💥حكم التداوي بالسحر
السؤال : شيخنا هل يجوز الذهاب الى السحرة للعلاج ؟ وما حكم ابطال السحر بسحر مثله؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
✍️فقد اجمع العلماء على حرمة السحر، وقد يدخل فاعله في الكفر، فلا يجوز تعلمه والعمل به، ولا الذهاب إلى السّحرة ومن في حكمهم من المنجمين، والكهان، والعرافين طلباً للعلاج والشفاء .
واتفقوا على تكفير من اعتقد إباحة السحر، واختلفوا في تكفير من تعلمه أو عمله، فذهب الجمهور- من الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى أنه لا يكفر بمجرد تعلم السحر وعمله ما لم يكن فيه اعتقاد، أو عمل ما هو مكفّر، وذهب المالكية وقول عند الحنابلة إلى تكفيره مطلقًا، لما فيه من التعظيم لغير الله، ونسبة الكائنات والمقادير إلى غير الله تعالى.
قال الامام ابن قدامة المقدسي في المغني [9/29] : (فإن تعلُم السحر وتعليمه حرام، لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم).
واستدلوا بما يأتي:
1-قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:102]، وقولُه تعالى: ﴿ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه:69].
2-وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في الصحيحين مِنْ حديثِ أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ،.. وذَكَر منها السِّحْرَ().
3-وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الذي رواه ابو داود وابن ماجه واحمد وغيرهم مِنْ حديثِ عبدالله ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ)).
فالمقصود بالرُّقى هنا: هو الرُّقى غيرُ الشرعية من طلاسم وكلمات شركية، والتميمةُ: ما يُعلَّقُ لدفعِ العَين، والتِّوَلَةُ: هي شيءٌ كانَتِ المرأةُ تجلِبُ به محبَّةَ زوجِها، وهو ضَرْبٌ مِنَ السحر.
4-وعن جابر بنِ عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّشْرَةِ فَقَالَ: ((هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ))، رواه ابو داود. وعملُ الشيطانِ مذمومٌ وقبيحٌ شرعًا يَحْرُمُ فعلُه. والنشرة هي: حل السّحر بالسّحر ؛ ولأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم ، وهذا من الشرك والعياذ بالله تعالى.
والنُّشْرة الجائزة، وهي حلّ السحر بالقرآن الكريم، والأدعية المأثورة والأذكار المشروعة، وذلك لحديثِ عَوْفِ بنِ مالكٍ الأَشْجَعِيِّ -رضي الله عنه - قال: كُنَّا نَرْقِي فِي الجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ : ((اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ)) رواه مسلم.
وحديثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما- قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: ((مَا أَرَى بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ)) رواه مسلم.
فالحاصلُ: أنَّ ما كان بالقرآن والدعوات والأدوية المُباحةِ فجائزٌ، وما كان منه بالسحر فيَحْرُمُ لِمَا تقدَّم بيانُه.
👈وقد اتفق العلماء كذلك على حرمة ابطال السَحر بالسَحر والتداوي به، لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح، ولم يجعل الله تعالى شفاء المسلمين فيما حرم عليهم ، فعن عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال : (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) رواه البخاري ، ومن أعظم المحرمات السّحر فلا يجوز التداوي به و لا فك السحر به ، وإنما السحر يعالج بالأدوية المباحة وبالآيات القرآنية والأدعية والاذكار المأثورة .
قال الامام ابن القيم الجوزية في اعلام الموقعين عن رب العالمين [4/301 ] : ( والنشرة حَلّ السّحر عن المسحور ، وهي نوعان : حل سحر بسحر مثله ، وهو الذي من عمل الشيطان ، فإن السحر من عمله ، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب ، فيبطل عمله عن المسحور ، والثاني : النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة ، فهذا جائز ، بل مستحب ).
وعليه فالذهاب الى السّحرة، والمنجمين، والكهان، والعرافين، والدجالين لإبطال السّحر او سؤالهم، وتصديقهم بما يخبرون به ممنوع وحرام ، ومعدود في كبائر الذنوب، بل قد يصل إلى حد الكفر، والشرك الأكبر.
والادلة على ذلك كثيرة، ومنها ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجال يأتون الكهان. قال : ((لا فلا تأتوهم )).
وما رواه مسلم ايضا عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا )) ، وما رواه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - )).
وعن عمران بن الحصين- رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس منا من تَطَيَّر أو تُطُيِّر له، أو تَكَهَّن أو تُكِهِّن له، أو سحَر أو سُحِر له)). رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس.
👍واما ما نُقل عن بعض فقهاء الحنابلة من جواز التداوي بالسحر للضرورة، وقاسوا ذلك على إباحة المحرمات كالميتة والدم للمضطر، وقد ردّ عليهم شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى [3/6 ] فقال : (والذين أجازوا التداوي بالمحرم قاسوا ذلك على إباحة المحرمات كالميتة والدم للمضطر، وهذا ضعيف لوجوه: أحدها- أن المضطر يحصل مقصوده يقيناً بتناول المحرمات، فإنه إذا أكلها سدت رمقه وأزالت ضروراته، وأما الخبائث بل غيرها فلا يتعين حصول الشفاء بها؛ فما أكثر من يتداوى ولا يشفى بها ! ولهذا أباحوا دفع الغصة بالخمر؛ لحصول المقصود بها وتعيينها له، بخلاف شربها للعطش، فقد تنازعوا فيه فإنهم قالوا إنها لا تروي.
الثاني: أن المضطر لا طريق له إلى إزالة ضرورته إلا الأكل من هذه الأعيان، وأما التداوي فلا يتعين تناول هذا الخبيث طريقاً لشفائه، فإن الأدوية أنواع كثيرة، وقد يحصل الشفاء بغير الأدوية كالدعاء والرقية، وهو أعظم نوعي الدواء.
والثالث: أن أكل الميتة للمضطر واجب عليه في ظاهر مذهب الأئمة وغيرهم.. وأما التداوي فليس بواجب عند جماهير الأئمة وإنما أوجبته طائفة قليلة).
وذلك يمكن حمل قولهم على النُشرة بالرقية الشرعية.
👈الخلاصة:
فقد ثبت شرعا حرمة السّحر، وقد يدخل فاعله في الكفر ، فلا يجوز تعلّمه والعمل به، ولا الذهاب إلى السّحرة ومن في حكمهم من المنجمين، والكهان، والعرافين طلباً للعلاج والشفاء .
وذهب الفقهاء الى تكفير من اعتقد إباحة السّحر، واختلفوا في تكفير من تعلمه أو عمله، فذهب الجمهور إلى أنه لا يكفر بمجرد تعلم السّحر وعمله ما لم يكن فيه اعتقاد، أو عمل ما هو مكفّر، وهو المفتى به، وذهب بعضهم إلى تكفيره مطلقًا، لما فيه من التعظيم لغير الله، ونسبة الكائنات والمقادير إلى غير الله تعالى.
وحكموا بقتل الساحر، وقد يكون قتله حداً، وقد يكون ردةً بناءً على التفصيل في كفر الساحر ، فمتى حُكم بكفره فقتله ردة، وإذا لم يُحكم بكفره فقتله حد، وذلك لعظم ضرره ، وشنيع فعله.
ويُحرم الذهاب الى السّحرة، والمنجمين، والكهان، والعرافين، والدجالين، ومَن في حكمهم لإبطال السّحر او سؤالهم، وتصديقهم بما يخبرون به ، وهو من كبائر الذنوب والموبقات، بل قد يصل إلى حدّ الكفر، والشرك الأكبر والعياذ بالله تعالى. لما ذكرنا من الادلة في معرض الفتوى . والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين الصالح
السؤال : شيخنا هل يجوز الذهاب الى السحرة للعلاج ؟ وما حكم ابطال السحر بسحر مثله؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
✍️فقد اجمع العلماء على حرمة السحر، وقد يدخل فاعله في الكفر، فلا يجوز تعلمه والعمل به، ولا الذهاب إلى السّحرة ومن في حكمهم من المنجمين، والكهان، والعرافين طلباً للعلاج والشفاء .
واتفقوا على تكفير من اعتقد إباحة السحر، واختلفوا في تكفير من تعلمه أو عمله، فذهب الجمهور- من الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى أنه لا يكفر بمجرد تعلم السحر وعمله ما لم يكن فيه اعتقاد، أو عمل ما هو مكفّر، وذهب المالكية وقول عند الحنابلة إلى تكفيره مطلقًا، لما فيه من التعظيم لغير الله، ونسبة الكائنات والمقادير إلى غير الله تعالى.
قال الامام ابن قدامة المقدسي في المغني [9/29] : (فإن تعلُم السحر وتعليمه حرام، لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم).
واستدلوا بما يأتي:
1-قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:102]، وقولُه تعالى: ﴿ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه:69].
2-وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في الصحيحين مِنْ حديثِ أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ،.. وذَكَر منها السِّحْرَ().
3-وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الذي رواه ابو داود وابن ماجه واحمد وغيرهم مِنْ حديثِ عبدالله ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ)).
فالمقصود بالرُّقى هنا: هو الرُّقى غيرُ الشرعية من طلاسم وكلمات شركية، والتميمةُ: ما يُعلَّقُ لدفعِ العَين، والتِّوَلَةُ: هي شيءٌ كانَتِ المرأةُ تجلِبُ به محبَّةَ زوجِها، وهو ضَرْبٌ مِنَ السحر.
4-وعن جابر بنِ عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّشْرَةِ فَقَالَ: ((هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ))، رواه ابو داود. وعملُ الشيطانِ مذمومٌ وقبيحٌ شرعًا يَحْرُمُ فعلُه. والنشرة هي: حل السّحر بالسّحر ؛ ولأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم ، وهذا من الشرك والعياذ بالله تعالى.
والنُّشْرة الجائزة، وهي حلّ السحر بالقرآن الكريم، والأدعية المأثورة والأذكار المشروعة، وذلك لحديثِ عَوْفِ بنِ مالكٍ الأَشْجَعِيِّ -رضي الله عنه - قال: كُنَّا نَرْقِي فِي الجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ : ((اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ)) رواه مسلم.
وحديثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما- قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: ((مَا أَرَى بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ)) رواه مسلم.
فالحاصلُ: أنَّ ما كان بالقرآن والدعوات والأدوية المُباحةِ فجائزٌ، وما كان منه بالسحر فيَحْرُمُ لِمَا تقدَّم بيانُه.
👈وقد اتفق العلماء كذلك على حرمة ابطال السَحر بالسَحر والتداوي به، لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح، ولم يجعل الله تعالى شفاء المسلمين فيما حرم عليهم ، فعن عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال : (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) رواه البخاري ، ومن أعظم المحرمات السّحر فلا يجوز التداوي به و لا فك السحر به ، وإنما السحر يعالج بالأدوية المباحة وبالآيات القرآنية والأدعية والاذكار المأثورة .
قال الامام ابن القيم الجوزية في اعلام الموقعين عن رب العالمين [4/301 ] : ( والنشرة حَلّ السّحر عن المسحور ، وهي نوعان : حل سحر بسحر مثله ، وهو الذي من عمل الشيطان ، فإن السحر من عمله ، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب ، فيبطل عمله عن المسحور ، والثاني : النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة ، فهذا جائز ، بل مستحب ).
وعليه فالذهاب الى السّحرة، والمنجمين، والكهان، والعرافين، والدجالين لإبطال السّحر او سؤالهم، وتصديقهم بما يخبرون به ممنوع وحرام ، ومعدود في كبائر الذنوب، بل قد يصل إلى حد الكفر، والشرك الأكبر.
والادلة على ذلك كثيرة، ومنها ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجال يأتون الكهان. قال : ((لا فلا تأتوهم )).
وما رواه مسلم ايضا عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا )) ، وما رواه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - )).
وعن عمران بن الحصين- رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس منا من تَطَيَّر أو تُطُيِّر له، أو تَكَهَّن أو تُكِهِّن له، أو سحَر أو سُحِر له)). رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس.
👍واما ما نُقل عن بعض فقهاء الحنابلة من جواز التداوي بالسحر للضرورة، وقاسوا ذلك على إباحة المحرمات كالميتة والدم للمضطر، وقد ردّ عليهم شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى [3/6 ] فقال : (والذين أجازوا التداوي بالمحرم قاسوا ذلك على إباحة المحرمات كالميتة والدم للمضطر، وهذا ضعيف لوجوه: أحدها- أن المضطر يحصل مقصوده يقيناً بتناول المحرمات، فإنه إذا أكلها سدت رمقه وأزالت ضروراته، وأما الخبائث بل غيرها فلا يتعين حصول الشفاء بها؛ فما أكثر من يتداوى ولا يشفى بها ! ولهذا أباحوا دفع الغصة بالخمر؛ لحصول المقصود بها وتعيينها له، بخلاف شربها للعطش، فقد تنازعوا فيه فإنهم قالوا إنها لا تروي.
الثاني: أن المضطر لا طريق له إلى إزالة ضرورته إلا الأكل من هذه الأعيان، وأما التداوي فلا يتعين تناول هذا الخبيث طريقاً لشفائه، فإن الأدوية أنواع كثيرة، وقد يحصل الشفاء بغير الأدوية كالدعاء والرقية، وهو أعظم نوعي الدواء.
والثالث: أن أكل الميتة للمضطر واجب عليه في ظاهر مذهب الأئمة وغيرهم.. وأما التداوي فليس بواجب عند جماهير الأئمة وإنما أوجبته طائفة قليلة).
وذلك يمكن حمل قولهم على النُشرة بالرقية الشرعية.
👈الخلاصة:
فقد ثبت شرعا حرمة السّحر، وقد يدخل فاعله في الكفر ، فلا يجوز تعلّمه والعمل به، ولا الذهاب إلى السّحرة ومن في حكمهم من المنجمين، والكهان، والعرافين طلباً للعلاج والشفاء .
وذهب الفقهاء الى تكفير من اعتقد إباحة السّحر، واختلفوا في تكفير من تعلمه أو عمله، فذهب الجمهور إلى أنه لا يكفر بمجرد تعلم السّحر وعمله ما لم يكن فيه اعتقاد، أو عمل ما هو مكفّر، وهو المفتى به، وذهب بعضهم إلى تكفيره مطلقًا، لما فيه من التعظيم لغير الله، ونسبة الكائنات والمقادير إلى غير الله تعالى.
وحكموا بقتل الساحر، وقد يكون قتله حداً، وقد يكون ردةً بناءً على التفصيل في كفر الساحر ، فمتى حُكم بكفره فقتله ردة، وإذا لم يُحكم بكفره فقتله حد، وذلك لعظم ضرره ، وشنيع فعله.
ويُحرم الذهاب الى السّحرة، والمنجمين، والكهان، والعرافين، والدجالين، ومَن في حكمهم لإبطال السّحر او سؤالهم، وتصديقهم بما يخبرون به ، وهو من كبائر الذنوب والموبقات، بل قد يصل إلى حدّ الكفر، والشرك الأكبر والعياذ بالله تعالى. لما ذكرنا من الادلة في معرض الفتوى . والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين الصالح