الخميس، 7 يوليو 2022

جمع الصلاة في المطر

 جمع الصلاة في المطر

إنّ الصلاة عهد وميثاق غليظ وهي أمانة ثقيلة ورابطة متينة بحيث إذا حسنت تلك الرابطة انعكست آثارها على سلوكيات الفرد وأخلاقياته وتصرفاته.
وممّا يؤكّد ذلك ما رَواه الطبرانِيُّ بسنده مرفوعاً: “أَوَّل ما يُحَاسَبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاة، فإنْ صَلحَتْ صَلحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإِنْ فسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ” أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (1929).
أي أنّ الذي لا يُصلِحُ صَلاَتَهُ من حيث الحفاظ على هيئاتها وآدابها وأركانها وشروطها دَخَلَ الخلل إلى سائرِ أعمالِهِ، ومَن كَانَتْ صَلاتُهُ تامة كاملة فإنّ أنوار وروحانية صلاته تنعكس على تصرفاته الفعلية والقولية على حدّ سواء.
أولاً:حكم الجمع بين الصّلوات بسبب البَرْد بين الظهر والعصر: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين الظهر والعصر.
ثانيا: الجمع بين الصلوات بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء.
ثالثاً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بين الظّهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة.
رابعاً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرياح شديدة: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرّياح الشّديدة.
خامساً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر: انفرد المذهب الشافعي بجواز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ولو كان يوم جمعة بشروط وقيود شديدة يجب الإلتزام بها وعدم التفريط بشرط منها، وإلاّ حرم الجمع وبطلت الصلاة بالإتفاق لأنّها لا تستقر حينئذ على مذهب فقهي،
ومع ذلك نصّ المذهب الشافعي على عدم استحباب الجمع بين الظهر والعصر ولو توفرت الشروط خروجاً من خلاف الجمهور.
حيث قد اشترط الشافعية للجمع بين الظهر والعصر: أن يكون المطر موجوداً عند تكبيرة الإحرام فيهما (أي الظهر والعصر) وعند السلام من الصلاة الأولى حتى تتصل بأول الثانية ولا يضر انقطاع المطر في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدهما.
وصفة المطر الذي يبيح الجمع عند الشافعية هو ما يبلّ أعلى الثوب أو أسفل النعل ومثل المطر الثلج والبَرَد.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
أولاً: يجب أن نعلم أن أوقات الصلوات محددة من قبل الله ورسوله, أما من قبل الله فقد قال الله تعالى: ((إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ))[النساء:103] محدداً, وقال تعالى: { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } [الإسراء:78]، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد بين ذلك بياناً واضحاً صريحاً, فوقت الظهر من كذا إلى كذا، ووقت العصر من كذا إلى كذا، ووقت المغرب من كذا إلى كذا، ووقت العشاء من كذا إلى كذا، ووقت الفجر من كذا إلى كذا، مفصلاً ومبيناً غاية البيان, والأصل وجوب الصلاة في وقتها, فمن صلّى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام فصلاته نفل إن كان جاهلاً يظن أن الوقت قد دخل, وإن كان متعمداً فهو متلاعب فصلاته باطلة مردودة عليه, ولو صلّى قبل الوقت بتكبيرة الإحرام فقط, كيف لو صلّى كل الصلاة قبل الوقت؟!! فمن صلّى قبل الوقت فإن كان عالماً أنه لم يدخل الوقت فهو متلاعب وصلاته باطلة مردودة, ومن جهل وظن أنه قد دخل فصلاته نافلة وعليه أن يعيدها بعد دخول الوقت, ومن صلّى بعد الوقت فكذلك, إن تعمد فصلاته باطلة ولا تقبل منه, لو صلّى ألف مرة, وإن كان لعذر كالنسيان والنوم والجهل أيضاً بالوقت؛ يظن أنه لم يخرج فصلاته صحيحة, هذا هو الأصل.
ولا يجوز للإنسان أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير إلا بعذر شرعي, والعذر الشرعي مبين ضابطه ما أشار إليه عبد الله بن عباس رضي الله عنه حين قال: ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء, من غير خوف ولا مطر, قالوا: ما أراد من ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته ) أي: ألا يلحقها الحرج, وعلى هذا فالضابط في الجمع: أن يكون في تركه حرج على الناس, وأن يكون في تفريد الصلاة كل صلاة في وقتها حرج ومشقة, فهذا الضابط، إذا كان هناك حرج ومشقة فإنه يجمع, وإذا لم يكن هناك حرج ولا مشقة فإنه لا يجوز الجمع, ومن جمع تقديماً فعليه إعادة الصلاة التي صلاها قبل الوقت.
وفي بعض البلدان يكون المطر نازلاً بغزارة وفي هذا حرج أن يذهب الناس إلى المسجد, فتبتل ثيابهم, ويتأذون، فهذا حرج, أو يكون المطر واقفاً لكن الأسواق وحلة أي: زلق, أو نقع الماء كثيرة فتؤذي الناس فهذا أيضاً حرج، فيجمع, أما بدون ذلك فلا يجوز, ولهذا نأسف أن بعض الناس الذين يقولون: نتمسك بالسنة يغلطون في هذه المسألة, ويظنون أن الجمع جائز لأدنى سبب, وهذا خطأ, ثم يجب أن نقول: إذا علمنا أنه لا حرج في ترك الجمع صار الجمع حراماً, وإذا علمنا أن في تركه حرجاً صار الجمع جائزاً بل سنة, وإذا شككنا صار الجمع حراماً؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها, فلا نعذر عن هذا الأصل إلا بأمر متيقن . . .
ثم إني أقول لكم يا إخواني: لا تظنوا أن الجمع رخصة عند كل العلماء, حتى الذين يقولون: إنه يجوز، يقولون: تركه أفضل, لكننا نحن نرى أنه إذا وجد السبب ففعله أفضل, وهناك مذهب يمثل ثلاثة أرباع الأمة الإسلامية لما كانت الخلافة في الأتراك وهم على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وهو يرى أنه لا جمع مطلقاً إلا في موضعين: في عرفة و مزدلفة ؛ لأجل النسك, وإلا فلا جمع في السفر أو المرض أو المطر ولا غير ذلك, فلا تظن أن المسألة سهلة, المسألة صعبة . . .
فخلاصة الجواب: إذا تحقق العذر فالجمع أفضل, وإذا علمنا أنه لا عذر فالجمع حرام,وإذا شككنا فالجمع حرام؛ لأن الأصل هو وجوب فعل الصلاة في أوقاتها. إنتهى
قال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه المغني: (والمطر المبيح للجمع هو: ما يبل الثياب، وتلحق المشقة بالخروج فيه، وأما الطَّلُّ والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب فلا يبيح، والثلج كالمطر في ذلك؛ لأنه في معناه، وكذلك البَرَد).
قال الإمام النووي الشافعي في كتابه المجموع: (ولا يجوز الجمع إلا في مطر يبل الثياب، وأما المطر الذي لا يبل الثياب فلا يجوز الجمع لأجله)، وقال أيضًا: (والجمع بعذر المطر وما في معناه من الثلج وغيره: يجوز لمن يصلي جماعة في مسجد يقصده من بُعد، ويتأذى بالمطر في طريقه).
قال الشيخ الآبي المالكي في كتابه الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: (فالمطر سبب للجمع بين المغرب والعشاء، على القول المشهور؛ بشرط أن يكون وابلًا؛ أي: كثيرًا، وهو الذي يحمل أواسط الناس على تغطية الرأس، وسواء كان واقعًا أو متوقعًا، ويمكن علم ذلك بالقرينة، ومثل المطر: الثلج والبَرَد).
وقال الشيخ ابن عثيمين: (إذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته، فإنه يجوز الجمع، فإن كان مطرًا قليلًا لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز؛ لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة، بخلاف الذي يبل الثياب، ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء، فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل، ومشقة أخرى من جهة البرد، ولا سيما إن انضم إلى ذلك ريح، فإنها تزداد المشقة، فإن قيل: ما ضابط البلل؟ فالجواب: هو الذي إذا عصر الثوب تقاطَرَ منه الماء).
سئل كذلك الشيخ ابن عثيمين: إذا كان مطر ولكن شككنا هل هو مطر يبيح الجمع أو لا؟ فأجاب فضيلته: (لا يجوز الجمع في هذه الحال؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها، فلا يعدل عن الأصل إلا بيقين العذر، فاتقوا الله عباد الله، والتزموا حدود الله، ولا تتهاونوا في دينكم، واسألوا العلماء قبل أن تُقدِموا على شيء تحملون به ذممكم مسؤولية عباد الله في عبادة الله، واعلموا أن الأمر خطير، وأن الصلاة في وقتها أمر واجب بإجماع المسلمين، وأما الجمع فرخصة حيث وجد السبب المبيح: إما مباح وفعله أفضل، أو مباح وتركه أفضل، وما علمت أحدًا من العلماء قال: إنه واجب، فلا تعرضوا أمرًا أجمع العلماء على وجوبه - يقصد أداء الصلاة في وقتها - لأمر اختلف العلماء في أفضليته - يقصد الجمع - اللهم وفِّقْنا للعمل لما يرضيك عنا، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، وصالحين مصلحين، إنك جَوَاد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذي يجمع فيه، فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها، وإذا صلى إحداهما والسماء تمطر ثم ابتدأ الأخرى والسماء تمطر ثم انقطع مضى على صلاته؛ لأنه إذا كان له الدخول فيها كان له إتمامُها).
وقد قالوا عن حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما ، والذي جاء فيه أنّ النّبيّ  جمع بين صلاتين من غير عذر :
أن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال بالجمع الصوري، وتفسير راوي الحديث مقدم على غيره، فعن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيًا جَمِيعًا، وَسَبْعًا جَمِيعًا»، قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ، وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ، قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّ ذَاكَ . وهذا الأثر نص في حمل الحديث على الجمع الصوري باعتبار أن أوقات الصلوات أوقات موسعة وليست مضيقة، ففي أي أجزائها أوقع الفعل برئت الذمة، وإنما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يحرج أمته في التزامها بوقت محدد، وفي ذلك من المشقة ما لا يطيقه الإنسان، والشريعة جاءت لرفع المشاق والأغلال.
- كذلك مما يعضد ذلك أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعيين وتحديد لوقت الجمع، فإما أن تحمل على ظاهرها فيقتضي منها تجويز إخراج الصلاة عن وقتها وهو لا يجوز، أو نحمل الحديث على صفة مخصوصة تقتضي الجمع بين الأحاديث وهو أولى؛ ولن يكون ذلك إلا بالجمع الصوري.
وهناك أحاديث صريحة نصت على عدم إخراج الصلاة عن وقتها، وأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخر صلاة عن وقتها من غير عذر؛ قال الإمام الشوكاني رحمة الله عليه:" ومما يدل على تعيين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ: «صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء» فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري...
ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري ما أخرجه مالك في الموطأ والبخاري وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود قال: « مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا، إِلَّا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَئِذٍ لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا » فنفى ابن مسعود مطلق الجمع وحصره في جمع المزدلفة، مع أنه ممن روى حديث الجمع بالمدينة...وهو يدل على أن الجمع الواقع بالمدينة صوري، ولو كان جمعا حقيقيا لتعارض روايتاه، والجمع ما أمكن المصير إليه هو الواجب.
ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري أيضا ما أخرجه ابن جرير عن ابن عمر قال:« خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما» وهذا هو الجمع الصوري، وابن عمر هو ممن روى جمعه - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه".
فليتق الله أناس في تساهلهم العظيم في أمر الصلاة ، والتي هي أعظم ركن الإسلام بعد الشهادتين .
فهذا التساهل المفرط – ولاسيما في أمر الصلاة – يدل دلالة واضحة على خواء القلب من التقوى وخشية الله تعالى .
وقد قال الله تعالى : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) .