الاثنين، 1 يوليو 2019

التصوف "المفهوم المشوّه"

===============
من أكثر المفاهيم التي تعرضت للتشويه على يد أتباعها قبل غيرهم هو مفهوم التصوف ..
التصوف ذلك الاسم الجامع لمعاني جميلة كالزهد والورع والايثار ومجاهدة النفس والاخبات والاهتمام بأعمال القلوب وصولا الى مرتبة الاحسان :-
(( ان تعبد الله كأنك تراه فأن لم تكن تراه فأنه يراك ))
هذا المعنى الحقيقي للتصوف لا شك كان هو المعنى الذي تربى عليه جيل الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن سار على نهجهم ..
ولا شك ان هذا المعنى مُبتغى ومطلب كل مسلم يريد الفلاح في الاخرة والدنيا .
ولكن ما الذي حدث مع التصوف ؟؟
مع مرور الايام ودخول الفلسفات الغربية والشرقية على الدين بشكل عام واعمال القلوب بشكل خاص تحوّل هذا المعنى الجميل الى معنى آخر ..
اصبح التصوف عبارة طقوس غريبة على الدين مستوردة من اديان آخرى او فرق منحرفة ..
حتى صار التصوف قرين الجهل بعد ان كان قرين العلم مع الاسف ..
فأصبح من المعتاد ان ترى من - يدعي التصوف - يمارس افعالا لا تمت للدين بصلة من قبيل "الدروشة " وضرب الجسد بالحراب وغيرها من السلوكيات التي هي اقرب للجنون من العقل , بل والاشد من ذلك قد يصل الامر الى الاستعانة بغير الله والتوكل على غيره ..الخ
وضاع هذا المفهوم الجميل بين جهل مُدعيّه وجهل مناوئيه .
----------------------
ولكن هل التصوف فعلا كما نراه عند جهلة العوام ؟
من يريد ان يعرف التصوف ويأخذ الصورة على حقيقتها لا يأخذها من الجهلة والمتنطعين بل عليه بقراءة سير اهل التصوف الصادقين من السلف الصالح رضوان الله عليهم ..
اذهب واقرأ سيرة ابراهيم بن أدهم ومالك بن دينار والفضيل بن عياض والشيخ الكيلاني والرفاعي والجنيد البغدادي ومعروف الكرخي وغيرهم من اهل الصلاح والتقوى رضي الله عنهم جميعا .
فلن تجد في سيّر هولاء الافذاذ الا ما يقربك الى ربك ولا ندعي العصمة لاحد..
بعض الناس يظن ان التصوف هو مختص في خط معين وهذا غير صحيح فبمعني التصوف الحقيقي كان كثير من أعلام الامة كذلك
خذ ابن القيم كنموذج , اذهب واقرأ (مدارج الساالكين ) وستعلم حقيقة ابن القيم رحمه الله .
وقد أجمل الشيخ ذاكر الحنفي وفقه الله هذا المعنى في بيتين من الشعر قال
ليس التصوف حضرةً أو مولدا* أو هزَّ راسٍ إنْ حُويدٍ أنشدا
إنَّ التصوفَ صفْوُ قلبكَ يافتى * متعلِّقًا باللهِ تَــقْــفـو أحمَدا
-------------------------
وليس ثمة فرق بين ان تكون سلفيا وصوفيا ..
فالسلفي بمعنى متبع السلف لا يتعارض مع التصوف الحقيقي ومتبع السلف لابد ان يتبع السلف في احوال قلوبهم قبل احوال عقولهم وعلومهم
فهل ابراهيم بن ادهم ومالك بن دينار مثلا ليسوا من سلفنا ؟!
اذن المشكلة في الصورة الخاطئة المرسومة في ذهنك وليست بالضرورة هي الصورة الحقيقية ..نحن نرسم صورة من جانب واحد ونبني افكارنا عليها ومن ثم نوالي ونعادي من اجلها والامر ليس كذلك والا فإن كل انسان سوف يكون مذهبا بذاته
وملاحظة آخرى ان التصوف ليس قرينا بمذهب فقهي معين فمن كبار المتصوفين شافعية وحنابلة واحناف ومالكية فالمذهب الفقهي لا علاقة له بمفهوم التصوف.
خارج النص :-
انا على يقين ان بعض الناس ستفهم المنشور بشكل خاطئ لذلك استغفر الله مقدما من كل فهم خاطئ واسأل الله ان يرزقنا نقاء القلوب قبل العقول 

---
رضي الله عن جميع الصالحين الذين لو رأوا كثيرا ممن ينتسب إليهم لجلدوهم بالأحذية.
قبل أشهر كنت في زيارة لأحد مشايخ كركوك وكان أبوه مفتي كركوك الشيخ احمد زنكنة رحمه الله تعالى ثم جاء أحد ما يسمى بمشايخ الطريقة الرفاعية في كركوك . وبدأ يتكلم عن كرامات أحد
 محاسيبه وكيف انه مع شربه للخمر وتركه للصلاة لكن الله يكرمه من أجل جده . ومن هذا الهراء املأ صحراء .
فلما رآني لا اتفاعل مع هذيانه علم أن هذا الأمر لا يروقني . فبدأ هو مناقشتي فلما الزمته الحجة من الكتاب والسنة واقوال اهل التصوف الأوائل مثل الجنيد والرفاعي والكيلاني رحمهم الله قال لي بالحرف الواحد : هسة اكفر وأسب من ..... وهي نازلة . تعالى الله عما قال .وبئس دعاة الصوفية من كل متكسب غير مترب ولا يعرف بديهيات الاسلام ولو عرفها لما التزم بها . 
(وَذَرِ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ دِینَهُمۡ لَعِبࣰا وَلَهۡوࣰا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦۤ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَیۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیࣱّ وَلَا شَفِیعࣱ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلࣲ لَّا یُؤۡخَذۡ مِنۡهَاۤۗ أُو۟لَـٰۤئكَ ٱلَّذِینَ أُبۡسِلُوا۟ بِمَا كَسَبُوا۟ۖ لَهُمۡ شَرَابࣱ مِّنۡ حَمِیمࣲ وَعَذَابٌ أَلِیمُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ ۝ قُلۡ أَنَدۡعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُنَا وَلَا یَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰۤ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِی ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّیَـٰطِینُ فِی ٱلۡأَرۡضِ حَیۡرَانَ لَهُۥۤ أَصۡحَـٰبࣱ یَدۡعُونَهُۥۤ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ۝ وَأَنۡ أَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّقُوهُۚ وَهُوَ ٱلَّذِیۤ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ ۝ وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَیَوۡمَ یَقُولُ كُن فَیَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِۚ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ)
[سورة الأنعام 70 - 73]



عن التصوف الحق قالوا :
قال السيوطي نسبة التصوف من العلوم كعلم البيان مع النحو يعني هو كمال فيها ومحسّن لها
وقال الشيخ زروق رضي الله عنه نسبة التصوف من الدين نسبة الروح من الجسد لأنه مقام الاحسان الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل أن تعبد الله كأنك تراه
وقال ابن عجيبة : وأعلم أن هذا العلم الذي ذكرنا ليس هو اللقلقة باللسان وإنما هو أذواق ووجدان ولا يؤخذ من الأوراق وإنما يؤخذ من أهل الأذواق وليس ينال بالقيل والقال وإنما يؤخذ من خدمة الرجال وصحبة أهل الكمال والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح وبالله التوفيق
والحمد لله رب العالمين