربنا أن التراص فى حلق الذكر سبب لجمع الخاطر ووجدان الحلاوة فى الذكروسد الخطرات….ثم قال:والشيطان يدخل كلما انتقص شىء من هذه المعانى
ثم هل يذكر لى أحد من من الذين قعدوا معنا يذكرون الله بالطريقة التى بيناها ترك هذه المجالس وذهب إلى مبتدعى الصوفية و شاركهم فى التمايل و الرقص و أعتقد أنه إذا حدث ذلك سنتوقف عن مجالس الذكر على الفور لحين انتهاء هذه الفتنة لأن هذا هو التطبيق لقاعدة سد الذريعة التى تقصدونها أما فى حالتنا هذه فالأولى هو فتح الذرائع لا سدها.
أو4- حديث الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود_وهذا من وجهة نظرى الدليل الوحيد الجدير بالمناقشة_ونص الحديث
أخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ فَقَالَ : أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟ قُلْنَا : لاَ ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ ، فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعاً ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّى رَأَيْتُ فِى الْمَسْجِدِ آنِفاً أَمْراً أَنْكَرْتُهُ ، وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلاَّ خَيْراً. قَالَ : فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ : إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ – قَالَ – رَأَيْتُ فِى الْمَسْجِدِ قَوْماً حِلَقاً جُلُوساً يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ ، فِى كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ ، وَفِى أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ : كَبِّرُوا مِائَةً ، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً ، فَيَقُولُ : هَلِّلُوا مِائَةً ، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً ، وَيَقُولُ : سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً. قَالَ : فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ : مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئاً انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتِظَارَ أَمْرِكَ. قَالَ : أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ. ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : مَا هَذَا الَّذِى أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ : فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَىْءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ ، وَالَّذِى نَفْسِى فِى يَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِىَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ، أَوْ مُفْتَتِحِى بَابِ ضَلاَلَةٍ. قَالُوا : وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ. قَالَ : وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم– حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْماً يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِى لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ. ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ : رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ رواه الدارمى فى سننه باب فى كراهية أخذ الرأى ج1ص233.
وهذا الحديث صححه الشيخ الالبانى رحمه الله ولكن هناك وقفات مع هذا الحديث أولاها فى السند وهى لأخى العزيز الأزهرى الأصلى نقلاً عنه
أولاً : الكلام فى السند مع الأزهرى الأصلى:
ما سبق عبارة عن قصة وحديث , الحديث أخرج من طرق أخرى منجبرة
ولكن القصة لم ترد إلا بهذا السند من طريقين عند الدارميما سبق عبارة عن قصة وحديث , الحديث أخرج من طرق أ ( 1 / 68 – 69 ) وبحشل في ” تاريخ واسط ” ( ص 198 – تحقيق عواد ) وهو ضعيف وبيانه:
الأثر فيه عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني:
قال يحيى بن معين: “ثقة” (انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/1/269)
وذكره الحافظ ابن حبان في الثقات (8/480) فقال:
((عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة بن الحارث الهمداني من أهل الكوفة يروى عن أبيه روى عنه سعيد بن سليمان الواسطي))
وهناك قولان آخران ليحيى بن معين غير ما سبق فقد قال مرة:
((ليس حديثه بشئ)) (انظر الكامل لابن عدي 5/122 والضعفاء والمتروكون لابن الجوزي 2/233 والميزان للذهبي 4/387)
وقال ((لم يكن يرضي)) (انظر الكامل في الضعفاء 5/122) بالإضافة لقوله الثالث الوارد في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
ومن المعروف أن هناك اختلافات في أقوال يحيى بن معين في الراوي الواحد وقد بحثت في رسائل جامعية كبرى فلا داعي لتكثير الموضوع بها.
والأولى أن يأخذ منها ما وافق أقوال العلماء وهو هنا واضح جداً:
1-فقد ذكره ابن عدي في كتاب خصصه للضعفاء وهو كتاب الكامل في ضعفاء الرجال (5/122) وقال بعد ذكر أقوال من ضعفه:
((وعمرو هذا ليس له كثير رواية ولم يحضرني له شيء فأذكره)).
2- وقال ابن خراش ((ليس بمرضي)) وهو ما نقله ابن حجر في لسان الميزان (4/ 378).
3- وأورده ابن الجوزي في كتابه “الضعفاء والمتروكين” (2/233).
4- وقال الهيثمي في مجمع الزوائد عند الكلام على بعض الأحاديث (3/236):
((فيه عمرو بن يحيى بن سلمة وهو ضعيف))
فيتلخص أنه لم يوثقه أحد إلا ابن حبان وفي توثيقه نظر بل فيه ضعف وقلة رواية تجعل ضبطه للأحاديث محل نظر.
فترجح أن الحديث ضعيف لأجل عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة.
وممن ضعف الحديث:
قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في الحاوي للفتاوي (1/379): ((فإن قلت، فقد نقل عن ابن مسعود أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد. قلت: هذا الأثر عن ابن مسعود يحتاج إلى بيان سنده ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض، ذلك عن ابن مسعود قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب ثم رأيت ما يقتضي إنكار الزهد ثنا حسين ابن محمد ثنا المسعودي عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالست عبد الله مجلسا قط إلا ذكر الله فيه))انتهى.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (1/177): ((وأما ما نقل عن ابن مسعود أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد, وائل قال: هؤلاء فلم يصح عنه بل لم يرد; ومن ثم أخرج أحمد عن أبي الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ; ما جالست عبد الله مجلسا قط إلا ذكر الله فيه, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب)).انتهى
وقال الإمام المحدث المناوي في فيض القدير (1/457) : ((وأما ما نقل عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال ما اراكم إلا مبتدعين وأمر بإخراجهم فغير ثابت . وبفرض ثبوته يعارضه ما في كتاب الزهد لأحمد عن شقيق بن أبي وائل قال هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالسته مجلسا قط إلا ذكر الله فيه)).اهـ
وقال العلامة الألوسي رحمه الله في روح المعاني (6/163) : ((وما ذكر في الواقعات عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما اراكم إلا مبتدعين حتى أخرجه من المسجد لا يصح عند الحفاظ من الأئمة المحدثين وعلى فرض صحته هو معارض بما يدل على ثبوت الجهر منه رضي الله تعالى عنه مما رواه غير واحد من الحفاظ أو محمول على الجهر البالغ))انتهى.
وممن ذهب لتضعيف القصة الدكتور مرزوق الزهراني عميد كلية الحديث بالجامعة الإسلامية سابقا في رسالته ((أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر)) المنشورة في مجلة الجامعة.
وذهب لضعفه أيضا الدكتور عزت عطية في كتاب “البدع..تحديد موقف الإسلام منها” وناقش المستدلين به.
وبرغم هذا فقد جود إسناده الشيخ حسين أسد في تحقيقه لمسند الدارمي (1/287) وصححه بطرقه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (5/11)!!
لماذا؟؟
قال الشيخ الألباني في تحقيقه للأثر كما في السلسلة الصحيحة (5/11):
((وهو عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة ابن الحارث الهمداني كذا ساقه ابن أبي حاتم في كتابه ” الجرح و التعديل ” ( 3 / 1 / 269 ) , و ذكر في الرواة عنه جمعا من الثقات منهم ابن عيينة , وروى عن ابن معين أنه قال فيه : ” صالح ” . وهكذا ذكره على الصواب في الرواة عن أبيه))
انتهى كلام الشيخ عن عمرو هذا وفيما قاله نظر .
قلت (الأزهري الأصلي):
أولاً: ابن معين لم يقل عنه صالح كما نقل الشيخ ولكن قال: “ثقة” كما سبق.
ثانياً: لم يرو عنه ابن عيينة كما ذكر الشيخ ولم يذكر في الرواة عنه.
فما منشأ الخطأ؟
أن هناك خطأ ووهماً حدث للشيخ الألباني وهو انتقال نظره من ترجمة صاحبنا “عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة ” إلى الراوي الذي يليه في كتاب ابن أبي حاتم السابق وسأذكر هنا ما جاء في الجرح والتعديل في نفس الصفحة:
((1487- عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة بن الحارث الهمداني سمع أباه روى عنه ابن ابى شيبة وابن نمير وعبد الله بن عمر وابراهيم بن موسى وعبد الله ابن سعيد الاشج سمعت ابى يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال ذكره ابى عن اسحاق ابن منصور عن يحيى بن معين انه قال عمرو بن يحيى بن سلمة ثقة.
1488- عمرو بن يحيى بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموى روى عن أبيه روى عنه ابن عيينة وابو سلمة وعبد الله بن عبد الوهاب لحجبي وابراهيم بن محمد الشافعي ومحمد بن يحيى بن ابى عمر العدنى وسويد بن سعيد سمعت أبى يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال ذكره ابى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين انه قال عمرو ابن يحيى بن سعيد القرشى صالح)) انتهى.
فقد وهم الشيخ وانتقل نظره ونقل لنا ترجمة الراوي الثاني غير الموجود بالسند أصلا.فتأمل!!
وادع المقارنة والنظر لكم.
والله تعالى أعلم.انتهى كلام الأزهرى الأصلى
ثانياً: الكلام فى المتن:
إذا سلمنا بصحة هذا الحديث مع أن المانعين لا يقولون بصحة حديث أسماء الذى يجيز إظهار الوجه و الكفين مع العلم بأن الذى صححه هو الشيخ الالبانى أيضاً ,وأعنى بذلك أن الإخوة المانعين يستندون لتصحيح الشيخ الالبانى رحمه الله فى منع حلق الذكر وعندما يستدل البعض بتصحيح نفس الشيخ لحديث أسماء الذى ينص على أن وجه المرأة و كفيها ليسا بعورة نجدهم يصرون على تضعيف هذا الحديث بحجة أن الشيخ أخطأ فهل وصلوا لمرتبة الشيخ فى التصحيح و التضعيف مع أنهم يعدونه محدث العصر ؟؟!!
***هذا الحديث من باب المجمل الذى لم تتضح دلالته فهناك عدة علل يحتمل أن ابن مسعود قال ما قال بسبب أحدها أو بعضها أو كلها ومنها:
1-أن هولاء القوم قاتلوا المسلمين مع الخوارج كما ذكر الراوى: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ إذن فهم أصحاب ضلالة فى الأصل
2-النهى لإستخدامهم الحصى فيأخذ حكم المسبحة فى الجواز على رأى الجمهور
3-.النهى لتخيرهم وقت معين قبل الصلاة ويداومون على هذه الحلقة بهذه الكيفية فى وقت تخيروه هم واعتقدوا أفضليته
4-النهى لجهر الرجل بقوله لهم كبروا مائة و سبحوا مائة …وهذه علة ضعيفة جداً لأنها بمثابة قول البعض (أذكر الله)جهراً بل كيف يوصى الأنسان غيره سراً.
5-النهى لجهرهم بالذكر …وهذا غير مسلم لأنه لا دليل على جهرهم هم بالذكر فمحتمل أنهم كانوا يذكرون سراً.
6-النهى لإسرارهم بالذكر و هذا أيضاً غير مسلم للسبب السابق كما أنهم لو أسروا فبذلك قد أتو بالطريقة المشروعة على قول المانعين وعندئذِ أعتقد أن حجة المنع ستكون الإجتماع على الذكر….وهنا أرد وبكل هدوء برجاء مراجعة أحاديث الإجتماع على حلق الذكر المذكورة من قبل.
7-النهى بسبب التزام عدد معين ليس له أفضلية.. وها هو حديث يثبت فضل العدد مائة مع نوعى الذكر المذكورين فى حديث إبن مسعود
– أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله دلني على عمل فإني قد كبرت وضعفت وبدنت فقال كبري الله مائة مرة واحمدي الله مائة مرة وسبحي الله مائة مرة خير من مائة فرس ملجم مسرج في سبيل الله وخير من مائة بدنة وخير من مائة رقبة
الراوي: أم هانئ بنت أبي طالب – خلاصة الدرجة: حسن – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح ابن ماجه – الصفحة أو الرقم: 3087
– والاحاديث كثيرة فى أفضلية العدد مائةفى الذكر لا مجال لسردها هنا
8-النهى لأن سيدنا عبدالله إبن مسعود من مذهبه كراهية العدد ودليل ذلك مارواه إبن أبى شيبة:قال: من كره عقد التسبيح (1) حدثنا أبو معاوية عن الاعمش عن إبراهيم قال كان عبد الله يكره العدد ويقول أيمن على الله حسناته..إذن قد يكون هذا إجتهاد من الصحابى الجليل وكما هو معلوم فى علم الأصول أن اجتهاد الصحابى محل خلاف بين العلماء وخصوصا إذا تفرد بهذه الفتوى معارضاًجمعاً آخر من الصحابة بل معارض بإقرار من الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه وليس المجال هنا عرض حوادث كثيرة لم يتم العمل فيها بقول الصحابى لمعارضته بقول لاخرين أو سنة صحيحة فضلاًعن هذه الأحتمالات التى بُنى النهى عليها فضلاً عن الإضطراب فى سند الحديث
*دعونا أيها الأحباب نحرر بعض القواعد:
1- مشروعية الإجتماع على الذكر
2-نوعية الذكر الذى ورد فى الأحاديث الصحيحة هى التسبيح و التكبير و التحميد و التهليل و هنا أذكرك أيها القارىء الكريم بكلام ابن حجر: الْأَشْبَه اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِمَجَالِس التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَنَحْوهمَا وَالتِّلَاوَة حَسْب ، وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَة الْحَدِيث وَمُدَارَسَة الْعِلْم وَالْمُنَاظَرَة فِيهِ مِنْ جُمْلَة مَا يَدْخُل تَحْت مُسَمَّى ذِكْر اللَّه تَعَالَى .
نفهم من كلام ابن حجر و من منطوق الأحاديث أن الأصل فى حلق الذكر هو التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَنَحْوهمَا وَالتِّلَاوَة و يلحق بهولاء مدارسة العلوم الشرعية .وكثيراً ما سمعت من الإخوة الفضلاء أن الأصل فى حلق الذكر هى مدارسة العلم الشرعى(فقه و حديث و عقيدة…)
وأنا اتفق معهم فى مشروعية الإجتماع على مدارسة العلم الشرعى وإن شاء الله لهم ثواب مجالس الذكر الذى ورد فى الأحاديث .
ولكن بالطبع أختلف معهم فى حصر مجالس الذكر على ذلك فقط للآتى:
*كيف نجعل الأصل وهو( التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَنَحْوهمَا)فرعاً ونجعل الفرع وهو مدارسة العلم الشرعى أصلاً؟!
*نفترض أن الأحاديث جاءت كلها مطلقة دون النص على أى نوع من الذكر فلماذا تقيدون الذكر وهو مطلق بنوع معين (مدارسة العلم الشرعى وَالتِّلَاوَة فقط) ثم تقيدون الذكر بطريقة معينة(الإسرار دون الجهر ) ثم تقيدون الذكر بحالة معينة (الإنفراد دون الإجتماع)
فأستحلفكم بالله تصدقوننى القول أين نذهب بكل هذه الأحاديث الصحيحة ؟؟ أم هى منسوخة لا يجوز العمل بها أم ماذا بالضبط؟!
وأكرر أن الأحاديث التى وردت فى مجالس الذكر كان الذكر فيها هو التسبيح و التكبير و التحميد و التهليل وفى حلقات أى مجموعات و المتبادر للذهن والأولى أنه كان جهراً والمدعوم أيضاً بتعليقات العلماء الأفاضل مثل النووى و الطيبى وغيرهما .
والآن لابد من سؤال للإخوة المانعين ولابد له من إجابة محددة:إذا أصررتم على عدم مشروعية الجهر بالذكر فى مجالسه إذن فالإسرارهو المشروع –على رأيكم- فلا بأس فذاك رأيكم وطريقة الذكر ليست جهراً قطعاً فلن أتمسك بهذه النقطة . بقى لنا أمر محير هل عقدتم ولو لمرة واحدة حلقة للذكر( التسبيح و التكبير و التحميد و التهليل) سراً وهذا هو الحد الأدنى من الأحاديث المتفق عليه بين أهل العلم أم أن نتيجة اجتهادكم هو إلغاء هذه السنة و عدم فعلها أبداً؟!!!!
*من المعلوم عند الفقهاء و الأصوليين بل عند جميع أهل العلم أن ترك المندوب يلام عليه المرء ويكره أن يهمل المرء سنة معينة لا يأتى بها طوال حياته أما أن الذى لا يأتى بالسنة يخطىء الذى يأتى بها فذلك أعجب شىء بل ولا يكتفى بذلك بل ينكر عليه بل والطامة الكبرى يبدعه . فإذا نصحناكم –بالحسنى –أن تأتوا بهذه السنة الغائبة عندكم وقوبلت هذه النصيحة بالإعراض فلن نغضب فهذا رأيكم أما أن تنقلب الأمور فيصبح تارك العبادة المشروعة هو الذى يخطىء و ينكر و يبدع الذى ياتى بهذه العبادة دون دليل قوى فهذا والله هو الأعجب والمرفوض شرعاً و عقلاً.
.خاتمة: أتوجه بسؤال- يعلم الله نيتى فيه أنها له سبحانه – للإخوة الفضلاء الذين ينكرون دائماً على عاقدى حلق الذكر (بالطريقة التى بيناها) وهو أنتم معروفون باتباعكم للسنة و حلق الذكر تكرر ذكرها فى أحاديث كثيرة وحتى إن لم تتواتر لفظاً فإنها قاربت التواتر المعنوى وخصوصاً عند من لم يشترط عدداً معيناً للتواتر فضلا عما تحدثه هذه الحلق من تجديد الإيمان ومن غرس معانى التعاون على البر و التقوى وإبعاد الشيطان عن الصف المسلم فلماذا يا إخوتى تركتم هذه السنة (سنة الإجتماع على التسبيح و التكبير و التهليل و التحميد و الدعاء…) مثلما كان يفعل صحابة رسول الله . صلى الله عليه وسلم وتطبيقاً لأحاديث وردت عنه صلى الله عليه وسلم تحثنا على ذلك وإن كان لكم رؤية شرعية معينة مصحوبة بأدلة معتبرة على بدعة الجهر مجتمعين مثلاً فهل فعلتموه سرأ ؟!وإن لم تفعلوا فأتساءل هل لشبهة البدعة أم لتفضيل أعمال أخرى فى نفس الوقت مع العلم بأن التعارض قد يحدث مرة أو بضع مرات لا لسنوات طوال فأنا أدعوكم أيها الإخوة الأحباب لعقد هذه الحلق بالصورة المشروعة التى تقررونها أنتم وتطمئن إليها أنفسكم سراً أو جهرأ أو تارة و تارة أو محددة بذكر معين لوقت معين أو لغير وقت معين أو ذكر غيرمعين أو أحدكم يجهر و الآ خرون يسرون إلى غير ذلك من الطرق المشروعة إن شاء الله.
وإذا كنت أحثكم على التمسك بهذه السنة فمن باب أولى أناشدكم عدم الإنكار و التبديع- وما يترتب عليه من شحناء- على من يأتى بهذه السنة, وإن كان هناك عدم اقتناع بعدم مشروعية حلق الذكر فليكن أمرنا إذن تخطئة دون أنكار فى جو من الود و المحبة فى الله ولنعلم أيها الأحبة أن الخلاف الفقهى لا يخرج عن ثلاث مراحل لو فهمناها جيداً ما حدثت منازعات أو شقاق أبداً ألا وهى:
1-أسباب الخلاف:وهى أدلة كل فريق المعتبرة التى يراها صحيحة المبنية على قواعد أصولية وفقهية سليمة والتى يختلف تطبيق كل فريق لها و أسباب الخلاف كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
2-فقه الخلاف: وهو أن ياخذ كل فريق بما يراه صحيحاً استناداً إلى قواعد الترجيح الصحيحة.
3-أدب الخلاف :وهو ألا ينكر كل فريق على الآخر ما ارتضاه من الآراء الفقهية ولا يبدعه أو يفسقه أو يرميه بالخلل فى العقيدة
ولنتأسى بالإمام الشافعى الذى قال رأيى صواب يحتمل الخطأ و رأى غيرى خطأ يحتمل الصواب و الذى قال عن أبى حنيفة:
الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة وقال أيضاً مِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ فَلْيَنْظُرْ إلَى كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ. هذا على الرغم مما هو معروف بين أهل العلم من الإختلافات الكثيرة بين الإمامين الجليلين.
أدعو الله عز و جل أن يجعل هذا البحث فى ميزان كاتبه و قارئه إن شاء الله.
يقول الإمام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى الكبرى (5/342) :
مأخوذ من :
http://www.yemen-sound.com/vb/showthread.php?p=52857
وقراءة الإدارة حسنة عند أكثر العلماء ومن قراءة الإدارة قراءتهم مجتمعين بصوت واحد.
وللمالكية وجهان في كراهتها ، وكرهها مالك ، وأما قراءة واحد والباقون يتسمعون له فلا يكره بغير خلاف وهي مستحبة ، وهي التي كان الصحابة يفعلونها : كأبي موسى وغيره .انتهى
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :
وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور , وَقَالَ مَالِك : يُكْرَه وَتَأَوَّلَهُ بَعْض أَصْحَابه .انتهى
مجموعة أحاديث الذكر :
مأخوذ من :
http://www.ikhwan.net/vb/showthread.php?t=19062
يقول الإِمام النَّوَوي– يرحمه الله- في كتابه المشهور “الأذْكَار”: “اعلم أنه كما يُستحبُّ الذكر يُستحبُّ الجلوس في حِلَق أهله، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه- صلى الله عليه وسلم-: “إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارْتَعُوا. قالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ يا رَسُولَ اللّه؟! قالَ: حِلَقُ الذّكْرِ، فإنَّ للّه تعالى سَيَّارَاتٍ مِنَ المَلائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذّكْرِ، فإذَا أَتَوْا عَليْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ“.
وفي صحيح مسلم عن معاوية- رضي اللّه عنه- أنه قال: خرج رسول اللّه- صلى الله عليه وسلم- على حلقة من أصحابه فقال: “ما أجْلَسَكُم؟ قالوا: جلسنا نذكُر اللّه تعالى ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام ومَنَّ به علينا، قال: آللّه ما أجْلَسَكُمْ إلا ذَاكَ؟ قالوا: واللَّهِ، ما أجلسنا إلاّ ذاك، قال: أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ اللّه تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ“.
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ما جلس قوم مجلسًا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده” (أخرجه مسلم).
وفي تعليق الإمام الصنعاني على الحديث يقول: “دلَّ الحديث على فضيلة مجالس الذكر والذاكرين وفضيلة الاجتماع على الذكر، والمراد بالذكر هو التسبيح والتحميد وتلاوة القرآن ونحو ذلك، وفي حديث البزار أنه تعالى يسأل ملائكته ما يصنع العباد وهو أعلم بهم فيقولون يعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لآخرتهم ودنياهم” (سبل السلام).
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم– قال: “إن لله ملائكة سيارة فضلاء يلتمسون مجالس الذكر في الأرض، فإذا أتوا على مجلس ذكر حفَّ بعضهم بعضًا بأجنحتهم إلى السماء، فيقول تبارك وتعالى من أين جئتم وهو أعلم، فيقولون: ربنا جئنا من ثم عبادك يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويهللونك ويسألونك ويستجيرونك، يقول: ما يسألونني وهو أعلم؟، فيقولون: ربنا يسألونك الجنة، فيقول: وهل رأوها؟، فيقولون: لا يا رب، فيقول: كيف لو رأوها؟، فيقول: ومم يستجيرونني وهو أعلم؟، فيقولون: من النار. فيقول: هل رأوها؟، فيقولون: لا. فيقول: فكيف لو رأوها؟، ثم يقول: اشهدوا أني قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوني وأجرتهم مما استجاروني. فيقولون: ربنا إن فيهم عبدًا خطاء جلس إليهم وليس معهم فيقول وهو أيضا: قد غفرت له، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم“.
يقول الإمام النووي: “وفي هذا الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم والله أعلم” (شرح النووي على صحيح مسلم).
كما يقول ابن حجر في فتح الباري: “ويؤخذ من مجموع طرق الحديث المراد بمجالس الذكر وأنها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما، وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة” (فتح الباري).
وفي الحديث عن يعلى بن شداد قال: حدثني أبي شداد وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه. قال: كنا ثم النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال غريب يعني أهل الكتاب. قلنا: لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب، وقال: “ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع – صلى الله عليه وسلم– يده ثم قال: الحمد لله اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة إنك لا تخلف الميعاد: ثم قال: ألا أبشروا فإن الله قد غفر لكم”. (أخرجه أحمد والطبراني والبزار ورجاله موثقون).
آثار عن الصحابة
وقد وردت آثار عن الصحابة – رضوان الله عليهم – تؤكد حرصهم على الذكر في جماعة واجتماعهم عليه، فعن أنس بن مالك قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال تعال نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل، فجاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة” (أخرجه أحمد وإسناده حسن).
وعن الأسود بن هلال قال: كان معاذ يقول لرجل من إخوانه اجلس بنا فلنؤمن ساعة، فيجلسان يتذاكران الله ويحمدانه، وعنه قال: قال لي معاذ اجلس بنا نؤمن ساعة، يعني نذكر الله (مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح).
وعن عون بن عبد الله قال: كنا نجلس إلى أم الدرداء فنذكر الله عز وجل عندها، فقالوا لعلنا قد أمللناك، قالت: تزعمون أنكم قد أمللتموني فقد طلبت العبادة في كل شيء فما وجدت شيئًا أشفى خالقي ولا أحرى أن أصيب به الدين من مجالس الذكر” (كتاب الزهد لابن أبي عاصم).
ومما تتم به الفائدة أن نذكر هذه الفتوى الجليلة القيمة من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية حول الذكر في جماعة.. هذا نصها: “
(مسألة 175) وسُئل عن رجل ينكر على أهل الذكر يقول لهم هذا الذكر بدعة وجهركم في الذكر بدعة وهم يفتتحون بالقرآن ويختتمون ثم يدعون للمسلمين الأحياء والأموات ويجمعون التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة ويصلون على النبي، والمنكر يعمل السماع مرات بالتصفيق ويبطل الذكر في وقت عمل السماع.
فأجاب: الاجتماع لذكر الله واستماع كتابه والدعاء عمل صالح، وهو من أفضل القربات والعبادات في الأوقات، ففي الصحيح عن النبي- صلى الله عليه وسلم– أنه قال: “إن لله ملائكة سياحين في الأرض فإذا مروا بقوم يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم”.. وذكر الحديث وفيه “وجدناهم يسبحونك ويحمدونك“.
لكن ينبغي أن يكون هذا أحيانا في بعض الأوقات والأمكنة فلا يجعل سنة راتبة يحافظ عليها إلا ما سنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المداومة عليه في الجماعات من الصلوات الخمس في الجمعات ومن الجمعات والأعياد ونحو ذلك.
وأما محافظة الإنسان على أورادٍ له من الصلاة أو القراءة أو الذكر أو الدعاء طرفي النهار وزلفًا من الليل وغير ذلك.. فهذا سنة رسول الله والصالحين من عباد الله قديمًا وحديثًا، فما سن عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات فعل كذلك، وما سن المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عمل كذلك.
كما كان الصحابة رضي الله عنهم يجتمعون أحيانًا يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون، وكان عمر بن الخطاب يقول يا أبا موسى ذكِّرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون، وكان من الصحابة مَن يقول اجلسوا بنا نؤمن ساعة.
وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه التطوع في جماعةٍ مرات، وخرج على الصحابة من أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ والحاصل معهم يستمع.
وما يحصل ثم السماع والذكر المشروع من وجل القلب ودمع العين وإقشعرار الجسوم.. فهذا أفضل الأحوال التي نطق بها الكتاب والسنة، وأما الاضطراب الشديد والغشى والموت والصيحات فهذا إن كان صاحبه مغلوبًا عليه لم يلم عليه، كما قد كان يكون في التابعين ومن بعدهم فإن منشأة قوة الوارد على القلب مع ضعف القلب والقوة والتمكن أفضل كما هو حال النبي والصحابة، وأما السكون قسوة وجفاء فهذا مذموم لا خيرَ فيه.
وأما ما ذكر من السماع فالمشروع الذي تصلح به القلوب ويكون وسيلتها إلى ربها بصلة ما بينه وبينها هو سماع كتاب الله الذي هو سماع خيار هذه الأمة، لا سيما وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ليس منا من لم يتغن بالقرآن”، وقال: “زينوا القرآن بأصواتكم” وهو السماع الممدوح في الكتاب والسنة.
لكن لما نسى بعض الأمة حظًا من هذا السماع الذي ذُكِّروا به ألقى بينهم العداوة والبغضاء فأحدث قوم سماع القصائد والتصفيق والغناء مضاهاةً لما ذمه الله من المكاء والتصدية والمشابهة لما ابتدعه النصارى وقابلهم قوم قست قلوبهم عن ذكر الله وما أنزل من الحق، وقست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة مضاهاةً لما عابه الله على الوسط هو ما عليه خيار هذه الأمة قديمًا وحديثًا، والله أعلم، (الفتاوى الكبرى لابن تيمية).
كتاب التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي رحمه الله :
فصل في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين وفضل القارئين من الجماعة والسامعين وبيان فضيلة من جمعهم عليها وحرضهم وندبهم إليها
اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة وأفعال السلف والخلف المتظاهرة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنه قال ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكره الله فيمن عنده رواه مسلم وأبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم
وعن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال ما يجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به فقال أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح
والأحاديث في هذا كثيرة وروى الدارمي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له نورا
وروى ابن أبي داود أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعا
وروى ابن أبي داود فعل الدراسة مجتمعين عن جماعات من أفاضل السلف والخلف وقضاة المتقدمين وعن حسان بن عطية والأوزاعي أنهما قالا أول من أحدث الدراسة في مسجد دمشق هشام بن إسماعيل في قدمته على عبدالملك
وأما ما روى ابن أبي داود عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب أنه أنكر هذه الدراسة وقال ما رأيت ولا سمعت وقد أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ما رأيت أحدا فعلها وعن وهب قال قلت لمالك أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعا سورة واحدة حتى يختموها فأنكر ذلك وعابه وقال ليس هكذا تصنع الناس إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه فهذا الإنكار منهما مخالف لما عليه السلف والخلف ولما يقتضيه الدليل فهو متروك والاعتماد على ما تقدم من استحبابها لكن القراءة في حال الاجتماع لها شروط قدمناها ينبغي أن يعتنى بها والله أعلم
وأما فضيلة من يجمعهم على القراءة ففيها نصوص كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله وقوله صلى الله عليه وسلم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم والأحاديث فيه كثيرة مشهورة وقد قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا شك في عظم أجر الساعي في ذلك فصل في الإدارة بالقرآن وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا ذلك ثم يسكت ويقرأ الأخر من حيث انتهى الأول ثم يقرأ الآخر وهذا جائز حسن
وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه فقال لا بأس به
فصل في رفع الصوت بالقراءة
هذا فصل مهم ينبغي أن يعتنى به اعلم أنه جاء أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره دالة على استحباب رفع الصوت بالقراءة وجاءت آثار دالة على استحباب الإخفاء وخفض الصوت وسنذكر منها طرفا يسيرا إشارة إلى اصلها إن شاء الله تعالى قال الإمام أبو حامد الغزالي وغيره من العلماء وطريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك فإن لم يخف الرياء فالجهر ورفع الصوت أفضل لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى غيره والمتعدي أفضل من اللازم ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه قالوا فمهما حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل فإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر
قال الغزالي ولهذا قلنا القراءة في المصحف أفضل فهذا حكم المسألة وأما الآثار المنقولة فكثيرة وأنا أشير إلى أطراف من بعضها ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به رواه البخاري ومسلم ومعنى أذن استمع وهو إشارة إلى الرضا والقبول
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لقد رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة ورواه مسلم من رواية بريد بن الخصيب وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أشد أذنا إلى الرجل حسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته رواه ابن ماجه
وعن أبي موسى أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون وأعرف مازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار رواه البخاري ومسلم وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زينوا القرآن بأصواتكم رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وروى ابن أبي داود عن علي رضي الله عنه أنه سمع ضجة ناس في المسجد يقرؤون القرآن فقال طوبى لهؤلاء كانوا أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي إثبات الجهر أحاديث كثيرة وأما الآثار عن الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم فأكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وهذا كله فيمن لا يخاف رياء ولا إعجابا ولا نحوهما من القبائح ولا يؤذي جماعة يلبس عليهم صلاتهم ويخلطها عليهم وقد نقل عن جماعة السلف اختيار الإخفاء لخوفهم مما ذكرناه فعن الأعمش قال دخلت على إبراهيم وهو يقرأ بالمصحف فاستأذن عليه رجل فغطاه وقال لا يرى هذا أني أقرأ كل ساعة وعن أبي العالية قال كنت جالسا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم فقال رجل منهم قرأت الليلة كذا فقالوا هذا حظك منه ويستدل لهؤلاء بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة رواه أبو داود والترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن قال ومعناه أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بها لأن صدقة السر أفضل ثم أهل العلم من صدقة العلانية قال وإنما معنى هذا الحديث ثم أهل العلم لكي يأمن الرجل من العجب لأن الذي يسر ومعناه لا يخاف عليه من العجب كما يخاف عليه من علانيته قلت وكل هذا موافق لما تقدم تقريره في أول الفصل من التفصيل وأنه إن خاف بسبب الجهر شيئا مما يكره لم يجهر وإن لم يخف استحب الجهر
فإن كانت القراءة من جماعة مجتمعين تأكد استحباب الجهر لما قدمناه ولما يحصل فيه من نفع غيرهم والله أعلم. انتهى
قال البهوتي رحمه الله في شرح منتهى الإرادات 1/256: ولا تكره قراءة جماعة بصوت واحد. انتهى
فضيلة الشيخ عبد الخالق الشريف :
السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد..
ما حكم قول أذكار الصباح جماعة بعد صلاة الفجر؟
الإجابة :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فإن الذكر من العبادات المطلقة التي لم يحدد لها الشارع كيفية ولا ترتيبًا، وإنما بيّن بعض الأدعية وبعض الأذكار التي تقال في أوقات معينة أو مناسبات معينة، وللمسلم أن يدعو الله بما شاء، وقت ما يشاء دون أن يأتي بمعصية، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء بقطيعة رحم أو بإثم، كما أنه ليس للمسلم بأن يدعو بكلمات لا يفهم معناها، أو بكلمات يدعي أنها من اللغات السريانية أو غيرها، كما لا يقطع القرآن على مراده، وإذا خلونا من مثل هذه القيود فيبقى الدعاء والذكر الأصل فيه أعني في هيئته أو في ترتيبه الإباحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل حال ولم ينقل لنا كل ما قال.
وأما السؤال عن الذكر الجماعي، فإنه قد وردت أحاديث كثيرة يفاد منها الذكر الجماعي والذكر الفردي والاحتمالين قائمين من ذات الدليل، كحديث الملائكة التي تصعد إلى الله وتقول: “يا ربنا أتيناهم وهم يسبحونك ويذكرونك”، وهذا يحتمل أن يكون التسبيح للذكر جماعيًّا كما يحتمل أن يكون فرديًّا، ولا حجة لأي الفريقين على الآخر؛ لأن الدليل الاحتمالي يجب أن تتسع الصدور لقبول ما يفهم أو يعرف منه، لكن ورد حديث حسن أورده الهيثمي في مجمع الزوائد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه يومًا العشاء، ثم نظر إليهم فقال: هل فيكم من رجل غريب، قالوا: لا، فقال لهم: ارفعوا أيديكم ثم دعاهم أن يقولوا لا إله إلا الله فأخذوا يقولون لا إله إلا الله ساعة حتى ارتج بهم المسجد، وهذا حديث صريح في جواز الذكر الجماعي.
واعلم أخي السائل أن الأمور الواردة عن حضرة النبي صلى الله عليه وسلم إما أنها محددة للكيفية والهيئة والأحكام أو محددة للأحكام دون الكيفية والهيئة، أو ساكتة عن الكيفية والهيئة مع إبقاء الحكم العام، ولشرح ذلك نبينه لكم، فقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي محددة لهيئة الصلاة وكيفيتها وما يقال في كل حركة من حركاتها، فقد ألزمنا بحكمه بالهيئة التي كان يؤديها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحج: “خذوا عني مناسككم”، فهو حكم في الأحكام وليس حكم في الهيئات، فليس فرضًا على المسلم أن يطوف على بغلة كما طاف صلى الله عليه وسلم أو أن يذهب إلى مكة على بعير كما ذهب صلى الله عليه وسلم، أو أنه لا بد أن يأخذ الجمرات من منى كما فعل صلى الله عليه وسلم أو أنه يجب أن يقف عند إلقاء الجمرات، فيدعو ساعة أو قدر ما يقرأ سورة البقرة كما فعل صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه هيئات لم يتضمنها الأمر حين قال: “خذوا عني مناسككم”.
أما الدعاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال: “ادعوا جماعة”، ولا قال لا تدعو جماعة، ولا قال ادعوا كما رأيتموني أدعو؛ ولذلك أصبح الأمر على الإطلاق في هذا الباب مقيد بما سبق أن بيناه، ولقد كتب كثير من الأئمة رسالات في جواز الذكر الجماعي منهم الإمام السيوطي والإمام السبكي والإمام محمد بن عبد الحي اللكوني وغيرهم من الأئمة كما هناك آراء أخرى لا ترى جواز الذكر الجماعي، وحقيقة الأمر أن الأمر يحتاج إلى سعة صدر من المسلمين، والله أعلم.
الشيخ د.وهبة الزحيلي ، عضو المجامع الفقهية بصفة خبير في مكة و جدة والهند وأمريكا و السودان :
السؤال :
جرت في بلادنا عادة الذكر الجماعي بعد المكتوبات (آية الكرسي والتسبيح والتحميد والتكبير إلخ على ما ورد في السنة من الأذكار المستحبة بعد الصلاة)، والمؤذن هو الذي يقود الناس في الذكر فيقول مثلا “يا رب ذا الجلال سبحانك سبحان الله”، ثم يسبح جميع المصلين 33 مرة، وهكذا، هل يعتبر مثل هذا العمل بدعة يجب إزالتها؟
الإجابة :
كل هذا ثابت في السنة فهي أمور مسنونة، والجهر بها جائز بقصد التعليم والتلقين، وثبت في السنة فيما يرويه الحاكم من حديث حسن أنه ما اجتمع قوم فدعا أحدهم وأمّن الآخرون على دعائه إلا كان ذلك أقرب للإجابة وإن الله ليغضب إذا صلى المسلم ولم يدع ربه، حتى يأخذ أجر عمله، وكذلك حديث ((ما اجتمع في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)) يدل أيضاً على مشروعية الذكر والدعاء الجماعي.
تفصيل المسألة عند السادة المالكية :حكم قراءة القرآن جماعةً على طريقة “الحزب الراتب“
د. محمد عيسى
القرآن الكريم كلام الله تبارك وتعالى، هو الذي لم تنته الجنّ إذ سمعته أن قالوا: ?إنا سمعنا قرآنا عجبا?[الجن/ 01] من علم علمَه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.
رغّب الله تعالى في تلاوته فقال: ?ورتل القرآن ترتيلا?[المزمل/ 04]، وقال في آية أخرى: ?فاقرءوا ما تيسر من القرآن?[المزمل/20].
بينما حذّر من هجره وجعلَه من شكاوى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه يوم القيامة، فقال: ?وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا?[الفرقان/30].
فقراءة القرآن الكريم وتلاوته عبادة من أعظم العبادات وأجلّها عند المولى عزّ وجلّ لذلك رتّب عليها الأجر العظيم والرضوان العميم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الـم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))[الترمذي وقال: حسن صحيح غريب].
وحتى لا يحرم الأميُّ أو المريض من هذا الخير بسبب العجز عن القراءة فقد رغّب الشارع في بذل المجهود ورتّب عليه أجرا مضاعفا.
عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن يتعتع فيه، وهو عليه شاقّ له أجران))، وفي رواية: ((والذي يقرؤه وهو يشتد عليه له أجران))[البخاري ومسلم واللفظ له، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه].
وهذا تأكيد ظاهر على أن تلاوة القرآن أمر مرغوب فيه على كل حال
ولقد درجت الجزائر كغيرها من بلاد المغرب على قراءة القرآن الكريم جماعة فيما يعرف “بالحزب الراتب” جريا على العرف الجاري بهذه الديار.
لكن غزتنا بدعة الحكم بمنع الاجتماع لقراءة القرآن جماعة في المسجد، حتى أن بعض المنتسبين للعلم الشرعي شنّعوها تشنيعا عظيما فبلغ الأمر ببعضهم إلى الاعتداء على القراء، ومنعهم بالقوة، وجارى بعض ضعاف الأئمة هذا التيار اتقاءً للإذاية والتشهير.
وسأحاول في هذه الدراسة المقتضبة أن أحقق هذه المسألة تحقيقا علميا موضوعيا، وأن أبحث عن وجه الحق فيها.
تأصيل الموضوع:
يجب أن نؤكد حقيقة دينية تاريخية أولاُ، وهي أن فكرة منع قراءة القرآن الكريم على طريقة “الحزب الراتب” وافدة على نظام ديني اجتماعي قائم من قرون خلت بالمجتمع الجزائري خاصّة وبالمجتمع المغربي عامة، بل وبالعالم الإسلامي بوجه من الوجوه.
وإنّ الأصل في النقاش والمناظرة أن يورد الوافد أدلة رأيه، ذلك أنه لا يتصور أن تتمالأ الأمة على مدى أعصار متعاقبة وتجتمع على الضلالة ومخالفة أمر الله تعالى وفيها العلماء والصالحون.
فقد ثــبت –كما أفاده ابن لبّ( )-: «أن العمل بذلك تضافر عليه أهل هذه الأمصار والأعصار، وهي مقاصد من يقصدها فلن يخيب من أجرها»( ).
دليل المانعين:
إن الذين يمنعون هذه الطريقة أساساً هم الكُتبيون الذين لا شيخ لهم إلا أوراق الكتب والرسائل، وهم أيضا أنصار بدعة دخيلة على السنة الجارية في طلب العلم الشرعي وهي ثقافة الأشرطة والهواتف، تجدهم يتفقهون بسماع الأشرطة يوم الخميس ويدرّسون محتواها يوم الجمعة ليفتوا بمقتضاها يوم السبت?
وبالجملة فإن أدلتهم لا تخرج عن أمرين اثنين:
– نصوص من السنة النبوية الشريفة فهموها على عمومها وإطلاقها.
– نصوص في المذهب المالكي يحاجّون بها من باب: إذا لم تحترموا نبيّكم فاحترموا على الأقل مذهبكم.
أما الأمر الأوّل:
وهو أقوى ما يستدل به المانعون فأن الاجتماع لقراءة القرآن بدعةٌ، إذ لم يثبت على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه. ويستدلون لذلك بأدلة منها:
– ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو ردٌّ))[متفق عليه].
– وما بيّنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من أن الإحداث في أمر الدين شرُّ الأمور إذ قال: ((إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها))[البخاري].
– وهو ما رواه جابر رضي الله عنه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمّى فيه الإحداث ابتداعا بلفظ: ((إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة))[مسلم].
ومقتضى هذا الاستدلال أن قراءة القرآن الكريم جماعة على الطريقة المعهودة محدثة ولا أشرّ من الإحداث في أمر الدين، فهو الابتداع المنهي عنه.
التحقيق العلمي:
إن التحقيق العلمي ينتهي إلى أن البدعة المنهي عنها في دين الله عزّ وجلّ لها شرطان:
الأول:أن تكون حادثة لم تكن في الصدر الأول.
والثاني: أن تناقض أصلاً من أصول الإسلام قرآنًا أو حديثًا نبويًّا شريفًا أو إجماعاً.
فإذا اجتمع الشرطان كان الأمر المحدَث هو البدعة الضلالة الذي يُحمل عليه حديث ((كل بدعة ضلالة))[سبق تخريجه].
ويحمل عليه أيضا قولُ الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه فيما رواه عنه ابن الماجشون( ): »مَن ابتدع في الإسلام بدعة يَراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأنّ الله يقول: ?اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا?[المائدة/03] فما لم يكن يومئذ دينا، فلا يكون اليوم دينا«( ).
أما إذا لم يجتمع الشرطان فإما أن يكون الأمر غير محدث أصلا بل كان موجودا في الصدر الأول فلا يكون بدعة، أو أن يكون محدثا ولكنه لا يناقض أصلا من كتاب أو سنة أو إجماع فلا يكون حينئذ بدعة أيضا.
وإن أطلق اسم البدعة عليه فإنما هو إطلاق بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الديني الاصطلاحي.
– ويستدل لذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من سنّ في الإسلام سنّة حسنةً يعمل بها من بعده كان له أجرها، ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا؛ ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة يعمل بها من بعده، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص شيئا))[مسلم والنسائي].
فالأمر المحدث إن كان حسنا فمقبول وإن كان قبيحا فممنوع؛ والقبيح ما ناقض أصلا من أصول الشريعة، والحسن ما وافقها.
– ويستدل أيضا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن صلاة التراويح: [نعمت البدعة هذه][البخاري].
وقد حمل العلماء قوله على المعنى اللغوي للبدعة. فقال شيخ الإسلام ابن تيمية( ) رحمه الله: »وهذا الذي فعله هو سنة لكنه قال ((نعمت البدعة هذه))[سبق تخريجه.] فإنها بدعة في اللغة لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله«( ).
– وعلى نفس هذا الوجه يتأوّل إحداث عثمان بن عفان رضي الله عنه للأذان الثالث لصلاة الجمعة كما روى ذلك السائب بن يزيد رضي الله عنه: ((كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان زمان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء))[البخاري والنسائي].
فالقاعدة في كل أمر محدث قبل أن نصدر حكم الله فيه، أن نعرضه على أدلة الكتاب والسنة والإجماع، فيكون حكمه ما نصت عليه هذه الأدلة بغضِّ النظر عن كونه محدثا أو غير محدث.
قال شهاب الدين القرافي( ): »البدعة إذا عَرضت تُعْرض على قواعد الشريعة وأدلتها، فأي شيء تناولها من الأدلة والقواعد ألحقت به«( ).
وربّ تصرف محدث يصحّ إطلاق اسم البدعة عليه في اللغة، ولكنه في ميزان الشرع سنّةٌ أو واجبٌ.
قال مجد الدين بن الأثير( ): »البدعة بدعتان بدعة هُدًى وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حِيِّز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه وحضّ عليه الله أو رسوله فهو في حيِّز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثوابًا فقال: ((مَنْ سَنَّ سُنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها))[ سبق تخريجه] وقال في ضده: ((ومَن سَنَّ سُنّة سَيئة كان عليه وزرها ووزر مَن عَمل بها))[سبق تخريجه]، وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلّى الله عليه وسلم«( ).
وعلى هذا فهل قراءة القرآن الكريم جماعة على طريقة الحزب الراتب بدعة؟
لِنَرَ إن كان شرطا البدعة الضلالة متوفرين فيها:
– أمّا أنها محدثة، فلا يناقش في ذلك أحد، فهي طريقة لم تكن على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال عنها الإمام مالك رضي الله عنه: [لا أعرفه عن السلف]( ).
– أما أنها تناقض نصا في كتاب الله تعالى أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم فالعكس هو الصحيح:
فقد استند من اعتمد على القراءة الجماعية للقرآن الكريم على طريقة “الحزب الراتب” إلى أدلة من النقل والعقل منها:
– الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده))[مسلم وأبو داود وغيرهما].
– ومنها ما ثبت عن معاوية رضي الله عنه قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة))[مسلم].
– ومنها ما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه: [كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعا].
– ومنها استحسان العلماء الذين عليهم المدار في الفتوى لهذه الطريقة. فقد نقل الإمام أبو العباس الونشريسي( ) أنه «شوهد الإمام ابن عرفة( ) رحمه الله يجمع الثلاثة والأربعة في حزب واحد للتجويد، وشوهد أبو الحسن البطرني( ) يجمع الثلاثة في القراءة»( ).
– ومنها أن القراءة بهذه الكيفية المعهودة عادة حسنة لا تخالف الشرع، والعادة الحسنة إذا لم تخالف الشرع ولم تناقض أصلا من أصوله فلها اعتبارها، ولهذا قال العلماء: (الثابت بالعرف كالثابت بالنص)( ).
فهذه الكيفية مما جرى به العمل، ولا يصحّ تغيير هذا العمل إلا إذا صادم وناقض أدلة الشريعة الصريحة.
يشهد على ذلك تصريح الجمّ الغفير من العلماء الأعلام، من ذلك:
قول عيسى السكتاني( ):«فإذا اتّضح لك توجيه ما جرى به العمل لزم إجراء الأحكام عليه لأن مخالفة ما جرى به العمل فتنة وفساد كبير»( ).
قول أبي إسحاق الشاطبي( ):«والأَولى عندي في كل نازلة يكون فيها لعلماء المذهب قولان، فيعمل الناس فيها على موافقة أحدهما، وإن كان مرجوحا في النظر، أن لا يعرض لهم، وأن يجروا على أنهم قلّدوه في الزمان الأول وجرى به العمل، فإنهم إن حملوا على غير ذلك كان في ذلك تشويش للعامة وفتح لأبواب الخصام»( ).
وقول ابن عبد البر( ):«إذا رأيت الرجل يعمل بالعمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه»( ).
وقول أبي العباس الونشريسي: «والاستشهاد بعمل أهل البلد ببعض الأقوال الفقهية دون بعض أمر معروف شهير عند الخاص والعام لا يجهله من له بالطلب أقلّ تلبس»( ).
وغير هذه النصوص كثيرة في المذهب المالكي وفي غيره من مذاهب الأمصار، وتستند كلها على أدلة من نصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة.
وهي تدل في مجموعها أن ما جرى به العمل في الأمصار له سلطان ولو كان مرجوحا شرط ألا يصادم ويناقض أصلا من أصول الشريعة.
وما قراءة القرآن الكريم على هذه الطريقة المعهودة إلا عمل جارٍ منذ قرون بهذه الديار، ففيما النزاع؟
– ومن أدلتهم أيضا أن هذه الطريقة فيها منافع جمّة، ومصالح لا تعدّ إذا أحسن القارئ القراءة وتأدب بآدابها، واحترم الوقوف، وأحكام الترتيل، ومخارج الحروف.
والعمل إذا تضافر عليه أهل الأمصار والأعصار، ولم يرد من الشرع ما يمنعه أو يقرُّه، فهو من المصالح المرسلة التي تأكدت فيها المصلحة.
والمنافع والمصالح المترتبة على كيفية “الحزب الراتب” أكثر من تحصر، منها:
أولا: تعهد القرآن الكريم، فهي تساعد على حفظه وضبطه ومراجعته وعدم نسيانه، وهي بذلك تحقق الاستجابة للأمر النبوي الوارد فيما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعــاهدوا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عُقُلها))[مسلم].
وقد حمل بعض المفسرين قوله تعالى: ?ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى?[طه/125-126]، على نسيان القرآن بعد حفظه.
ثانيا: تسميع كتاب الله تعالى لمن يريد سماعه من عوام المسلمين، إذ لا يقدر العامي على تلاوته فيجد بذلك سبيلا إلى سماعه، ثم إن كثيرين حفظوا القرآن من خلال مواظبتهم على الحزب مع الجماعة.
ثالثا: ومنها التماس الفضل المذكور في حديث: ((ما اجتمع قوم…))[سبق تخريجه]، فقد استفيد منه أن كل قوم اجتمعوا لما ذكر حصل لهم الأجر من غير اشتراط وصف خاص فيهم من علم أو صلاح أو زهد.
وبالجملة فإن الذين أحدثوا طريقة “الحزب الراتب” لحفظ القرآن الكريم واستدامة استحضاره لم يبتدعوا البدعة الضلالة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أحدثوا طريقة علمية تربوية في الحفظ والاستحضار مثلما أحدث عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما طرقا في حفظ الدين. وأنه نشأ عن هذا الاختيار نظام ديني اجتماعي يعتبر الخروج عنه فتنة وفسادا كبيرا.
الأمر الثاني:
يدّعي هؤلاء أن الذين يعتمدون كيفية الحزب الراتب قد خالفوا مذهبهم الذي نهى عن هذا الفعل، ومما يستند إليه هؤلاء:
– ما ورد عن الإمام مالك عندما سئل عن هذه المسألة فقال: [لا أعرفه عن السلف].
ولكن التحقيق أن المراد بهذه العبارة كما قال ابن رشد( ): «أن هذا العمل لم يثبت فيه نص»( ).
فقول الإمام مالك على هذا لا يحمل على النهي والتحريم، ولكنه يحمل على أمرين:
الأول: تأصيل المسألة ببيان أن الطريقة محدثة ومن ثمّ تعتريها الأحكام المذكورة سابقا.
الثاني: أن هذا منهجه في إيثار الاتباع، وكراهة مخالفة السلف.
– كما يستند المخالف إلى ما تناقله بعض فقهاء المذهب من المنع عن قراءة القرآن جماعة.
ولكنّه متأوّل من وجهين:
1/ حملوا المنع على الكراهة وعلّلوها بالتقطيع، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فقد قال محمد البناني( ): « وقد عللوا النهي عن قراءة القرآن جماعة بالتقطيع، ومع ذلك قالوا النهي للكراهة لا أنه منع»( ).
قال ابن لبّ: « أما قراءة الحزب في الجماعة على العادة فلم يكرهه أحد إلا مالك على عادته في إيثار الاتباع، وجمهور العلماء على جوازه واستحبابه وقد تمسكوا في ذلك بالحديث الصحيح »( ).
2/ حملوا المنع على المعلم يغرر في تعليم تلامذته قراءة القرآن، فإنهم إن قرأوا جماعة لا يعرف الحافظ منهم من غير الحافظ؛ وبالتالي فإنه لا يفي بحقهم في التعلم في مقابل الأجر الذي يتقاضاه. فسّر ذلك القابسي( ) عندما سئل فأجاب: « إن اجتماعهم على القراءة بحضرته يخفي عليه القوي الحفظ من ضعيفه»( ). فإذا زالت علة الغرر زال الحكم بزوالها.
لذلك علّق أبو العباس الونشريسي على اشتهار ذلك عن بعض الأعلام بقوله: «لكن إنما يقرؤون لله تعالى، فلا يدركهم هذا الحكم المذكور، وهذا بعد تسليم جواز الاجتماع على القراءة وهو مذهب الجمهور، وتعضده الآثار الصحيحة»( ). أي أنهم لا يتقاضون على تعليمهم أجرا، فلا يلحقهم حكم الكراهة؛ أما جواز القراءة الجماعية في غير وجه التعليم المأجور فهو مسلَّم كما ترى.
– وعلى فرض عدم التسليم، واستصحاب الخلاف، فقد سبق سوق عبارات الفقهاء الصريحة في أنه [لا إنكار في مورد الخلاف]( ).
ونضيف عليها قول أبي عبد الله السجلماسي( ):«وإذا كان القول المعمول به راجحا بالعمل، لم يجز للقاضي ولا المفتي العدول عنه إلى غيره، وإن كان مشهورا»( ).
وقول القاضي المجاصي( ):«وخروج القاضي عن عمل بلده ريبة قادحة، لكن يقتصر من العمل على ما ثبت، ويسلك المشهور فيما سواه»( ).
وخلاصة القول:
إنّ الأدلة التي ساقها أدعياء البدعية، على قوتها، لا تتوجه على موضوعنا، وهي استدلال في خارج محلّ النزاع؛ فشروط البدعة غير متوفرة في قراءة القرآن جماعة على طريقة “الحزب الراتب”. بل إنّ الأدلة التي استند إليها معتمدو هذا المنهج من القوة والتنوّع بحيث تنفي كل ريب أو شك في مشروعية الطريقة.
إن أقلّ ما يمكن أن يقال: إنّ قراءة القرآن جماعة بصوت واحد جائزة إن لم تكن مندوبة ومستحبة، وذلك إذا كانت القراءة صحيحة خالية من اللحن ومن الكبر والرياء، بحيث يراد منها الحفظ والضبط والمراجعة، ولا يعتقد فاعل ذلك أنه يقدم على مكروه تقليدا لمالك، بل يعتقد معنى الحديث النبوي الشريف المتقدم وتقليد من يستحب ذلك ويستحسنه والله أعلم بالصواب.
أما هجر هذه الطريقة ومنعها حتى أمسى بعض الأئمة يؤمون التراويح من المصاحف، وآخرون يلحنون في القراءة، ولا يكادون يحفظون من كلام الله إلا قليلا، بل يعجزون عن الاستشهاد بآي القرآن فخطير خطورة هجر القرآن ذاته.
وإننا نحذر هؤلاء من مثل هذا الغلو، فإن نسيان القرآن فيه وعيد شديد محتمل، ألم يقل عليه الصلاة والسلام: ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب))[الترمذي وقال: حسن صحيح؛ والحاكم وقال: صحيح الإسناد]؟
لطف الله بنا، ومنّ علينا بصلاح أحوالنا بجوده وفضله وكرمه. أمين.
و هذا جزء من جواب للإمام حسن البنا وجدت فيه تلخيص رائع لموضوع الذكر الجماعي (بتصرف)
ما تعريف البدعة الدقيق المضبوط ؟ وما أنواعها؟وما حكم ما له أصل في الدين وأدي بكيفية لم ينص عليها؟ وما حكم فعل تركه النبي (صلي الله علية وسلم) وما الفرق الواضح بين البدعة الحقيقية والمصالح المرسلة؟ وهل لا يتغير حكم البدعة باختلاف الظروف والمقتضيات ؟ كل هذه أبحاث تتناول البدعة والسنة ، خاض فيها العلماء وتشعبت آراؤهم فيها تشعباً لابد أنك تعلمه وتحس ثقل وطأته ، كما يحسه كل من عالج هذا الموضوع علاجا صحيحا، وبعد هذا فهل يكفي الاتفاق علي تحديد هذه الموازين لحسم الخلاف بين الناس في الحكم علي ما يحدث من الأمور؟ إن في كله لا يكفي فإن أنظار الناس تختلف في التطبيق أكثر مما تختلف في وضع القواعد والأصول . رأيت يا أخي كيف أن هذا البحث مضلة الأقوام ، ومزلة العقول والأفهام ، والناس فيه بين مفرط ومفرط ، اللهم إنا نسألك العصمة من الزلل ، والتسديد في القول والعمل . لقد قرأت كثيرا عن البدعة وقرأت ما كتب الشاطبي وابن الحاج وغيرهما ، ولكن كل ذلك لم يلهم نفسي الطمأنينة إلى الحكم علي كثير مما يسميه الناس بدعا بهذه البدعية المطلقة وبهذا الوعيد الشديد ، ولعلي أوفق في الأعداد القادمة إلى استيعاب هذه البحوث والكتابة عنها بما يزيل اللبس ويكشف الغموض -إن شاء الله تعالي
.
وختام هذه النقطة أن أقول لأخي إن موضوعنا ليس تحرير أحكام البدعة من حيث هي ، فإننا نكاد نكون متفقين في هذه الناحية ، ولكن موضوعنا هو الحكم علي عمل خاص بالبدعية ، فمن ثبت له وصف البدعية المحرمة ترتب علي ذلك ما ذكرتم في خطابكم ، وهذا ما سأعرض له في النقطة الثانية .
ثانيا : لم يعرض الأخ -أيد الله به الحق – في خطابه إلى بيان وجه البدعية المحرمة في الذكر المقيد بالشروط التي ذكرتها في الفتوى إلا من حيث إنه لم يعمل به في عهد النبي -ص- ولا في عهد الخلفاء الراشدين وسلفنا الصالح ، وهذا القدر نحن متفقان عليه فقد قلته في الفتوى بالنص تقريبا، ولكن أليست السنة تثبت بالقول كما تثبت بالعمل ؟ والجواب : نعم ، لأن تعريف السنة عندهم فعل النبي (صلي الله عليه وسلم ) أو قوله أو تقريره ، وألسنا قد أمرنا بالذكر في قول الله تعالي : ” يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ” (أ لأحزاب : 41 – 42 ) ، والجواب : نعم ، وليس الحق تبارك وتعالى قد أطلق لنا الكيفية في قوله تعالى : في فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم (النساء: 103).
والمعلوم من ذلك أي علي كل حاله من حالاتكم ، والجواب : نعم ، و أليس قد ندبنا الرسول (صلي الله علية وسلم ) إلى الاجتماع علي الذكر والتحلق له في مثل قوله (صلي الله علية وسلم ) : “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ، قالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال : حلق الذكر” ، وفي مثل قوله (صلي الله علية وسلم) : “ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم ، قد بدلت سيئاتكم حسنات ” ، وفي مثل قوله (صلي الله علية وسلم): “لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل ، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة” ، والجواب : نعم
وقد تقول : إن الذكر هنا معناه العلم ، فأقول لك إن الذكر معني عام يشمل العلم وغيره ، وقد ورد في بعض الأحاديث بمعني العلم ، وفي غيرها بمعني التسبيح والتحميد ، وفي غيرها بمعناه المطلق فقصره علي العلم تحكم ، إذا تبين هذا كان الذى س الذي أعنيه ذكرا مأمورا به علي كيفية لا ينكرها الشرع ولا ينطبق عليه وصف البدعية المحرمة ، وهو ما ورد في فتواك ، وأرجو أن أكون بذلك قد وفقت .
ثالثاً: تساءلت كيف غاب عن الشارع الحكيم أن يشرع لنا أحوال الذكر كما شرع لنا القيام والركوع والسجود في الصلاة . . الخ ؟
وهذا أمر مهم أحب أن يلاحظه الأخ ، وقد يكون فيه حسم الخلاف -إن شاء الله تعالى – وقد يكون مقياسا صالحا يتضح لنا علي ضوئه كثير من مشتبهات الأحكام .
هذا الأمر هو أن العبادات تنقسم إلى نوعين :
1 – نوع حدده الشارع وقتا وزمانا ومكانا وكيفية وحكما ، ومثاله الحج مثلا ، وصلاة الجمعة مثلا .
2- ونوع أطلقه كالصدقة النافلة ؛ فأنت فيها مخير في المقدار وفي الوقت بحسب وسعك ، وظرفك ، وكالدعاء مثلا ؛فأنت فيه مخير ما لم يخالف هذا التخيير حكما شرعيا ورد به النص .
نعم إن المأثور أفضل من غيره ، ولكن هل يقول أحد إن الدعاء بغير المأثور وفي كل وقت غير جائز، والذكر من هذا القسم أمر به الشارع وأطلقه فأنت فيه مخير ما لم يخالف هذا التخيير حكما شرعيا، ولإيضاح هذه النقطة أضرب لك هذين المثالين :
أ -رجل تعود أن يتصدق كل يوم بقرش في وقت محدد يقصد بذلك وجه الله- تبارك وتعالى – وامتثال أمره في الصدقة ، أتراه مبتدعا؟ وهل يشترط لجواز مثل هذا العمل أن يكون قد عمل مثله السلف الصالح .
2 – رجل تعود صباح كل يوم ومساءه أن يدعو الله تبارك وتعالي بصيغة كهذه مثلا : “اللهم فرج كربتي ، واغفر ذنبي ، واجعلني عندك من المقبولين ، وارزقني اتباع سنة نبيك (صلي الله علية وسلم ) ” ، أتري هذا الرجل مبتدعا؟
وهل يشترط لجواز مثل هذا العمل أن يكون واردا مأثورا ؟
أظنك معي في أن عموم الأمر بالدعاء والصدقة يجعل عمل هذين عبادة لا غبار عليها .
وإذا تقرر هذا فاعلم – يا عزيزي -أن تقييد العبادة المطلقة هو البدعة ؛ فما ورد مقيدا فالدين أن يؤتي به علي وجهه وما ورد مطلقا بقي علي إطلاقه ، فكل كيفية تدخل تحت هذا العموم ولا تتعارض مع الأحكام الشرعية جائزة .
وأخيرا أحب أن أقول لك إن الجائز لذاته قد يكون محرما لغيره سدا للذريعة إذا اتخذ وسيلة لمحرم، وخير الحالات ما وافق السنة المطهرة ، واتباع المأثور أولى وأسلم .. والله أسأل أن يلهمنا وإياك التوفيق والتسديد . .
وسلام الله عليك ورحمته وبركاته .