السلفية الجامية.. أين تقف من مقاومة الاحتلال والحرب على غزة؟
في كلمة حديثة للدكتور عبد العزيز بن ريس الريس، أحد كبار رموز السلفية الجامية في المملكة العربية السعودية، نُشرت في 29 نيسان/ إبريل، تحت عنوان "أحداث غزة بين الائتلاف والاختلاف"، شدد فيها على أن "السلفيين كانوا على كلمة سواء في عدم مشروعية الجهاد في حالة الضعف، لكن طائفة منهم تغيرت اليوم" بحسب قوله.
وحذر أتباع السلفية التي باتت تعرف بالجامية والمدخلية من التفرق والاختلاف، موجها كلامه لهم بالقول "واجمعوا أهل التوحيد والسنة والسلفيين حتى لا تنزلق أقدامهم، والله إنه يخشى مع كل فتنة أن تخرج طائفة من شبابنا ويذهبوا إلى مستنقعات الإخوان المسلمين والسروريين وغير ذلك، وقد حصل هذا".
وأضاف: "لما وقعت هذه الفتنة في حالة غزة..، زل كثير من السلفيين في ذلك" متسائلا "أين هي التأصيلات المتفق عليها.. ولنرجع إلى ما كنا عليه قبل ذلك من أن الجهاد في حالة الضعف ليس مشروعا، وقد كان السلفيون سائرين على هذا ومتفقين، واليوم تغيرت طائفة منهم، فاتقوا الله وتذكروا ما كنتم عليه..".
اللافت في كلام الريس نسبة القول بعدم مشروعية الجهاد في حالة الضعف، حتى لو كان ضد العدو الصائل المحتل المغتصب كما في حالة فلسطين، إلى عامة الاتجاهات السلفية، بلا تفريق بينها، وكأنه حكم متفق عليه ومحل إجماع بينهم كما كرر ذلك في أكثر من موضع من كلمته المشار إليها.
الكاتب والباحث السياسي المصري، المتخصص في الحركات الإسلامية، الدكتور محمد جلال القصاص أرجع ذلك إلى كون عبد العزيز الريس "يرى أن السلفية هم الجامية فقط، الذين يرون عدم مشروعية المقاومة حال الضعف، ويتحدث إليهم وحدهم وكأنهم هم جماعة المسلمين، وهذه مشكلة عند المتحزبين عموما، فهم يرون أنفسهم الممثلين للظاهرة التي ينتمون إليها ويتجهون بعداوتهم لمن قاربهم في ذات الظاهرة الاجتماعية (التدين هنا)".
وأضاف: "فالمتحدث هنا يطالب أهله بالثبات على المبدأ (عدم القتال وقت الضعف)، وأن لا يختلفوا حتى لا يتقوى بخلافهم عدوهم (والعدو هنا هم من جاوره من الإخوان المسلمين والسروريين).. لكننا إذا ما حاولنا أخذ صورة شاملة للسلفيين فإننا سنجد أن السلفية تمتد من أقصى اليمين (الجهاديون التكفيريون كداعش وأخواتها)، إلى أقصى اليسار (من يتفق منهم مع المستبدين، ولا يرون قتال الكافرين بدعوى الضعف)، مرورا بالسلفية الدعوية والسلفية التي تنشط في العمل الاجتماعي (الخيري)".
وواصل القصاص حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ففي كل مشهد يوجد سلفيون، والجزء الأكبر سائل متحرك بدافع ديني محافظ لا بفتاوى (الرموز)، ولا ينضبط بأطر حزبية، وعامتهم مع غزة وأهلها ويجاهر بهذا ليل نهار، ولا يشذ إلا القليل من الجامية، ولعل في كلمة الريس هذه دليل على أن الداخل الجامي منقسم على نفسه، وبعضه يؤيد أهل غزة، ويستحضر فتاوى (الألباني) في تأييد الجهاد الأفغاني ـ وقد كان في حالة ضعف أيضا ـ ".
د. محمد جلال القصاص كاتب وباحث سياسي مصري
وتابع "إذا استثنينا الجامية من السلفيين فإن عامتهم منخرطون في المواجهة، فالفكر السلفي مواجه في الميدان الثقافي يرفض العلمانية الوضعية، ويواجه الاستشراق والتنصير، ويقدم أطروحات نقدية، ومن الأمثلة على ذلك ما قدمه الدكتور سفر الحوالي في نقد العلمانية والحضارة الغربية، ومحاولة ترجمة كتاب الجواب الصحيح؛ والفكر السلفي مواجه كذلك في المجال الأخلاقي، إذ نراه يتصدى لمظاهر الانحراف الأخلاقي في المجتمع، ويقدم وعظا يؤسس لقيم أخلاقية مصدرها الكتاب والسنة".
وأردف "وهو كذلك مواجه في المجال السياسي، فبين الثوريين يوجد سلفيون أيضا كحازم صلاح أبو إسماعيل؛ ومواجه في العمل المسلح، فلا تكاد ترصد ميدانا تدافع فيه الأمة عن وجودها إلا وفيه سلفيون.. ولا بد أن نعي جيدا أن الجامية لها خصوصية، فما يقال عنهم لا يصح تعميمه على باقي السلفيين".
وأكمل القصاص فكرته بالقول "والجامية لهم أطر خاصة بهم، فحينا ينطلقون من الحقد على الأقران، وحينا يكون الخلل من الأحادية في الرأي (الفتوى، وفهم النص الشرعي وتحقيق المناط)؛ وحينا يكون الخلل في السياق الذي يصرون على التواجد فيه وهو السياق السلطوي.." وفق رأيه.
من جانبه لفت الباحث الجزائري في الفكر الإسلامي، صهيب بوزيدي إلى أن "مواقف السلفيين تختلف حول قضايا الأمة عموما والقضية الفلسطينية خصوصا، فالجامية بكل فروعها، وعلى رأسها التيار المدخلي يرون الجهاد ممنوعا في زماننا إلا إن كان مع أمريكا ضد صدام حسين، أو مع فرنسا والفاغنر الروسي ضد ليبيا، أو مع السعودية بدعم من أمريكا ضد اليمن".
وتابع "أما الجهاد ضد الإسرائيليين فيصفون أهله بالخوارج والإرهابيين، وقد أفتى المداخلة بتصنيف حماس حركة إرهابية وخارجية ـ كأن سبب وصفهم لهم بالخوارج خروجها على إسرائيل ـ، بينما يدعم أشهر الشيوخ السلفيين المقاومة الفلسطينية ضد الصهاينة كالشيخ الحويني الذي صرح بأن ما تفعله حماس جهاد، وقال "ولا ينكر عليهم إلا المداخلة المبتدعة".
صهيب بوزيدي باحث جزائري في الفكر الإسلامي
وأردف "وكثير من الشيوخ السلفيين في السعودية مسجونون، ومواقفهم من قضايا الأمة معروفة، فكل من الشيخ خالد الراشد، وسلمان العودة، وسفر الحوالي وغيرهم يرون الجهاد ضد الصهاينة من أولويات هذا العصر، لكن المداخلة كذبوا كذبة ثم صدقوها، فأقصوا كثيرا من السلفيين من الساحة ووصفوهم بالسرورية، ثم صدقوا أنهم الممثل الوحيد للسلفية في هذا العصر"ز
وردا على سؤال "عربي21" بشأن رأي السلفية الجامية في عدم مشروعية الجهاد في حالة الضعف، قال بوزيدي "بالنسبة لحالة الضعف قد لا يُفرض الجهاد ويُرخص في تفاديه لكنه لا يحرم، فمن المؤمنين من قد يأخذ بالعزيمة، ومنهم من قد يأخذ بالرخصة، ويجب أن تكون كلمتهم على قلب رجل واحد"ز
وأضاف: "ولو نظرنا إلى تاريخ الجزائر لوجدنا تصريحات القومية والحركي (عملاء فرنسا) آنذاك مطابقة لتصريحات المداخلة اليوم، كلهم كانوا يحتجون بقوة العدو على عدم جواز قتالهم، وها قد نالت الجزائر حريتها، وصار وصف (الڨومية) عارا على أهله، ولم يبق سوى الفخر بتاريخ المجاهدين والشهداء، ولو سمع المجاهدون آنذاك لأقوالهم لما تحررت الجزائر إلى اليوم".
وفي ذات الإطار وصف الأكاديمي المغربي، مدير مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، الدكتور إدريس مقبول "التيارات السلفية التي يعترض بعض رموزها اليوم على المقاومة في مسألة شرعية حقها في الدفاع عن فلسطين بداعي ما تسميه الضعف أمام عدوها الصهيوني بأنها تعيش "انفصاما مزدوجا تجاه التراث الذي تستند إليه في تقرير هذا الموقف".
وأردف: "كما تعيش حالة من التناقض المزمن في قبولها بتسلط أعداء الأمة عليها مع ما يترتب عليه من ضياع لحقيقة الأمة المادية والمعنوية حال وقوعها تحت سلطان غيرها، فلا يُتصور بحال قيام لكينونة الأمة ولا لوظيفتها الكونية باعتبارها أمة الشهادة؛ وشاهدة بالقسط وأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا لم تكن مستقلة حرة ذات سيادة على نفسها، وعلى أرضها تدفع عن نفسها من باب أخذها بالسنن لقوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)".
وعن آثار ومآلات مواقف السلفية الجامية من مقاومة الاحتلال رأى مقبول في حواره مع "عربي21" أن "بعض تيارات السلفية بموقفها التخذيلي والانهزامي والتضليلي قد تحولت إلى أداة فساد من حيث حولت الدين نفسه إلى ألعوبة، وتحولت هي نفسها إلى أداة في يد الاحتلال وأنظمة الفساد من حيث تدري أو لا تدري، يزيد بها توهين المقاومة ومن يساندها حين جعلت من دفاع الإنسان عن أرضه وعرضه إهلاكا لها، وتعريضا لها للإتلاف"ز
د. إدريس مقبول، أكاديمي مغربي ومدير مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية
واستبعد أن "يتم التطبيع مع الاستعمار الصهيوني، وأن يكون واقعا في حياتنا إلا بتزييف الدين في العقول وتحويله إلى مجرد فلكور، وتحويل العلماء إلى راقصين ومشعوذين يعبثون بنصوصه، يمثلون مع المتخلفين في كل عصر دورهم في تثبيط العزائم، وتفريغ الدين من محتواه التحريري والثوري ضد الظلم، في مقابل تقديم صورة عن الدين متساكنة مع الظلم، ومتساكنة مع الاحتلال مبررة لاختلال نظام العالم بفقد شرط القدرة أو العجز، وهذا النمط من الفقه هو عين العجز"ز
وقال "في الأدبيات الفقهية الموروثة هناك إجماع على أن دفع الصائل، أو ما يسمى بجهاد الدفع أو الدفاع عن الوطن بلغة العصر؛ وهو عين ما تقوم به المقاومة الفلسطينية لا خلاف حوله، ولا شرط فيه وبخاصة إذا تعلقت المفاسد فيه بالأعراض وبالأرض وبالأنفس، وإن وقع الخلاف في المال، ومن المعلوم للجميع أن العدو الصهيوني قد جاوز كل الحدود في الإفساد والاغتصاب وانتهاك أعراض الحرائر في كل تراب فلسطين، وفي سجونه كما تؤكد التقارير الحقوقية الأممية".
وتساءل في ختام كلامه "فكيف يتصور إنقاذ آلاف الأسرى عامة، والأسيرات خاصة ممن يعذبون، وتمتهن كرامتهم وإنسانيتهم في سجون العدو من غير آلية الضغط والتبادل التي دأبت عليها المقاومة، وضربت فيها أروع الأمثلة على حنكتها وتفوقها؟ ولهذا فإن ما يجري اليوم في غزة بمنزلة إعلان أخلاقي لواجب دفع الصائل والمعتدي الذي استهدف الأرض والعرض بدون وجه حق".
وحذر أتباع السلفية التي باتت تعرف بالجامية والمدخلية من التفرق والاختلاف، موجها كلامه لهم بالقول "واجمعوا أهل التوحيد والسنة والسلفيين حتى لا تنزلق أقدامهم، والله إنه يخشى مع كل فتنة أن تخرج طائفة من شبابنا ويذهبوا إلى مستنقعات الإخوان المسلمين والسروريين وغير ذلك، وقد حصل هذا".
وأضاف: "لما وقعت هذه الفتنة في حالة غزة..، زل كثير من السلفيين في ذلك" متسائلا "أين هي التأصيلات المتفق عليها.. ولنرجع إلى ما كنا عليه قبل ذلك من أن الجهاد في حالة الضعف ليس مشروعا، وقد كان السلفيون سائرين على هذا ومتفقين، واليوم تغيرت طائفة منهم، فاتقوا الله وتذكروا ما كنتم عليه..".
اللافت في كلام الريس نسبة القول بعدم مشروعية الجهاد في حالة الضعف، حتى لو كان ضد العدو الصائل المحتل المغتصب كما في حالة فلسطين، إلى عامة الاتجاهات السلفية، بلا تفريق بينها، وكأنه حكم متفق عليه ومحل إجماع بينهم كما كرر ذلك في أكثر من موضع من كلمته المشار إليها.
الكاتب والباحث السياسي المصري، المتخصص في الحركات الإسلامية، الدكتور محمد جلال القصاص أرجع ذلك إلى كون عبد العزيز الريس "يرى أن السلفية هم الجامية فقط، الذين يرون عدم مشروعية المقاومة حال الضعف، ويتحدث إليهم وحدهم وكأنهم هم جماعة المسلمين، وهذه مشكلة عند المتحزبين عموما، فهم يرون أنفسهم الممثلين للظاهرة التي ينتمون إليها ويتجهون بعداوتهم لمن قاربهم في ذات الظاهرة الاجتماعية (التدين هنا)".
وأضاف: "فالمتحدث هنا يطالب أهله بالثبات على المبدأ (عدم القتال وقت الضعف)، وأن لا يختلفوا حتى لا يتقوى بخلافهم عدوهم (والعدو هنا هم من جاوره من الإخوان المسلمين والسروريين).. لكننا إذا ما حاولنا أخذ صورة شاملة للسلفيين فإننا سنجد أن السلفية تمتد من أقصى اليمين (الجهاديون التكفيريون كداعش وأخواتها)، إلى أقصى اليسار (من يتفق منهم مع المستبدين، ولا يرون قتال الكافرين بدعوى الضعف)، مرورا بالسلفية الدعوية والسلفية التي تنشط في العمل الاجتماعي (الخيري)".
وواصل القصاص حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ففي كل مشهد يوجد سلفيون، والجزء الأكبر سائل متحرك بدافع ديني محافظ لا بفتاوى (الرموز)، ولا ينضبط بأطر حزبية، وعامتهم مع غزة وأهلها ويجاهر بهذا ليل نهار، ولا يشذ إلا القليل من الجامية، ولعل في كلمة الريس هذه دليل على أن الداخل الجامي منقسم على نفسه، وبعضه يؤيد أهل غزة، ويستحضر فتاوى (الألباني) في تأييد الجهاد الأفغاني ـ وقد كان في حالة ضعف أيضا ـ ".
د. محمد جلال القصاص كاتب وباحث سياسي مصري
وتابع "إذا استثنينا الجامية من السلفيين فإن عامتهم منخرطون في المواجهة، فالفكر السلفي مواجه في الميدان الثقافي يرفض العلمانية الوضعية، ويواجه الاستشراق والتنصير، ويقدم أطروحات نقدية، ومن الأمثلة على ذلك ما قدمه الدكتور سفر الحوالي في نقد العلمانية والحضارة الغربية، ومحاولة ترجمة كتاب الجواب الصحيح؛ والفكر السلفي مواجه كذلك في المجال الأخلاقي، إذ نراه يتصدى لمظاهر الانحراف الأخلاقي في المجتمع، ويقدم وعظا يؤسس لقيم أخلاقية مصدرها الكتاب والسنة".
وأردف "وهو كذلك مواجه في المجال السياسي، فبين الثوريين يوجد سلفيون أيضا كحازم صلاح أبو إسماعيل؛ ومواجه في العمل المسلح، فلا تكاد ترصد ميدانا تدافع فيه الأمة عن وجودها إلا وفيه سلفيون.. ولا بد أن نعي جيدا أن الجامية لها خصوصية، فما يقال عنهم لا يصح تعميمه على باقي السلفيين".
وأكمل القصاص فكرته بالقول "والجامية لهم أطر خاصة بهم، فحينا ينطلقون من الحقد على الأقران، وحينا يكون الخلل من الأحادية في الرأي (الفتوى، وفهم النص الشرعي وتحقيق المناط)؛ وحينا يكون الخلل في السياق الذي يصرون على التواجد فيه وهو السياق السلطوي.." وفق رأيه.
من جانبه لفت الباحث الجزائري في الفكر الإسلامي، صهيب بوزيدي إلى أن "مواقف السلفيين تختلف حول قضايا الأمة عموما والقضية الفلسطينية خصوصا، فالجامية بكل فروعها، وعلى رأسها التيار المدخلي يرون الجهاد ممنوعا في زماننا إلا إن كان مع أمريكا ضد صدام حسين، أو مع فرنسا والفاغنر الروسي ضد ليبيا، أو مع السعودية بدعم من أمريكا ضد اليمن".
وتابع "أما الجهاد ضد الإسرائيليين فيصفون أهله بالخوارج والإرهابيين، وقد أفتى المداخلة بتصنيف حماس حركة إرهابية وخارجية ـ كأن سبب وصفهم لهم بالخوارج خروجها على إسرائيل ـ، بينما يدعم أشهر الشيوخ السلفيين المقاومة الفلسطينية ضد الصهاينة كالشيخ الحويني الذي صرح بأن ما تفعله حماس جهاد، وقال "ولا ينكر عليهم إلا المداخلة المبتدعة".
صهيب بوزيدي باحث جزائري في الفكر الإسلامي
وأردف "وكثير من الشيوخ السلفيين في السعودية مسجونون، ومواقفهم من قضايا الأمة معروفة، فكل من الشيخ خالد الراشد، وسلمان العودة، وسفر الحوالي وغيرهم يرون الجهاد ضد الصهاينة من أولويات هذا العصر، لكن المداخلة كذبوا كذبة ثم صدقوها، فأقصوا كثيرا من السلفيين من الساحة ووصفوهم بالسرورية، ثم صدقوا أنهم الممثل الوحيد للسلفية في هذا العصر"ز
وردا على سؤال "عربي21" بشأن رأي السلفية الجامية في عدم مشروعية الجهاد في حالة الضعف، قال بوزيدي "بالنسبة لحالة الضعف قد لا يُفرض الجهاد ويُرخص في تفاديه لكنه لا يحرم، فمن المؤمنين من قد يأخذ بالعزيمة، ومنهم من قد يأخذ بالرخصة، ويجب أن تكون كلمتهم على قلب رجل واحد"ز
وأضاف: "ولو نظرنا إلى تاريخ الجزائر لوجدنا تصريحات القومية والحركي (عملاء فرنسا) آنذاك مطابقة لتصريحات المداخلة اليوم، كلهم كانوا يحتجون بقوة العدو على عدم جواز قتالهم، وها قد نالت الجزائر حريتها، وصار وصف (الڨومية) عارا على أهله، ولم يبق سوى الفخر بتاريخ المجاهدين والشهداء، ولو سمع المجاهدون آنذاك لأقوالهم لما تحررت الجزائر إلى اليوم".
وفي ذات الإطار وصف الأكاديمي المغربي، مدير مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، الدكتور إدريس مقبول "التيارات السلفية التي يعترض بعض رموزها اليوم على المقاومة في مسألة شرعية حقها في الدفاع عن فلسطين بداعي ما تسميه الضعف أمام عدوها الصهيوني بأنها تعيش "انفصاما مزدوجا تجاه التراث الذي تستند إليه في تقرير هذا الموقف".
وأردف: "كما تعيش حالة من التناقض المزمن في قبولها بتسلط أعداء الأمة عليها مع ما يترتب عليه من ضياع لحقيقة الأمة المادية والمعنوية حال وقوعها تحت سلطان غيرها، فلا يُتصور بحال قيام لكينونة الأمة ولا لوظيفتها الكونية باعتبارها أمة الشهادة؛ وشاهدة بالقسط وأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا لم تكن مستقلة حرة ذات سيادة على نفسها، وعلى أرضها تدفع عن نفسها من باب أخذها بالسنن لقوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)".
وعن آثار ومآلات مواقف السلفية الجامية من مقاومة الاحتلال رأى مقبول في حواره مع "عربي21" أن "بعض تيارات السلفية بموقفها التخذيلي والانهزامي والتضليلي قد تحولت إلى أداة فساد من حيث حولت الدين نفسه إلى ألعوبة، وتحولت هي نفسها إلى أداة في يد الاحتلال وأنظمة الفساد من حيث تدري أو لا تدري، يزيد بها توهين المقاومة ومن يساندها حين جعلت من دفاع الإنسان عن أرضه وعرضه إهلاكا لها، وتعريضا لها للإتلاف"ز
د. إدريس مقبول، أكاديمي مغربي ومدير مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية
واستبعد أن "يتم التطبيع مع الاستعمار الصهيوني، وأن يكون واقعا في حياتنا إلا بتزييف الدين في العقول وتحويله إلى مجرد فلكور، وتحويل العلماء إلى راقصين ومشعوذين يعبثون بنصوصه، يمثلون مع المتخلفين في كل عصر دورهم في تثبيط العزائم، وتفريغ الدين من محتواه التحريري والثوري ضد الظلم، في مقابل تقديم صورة عن الدين متساكنة مع الظلم، ومتساكنة مع الاحتلال مبررة لاختلال نظام العالم بفقد شرط القدرة أو العجز، وهذا النمط من الفقه هو عين العجز"ز
وقال "في الأدبيات الفقهية الموروثة هناك إجماع على أن دفع الصائل، أو ما يسمى بجهاد الدفع أو الدفاع عن الوطن بلغة العصر؛ وهو عين ما تقوم به المقاومة الفلسطينية لا خلاف حوله، ولا شرط فيه وبخاصة إذا تعلقت المفاسد فيه بالأعراض وبالأرض وبالأنفس، وإن وقع الخلاف في المال، ومن المعلوم للجميع أن العدو الصهيوني قد جاوز كل الحدود في الإفساد والاغتصاب وانتهاك أعراض الحرائر في كل تراب فلسطين، وفي سجونه كما تؤكد التقارير الحقوقية الأممية".
وتساءل في ختام كلامه "فكيف يتصور إنقاذ آلاف الأسرى عامة، والأسيرات خاصة ممن يعذبون، وتمتهن كرامتهم وإنسانيتهم في سجون العدو من غير آلية الضغط والتبادل التي دأبت عليها المقاومة، وضربت فيها أروع الأمثلة على حنكتها وتفوقها؟ ولهذا فإن ما يجري اليوم في غزة بمنزلة إعلان أخلاقي لواجب دفع الصائل والمعتدي الذي استهدف الأرض والعرض بدون وجه حق".
0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق